logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح أبواب من صحيح مسلم/(48) باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا- من حديث: “إن الله كتب على ابن آدم ‌حظه ‌من الزنا..”

(48) باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا- من حديث: “إن الله كتب على ابن آدم ‌حظه ‌من الزنا..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فحياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي، وهو الدرس الثاني والأربعون في شرح صحيح مسلم، في شرح كتاب القدر، في هذا اليوم الثلاثاء، الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة، من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وأربعين للهجرة.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول، وبك أحول، وبك أستعين، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

باب قُدِّر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره

كنا قد وصلنا في كتاب القدر من صحيح مسلم إلى باب قُدِّر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره.

حدثنا إسحاق بن إبراهيم، وعبد بن حُميد -واللفظ لإسحاق- قالا: أخبرنا عبدالرزاق، حدثنا معمر، عن ابن طاووس عن أبيه، عن ابن عباس، قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة: أن النبي قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تَمَنَّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه [1].

ثم ساق المصنف هذا الحديث:

عن أبي هريرة عن النبي قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه [2].

المقصود باللمم

أولًا: قول ابن عباس رضي الله عنهما: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم، اللمم المقصود به: صغائر الذنوب، كما في قول الله : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32]، ومعنى الآية: الذين يجتنبون المعاصي غير اللمم يغفر لهم، كما في قول الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، فاجتناب الكبائر يسقط الصغائر، وهي اللمم.

ومثّل ابن عباس رضي الله عنهما للمم، بما ورد في هذا الحديث من زنا هذه الجوارح ما عدا الفرج، فزناه من كبائر الذنوب.

فصغائر الذنوب، وهي التي تسمى اللمم، تكفر للإنسان إذا اجتنب الكبائر؛ لقول الله : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، ولقوله: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32].

وأيضًا ورد في الأحاديث ما يدل على مغفرة الصغائر بالصلوات الخمس، وبصلاة الجمعة، وبصيام رمضان، كما في قول النبي : الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر [3].

فهذه الصغائر من رحمة الله بعباده أنها تكفرها الصلوات الخمس، تكفرها صلاة الجمعة، ويكفرها صيام رمضان، بل إن مجرد اجتناب الكبائر يكفر الصغائر، بنص الآية: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31].

وهنا في هذا الحديث مثّل ابن عباس للمم، يعني لصغائر الذنوب بما جاء في حديث أبي هريرة: أن النبي قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة فيعني: مثال للصغائر أو اللمم: النظر المحرم مثلًا، وكذلك الاستماع المحرم، وكذلك أيضًا النطق المحرم المتعلق بالشهوة، وكذلك أيضًا: الخُطا أو حركة اليد، أو نحو ذلك من المقدمات، هذه كلها من اللمم، ولكن الزنا نفسه من الكبائر؛ ولذلك قال: ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.

وقوله عليه الصلاة والسلام: كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة المقصود بهذا كما قال أهل العلم: أن ابن آدم قُدّر عليه نصيبه من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقيًّا بإدخال الفرج في الفرج الحرام، وهذا من كبائر الذنوب، ومنهم من يكون زناه مجازًا بالنظر الحرام، أو الاستماع الحرام، وما يتعلق بتحصيله، أو باللمس باليد بأن يمس أجنبية بيده، أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا، أو النظر، أو اللمس، أو الحديث الحرام مع امرأة أجنبية، أو بالفكر بالقلب في ذلك، فهذا يحصل للإنسان، لا بد أن يحصل للإنسان شيء من هذه الأمور.

والفرج هو الذي يصدق ذلك بالزنا أو يكذبه، والمعنى كما قال النووي: أي أنه قد يحقق الزنا بالفرج، وقد لا يحققه، بأن لا يولج الفرج في الفرج، وإن قارب ذلك.

وقد خلق الله تعالى للإنسان من الحواس التي يجد بها لذة الزنا، كما قال المناوي، وأعطي من القوى التي يقدر عليه، وركز في جبلته حب الشهوات، فهذه أمور مغروزة في فطرة الإنسان.

قال بعض أهل العلم: الإنسان لا يملك دفع ذلك عن نفسه، فلا بد أن يدركه شيء من هذه الأمور، إما نظرة محرمة، إما استماع محرم، إما كلام محرم مع امرأة أجنبية، إما مس محرم لأجنبية، ونحو ذلك.

وأعظمها الزنا الذي يكون بالإيلاج، هذا من الكبائر، لكن مقدماته هذه التي ذكرت في الحديث هذه كلها من اللمم، كما قال ابن عباس يعني من الصغائر.

فالإنسان لا يملك دفع ذلك عن نفسه بسبب ما ركز في غريزته من الشهوة، غير أن الله تفضل على عباده، وجعل ذلك من اللمم، إذا لم يكن للفرج تصديق لها، وسميت هذه الأشياء بالزنا؛ لأنها مقدمات له، ونسب التصديق والتكذيب للفرج؛ لأنه منشؤه ومكانه.

وعلى ذلك فهذه المقدمات كلها من اللمم ومن الصغائر، ولا يعني هذا أن يُستهان بها، فإن الله قال: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا [الإسراء:32]، وهذا يدل على أنه يجب البعد عن مقدماته، وعمّا يقرب إليه؛ لأن له مقدمات وخطوات.

ولكن المقصود أن هذا إذا حصل في حال ضعف للنفس، أو ضعف إيمان، فإن هذا يعتبر من اللمم، يكفر إما بالصلوات الخمس، أو بصيام رمضان، أو بصلاة الجمعة، أو بمجرد اجتناب الكبائر، فهذا من رحمة الله تعالى بعباده، فإن الله تعالى علم ضعف الإنسان؛ ولذلك تفضل الله بهذا.

وبعض المفسرين فسر قول الله : وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء:28] أي: ضعيفًا عند الشهوة، لا يملك نفسه، لكن الله رحمن رحيم، خلق هذا الإنسان، وعلم ضعفه، وجعل هذه الأمور التي تقع منه، ولا تصل إلى درجة الزنا من اللمم، ومن صغائر الذنوب التي تكفر إما بصلاة، أو بصيام، أو بمجرد اجتناب الكبائر.

باب كل مولود يولد على الفطرة

ننتقل بعد ذلك إلى باب: كل مولود يولد على الفطرة، وحكم موتى أطفال الكفار، وأطفال المسلمين.

حدثنا حاجب بن الوليد: حدثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه كان يقول: قال رسول الله : ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة : واقرؤوا إن شئتم: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30] [4].

ثم ساق المصنف هذا الحديث بروايات أخرى:

ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويشركانه قال رجل: أرأيت لو مات قبل ذلك؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين [5].

وأيضًا ساق المصنف هذا الحديث بروايات أخرى من حديث:

أبي هريرة: ما من مولود يولد على هذه الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تنتجون الإبل، فهل تجدون فيها جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت صغيرًا؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين [6].

ثم ساق المصنف هذا الحديث:

عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال: كل إنسان تلده أمه على الفطرة، وأبواه بعد يهودانه وينصرانه ويمجسانه، فإن كانا مسلمين فمسلم، كل إنسان تلده أمه يَلْكُزُه الشيطان في حِضْنَيْه، إلا مريم وابنها [7].

ثم ساق المصنف أيضًا حديث:

أبي هريرة أن النبي سُئل عن أولاد المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين [8].

ثم ساق المصنف أيضًا روايات أخرى لهذا الحديث، ثم ساق حديث:

ابن عباس: سُئل رسول الله عن أطفال المشركين، قال: الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم [9].

وأيضًا ساق المصنف حديث:

أُبي بن كعب قال: قال رسول الله : إن الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافرًا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا [10].

وساق أيضًا حديث:

عائشة قالت: تُوفي صبي فقلت: طُوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله : أو لا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلًا، ولهذه أهلًا [11].

وساق المصنف حديث عائشة من رواية أخرى:

قالت: دُعي رسول الله إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلتُ: يا رسول الله طُوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء، ولم يدركه، قال: أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم [12].

هذه الأحاديث تضمنت عدة مسائل:

المراد بالفطرة في الأحاديث السابقة

المسألة الأولى: قوله عليه الصلاة والسلام: ما من مولود يولد إلا على الفطرة ما المراد بالفطرة في هذا الحديث؟

اختلف العلماء في ذلك:

فقيل: إن المراد بها: الإسلام.

وقيل: ما هيئ له.

وقيل: ما يصير إليه من سعادة أو شقاوة.

وقيل وهو الأقرب: هي ما أخذ عليهم في أصلاب آبائهم من معرفة الله وتوحيده.

هذا هو الأقرب والله أعلم، أن المقصود بالفطرة: معرفة الله تعالى، والإقرار به، وتوحيده جلّ وعلا.

فليس أحد يولد إلا وهو يقر بأن له خالقًا، وإن سماه بغير اسمه، أو عبد معه غيره، هذا هو المعنى الصحيح، وكما قال سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ۝أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:172-173].

الله أخذ جميع بني آدم، وهم في الذر في صلب أبيهم آدم وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ كل بني آدم وهم في الذر وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا فعرفوا الله ، وأنه هو خالقهم، وأنه الواحد الأحد جلّ وعلا، فإن قال قائل: إنني لا أتذكر هذا العهد، لا أتذكر أني كنت في الذر، وأن الله تعالى قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ فقلتُ: بلى؟

الجواب عن هذا: وهل تتذكر لما كنت في بطن أمك؟ حملتك أمك تسعة أشهر، هل تتذكر ذلك؟

إذا كنت لا تتذكره هل تنكره؟ وهل تتذكر وقت ولادتك وهو من الأحداث العظيمة في حياتك؟ بل هل تتذكر حياتك وعمرك سنة أو سنتين أو ثلاث؟ قطعًا لا تتذكر ذلك، فإذا كنت لا تتذكر هذه الأحداث، وأنت موقن بصحتها، فكيف تنكر هذا الذي ذكره الله بمجرد أنك لا تتذكره، أنت لا تتذكر لما كنت في بطن أمك حملتك تسعة أشهر، لكنك لا تنكره، لماذا؟ لأنه أخبرك الثقات بأن أمك حملتك؛ ولأنك ترى سُنن الله ، وأن ما من إنسان إلا ويولد، ويبقى في بطن أمه، وهكذا أيضًا وقت ولادتك، ووقت طفولتك المبكرة، كل هذه الأحداث لا تتذكرها.

لكنك تثق فيمن نقل لك ذلك، وترى أيضًا سنن الله في هذا الكون، أفلا تثق إذا كان المخبر هو الله ، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا؟!

كيف أنت لا تنكر أن أمك حملتك في بطنها تسعة أشهر، مع أنك لا تتذكره؟ لأنك ترى سُنن الله في الكون؛ ولأنه قد أخبرك بمن تثق فيه من البشر.

فأيضًا أن الله تعالى أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم، الذي أخبرنا بذلك هو خالق الكون، هو رب العالمين، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا؟!

وكذلك أيضًا: سُنن الكون تدل لهذا، تدل على أن كل إنسان مولود على الفطرة، فمثل هذه الدعاوى دعاوى باطلة، دعاوى داحضة، الذي يقول: لا أتذكر أن الله خاطبني وأنا في الذر، وقال: ألست بربكم؟ فقلتُ: بلى.

فنقول: هذه حجة داحضة، الذي يقول: لا يتذكر؛ لأنه لا يحتج بعدم التذكر على إنكار ولادته، أو على إنكار حمل أمه له تسعة أشهر، أو على حياته بطفولته المبكرة، لا ينكر ذلك لأنه لا يتذكر، فكيف ينكر ما أخبرنا به رب العالمين بكونه لا يتذكر؟

فعدم التذكر إذن ليس حجة، فالله تعالى أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم: ألستُ بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا.

ولذلك كل إنسان ولد على هذه الفطرة، على معرفة الله ، وعلى الإقرار به، وعلى أن له خالقًا مدبرًا لهذا الكون؛ ولهذا نجد أن الأمم السابقة، لم ينكروا وجود الله ، الأمم السابقة لم تكن تنكر وجود الله.

أعطوني أمة من الأمم السابقة كانت تنكر وجود الله، كل الأمم السابقة تقر بوجود الله ؛ قوم نوح، وعاد، وثمود، وأصحاب الأيكة، وجميع الأمم السابقة، وكفار قريش وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25].

يقرون بأن الله الخالق الرازق، المدبر لهذا الكون؛ لأن هذا أمر قد فطروا عليه، كل مولود يولد على الفطرة؛ ولذلك يعني إذا أردت أن تبطل حجة أي ملحد، فأعظم ما تبطل به حجته قضية الخلق.

اطرح عليه سؤالًا: من الذي خلقك؟ هل أنت خلقت نفسك؟ سيقول: لا، قطعًا؛ لأن الإنسان لو أراد أن يخلق نفسه لاختار وجهًا غير هذا الوجه، وعينين غير هاتين العينين، واختار خلقًا آخر.

طيب أنت لم تخلق نفسك، إذن هناك خالق لك، طيب من الخالق؟ تلتفت يمينًا وشمالًا تجد بشرًا مثلك لم يخلقوا أنفسهم، تجد جمادات، تجد أشجارًا، تجد حيوانات، كل هذه لا عقول لها، فلا يمنح العقل من لا عقل له.

إذن لا بد أن يكون هناك خالق لهذا الكون، خلقك وخلق كل شيء، وهذا الخالق لا بد أن يخبر عن نفسه، يقول: أنا خلقتكم، أنا الذي خلقتُ السماوات والأرض، أنا الذي خلقتُ البشر، أنا الذي خلقتُ كل شيء، هل هناك أحد غير الله قال: أنا الذي خلقتُ كل شيء؟

أبدًا لا يوجد في التاريخ؛ لأنه لم يتجرأ أحد أن يدعي قضية الخلق، فتستطيع أن تبطل كلام هذا الملحد، فحجتهم باطلة، ويبطلها حتى الرجل العامي البسيط، وأقوى ما تبطل به قضية الخلق، أنت لم تخلق نفسك، إذن هناك خالق لك، ولم يوجد أحد يدعي الخلق إلا الله .

فإذن هذا هو المقصود بالفطرة، هو العهد الذي أخذه الله تعالى على بني آدم من ظهورهم وهم في الذر، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ولذلك لو أن إنسانًا ولد في غابة وتُرك ولم يتصل بالبشر، فإنه سيتعرف بفطرته على خالقه جل وعلا؛ لأنه قد فُطر على ذلك، لكن ينقصه معرفة ماذا يريد الخالق منه؟ كيف يعبد الخالق، ونحو ذلك، لكن يعرف بأن هناك خالق موجد له.

وإذا ابتعد الإنسان عن نور الوحي، فقد يضل في الاهتداء لهذا الخالق؛ ولذلك المجتمعات البعيدة عن نور الوحي تقع في الشرك، يعني بعض الناس في بعض المجتمعات يعبدون بعض الحيوانات، ويعبدون أيضًا الجرذان والفئران، أو نحو ذلك؛ لماذا؟ لأنهم قد فطروا على وجود الخالق؛ لكنهم بعيدون عن نور الوحي، فلم يهتدوا إلى معرفة الله ، هم فطروا على أن في خالق لهم؛ لكن لما ابتعدوا عن نور الوحي ضل معرفتهم لهذا الخالق، فهم في فطرتهم هناك حاجة ملحة للتعرف على هذا الخالق، فإذا اهتدى الإنسان لنور الوحي والنبوة يُدل على خالقه، وأنه الله ، فإذا كان بعيدًا عن نور الوحي والنبوة ربما يضل، يعبد حيوانًا، يعبد شجرًا، يعبد حجرًا، يعبد الشمس، يعبد القمر؛ لأنه بعيد عن نور الوحي والنبوة.

معنى: فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه

قال: فأبواه يهودانه يعني يجعلانه يهوديًّا، وينصرانه يعني: يجعلانه نصرانيًّا، ويمجسانه أي: يجعلانه مجوسيًّا، وفي الرواية الأخرى: أو يشركانه يجعلانه مشركًا.

فمعنى ذلك: أن المولود عندما يولد، يولد على الفطرة، على معرفة الله والتوحيد، لكن قد تنحرف هذه الفطرة بسبب تأثير الوالدين.

قال: كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ كما تنتج ضَبَطَهَا الشُّراح بضم التاء الأولى، وفتح الثانية، تنتج البهيمة بهيمة جمعاء جمعاء يعني: مجتمعة الأعضاء، سليمة من النقص.

هل تحسون فيها من جدعاء؟ الجدعاء هي مقطوعة الأذن، أو غيرها من الأعضاء، والمعنى: أن البهيمة تلد البهيمة كاملة الأعضاء لا نقص فيها، وإنما يحدث النقص والجدع بعد ولادتها.

هكذا الإنسان يولد على الفطرة، ثم يأتي بعد ذلك تأثير الأبوين عليه، فينقلانه من معرفة الخالق وتوحيده إلى دين آخر من الأديان.

ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وقوله في إحدى روايات حديث أبي هريرة: كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه، في حضنيه يعني: في جنبيه، وقيل: في الخاصرة إلا مريم وابنها.

الإنسان إذا ولد يطعن الشيطان في جنبيه هكذا؛ ولذلك يبكي، أول ما يخرج من بطن أمه تجد أنه يبكي، بسبب طعنة الشيطان، إلا مريم وعيسى؛ لأن امرأة عمران أم مريم، قالت: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36] فاستجاب الله تعالى دعاءها، فلم يستطع الشيطان أن يطعنها، هي وابنها عيسى، بسبب دعوة امرأة عمران.

حكم أولاد المشركين الذين ماتوا قبل البلوغ

ثم ساق المصنف عدة أحاديث في أولاد المشركين:

أولًا: أولاد المسلمين أجمع العلماء على أن من مات من أولاد المسلمين من بنين أو بنات قبل البلوغ أنه في الجنة، إذن أطفال المسلمين الذين ماتوا قبل البلوغ في الجنة بإجماع العلماء.

أما أطفال المشركين الذين ماتوا قبل البلوغ، فاختلف العلماء فيهم اختلافًا كثيرًا؛ وذلك لاختلاف الأحاديث الواردة في ذلك.

فهنا في حديث أبي هريرة: أن النبي سُئل عن أولاد المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين وأيضًا جاء في حديث أُبي: أن الغلام الذي قتله الخضر طُبع كافرًا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا وأيضًا عائشة لما قالت عن صبي تُوفي من الأنصار: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، قال لها النبي : أو غير ذلك ثم قال: إن الله خلق للجنة أهلًا، وللنار أهلًا، وهم في أصلاب آبائهم.

ومن هنا حصل الاختلاف، فقال بعض أهل العلم: إن أطفال المشركين تبع لآبائهم، فيكونون في النار، ولكن هذا القول قول ضعيف؛ إذ أن هؤلاء لم يجر عليهم قلم التكليف، والله تعالى يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، ولا يعاقبون بجريرة آبائهم، فالله عدل، فهذا القول قول ضعيف.

يقابل هذا القول القول بأن أطفال المشركين في الجنة، وهذا قد ورد في قصة إبراهيم عليه السلام لما رآه النبي في الجنة في ليلة المعراج، وحوله أولاد الناس، ورآهم النبي ، أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه رأى إبراهيم في الجنة وحوله أولاد، وقال: هذا أولاد المسلمين قالوا: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين [13].

فمن العلماء من قال: إن أولاد المشركين يكونون في الجنة؛ لأنه قد رفع عنهم قلم التكليف، فهم كأولاد المسلمين، واستدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: وأولاد المشركين.

والقول الثالث: أن أولاد المشركين يمتحنون يوم القيامة، كما يمتحن المجنون، ومن عاش في الفترة، الذي لم تقم عليه الحجة، وكذلك أولاد المشركين، فقالوا: إنهم يمتحنون امتحانًا الله أعلم بحقيقته، فمن نجح في ذلك الامتحان دخل الجنة، ومن لم ينجح فيه دخل النار.

وهذا القول اختاره البيهقي وابن القيم، وهو الأقرب، وهو أعدل الأقوال: أن أولاد المشركين يمتحنون يوم القيامة، وأن حكمهم حكم أهل الفترة، وحكم من بلغ مجنونًا، ومات على الجنون، فإنه يمتحن يوم القيامة، هذا هو القول -كما قال ابن القيم- الذي تجتمع به الأحاديث الواردة في هذه المسألة.

ويدل له قول النبي لما سئل عن أولاد المشركين، قال: الله أعلم بما كانوا عاملين يعني: إذا امتحنوا، الله يعلم يعني بما كانوا عاملين لو أنهم لم يموتوا قبل البلوغ، لكن هذا العلم لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، وإنما يترتب الثواب والعقاب على الامتحان الذي يكون يوم القيامة، ويظهر معه علم الله فيهم.

فهذا هو الأقرب -والله أعلم- أن أولاد المشركين حكمهم حكم أهل الفترة، وعلى هذا نقول: القول الراجح في أهل الفترة الذين لم تقم عليهم الحجة، وكذلك أيضًا أولاد المشركين، وكذلك أيضًا المجانين، وكذلك أيضًا ذوو الاحتياجات الخاصة ممن الضبط عندهم والعقول ليست تامًا، هؤلاء كلهم يمتحنون يوم القيامة امتحانًا الله أعلم بحقيقته، فإن نجحوا في هذا الامتحان دخلوا الجنة، وإن لم ينجحوا فيه دخلوا النار، والله تعالى أعلم بما كانوا عاملين، لو أنهم لم توجد عندهم هذه الموانع، والله أعلم بأطفال المشركين لو بلغوا ماذا سيعملون، والله أعلم بهذا المجنون لو لم يكن مجنونًا ماذا سيعمل، والله أعلم بأهل الفترة لو قامت عليهم الحجة ماذا سيعملون؟

لكن هذا العلم لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، حتى يمتحنوا في عرصات يوم القيامة، فيظهر أثر علم الله تعالى فيهم، فإما أن ينجحوا في هذا الامتحان؛ فيكونوا من أهل الجنة، وإما أن لا ينجحوا فيه؛ فيكونوا من أهل النار، وهذا من تمام عدل الله .

كما أن الناس الآن في الحياة الدنيا هم في امتحان، وقد ينجح الإنسان في هذا الامتحان، فيكون من أهل الجنة، وقد لا ينجح فيه، فيكون من أهل النار، هكذا أيضًا هؤلاء يمتحنون يوم القيامة امتحانًا الله أعلم بحقيقته.

هذا هو القول الراجح، والذي تجتمع به الأدلة، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.

وقوله في حديث أُبي: إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرًا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا لكن هذا لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب؛ لأنه لم يبلغ سن التكليف، وعلم الله لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب؛ ولذلك هذا حكمه حكم أطفال المشركين، يمتحن يوم القيامة، ويظهر فيه أثر علم الله .

حكم الشهادة لمعين بأنه من أهل الجنة أو النار

وقوله في حديث عائشة لما قالت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: أو غير ذلك يا عائشة؟ مع أن أطفال المسلمين في الجنة بالإجماع، لكن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يبين لعائشة أنه لا ينبغي الجزم بهذه الأمور، وأن يرد علمها إلى الله .

وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، أنه لا يشهد لمعين بجنة ولا نار، إلا من شهد له الكتاب والسنة، معتقد أهل السنة والجماعة أنه لا يشهد لمعين بجنة ولا نار، إلا من شهد له الكتاب والسنة.

فمثلًا: نشهد بأن أبا لهب في النار؛ لأن الله قال: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:3]، ونشهد بأن أبا بكر وعمر وعثمان وعلي أنهم في الجنة، وهكذا بقية العشرة المبشرين بالجنة؛ لأن النبي أخبر بذلك.

نشهد بأن بلال بن رباح في الجنة؛ لأن النبي قال: إني سمعتُ دف نعليك في الجنة [14]؛ ولهذا قال ابن عباس لرجل من أصحابه: ألا أريك امرأة من أهل الجنة، هذه المرأة السوداء أتت إلى النبي ، فقالت: يا رسول الله، إني أصرع فادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك، وإن شئت صبرت، ولك الجنة قالت: أصبر، لكن ادع الله ألا أتكشف، فدعا الله لها ألا تتكشف [15]؛ فهذه شهد النبي أن لها الجنة ما دامت صبرت على هذا المرض العظيم الذي أصابها.

وهذا يدل أيضًا على أن من ابتلي بمرض شديد، بمرض عضال، فصبر عليه، أن ثوابه عند الله عظيم جدًّا، وأن ثوابه قد يكون الجنة، كما في قصة هذه المرأة التي كانت تصرع، فصبرت على هذا المرض، فأخبر النبي أن جزاء هذا المرض، وجزاء الصبر على هذا المرض الجنة.

ولذلك أقول: بشرى لمن ابتلي بمرض عضال فصبر عليه، بأن جزاءه عند الله عظيم، وأنه قد يكون مثل هذه المرأة التي قال لها النبي : إن شئت صبرت، ولك الجنة فهذا الذي ابتلي بمرض عضال، يقال له أيضًا: إن شئت صبرت ولك الجنة، اصبر على هذا المرض واحتسب، وأبشر بالأجر والثواب من الله .

فالإنسان الذي أصيب بمرض عضال يبشّر بهذه البشرى، ويقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر المرأة التي أصيبت بالصرع بأن لها الجنة إن هي صبرت، فكيف بمن ابتلي بمرض أعظم من الصرع؟

بعض الناس ابتلي بأمراض أعظم من الصرع، أشد إيلامًا، وأشد وقعًا وأثرًا من الصرع، فهؤلاء إن صبروا واحتسبوا فإن جزاءهم الجنة، لكن بالصبر والاحتساب.

ولذلك هذا الحديث سلوة لمن ابتلي بمرض عضال، بأن يقال له: إن صبرت واحتسبت فإن جزاءك عند الله الجنة إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة هذا لهذه المرأة ولمن كان مثلها، أو أشد حالًا منها ممن ابتلي بمرض عضال.

فقول النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة: أو غير ذلك؟ إرشادًا لها إلى ألا تشهد لمعين بجنة ولا نار، حتى لو كان المشهود له طفلًا، لا يقال: إن هذا في الجنة، أو إن هذا في النار، ينبغي أن يكف الإنسان عن ذلك، وإنما يُقال على سبيل الوصف: أطفال المسلمين في الجنة، من مات على التوحيد دخل الجنة، مثلًا: هذا يُرجى له الخير، شهد له الناس بالخيرية، وأنتم شهود الله في أرضه، فيؤتى بالوصف.

لكن لا يقال: إن فلانًا بعينه في الجنة، أو فلانًا بعينه في النار، إلا من شهد له الكتاب والسنة، هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة في ذلك.

وبعض العامة يتجرأ، ويرى رجلًا صالحًا فيقول: هذا من أهل الجنة، هذا لا يجوز، حتى وإن كان صالحًا، حتى وإن كان عابدًا صوّامًا قوّامًا، لا يجوز أن تقول: هذا من أهل الجنة، أو يرى إنسانًا فاجرًا يقول: هذا من أهل النار، لا يجوز مهما كان فجوره، لا يجوز أن تشهد لمعين بجنة ولا نار، إلا من شهد له الكتاب والسنة.

لكن يؤتى بوصف يقال: فلان يُرجى له الخير، يُرجى له الجنة، شهد له الناس بالخير، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: أنتم شهود الله في أرضه [16]، ونحو ذلك.

لكن لا يقطع بأن فلانًا في الجنة، أو أن فلانًا في النار؛ ولهذا عائشة لما قالت عن صبي من الأنصار: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، قال لها النبي : أو غير ذلك؟ إرشاد لها إلى ألا تعبر بهذا الأسلوب، وإن كان أطفال المسلمين في الجنة، لكن ينبغي ألا يقطع الإنسان بأن فلانًا في الجنة، فهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، أنهم لا يشهدون لمعين بجنة ولا نار، إلا من شهد له الكتاب والسنة.

الأمور الغيبية ينبغي الورع فيها، لا يكون الإنسان جريئًا، الأمور المتعلقة بالجنة والنار، ونحو ذلك، لا يجرأ الإنسان، ويقول: فلان في الجنة، وفلان في النار، هذا لا يجوز، لكن يأتي بكلمة يرجى الرجاء، أما أن يقطع بأن فلانًا في الجنة، وأن فلانًا في النار، هذا لا يجوز، وهذا خلاف معتقد أهل السنة والجماعة.

وقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله خلق للجنة أهلًا، خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلًا، خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم هذا كقوله في الأحاديث السابقة التي مرت لما قالوا: يا رسول الله فيم العمل؟ أفيم فرغ منه أو فيم يستقبل؟ قال: فيما فرغ منه، وجرت به المقادير قالوا: فيم العمل يا رسول الله؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له [17].

الله تعالى يعلم بأن هذا الإنسان سيعمل بعمل أهل الجنة، فيكون من أهل الجنة، وأن هذا الإنسان سيعمل بعمل أهل النار، فيكون من أهل النار؛ ولهذا قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له.

وفي هذا الحديث بشرى لمن كان على طريق الخير والاستقامة، بشرى له بأنه قد يُسر لليسرى، وأنه يسير في طريق الجنة بإذن الله ​​​​​​؛ لأن من كتبه الله تعالى من أهل الجنة فإنه سييسر لليسرى.

وفي المقابل من كان يسير في طريق الشر قد يكون من أهل النار، وأنه يسر للعسرى، لكن الله تعالى جعل للإنسان الاختيار إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3]، والقدر سر الله في خلقه، وأنت مخير، أنت أيها الإنسان مخير، تختار طريق الخير، أو طريق الشر، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] فجعل الهداية ثمرة للمجاهدة، بعض الناس يقول: الله يهديني، إذا أمر بخير أو أمر بطاعة، أو نهي عن شر أو منكر، قال: الله يهديني، هذه ليست حجة.

إذا أردتَ الهداية جاهد نفسك، فإن الهداية ثمرة المجاهدة وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، أما أن يقول: الله يهديني، وهو لم يجاهد نفسه، فهذه ليست بحجة.

ولهذا يذكر الله هذا عن أهل النار أنهم يتحسرون، ومما يقولونه: أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [الزمر:57] فكلمة الله يهديني، أو ادع لي بالهداية، أو نحو ذلك، هذه ليست حجة.

إذا أردتَ الهداية اسلك طريق الهداية، جاهد نفسك على فعل الطاعات، وعلى اجتناب المعاصي، فإن الله يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] فالهداية ثمرة للمجاهدة.

باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر

وساق المصنف حديث:

أم حبيبة قالت: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله ، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال رسول الله : قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر، كان خيرًا وأفضل [18].

وهذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة عند الله في الأزل، وأنها لا تزيد ولا تنقص، ولكن الآجال والأرزاق المقدرة عند الله ، التي لا تزيد ولا تنقص، هذه مكتوبة في اللوح المحفوظ.

وأما التي في الصحف التي بأيدي الملائكة فيدخلها المحو والإثبات، والزيادة والنقصان، كما قال الله تعالى: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] فالمحو والإثبات يدخل في الصحف التي بأيدي الملائكة.

فيكتب مثلًا: أن فلان بن فلان عمره خمسون، وبسبب صلته لرحمه ستون، والذي في اللوح المحفوظ ما يصل إليه الأمر بأن فلان بن فلان عمره ستون، ويكتب بأن فلان بن فلان رزقه كذا، وبسبب صلته لرحمه يزاد له في رزقه، والذي يكتب في اللوح المحفوظ ما ينتهي إليه الأمر.

وكذلك أيضًا قاطع الرحم، قطيعة الرحم قد تكون سببًا لتعسير الإنسان، ونقص رزقه ونحو ذلك، فإذن المحو والإثبات يدخل في الصحف التي في أيدي الملائكة.

أعرف رجلًا أصيب بمرض عضال، واستؤصلت أمعاؤه، لكنه كان مضرب المثل في صلة الرحم، وعاش بعد ذلك ما يقارب ربع قرن، وأقول: لعل الله تعالى أمد له في عمره بسبب صلته لرحمه.

فهذه الأمثلة نراها في الواقع؛ ترى إنسانًا قد شارف على الموت وعلى الهلاك، ثم بعد ذلك يمد له في عمره سنوات، ربما يكون هذا بسبب صلة الرحم: من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه [19].

أين يكون المحو والإثبات والزيادة والنقصان؟

فإذن المحو والإثبات والزيادة والنقصان تكون في الصحف التي بأيدي الملائكة، وأما الذي في اللوح المحفوظ لا يزيد ولا ينقص يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ يعني: في الصحف التي بأيدي الملائكة وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39] يعني: اللوح المحفوظ.

ولذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام هنا: لقد سألت الله لآجال مضروبة يعني: في اللوح المحفوظ، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله هذه كلها في اللوح المحفوظ لا يمكن أن تزيد أو تنقص.

ثم النبي عليه الصلاة والسلام أرشدها لأن تسأل الله تعالى أن يعيذها من عذاب في النار، وعذاب في القبر، وقد يُقال أيضًا: إن كون الإنسان يعذب في القبر، أو يعذب في النار أيضًا أمر قد فرغ منه، ومكتوب في اللوح المحفوظ، كما كُتب رزق الإنسان وعمله.

فالجواب عن ذلك: أن الجميع مفروغ منه، لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار وعذاب القبر ونحوهما عبادة، قد أمر الشارع بالعبادات، أما الدعاء بطول الأجل وبالرزق، فهذا ليس بعبادة، وكما لا يحسن ترك الصلاة والصوم والذكر اتكالًا على القدر، فكذا الدعاء بالنجاة من النار، ونحوه.

هكذا أجاب العلماء عن هذا الحديث، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لو دعوت الله تعالى بدعاء أنفع من هذا الدعاء الذي تدعين به، لو سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار، وعذاب في القبر، هذا يعني أنفع لك، ويكون عبادة تؤجرين وتثابين عليها، أحسن من أن تسألي الله تعالى لآجال مضروبة، وأرزاق مقسومة، هذا هو معنى الحديث.

لكن ترد عندنا مسألة وهي: ما حكم الدعاء بطول العمر، بأن تقول: أطال الله عمرك؟

الجواب: لا بأس بذلك، لكن ينبغي أن يقيد هذا بأن يكون على طاعة الله، فتقول: أطال الله عمرك على طاعته؛ لأن طول العمر مع حسن العمل نعمة، بينما طول العمر مع سوء العمل نقمة.

طول العمر مع حسن العمل نعمة؛ لأن الإنسان تزيد حسناته، بينما طول العمر مع سوء العمل نقمة؛ لأن الإنسان تزيد سيئاته، فالدعاء بطول العمر لا بأس به، لكن ينبغي أن يقيد ذلك على طاعة الله، تقول: أطال الله عمرك على طاعته.

ولذلك جاء في الحديث الصحيح عن النبي قال: خيركم من طال عمره، وحسن عمله، وشرّكم من طال عمره، وساء عمله [20].

وطول العمر مع حسن العمل من أعظم النعم؛ ولهذا جاء في قصة الرجلين عند أحمد وغيره بسند صحيح: أحدهما استشهد وقتل في سبيل الله، ومات الآخر بعده بعد سنة، فرُئي في المنام، وأن الذي مات بعد سنة في درجة أرفع من الذي استشهد، فسئل النبي عن ذلك، فقال: أليس قد صام رمضان [21]، يعني: هذا الذي مات بعده بسنة.

أليس قد صام رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، أو كذا وكذا ركعة صلاة السنة يعني: أنه بطول العمر زادت حسناته، فكان أرفع درجة من هذا الذي قد استشهد، وهذا يدل على أن طول العمر مع حسن العمل نعمة من الله .

ولهذا لا بأس بأن تسأل الله تعالى طول العمر، النبي دعا لأنس، قال: اللهم أطل عمره لأن طول العمر مع حسن العمل من نعم الله تعالى على الإنسان: خيركم من طال عمره، وحسن عمله.

ولذلك لا بأس بأن تدعو الله تعالى تقول: اللهم أطل عمري على طاعتك، اللهم اجعلني ممن طال عمره وحسن عمله، هذا من الأدعية الحسنة الطيبة.

لكن ينبغي تقييد الدعاء بطول العمر بأن يكون على طاعة الله؛ لأن طول العمر إنما يكون نعمة إذا كان على طاعة الله، وأما إذا كان على معصية الله، فإنه يكون نقمة ووبالًا على الإنسان

هل القرود والخنازير من نسل مَن مسخ؟

قال:

وذكرت عنده القردة والخنازير من مسخ، قال: إن الله لم يجعل لمسخ نسلًا ولا عقبًا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك [22].

هذا الحديث يدل على أن القردة والخنازير أنها أمة من الأمم، وأنها ليست من المسخ الذي حصل لبني إسرائيل، فإن الأمة التي من بني إسرائيل التي قلبت قردة بسبب ارتكابها لما حرم الله ، هؤلاء لم يبقوا إلا ثلاثة أيام فقط.

فأمة القرود والخنازير ليست من نسل هؤلاء، القرد حيوان من الحيوانات، وكذلك الخنزير حيوان من الحيوانات، وليس هذه القرود والخنازير ليست من نسل المسخ من بني إسرائيل، فهذا الحديث نص في المسألة، وأن هذه القردة ليست من نسل المسخ من بني إسرائيل، وأن الذين مسخوا من بني إسرائيل إلى قردة، هؤلاء لم يجعل الله تعالى لهم نسلًا، وكما جاء في بعض الروايات أنهم بقوا فقط ثلاثة أيام.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

نقف عند باب الإيمان بالقدر، والإذعان له.

الأسئلة

السؤال: صاحب مزرعة إذا حصد المحصول، هل يُعطي العمال حقوقهم قبل أن يخرج الزكاة، أو يخرج الزكاة، ثم يعطي العمال أجرتهم؟

الجواب: الزكاة ليس لها علاقة بالمصروفات، لا حقوق العمال ولا غيرها، الزكاة تكون من المحصول، تكون عشرة في المائة إذا كان يُسقى بغير مؤونة، وتكون نصف العشر يعني خمسة في المائة إذا كان يُسقى بمؤونة، ولا يخصم من ذلك أجرة العمال، ولا المصروفات الأخرى، فالزكاة ليس لها علاقة بذلك.

السؤال: عند بعض الطوائف يُقال لمن كبر سنه، وبلغ به العمر: هذا عتيق الله في أرضه.

الجواب: هذا الكلام كلام غير مقبول، ما معنى عتيق الله؟ وما الذي يدريك أنه عتيق الله؟ وكيف حكمت له بذلك؟

إنما تقول: هذا إنسان قد طال عمره، فنرجو أن يكون ذلك مع حسن العمل، أما أن يقال: إن هذا عتيق الله، أو يشهد لهذا بالجنة، أو يشهد لهذا بالنار، فهذا لا يجوز، هذا مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة؛ لأنه لا يجوز الجزم بالشهادة بأن فلانًا في الجنة، أو أن فلانًا في النار.

وقولهم: عتيق الله، يعني أنه في الجنة، فقولهم: فلان عتيق الله، يريدون أنه من أهل الجنة، وهذا لا يجوز، ومخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة.

السؤال: هل صحيح أن الذي يساعد الناس بالصدقات، يساعده الله تعالى في حوائجه، ويفرج همه؟

الجواب: نعم، هذا صحيح، يقول النبي : الله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه [23]، إذا أعنت أخاك المسلم، أعانك الله، وقال: من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة [24]، وقال: من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته [25].

فالذي يقضي حوائج الناس يقضي الله تعالى حوائجه، والذي يساعد الناس يساعده الله ، وكما قال سبحانه: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60].

السؤال: هل من نصيحة في الاشتغال بطلب العلم في زمن كثر فيه الاختلاف والفرقة، والتعيير والتنقص بين بعض طلبة العلم؟

الجواب: أولًا: يعني هذا الذي يحصل بين بعض طلبة العلم من الاختلاف الذي يؤدي إلى الوقوع في الأعراض والهمز واللمز، والسخرية والتنقص، والتصنيف، هذا كله من الشيطان النبي يقول: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53].

فينبغي للمسلم أن يتعامل مع إخوانه المسلمين عمومًا من طلبة العلم ومن غيرهم بأخلاق المؤمنين، الله تعالى وصفهم فقال: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].

يعني تأمل قول الله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يعني كأنك مع أخيك المسلم تكون ذليلًا كالذليل، لكن مع علوك؛ ولذلك قال: أَذِلَّةٍ لم يقل: للمؤمنين، قال: عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فالإنسان ينبغي أن يتواضع ويخفض جناحه لإخوانه المسلمين، ويرفق بهم، ويتعامل معهم بأخلاق المسلمين، فلا يجوز هذا الذي يحصل مما ذكره الأخ السائل من الهمز واللمز والسخرية والتنقص والتنصيف والقذف في الأعراض والغيبة، كل هذا لا يجوز.

ومن اشتغل بذلك محقت بركة علمه، وأصبح لا ينتفع بعلمه، يصبح طيلة وقته يشتغل بهذا الأمر، بتصنيف الناس، وبالوقوع في أعراضهم، ويعني هذا هو المفلس الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام: من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة وزكاة، ويأتي وقد ضرب هذا، وسفك دم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم، وطرحت عليه، ثم طرح في النار [26]، نسأل الله السلامة والعافية.

السؤال: بطاقة الفيزا من مصرف الراجحي، وبنك البلاد، مسبقة الدفع، أي أنني أقوم بوضع المال، وبعد ذلك استخدمها في العمليات الشرائية من الإنترنت أو المتاجر، وحسب نوع هذه البطاقات يتم الحصول على نقاط أو كاش باك مقابل العملية الشرائية، هل النقاط أو الكاش باك حلال؟

الجواب: نعم، نقول: هذه لا بأس بها، ومجازة من الهيئة الشرعية لهذين المصرفين، فهذه لا بأس بها، كلها منضبطة بالضوابط الشرعية، الكاش باك وهذه النقاط كلها لا بأس بها.

السؤال: امرأة تخدم والدها العاجز، وتحتاج إلى تنظيفه، واستعمال المراهم والزيوت، وقد تضطر لمس عورته، فما الحكم؟

الجواب: لا حرج عليها في ذلك؛ لأن الفتنة هنا منتفية، الفتنة غير واردة، والنهي عن النظر للعورة وعن مسها، هو لأجل الفتنة، وهي هنا غير واردة مع أبيها الكبير العاجز، فهذا كله غير وارد، لكن يعني تضع حائلًا، وتتقي ذلك ما استطاعت، لكن لو فعلت هذا، فلا حرج عليها، لا حرج عليها؛ لأن المنع من ذلك لأجل الفتنة، والفتنة هنا غير واردة، بل إنها مأجورة على ذلك أجرًا عظيمًا على برها بوالدها هذا الكبير العاجز.

السؤال: ألبس خفين لا يتوفر فيها شروط المسح، وعند الوضوء أخلع الخفين لأمسح على الجوربين، هل فعلي هذا صحيح؟

الجواب: نعم، فعلك هذا صحيح، يعني مثلًا من يلبس الجورب الشراب الذي يسمى الشراب، ويلبس فوقه كأن يسمى جزمة، ويلبس فوقه ما يسمى بالجزمة أو الكندرة، ثم عند الوضوء يخلع هذه الجزمة أو الكندرة، ويمسح على الجورب على الشراب، لا بأس بذلك، نقول: فعلك صحيح.

السؤال: في الطب تعتبر الصفرة ليست من الدورة، فكيف الطهارة إذا الصفرة مستمرة؟

الجواب: أولًا: المرجع في ذلك ليس للطب، المرجع في ذلك للشرع، والصفرة أو الكدرة التي تسمى بالإفرازات إذا كانت زمن الدورة، فتأخذ حكم الدورة، إذا كانت بعد الطهر لا تعتبر شيئًا.

وأما إذا كانت مستمرة هذه الإفرازات مع المرأة، فحكمها حكم صاحب الحدث الدائم، تتوضأ ولا يضرها خروج هذه الإفرازات بعد ذلك، وهذه الإفرازات طاهرة على القول الراجح ليست نجسة، وإنما حكمها حكم رطوبة فرج المرأة، فهي من حيث الطهارة طاهرة، لكنها ناقضة للوضوء فإذا كانت مستمرة يكون حكم هذه المرأة حكم صاحب الحدث الدائم.

السؤال: ما حكم كسب النقاط من المشتريات بواسطة الحساب الجاري والبطاقات الائتمانية؟

الجواب: أما ما كان عن طريق البطاقات الائتمانية، فلا بأس به؛ لأن المقرض فيها هو البنك، فهو مجرد مزيد إحسان من البنك للعميل.

وأما الهدايا والمكافآت التي تكون على الحساب الجاري نفسه، هذه لا تجوز؛ لأنها هدية من مقترض لمقرض، وهي غير جائزة، إلا إذا كانت الهدايا على عمليات الشراء، وليس على الحساب نفسه، يعني: لا ترتبط بالحساب، وإنما على عمليات الشراء، كلما اشتريت حسب لك نقاط، هذه لا بأس بها.

لكن إذا كانت على الحساب الجاري، كلما زاد الحساب كثرت الهدايا، هذا لا يجوز.

السؤال: إذا سجد الإمام للسهو بعد السلام، فقام المسبوق ليقضي، ماذا يفعل؟ هل يعود أم يكمل صلاته؟

الجواب: هو بالخيار إن شاء رجع وأكمل مع الإمام، ثم قضى ما فاته، وإن شاء استمر في قضاء ما فاته، ولم يسجد للسهو مع الإمام، لكنه يسجد للسهو في آخر صلاته، فهو بالخيار.

السؤال: هل تصح الصلاة بالسراويل القصيرة الشورت إذا كانت فوق الركبة قليلًا؟

الجواب: لا أدري ماذا يقصد الأخ السائل بفوق الركبة، هل المقصود بفوق الركبة، يعني أنها تكون هذه السراويل إلى آخر الفخذ قبل الركبة، أو أنها تغطي الركبة؟

إذا كانت هذه السراويل تغطي الركبة، فالصلاة فيها صحيحة، إذا كانت يعني تغطي الركبة، وهي من السرة إلى الركبة.

أما إذا كانت دون الركبة، يعني لا تغطي الركبة تكون الركبتان مكشوفتين، فلا تصح الصلاة فيها، وحتى لو قلنا: إن الصلاة تصح فيها إذا كانت فوق الركبة، فهذا خلاف الأولى.

السنة للمصلي أن يأخذ زينته في الصلاة، الله تعالى يقول: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، كيف يناجي الإنسان ربه وليس عليه إلا سراويل قصيرة؟

لو أردت أن تقابل شخصية مهمة هل تقابله بسراويل قصيرة؟ فكيف بمناجاة رب العالمين؟! هذا لا يليق بالإنسان أن يفعل ذلك، بل ينبغي أن يهتم الإنسان بشأن الصلاة، وأن يلبس أحسن ملابسه، وأن يأخذ زينته في الصلاة يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]؛ ولهذا لما رأى ابن عمر غلامه نافعًا يصلي حاسر الرأس، قال: أرأيت لو خرجت للسوق أتخرج كذلك؟ قال: لا، قال: فالله أحق أن يتزين له.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^2 رواه مسلم: 2657.
^3 رواه مسلم: 233.
^4, ^5, ^6, ^7 رواه مسلم: 2658.
^8 رواه مسلم: 2659.
^9 رواه مسلم: 2660.
^10 رواه مسلم: 2661.
^11, ^12 رواه مسلم: 2662.
^13 رواه البخاري: 7047.
^14 رواه البخاري: 1149، ومسلم: 2458.
^15 رواه البخاري: 5652، ومسلم: 2576.
^16 بنحوه رواه البخاري: 1367، ومسلم: 949.
^17 رواه مسلم: 2648.
^18, ^22 رواه مسلم: 2663.
^19 رواه البخاري: 5985.
^20 بنحوه رواه الترمذي: 2329.
^21 رواه أحمد: 8399.
^23, ^24 رواه مسلم: 2699.
^25 رواه البخاري: 2442، ومسلم: 2580.
^26 رواه مسلم: 2581.
zh