هذا الدرس يُعتبر مجلس علمٍ، والنبي يقول: مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة [1]، فالذي يُتابع مثل هذه الدروس ويحتسب الأجر عند الله هو في عبادةٍ.
تتمة باب: عِشْرة النساء
هذا هو الدرس الثالث والسبعون من التعليق على “السلسبيل”.
المدة التي يُقيمها مَن تزوج وكان له أكثر من زوجةٍ
وصلنا إلى قول المصنف رحمه الله:
وإذا تزوج بكرًا أقام عندها سبعًا، وثَيِّبًا ثلاثًا، ثم يعود إلى القسم بينهنَّ.
السُّنة في حقِّ مَن تزوج بكرًا أن يُقيم عندها سبعة أيامٍ بلياليهنَّ، ثم بعد ذلك يبدأ في القسم بينها وبين زوجاته، أما إذا كانت ثَيِّبًا فيُقيم عندها ثلاثة أيامٍ بلياليهنَّ، ثم بعد ذلك يبدأ بالقسم؛ لقول أنسٍ : “من السُّنة إذا تزوج الرجل البِكْر على الثَّيِّب أقام عندها سبعًا وقسم، وإذا تزوج الثَّيِّب على البِكْر أقام عندها ثلاثًا ثم قسم”، متفقٌ عليه [2].
والحكمة في هذا ظاهرةٌ، وهي: أن البِكْر تكون أكثر حياءً وخوفًا، ولم يسبق لها أن جَرَّبَت الحياة الزوجية، فهي بحاجةٍ لمزيدٍ من الأُنْس وقُرْب الزوج منها؛ لكي تحصل الأُلْفَة، وتزول الوَحْشَة، وتتوثق العلاقة بينهما، والثَّيِّب تحتاج إلى ذلك لكن بدرجةٍ أقلّ؛ لأن الثَّيِّب -في الغالب- أقل حياءً من البِكْر، وسبق أن جَرَّبَت الحياة الزوجية من قبل؛ فيُقيم عند الثَّيب ثلاثة أيامٍ بلياليهنَّ.
إذن البِكْر لها سبعة أيامٍ بلياليهنَّ، والثَّيِّب لها ثلاثة أيامٍ بلياليهنَّ، وهذه المدة غير داخلةٍ في القسم، يعني: يبدأ في القسم بعد ذلك.
وقد جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيامٍ، ولما أراد أن يخرج أمسكتْ بثوبه، فقال عليه الصلاة والسلام: ليس بكِ على أهلك هوانٌ، إن شئتِ سَبَّعْتُ لكِ، وإن سَبَّعْتُ لكِ سَبَّعْتُ لنسائي [3]، ما معنى هذا الكلام؟
يعني: يقول عليه الصلاة والسلام: أنت مُخيَّرةٌ؛ إن شئتِ استأثرتِ بثلاثة أيامٍ، ثم يبدأ القسم بين بقية الزوجات بعد ذلك، وإن شئتِ أن أُقيم عندك سبعة أيامٍ فعلتُ، لكن السبعة الأيام سأقضيهنَّ لبقية نسائي.
يعني: هل تُريدين ثلاثة أيامٍ تستأثرين بها، أو سبعة أيامٍ لا تستأثرين بها، وإنما أقضيهنَّ لبقية نسائي؟
هذا معنى الحديث.
فاختارت الأول؛ اختارتْ أن تستأثر بثلاثة أيامٍ فقط.
فمعنى ذلك: أنه لو أراد أن يبقى عند الزوجة أكثر من ثلاثة أيامٍ فهنا لا يكون لها حقٌّ في الاستئثار بثلاثة أيامٍ، وإنما يقضي للزوجة أو الزوجات الأُخريات مثلما أقام عند الأولى.
وهذا إنما هو في الإقامة فقط، وأما ما اعتاد عليه كثيرٌ من الناس اليوم من السفر، فالسفر أمرٌ زائدٌ على الإقامة؛ ولذلك لو تزوج امرأةً أخرى وسافر بها يجب عليه أن يُسافر بالأولى؛ لأن السفر شيءٌ زائدٌ، إنما هذا فقط في الإقامة عندها.
انتبه لهذه المسألة، فهذه المسألة يجهلها كثيرٌ من الناس، يعني: بعض الناس يظن أنها سبعة أيامٍ مع السفر، وهذا غير صحيحٍ، فالسفر لم يكن موجودًا لدى السابقين، إنما هو في الوقت الحاضر، فلو أنه أقام عندها سبعة أيامٍ وسافر بها يلزمه أن يقضي السفر للزوجة الأخرى؛ لأن السفر أمرٌ زائدٌ على الإقامة عندها.
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن أحكام النُّشوز، والنُّشوز في اللغة من الارتفاع: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى [فصلت:39]، فالأرض المُرتفعة يُقال: نَشَزَت الأرض، يعني: ارتفعتْ، فمادة النُّشوز تدل على الارتفاع.
تأديب الزوجة
قال: وله تأديبهن على ترك الفرائض.
يعني: إذا تركت الزوجة فريضةً من الفرائض فإنه يأمرها، فإن أَصَرَّتْ أدَّبها، وهذا التَّأديب أيضًا يكون على النُّشوز، والله تعالى ذكر نُشُوز المرأة ونُشُوز الرجل أيضًا: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا [النساء:128]، هذا نُشوز الرجل، وهذا ليس هو المقصود هنا، وإنما مقصود المؤلف: نُشوز المرأة المذكور في قول الله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ [النساء:34].
فمعنى نُشوز المرأة: أن تعصي المرأة زوجها، وأن تتمرد عليه فلا تُطيعه، كأن يطلبها للفراش فتأبى، أو أن تخرج من بيته بغير إذنه، يعني: أنها تتمرد عليه، هذا معنى نُشوز المرأة.
مراحل علاج النُّشوز
الله تعالى ذكر علاج هذا النُّشوز:
أولًا: المرأة يحرم عليها النُّشوز.
ثانيًا: إذا وقع النُّشوز من المرأة ذكر الله تعالى العلاج في قوله: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ، المرحلة الأولى التي ينبغي أن يسلكها الزوج لعلاج النُّشوز من المرأة: الموعظة، أن يعظها، وأن يُذكِّرها بالله ، وأن يُبين لها أن فعلها هذا مُحرمٌ.
وربما تستجيب بعض النساء، خاصةً إذا كان عندها خوفٌ من الله ، وعندها ورعٌ وتقوى، لكن إذا لم ينفع معها الوعظ ينتقل للمرحلة الثانية من مراحل العلاج: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34] يكون هجرًا في المَضْجَع؛ ولهذا قال المؤلف: فإن أَصَرَّتْ هجرها في المَضْجَع.
ومَن عَصَتْه وعظها، فإن أَصَرَّتْ هجرها في المَضْجَع ما شاء.
ولاحظ: أنه هجرٌ في المَضْجَع، وليس هجرًا في البيت.
هناك فرقٌ بين الهجر في المَضْجَع والهجر في البيت.
ما الفرق؟
الهجر في المَضْجَع هجرٌ خاصٌّ لا يعلم به إلا الزوج والزوجة فقط، ولا يعلم عنه الأولاد في البيت، ولا مَن كان في البيت.
أما الهجر في البيت فأهل البيت كلهم يعلمون به.
فهو هجرٌ خاصٌّ ينبغي أن يكون بين الزوج والزوجة فقط، ولا يعلم عنه الأولاد؛ لأن معرفة الأولاد بذلك تُؤثر عليهم سلبًا.
قصة هجر النبي لنسائه
هذا الهجر قد وقع من النبي عليه الصلاة والسلام في قصةٍ عجيبةٍ.
كيف يحصل هذا مع أشرف البشر وأعظم البشر، وزوجاته أيضًا خير الزوجات؟! لكن في هذا عِبْرَة.
هذه القصة أخرجها البخاري ومسلمٌ في صحيحيهما، وذلك أن زوجات النبي عليه الصلاة والسلام اجتمعن واتَّفَقْنَ على رأيٍ هو: أن يطلبن من النبي عليه الصلاة والسلام الزيادة في النَّفقة، والنبي عليه الصلاة والسلام اختار أن يعيش بهذه الطريقة، وكان يقول: أجوع يومًا وأشبع يومًا [4]، وكان ربما ربط على بطنه الحجر من شدة الجوع [5]، ويمر على بيته الشهر والشهران والثلاثة وما أُوقد في بيته نارٌ [6]، ولكن زوجات النبي عليه الصلاة والسلام هُنَّ بشرٌ، فَاتَّفَقْنَ على أن يُطالبنه بزيادة النَّفقة، فغضب عليه الصلاة والسلام غضبًا شديدًا، وحلف بالله العظيم ألا يدخل عليهن شهرًا كاملًا، وذهب إلى مَشْرُبَةٍ له، يُؤْتَى له فيها بطعامه وشرابه [7].
وعمر في القصة التي ذُكرتْ في “السلسبيل” بتفاصيلها: لما شاع الخبر في المدينة أن النبي طلَّق نساءه فزع عمر وأتى النبيَّ ، وبدأ بابنته حفصة رضي الله عنها، قال: “أَطَلَّقَكِ رسول الله؟” قالت: “لا أدري”، وهي تبكي، قال: “أما كنتُ أُحذِّركِ؟” يعني: من أن تعصي رسول الله ، فسأل عن النبي عليه الصلاة والسلام، فقالوا: هو في المَشْرُبَة، ووجد الناس يبكون في المسجد، فإذا غلامٌ أسود كان حارسًا للنبي عليه الصلاة والسلام، قال: “استَأْذِنْ لعمر”، فأذن له، فإذا النبي ضائقٌ صدره، مُضطجعٌ على حصيرٍ، وقد أثَّر الحصير بجنبه، وهو مُستندٌ إلى وسادةٍ حشوها لِيفٌ، يعني: يدل على شَظَف العيش الذي كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام.
قال عمر : فسلَّمتُ عليه، ثم سألتُه: أطلَّقْتَ نساءك؟ فرفع بصره وقال: لا، فحمد اللهَ عمرُ وكبَّر: الحمد لله، الله أكبر. ثم رأى النبيَّ حزينًا، ضائقًا صدره، فأراد أن يأتي بطُرفةٍ؛ لكي يُفْرِح النبيَّ عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله، لو رأيتني وكنا معشر قريشٍ نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة إذا قومٌ تغلبهم نساؤهم. يعني: الأنصار.
كان الرجل في قريشٍ يتكلم كلمةً فلا تُراجعه زوجته فيها، تُنَفِّذ مباشرةً، فكانت عندهم قوةٌ، ولا تُراجعهم نساؤهم، أما الأنصار فعلى العكس، كانت نساؤهم تُراجعهم، فلما قدم المُهاجرون المدينة اختلطتْ نساء المهاجرين بنساء الأنصار فتأثَّرن بهن، فقال عمر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام؛ فتبسم النبي ، ففرح عمر أنه أدخل السرور على النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم أيضًا أراد أن يأتي بطُرفةٍ أخرى، قال: لو رأيتني ودخلتُ على حفصة فقلتُ لها: لا يَغُرَّنَّكِ أن كانت جارتك -يريد عائشة رضي الله عنها- أَوْضَأ منكِ -يعني: أجمل- وأحبّ إلى النبي . فتبسم مرةً ثانيةً، ففرح عمر بذلك لما رأى النبي عليه الصلاة والسلام مُتفاعلًا معه يتبسَّم.
قال: فرفعتُ بصري في بيته، فوالله ما رأيتُ شيئًا يردّ البصر.
يعني: ما وجد إلا حصيرًا، وما عنده شيءٌ في هذه المَشْرُبَة التي هو فيها.
فقلتُ: يا رسول الله، ادعُ الله أن فَلْيُوسع على أُمَّتك، فإن فارسًا والروم قد وُسِّعَ عليهم وأُعْطُوا الدنيا وهم لا يعبدون الله. فقال عليه الصلاة والسلام: أَوَفِي شكٍّ أنت يا ابن الخطاب؟! أولئك قومٌ عُجِّلتْ لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ هذه كلمةٌ عظيمةٌ من النبي عليه الصلاة والسلام، فقلتُ: يا رسول الله، استغفر لي.
ثم ذهب عمر إلى الناس وبشَّرهم بأن النبي لم يُطلق نساءه، وأنزل الله تعالى قوله: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83].
وبقي النبي عليه الصلاة والسلام تسعةً وعشرين يومًا مُعتزلًا نساءه في هذه المَشْرُبَة، يُؤْتَى له بالطعام والشراب.
سبحان الله!
كيف يحصل هذا لسيد البشر؟!
لله الحكمة في هذا.
فلما مضتْ تسعةٌ وعشرون يومًا دخل على عائشة رضي الله عنها، فقالت: يا رسول الله، إنك كنتَ قد أقسمتَ ألا تدخل علينا شهرًا، وإنما أصبحتَ من تسعٍ وعشرين ليلةً أَعُدُّها عَدًّا. يعني: الشهر ثلاثون يومًا، ودخل النبي عليه الصلاة والسلام بعدما مضى تسعةٌ وعشرون، فأرادتْ أن تُذكِّره، تقول: لعله أخطأ عليه الصلاة والسلام، بقي يومٌ، والله إني لأعدُّهنَّ عدًّا. فقال عليه الصلاة والسلام: الشهر تسعٌ وعشرون يعني: ذلك الشهر وافق أنه تسعةٌ وعشرون، وليس ثلاثين يومًا.
ثم قال عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: سأقول لكِ أمرًا ولا تَعْجَلِي حتى تستشيري أبويكِ، قالت: وما هو؟ فقرأ عليها آية التَّخيير: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًاوَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28- 29]، فقرأ عليها هاتين الآيتين، فقالت: أفيك يا رسول الله أستشير أَبَوَيَّ؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة.
ثم خيَّر النبي عليه الصلاة والسلام بقية نسائه، وكلهن اخْتَرْنَ الله ورسوله والدار الآخرة [8]، وذكر الله تعالى هذا في سورة الأحزاب.
فهذه القصة قصةٌ عجيبةٌ، يعني: انظر كيف يحصل هذا لخير البشر وزوجاته أُمَّهات المؤمنين؟! ومع ذلك حصلتْ هذه القصة: أنه عليه الصلاة والسلام هجر نساءه شهرًا كاملًا، ثم خيَّرهنَّ، فَاخْتَرْنَ الله ورسوله والدار الآخرة.
مدة الهَجْر بالكلام
قال المصنف رحمه الله:
وفي الكلام ثلاثة أيامٍ.
يعني: الرجل إذا هجر زوجته يهجرها ثلاثة أيامٍ فقط ولا يزيد؛ لقول النبي : لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيامٍ [9]، لكن هجر المسلم عمومًا لا يجوز أن يزيد على ثلاثة أيامٍ إلا إذا كان في الهجر مصلحةٌ: كأن يكون مُقيمًا على مُنكرٍ، ويغلب على الظنِّ أن هجره أكثر من ثلاثة أيامٍ يردعه عن ذلك المنكر.
والدليل لذلك: أن النبي هجر وأمر بهجر الثلاثة الذين خُلِّفوا خمسين ليلةً، أكثر من ثلاثة أيامٍ.
إذن الأصل أنه لا يجوز أن يُهْجَر المسلم أكثر من ثلاثة أيامٍ إلا إذا كان في زيادة الهجر مصلحةٌ، فلا بد أن يغلب على ظنِّه وجود مصلحةٍ راجحةٍ، والزوجة كذلك لا تُهجر أكثر من ثلاثة أيامٍ إلا إذا كان في هجرها مصلحةٌ.
حسنًا، إن لم ينفع الهجر -هذه المرحلة الثانية من علاج النُّشوز- ينتقل للمرحلة الثالثة.
قال المصنف:
فإن أَصَرَّتْ ضربها ضربًا غير شديدٍ.
وهو الضرب غير المُبرِّح الذي ذكره النبي في حجة الوداع [10]، وهو ضربٌ لا يُدْمِي جِلْدًا، ولا يكسر عَظْمًا، ويُشبِّهه بعض الفقهاء يقولون: إنه يكون بمثل عود السِّواك، يعني: مجرد رسالةٍ فقط، رسالة لتقصير هذه المرأة، وليس المقصود منه التَّشفِّي ولا الانتقام، مع أن الأفضل ترك الضرب؛ لأن هذا هو هَدْي النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أكمل الهَدْي؛ ولذلك تقول عائشة رضي الله عنها: “ما ضرب رسول الله شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا” [11]، فالأفضل تركه.
قال: بعشرة أسواطٍ، لا فوقها.
يعني: لا يجوز أيضًا أن يكون أكثر من عشرة أسواطٍ؛ لقول النبي : لا يُجْلَد أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ إلا في حَدٍّ من حدود الله [12] يعني: إلا في معصيةٍ من معاصي الله.
فالضرب الذي يكون للتَّأديب لا يجوز أن يُزاد فيه على عشرة أسواطٍ، سواء كان ضرب الزوجة، أو ضرب الولد، أو حتى ضرب الطالب في المدرسة، أو غير ذلك، لا يجوز أن يزيد على عشرة أسواطٍ؛ لأن المقصود التربية والتَّأديب، وليس المقصود منه الانتقام، ولا التَّشفِّي.
قال: ويُمْنَع من ذلك إن كان مانعًا لحقِّها.
يعني: هذا التَّأديب المأذون له لا يجوز في حقِّ الزوج إذا كان مانعًا لحقٍّ واجبٍ للمرأة عليه؛ لأنه يكون ظالمًا بطلبه لحقِّه ومنعه لحقِّها، والمرأة إذا قصَّر الزوج في حقوقها يجوز لها أن تُقَصِّر في حقوقه، فلو كان الزوج قصَّر في حقوق المرأة لا يجوز له أن يُؤدِّبها؛ لأنه مُقصِّرٌ أيضًا، وهي ستُقصِّر؛ مُعاملةً له بالمثل.
إذا لم تنفع هذه المراحل -وهذا قد يحصل من بعض النساء لا تنفع معها الموعظة ولا الهجر ولا الضرب ولا أي شيءٍ- فهنا يكون التَّدخل الخارجي من أهل الزوج والزوجة؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35]، فَيُنَصَّب حكمان، وينبغي أن يُختارا بعنايةٍ، يكونان يتَّسمان بالرشد وبالحكمة، وينظران في أسباب الخلاف وبواعثه، ويسعيان للإصلاح.
فإن لم تنفع كل هذه المراحل فحينئذٍ يكون استمرار الزوجية عَنَتًا ومشقةً، ولا يُحقق هذا الزواج مقاصده، وحينئذٍ قد يكون الخيار الأفضل هو الطلاق، والله تعالى يقول: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130]، فربما أن هذا الزوج لا يُناسب هذه الزوجة، وهذه الزوجة لا تُناسب هذا الزوج، فربما لو تزوج هو بامرأةٍ أخرى استقام حاله، وهي لو تزوجتْ بزوجٍ آخر استقام حالها.
لكن لاحظ: الطلاق لا يُلْجَأ إليه إلا عند الضرورة، وعند استنفاد جميع الحلول.
وبعض الناس يتعجَّل في الطلاق وهو لم يستنفد جميع الحلول.
لاحظ: لا بد أن يسبق الطلاق هذه المراحل الأربع، فإن لم تنفع، وغلب على ظنِّ الزوج عدم استقامة الحال، وأن استمرار المرأة لا يُحقِّق مقاصد النكاح، فحينئذٍ الفراق خيرٌ من إبقاء عقد النكاح وهو لا يُحقق مقاصده: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.
طالب: بعض الناس يا شيخ ….. عليه الطلاق بإكرام ضيفٍ أو شيءٍ، يُقسم بالله عليه الطلاق …..؟
الشيخ: لا، هذه مسألة الحلف بالطلاق، الطلاق المُعلَّق، يعني: إذا أراد أن يُكرم ضيفًا أو يُؤكد صحة خبرٍ يقول: عليَّ الطلاق أن أفعل كذا.
هذا عند المذاهب الأربعة يقع طلاقه، لكن هناك قولٌ آخر -قول ابن تيمية رحمه الله- أنه إذا لم يقصد الطلاق، وإنما قصد الحثَّ أو المنع أو التَّصديق أو التَّكذيب؛ فلا يقع الطلاق، وعليه كفَّارة يمينٍ.
لكن ينبغي أن يُبْرَز للناس قول الجمهور والمذاهب الأربعة، وهو: أن طلاقه يقع؛ حتى لا يتساهل الناس بالطلاق.
وقد كانت الفتوى هنا عندنا في المملكة إلى وقتٍ ليس بالبعيد -يعني: وقت الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله- كانت الفتوى بوقوع الطلاق في هذه المسائل، لكن أتى شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله واختار رأي ابن تيمية، فأصبحت الفتوى على عدم وقوع الطلاق ما دام أنه لم يقصده، لكن عليه كفَّارة يمينٍ.
العجيب: أن فتوى ابن تيمية هذه أصبحتْ هي السائدة في العالم الإسلامي كله، مع أنه كان أُوذي بسببها، فَسُجِنَ بسببها، لكن -سبحان الله!- الآن أصبحتْ هي السائدة في العالم الإسلامي كله، أصبحتْ عليها الفتوى في جميع دول العالم الإسلامي، فتركوا المذاهب الأربعة، وأصبحوا يُفتون بهذه الفتوى، يعني: ربما أنهم راعوا أن هذه فيها تسهيلٌ على الناس وتيسيرٌ عليهم، وأيضًا أنها صدرتْ من هذا الإمام الكبير: الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والإمام ابن تيمية أيضًا تبع فيها بعض السلف، لم يأتِ بها من عنده، وإنما سبقه لذلك بعض السلف.
كتاب الخُلْع
ثم قال المصنف رحمه الله:
كتابُ الخُلْع.
الخُلْع معناه في اللغة: التَّجريد والنَّزع؛ ولذلك تقول: خلعتُ الثوب أخلعه، وإنما سُمِّي الفُراق بِعِوَضٍ: خُلْعًا؛ لأن الله جعل النساء لباسًا للرجال، والرجال لباسًا للنساء: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، فإذا افْتَدَت المرأة بمالٍ تُعطيه زوجها مقابل إبانتها، فكأنها خلعتْ هذا الزوج، خلعتْ لباس هذا الزوج.
ومعناه اصطلاحًا: “فراق الزوجة بِعِوَضٍ بألفاظٍ مخصوصةٍ”.
حكم الخُلع
الأصل في الخُلع قول الله تعالى في سورة البقرة: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، ثم قال: وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، وهذا هو الخُلع.
معنى: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ يعني: هذا الخُلع، فالخُلع يُسمى: فداءً وافتداءً.
وقد جاء في السنة أيضًا الخُلع، جاء في قصة امرأة ثابت بن قيس -كما في البخاري وغيره-: أنها أتت النبي فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خُلُقٍ ولا دينٍ، ولكني أكره الكفر في الإسلام. يعني: أكره كُفْرَان العَشِير، كُفْرَان الزوج، يعني: كانت لا تُحبه، قيل: إنه كان دَمِيمًا في الخِلْقَة، وكانت هي جميلةً، فكانت ترى أن هذا لا يُكافئ هذا الرجل، كيف تكون جميلةً وزوجها دميمًا؟! فكانت تكره هذا.
المهم أنها قالت: يا رسول الله -أنا أُزكيه- ما أعتب عليه في خُلُقٍ ولا دينٍ، ولكني أكره الكفر في الإسلام. يعني: أكره كُفْران الزوج، فالنبي عليه الصلاة والسلام فهم مُرادها، قال: أَتَرُدِّين عليه حديقته؟ وكان قد جعل مهرها حديقةً، قالت: نعم. فقال: اقبل الحديقة وطَلِّقْها تطلِيقةً [13].
وهذا الحديث ظاهر الدلالة في مشروعية الخُلع، وأجمع العلماء على مشروعيته، لكن الخُلع إنما يُصار إليه عند الحاجة، أما إذا كانت حالة الزوجين مُستقيمةً فَيَحْرُم على المرأة أن تطلب الخُلع، ويدخل ذلك في الوعيد الشديد الذي يقول فيه النبي : أيُّما امرأةٍ سألتْ زوجها الطلاق في غير ما بأسٍ فحرامٌ عليها رائحة الجنة [14]، والحديث الآخر: المُخْتَلِعات والمُنْتَزِعات هُنَّ المُنافقات [15].
وهذا يحصل عندما تطمح المرأة لزوجٍ آخر، أو تكون لها علاقةٌ برجلٍ آخر ويَعِدها بأن يتزوج بها، فتطلب الخُلع من زوجها؛ حتى تتزوج بهذا الرجل، هذا حرامٌ عليها، لا يجوز، بل هذا من كبائر الذنوب، فلا يجوز للمرأة أن تطلب الخُلع ما دام حال الزوجين مستقيمًا، إنما تطلب الخُلع عند الحاجة لذلك ولو بكراهة الرجل، فإذا كانت تكرهه ولا تُحبه ولا تُطيقه يجوز أن تطلب الخُلع، لكن أن تطلب الخُلع مع استقامة الحال، وإنما لأجل أنها تطمح لرجلٍ آخر، أو نحو ذلك؛ هذا لا يجوز.
شروط الخُلع
وشروطه سبعةٌ:
الأول: أن يقع من زوجٍ يصحُّ طلاقه.
وهو الحُرُّ، الرشيد، غير المحجور عليه؛ لأن مَن مَلَكَ الطلاق مَلَكَ الخُلع.
الثاني: أن يكون على عِوَضٍ ولو مجهولًا.
فلا بد أن يكون الخُلع على عِوَضٍ، أما إذا لم يكن على عِوَضٍ فهل يصحُّ؟
قولان للفقهاء:
- الأول: أنه لا يصح، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
- والقول الثاني: أنه يصح، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، واختاره ابن تيمية رحمه الله، وهو القول الراجح: أنه يصح؛ وذلك لأن الرَّجْعَة حقٌّ للزوجين، فإذا تراضيا على إسقاطها سقطتْ؛ لأن الخُلع من غير عِوَضٍ معنى ذلك: كأنه طلاقٌ من غير رجعةٍ، فإذا تراضيا على ذلك ما المانع؟
وأيضًا أن ذلك فرقةٌ بِعِوَضٍ؛ لأن ترك النَّفقة والسكن يُعتبر تركًا لِعِوَضٍ، وهو قد رضي بترك استرجاعها.
والأقرب -والله أعلم- أن الخُلع يصح بغير عِوَضٍ، يعني: بإسقاط النَّفقة، أو -مثلًا- يكون مقابل حضانة الأولاد، أو نحو ذلك، فلا يلزم أن يكون بمبلغٍ نقديٍّ، لا يلزم أن يكون بمالٍ.
“ولو مجهولًا” يعني: يصح أن يكون الخُلع على عِوَضٍ ولو كان مجهولًا؛ وذلك لأنه إسقاطٌ لحق الزوج، والإسقاط تدخله المُسامحة.
ممن يصح تبرعه.
لا بد أن يكون العِوَض ممن يصح تبرعه، وهو الحُرُّ، المُكلّف، الرشيد، أما إذا كان ممن لا يصح تبرعه فلا يصح.
لكن لو عَضَلَها ظلمًا لتختلع لم يصح.
وهذا يحصل من بعض الأزواج: أنه يَعْضِل زوجته حتى تُعيد المهر له، هذا لا يجوز؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء:19] إلا في حالةٍ واحدةٍ يجوز أن يَعْضِلها؛ لكي تُعيد له المهر أو بعض المهر، متى؟
إذا وقعتْ في فاحشةٍ مُبيِّنةٍ: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [النساء:19] يعني: لو زَنَتْ جاز له أن يَعْضِلها حتى تَفْتَدي منه.
الشرط الثالث: قال: أن يقع مُنَجَّزًا.
يعني: غير مُعلَّقٍ، وهذا بناء على المذهب، وهو: أنه لا يصح الطلاق المُعلَّق.
والقول الثاني: أنه يصح، يصح تعليق العقود عمومًا، سواء الطلاق المُعلَّق أو الخُلع أو غيره.
الرابع: أن يقع الخُلع على جميع الزوجة.
يعني: يُشترط أن يقع الخُلع على جميع الزوجة، يعني: لا يُقال: خالعتُ نصفك، أو يدك، أو رجلكِ، أو نحو ذلك، بل لا بد أن يقع على جميعها.
الشرط الخامس: ألا يقع حيلةً لإسقاط يمين الطلاق.
يعني: لا يكون حِيلةً، وصورة ذلك: أن يحلف بالطلاق، يقول: إن جاء اليوم الفلاني ولم تفعلي كذا فأنتِ طالقٌ. وقبل أن يأتي ذلك اليوم يخلعها؛ لأن الخُلع فسخٌ، وليس طلاقًا، فإذا انتهى ذلك اليوم أرجعها، يقول: هذه حيلةٌ لا تصح.
الشرط السادس: ألا يقع بلفظ الطلاق، بل بصيغته الموضوعة له.
وهي الخُلع، وسيأتي الكلام عن صيغة الخُلع.
السابع: ألا ينوي به الطلاق.
يعني: يُشترط ألا ينوي به الطلاق؛ لأنه إذا نوى به الطلاق يقع طلاقًا، ولا يكون خُلعًا.
هل الخُلع يُعَدُّ طلاقًا؟
قال: فمتى توفرت الشروط كان فَسْخًا بائنًا، لا ينقص به عدد الطلاق.
الخُلع يُعتبر فَسْخًا، وليس طلاقًا، ولا يُعتبر من الطلقات الثلاث، لا يُعتبر منها.
والدليل على أن الخُلع فسخٌ وليس بطلاقٍ قول الله تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ، ثم ذكر الله تعالى الخُلع فقال: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229].
ذكر الله تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ، ثم ذكر الخُلع، ثم قال: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، فلو كان الخُلع طلاقًا لكان قوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا الطَّلقة الرابعة؛ لأن الطلاق مرتان، ثم فَإِنْ طَلَّقَهَا يعني: الطلقة الثالثة، فلو اعتبرنا الخُلع طلاقًا لكان قوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا الطَّلقة الرابعة، وهذا خلاف الإجماع.
وهذا -كما ترون- نصٌّ في أن الخُلع فسخٌ وليس بطلاقٍ، وهذا هو الذي عليه عامة أهل العلم: أن الخُلع فسخٌ وليس بطلاقٍ؛ ولذلك مَن خالع زوجته فلا يُعتبر هذا من التَّطليقات الثلاث، لكن إذا كان هذا بلفظ الخُلع أو الفسخ، فماذا لو كان الزوج خالع زوجته بلفظ الطلاق؟ فهل يكون خُلْعًا ويُعتبر فَسْخًا، أو يكون طلاقًا ونعتبره من التَّطليقات الثلاث؟
قولان للعلماء:
- القول الأول: أنه إذا خالع زوجته بلفظ الطلاق يُعتبر طلاقًا؛ لأنه أتى بلفظ الطلاق فيدخل في عموم النصوص.
- والقول الثاني: أنه فسخٌ، حتى لو كان بلفظ الطلاق، وهذا قول ابن تيمية رحمه الله، وقال: إنه المنقول عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما. وكذلك أيضًا قول ابن القيم، ورُوِيَ عن الإمام أحمد، وقالوا: إنه ما دام أنه بِعِوَضٍ فهو خُلعٌ ولو كان بلفظ الطلاق.
قالوا: ومما يدل لذلك أن النبي قال لثابت بن قيس : اقبل الحديقة وطلِّقها تطليقةً، ومع ذلك اعتبرها عليه الصلاة والسلام خُلْعًا وفَسْخًا.
والخلاف في هذه المسألة خلافٌ قويٌّ، فقول الجمهور له وجاهته؛ لأنه أتى بلفظ الطلاق، وقول ابن تيمية وابن القيم أيضًا له وجاهته؛ لأن العبرة بالحقيقة وليس باللفظ، صحيحٌ أنه أتى بلفظ الطلاق، لكن يقصد الخُلع بدليل أنه على عِوَضٍ، والخلاف في هذه المسألة قويٌّ.
وأنا مُتوقفٌ فيها، لم يتحرر عندي القول الراجح فيها؛ لقوة الخلاف.
صيغ الخُلع
ثم قال المصنف رحمه الله:
وصيغته الصريحة لا تحتاج إلى نيةٍ، وهي: خلعتُ وفسختُ وفاديتُ.
يعني: صريح الخُلع لا يحتاج إلى نيةٍ مثل صريح الطلاق، وصريح الخُلع في هذه الألفاظ الثلاثة: خلعتُ، وفسختُ، وفاديتُ، بهذه الألفاظ الثلاثة.
الخلع بالكناية
والكناية.
يعني: كناية الخُلع.
باريتُكِ، وأبرأتكِ، وأَبَنْتُكِ.
لكن الكناية لا بد فيها من النية مثل كناية الطلاق.
وظاهر كلام المؤلف أن كناية الخُلع تنحصر في هذه الألفاظ الثلاثة، ولكن القول الراجح: أنها لا تنحصر ككناية الطلاق، وإن كناية الخُلع لا تنحصر في هذه الألفاظ، بل كل ما دلَّ على الخُلع يدخل في كنايات الخُلع.
قال: فمع سؤال الخُلع وبذل العِوَض يصح بلا نيةٍ وإلا فلا بد منها.
يعني: يصح الخُلع بالكناية من غير نيةٍ إذا قامت القرينة الدالة على ذلك: كسؤال المرأة الخُلع وبذل العِوَض، أما إذا تخلَّفت القرينة فلا بد من النية.
يعني: مُراد المؤلف أن الخُلع كالطلاق تمامًا في هذه الأحكام.
الخُلع بغير اللغة العربية
قال: ويصح بكل لغةٍ من أهلها كالطلاق.
الطلاق يصح بغير اللغة العربية، وكذلك الخُلع يصح بغير اللغة العربية، فهو في ذلك كالطلاق، لكن النكاح والطلاق والخُلع لا بد فيها من التَّلفُّظ، فلو أن الزوجة بذلت العِوَض وقَبِلَ الزوج لم يقع خُلْعًا إلا إذا تلفظ الزوج وقال: خالعتُكِ، لا بد من التَّلفُّظ.
وهكذا أيضًا لو أن الزوج نوى الطلاق في نفسه ولم يتلفَّظ به لا يقع الطلاق، لا بد أن يقول: أنتِ طالقٌ، أو طلَّقتُ زوجتي.
وهكذا أيضًا النكاح لا بد أن يقول الولي: زوجتُكَ. ويقول الزوج: قَبِلْتُ.
فالتَّلفُّظ هنا لا بد منه؛ لأن عدم التَّلفُّظ لا يُسمى: كلامًا، ولا يوجد في القرآن ولا في السُّنة ولا في كلام الصحابة والتَّابعين: أن المعنى النَّفسي يُعتبر كلامًا، وأول مَن ابتدع ذلك -أن ما في النفس يُعتبر كلامًا- هم الفرق المُنحرفة الذين أرادوا نفي صفة الكلام عن الله من الماتُريدية والأشاعرة ومَن نَحَا نحوهم، فقالوا: إن المعنى النفسي يُعتبر كلامًا:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما | جُعِلَ الكلام على اللسان دليلا |
أتوا بهذا القول، وهو قولٌ لا يُعرف مَن قائله، وهو قولٌ غير صحيحٍ، فالكلام لا بد فيه من التَّلفُّظ، لا يُسمى: كلامًا إلا إذا تلفَّظ به الإنسان؛ ولذلك لا يقع طلاقًا إلا إذا تلفَّظ، ولا يقع خُلْعًا إلا إذا تلفَّظ، ولا يكون نكاحًا إلا إذا تلفَّظ.
هكذا أيضًا في قراءة القرآن لا بد من التَّلفُّظ، لا بد.
تُلاحظ أن بعض الناس يفتح المصحف ويُطالع هكذا من غير أن يتلفَّظ بلسانه، فهذه لا تُعتبر قراءةً، هذا مجرد تأملٍ، لا بد أن يتلفَّظ.
واختلف العلماء: هل يجب أن يُسْمِعَ نفسه أم لا؟
والقول الراجح: أنه لا يجب أن يُسْمِعَ نفسه، لكن لا بد من التَّلفُّظ بلسانه.
وأخطر من ذلك: أن بعض الناس يُصلي وطوال الصلاة يتكلم في نفسه، لا يتلفَّظ بلسانه، فهذا لا تصح صلاته، يقرأ الفاتحة في نفسه من غير أن يتلفَّظ بلسانه، ويقول: “سبحان ربي العظيم” في نفسه، فهذا صلاته لا تصح، والمسألة خطيرةٌ، فلا بد في الكلام أن يتلفَّظ به الإنسان، لا بد.
أيضًا إذا تمَّ الخُلع بانت الزوجة من الزوج بينونةً صُغْرَى، ولم تحلّ له إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدٍ؛ لأن البينونة إما أن تكون بينونةً كُبرى أو صُغرى.
البينونة الكُبرى: هي التي تكون بعد التَّطليقات الثلاث، فلا تحلّ له حتى تنكح زوجًا غيره.
البينونة الصُّغرى تكون بالخُلع، وتكون أيضًا بالطلقة الواحدة أو الطلقتين إذا انقضت العِدَّة ولم يُراجعها.
انتبه، هذه تُسمى: بينونة صُغْرى.
ما معنى: بينونة صُغْرى؟
أنها لا تحلّ له إلا برضاها وبعقدٍ ومهرٍ جديدٍ.
حسنًا، لو نطق الزوج بالخُلع من غير بذل عِوَضٍ، فهل يكون طلاقًا؟
المرأة قالت: اخلعني. قال: خلعتُكِ. لكن لم تبذل له عِوَضًا، فهل يكون طلاقًا، أو يكون خُلْعًا؟
نقول: ما دام أنه ليس فيه بذل عِوَضٍ، والمسألة السابقة التي ذكرناها هي بذل عِوَضٍ غير مالي -كما ذكرنا- إما بإسقاط النَّفقة، أو حضانة الأولاد، لكن هذا دون أي شيءٍ، ونطق الزوج بالخُلع، لكن لا يوجد بذلُ أيِّ عِوَضٍ؛ فإنه يكون طلاقًا، لا خُلْعًا.
وحُكِيَ اتِّفاق العلماء على ذلك؛ لأنه يُعتبر كأنه كنايةٌ من كنايات الطلاق، لكن لو كان هناك بذل أيِّ عِوَضٍ ولو غير مالي -ولو مثلًا: حضانة الأولاد، ولو مثلًا: إسقاط النَّفقة- يكون -على القول الراجح- خُلْعًا.
ففرقٌ بين المسألتين، انتبه للفرق، فالفرق دقيقٌ.
الخُلع بأكثر من المهر
حسنًا، آخر مسألةٍ معنا في الخُلع لم يذكرها المؤلف، وهي مهمةٌ: هل يجوز أن يكون الخُلع بأكثر من المهر؟
هذا محل خلافٍ بين الفقهاء:
المذهب عند الحنابلة: أنه يجوز، وإن كان خلاف الأولى.
قالوا: لعموم قول الله تعالى: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، وهذا يشمل أن يكون بقدر المهر أو بأكثر منه.
القول الثاني: أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ في الخُلع أكثر من المهر، وهذا هو القول الراجح؛ لأن الزيادة على المهر لا مُقابل لها، فيكون ما يأخذه زيادةً على المهر يكون مالًا بغير حقٍّ، وقد جاء في روايةٍ في قصة امرأة ثابت بن قيس : أما الزيادة فلا، رواها ابن ماجه، لكن سندها ضعيفٌ [16]، ولكن من جهة المعنى الزيادة على المهر القول الراجح أنها لا تجوز؛ لأن هذه الزيادة مقابل ماذا؟
هو دفع مهرًا، ثم أرجعتْ له مهره، فلماذا يأخذ زيادةً على المهر؟!
فالقول الراجح: أنها لا تجوز، وأن أخذه زيادة على المهر يكون من أكل المال بالباطل؛ لأنه أخذٌ للمال بغير حقٍّ.
طالب: …….
الشيخ: قيمة ماذا؟
طالب: …….
الشيخ: نعم، تكون بقيمة المهر، يعني: فيما أعطاها، بالقدر الذي أعطاها فقط، ومرور الوقت لا يضرّ إلا إذا اصطلحا، فلو اصطلحا لا يمنع.
طالب: …….
الشيخ: هذا سيأتينا في كتاب “الطلاق”: هل هي من قبيل الصريح أو الكناية؟ هذا محل خلافٍ، والقول الراجح: أنها من الكناية، وليس من الصريح، فلا بد أن تقترن بذلك النية، فإن كان لما أرسل لها رسالة الطلاق نوى أنه طلاقٌ يقع طلاقًا، وإن لم يَنْوِ لا يقع.
طالب: …….
الشيخ: إذا أرسل رسالةً ثم حذفها، إذا كان نوى أنه طلاقٌ يقع طلاقًا حتى لو حذفها، الحذف لا يرفع الطلاق، أما إذا لم يَنْوِ، إنما قصد التَّهديد ولم يَنْوِ طلاقًا؛ لا يقع طلاقًا.
كتاب الطلاق
قال المصنف رحمه الله:
كتاب الطلاق.
الطلاق معناه في اللغة: الحلُّ ورفعُ القيد والتَّخلية؛ ولذلك يُقال: طَلُقَت النَّاقة، يعني: إذا سَرَحَتْ.
واصطلاحًا: حَلُّ قيد النكاح أو بعضه.
وهو جائزٌ بالكتاب والسنة والإجماع، وفي القرآن الكريم تكرر كثيرًا، حتى إن إحدى سور القرآن سُميت بسورة الطلاق، وذكر الله تعالى أحكامًا كثيرةً للطلاق في سورة البقرة، وأيضًا في سورة النساء.
والسُّنة أيضًا وردتْ فيها أحاديث كثيرةٌ، ومنها: أن النبي طلَّق حفصة ثم راجعها، كما عند أحمد وأبي داود [17].
وأجمع العلماء على جوازه.
الحكمة من مشروعيته
أنه ربما ساء الحال بين الزوجين، وأصبح بقاء النكاح عَنَتًا ومشقةً، وأصبح هذا النكاح لا يُؤدِّي المقصود منه، وتكون خلافاتٌ مُستمرةٌ بين الزوجين، ولا يتحقق السكن، ولا الاستقرار، واستُنْفِدَتْ جميع الحلول لمُعالجة هذه الخلافات ولم تُجْدِ؛ فحينئذٍ يكون الطلاق هو الحلّ، والله تعالى يقول: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130]، لكن لا يُلجأ إليه إلا عند الضَّرورة القُصوى.
حكم الطلاق
أما الحكم التَّكليفي للطلاق: هل هو مُباحٌ، أو مكروهٌ، أو مُحرمٌ؟
تدور عليه الأحكام الخمسة: فتارةً يُباح، وتارةً يُكره، وتارةً يَحْرُم، وتارةً يجب، وتارةً يُستحبّ.
وذكر المؤلف رحمه الله هذه الأحكام الخمسة، قال:
يُباح لسُوء عِشْرَة الزوجة.
يُباح للرجل أن يُطلق زوجته إذا كانت سيئة الخُلُق، سيئة العِشْرة، يعني: بعض النساء قد تكون نَكِدَةً على زوجها، تُنَكِّد عليه حياته بسُوء عِشْرتها وسُوء سلوكياتها، فيُباح له أن يُطلقها.
حسنًا، متى يُسَنُّ؟
قال:
ويُسَنُّ إن تركت الصلاة ونحوها.
يعني: إذا تركت الزوجة واجبًا من الواجبات الشرعية كالصلاة فَيُسَنّ له أن يُطلقها، ولكن الراجح أنها إذا تركتْ واجبًا شرعيًّا وأَصَرَّتْ على تركه أنه يجب عليه أن يُطلقها، كأن تُصِرّ على ترك الصلاة، يأمرها بذلك لكنها تُصِرُّ، ولا ينفع معها، وتستمر على ذلك؛ فلا يجوز له أن يُبْقِيها في عصمته، بل يجب عليه أن يُطلقها.
كذلك أيضًا لو أَصَرَّتْ على ترك الحجاب، ورفضتْ أن تستجيب لأمر الزوج، لا يجوز أن يُبْقِيها معه؛ لأن معنى ذلك أنه أقرَّها على معصية الله.
قال:
ويُكره من غير حاجةٍ.
الطلاق من غير حاجةٍ مكروهٌ عند استقامة الحال بين الزوجين؛ لما فيه من تفويت مصالح النكاح، وقد جاء في الحديث: أبغض الحلال إلى الله الطلاق [18]، لكنه حديثٌ ضعيفٌ من جهة الإسناد، وأيضًا مَتْنُه فيه شيءٌ من النَّكارة، كيف يكون حلالًا وأبغض الحلال إلى الله؟!
ولذلك يُستدل للكراهة: بأن الطلاق فيه إزالةٌ وتفويتٌ لمصالح النكاح.
قال:
ويحرم في الحيض ونحوه.
وهذا بالإجماع: يحرم طلاق الحائض، ولما طلَّق ابن عمر رضي الله عنهما امرأته وهي حائض غضب النبي عليه الصلاة والسلام، وأنكر عليه إنكارًا شديدًا [19].
وقوله: “ونحوه” يعني: مقصود المؤلف بقوله: “ونحوه” يعني: الطُّهْر الذي قد جامعها فيه أيضًا يَحْرُم أن يُطلقها فيه.
أما الطلاق في النفاس فمحل خلافٍ، والقول الراجح: أنه يجوز ولا يحرم؛ لأنه لا يترتب عليه تطويل العِدَّة كما سيأتي.
حسنًا، متى يجب؟
قال:
ويجب على المُولي بعد التَّربُّص.
ما معنى الإيلاء؟
الإيلاء: أن يحلف على ترك وَطْء زوجته، فَيُمْهَل أربعة أشهرٍ، فإن أجاب ووطأ زوجته وإلا يجب عليه أن يُطلِّق، فإن أبى أجبره الحاكم على الطلاق، فإن أبى طلَّق الحاكم؛ لقول الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:226].
قال:
وقيل: وعلى مَن يعلم بفجور زوجته.
قول المؤلف: “وقيل” لأنه ليس منصوصًا على هذا في المذهب، فالمؤلف يُريد أن يُضيف هذه الحالة أيضًا: أنها حالةٌ يجب على الزوج فيها أن يُطلِّق إذا علم بزنا زوجته ولم تَتُبْ، وإنما مُصرَّةٌ على أن تستمر في الفجور، فيجب عليه أن يُطلقها، وإلا كان دَيُّوثًا، والدَّيوث: هو الذي يُقِرُّ الخَبَثَ في أهله.
والله تعالى يقول: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ [النور:26]، ويقول: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3]، هذا إذا رفضتْ أن تتوب وأَصَرَّتْ يجب عليه أن يُطلِّقها، لكن إذا تابتْ وأصلحتْ وظهرتْ قرائن تدل على توبتها وصلاحها فإنه لا يجب طلاقها، وحينئذٍ ينظر الزوج في المصلحة: هل المصلحة أن يُطلقها أم لا؟
فإن كانت المصلحة أن يُطلقها طلَّقها، وإن كانت المصلحة ألا يُطلقها -كأن تكون أُمًّا لأولاده ويخشى بطلاقها تشتيت أولاده- فلا بأس أن يُبْقِيها بشرط: أن تظهر منها التوبة إلى الله .
على أن الزوج إذا علم بزنا زوجته سقطتْ من عينه، والغالب عليه أنه يُطلقها، لكن أحيانًا قد يكون مُضطرًّا لإبقائها لأجل رعاية أولاده.
أما إذا حملتْ من الزنا فيجب عليه أن يُلاعنها، والمُلاعنة فُرْقَةٌ أبديةٌ، لا تحلُّ له حتى لو نكحتْ زوجًا غيره وطلَّقها.
إذا حملتْ من الزنا ليس له طريقٌ لنفي الولد إلا طريقٌ واحدٌ وهو اللعان، يجب عليه وجوبًا أن يُلاعنها؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك نُسِبَ هذا الولد له، وهو ليس منه.
وإن حملتْ ولا يدري: هل حملتْ منه أو من غيره؟ فَيُسْتَعَان في وقتنا الحاضر بالبصمة الوراثية والحمض النَّووي، وينظر: إن كان الولد منه جاز له أن يُبْقِيها إذا تابتْ، وإن كان الولد ليس منه يجب عليه أن يُلاعنها.
أما إذا كانت المرأة لا تزني، لكنها مُتساهلةٌ مع الرجال الأجانب، فيجوز له أن يُطلقها، لكن لا يجب، ويدل لذلك ما أخرجه أبو داود والنَّسائي وأحمد من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رجلًا أتى النبيَّ فقال: يا رسول الله، إن امرأتي لا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ. قال: طَلِّقها، قال: إني أُحبها. قال: أَمْسِكْهَا [20].
وهذا الحديث من العلماء مَن ضعَّفه مثل: الإمام أحمد، لكن هناك مَن حسَّنه بمجموع طرقه، والأقرب أنه ضعيفٌ، لكن على تقدير ثبوته فقد بيَّن العلماء المقصود بقوله: “لا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ” على أنه ليس المقصود بذلك أنها تزني، وإنما المقصود كما قال الحافظ ابن حجر وقال ابن تيمية أيضًا: إن المقصود أنها مُتساهلةٌ مع الرجال الأجانب، بحيث لو وضع رجلٌ يده عليها لم تنفر منه، لكنه لو أراد أن يزني بها لا تُمكِّنُه من الزنا، وإنما مُتساهلةٌ مع الرجال الأجانب، فهذه يجوز طلاقها ولا يجب؛ ولهذا لما قال النبي عليه الصلاة والسلام لهذا الرجل: طلِّقها، قال: إني أُحبها. قال : أَمْسِكْهَا؛ لأن هذه لم تَزْنِ، وإنما مُتساهلةٌ فقط؛ لقوله: “لا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ” يعني: لو لمسها رجلٌ ما تُنْكِر عليه، وتقبل بذلك، لكنها لا تقع في الزنا، فهذه يجوز طلاقها ولا يجب.
طلاق الصبي
قال:
ويقع طلاق المُميز إن عقل الطلاق.
يقع طلاق الصبي المُميِّز الذي بلغ سبع سنواتٍ فأكثر إن عقل الطلاق، وعلم بأنه يُزيل عقد الزوجية، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
والقول الثاني: أنه لا يقع، وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية باعتبار أنه غير مُكلَّفٍ، وفي الحديث: رُفِعَ القلم عن ثلاثةٍ [21].
والأقرب هو ما ذهب إليه الحنابلة من أنه يقع إذا عقل معنى الطلاق.
طلاق السَّكْرَان
قال:
وطلاق السَّكْرَان بمائعٍ.
يعني: يقع طلاق السَّكران إن كان سُكره بمائعٍ، وهو مشروب الخمر أو النَّبيذ ونحو ذلك، أما إذا كان بغير مائعٍ -كالذي يكون بالمُخدرات مثلًا- فلا يقع.
والقول الثاني هو: لا فرق بين المائع وغيره في وقوع الطلاق، وهذا هو القول الأظهر -والله أعلم- أنه لا فرق بين المائع وغيره، لكن من حيث أصل المسألة: هل يقع طلاق السَّكران أم لا؟
هذه المسألة مبنيةٌ على مسألةٍ أخرى، وهي: هل يُؤاخذ السَّكران بتصرفاته وأقواله وأفعاله أم لا؟
للفقهاء قولان في المسألة:
- القول الأول: أنه يُؤاخذ بجميع تصرفاته، بأقواله وأفعاله وجميع تصرفاته، وإلى هذا ذهب الجمهور.
وقالوا: لأنه مُكلَّفٌ؛ ولأنه عصى الله تعالى بِسُكْره، فلا يُخفَّف عنه برفع المُؤاخذة.
وقالوا أيضًا: إن الصحابة أقاموا السَّكْران مقام الصَّاحي، فقالوا: إذا شرب سكر، وإذا سكر هَذَى، وإذا هَذَى افترى، وحَدُّ المُفتري ثمانون، فنُؤاخذ السَّكران بأقواله وأفعاله عقوبةً له.
- القول الثاني: أن السَّكران إنما يُؤاخذ بأفعاله، ولا يُؤاخذ بأقواله، وهذا هو المأثور عن الصحابة ، بل قال ابن المنذر: “لا يُعْرَف عن الصحابة خلافه”، وهو روايةٌ عند الحنابلة، وأحد قولي الشافعي.
واستدلوا بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء:43]، فالله تعالى جعل قول السَّكران غير مُعتبرٍ؛ لأنه لا يعلم ما يقول.
وأيضًا استدلوا بقصةٍ جاءتْ في الصحيحين: أن حمزة قبل أن يُحرَّم الخمر عَقَرَ بعيرين لعليٍّ ، فجاء عليٌّ وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء النبي وجعل يلومه: كيف تعقر بعيرين لعليٍّ؟! فَصَعَّد النَّظر في النبي عليه الصلاة والسلام وهو سكران، ثم قال: هل أنتم إلا عبيدٌ لأبي؟ فعلم النبي أنه سكران؛ فرجع ولم يُؤاخذه [22].
وهذا الكلام لو قاله غير سكران لكان كفرًا ورِدَّةً، كيف يقول للنبي عليه الصلاة والسلام: هل أنتم إلا عبيدٌ لأبي؟! لكن النبي لم يُؤاخذه؛ لأنه كان سكرانًا، فدلَّ هذا على أن قول السَّكران غير مُعتبرٍ.
وفي قصة ماعز جاء في إحدى الروايات: أن النبي أمر بأن يُسْتَنْكَه [23]، يعني: أن يُشَمَّ ليُعرف هل هو سكران أم لا؟ حتى ينظر في اعتبار قوله الذي أقرَّ به.
فهذا هو القول الراجح: أن السكران يُؤاخذ بأفعاله، ولا يُؤاخذ بأقواله، هذا هو القول الراجح، وهو المأثور عن الصحابة، وهو الذي اختاره جمعٌ من المُحققين من أهل العلم، بل إن الإمام أحمد رجع إلى هذا القول، فقد جاء في روايةٍ للميموني: قال الإمام أحمد: “كنتُ أقول: إن طلاق السكران يقع، حتى تبيَّنتُ فأقول: إنه لا يقع”، يعني: رجع عن هذا القول.
وجاء في رواية أبي طالب عن الإمام أحمد أنه قال: “الذي لا يأمر بالطلاق -يعني: لا يُوقع طلاق السكران- إنما أتى بخصلةٍ واحدةٍ وهي: أنه أبقاها مع زوجها، والذي يأمر بالطلاق -يعني: يُوقع طلاق السكران- أتى بخصلتين: حرَّمها عليه، وأحلها لغيره”.
إذن القول بعدم وقوع طلاق السكران هو القول الذي رجع إليه الإمام أحمد؛ ولهذا يُفترض أن يكون المذهب عند الحنابلة هو عدم وقوع طلاق السكران، لكن الواقع أن المذهب عند الحنابلة هو وقوع طلاق السكران، فكيف نُوفِّق بين هذا وهذا؟
الإمام أحمد -الآن- صرَّح في أكثر من روايةٍ برجوعه إلى القول بعدم وقوع طلاق السكران، لكن المعروف من مذهب الحنابلة هو: أن طلاق السكران يقع، فكيف يكون المذهب مُخالفًا لرأي الإمام؟
نقول: الإمام أحمد وردتْ عنه أكثر من روايةٍ، والأصحاب يجتهدون في أن هذا هو المذهب؛ ولذلك لا يلزم أن يكون المذهب هو رأي الإمام؛ لأن مذهب الحنابلة أصبح مدرسةً فقهيةً، لم يَعُدْ فقط لآراء الإمام أحمد، مدرسة فقهية مثل: مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، فهذه أصبحت مدارس فقهيةً، ليست فقط رأي شخصٍ واحدٍ.
فلذلك حتى في المذاهب الأخرى -أحيانًا- يكون رأي المالكية غير رأي الإمام مالك، ورأي الشافعية غير رأي الإمام الشافعي؛ لأن هذه أصبحت مدرسةً ولها أصولها، وأيضًا ربما أنهم يستوحون من بعض الروايات وبعض الأقوال أن هذا هو الذي يقوله إمام المذهب.
إذن هذه فائدةٌ: أنه لا يلزم أن يكون المذهب هو رأي الإمام.
إذن القول الراجح: أن السكران -عمومًا- يُؤاخذ بأفعاله، ولا يُؤاخذ بأقواله.
أما قول الجمهور: إنه مُكلَّفٌ، لا يُسلم؛ لأن من شرط التَّكليف: العقل، وهذا لا يعقل.
وأما قولهم: “إنَّا نُوقع طلاق السكران عقوبةً له”، فأجاب عن هذا ابن القيم بأن هذا في غاية الضعف؛ لأن الحدَّ يكفيه، فكيف نُوجِب عليه عقوبةً زائدةً عن الحدِّ؟!
وأما قولهم: “إن الصحابة جعلوه كالصَّاحي، وقالوا: إذا سكر هَذَى، وإذا هَذَى افترى”، هذا لا يصح عن الصحابة، كلامٌ مُرسلٌ، بل قال ابن حزم: “إنه خبرٌ مكذوبٌ”، ولا يصح هذا عن الصحابة.
وعلى ذلك فالأقرب -والله أعلم- أن السكران يُؤاخذ بأفعاله، ولا يُؤاخذ بأقواله.
لو قذف السكران أحدًا بالزنا هل يُحَدُّ حَدَّ القذف؟
لا يُحَدُّ؛ لأنه لا أحدَ يَعْبَأُ بكلام السكران، ولا يلحق المقذوف التَّعيير، فكلامه هدرٌ لا قيمة له.
إذن القول الراجح الذي عليه جمهور الصحابة والذي اختاره كثيرٌ من المُحققين من أهل العلم: أن السكران يُؤاخذ بأفعاله، ولا يُؤاخذ بأقواله، ومنها الطلاق، فطلاق السكران على القول الراجح لا يقع، لا يقع طلاق السكران، هذا هو القول الراجح في المسألة، وهو المأثور عن الصحابة، بل حُكِيَ إجماع الصحابة عليه.
طالب: ……
الشيخ: الذي يظهر أنه ما دام يتعاطى مادةً مُسْكِرَةً جعلته يَهْذِي ويخلط أنه لا يقع، يُعتبر سكرانًا ما دام أنه بدأ في الخلط؛ لأن السكران قد تُكلمه ويُكلمك لكنه يخلط، مثلًا: إذا وجد أيَّ امرأةٍ ربما واقعها، فلا يُفرق بين زوجته وغير زوجته، فعنده عدم التَّمييز والخلط ما دام أنه تعاطى المادة المُسْكِرة وحصل عنده الخلط والهَذَيان، وتارةً كلمة صحيحة، وكلمة غير صحيحةٍ، فمعنى ذلك: أنه لا يقع طلاقه.
طلاق الغضبان
لعلنا نختم بمسألة طلاق الغضبان؛ لأنها مسألةٌ مهمةٌ.
طلاق الغضبان لم يتكلم عنه المصنف رحمه الله، وهي مسألةٌ مهمةٌ جدًّا، من أهم مسائل الطلاق، بل إنني أقول: إن استفتاءات الناس في الطلاق، لا يقل عن 90% من الذين يستفتون يُطلِّقون في حالة غضبٍ، يعني: لا يقل عن 90% ممن يُطلِّق أنه يُطلِّق في حالة غضبٍ ممن يستفتي في مسائل الطلاق.
وهذه المسألة مسألةٌ عظيمةٌ؛ ولذلك ألَّف ابن القيم فيها كتابًا سمَّاه: “إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان”، وهذا غير كتابه الآخر: “إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان”، فله كتابان: كتابٌ كبيرٌ: “إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان”، وكتابٌ صغيرٌ: “إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان”.
وخلاصة الكلام في هذه المسألة: أن الغضب ينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ:
القسم الأول: الغضب الشديد الذي يفقد الإنسان معه عقله، فلا يدري هل هو في أرضٍ أو سماء، أو بَرٍّ أو بحرٍ؟
وهذه حالةٌ نادرةٌ، وهذا لا يقع طلاقه بالإجماع.
هل يوجد أحدٌ منكم رأى إنسانًا غضب غضبًا لدرجة أنه فقد عقله؟ هل يوجد أحدٌ منكم رأى هذه الحالة؟
نعم، فقد عقله، أصبح ما يدري أين هو.
لا يوجد أي أحدٍ.
أنا فقط في حياتي مرةً مُسْتَفْتٍ واحدٌ قال: إنه معروفٌ عند أسرته بشدة الغضب، وإنه لما أغضبته زوجته فقد عقله، وإنه لما رجع إليه عقله أخبرته زوجته بأنه قد طلَّق.
فهذه الحالة -كما ترون- حالةٌ نادرةٌ، وهذه لا يقع معها الطلاق بالإجماع.
الحالة الثانية: الغضب اليسير، وهذا يقع معه الطلاق بالإجماع؛ إذ إنه لا يُطْلَب من المُطلِّق أن يُطلِّق وهو مُبتسمٌ، غالبًا يقترن مع الطلاق شيءٌ من الغضب، لكنه غضبٌ يسيرٌ، فهذا يقع معه الطلاق بالإجماع.
الحالة الثالثة -وهي الغالب والأكثر في واقع الناس- هي الحالة الوسطى التي يكون الغضب معها شديدًا، لكن لا يصل إلى درجة فُقدان العقل، بل الإنسان يعرف ما يقول، ويَعِي ما يقول، لكنه في حالة غضبٍ شديدٍ.
من علامات هذه الحالة: أن المُطلِّق لم يخطر بباله الطلاق أصلًا قبل الموقف الذي سبَّب له الغضب، لم يخطر بباله الطلاق.
ومن علاماتها أيضًا: أن المُطلِّق يجد نفسه مدفوعًا للتَّكلم بلفظة الطلاق، كأن أحدًا يُكرهه.
ومن علامات هذه الحالة أيضًا: أن المُطلِّق بعدما يذهب عنه الغضب يندم ندمًا شديدًا على ما حصل منه.
فهذه ثلاث علاماتٍ نستطيع أن نُميِّز بها هذه الحالة:
- العلامة الأولى: أن المُطلِّق لا يخطر بباله الطلاق قبل حصول الموقف الذي سبَّب له الغضب.
- العلامة الثانية: أن المُطلِّق يجد نفسه مُكْرَهًا ومدفوعًا للتَّلفُّظ بكلمة الطلاق، كأن أحدًا يدفعه لذلك.
- العلامة الثالثة: أن المُطلِّق إذا ذهب عنه الغضب وهدأ ندم ندمًا شديدًا على ما حصل منه.
فهذه علامات هذه الحالة، وهذه الحالة اختلف العلماء: هل يقع الطلاق في الحالة الوسطى أم لا؟
على قولين:
- القول الأول: أن طلاق الغضبان في الحالة الوسطى يقع، وهذا هو الذي عليه المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
قالوا: لأن هذا رجلٌ قد طلَّق وصدر منه لفظ الطلاق وهو يعلم ما يقول، فدخل في عموم أدلة وقوع الطلاق.
- القول الثاني: أنه لا يقع طلاقه، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، واختارها ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، واختارها جمعٌ من المُحققين من أهل العلم، واختارها شيخنا عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله.
وهذا هو القول الراجح، وإن كان خلاف قول الجمهور، لكنه القول الراجح بالدليل، وهو المأثور عن الصحابة كما ذكر ابن القيم.
ويدل لهذا القول حديث: لا طلاقَ ولا عَتَاقَ في إغلاقٍ [24]، والإغلاق: قال أبو داود: أظنه الغضب.
والإغلاق يعني: أن يُغْلَق على الإنسان فَيُشَوَّشَ فكره، وتنغلق عليه إرادته وقصده، ويدخل في ذلك المُكْرَه والمجنون والغضبان.
ثم أيضًا الغضبان غضبًا شديدًا لم يَتَمَحَّض قصده ولا نيته، فيكون مُشَوَّش الفكر، والإنسان إذا غضب يتشوش فكره لدرجة -كما ذكر ابن القيم- أن بعض الناس قد يمرض بسبب شدة الغضب، بل ذكر أن بعض الناس قد يموت بسبب شدة الغضب.
وذكر ابن القيم عن أحد العرب أنه سُبَّ، فأراد أن يردَّ على مَن سَبَّهُ بكلمةٍ، فأتى أحد الحاضرين ووضع يده على فِيهِ، ما يريده أن يتكلم، فقال: قتلتني. ومات، فيظهر -والله أعلم- أنه يرتفع عنده الضغط، وربما -أحيانًا- تنفجر بعض العروق؛ فيتسبب في نزيفٍ، فيظهر أن هذا هو تفسيرها الطبي، والله أعلم.
إذن الغضب الشديد قد يتسبب في المرض، وقد يتسبب في الوفاة، فهو أولى بعدم وقوع الطلاق من المُكْرَه كما يقول ابن القيم، يقول: المُكْرَه أحسن حالًا من هذا الغضبان؛ لأن المُكْرَه له قصدٌ وإرادةٌ حقيقيةٌ، لكنه محمولٌ على ذلك، أما الغضبان فليس له قصدٌ في الحقيقة، فإذا لم يقع طلاق المُكْرَه فعدم وقوع طلاق الغضبان من باب أولى.
أيضًا العاقل لا يستدعي الغضب ولا يريده، بل هو أَكْرَه شيءٍ إليه، فهو ناشئٌ بغير اختياره، وهو السبب الحامل على الحكم بالطلاق وإرادة الطلاق.
فالغضب إذن كالإكراه، وهذا الغضبان غضبًا شديدًا كالمُكْرَه، بل هو أولى من المُكْرَه في عدم وقوع الطلاق.
فالقول الراجح: أن الغضبان لا يقع طلاقه، وهذا هو الذي عليه الفتوى إذا كان غضبه شديدًا.
وذكر ابن القيم أدلةً كثيرةً في هذا الكتاب، فمَن أراد الاستزادة في هذه المسألة فَلْيَرجع لهذا الكتاب، فإنه أفضل ما صُنِّف في هذه المسألة.
ولذلك بعض المُفتين يجد مخرجًا لمَن يُطلِّق في الغضب إذا كان غضبه شديدًا، يقول: لا يقع عليك الطلاق، لكن ينبغي أن يُؤْمَر بكفارة يمينٍ؛ حتى لا يتساهل ويتمادى في الطلاق.
وإذا احتاج الإنسان للطلاق يُطلِّق طلقةً واحدةً في طُهْرٍ لم يُجامعها فيه، وبذلك لا يحتاج إلى أن يستفتي ولا يندم؛ لأنه سيُطلِّقها طلقةً واحدةً وتبقى في بيته طوال العِدَّة، فإذا مضت العِدَّة ولم يُرجعها معنى ذلك: أن نفسه قد طابتْ منها، لكن بعض الناس يستعجل ويستحمق ويُوقع الطلاق، ثم يبحث عمَّن يجد له مخرجًا.
طلاق النائم ومَن زال عقله
قال:
ولا يقع ممن نام أو زال عقله بجنونٍ أو إغماء.
لا يقع طلاق النائم بالإجماع، يعني: لو أن إنسانًا في النوم قال لزوجته: أنتِ طالق، أو فلانة طالق، وهو نائمٌ، لا يقع طلاقه.
هذا قد يحصل، قد يكون بعض الناس بينه وبين زوجته مشكلةٌ، ثم أثناء النوم يُطلقها، فلا يقع طلاقه بالإجماع، وهكذا لو كان بسبب جنونٍ أو إغماء، وهذا بالإجماع.
طلاق المُكْرَه
ولا ممن أَكْرَهَهُ قادرٌ ظلمًا بعقوبةٍ، أو تهديدٍ له، أو لولده.
طلاق المُكْرَه لا يقع؛ لقول النبي : إن الله تجاوز عن أُمتي الخطأ والنسيان وما استُكْرِهُوا عليه [25].
والمُكْرِه: هو الذي له سلطةٌ، وينبغي أن يُقيَّد ذلك بأنه يغلب على الظنِّ أن هذا له سلطةٌ سيُنَفِّذ ما هدَّد به، وأن هذا المُكْرَه سيقع عليه الضَّرر.
أيضًا من صور الإكراه -أحيانًا-: أن المرأة تُهدِّد زوجها -مثلًا- بالانتحار إن لم يُطلِّق، وأذكر أن قصةً حصلتْ لأحد الناس، أحد المُستفتين قالت زوجته: إن لم تُطلِّق قتلتُ نفسي. يقول: وأنا يغلب على ظنِّي أنها ستفعل؛ لأنه يعرف منها الحمق، فطلَّقها بناءً على ذلك، فهذه صورةٌ من صور الإكراه، طلَّقها وهو مُكْرَهٌ غير مُريدٍ للطلاق.
طلاق المريض النَّفسي
المريض النَّفسي هل يقع طلاقه؟
الجواب: إن المرض النفسي يختلف، فهو درجاتٌ وصورٌ وحالاتٌ، يختلف باختلاف حالة المريض النفسي، فقد يكون المرض النفسي شديدًا، فيكون كالمجنون لا يقع طلاقه، وقد يكون مرضًا نفسيًّا يسيرًا، وكثيرٌ من الناس لا يخلو من مثل هذه الأحوال، فتكون عنده مشاكل نفسيةٌ يسيرةٌ، ومثل هذه لا تمنع وقوع الطلاق.
المُوسوس هل يقع طلاقه؟
لا يقع طلاق المُوسوس؛ لأنه يعيش في إغلاقٍ، فهو كالمُكْرَه، فالمُوسوس عند عامة أهل العلم لا يقع طلاقه.
ونكتفي بهذا القدر.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة
نُجيب عما تيسر من الأسئلة.
السؤال: ما حكم نظر الزوج إلى زوجة والد الزوجة؟ وهل هو مَحْرَمٌ لها؟
الجواب: زوجة والد الزوجة التي هي ليست أم زوجته لا يُعتبر مَحْرَمًا لها، بل هي أجنبيةٌ عنه، فليس له النظر إليها، وتحتجب عنه.
السؤال: ما حكم التَّوقعات بنزول الأمطار؟ وهل تدخل في حديث: أصبح اليوم من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ؟
الجواب: هذا فيه تفصيلٌ: التوقعات بنزول المطر قبل نزوله لا بأس بها؛ لأنها لا تَعْدُو أن تكون تفسيرًا لسنن الله ، فإن الله تعالى أجرى الكون على سننٍ، ومن ذلك: نزول المطر، فإن له سُنَنًا، فبعض الناس قد يُفسر سُنن الله في نزول المطر ويقول: الفرصة مُهَيَّأَةٌ لنزول المطر بنسبة كذا. هذا لا بأس به، وهذا عليه عمل الناس من قديم الزمان، وإن اختلفتْ طُرقهم في التَّعبير عن ذلك التَّوقع بنزول المطر.
الحال الثانية: أن يُنْسَب نزول المطر بعد نزوله إلى غير الله ، وهذا لا يجوز، إذا نزل المطر فلا يجوز أن يُنْسَب نزول المطر لغير الله، فلا يُقال: نزل المطر لأجل المُنخفض الجوي، أو لأجل كذا، هذا لا يجوز، بل إن هذا يدخل في كُفر النعمة، وقد جاء في الصحيحين من حديث زيد بن خالد قال: صلَّى بنا رسول الله صلاة الصبح بالحُديبية على إثر سماءٍ كانت من الليل -يعني: على إثر نزول أمطارٍ- فلما انصرف -يعني: من صلاة الفجر- قال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: قال الله: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأما مَن قال: مُطِرْنَا بفضل الله ورحمته؛ فذلك مؤمنٌ بي، كافرٌ بالكوكب، وأما مَن قال: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كذا وكذا؛ فذلك كافرٌ بي، مؤمنٌ بالكوكب [26].
وهذا الكفر عند أهل العلم هو كفر النعمة، وهو كفرٌ أصغر، ولا يُخْرِج عن مِلَّة الإسلام، لكنه يُعتبر كفرًا أصغر، يُسميه العلماء: كفر النعمة.
وإذا كان هذا حصل في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وحصل من بعض الصحابة ورسول الله بين أظهرهم، والوحي يتنزل، فكيف بوقتنا الحاضر؟!
ولذلك فعلى المسلم أن يكون حذرًا بعد نزول المطر من أن ينسب نزول المطر لغير الله، لا يقل: نزل المطر لأن هناك مُنخفضًا جويًّا، أو لأن السُّحب كذا، أو لأن كذا، لا يجوز، إنما يقول: مُطِرْنَا بفضل الله ورحمته، اللهم اجعله صَيِّبًا نافعًا، ونحو ذلك، لكن لا يجوز نسبة المطر لغير الله .
فليكن المسلم حذرًا عندما يتكلم بعد نزول المطر من أن ينسب نزول المطر لغير الله سبحانه.
السؤال: ما المراد بالمُصاحبة بالمعروف مع الوالدين؟ وكيف يُصاحب الولد والديه بالمعروف؟ وإذا ترك طاعتهما، مع العلم بأن الوالدين غالبًا يقطعان الصِّلة مع الولد.
الجواب: الله تعالى يقول: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، المعنى: لا تُطعهما فيما أمراك به من معصية الله، لكن في بقية الأمور أحسن إليهما، فلا يمتنع الجمع، معصية الله لا تُطعهما فيها، وما عدا ذلك أطعهما وأحسن إليهما وبِرَّهما، فهذا غير مُمتنعٍ.
وينبغي أن يُبيِّن الولد لأبيه السبب إذا لم يُطعه، يقول: يا أبي، أنا أريد أن أُطيعك، وأن أَبَرَّك، لكن هذا لا يجوز، وهذا لا يُرضي الله ، وطاعة الله مُقدَّمةٌ.
فإنه إذا قال ذلك لأبيه أو أمه يطمئن الأب، يعني: بأنه لم يقصد بذلك معصيته وعدم طاعته، إنما أراد أن يُقدم طاعة الله على طاعته، فلا تعارض.
نقول: إنما تعصيه فيما أمرك به من المعصية، أما بقية الأمور فَتَبَرَّ به وتُحْسِن إليه.
السؤال: يقول: “نص حكيم قاطع له سِرّ” هذا كلام مَن؟
الجواب: هذا نقله الحافظ ابن كثير في “تفسيره” عن بعض العلماء، يعني: جمعوا هذه الحروف الأربعة عشر ووجدوا أنها تنتظم في هذه العبارة: “نص حكيم قاطع له سِرّ”.
السؤال: رجلٌ حدثته نفسه ووصل إلى حدِّ أنه يُحدث نفسه بالشك في الشرك وفي وجود الله، ولكن لم ينطق لسانه بشيءٍ؟
الجواب: ليس عليه شيءٌ، فالنبي يقول: إن الله تجاوز عن أُمتي ما حدَّثَتْ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم [27]، وهذه بُشرى للمؤمنين، فحديث النفس معفوٌّ عنه مهما كان، إنما تُؤاخذ بالقول وبالفعل.
وأيضًا بعض الصحابة اشتكوا للنبي عليه الصلاة والسلام وقالوا: إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وَجَدْتُموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان [28]، يعني: أحيانًا الشيطان يريد أن يغيظ الإنسان، وأن يُحْزِنه، فَيُدْخِل عليه وساوس مُتعلقةً بوجود الله وبالذات الإلهية ونحو ذلك.
فهذه ينبغي ألا يلتفت إليها الإنسان، وإذا أتتْ إليه هذه الوساوس يُعْرِض عنها ويقطع التَّفكير فيها، وورد في بعض الروايات أنه يقول: آمنتُ بالله ورسله [29]، وأنه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم [30]، وورد في روايةٍ: أنه يقرأ سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] ولا تضرّه [31]، بل إن مُدافعتها تدل على قوة الإيمان، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ذاك صريح الإيمان، يعني: مُدافعة هذه الشكوك دليلٌ على قوة الإيمان.
ولهذا لما علم بذلك اليهود قالوا لابن عباسٍ رضي الله عنهما: إنَّا لا نجد هذا الذي تجدونه أنتم أيها المسلمون. قال ابن عباسٍ: وماذا يفعل الشيطان في البيت الخَرِب؟!
الشيطان لا يأتي إلا لبيتٍ عامرٍ بذكر الله ؛ ولهذا ينبغي ألا يحزن الإنسان عند وجود هذه الوساوس التي تَرِد عليه بغير اختياره، تهجم عليه هذه الوساوس وتَرِد عليه بغير اختياره، فلا يحزن، وهذا دليلٌ على قوة إيمانه، لكن المطلوب منه أن يقطع التَّفكير فيها، وأن يُعْرِض عنها، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تضرّه.
السؤال: رجلٌ طلَّق زوجته طلقتين، ثم طلَّقها الطلقة الثالثة، لكن إحدى الطَّلقتين طلَّقها وهي حائض؟
الجواب: إن شاء الله سنتكلم عن طلاق الحائض بالتَّفصيل في الدرس القادم، وفيه خلافٌ كثيرٌ، وخلافُ قويٌّ أيضًا، وإن شاء الله نُرجئ الإجابة عن هذا السؤال للدرس القادم؛ لأننا سنُفَصِّل الكلام عنه، بإذن الله .
السؤال: لو قام المسبوق قبل فراغ الإمام من التَّسليم هل تبطل صلاته؟
الجواب: لا تبطل صلاته، لكن هذا خلاف السُّنة، لكن صلاته صحيحةٌ؛ لأنه ليس هناك تركٌ لركنٍ ولا لواجبٍ ولا لشرطٍ، وليس هناك مُبْطِلٌ أيضًا أتى به، فغاية ما فيه أنه سبق الإمام قبل أن يُسلم، فهو قد خالف السنة في ذلك، لكن صلاته صحيحةٌ.
السؤال: هل تأخير الصلاة إلى وقتها الضَّروري يُعَدُّ من كبائر الذنوب؟
الجواب: تأخير الصلاة إلى وقتها الضَّروري من غير سببٍ ذكره النبي من علامات النفاق، فقال: تلك صلاة المنافق، يجلس يَرْقُب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فَنَقَرَها أربعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلًا [32]، وهذا يدل على تحريم ذلك في حقِّ مَن لم يكن مُحتاجًا لتأخير الصلاة إلى وقتها الضَّروري.
فالصلاة التي تُؤخَّر لوقتها الضَّروري صلاتان:
صلاة العصر، فإن وقتها الاختياري إلى اصفرار الشمس، وما بين اصفرار الشمس إلى غروب الشمس هذا هو الوقت الضَّروري.
وصلاة العشاء عند الجمهور وقتها الاختياري إلى منتصف الليل، ووقتها الضَّروري إلى طلوع الفجر.
فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها الاختياري إلى الضَّروري إلا عند وجود ضرورةٍ أو حاجةٍ مُلحَّةٍ.
السؤال: ما حكم وضع اليدين قبل الركبتين عند السجود؟
الجواب: هذه المسألة سبق أن مرتْ معنا في “السلسبيل”، وذكرنا أن جميع ما رُوِيَ فيها لا يثبت من جهة الصناعة الحديثية؛ ولذلك يختار الإنسان الأيسر له، إن شاء قدَّم رُكبتيه قبل يديه، وإن شاء قدَّم يديه قبل رُكبتيه، فلا يثبت فيها شيءٌ، وهذا قد فصَّلنا الكلام فيه في درسٍ سابقٍ.
السؤال: هل ورد أن الدعاء يُستجاب عند نزول المطر؟
الجواب: لا أعلم أنه ورد في ذلك شيءٌ عن النبي ، ولكن نزول المطر -نزول الغَيْث- رحمةٌ من الله ، وعند نزول الرحمة يُرْجَى إجابة الدعاء؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام عند نزول المطر يَحْسِر عن رأسه حتى يُصيبه المطر، ويقول: إنه حديث عهدٍ بربه [33]، فإذا دعا الإنسان عند نزول المطر فلا بأس بذلك، لكن لا أعلم أنه ورد في ذلك شيءٌ عن النبي .
السؤال: ماذا يُشرع للمسلم فعله عند نزول المطر؟
الجواب: أولًا: يُشرع أن يَحْسِر عن رأسه؛ حتى يُصيب رأسه المطر، ويُصيب أيضًا جسده؛ وذلك لأن هذا هو هدي النبي ، فقد كان إذا نزل المطر حَسَرَ عن رأسه؛ حتى يُصيبه المطر، وقال: إنه حديث عهدٍ بربه.
ثانيًا: ينبغي أن ينسب المطر إلى الله ، فيقول: مُطِرْنَا بفضل الله ورحمته، اللهم صَيِّبًا نافعًا، ونحو ذلك، ويحذر من نسبة نزول المطر لغير الله سبحانه.
ثالثًا: أن يحمد الله تعالى، وأن يشكره، فيقول: نحمد الله ونشكره، مُطِرْنَا بفضل الله ورحمته؛ لقول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ [الواقعة:68- 70]، فَيُسَنُّ عند نزول المطر أن يحمد الله تعالى، وأن يشكره على هذه النعمة.
السؤال: ماذا يقول عند سماع صوت الرعد؟
الجواب: رُوِيَ عن أبي هريرة ، وقد رُوِيَ مرفوعًا، لكنه لا يثبت مرفوعًا، وإنما موقوفٌ على أبي هريرة : “سبحان مَن سبَّح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته” [34]، فهذا رُوِيَ عن أبي هريرة ، وأيضًا عن بعض الصحابة.
السؤال: رجلٌ صلَّى الفجر بجماعة المسجد إمامًا بعدما تأخر الإمام، وقرأ بهم من المصحف، وهو يحفظ كثيرًا من السور، وغير محتاجٍ لذلك، لكن عنده وردٌ يوميٌّ وأكمله وهو إمامٌ بالناس، فهل الأحوط في حقِّهم إعادة الصلاة؟
الجواب: هذا أخطأ في كونه قرأ من المصحف في صلاة الفريضة؛ لأن أحد المذاهب الفقهية -وهو مذهب الحنفية- يرى عدم صحة الصلاة، فلماذا يُعرِّض صلاته وصلاة الناس للبطلان وهو يحفظ من قِصَار السور ويحفظ شيئًا من القرآن؟!
فهذا قد أخطأ، وإن كان القول الراجح هو قول الجمهور، وهو: أن الصلاة صحيحةٌ، لكن يُكْرَه أن يحمل المصحف في صلاة الفريضة، لكن الصلاة صحيحةٌ.
وعلى هذا نقول للأخ السائل: صلاتكم صحيحةٌ، لكن ينبغي تنبيه هذا الذي قرأ من المصحف في صلاة الفريضة على أنه ينبغي ترك ذلك؛ لأن من الفقهاء مَن قال بعدم صحة الصلاة، والذي لا يحفظ لا يتقدم، لا يكون إمامًا، لكن الأخ السائل ذكر سببًا آخر عجيبًا، قال: إنه يُريد أن يُكمل ورده. وهذا عجيبٌ!
إن أراد أن يُكمل ورده يُكمل ورده في غير الصلاة، لكن يأتي ويقرأ من المصحف لأجل أن يُكمل ورده فهذا أمرٌ غير مقبولٍ.
السؤال: هل كل إنسانٍ مؤمنٍ مُقدَّرٌ عليه الابتلاء أم الابتلاء يخصُّ إنسانًا دون إنسانٍ؟
الجواب: الله أعلم، هذه أمورٌ ترجع لحكمة الله سبحانه، فبعض الناس قد يُشدَّد عليه في البلاء، وبعض الناس قد يُعافى، الله أعلم، لله الحكمة، وبعض الناس أيضًا قد يُبتلى بالنَّعماء، وبعض الناس قد يُبتلى بالضَّراء.
سليمان عليه الصلاة والسلام سخَّر الله له الجنَّ والإنس والطير والريح، وأعطاه مُلْكًا عظيمًا، وهو نبيٌّ من أعظم الأنبياء، وأيوب عليه السلام ابتلاه الله تعالى بالفقر وبالمرض وبذهاب الأولاد والأموال.
فهذه أمورٌ ترجع لحكمة الله سبحانه، والله تعالى أحكم الحاكمين، له الحكمة في هذا، وهو سبحانه لا يُسأل عما يفعل.
وبقية الأسئلة نُجيب عنها -إن شاء الله- في درس غدًا، بإذن الله تعالى.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه مسلم: 2699. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 5214، ومسلم: 1461. |
^3 | رواه مسلم: 1460. |
^4 | رواه البيهقي في “شعب الإيمان”: 10410. |
^5 | رواه البخاري: 4101. |
^6 | رواه البخاري: 2567، ومسلم: 2972. |
^7 | رواه البخاري: 5201، ومسلم: 1478. |
^8 | رواه البخاري: 5191، ومسلم: 1478، 1479. |
^9 | رواه البخاري: 6065، ومسلم: 2559. |
^10 | رواه مسلم: 1218. |
^11 | رواه مسلم: 2328. |
^12 | رواه البخاري: 6850، ومسلم: 1708. |
^13 | رواه البخاري: 5273. |
^14 | رواه أبو داود: 2226، والترمذي: 1187 وقال: حسنٌ. |
^15 | رواه النسائي: 3461، وأحمد: 9358. |
^16 | رواه ابن ماجه: 2056 بلفظ: فأمره رسول الله أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد. |
^17 | رواه أبو داود: 2283، وابن ماجه: 2016، وأحمد: 15924. |
^18 | رواه أبو داود: 2178، وابن ماجه: 2018. |
^19 | رواه البخاري: 4908، ومسلم: 1471. |
^20 | رواه أبو داود: 2049، والنسائي: 3465. |
^21 | رواه أبو داود: 4398، والنسائي: 3432، وابن ماجه: 2041. |
^22 | رواه البخاري: 3091، ومسلم: 1979. |
^23 | رواه مسلم: 1695. |
^24 | رواه أبو داود: 2193، وابن ماجه: 2046، وأحمد: 26360. |
^25 | رواه ابن ماجه: 2043، وابن حبان: 4760. |
^26 | رواه البخاري: 4147، ومسلم: 71. |
^27 | رواه البخاري: 5269، ومسلم: 127. |
^28 | رواه مسلم: 132. |
^29 | رواه مسلم: 134. |
^30 | رواه البخاري: 3276، ومسلم: 134. |
^31 | رواه أبو داود: 4722. |
^32 | رواه مسلم: 622. |
^33 | رواه مسلم: 898. |
^34 | رواه ابن أبي الدنيا في “المطر والرعد والبرق”: 100. |