logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(72) باب عشرة النساء- من قوله: “يلزم كلا من الزوجين معاشرة الآخر..”

(72) باب عشرة النساء- من قوله: “يلزم كلا من الزوجين معاشرة الآخر..”

مشاهدة من الموقع

ننتقل بعد ذلك لبقية الأسئلة، إن شاء الله نجيب عنها بعد درس “السلسبيل”.

باب عشرة النساء

وكنا قد وصلنا في “السلسبيل” إلى:

باب عشرة النساء

وهذا الباب يَعقِده الفقهاء للكلام عن حقوق الزوجين وما يتبع ذلك.

عظيم شأن العلاقة الزوجية

والعلاقة الزوجية قد عُنيت بها الشريعة الإسلامية، وذكر الله تعالى شيئًا من مسائل العلاقة الزوجية حتى في أخص الخصوصيات: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، فذكر الله تعالى هذا الأمر، وذكر أيضًا مسائل الصداق، وذكر الطلاق، حتى إن سورةً من القرآن تسمى بسورة الطلاق؛ هذا يدل على عظيم شأن العلاقة الزوجية؛ إذ إن الزوجين هما عماد الأسرة، وبصلاح الأسرة يصلح المجتمع.

وقوله: “عشرة النساء”، عشرة -بكسر العين- العشرة تعني: المخالطة والاجتماع؛ ولهذا يقال للجماعة: عشيرةٌ، ويقال: مَعشرٌ؛ والمقصود بعشرة النساء: يعني ما يكون بين الزوجين من المودة والألفة ونحو ذلك.

والمرأة، الزوجة، شريكةٌ للرجل؛ لأن الحياة بين الزوجين هي حياة شراكةٍ، والزوجة هي مِن أقرب الناس للزوج؛ لأنها تكون معه في طعامه وشرابه ونومه ونحو ذلك؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: الدنيا متاعٌ، وخير متاعها المرأة الصالحة [1]، والمرأة الصالحة قد تكون سببًا لسعادة الرجل، ومُعينةً له على أمور دينه ودنياه؛ ولهذا فخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها لمَّا أتى النبي وقال: إني خشيت على نفسي؛ وقفت موقفًا عظيمًا، قالت: كلا والله، لا يخزيك الله أبدًا، ثم ذَكَرَتْ بعض مناقب النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: من كانت هذه مناقبه؛ فلن يخزيه الله أبدًا، ثم ذهبتْ به لابن عمِّها ورقة بن نوفلٍ، وطمأنه وقال: هذا هو الناموس الأكبر -يعني جبريل – الذي كان يأتي موسى  [2].

فانظر إلى موقف هذه المرأة مع النبي عليه الصلاة والسلام، فالمرأة الصالحة تقف مع زوجها، وتكون سببًا لسعادته، وبعكس ذلك المرأة غير الصالحة، فتكون شؤمًا عليه؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: إن كان الشؤم في شيءٍ ففي ثلاثٍ: في المرأة، وفي الدار، وفي الدابة [3].

وهذا الحديث رواه البخاري ومسلمٌ، واختلف العلماء فيه اختلافًا كثيرًا، والأقرب والله أعلم: أن هذا الحديث على ظاهره، كما اختار مشايخنا أنه على ظاهره: أن الله تعالى قد يخلق أعيانًا مباركةً، وقد يخلق أعيانًا مشؤومةً، وهذا نجده في الواقع، تجد بعض الناس مباركًا، لا يأتي منه إلا خيرٌ في كل أموره، حتى في مشورته، وفي آرائه، وفي تصرفاته، وبعض الناس على العكس من ذلك؛ تجد أنه ما يأتي منه إلا شرٌّ.

فبعض الأعيان يخلقها الله تعالى مباركةً، وبعضها مشؤومةً، وهكذا بالنسبة أيضًا للمرأة، فبعض النساء تكون مباركةً على زوجها، تعينه على أمور دينه ودنياه، وبعض النساء على العكس من ذلك، ومِثل ذلك أيضًا: الدار والدابة، وأنت تجد مثلًا الدابة -التي هي في وقتنا الحاضر السيارة- أحيانًا تكون السيارة مبارَكةً، يقل خرابها، ويَكثُر الانتفاع بها، وأحيانًا على العكس؛ مِن خرابٍ إلى خرابٍ.

فهذه الأمور الثلاثة ذَكَرها النبي عليه الصلاة والسلام، فالأقرب -والله أعلم- أن هذا الحديث على ظاهره.

المعاشرة بالمعروف بين الزوجين

قال:

يلزم كلًّا من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف.

لقول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقوله: بِالْمَعْرُوفِ، هذا لفظٌ جامعٌ، والمعروف يختلف باختلاف الأزمان، وباختلاف الأماكن، وباختلاف الأحوال، وقد يكون هذا الشيء من المعروف في بلدٍ، ولا يكون من المعروف في بلدٍ آخر.

قال:

مِن الصُّحبة الجميلة، وكف الأذى، وألا يَمطُله بحقه.

هذه أمثلةٌ للمعاشرة بالمعروف، “الصحبة الجميلة” يعني: حسن الخلق، وحسن التعامل؛ ولهذا فبعض المفسرين فسر قول الله تعالى: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء:36]، بأنها الزوجة، وقال بعضهم: الرفيق في السفر، والأقرب: أن كلا المعنيين صحيحٌ: الصاحب بالجنب يشمل رفيق السفر، ويشمل أيضًا الزوجة.

و”كف الأذى” يعني: الأذى القولي والفعلي، سواءٌ من الزوج أو من الزوجة.

“وألا يَمطُله بحقه” يعني: لا يماطل كلٌّ من الزوجين بالحقوق الواجبة عليه للآخر؛ فمثلًا: الزوج لا يماطل بدفع النفقة لزوجته، والزوجة أيضًا لا تماطل بأداء الحقوق التي عليها لزوجها.

والمماطلة هي نوعٌ من المنة، الذي يماطل يمتنُّ، وكثرة المنة من كبائر الذنوب؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ..، وذكر منهم: المنان [4].

كثرة المنة مرضٌ عند بعض الناس، لا يعطي شيئًا إلا بمنةٍ، إذا أراد أن يُنفق على زوجته يمتنُّ عليها، إذا أراد أن ينفق على أولاده يمتن، إذا أراد أن يقوم بأي معروفٍ لأي أحدٍ؛ يسبق أداءَ ذلك المعروف منةٌ.

فهذه المنة: أولًا: أنها تُبطل الأجر، بل يعاقب عليها؛ لأن هذا الحديث فيه وعيدٌ شديدٌ: لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم.

ثانيًا: أنها تُفسد المعروف، حتى لو قمت بمعروفٍ، لكن مصحوبًا بمنةٍ؛ فقد أفسدت هذا المعروف؛ ولهذا ينبغي للمسلم -ويتأكد هذا في حق طالب العلم- أن يبتعد عن المنة.

احرص على أنك إذا أردت أن تقوم بمعروفٍ؛ أن تقوم به بعيدًا عن المنة، فبعض الناس قد يمتن من حيث لا يشعر، لا يستحضر أن هذه منةٌ، لكن طبعه هكذا، طبعه أنه يمتن، فعليه أن يتخلص من هذا المرض، وأن يؤدي المعروف من غير منةٍ.

الحقوق المتبادلة بين الزوجين

قال:

وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه.

الله تعالى يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، لكن حق الزوج على زوجته أعظم من حق الزوج على زوجها؛ لأن الله قال: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، ولأن الله تعالى جعل الزوج سيدًا، في قوله: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25]، وأيضًا ورد في السنة أحاديث تؤكد هذا المعنى؛ منها قول النبي : لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها [5]؛ وذلك لعظيم حقه عليها، ولأن الزوج هو القوَّام على المرأة: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، لكن طاعة الزوج طاعةٌ مقيدةٌ، ليست مطلقةً، فهي طاعةٌ بالمعروف، والطاعة التي بالمعروف لا بد لها أولًا: ألا يأمرها بمعصية الله، ثانيًا: أن يأمرها بشيءٍ له فيه مصلحةٌ وليس عليها ضررٌ، أما إذا أمرها بشيءٍ فيه تعنُّتٌ، أو عليها ضررٌ؛ فلا يلزمها أن تطيعه في ذلك، فطاعة البشر للبشر إنما هي في المعروف، وليست طاعةً مطلقةً، سواءٌ كانت طاعة الزوجة لزوجها، أو طاعة الولد لوالديه، أو طاعة ولي الأمر، أو أي طاعةٍ، بل حتى طاعة النبي عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة:12].

وليكن غيورًا من غير إفراطٍ.

الغيرة محمودةٌ من الرجل على زوجته وعلى محارمه، لكن إذا كانت باعتدالٍ ومن غير إفراطٍ.

وهنا ذُكر في “السلسبيل” أثناء تأليف الكتاب هذه العبارة: “ولهذا فمما قيل في الحكمة من تحريم لحم الخنزير: أن الخنزير ليس عنده غيرةٌ على أنثاه، فربما تأثَّر الإنسان بطبعه”، ولكن أفاد بعض المختصين أن هذا الشائع غير صحيحٍ، وأن هذه الغيرة توجد حتى عند غير الخنزير، وأن الحيوانات عندها فوضى جنسيةٌ أصلًا، ليست مثل البشر، فليس عندها مثل ما عند البشر، وقد ينزو الذكر على أمه.

فالحكمة من تحريم أكل لحم الخنزير -والله أعلم- لِمَا يَلحق الإنسانَ من الضرر، لما يلحقه من الضرر، وليست لانعدام الغيرة لديه؛ لأن انعدام الغيرة هذا موجودٌ حتى عند غير الخنزير، حتى عند غير الخنزير ما يوجد غيرةٌ أيضًا، وقد يوجد لدى بعض الحيوانات بنِسَبٍ متفاوتةٍ، لكن ليس هناك شيءٌ واضحٌ في هذه المسألة، فبعض أهل الاختصاص قالوا: إن ما يُذكَر عن أن الخنزير ليس عنده غيرةٌ، إن هذا غير صحيحٍ؛ فلذلك هذه العبارة لعلنا -إن شاء الله- نحذفها من الطبعات القديمة من “السلسبيل”؛ لأني أخذتُها بناءً على ما اشتهر عند الناس من هذه المقولة، وهو أن الخنزير ليس عنده غيرةٌ، ولكن لعل الحكمة -والله أعلم- هي: لما يلحق الإنسان من الضرر بأكل لحم الخنزير، وليس لذلك علاقةٌ بالغيرة.

وقد جاء في الحديث: إن من الغيرة ما يحبه الله، وما يبغضه الله؛ فأما ما يحبه الله: فالغيرة في الرِّيبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله: فالغيرة في غير الريبة [6]، أخرجه أحمد، وهو حديثٌ حسنٌ بطرقه.

فقوله : الغيرة في الريبة، يعني: إذا ارتاب الرجل في امرأته، أو في إحدى محارمه، لكن بشيءٍ يقتضي الريبة، بقرائن ونحو ذلك، فهذه الغيرة محمودةٌ؛ لأنه مطلوبٌ أن يغار الإنسان على محارمه ولا يكون ديوثًا؛ فإن الغفلة عن المحارم ربما تؤدي إلى أمورٍ لا تُحمد عقباها.

أما الغيرة من غير سببٍ مع المبالغة فيها، فهذه قد تؤدي للوسواس، وتتسبب في تنكيد الحياة الزوجية، وتجعل هذه المرأة ليست محل ثقةٍ عند زوجها، مع أنها ربما تكون عفيفةً وصالحةً، ولكن هذا الرجل تحولت الغيرة عنده إلى وسواسٍ وإلى مرضٍ، فهذه غيرةٌ مذمومةٌ.

فالغيرة المحمودة إذنْ: هي الغيرة التي تكون باعتدالٍ، وأما الغيرة المُفرِطة: التي تكون بدون سببٍ، وتتحول إلى وسواسٍ وإلى أذيَّةٍ، فهذه غيرةٌ مذمومةٌ.

شروط وجوب تسليم المرأة نفسها لزوجها

قال:

وإذا تمَّ العقد؛ وجب على المرأة أن تسلم نفسها لبيت زوجها.

إذا تم العقد بأركانه وشروطه السابقة؛ فيجب على المرأة أن تسلم نفسها لبيت زوجها، وذلك بحسب العرف والعادة، وهذا يخضع للعرف والعادة، ففي بعض المجتمعات: تُسلِّم المرأةُ نفسها لبيت زوجها كما ذكر المؤلف، وفي بعض المجتمعات -كما في مجتمعاتنا- أن الرجل هو الذي يذهب لبيت الزوجة ويستلمها من بيت أهلها، وأيضًا من العادات: أن الزوجة تكون مثلًا في قصرِ أفراحٍ، فيذهب إليها الزوج ويستلمها من قصر الأفراح، فهذه الأمور -يعني تسلُّم الزوجة- تخضع للعرف والعادة، لكن المهم أن المرأة تسلم نفسها لزوجها، فتذهب الزوجة مع الزوج إلى بيته، وذكر المؤلف شروط ذلك، شروط وجوب تسليم المرأة نفسها لزوجها، ذكر عدة شروطٍ:

الشرط الأول:

قال:

إذا طلبها.

يعني: لا بد أن يكون ذلك بطلبٍ من الزوج، أما إذا لم يطلبها؛ لم يجب.

الشرط الثاني:

وهي حرةٌ.

أما الأمَة: فلا يجب تسليمها لزوجها؛ لأنها مشغولةٌ بخدمة سيدها.

الشرط الثالث:

يمكن الاستمتاع بها؛ كبنت تسعٍ.

فإذا كانت لا يمكن الاستمتاع بها؛ كأن تكون صغيرةً دون تسعٍ، فلا يجب تسليمها لزوجها.

الشرط الرابع:

إن لم تشترط دارها.

أما إن اشترطت أن تبقى في دارها، أو في بيت أهلها؛ فلا يجب تسليمها لزوجها.

فإذا تحققت هذه الشروط الأربعة؛ وجب أن تُسلَّم هذه المرأة لزوجها.

الأعذار التي لا يجب معها تسليم المرأة نفسها لزوجها

قال:

ولا يجب عليها التسليم: إن طلبها وهي مُحرِمةٌ، أو مريضةٌ، أو صغيرةٌ، أو حائضٌ، ولو قال: لا أطأ.

يعني: لا يجب التسليم مع وجود هذه الأعذار:

الأول: إذا كانت مُحرِمةً؛ فلا يجب تسليمها لزوجها؛ لأنه ممنوعٌ من أن يقربها.

“أو مريضةٌ”، فالمرض عذرٌ لها في عدم وجوب تسليمها لزوجها.

“أو صغيرةٌ” دون تسعٍ كما سبق.

“أو حائضٌ”، أو حتى لو كانت حائضًا، فإنه لا يجب تسليمها حتى تطهر، حتى وإن قال: لا أطأ؛ يعني فمقولته هذه لا أثر لها.

وهذا الكلام كله عند المُشاحَّة، أما إذا حصل التراضي -وهو الغالب- فيكون بحسب التفاهم والاتفاق بينهم، لكن هذا الكلام الذي يذكره الفقهاء إنما هو عند المشاحة.

أحكام الاستمتاع بالزوجة

ثم انتقل المؤلف للكلام عن أحكام الاستمتاع بالزوجة فقال:

فصلٌ

وللزوج أن يستمتع بزوجته كل وقتٍ، على أي صفةٍ كانت، ما لم يضرها أو يشغلها عن الفرائض.

ضوابط الاستمتاع بالزوجة

وهذا يصلح أن يكون ضابطًا في هذا الباب، ونضيف له أيضًا: وألا يكون الاستمتاع في الدبر، أو في حال الحيض.

فعلى هذا: يصلح أن نضع ضابطًا وأن نقول: للزوج أن يستمتع بزوجته على أي صفةٍ، ما عدا الوطء في الدبر، والوطء في الحيض، وما لم يضرها، أو يشغلها عن الفرائض، يعني: بهذه القيود الأربعة:

  • القيد الأول: ألا يكون الوطء في الدبر.
  • القيد الثاني: ألا يكون الوطء حال الحيض.
  • القيد الثالث: ألا يضرها.
  • القيد الرابع: ألا يشغلها عن الفرائض.

وقد جاء في هذا بعض الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ منها: ما جاء في “الصحيحين” عن أبي هريرة  أن النبي قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح [7].

وهذا يدل على أن معصية المرأة لزوجها في هذا الأمر من كبائر الذنوب؛ لأن لعن الملائكة لا يكون إلا على كبيرةٍ.

وأيضًا جاء في هذا حديث: إذا دعا الرجل زوجته لحاجته؛ فلتأته وإن كانت على التَّنُّور [8]، وهو حديثٌ أخرجه أحمد، وهو حديثٌ حسنٌ، وأيضًا: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه؛ فلتجب وإن كانت على ظهر قَتَبٍ [9]، وهو الرَّحْل الصغير يكون على البعير.

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على وجوب إجابة المرأة لزوجها إذا طلبها للفراش، وأنه لا يجوز أن تمتنع منه إلا بعذرٍ أو تفاهمٍ، إلا لعذرٍ أو تتفاهم معه في هذا ويرضى.

قال:

ولا يجوز لها أن تتطوع بصلاةٍ أو صومٍ وهو حاضرٌ إلا بإذنه.

لقول النبي : لا يحل لامرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهدٌ إلا بإذنه [10]، متفقٌ عليه.

قوله : شاهدٌ، يعني: حاضرٌ، ما دام الزوج ليس مسافرًا؛ وإنما هو حاضرٌ؛ فليس لها أن تصوم صيام نافلةٍ إلا بإذنه؛ لأن صيامها للنافلة يفوِّت حقَّه في الاستمتاع؛ وهذا يدل على عظيم حق الزوج على زوجته.

الاستمناء بيد الزوجة

قال:

وله الاستمناء بيدها.

يعني: للزوج أن يستمني بيد زوجته؛ لأن هذا داخلٌ في الضابط السابق الذي ذكرناه، نحن قلنا: له أن يستمتع منها بكل شيءٍ، وعلى أي صفةٍ، واستثنينا من ذلك أربعة أمورٍ:

  1. ألا أن يكون في الدبر.
  2. أو حال الحيض.
  3. أو يضرها.
  4. أو يشغلها عن الفرائض.

وعلى ذلك: فالاستمناء بيدها داخلٌ في دائرة الإباحة عند عامة أهل العلم؛ وعلى هذا: فالاستمناء يجوز في أحوالٍ؛ منها:

  • إذا كان بيد زوجته.
  • ومنها أيضًا: إذا خشي على نفسه الفتنة، إذا كان شابًّا وعاجزًا عن الزواج، ولم يتيسر له أن يصوم، وخشي على نفسه الفتنة، أن يقع في الحرام؛ فيجوز له أن يستمني في هذه الحال؛ لكسر شهوته؛ حتى لا يقع في الحرام.

للزوج أن يسافر بلا إذن الزوجة

قال:

والسفر بلا إذنها.

يعني: للزوج أن يسافر بلا إذن الزوجة، وهذا معلومٌ؛ لأنه لا ولاية للمرأة على الرجل، بخلاف المرأة، ليس لها أن تسافر إلا بإذن زوجها.

يحرم وطء المرأة في الدبر

ويحرم وطؤها في الدبر.

عند عامة أهل العلم: يحرم وطء المرأة في الدبر، وقد رُوي في ذلك أحاديث، كلها لا تخلو من مقالٍ، لكنها بمجموعها ثابتةٌ؛ ومن ذلك: إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن [11]، لا ينظر الله إلى رجلٍ جامع امرأته في دبرها [12]، ملعونٌ من أتى امرأته في دبرها [13]، حتى ولو رضيت الزوجة؛ فلا يجوز؛ ولهذا قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: وطء المرأة في دبرها حرامٌ بالكتاب والسنة وقول جماهير السلف والخلف، وهو اللوطية الصغرى، وطء المرأة في دبرها يسمى: “اللوطية الصغرى”، ويأثم الزوج، وتأثم الزوجة أيضًا إذا مكنته من ذلك.

يحرم عليه الوطء في الحيض والنفاس

ونحو الحيض.

يعني: يحرم عليه الوطء في الحيض والنفاس؛ لقول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، لكن له أن يستمتع منها في حال الحيض والنفاس بما دون الفرج؛ لأن عائشة رضي الله عنها أخبرت بأنها إذا كانت حائضًا؛ يأمرها النبي عليه الصلاة والسلام أن تأتزر، فيباشرها وهي حائضٌ [14].

ودين الإسلام وسطٌ بين اليهودية التي تعزل المرأة إذا حاضت؛ لا تؤاكلها ولا تشاربها، وتعتزلها وكأنها رِجسٌ نَجَسٌ، وبين النصرانية المتساهلة الذين يُبيحون وطء المرأة حتى في حال الحيض، فالإسلام منع فقط وطء المرأة حال الحيض، وما عدا ذلك فالمرأة الحائض كغير الحائض تمامًا.

فتجد أن دين الإسلام وسطٌ بين اليهودية المتشددة، وبين النصرانية المتساهلة في كثيرٍ من الأمور، ليس فقط في هذه المسألة، في كثيرٍ من الأمور؛ في النجاسات: اليهودية يُشدِّدون في أمر النجاسة، حتى إنه إذا وقعت النجاسة على اللباس؛ يقصون مكان اللباس الذي وقعت عليه النجاسة، والنصارى يتساهلون، لا يبالون بشأن النجاسة، والمسلمون وسطٌ، إذا وقعت النجاسة على اللباس؛ تُغسل هذه النجاسة ويزول أثرها.

العزل عنها بغير رضاها

وعزله عنها بلا إذنها.

يعني: يَحرُم على الرجل أن يعزل عن امرأته بغير إذنها وبغير رضاها، في قول عامة أهل العلم.

ومعنى العزل: أن يطأ، وقُبَيل الإنزال يَنزِع ويُنزل خارج الفرج؛ وذلك لمنع الحمل، وقد ورد في العزل عدة أحاديث؛ منها: حديث جابرٍ : “كنا نعزل والقرآن ينزل” [15]، وهذا دليلٌ على إقرارهم على العزل، وأيضًا حديث: ذلك الوأد الخفي [16]، وهو في “صحيح مسلمٍ”.

ومن هنا اختلف العلماء في حكم العزل، والأقرب -والله أعلم- هو أنه مباحٌ؛ لحديث جابرٍ : “كنا نعزل والقرآن ينزل”.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله: أن الرخصة فيه عن عشرةٍ من الصحابة، فالأقرب هو جواز العزل، وإن كان الأولى تركه؛ لأن النبي سمَّاه الوأد الخفي.

لكن إذا أراد الزوج أن يعزل؛ فلا بد من رضا المرأة؛ لأن المرأة لها حقٌّ في الولد كما أن الزوج له حقٌّ في الولد، فليس له أن يعزل بغير رضاها، ولكن بشرط أن تكون المرأة حرةً، أما إذا كانت أمةً؛ فالمرجع إلى إذن السيد.

ويستفاد من جواز العزل: أنه يجوز تنظيم النسل، تنظيم النسل لا بأس به، بخلاف منع النسل فإنه لا يجوز، فتنظيم النسل؛ كأن تأخذ مثلًا المرأة عقاقير، أو تركب لولبًا، ونحو ذلك، لا بأس به؛ لأن كون المرأة تحمل كل سنةٍ قد يضرها، وقد يشق عليها أيضًا، فتنظيم النسل لا بأس به، وهو الوارد عن الصحابة : “كنا نعزل والقرآن ينزل”، والعزل نوعٌ من تنظيم النسل.

أما منع النسل بالكلية: فهذا لا يجوز عند عامة أهل العلم، لا يجوز إذا كان منعًا بالكلية، ففرق بين تنظيم النسل وبين منع النسل؛ تنظيم النسل جائزٌ، وأما منع النسل فلا يجوز.

كراهة التقبيل والمباشرة أمام الناس

قال:

ويُكره أن يقبلها أو يباشرها عند الناس.

والمؤلف عبَّر بـ”يكره”، باعتبار أنها زوجته.

والقول الثاني: أنه يحرم، وهذا هو القول الراجح؛ لأن النبي قال: إن من أشر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة: الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه، ثم ينشر سرها [17]، فإذا كان ورد هذا الوعيد الشديد على نشر أسرار الاستمتاع، فالتقبيل والمباشرة أمام الناس أولى بهذا الوعيد.

فاقتصار المؤلف على الكراهة هذا محل نظرٍ، والصواب: أن هذا يحرم، وهذا مع الأسف! في وقتنا الحاضر يمكن أن يقع؛ لأن بعض الناس نُزع منهم الحياء، فيمكن أن يقبِّل امرأته أمام الناس، وحتى ربما يباشرها أمام الناس، فقلنا: هذا لا يجوز، لا يجوز هذا حتى ولو كانت زوجته.

الكلام حال الجماع

قال:

أو يُكثر الكلام حال الجماع.

يعني: يُكره ذلك، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، ويستدلون لذلك بما يُروى عن النبي أنه قال: لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء؛ فإنه يكون منه الخرس والفأفأة [18]، وهذا الحديث أخرجه ابن عساكر في “تاريخ دمشق”، ولكنه حديثٌ ضعيفٌ، بل قيل: إنه موضوعٌ.

فما دام أنه لم يصح في هذه المسألة شيءٌ؛ يبقى الأمر على الإباحة؛ لأن القول بالكراهة..، الكراهةُ حكمٌ شرعيٌّ يَحتاج إلى دليلٍ، وليس هناك دليلٌ يدل لذلك.

التحدث بما وقع بين الزوجين

أو يحدِّثا بما يجري بينهما.

أي: يُكره ذلك، ولو لضرتها.

والقول الثاني: أن ذلك محرمٌ، وهو القول الراجح؛ لقول النبي : إن من أشر الناس منزلةً عند الله يوم القيامة: الرجل يُفضي إلى المرأة وتفضي إليه، ثم ينشر سرها [19].

وهذا الحديث صريحٌ في تحريم ذلك، بل إنه من كبائر الذنوب، فيقال: إنه مِن أشر الناس منزلةً عند الله يوم القيامة، فلا يجوز للزوج ولا للزوجة أن يتحدثا بما جرى بينهما عند الناس، هذا أمرٌ محرمٌ شرعًا، ويُنافي المروءة أيضًا.

فعلى كلٍّ من الزوجين أن يحفظ أسرار الآخر ولا يتحدث بها.

آداب الجماع

ويُسن أن يلاعبها قبل الجماع.

يعني: إثارتها، والقول بالسنية يحتاج إلى دليلٍ، لو أن المؤلف قال: أولى، لكان هذا أقرب.

وأن يُغطِّي رأسه.

يعني: عند الجماع، لكن هذا ليس عليه دليلٌ، فيبقى الأمر على الإباحة.

وألا يستقبل القبلة.

كذلك أيضًا هذا ليس عليه دليلٌ، كل هذه الأمور تدخل في دائرة المباح، فالقول باستحبابها يحتاج إلى دليلٍ.

وهنا مسألةٌ: وهي أن بعض الفقهاء نص على أنه يكره التعري عند الجماع أو التجرد، ويستدل لذلك بحديث: إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردا تجرد العَيْرَيْنِ [20]، ولكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ، والقول الراجح: أن ذلك مباحٌ؛ لما جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناءٍ واحدٍ، فيبادرني حتى أقول: دَعْ لي، دَعْ لي” [21].

كونها تغتسل هي وزوجها -الذي هو النبي عليه الصلاة والسلام- من إناءٍ واحدٍ؛ يدل على أنهما كانا متجردين، فإذا جاز ذلك عند الاغتسال؛ فعند الجماع من باب أولى.

فالأظهر -والله أعلم- أن هذا مباحٌ، وأن هذا داخلٌ في دائرة المباح، وهذه التشقيقات كلها لا داعي لها أصلًا، هذه كلها داخلةٌ في دائرة المباح، واعتبار المؤلف أن هذا من السُّنية، والمسألة التي قبلها من المكروه، كل هذا لا دليل عليه، لكن بعض الفقهاء يُشقِّق في هذه المسائل، ولا داعي لهذه التشقيقات كلها.

وأن يقول عند الوطء: بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا.

هذا قد جاء في “الصحيحين” من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي قال: أمَا لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله: بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم قُدِّر بينهما ولد؛ لم يضره شيطانٌ أبدًا [22]؛ وهذا يدل على فضل الإتيان بهذا الذكر عند الجماع.

وقوله : لم يضره، يعني: لم يتمكن من إضراره في دينه أو بدنه، فيكون هذا فيه حفظٌ للولد إذا قُدِّر أن تحمل المرأة من ذلك الوطء.

وأيضًا يُفهَم منه: أنه إذا لم يأت بهذا الذِّكر؛ فإن الشيطان قد يشاركه في وطئه أهله، وإلى ذلك الإشارة في قول الله : وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ [الإسراء:64].

قوله: وَالْأَوْلَادِ، بعض المفسرين ذكر أن هذا من مشاركة الشيطان للرجل عند وطء أهله إذا لم يسم ولم يأت بهذا الذكر.

لكن هل يختص هذا الذكر بالرجل أو حتى يشمل المرأة؟

قولان للعلماء، والأقرب -والله أعلم- أنه يشمل المرأة كذلك؛ لأن الأصل: أن ما خوطب به الرجال؛ تخاطب به النساء، إلا بدليلٍ يقتضي التخصيص، وليس هنا دليلٌ يقتضي تخصيص ذلك بالرجل.

طيب، بعض الناس يقول: إنه ملتزمٌ بهذا الذكر، ولم يُرزَق بولدٍ صالحٍ؟

فالجواب: أن هذا الذكر سببٌ، وقد يتخلف المسبَّب، فالإنسان قد يأتي بأسبابٍ ولا تتحقق المُسبَّبات، فقد يدعو ولا يستجاب الدعاء، الدعاء سببٌ.

فالله تعالى له الحكمة البالغة، الله لا يُسأل عما يفعل، هذه أسبابٌ يأتي بها الإنسان، وقد يتحقَّق المُسبَّب وقد لا يتحقق، فلله الحكمة البالغة في ذلك، قد يقرأ الإنسان آية الكرسي مثلًا ويرى في منامه كوابيس وأشياء مزعجةً؛ لأن هذا سببٌ، وليس بالضرورة أنه يتحقق المُسبَّب، فلله الحكمة في هذا، لكنك أنت مأمورٌ بفعل السبب.

قال:

وأن تتخذ المرأة خرقةً تُناولها للزوج بعد فراغه من الجماع.

يعني: أن ذلك يستحب، ورُوي في ذلك كلامٌ عن عائشة رضي الله عنها، لكنه أيضًا لا يثبت عن عائشة رضي الله عنها، والقول بالاستحباب يحتاج إلى دليلٍ، فيبقى هذا في دائرة المباح، ويغني عن الخرقة التي ذكرها المؤلف المناديل في وقتنا الحاضر.

خدمة الزوجة لزوجها

ثم قال المؤلف رحمه الله:

وليس عليها خدمة زوجها في عجنٍ وخبزٍ وطبخٍ ونحوه، لكن الأولى لها فِعل ما جرت به العادة.

أي: لا يجب على الزوجة أن تقوم بخدمة زوجها في البيت، من التنظيف والطبخ ونحو ذلك، بل يجب على الزوج أن يأتي لها بخادمٍ؛ لأنها زوجةٌ وليست خادمةً، هذا هو رأي المؤلف، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

القول الثاني في المسألة: أن خدمة الزوجة لزوجها ترجع للعرف؛ فإذا كان عرف أهل البلد أن المرأة تفعل ذلك؛ فيجب عليها خدمة الزوج، وإذا لم يكن من عادة أهل البلد ذلك؛ فلا يجب، وهذا هو القول الراجح، وقد اختاره الإمام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن شيوع العرف والعادة بذلك في البلد هو كالشرط، كأن الزوج اشترط على زوجته حين عَقَد عليها أن تقوم بالخدمة، فهو كالشرط، لكنه لم يُنص عليه في العقد، لكن عند العلماء قاعدةٌ معروفةٌ: وهي أن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا؛ فمثلًا: عندنا في المجتمع أن المرأة تخدم زوجها، وأن المرأة إذا انتقلت لبيت زوجها؛ هي التي تقوم بخدمة الزوج، من التنظيف والطبخ ونحو ذلك؛ فعلى هذا: يجب على المرأة أن تقوم بذلك.

لكن قال الفقهاء: إن المرأة إذا كان يُخدَم مثلها؛ فيجب على الزوج أن يأتي لها بخادمٍ، أما إذا لم يكن يُخدَم مثلها؛ فلا يجب، فإذا كانت مثلًا في بيت أهلها، وبيتُ أهلها عندهم خادمةٌ أو عندهم خدمٌ؛ فهنا يلزم الزوج أن يأتي لها بخادمٍ، أما إذا كان أهلها ليس عندهم خدمٌ، ولا يُخدَم مثلها؛ فلا يجب على الزوج ذلك.

قال:

وله أن يُلزِمها بغسل نجاسةٍ عليها، وبالغسل من الحيض والنفاس والجنابة، وبأخذ ما يُعاف من ظفرٍ وشعرٍ.

يعني: للزوج أن يُلزم زوجته بالتنظف وبالطهارة؛ لأن عدم التنظف يمنع من كمال الاستمتاع، وكذلك أيضًا إذا كان عليها غسلٌ من جنابةٍ، أو من حيضٍ أو نفاسٍ؛ فيجب عليها أن تغتسل، لو رفضت يجبرها زوجها، يُلزمها بذلك، وأيضًا يجب عليها أن تأخذ ما يُستقذر من شعرٍ وظفرٍ ونحو ذلك، بل قال الفقهاء: له أن يمنعها من أكل ما له رائحةٌ كريهةٌ؛ كالثوم والبصل؛ لأنها تمنع من كمال الاستمتاع.

استئذان الزوج في الخروج من البيت

ويحرم عليها الخروج بلا إذنه.

يعني: لا يجوز للمرأة أن تخرج من البيت إلا بإذن زوجها؛ لقول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، ويستثنى من ذلك ذهابها للمسجد، فلا يجوز للزوج أن يمنعها من الذهاب للمسجد؛ لقول النبي : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خيرٌ لهن [23].

فلو أرادت المرأة أن تذهب للمسجد لصلاة التراويح مثلًا؛ لا يجوز للزوج أن يمنعها، أو لصلاة العيد، أو حتى لصلاة الجمعة، أو مثلًا إذا كان المسجد تتاح فيه الصلاة للنساء، الصلوات الخمس، فلا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الذهاب إلى المسجد.

ولو لموت أبيها.

يعني: لا يجوز للمرأة الخروج مِن بيت زوجها بلا إذنه، ولو لموت أبيها، ولكن هذا محل نظرٍ، والمؤلف نفسه قال بعد ذلك -لاحِظ في آخر الصفحة- قال: ولا يملك منعها من كلام أبويها، ولا منعهما من زيارتها، إذا كان لا يملك منع الوالدين من زيارتها، ولا يملك منعها من كلام أبويها؛ فمن باب أولى أنه لا يملك منعها من الخروج لموت أبيها.

فالصواب: خلاف ما ذهب إليه المؤلف؛ فلا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الذهاب لبيت أهلها عند موت أبيها أو عند موت أمها؛ لأن هذا المنع لا مبرر له، وليس من المعروف الذي يجب على الزوجة أن تطيعه فيه، كما ذكرنا أن طاعة المرأة لزوجها مقيدةٌ بأن تكون في المعروف، فإذا كان الزوج مثلًا عنده تعنتٌ، ويمنعها بدون بسببٍ؛ فلا يلزمها أن تطيعه، أو عنده مشكلاتٌ نفسيةٌ، بعض الأزواج عنده مشكلاتٌ نفسيةٌ؛ فيمنع زوجته من الذهاب لبيت أهلها بدون بسببٍ؛ فهنا لا يلزمها أن تطيعه؛ لأن طاعة الزوجة لزوجها إنما هي مُسبَّبةٌ بأن تكون في المعروف، وتكون لمصلحةٍ، وليست طاعةً عمياء، طاعةً مطلقةً.

فإذا كان منعها من الذهاب لبيت أهلها لتعنتٍ أو لمشكلات نفسيةٍ؛ فلا يلزمها أن تطيعه في ذلك؛ لأن أيضًا منعها من الذهاب لبيت أهلها فيه أمرٌ لها بالعقوق وقطيعة الرحم، فلا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الذهاب لأهلها، ولا أيضًا أن يمنع أولاده من الذهاب لأمهم إذا كانت مطلقةً، فبعض الأزواج يتسلط ويمنع أولاده من الذهاب لأمهم، خاصةً إذا تزوجت، هذا لا يجوز، هو يأمرهم بمعصية الله، يأمرهم بالعقوق؛ بل يجب عليه أن يأذن لهم ويُندَب له أن يحثهم على برهم بأمهم.

فإذنْ القاعدة في هذا الباب كله: هي قول النبي عليه الصلاة والسلام: إنما الطاعة في المعروف [24]، طاعة البشر للبشر ليست طاعةً مطلقةً عمياء، هي طاعةٌ في المعروف، لا بد من أن تكون في شيءٍ فيه مصلحةٌ، وليس على الإنسان فيه ضررٌ، وليست طاعةً مطلقةً، الطاعات المطلقة هي لله وحده، أو فيما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام، أما طاعة البشر للبشر، طاعة الزوجة لزوجها، ليست طاعةً مطلقةً عمياء، إنما هي مقيدةٌ بأن تكون في المعروف؛ ولهذا قال المؤلف:

لكن لها أن تخرج لقضاء حوائجها حيث لم يقم بها.

يعني: لو كان للمرأة حوائج، ورفض الزوج أن يقوم بها؛ فيجوز لها أن تخرج بغير إذنه لقضاء حوائجها.

منع الرجل زوجته من زيارة أهلها

ولا يملك منعها من كلام أبويها، ولا منعهما من زيارتها.

أيضًا لا يملك حتى منع الوالدين من زيارة ابنتهما؛ لأن هذا المنع فيه قطيعة رحمٍ، ولا يجوز له ذلك.

ما لم يَخَف منهما الضرر.

يعني: إذا خشي من أن يقوم أبو الزوجة أو أم الزوجة بإفساد ابنتهما عليه؛ فله أن يمنعهما مِن زيارة ابنتهما؛ لأنه قد يكون أحيانًا، خاصةً أم الزوجة تُفسد زوجته عليه، وتحرض زوجته عليه؛ فهنا له أن يمنع أمها من أن تزورها، لكن ليس له أن يمنع المرأة من زيارة أمها ومن التواصل بها.

إذنْ نخلص من هذا -كما ذكرنا- إلى أن طاعة المرأة لزوجها طاعةٌ مقيدةٌ بأن تكون في المعروف، وهكذا أيضًا طاعة الولد لوالديه تكون بالمعروف، وأيضًا طاعة ولي الأمر تكون بالمعروف، وطاعة البشر للبشر عمومًا تكون بالمعروف، إنما الطاعة المطلقة هي طاعة الله وطاعة رسوله ؛ ولذلك لو أن الوالدين مثلًا أمرا الولد بأمرٍ ليس من المعروف؛ فلا تلزم الطاعة فيه؛ كأن يقول: طلق زوجتك مثلًا، يقول الأب أو الأم: طلق زوجتك، بدون سببٍ، أو لخلافاتٍ شخصيةٍ بينهم؛ فلا يجب على الولد أن يطلق زوجته.

ولهذا جاء رجلٌ إلى الإمام أحمد، قال: إن أبي يأمرني بطلاق زوجتي، قال: لا تطعه، قال: أليس عمر لمَّا أمر ابنه عبدالله بطلاق امرأته؛ قال النبي لابن عمر: أطع أباك [25]؟ قال: إذا كان أبوك مثل عمر؛ فطلق زوجتك؛ لأن عمر لا يمكن أن يأمر ابنه بطلاق زوجته إلا لسببٍ دينيٍ، ولا يمكن أن يأمره بدون سببٍ، لكن إذا كان أمر الأب أو الأم ابنهما بطلاق زوجته بدون سببٍ شرعيٍّ؛ فلا يلزم الابن طاعتهما في ذلك، ومع ذلك يقال له: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15].

لا يلزمها طاعة أبويها، بل طاعة زوجها أحق

قال:

ولا يلزمها طاعة أبويها، بل طاعة زوجها أحق.

هذا عند المُشاحَّة، عند التعارض، وينبغي للزوجة أن توفِّق بين طاعة زوجها وطاعة أبويها، لكن لو افتُرض تَعَارضُ حق الزوج مع حق الوالدين؛ فعند العلماء: أن حق الزوج آكد؛ لأن النصوص الواردة في ذلك تؤكد هذا؛ مثل قول النبي عليه الصلاة والسلام: لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها [26].

وعناية الشريعة بهذه المسألة؛ لأنه -كما ذكرنا- الحياة الزوجية هي شركةٌ بين الزوجين، هذه الشركة لا بد من أن يكون لها مديرٌ ورئيسٌ، وهذا المدير أو الرئيس لا بد من أن يطاع، فإذا اختل ذلك؛ لم تستقر الحياة الزوجية، إذا كانت المرأة رأسها برأس الرجل، تبقى معه في نزاعٍ وفي نكدٍ، إذا لم تخضع له، وهكذا لو كانت الأمور بالعكس؛ يعني: المرأة هي القوَّامة على الرجل، أيضًا لا تستقيم الحياة الزوجية.

فهذه الأمور حسمتها الشريعة، لم تجعل فيها مجالًا للاجتهاد؛ لأنها مسائل حساسةٌ فحسمتها الشريعة، فعلى المرأة أن تفعل ذلك تقربًا إلى الله : تطيع زوجها طاعةً لله سبحانه، وأيضًا على الزوج أيضًا ألا يظلمها: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، فكلٌّ من الزوجين له حقوقٌ وعليه واجباتٌ؛ ولذلك فلو قصَّر الزوج في الواجبات التي عليه؛ يجوز للمرأة أن تقصر؛ جزاءً وفاقًا، وليس من العدل أن نقول للمرأة: يجب أن تؤدي جميع الحقوق التي عليها، والزوج مقصرٌ، وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٍ ‌سَيِّئَةٞ ‌مِّثۡلُهَا [الشورى:40]، فلو قصر الزوج؛ يجوز للمرأة أن تقصر، وإن كان الأولى ألا تفعل، لكن يجوز.

فهذه الأمور أمورٌ حسمتها الشريعة؛ لأنها أمورٌ حساسةٌ، ولأن الامتثال بما أمرت به الشريعة يدعو إلى استقرار الحياة الزوجية، أما أن المرأة تجعل نفسها ندًّا للرجل؛ فهذا يؤدي إلى عدم استقرار الحياة الزوجية.

أحكام القسم بين الزوجات

ثم قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ

وخصَّص المؤلفُ هذا الفصل للحديث عن أحكام القسم بين الزوجات، فيجب على من كان عنده أكثر من زوجةٍ أن يعدل بين زوجاته؛ لقول الله تعالى: فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129]، وجاء في الحديث: من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما؛ جاء يوم القيامة وشِقُّه مائلٌ [27]، أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد.

المبيت عند الحرة ليلةً من أربعٍ

قال:

ويلزمه أن يبيت عند الحرة بطلبها ليلةً من أربعٍ.

يجب عليه أن يبيت عند زوجته -إذا لم تكن أمَةً وكانت حرةً- ليلةً من أربع ليالٍ، وإنما قالوا بهذا التحديد؛ لأن أكثر ما يجمعه معها ثلاث زوجاتٍ؛ فيلزمه أن يبيت ليلةً من أربع ليالٍ، كأنَّ عنده أربع زوجاتٍ.

واستدلوا بقصةٍ حصلت في عهد عمر : أن امرأةً أتت لعمر وقالت: زوجي خيرُ الناس، يقوم الليل، ويصوم النهار، فقال عمر ؛ يعني شكرها، وقال: أحسنَتِ الثناء على زوجها، وكان عنده كعب بن سوَّارٍ، فقال: لا يا أمير المؤمنين، هي تشتكي زوجها، قال: وما ذاك؟ قال: إنه مقصرٌ في حقها، فقال: اقضِ بينهما، قال: أرى أن تُنزله بمنزلة رجلٍ له أربع نسوةٍ، له ثلاثة أيامٍ ولياليهن، ولها يومٌ وليلةٌ، فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب من الآخر، اذهب فأنت قاضٍ على أهل البصرة”، وهذه قصةٌ اشتهرت كما قال الموفق، انتشرت واشتهرت فكانت كالإجماع.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا يلزم هذا التقدير، إنما يبيت عندها بحسب الحاجة وما جرى به العرف من غير تحديدٍ، وهذا قولٌ عند الحنابلة، واختاره الإمام ابن تيمية رحمه الله، وهو القول الراجح، وقالوا: إن أولًا القصة التي ذُكرت عن عمر في سندها مقالٌ من جهة الصناعة الحديثية، ولو صحت؛ فهي واقعة عينٍ تحتمل اختصاصها بهذا الرجل، وما ذكروه من قياس حال الانفراد على حال الاجتماع، هذا قياسٌ مع الفارق، كيف يقاس الرجل الذي ليس عنده إلا امرأةٌ واحدةٌ برجلٍ عنده أربع نساءٍ؟! فهذا القياس قياسٌ مع الفارق، وشكَّكوا في صحة القصة أصلًا، قالوا: إنها لم تثبت بسندٍ صحيحٍ؛ وعلى هذا القول: يبيت عندها بحسب الحاجة وبحسب العرف، فإذا كان في عرف الناس: أن هذا الرجل لم يهجر زوجته، وإنما هو يبيت عندها؛ فلا حرج عليه، أما إذا كان في عرف الناس أنه هاجرٌ لفراش زوجته؛ فنقول: يأثم بذلك.

المبيت عند الأمة ليلةً من سبعٍ

قال:

والأمَةِ ليلةً من سبعٍ.

دائمًا الأمَة على النصف من الحرة، حتى في العقوبة: فَإِنْ أَتَيْنَ يعني: الإماء بِفَاحِشَةٍ يعني: بالزنا فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ يعني: ما على الحرائر مِنَ الْعَذَابِ [النساء:25]، يعني: من العقوبة. فالقاعدة: أن الأمَة على النصف من الحرة، والعبد على النصف من الحر.

على كلام المؤلف يقول: “ليلةً من أربعٍ..”، على هذا؛ الأمة قال: “ليلةً من سبعٍ”؛ لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر لهن ست ليالٍ ولها السابعة، وقلنا: إن القول الراجح: عدم التقدير، والمرجع في ذلك للعرف.

حق الزوجة في مقدار المعاشرة الجنسية

قال:

وأن يطأ في كلِّ ثُلُث سنةٍ مرةً إن قَدَر، فإن أبى؛ فرَّق الحاكم بينهما إن طلبت.

يجب على الزوج أن يطأ في كلِّ أربعة أشهرٍ مرةً؛ لأن الله تعالى قال: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:226]، فالله أوجب على المُولي أن يطأ في كل أربعة أشهرٍ مرةً، فإن لم يطأ؛ أجبره الحاكم؛ إما أن يطأ، وإما أن يطلق.

والقول الثاني: أنه يجب الوطء بقدر كفاية المرأة وحاجتها -ما لم يشغله ذلك أو يضره- من غير تحديدٍ بمدةٍ، والله تعالى يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، فإذا رددنا هذه المسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله ؛ نجد أن الله تعالى حدَّد المدة في المُولي بكم؟ بأربعة أشهرٍ؛ ولهذا فالأقرب هو قول الجمهور، وهو أنه يجب الوطء في كل أربعة أشهرٍ مرةً، ولا يقال بعدم التحديد؛ لأن الله تعالى حدد، قال: أربعة أشهرٍ: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226]، والله تعالى أعلم وأحكم.

ثم أيضًا عدم التحديد قد يترتب عليه عدم انضباط ذلك؛ يعني: قولهم بأنه بقدر كفايتها وحاجتها ربما لا ينضبط؛ ولذلك فالأحسن أن ننطلق من الآية: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، نقول: يجب على الزوج أن يطأ في كلِّ أربعة أشهرٍ مرةً على الأقل.

وإن سافر فوق نصف سنةٍ في غير أمرٍ واجبٍ أو طلب رزقٍ يحتاج إليه وطلبت قدومه؛ لزمه.

يعني: سافر أكثر من ستة أشهرٍ سفرًا غير واجبٍ، كسفرٍ في طلب الرزق والمعيشة أو الدراسة أو نحو ذلك، وطلبت الزوجة رجوعه، فيجب عليه أن يرجع في مدةٍ أقصاها ستة أشهرٍ، وإنما حدَّد الحنابلة المدة بستة أشهرٍ، دائمًا الحنابلة يستدلون بالآثار عن الصحابة؛ لأن هذا من منهج الإمام أحمد: أنه يعتمد على الدليل من القرآن والسنة، فإن لم يجد؛ بحث عن الآثار عن الصحابة .

لاحِظ في القصة السابقة: اعتمد على قصة كعب بن سوَّارٍ، هنا أيضًا استدل الحنابلة على التحديد بستة أشهرٍ، بقصةٍ وردت: أن عمر كان يتفقد الرعية، وذات ليلةٍ سمع امرأةً وهي تنشد وتقول:

تَطاوَل هذا الليل واسودَّ جانبه وأَرَّقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا خشية الله وحده لحُرِّك من هذا السرير جوانبه

فاستعظم عمر هذا؛ كيف تقول المرأة هذا الكلام؟! فقيل: هذه فلانة، وزوجها غائبٌ عنها في الجهاد، فكتب عمر مباشرةً إلى زوجها أن يرجع، ثم أراد أن يعالج المشكلة بشكلٍ عامٍّ، فذهب إلى ابنته حفصة رضي الله عنها وقال: “كم تصبر المرأة عن زوجها؟”، فأطرقت برأسها في الأرض وقالت: أَمِثْلُك يسأل مثلي؟! قال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، قالت: ستة أشهرٍ فوقَّت عمر ألا يغيب الزوج عن زوجته ستة أشهرٍ، لكن هذا إذا لم تَرض الزوجة، أما إذا رضيت فلا بأس، والغالب أن من يذهب لطلب الرزق أنه يتفاهم مع زوجته؛ لأنه يذهب لطلب الرزق له ولزوجته ولأولاده؛ يعني: فالغالب أنه يحصل تفاهمٌ بينهما، لكن لو افترضنا أن الزوجة اعترضت وقالت: لا أرضى، فهنا يجب عليه أن يعود، وألا يبقى أكثر من ستة أشهرٍ.

العدل في المبيت بين الزوجات

قال:

ويجب عليه التسوية بين زوجاته في المبيت.

يعني: لو كان له أكثر من زوجةٍ، فيجب عليه التسوية في المبيت، وهذا أمرٌ متفقٌ عليه: العدل بين الزوجات في المبيت متفقٌ عليه.

كيف يكون العدل في المبيت؟

قال:

ويكون ليلةً وليلةً.

يبيت عند هذه ليلةً وعند هذه ليلةً.

إلا أن يرضين بأكثر.

من ذلك، مثلًا: ليلتين ليلتين، أو أسبوعًا أسبوعًا، أو شهرًا شهرًا، فإذا تراضين على شيءٍ فلا بأس، وإذا لم يحصل التراضي فيبيت ليلةً وليلةً.

والمعتمد في المبيت وفي القَسْم إنما هو الليل وليس النهار، النهار هو وقتٌ لكسب العيش؛ فلا يلزم فيه العدل بين الزوجات، لكن المعول عليه هو الليل.

فعماد القَسْم هو الليل، إلا من كان عمله في الليل، فيكون عماد القسم النهار.

قال:

ويحرم دخوله في نوبةِ واحدةٍ إلى غيرها إلا لضرورةٍ.

يعني: لو كانت الليلة ليلةَ إحدى زوجاته؛ لا يجوز أن يذهب لبيت زوجةٍ أخرى إلا لضرورةٍ، أما من غير ضرورةٍ؛ فهذا لا يجوز؛ لأن هذا ينافي العدل المطلوب منه.

وفي نهارها إلا لحاجةٍ.

يعني: ليس له أيضًا أن يذهب في نهار تلك المرأة إلى زوجةٍ أخرى إلا لحاجةٍ؛ كعيادة مريضٍ ونحو ذلك، إلا إذا عدل أيضًا؛ ذهب لهذه في النهار، ولهذه في النهار، فلا بأس؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يطوف في النهار على جميع نسائه [28]، بل إن هذا هو الأولى إذا كان له أولادٌ؛ حتى يتفقد أولاده ويكون قريبًا منهم ولا ينقطع عنهم، يذهب لبيت هذه في النهار، ولبيت تلك في النهار، بحيث يراه أولاده كل يومٍ، هذا هو الأفضل.

لكن كلام المؤلف إنما هو مُنصبٌّ في حق من خَص واحدةً بالذهاب إليها في النهار دون الأخرى، أو الذهاب إليها في الليل دون الأخرى، لكن لو ذهب للجميع في النهار؛ فلا مانع من ذلك، وهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله.

قال:

وإن لَبِثَ أو جامع؛ لزمه القضاء.

يعني: لبث عند امرأةٍ في ليلةِ أخرى أو في نهارها؛ لزمه القضاء، وهكذا لو جامع، فلصاحبة الحق أن يقضي لها تلك الليلة، وأما ما كان دون الجماع؛ فليس عليه قضاءٌ؛ والنبي عليه الصلاة والسلام كان يطوف على نسائه ويدنو من كلِّ امرأةٍ من غير مسيسٍ.

قال:

وإن طلَّق واحدةً وقت نوبتها؛ أَثِمَ.

لأنه تسبَّب في إبطال حقِّها في القَسْم؛ ولذلك لو كان عنده أكثر من زوجةٍ، إذا أراد أن يطلقها؛ فلا يطلقها في وقت نوبتها.

ويقضيها متى نكحها.

يعني: يجب على الزوج أن يقضي ما عليه من حقِّ زوجته إذا نكحها بعد الطلاق، يعني: لو طلقها وبقي لها ليلةٌ في ذمته، طلقها ثم عقد عليها مرةً أخرى؛ يقضي تلك الليلة، هذا مراد المؤلف.

ولا يجب أن يسوي بينهن في الوطء ودواعيه.

وهذا بالإجماع؛ وذلك لأن الجماع طريقه الشهوة والميل، وهذا متعلق بالقلب، ولا يملك الزوج أن يعدل في ذلك؛ ولهذا قال الله سبحانه: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء:129]، يعني قال المفسرون: في الحب والجماع: لكن إن أمكن التسوية في ذلك؛ فهذا هو المطلوب ما أمكن؛ ولهذا فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يَقْسم فيعدل، ويقول: يا رب، أو اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك، وإن كان في سنده مقالٌ، إلا أن معناه صحيحٌ [29].

العدل بين الزوجات في النفقة والكسوة

ولا في النفقة والكسوة حيث قام بالواجب، وإن أمكنه ذلك؛ كان حَسَنًا.

يعني: أنه لا يجب على الزوجِ التسوية بين الزوجات في النفقة والكسوة، وإنما يستحب، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو مذهب المالكية.

والقول الثاني: أنه يجب العدل في النفقة والكسوة كما يجب العدل في المبيت، وهذا هو القول الراجح، اختاره الإمام ابن تيمية وجمعٌ من المحققين من أهل العلم؛ لأن هذا هو مقتضى العدل، والله تعالى اشترط للتعدد العدل، قال: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3]، وليس من العدل أن إحدى زوجاته يُغدِق عليها في النفقة والكسوة، والأخرى لا يعطيها إلا القليل، ليس هذا من العدل؛ ولهذا فالقول الراجح هو القول الثاني: أنه يجب عليه أيضًا العدل في النفقة وفي الكسوة، وعلى القول الراجح يجب العدل في ثلاثة أمورٍ: في المبيت والنفقة والكسوة، وعلى المذهب: العدلُ في أمرٍ واحدٍ: وهو المبيت.

إذنْ نُعيد مرةً أخرى، أقول: على المذهب يجب العدل بين الزوجات في أمرٍ واحدٍ: وهو المبيت، وعلى القول الراجح: في المبيت والنفقة والكسوة.

والتعبير بالعدل أدق من التعبير بالتسوية؛ لأنه هنا ذكر “السلسبيل” التسوية، ولعلها تُعدَّل إن شاء الله، العدل أولى؛ لأنه لا يلزم التسوية، قد تكون هذه المرأة أولادها أكثر من المرأة الأخرى، فلا يعطي هذه مثل هذه، وإنما يعطي هذه بحسب حاجتها، وتلك بحسب حاجتها، وأيضًا نفقة المرأة الموظفة أدنى من نفقة المرأة غير الموظفة؛ لأن المرأة الموظفة تقتطع جزءًا من وقتها خارج المنزل، فيفوته الاستمتاع في هذا الوقت، فتكون نفقة المرأة الموظفة أقل من نفقة المرأة غير الموظفة. هذا مقتضى العدل؛ ولهذا فالتعبير بالعدل أولى من التعبير بالتسوية؛ ولهذا حتى في قول بعض الناس: الإسلام دين المساواة، هل هذه عبارةٌ صحيحةٌ؟ غير صحيحةٍ، وإنما الصواب أن يقال: الإسلام دين العدل؛ لأن المساواة بين المُختلِفات جَوْرٌ، إنما المساواة تكون بين المتماثلات؛ فالأحسن في العبارة أن يقال: الإسلام دين العدل ودين العدالة، وليس دين المساواة.

طيب، نكتفي بهذا القدر، ونقف عند قوله: “وإن تزوج بكرًا أقام عندها سبعًا”.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة:

الأسئلة

السؤال:…..؟

الجواب: نعم، هذه المسألة ستأتينا في الدرس القادم، يجب على من كان عنده أكثر من زوجةٍ العدلُ في السفر، فإذا سافر بهذه؛ يسافر بالأخرى مثل سفره بالأولى، إلا إذا أقرع بين نسائه؛ فلا يجب.

فلو كان مثلًا عنده أربع زوجاتٍ، ويشق عليه أن يسافر بكل واحدةٍ سفرةً، فيُقرِع بين نسائه، أيتهن خرجت القرعة؛ يسافر بها، وهذا كان يفعله النبي [30]؛ لأن عنده تسع زوجات، فإما أن يُقرع بين نسائه ولا يلزمه القضاء، وإما أن يسافر بكلِّ واحدة مثل سفرته بالأخرى.

وعلى هذا: فإذا تزوج الرجل بامرأةٍ أخرى وسافر بها؛ يجب عليه أن يسافر بالأولى؛ لأن المرأة الأخرى لها حقٌّ فقط في أن يقيم عندها إذا كانت بكرًا سبعًا، وثيِّبًا ثلاثًا، لكن السفر شيءٌ زائدٌ على ذلك.

هذه مسألةٌ يغفل عنها كثيرٌ من الناس، فالمرأة الجديدة لا تختص بالسفر، إنما تختص بالإقامة عندها سبعًا إذا كانت بكرًا، وثلاثًا إذا كانت ثيبًا.

وعلى ذلك: إذا سافر بالثانية؛ فيجب عليه أن يسافر بالأولى مثلما سافر بالثانية.

مداخلة: لو كان سافر بها أول ما…؟

الشيخ: لا هذه انتهت، لا يحسب؛ لأن الماضي انتهى.

السؤال: يا شيخ، عفا الله عنك، لو كان في السبع هذه الليالي؟

الجواب: نعم، يلزمه أن يسافر؛ لأن السفر شيءٌ زائدٌ، هذه -إن شاء الله- سنتكلم عنها -إن شاء الله- بداية الدرس القادم بإذن الله، فلا نريد أن ندخل في التفاصيل؛ لأنها ستكون بداية الدرس القادم إن شاء الله.

السؤال: هذا سائلٌ يقول: ما حكم تمويل شخصي وطني من مصرف الراجحي؟

الجواب: لا بأس بذلك، هو منضبطٌ بالضوابط الشرعية، ولا بأس به، والمصرف مصرفٌ إسلاميٌّ، والأصل في تعاملات المصارف الإسلامية الجواز، هذا هو الأصل؛ فلا بأس بهذا التمويل.

السؤال: هل تجب الصلاة في المسجد على المسافر الذي يسكن بجوار المسجد؟

الجواب: لعل الأخ السائل يقصد صلاة الجماعة، لا تجب صلاة الجماعة على المسافر ولا الجمعة، فالذي يسكن في شقة مثلًا أو في فندقٍ وهو قريبٌ من المسجد، لكنه مسافرٌ؛ لا تجب عليه صلاة الجماعة، وإنما تستحب، وهذا هو الذي عليه المذاهب الأربعة: أنها لا تجب عليه صلاة الجماعة في المسجد، لكنها تستحب؛ مثلًا: سافرتَ إلى بلدٍ وأقمت في فندقٍ؛ لا يلزمك أن تذهب وتصلي في المسجد وإن كان هذا مستحبًّا، ويجوز لك أن تبقى في الفندق وتصلي جَمْعًا وقصرًا، فالمسافر لا تجب عليه الجمعة ولا الجماعة.

السؤال: أخي من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأبلغونا في المستشفى -في حال توقف القلب- أنه لن يتم عمل إنعاشٍ له، والسبب: أعراضٌ جانبيةٌ، فما الحكم؟

الجواب: لا يجب عمل الإنعاش للمريض مرضًا ميؤوسًا منه إذا قرر ثلاثة من الأطباء فأكثر أنه ميؤوسٌ منه، وصدر في هذا قرارٌ من “المجمع الفقهي”، وأيضًا من “اللجنة الدائمة للإفتاء” برئاسة شيخنا عبدالعزيز ابن بازٍ بذلك؛ لأن التداوي أصلًا ليس واجبًا، فإنعاشه ليس واجبًا، بشرط أن يكون ميؤوسًا منه.

فإذا كان المريض ميؤوسًا منه ومن شفائه، وتقرَّر بقرارِ ثلاثةٍ من الأطباء فأكثر، فلا يجب إنعاشه؛ لأن إنعاشه ليس له فائدةٌ، هنا هو سيعيش على هذه الأجهزة، وأيضًا هذه الأجهزة قد تكون مكلفةً، وبعضها تكون مكلفةً بشكلٍ كبيرٍ؛ فلا يلزم إنعاشه.

أما إذا لم يكن ميؤوسًا منه؛ فالأصل هو أنه يجب إنعاشه والسعي إلى علاجه ومداواته، لكن الكلام فيمن كان ميؤوسًا منه بقرار ثلاثةٍ من الأطباء فأكثر، فإن هذا ليس واجبًا.

السؤال: هل من ترك الصلاة تهاونًا وكسلًا يعد كافرًا كفرًا أكبر؟

الجواب: هذا فيه تفصيلٌ؛ إن كان تاركًا للصلاة بالكلية ولا يركع لله ركعةً، لا جمعةً ولا جماعةً، ولا يعرف الله طرفة عينٍ؛ فهذا قد أجمع الصحابة على كفره كفرًا أكبر، ونَقَل الإجماع عددٌ من التابعين، نقل ذلك عبدالله بن شقيقٍ العُقيلي، قال: لم يكن أصحاب النبي يرون شيئًا من الأعمال تَرْكه كفرٌ غير الصلاة، ونقل إسحاق بن راهويه الإجماع من زمن الصحابة إلى زمنه على كفر تارك الصلاة، وظاهر النصوص يدل لهذا، ومن ذلك قول الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ [مريم:59-60].

قوله: وَآمَنَ، دليلٌ على أن من أضاع الصلاة ليس بمؤمنٍ، وقوله سبحانه: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، مفهومه: أنهم إذا لم يقيموا الصلاة؛ فليسوا بإخوانٍ لنا، وقول النبي : بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة [31].

أما إذا كان يصلي أحيانًا ويترك الصلاة أحيانًا، ولو أن يصلي الجمعة؛ فلا يكون كافرًا كفرًا أكبر، لكن يكون فاسقًا، ويدخل في الساهين الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، وجاء عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنهم: يصلون أحيانًا ويتركونها أحيانًا.

معظم المقصرين في الصلاة من هذا القسم؛ يعني: يصلون أحيانًا ويتركونها أحيانًا، فبعضهم يصلي الجمعة، أو بعضهم مثلًا يصلي في الشهر مرةً، فهذا يبقى في دائرة الإسلام، لكن من كان لا يصلي بالكلية، لا جمعةً ولا جماعةً؛ فقد أجمع الصحابة على أنه كافرٌ كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة.

السؤال: أمرني أبي أن أقطع الرحم مع أختي الشقيقة، لكنني كنت أصل الرحم مع أختي سرًّا، ثم اكتشف ذلك أبي فقطع الصلة بي؟

الجواب: الذي فعلتَه هو الصحيح، أنك لم تُطِع أباك فيما أمرك به من معصية الله، والأب هو الذي يأثم بذلك، الأب أمرك بمعصية الله فلم تستجب له، فقطَع الرحمَ الأبُ، قَطَع رحمه بك، فهذا لا يحل للأب، وهو الذي يتحمل الإثم، وعليه أن يتقي الله ، ولا يجوز له أن يأمر ابنه بقطيعة الرحم.

ولكن مع ذلك أنصح الابن بأن يصبر على أبيه، وأن يصله ولو قطعه أبوه؛ لأن الله تعالى قال: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا لكن وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، فصِلْه ولو قطعك، والله تعالى لما أمر ببر الوالدين في قوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]؛ قال بعد ذلك: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء:25]، وهذه الآية فيها سلوةٌ لمن كان يريد أن يَبَرَّ والديه ولا يستطيع، أو يصعب عليه بسبب شدةٍ في أخلاق أبيه أو أمه، الله أعلم بما في نفسك: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ، أنت تريد الإصلاح، تريد البر، تريد الخير، لكن أباك وأمك حجباك عن ذلك، فالله تعالى أعلم، الله أعلم بما في نفوسكم، إن تكونوا صالحين تريدون البر؛ فإنه كان للأوابين غفورًا.

فنقول: اجتهد في أن تبر بأبيك، وأن تصبر عليه، لكن لا يجوز لك أن تطيعه فيما أمرك به من قطيعة الرحم.

السؤال: كيف التصرف مع الأخت الشقيقة التي تُؤذيني بكلامها وتُحرِّش بقية إخوتي عليَّ؟

الجواب: عليك ألا تقطع صلتك بها، لكن تخفف علاقتك بالقريب الذي تتأذى منه، لكن تجب صلته، تخفف علاقتك به فلا تحتك به كثيرًا؛ حتى تتجنب إساءته وأذيته، لكن لا تقطع حبل الوصال به؛ يعني تصله بالسلام ونحو ذلك، ولا تقطعه حتى لا تكون قاطعًا للرحم، لكن حتى تتحاشى أذيته تقلل الاحتكاك به.

مداخلة: شيخ، ومعرفة أسباب…؟

الشيخ: إي نعم، صحيحٌ، يسعى لمعالجة الأسباب، لماذا تفعل أختك هذا؟ يعني: لا بد من أن تتعرض للسبب، تتعرف على السبب وتسعى لمعالجته.

السؤال: هل يجوز جمع الصلاة في حال الضباب الشديد في القرى والطرقات؟

الجواب: أما لو كان مسافرًا؛ لأنه قال: “في الطرقات”، لو كان مسافرًا؛ فهو أصلًا يجوز له الجمع ولو بغير ضبابٍ، إذا كانت مسافةُ السفر (80 كيلو) فأكثر؛ فله الجمع والقصر.

أما إذا لم يكن مسافرًا؛ فالضباب ليس عذرًا، ولا يجوز الجمع لأجل الضباب، ولا لأجل الغبار، ولا لأجل شدة البرد، هذه كلها أمورٌ يمكن التغلب عليها، والأصل أن الصلاةَ تصلى في وقتها، هذا هو الأصل، إلا إذا وَجد حرجًا غير معتادٍ؛ فيجوز الجمع لأجل ذلك الحرج، أما وجود الحرج المعتاد فهذا لا يبيح الجمع؛ ولهذا فشدة البرد كانت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، كان يأتي المدينة بردٌ شديدٌ أشد من البرد الذي يأتينا، وكثيرٌ من الصحابة ليس له إلا ثوبٌ واحدٌ، ثوبٌ واحدٌ فقط، إزارٌ أو رداءٌ؛ يعني إزار وأحيانًا معه رداءٌ، وأحيانًا لا يكون معه رداءٌ، قال جابرٌ: “أينا كان له ثوبان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام؟” [32]، أينا كان له ثوبان؟ قليلٌ الذي كان له ثوبان، ومع ذلك لم يُنقل عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جمع لأجل شدة البرد ولو لمرةٍ واحدةٍ، فيُلاحَظ التساهل على بعض الناس في الجَمْع، هذا لا يجوز، خاصةً إذا كان إمام مسجدٍ، هو مؤتمن، وشَرْطُ الوقت آكد شروط الصلاة، وهذا من الأمور المُحكَمة، لا يجوز له أن يجمع إلا بسببٍ واضحٍ كالشمس يبيح له الجمع.

أما التساهل الذي نلحظه من بعض أئمة المساجد، فهذا لا يجوز، حتى إنه بلغني هنا في مدينة الرياض: أن أحد أئمة المساجد جمع لأجل شدة البرد، هذا من التساهل، وهذا ينبغي أن يناصح، فإن لم يستجب تبلغ عنه الوزارة؛ لأن هذا ليس مؤهلًا لأن يؤم الناس في المسجد.

والأمور العامة لا يعتمد الإنسان فيها على اجتهاداته الشخصية، الأمور العامة يعتمد فيها على فتوى كبار علماء البلد، أما الأمور الشخصية فهذا هو وشأنه، لكن أمر يتعلق بالناس لا يطبق اجتهاداته الشخصية؛ لأنه قد يخطئ في هذه الاجتهادات؛ ولهذا يُسبِّب الإرباك للناس.

فإذنْ: لا يكون الجمع إلا عند وجود الحرج الظاهر، الحرج غير المعتاد.

السؤال: أعاني من حزنٍ شديدٍ غالبًا، وغمٍّ، ومحافظتي على وِردي من القرآن وصلاتي وأذكاري، هل أكون آثمةً عندما أُقصِّر في حقِّ زوجي وأبنائي؟

الجواب: أولًا، عليكِ أن تبتعدي عن الحزن ما أمكن، الحزن كما ذكر أهل العلم: أنه لم يَرِد في القرآن إلا منهيًّا عنه أو منفيًّا، لم يأمر الله بالحزن قط، فعلى المسلم أن يبتعد عن الحزن ما أمكن، بل يستعيذ بالله منه؛ النبي عليه الصلاة والسلام كان يُكثر من أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال [33].

فينبغي ألا يطغى الحزن والهم والغم على المسلم، وأن يُوثِّق علاقته بربه ، وأن يستعيذ بالله من الهم والحزن، وألا يكون ذلك سببًا في التقصير في حقوق من تجب طاعته.

فنقول للأخت الكريمة: عليك أن تبتعدي ما أمكن عن الحزن، ولا تُقصِّري في حقوق زوجك فيما كان باختيارك، أما ما كان بغير اختيارك؛ فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

السؤال: هل يجوز لي أن أرفض أمرًا من زوجي ليس حقًّا، عليَّ فيه ضررٌ نفسيٌّ؟

الجواب: هذا السؤال غير واضحٍ؛ يعني: يظهر أن المقصود بالسؤال: أنها ترفض أمرًا مِن زوجها عليها ضررٌ فيه، إذا لحقك الضرر؛ فلا تجب طاعة الزوج، نحن ذكرنا ضوابط الطاعة: أن تكون في المعروف، ومن المعروف ألا يأمرك بما عليك ضررٌ فيه.

السؤال: هل تربية الأبناء مسؤوليةٌ كاملةٌ على الأم، أو أنها واجبةٌ على الأم والأب؟

الجواب: هي واجبةٌ على الأم والأب، بل ربما على الأب آكد؛ لأن الأولاد يهابون الأب أكثر، فهي واجبةٌ عليهما جميعًا، النبي يقول: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته؛ الرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها [34]، فرعاية الأولاد مسؤولية الأب والأم جميعًا.

السؤال: هل عملية شفط البطن جائزةٌ؟

الجواب: الأصل في ذلك الجواز، إلا إذا كان يسبب ضررًا على الإنسان، لكن لو قرر الأطباء المختصون أن هذا ليس فيه ضررٌ؛ فلا بأس.

السؤال: ما ضابط النفقة على الزوجة؟ هل هو المصروف الشهري؟

الجواب: الضابط: أن يعطيها ما يكفيها، هذا هو الضابط، والمرجع في ذلك للعرف، فما يكفي المرأة؛ فهو الذي تجب معه النفقة، ولا يلزم تخصيص مصروفٍ شهريٍّ، إنما الذي يلزم أن يَسُد حوائجها، أن يقضي حوائجها من النفقة والكسوة وما تحتاج إليه.

السؤال: هذا سؤالٌ عن شركة..؟

الجواب: لا نستطيع الإجابة عن مثل هذه الأسئلة حتى نطَّلِع على العقد، ونعرف طبيعته وكيفيته، خاصةً أنه يتعلق بشركة، ويتعلق بشريحةٍ كبيرةٍ من الناس، وربما أن السائل ذكر أمورًا وترك أمورًا أخرى، فمثل هذه الأسئلة الشخصية لا يناسب طرحها هنا، إنما تطرح بصفةٍ شخصيةٍ.

السؤال: كيف الجمع بين منع المؤلف من الدخول في نوبةِ غير الزوجة، وطواف النبي على نسائه بغسلٍ واحدٍ؟

الجواب: الجمع هو أن ذلك كان برضاهن؛ كأنْ رضين بذلك، فلو رضيت الزوجة أو الزوجات بذلك؛ فلا بأس، كلام المؤلف عند المُشاحَّة وعدم الرضا.

السؤال: لو دعت المرأة زوجها إلى الفراش، هل تلعنه الملائكة؟

الجواب: لا؛ لأن هذا يختلف؛ لأن الرجل يختلف عن المرأة في هذه الأمور، فإنها لو دعته وهو غير متهيئٍ؛ فإنه لا يمكنه أن يطأ، بخلاف المرأة، فغاية ما يُطلب منها مجرد التمكين، فبينهما فرقٌ كبيرٌ؛ ولذلك فالرجل حتى لو دعته امرأته قد لا يكون متهيئًا؛ فلا يتحقق منه الوطء والانتشار، بخلاف المرأة، فالمرأة مجرد أنها تُمكِّن زوجها منها فقط، فبينهما فرقٌ ظاهرٌ.

السؤال: ما توجيهكم لطالب العلم الذي لا يجد البركة في وقته؟

الجواب: عليه أن يعرف سبب ذهاب وقته، لا بد من تشخيص أولًا المشكلة، أين يذهب وقته؟ عندك أربعٌ وعشرون ساعةً، لا بد من أن تقوم بتحليل هذا الوقت: أين يذهب؟ وتُمسِك بالأمور التي تُذهب وقتك؛ إذا كانت مثلًا وسائل التواصل الاجتماعي؛ تقلل الدخول إليها، وإذا كان مثلًا الجوال؛ فتقلل المكالمات عبر الجوال، يعني ما هو السبب الذي يجعل وقتك يذهب عليك.

وأيضًا تحرص على تنظيم وقتك وترتيبه، وتقديم الأهم على المهم، فطالب العلم ينبغي أن يكون حريصًا على ضبط وقته، وعلى حسن إدارته لوقته، أما من كان فوضويًّا؛ فإن الوقت يذهب عليه سُدًى، ولا يستطيع أن يستفيد، لكن لا بد أن يكون مرتبًا حتى في أمور عبادته، حتى في الأمور التعبدية، وبعد الفرائض يجعل له نوافل يحافظ عليها، يستمر عليها، بعض الناس مثلًا يقرأ القرآن كيفما اتفق، اليوم يقرأ القرآن، ويمكن أسبوعٌ يمضي عليه وما قرأ فيه شيئًا من القرآن، وهذا يعتبر قصورًا، ينبغي كل يومٍ أن تقرأ وردك من القرآن كل يومٍ، وطالب العلم يتأكد في حقه على الأقل جزءٌ، على الأقل، وهكذا أيضًا بالنسبة لبقية الأذكار وبقية الأوراد، وأيضًا حظُّه من طلب العلم والمراجعة.

المقصود: أنه من أسباب بركة الوقت: أن يحسن ترتيب وقته، وأيضًا يسأل الله تعالى البركة، هذا أمرٌ يغفل عنه كثيرٌ من الناس: يسأل الله البركة في وقته، البركة في صحته، البركة في ماله، البركة في زوجته، البركة في أهله.

السؤال: هل هناك أفضلية للجماعة الأولى في المصلى الذي ليس فيه جماعةٌ راتبةٌ؟

الجواب: إذا كان مصلًّى وليس مسجدًا؛ فالذي يظهر: أنه ليس هناك أفضليةٌ للجماعة الأولى، أما إذا كان مسجدًا تُصلَّى فيه الصلوات الخمس؛ فالجماعة الأولى لها مزيد فضلٍ.

السؤال: ما حكم قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية مع الإمام؟

الجواب: قراءة الفاتحة للمأموم: إن كان فيما جهر فيه الإمام؛ فلا تجب، وإلى هذا ذهب أكثر العلماء، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، أما فيما لم يجهر فيه الإمام فيجب على المأموم قراءة الفاتحة؛ فمثلًا: في الركعة الأولى والثانية من صلاة المغرب والعشاء والفجر، لا يجب على المأموم قراءة الفاتحة، وأما مثلًا صلاة الظهر والعصر فيجب على المأموم قراءة الفاتحة.

وهكذا أيضًا فيما لم يجهر فيه الإمام؛ مثل: الركعة الثالثة والرابعة في صلاة العشاء، أو الثالثة في المغرب، فيجب على المأموم قراءة الفاتحة.

فإذنْ: ما جهر فيه الإمام لا يجب على المأموم قراءة الفاتحة فيه، وأما ما لم يجهر فيه الإمام فيجب على المأموم قراءة الفاتحة فيه، هذا هو القول الراجح، واختاره الإمام ابن تيمية وجمعٌ من المحققين من أهل العلم، ولم يقل أحدٌ بوجوب قراءة المأموم مع الإمام فيما جهر فيه الإمام إلا الشافعية فقط، وأما بقية الفقهاء فقالوا بعدم وجوب قراءة الفاتحة على المأموم فيما جهر فيه الإمام.

فالأظهر -والله أعلم- هو قول الجماهير، وهو أنه لا يجب على المأموم قراءة الفاتحة فيما جهر فيه الإمام.

السؤال:…؟

الجواب: نعم، إذا ركع الإمام قبل أن يتم المأموم الفاتحة، إن أمكن أن المأموم يكملها بسرعةٍ فهذا هو الأولى، وإن لم يمكنه؛ يركع ولو لم يكملها؛ لأن قراءة المأموم للفاتحة أصلًا ليست واجبةً فيما جهر فيه الإمام، بل حتى فيما لم يجهر فيه الإمام ليست ركنًا، وإنما هي واجبةٌ، والواجبات يتحمَّلها الإمام عن المأموم.

ولذلك؛ فالمسبوق يأتي والإمام في الركوع، ومع ذلك يدرك الركعة، مع أن المسبوق لم يقرأ الفاتحة أصلًا؛ لأن قراءة الفاتحة هي من الواجبات، والواجبات يتحمَّلها الإمام عن المأموم.

فكل واجبات الصلاة يتحملها الإمام عن المأموم، وأما الأركان: هل يتحملها الإمام عن المأموم؟ لا، الأركان لا يتحملها، إذا ترك المأموم ركنًا تبطل تلك الركعة التي ترك فيها الركن، أما الواجبات فجميع الواجبات بلا استثناءٍ يتحملها الإمام عن المأموم.

هذه قاعدةٌ مفيدةٌ لطالب العلم في هذا الباب: جميع واجبات الصلاة يتحملها الإمام عن المأموم، أما الأركان فلا يتحملها.

ونكتفي بهذا القدر، وبقية الأسئلة -إن شاء الله- نجيب عنها بعد درس غدٍ.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1467.
^2 رواه البخاري: 3، ومسلم: 160.
^3 رواه البخاري: 5753، ومسلم: 2225.
^4 رواه مسلم: 106.
^5 رواه أحمد: 21986، والترمذي: 1159، وابن ماجه: 1853.
^6 رواه أحمد: 23747، وأبو داود: 2659، وابن ماجه: 1996.
^7 رواه البخاري: 3237.
^8 رواه الترمذي: 1160، وأحمد: 16288.
^9 رواه أحمد: 24009/ 17.
^10 رواه البخاري: 5195، ومسلم: 1026.
^11 رواه الترمذي: 1198، وابن ماجه: 1924، وأحمد: 655.
^12 رواه أحمد: 7684، والترمذي: 1165.
^13 رواه أحمد: 9733، وأبو داود: 2162.
^14 رواه البخاري: 299، ومسلم: 293.
^15 رواه البخاري: 5209، ومسلم: 1440.
^16 رواه مسلم: 1442.
^17 رواه مسلم: 1437.
^18 رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق: 17/ 74.
^19, ^26 سبق تخريجه.
^20 رواه ابن ماجه: 1921، والعَيْر: حمار الوحش، مشارق الأنوار للقاضي عياض: 2/ 106.
^21 رواه البخاري: 261، ومسلم: 321.
^22 رواه البخاري: 5165، ومسلم: 1434.
^23 رواه البخاري: 900، ومسلم: 442.
^24 رواه البخاري: 7145، ومسلم: 1840.
^25 رواه أحمد: 4711.
^27 رواه أبو داود: 2133، والترمذي: 1173، وأحمد: 8568.
^28 رواه البخاري: 284، ومسلم: 309.
^29 رواه أبو داود: 2134، والدارمي: 2253.
^30 رواه البخاري: 2593، ومسلم: 2445.
^31 رواه مسلم: 82.
^32 رواه البخاري: 352.
^33 رواه البخاري: 2893، من حديث أنس ، وفيه: وضلع الدين وغلبة الرجال، والترمذي: 3484، وفيه: وضلغ الدين وقهر الرجال، وقال: حسن غريب، ورواه أبو داود: ، من حديث أبي سعيد الخدري ، وفيه: غلبة الدين وقهر الرجال.
^34 رواه البخاري: 893، ومسلم: 1829.
zh