logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح منظومة أصول الفقه وقواعده/(14) من قوله: “وكل شرطٍ مُفْسِدٍ للعقد ..”

(14) من قوله: “وكل شرطٍ مُفْسِدٍ للعقد ..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتَّبع سُنته إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

نبدأ أولًا بمنظومة أصول الفقه، وكنا قد وصلنا إلى قول الناظم: “وكل شرطٍ مُفْسِدٍ للعقد”، نعم.

الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى:

79- وَكُلُّ شَرْطٍ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ بِذِكْرِهِ يُفْسِدُهُ بِالْقَصْدِ
80- مِثْلُ: نِكَاحِ قَاصِدِ التَّحْلِيلِ وَمَنْ نَوَى الطَّلَاقَ لِلرَّحِيلِ
81- لَكِنَّ مَنْ يَجْهَلُ قَصْدَ صَاحِبِهْ فَالْعَقْدُ غَيْرُ فَاسِدٍ مِنْ جَانِبِهْ
82- لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الَّذِي أَسَرْ فَأُجْرِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا قَدْ ظَهَرْ
83- وَالشَّرْطُ وَالصُّلْحُ إِذَا مَا حَلَّلَا مُحَرَّمًا أَوْ عَكْسُهُ لَنْ يُقْبَلَا

الشيخ: حَسْبُك، إلى هنا.

طالبٌ آخر: قال الناظم رحمه الله تعالى:

79- وَكُلُّ شَرْطٍ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ بِذِكْرِهِ يُفْسِدُهُ بِالْقَصْدِ
80- مِثْلُ: نِكَاحِ قَاصِدِ التَّحْلِيلِ وَمَنْ نَوَى الطَّلَاقَ لِلرَّحِيلِ
81- لَكِنَّ مَنْ يَجْهَلُ قَصْدَ صَاحِبِهْ فَالْعَقْدُ غَيْرُ فَاسِدٍ مِنْ جَانِبِهْ
82- لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الَّذِي أَسَرْ فَأُجْرِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا قَدْ ظَهَرْ
83- وَالشَّرْطُ وَالصُّلْحُ إِذَا مَا حَلَّلَا مُحَرَّمًا أَوْ عَكْسُهُ لَنْ يُقْبَلَا

الشيخ: نعم، حَسْبُك.

أثر النية في فساد العقود

يقول الناظم رحمه الله:

79- وَكُلُّ شَرْطٍ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ بِذِكْرِهِ يُفْسِدُهُ بِالْقَصْدِ

معنى كلام الناظم: أن كل شرطٍ يُفْسِد العقدَ إذا ذُكِرَ فيه، فإنه كذلك يُفْسِده إذا نُوِيَ فيه، فإذا كان هذا الشرط لو نُصَّ عليه صريحًا -لو ذُكِرَ صريحًا- في العقد أفسده، فكذلك أيضًا إذا نُوِيَ في العقد فإنه يُفْسِده.

هذا معنى كلام الناظم، ومُستند هذه القاعدة هو قول النبي : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى [1].

فالنية تقوم مقام النُّطق، والأصل أن مدار التَّكليف على النية، وإنما النُّطق مُعبِّرٌ عما في الضمير، مُعبرٌ عن النية.

وهذا هو مأخذ مَن قال بعدم وقوع الطلاق المُعلق إذا لم يَنْوِ به طلاقًا، وهو القول الذي يُفْتَى به الآن في معظم بلدان العالم الإسلامي، وهذا قول ابن تيمية رحمه الله الذي يُفْتَى به، يعني: إذا لم يَنْوِ الطلاق، وإنما قصد حثًّا أو منعًا أو تصديقًا أو تكذيبًا، فجمهور أهل العلم على وقوع الطلاق، لكن القول الآخر قول الإمام ابن تيمية رحمه الله: أنه لا يقع، وهو الذي عليه الفتوى في معظم بلدان العالم الإسلامي.

ومأخذ هذا القول هو هذه النُّكتة التي ذُكرتْ، وهي: أن المُعوَّل عليه هو النية في الشريعة، وإنما النُّطق مُعبِّرٌ عما في الضمير، مُعبرٌ عن النية، فإذا قال المُطَلِّق: إنه لم يَنْوِ الطلاق، وإنما قصد ونوى حثًّا أو منعًا أو تصديقًا أو تكذيبًا، فلا يقع الطلاق بناءً على ذلك، هذا هو مأخذ هذا القول.

وكذلك أيضًا هو مُرتبطٌ بهذه القاعدة، فما دام أنه قد نوى هذا الشرط المُفْسِد للعقد فيفسد العقد، كما لو نصَّ عليه صراحةً.

أمثلةٌ على القاعدة

النَّاظم مثَّل له بمثالين، قال:

80- مِثْلُ: نِكَاحِ قَاصِدِ التَّحْلِيلِ

هذا هو المثال الأول، والتَّحليل المقصود به: أن يتزوج رجلٌ امرأةً طُلِّقَتْ ثلاثًا بقصد تحليلها لمُطَلِّقها، يتزوجها بقصد تحليلها لمُطَلِّقها، وهذا مُحرَّمٌ: لعن اللهُ المُحلِّل والمُحلَّل له [2].

فهذه النية أثَّرتْ، أشبه ما لو نَصَّ عليه في العقد صراحةً، لو نصَّ عليه في العقد: أن وليَّ هذه المرأة شَرَطَ على هذا الزوج أن يُطلقها -مثلًا- بعد أسبوعٍ أو بعد شهرٍ؛ لكي تحلَّ لمُطَلِّقها الأول، فلا تحلّ له بالإجماع.

وكذلك أيضًا لو لم ينص عليه في العقد، وإنما نوى الرجل أن يتزوج هذه المرأة ليُحلِّلها لمُطَلِّقها، فإن ذلك لا يصح، وهذا هو التَّحليل الذي ورد لَعْنُ فاعله.

المثال الثاني الذي ذكره الناظم لهذه القاعدة:

 وَمَنْ نَوَى الطَّلَاقَ لِلرَّحِيلِ

مُراده بهذا المثال: الزواج بنية الطلاق، النكاح بنية الطلاق، فلو نصَّ في عقد النكاح صراحةً على تأقيت النكاح بأن يقول -مثلًا-: “زوَّجتُكَ بنتي هذه مدة شهرٍ”، أو يقول: “قَبِلْتُ هذا النكاح لمدة شهرٍ أو لمدة أسبوعٍ”، فهذا هو نكاح المتعة المُحرم، والذي انعقد إجماع أهل السنة على تحريمه، كان قد أُبيح ثم حُرِّم.

حكم النكاح بنية الطلاق

كذلك أيضًا لو نصَّ عليه ونواه الرجل، ففيه خلافٌ بين أهل العلم: هل يصح النكاح بنية الطلاق أو لا يصح؟

فمنهم مَن قال: إنه يصح؛ وذلك لأن النية هنا ليس لها أثرٌ؛ ولأن الرجل قد يتزوج امرأةً بنية طلاقها، ثم يرغب فيها. وهذا هو رأي شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وقول جماعةٍ من أهل العلم.

والقول الثاني: أنه لا يصح النكاح بنية الطلاق، وهذا رأي أكثر العلماء المعاصرين، وأقره مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، وهو القول الصحيح.

على أن أصحاب القول الأول الذين قالوا بصحة النكاح بنية الطلاق لا يقصدون ما يفعله بعض الناس الآن، فالذي يفعله بعض الناس الآن ينبغي ألا يكون هناك خلافٌ في تحريمه، هذا أشبه بالعبث: يُسافر من أجل أن يتزوج بنية الطلاق، ثم يتزوج بعددٍ من النساء، يتزوج ويُطلق، ويتزوج ويُطلق، هذا لا يَشُكّ فقيهٌ في تحريمه، هذا عبثٌ.

إنما الذي قصده الفقهاء السابقون الذين جوَّزوا النكاح بنية الطلاق هو: أن يذهب الإنسان لبلاد غُربةٍ، ويبقى فيها إما للتجارة، أو لطلب العلم، أو نحو ذلك، ويتزوج وفي نيته: أنه إذا أراد أن يرجع لموطنه الأصلي طلَّق هذه المرأة، وقد يبقى معها أربع سنين أو أكثر أو أقلّ.

هذا هو الذي قصده الفقهاء السابقون، ولم يقصدوا هذا الذي يحصل من بعض الناس، فهذا مُصادمٌ لقواعد الشريعة، وفيه عَبَثٌ بالأعراض، وينبغي ألا يكون هناك خلافٌ في تحريمه.

كان هناك أحد المشايخ ممن يُفتي بالنكاح بنية الطلاق، يقول: فلما ذهبتُ إلى إحدى الدول ورأيتُ العبث، ورأيتُ التَّحايل والتَّحيل على الزنا باسم النكاح بنية الطلاق، يقول: تراجعتُ عن قولي مباشرةً، وأفتيتُ بتحريم النكاح بنية الطلاق، وأنه لا يصح.

إذن القول الصحيح: أن النكاح بنية الطلاق لا يصح؛ وذلك لأنه لا يخلو: إما أن تعلم المرأة أو وليها بأن الزوج سيُطلق أو لا تعلم، فإن كانت تعلم فمعنى ذلك: أن هذا نكاح متعةٍ؛ لأنه مُؤقتٌ، وإن كانت لا تعلم فهو غشٌّ لها ولأهلها، وأي إنسانٍ لا يقبل أن مُوليته من بنتٍ أو أختٍ يتزوجها رجلٌ وهو نَاوٍ أن يُطلقها.

فهو إذن مُحرمٌ، النكاح بنية الطلاق مُحرمٌ، وهذه النية قد أثَّرتْ في تحريمه وفي بُطلانه.

فهذان مثالان ذكرهما الناظم رحمه الله لهذه القاعدة.

طالب: …….

الشيخ: لا أدري، رجوعه ما ثبت، قيل: إنه رجع، لكن ..

طالب: …….

الشيخ: نعم، طيب، يتأكد من رجوعه، لعله.

على كل حالٍ، سواء رجع أم لم يرجع، هو قول جماعةٍ من أهل العلم، يعني: ليس قولًا شاذًّا، لكن -كما ذكرتُ- يُحْمَل على الحالة التي أشرتُ إليها: أن يذهب لبلاد غُربةٍ ويبقى فيها سنين، وليس كما يفعله بعض الناس، فهذا ينبغي ألا يكون فيه خلافٌ في تحريمه.

استثناء من القاعدة

استثنى المؤلف من القاعدة مسألةً، قال:

81- لَكِنَّ مَنْ يَجْهَلُ قَصْدَ صَاحِبِهْ فَالْعَقْدُ غَيْرُ فَاسِدٍ مِنْ جَانِبِهْ

لماذا؟

علل الناظم لذلك بتعليلٍ، قال:

82- لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الَّذِي أَسَرْ فَأُجْرِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا قَدْ ظَهَرْ

فالتَّعامل مع الآخرين إنما يكون على الظاهر، ولا يُكلَّف الإنسان بأن يُفتِّش عن بواطن الناس، فمَن تعامل مع غيره فالحكم للظاهر.

فمثلًا: لو أن رجلًا خطب امرأةً وتزوجها بقصد تحليلها لصاحبها، ولا تعلم المرأة بذلك، ثم طلَّقها، ثم أتى زوجها ومُطلِّقها الأول وتزوجها، وهي لا تعلم بنية زوجها الثاني، فإنه لا حرج عليها؛ لأنها ليس لها إلا الظاهر.

فالعقود إذن تُبْنَى على الظاهر؛ ولهذا يقول النبي : إنما أنا بشرٌ، وإنَّكم تختصمون، ولعل بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحُجَّته من بعضٍ، وأقضي له على نحو ما أسمع [3] يعني: النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنه يقضي بناءً على الظاهر، ولا يُكلف الإنسان بالتفتيش عن بواطن الناس.

إذن لو تعاملتَ مع إنسانٍ، وهو قد قصد قصدًا سيئًا، وأنت قَصْدُكَ مباحٌ، فإنه ليس عليك شيءٌ، يعني مثلًا: لو أن رجلًا اشترى سكينًا من محلِّ أوانٍ، وقد نوى بهذه السكين أن يذبح بها رجلًا آخر، فإنه لا حرج على البائع؛ لأنه لا يعلم قصد هذا المُشتري، أما لو كان يعلم قصده فلا يجوز له أن يبيعه هذه السكين.

إذن يُستثنى من ذلك مَن أَسَرَّ شيئًا ولم يُعْلَم به، فَيُجْرَى العقد على ما ظهر، فهذا معنى قول الناظم:

82- لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الَّذِي أَسَرْ فَأُجْرِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَا قَدْ ظَهَرْ

إذن هذه قاعدةٌ، وهذا مُستثناها، يعني: ذكر الناظم هذا أيضًا من جودة هذه المنظومة، ذكر القاعدة، ثم ذكر مثالين لها، ثم ذكر المُستثنى منها، ثم ذكر تعليل المُستثنى.

يعني: جهَّزها للمُتعلم، فذكر القاعدة، ومثالين لها، والمُستثنى منها، وتعليل الاستثناء، فهذا من حُسن التعليم من الناظم رحمه الله.

الشرط والصُّلح الأصل فيهما الصحة

طيب، ثم قال:

83- وَالشَّرْطُ وَالصُّلْحُ إِذَا مَا حَلَّلَا مُحَرَّمًا أَوْ عَكْسُهُ لَنْ يُقْبَلَا

الشرط والصلح الأصل فيهما الصحة واللزوم، والأصل في الشروط الصحة إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا.

ولذلك إذا اختلف اثنان في هذا الشرط، فأحدهما يقول: إن هذا الشرط صحيحٌ. والآخر يقول: إنه غير صحيحٍ. فالذي يُطالَب بالدليل هو الذي يقول: إنه غير صحيحٍ؛ لأن عندنا قاعدةً هي: أن الأصل في الشروط الصحة.

طيب، مثالٌ لشرطٍ صحيحٍ: أن يبيع الإنسان -مثلًا- بيته ويشترط السُّكْنَى لمدة شهرٍ أو شهرين.

حكم الشرط الجزائي في الديون

مثالٌ للشرط الفاسد: أن يبيع رجلٌ على آخر بالأجل ويشترط عليه: أنه إذا تأخَّر عن السداد يَحْسِب عليه غرامةَ تأخيرٍ، يشترط عليه هذا الشرط ويقول -مثلًا-: أبيعك هذه السيارة على أن تُقَسِّط لي ثمنها كلَّ شهرٍ أَلْفَي ريالٍ، لكن إذا تأخرتَ في سداد أي قسطٍ من الأقساط أَحْسِب عليك عن كلِّ يومٍ -مثلًا- غرامة تأخيرٍ مقدارها خمسون ريالًا أو مئة ريالٍ. فما حكم هذا الشرط؟

مُحرمٌ، هذا شرطٌ ربويٌّ، هذا هو ربا الجاهلية، وهذا يُسمى: الشرط الجزائي في الديون.

انتبه، الشرط الجزائي في الديون مُحرمٌ، والشرط الجزائي في غير الديون جائزٌ.

ما الفرق بينهما؟

الشرط الجزائي في غير الديون يعني: في الاستصناع -مثلًا- في عقد المُقاولة، يعني: في أي عملٍ من الأعمال الأصل فيه الجواز.

فمثلًا: اتَّفق إنسانٌ مع آخر على أن يبني له بيتًا، وقال: إذا تأخَّرتَ في إنجازه أَحْسِب عليك -مثلًا- غرامةَ تأخيرٍ خمسين ريالًا عن كل يومٍ، أو مئة ريالٍ، أو أكثر، أو أقلّ، هذا جائزٌ، لا بأس به.

اتَّفق مع مكتب استقدامٍ على استقدامِ عاملٍ، وفرض عليه غرامة تأخيرٍ عن كل يوم تأخيرٍ، هذا لا بأس به.

وهذا قد أقره مجمع الفقه الإسلامي، وكذلك مجلس هيئة كبار العلماء: جواز الشرط الجزائي في غير الديون، أما في الديون فإن هذا هو ربا الجاهلية.

فالشرط الجزائي في الديون مُحرمٌ، وصورة الشرط الجزائي في الديون أن يقول: إذا تأخرتَ عن سداد أيِّ قسطٍ أحسب عليك غرامة تأخيرٍ.

هذا مُحرمٌ، وهذا -يا إخوان- موجودٌ في بعض شركات تأجير السيارات، وموجودٌ أيضًا في بطاقات الائتمان -بطاقات (الفيزا)- في بعض البنوك، يحسبون غرامة تأخيرٍ عن كل يومٍ، ويُسمونها: غرامة تأخيرٍ، وهي فائدةٌ ربويةٌ.

هذا هو ربا الجاهلية: إذا حلَّ الدَّين على المدين يأتي الدائن ويقول: إما أن تقضي، وإما أن تُرْبِي.

هكذا أيضًا في بطاقات الائتمان: إذا حلَّ الدَّين فالبنك يقول لصاحب البطاقة: إما أن تقضي، وإما أن تُرْبِي.

لكنهم يُغلِّفونها بأسماء أخرى، يقولون: نحسب عليك غرامة تأخيرٍ عن كل يومٍ.

بعض البنوك وبعض الشركات.

وأتى لي بعض الإخوة بعقودٍ، ورأيتُ فيها هذا الشرط، يحسبون غرامة تأخيرٍ ويقولون: نحن لا نأخذ غرامة التأخير هذه، وإنما نصرفها في وجوه البِرِّ، لكن من باب أننا نمنع المدين عن المماطلة.

هل هذا يجوز؟

هذا لا يجوز أيضًا، لا يجوز حتى لو أنهم يأخذون الربا ويضعونه في وجوه البر، هذا لا يجوز.

وهذه قد بحثتُها في بحثٍ اسمه “الزمن في الديون” -وهو منشورٌ على الموقع- ذكرتُ أنه لا يُعْرَف عن المُتقدمين خلافٌ في تحريم هذا، وإنما أفتى به بعضُ المعاصرين.

والصحيح أنه مُحرمٌ، وقد أقرَّ مجمع الفقه الإسلامي القول بتحريمه، فلا يجوز أخذ زيادةٍ على المدين إذا لم يُسدد الدَّين، حتى وإن قالوا: نصرفها في وجوه البرِّ.

هذا موجودٌ في بعض عقود تأجير السيارات، وموجودٌ في بطاقات الائتمان، وموجودٌ في بعض العقود.

إذن هذا الشرط نقول: إنه شرطٌ غير صحيحٍ، وهذا مثالٌ للشرط غير الصحيح.

أمثلةٌ على الصُّلح الجائز والمُحرم

أما الصُّلح: فالصلح جائزٌ بين المسلمين إلا صُلْحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا: كالصلح الذي يكون بين الزوجين، والصلح الذي يكون بين الدائن والمدين على وضع بعض الدَّين مقابل التَّعجيل، وهي تُسمَّى بمسألة “ضَعْ وتَعَجَّل”، يقول: أنا أُطالبك الآن بعشرة آلاف ريالٍ تَحُلّ بعد سنةٍ. فيأتي إليه بعد شهرين أو ثلاثةٍ ويقول: أعطني تسعة آلافٍ وعجِّلها، وأضع عنك ألف ريالٍ.

هذه مسألة “ضَعْ وتَعَجَّل”، والقول الصحيح: أنها جائزةٌ، وهذا مثالٌ للصُّلح الجائز.

الصُّلح المُحرم: لو اصطلحا بعد حُلُول الدَّين على فائدةٍ ربويةٍ، أو اصطلحا -كما سيأتينا بعد قليلٍ- على أن يقطع رجلٌ من آخر عضوًا من أعضائه، أو يُعطيه عضوًا من أعضائه مقابل عِوَضٍ، فهذا صُلْحٌ مُحرَّمٌ ولا يجوز؛ لأنه أصلًا لا يمكن إمضاؤه حتى يصطلح معه عليها.

وبعض الناس -وربما هذا موجودٌ- يبيعون أعضاءهم على الناس، يبيع -مثلًا- كُلْيَةً بمبلغٍ ماليٍّ، ويقول: أصطلح أنا وهو على بيع الكُلْيَة بمبلغٍ ماليٍّ.

هذا لا يجوز، لا يجوز مثل هذا، فهذا الصُّلح أحلَّ حرامًا؛ لأن أعضاء الإنسان ليست ملكًا له، وإنما هي ملكٌ لله .

إذن الصُّلح الذي يُحِلّ حرامًا يكون مُحرمًا، وهذا معنى قول الناظم رحمه الله:

83- وَالشَّرْطُ وَالصُّلْحُ إِذَا مَا حَلَّلَا مُحَرَّمًا أَوْ عَكْسُهُ ..

حلَّلَا مُحرمًا، أو حرَّما حلالًا، يعني: حلَّلا مُحرمًا، أو حرَّما مُحلَّلًا “لَنْ يُقْبَلَا”.

ونقف عند قول الناظم: “وَكُلُّ مَشْغُولٍ فَلَيْسَ يُشْغَل”.

الأسئلة

السؤال: …….

الجواب: إذا علم الزوج أو الزوجة بقصده يكون مُحرمًا.

السؤال: …….

الجواب: يَحْرُم عليه، نعم، لا بد أن ينكح نكاح رغبةٍ.

السؤال: …….

الجواب: نية المرأة محلُّ خلافٍ بين العلماء، فبعض أهل العلم يقول: إن نية المرأة غير مُؤثرةٍ؛ لأنه ليس بيدها العصمة، فالعصمة بيد الزوج، وقالوا: إنها لا تُؤثر.

ومن أهل العلم مَن قال: إنها تُؤثر؛ لأن المرأة إذا قصدت الأزواج بقصد التَّحليل فسوف تُسيء العِشْرة لزوجها حتى يُطلقها.

فالمسألة محل خلافٍ بين أهل العلم.

السؤال: …….

الجواب: إذا كانت لا تعلم يجوز، أما إذا كانت تعلم فلا.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
^2 رواه أبو داود: 2076.
^3 رواه البخاري: 6967، ومسلم: 1713.
zh