عناصر المادة
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه واتَّبع سُنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فنستأنف الدرس بعد توقفه خلال فترة الاختبارات والإجازة، ونسأل الله للجميع العلم النافع والفقه في الدين.
وخطتنا في هذا الدرس هي: أننا في هذا الفصل الدراسي -إن شاء الله تعالى- سوف ننتهي من “منظومة أصول الفقه”، وننتهي كذلك من “دليل الطالب”.
وهذا لا بد أن نُحققه، يعني: حتى لو افترضنا -وإن شاء الله تعالى لن نحتاج لهذا، لكن نفترض أسوأ الأحوال- لو افترضنا أننا لن ننتهي سنُضيف دروسًا في أيامٍ أخرى حتى ننتهي، ولا بد أن ننتهي مع توقف الدرس مع نهاية هذا الفصل الدراسي -إن شاء الله تعالى- حتى نبدأ العام القادم -إن شاء الله تعالى- في متونٍ جديدةٍ.
نبدأ أولًا بمنظومة أصول الفقه، وكنا قد وصلنا إلى قول الناظم: “كل أمينٍ يدَّعي الردَّ قُبِل”، نعم.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.
قاعدة قبول قول الأمين في الردِّ والتَّلف
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في “منظومته”:
73- كُلُّ أَمِينٍ يَدَّعِي الرَّدَّ قُبِلْ | مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا لَهُ حَظٌّ حَصَلْ |
74- وَأَطْلِقِ الْقَبُولَ فِي دَعْوَى التَّلَفْ | وَكُلُّ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ حَلَفْ |
75- أَدِّ الْأَمَانَ لِلَّذِي قَدْ أَمَّنَكْ | وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَ فَهْوَ قَدْ هَلَكْ |
76- وَجَائِزٌ أَخْذُكَ مَالًا اسْتُحِقْ | شَرْعًا وَلَوْ سِرًّا كَضَيْفٍ فَهْوَ حَق |
77- قَدْ يَثْبُتُ الشَّيءُ لِغَيْرِهِ تَبَعْ | وَإِنْ يَكُنْ لَوِ اسْتَقَلَّ لَامْتَنَعْ |
78- كَحَامِلٍ إِنْ بِيعَ حَمْلُهَا امْتَنَعْ | وَلَوْ تُبَاعُ حَامِلًا لَمْ يَمْتَنِعْ |
الشيخ: طيب، قال الناظم رحمه الله:
73- كُلُّ أَمِينٍ يَدَّعِي الرَّدَّ قُبِلْ | مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا لَهُ حَظٌّ حَصَلْ |
تعريف الأمين
“كُلُّ أَمِين” هذا المصطلح تكرر معنا: “الأمين” في الفقه الإسلامي، والمقصود بالأمين: هو كلُّ مَن قبض العين بإذن الشارع أو بإذن المالك، كلُّ مَن قبض عينًا بإذن الشارع أو بإذن المالك.
أما بإذن الشارع: فَكَوَلِيِّ اليتيم مثلًا.
وأما بإذن المالك: كالمُضارب، والمُودَع، والمُستأجر، والمُستعير على القول الراجح، ونحو ذلك.
هذا هو المقصود بالأمين.
قبول قول الأمين في الردِّ
الأمين قوله مقبولٌ عند التنازع، وعند عدم وجود البينة، فيُرجَّح جانبه، وهذا معنى كونه أمينًا.
فعندما يتنازع المُودِع والمُودَع في تلف الوديعة، فإن كانت هناك بينةٌ فالقول قول صاحب البينة، وإن لم تكن هناك بينةٌ فالقول قول المُودَع؛ وذلك لأنه أمينٌ.
لو اختلف المُضارِب وربُّ المال في الخسارة الناشئة، يعني: إنسانًا أعطى غيره مالًا، أعطاه -مثلًا- مئة ألف ريالٍ، وقال: ضَارِبْ فيها، إما في الأسهم أو في غيرها.
ثم ادَّعى المُضارِب أنه خسر ما بقي من هذا المال -مثلًا- إلا خمسة آلافٍ أو عشرة آلافٍ، فإن كانت هناك بينةٌ تدل على أن هذا المُضارِب قد تعدَّى أو فرَّط فالقول قول ربِّ المال، وإن لم تكن هناك بينةٌ فالقول قول المُضارِب؛ لأنه أمينٌ، فيُرجَّح جانبه.
ولهذا لمَّا حصلت الإشكالية في الأسهم، ونزول الأسهم، وانهيار الأسهم في السنوات التي مضتْ؛ حصلتْ مُنازعاتٌ كثيرةٌ في هذه المسألة، فبعض الناس كان قد أعطى غيره مالًا ليُضارب به، ثم لما حصلتْ خسارةٌ كبيرةٌ ادَّعى على المُضارب أنه مُفرِّطٌ، وأنه قد تعدَّى، أو نحو ذلك.
فنقول: لا بد أن يأتي ببينةٍ تدل على أن هذا المُضارب قد فرَّط أو تعدَّى، وإلا فالقول قول هذا المُضارِب؛ لأنه أمينٌ.
إذن قول الأمين في دعوى التَّلف في الخسارة في جميع الأمور، قوله مُقدَّمٌ على غيره إلا في مسألةٍ واحدةٍ، وهي التي أشار لها الناظم، وهي: دعوى الردِّ.
“دعوى الرد” يعني: دعوى ردِّ هذه الأمانة، يقول: “كُلُّ أَمِينٍ يَدَّعِي الرَّدَّ قُبِلْ”، فالأصل أن الأمين حتى في دعوى الردِّ يُقْبَل قوله إلا في حالةٍ واحدةٍ هي: “مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا لَهُ حَظٌّ حَصَلْ” يعني: إذا كان لهذا الأمين حظٌّ -يعني: مصلحة ومنفعة- فلا يُقْبَل قوله في دعوى الردِّ.
أمثلةٌ على دعوى الردِّ
نُمثل لهذا بمثالين:
المثال الأول: في الوديعة، هل المُودَع له حظٌّ في الوديعة؟
ليس له حظٌّ، وليست له مصلحةٌ، فالمُودَع مجرد مُحْسِنٍ، يعني: إحسانًا مَحْضًا، فَيُقْبَل قوله حتى في الردِّ، حتى في دعوى الردِّ.
وهذا معنى قول الناظم: “كُلُّ أَمِينٍ يَدَّعِي الرَّدَّ قُبِلْ”، فالأمين الذي ليست له مصلحةٌ ولا حظٌّ؛ يُقْبَل قوله في جميع الأمور، حتى في دعوى الردِّ كما مثَّلنا بالوديعة.
أما إذا كانت له مصلحةٌ مثل: المُسْتَعِير، وكذلك أيضًا المُرْتَهِن، فهنا لا يُقْبَل قوله في دعوى الردِّ، وإنما يُقْبَل قول الطرف الآخر، ولا يُقْبَل قول الأمين في دعوى الردِّ؛ لأن له في هذا مصلحةً.
مثال ذلك: استعار شخصٌ من آخر عاريةً، ثم إن المُسْتَعِير ادَّعى ردَّ هذه العارية، وأنكر المُعِير ذلك، فهنا لا يُقْبَل قول المُسْتَعِير إلا ببينةٍ.
وهذا هو القول الذي مشى عليه الناظم رحمه الله، وقد تَبِعَ فيه شيخه الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمة الله تعالى على الجميع، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد.
والقول الثاني في المسألة: أن الأمين يُقْبَل قوله مطلقًا، حتى فيما له فيه حظٌّ أو منفعةٌ، وقال به كثيرٌ من أهل العلم، وهذا هو الأقرب -والله أعلم- هذا هو القول الراجح: أنه يُقْبَل قوله مطلقًا، وأنه لا وجه للتَّفريق بين ما إذا كان له حظٌّ أو لم يكن له حظٌّ؛ لأن الأدلة عامةٌ.
فأنت ما دُمْتَ قد وثقتَ في هذا الشخص فينبغي أن يُقْبَل قوله، وكان ينبغي لك إذا كنت لا تثق فيه أن تُوثق هذا الأمر ببينةٍ، أما وقد وثقتَ فيه فيُقبل قوله في جميع الأمور.
والتفريق بين ما له فيه حظٌّ وما ليس له فيه حظٌّ، هذا ليس عليه دليلٌ، وإنما مجرد تعليلٍ من النظر ولا يُسلَّم، فيقولون: إذا كانت له فيه مصلحةٌ يكون الجانب الأقوى هو جانب الطرف الآخر، ويضعف جانبه، بينما إذا لم تكن له فيه مصلحةٌ يقوى جانبه.
ولكن هذا محل نظرٍ؛ إذ إن هذا أيضًا يُقابله: أن الأصل براءة ذِمَّته، وأنه أمينٌ، وكيف يُقْبَل قوله في التَّلف ولا يُقْبَل قوله في دعوى الردِّ؟ فما دُمْنَا قد قبلنا قوله في التَّلف، وقبلنا قوله في دعوى الخسارة، وقبلنا قوله في جميع الأمور، فلا وجه لاستثناء هذه المسألة.
فالقول الراجح -والله أعلم- هو: أنه يُقْبَل قول الأمين مطلقًا حتى في دعوى الردِّ، هذا هو الأظهر، ورجَّحه طائفةٌ من المُحققين من أهل العلم.
فيكون الصواب إذن عدم استثناء هذه المسألة، هذا الاستثناء الذي أشار له الناظم.
وهذا أيضًا -يعني: لا بأس أن نستطرد قليلًا- يقودنا إلى مسألةٍ هي: مسألة الاحتجاج بالقواعد، فالقواعد هي نفسها تحتاج إلى دليلٍ، وهذا مما يُورث الإشكالية ما لم تكن منصوصًا عليها أو مُجْمَعًا عليها.
أما إذا أتى عالِمٌ من العلماء بقاعدةٍ فنحتاج أيضًا إلى أن نسأل عن مُستند هذه القاعدة، وليست كل قاعدةٍ تكون مقبولةً.
لاحظ: الآن الناظم رحمه الله ذكر هذه القاعدة وشرحها بدون خلافٍ، مع أن نفس الخلاف .. ربما أنه اخْتَصَر رحمه الله في هذا، ونَظَمَ فيها هذا البيت، والقول الآخر قول أكثر أهل العلم.
أقول هذا لأن بعض طلاب العلم يُبالغون في مسألة الأخذ بالقواعد والتَّقعيدات، فأقول: نفس هذه التَّقعيدات تحتاج إلى دليلٍ ما لم تكن القاعدة مُجْمَعًا عليها ومُتَّفقًا عليها، مثل: القواعد الخمس، فهذه متفقٌ عليها، لكن التَّقعيدات التي يُفرَّع عليها مثل هذه القاعدة هي نفسها تحتاج إلى دليلٍ، لكن لا يأتي أحدٌ يستدلّ بها ويقول: القاعدة الفقهية كذا. نقول: ما دليل هذه القاعدة؟
ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يُعْنَى بالدليل، ولا بأس أن يُعْنَى بهذه القواعد، لكن يُحرر القواعد: ما الذي يصح منها؟ وما الذي لا يصح؟ بمُقتضى الدليل من الكتاب والسنة، فرجعت الأمور كلها إلى الدليل.
يعني: أقول هذا حتى لا تكون هناك مُبالغةٌ في هذا الجانب، مع أن التَّقعيد والتَّأصيل مطلوبٌ لطالب العلم، لكن أيضًا مع معرفة مُسْتَنَد هذا التَّقعيد، فلا بد من معرفة مُستنده.
قبول قول الأمين في التَّلف
قال:
74- وَأَطْلِقِ الْقَبُولَ فِي دَعْوَى التَّلَفْ | وَكُلُّ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ حَلَفْ |
هذه تكملةٌ للقاعدة السابقة، لما قال المؤلف أو الناظم: إن الأمين .. فصَّل في قبول دعواه إذا ادَّعى الردَّ بين ما إذا كان له حظٌّ، وما لم يكن له حظٌّ، انتقل لمسألة دعوى الأمين للتَّلف، فيقول: إنه يُقْبَل قول الأمين في دعوى التَّلف مطلقًا، يعني: سواء كان له حظٌّ أو لم يكن له حظٌّ. وهذا كما قال الناظم رحمه الله.
يعني: هذا هو المُجمع عليه في بعض العقود، مثل: الوديعة، والمُضاربة.
فمثلًا: المُودَع يُقْبَل قوله مطلقًا في التَّلف، وفي دعوى الردِّ؛ لأنه مُحْسِنٌ، مُتَبَرِّعٌ، ولو قلنا: “إن قوله لا يُقْبَل” لَسُدَّ باب الوديعة، وكذلك أيضًا في المُضاربة.
هناك بعض العقود مُختلفٌ فيها، مثل: المُسْتَعِير، هل يُقْبَل قوله في التَّلف أو لا يُقْبَل؟
هذا محل خلافٍ بين أهل العلم، والصحيح أنه يُقْبَل، وأن المُسْتَعِير كالمُودَع.
الأجير هل يُقْبَل أو لا؟
أما الأجير الخاص فَيُقْبَل، والأجير المُشترك محل خلافٍ.
الأجير الخاص حُكِيَ اتِّفاق العلماء على أنه يُقْبَل قوله.
الفرق بين الأجير الخاص والأجير المُشترك: الأجير الخاص مَن قُدِّر نفعه بالزمن، والأجير المُشترك مَن قُدِّر نفعه بالعمل، فالأجير الخاص يُقْبَل قوله باتفاق العلماء، والأجير المُشترك محل خلافٍ، والصحيح أنه أيضًا يُقْبَل.
فعلى القول الراجح في جميع العقود: أن الأمين يُقْبَل قوله مطلقًا في التَّلف وفي الردِّ وفي غيره، فعلى القول الراجح: أنه يُقْبَل قوله مطلقًا؛ لأن الأدلة عامةٌ، ولا وجه لهذا التَّفصيل وهذا التَّفريق بين ما إذا كان العقد كذا، أو إذا كان العقد كذا، أو إذا كان له حظٌّ، أو إذا لم يكن له حظٌّ.
فالقول الراجح: أنه يُقْبَل قول الأمين في جميع العقود مطلقًا: في التَّلف، وفي الردِّ، وفي غيره، هذا هو القول الصحيح الذي يدل له ظاهر الأدلة الشرعية.
طالب: …….
الشيخ: الأجير الخاص مَن قُدِّر نفعه بالزمن، مثل: السائق يُعْطَى كل شهرٍ مُرتبًا، ومن ذلك أيضًا: المُوظفون في الدوائر الحكومية من قبيل الأجير الخاص، فدوامه -مثلًا- من السابعة والنصف إلى الثانية والنصف، وهذا قدر نفعه بالزمن، سواء أنجز أو لم يُنْجِز يستحق الأجر.
المُشترك: مَن قُدِّر نفعه بالعمل، مثل: الغَسَّال، والطباخ، فهو يغسل لك، ويغسل لغيرك.
يعني: هذا الأجير الخاص محل إجماعٍ أنه يُقْبَل قوله في دعوى التَّلف وفي الردِّ مطلقًا، والأجير المُشترك هو الذي فيه الخلاف، والصحيح أنه يُقْبَل قوله أيضًا.
كل مَن يُقْبَل قوله حلف
قول الناظم: “وَكُلُّ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ حَلَفْ” هذه قاعدةٌ مُستندها قول النبي : البينة على المُدَّعي، واليمين على مَن أنكر [1].
فمَن قُبِلَ قوله ورُجِّح جانبه فإنه يُطْلَب منه الحلف؛ وذلك لأنه لما رُجِّح جانبه أصبح أقوى المُتَدَاعِيَيْن، والحديث السابق يدل على أن مَن كان أقوى المُتَدَاعِيَيْن تكون اليمين في جانبه.
ويدل لهذا أدلةٌ كثيرةٌ، منها أيضًا قصة القَسَامَة؛ فإن في القَسَامَة النبي طلب من المُدَّعِين أن يحلفوا؛ لأن القاعدة: أن الحلف في جانب المُدَّعى عليه، لكن لما كان جانب المُدَّعين أقوى طلب منهم أن يحلفوا خمسين يمينًا [2].
إذن كل مَن قَبِلْنَا قوله لا بد أن يكون ذلك بيمينه، يعني مثلًا: إنسانٌ ادَّعى على آخر أنه يُطالبه بمالٍ، فقلنا: ائتِ بالبينة. قال: ما عندي بينة. فقلنا للمُدَّعى عليه فأنكر، فهنا القول قول المُدَّعى عليه لكن بيمينه، فنطلب منه اليمين؛ لأننا الآن سنحكم له، سنُرجح جانبه، فلا بد من تحليفه، لا بد من اليمين.
هذا معنى قول الناظم: “وَكُلُّ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ حَلَفْ“، بل حتى لو شكَّ القاضي في المُدَّعي نفسه، أتى ببينةٍ وشكَّ فيه، له أن يطلب تحليفه؛ لأن البينة هي كل ما أبان الحقّ، بل حتى ما هو أبعد من ذلك: تحليف الشهود، والله تعالى يقول: وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ [البقرة:282].
أصلًا الشاهد لا يحلف، لكن ذهب جمعٌ من المُحققين من أهل العلم -ونصره ابن القيم- إلى أن القاضي إذا ارتاب في الشهود فله أن يُحَلِّفهم، إذا ارتاب القاضي في الشهود فله أن يُحَلِّفهم.
فبعض القُضاة تكون عنده فِرَاسةٌ ومعرفةٌ بالصادق من الكاذب، لكن ربما يأتي أحد المُتَدَاعِيَيْن بشهود زورٍ، فيشك القاضي فيهم، فإذا شكَّ فيهم وارتاب فيهم فله أن يُحَلِّفهم.
هذا القول نصره ابن القيم رحمه الله وقال: إن أصول وقواعد الشريعة تدل لهذا القول.
إذن اليمين يمكن أن يستخدمها القاضي في أي مجالٍ من مجالات الدَّعوى، سواء في حقِّ المُدَّعى عليه، أو في حقِّ المُدَّعي، أو حتى في حقِّ الشهود، فمجالها واسعٌ، لكن القاعدة الشرعية في الأصل: أن مَن كان يُقْبَل قوله ويُراد الحكم له فإنه يُحَلَّف، وهذا معنى قول الناظم: “وَكُلُّ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ حَلَفْ“، وهي غالبًا في جانب المُدَّعى عليه إذا عجز المُدَّعي عن البينة؛ للحديث: البينة على المُدَّعي، واليمين على مَن أنكر.
أَدِّ الأمانة لمَن ائتَمَنَك ولا تَخُنْ مَن خانك
قال:
75- أَدِّ الْأَمَانَ لِلَّذِي قَدْ أَمَّنَكْ | وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَ فَهْوَ قَدْ هَلَكْ |
أخذ الناظم هذا البيت من حديثٍ يُروى عن النبي ، وهو حديث أبي هريرة : أن النبي قال: أَدِّ الأمانة إلى مَن ائتَمَنَك، ولا تَخُنْ مَن خانك [3]، وهو حديثٌ مشهورٌ، وهذا الحديث أخرجه أبو داود في “سننه”، وأخرجه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وهذا المصطلح من الترمذي يُشير إلى ضعفه، فالترمذي إذا قال: “حسن” يقصد بذلك أنه ضعيفٌ عند المُحققين من أهل الحديث.
الترمذي إذا قال: “حسن” لا يقصد الحسن على مصطلح المُتأخرين، يقصد بالحَسَن: الضعيف، وإذا قال: “غريب” أيضًا يُشير للضعف، لكن الغرابة أشدّ من الحُسن، أما إذا قال: “صحيح” أو “حسن صحيح” فهو قد صححه.
فهو بهذا أشار إلى تضعيفه.
طالب: …….
الشيخ: لو قال: “حسن صحيح” يعني: حسنًا من بعض الطرق، وصحيحًا من طرقٍ أخرى، فهو صحيحٌ، لكن كلامنا لو قال: “حسن غريب”، مثل هذا الحديث معناه: أنه ضعيفٌ عنده.
هذا الحديث له طرقٌ؛ ولذلك بعض المُتأخرين -كالشيخ الألباني- صححه، صححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة”، لكن عامة المُحدثين المُتقدمين على تضعيفه، فقد ضعَّفه الإمام أحمد رحمه الله وقال: إنه حديثٌ باطلٌ، ولا أعرفه عن النبي من وجهٍ صحيحٍ.
وكذلك أيضًا نقل البيهقي عن الشافعي أنه قال: إن هذا الحديث ليس بثابتٍ عن النبي .
وقال ابن الجوزي: إن هذا الحديث لا يصح من جميع طرقه.
ونقلنا عن الترمذي أيضًا أنه أشار إلى تضعيفه، ولم يُعرف أن أحدًا من المُتقدمين صححه.
وهذا هو الحق: أن هذا الحديث ضعيفٌ، وأن جميع طرقه ضعيفةٌ، ولا يصح حتى بمجموع طرقه، ولا يثبت، فيكون هذا الحديث إذن -كما قال الإمام أحمد- حديثًا باطلًا، فهو مع شُهرته إلا أنه حديثٌ باطلٌ لا يصح عن النبي .
طالب: …….
الشيخ: إذا قال: “حسن” يقصد أنه ضعيفٌ، وسكت، نعم، لا بد أن يُشير إلى الصحة.
طالب: …….
الشيخ: لا، على كل حالٍ المسألة فيها خلافٌ كثيرٌ -يعني: مقصود الترمذي بمُصطلحاته- لكن الذي عليه كثيرٌ من المُحققين هو هذا، بتتبع الأحاديث التي ذكرها هذا هو الأقرب فيما ذكر، لكن المعنى الذي أشار إليه الناظم حتى مع قولنا بأن الحديث ضعيفٌ إلا أن المعنى الذي دلَّ له صحيحٌ: “أَدِّ الْأَمَانَ لِلَّذِي قَدْ أَمَّنَكْ”، مَن أمَّنك وائتَمَنَك يجب أن تُؤدي الأمانة إليه، أودَع عندك وديعةً يجب أن تُؤدي هذه الوديعة.
الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ذكر في الشرح مسألةً لطيفةً، قال: ويدخل في ذلك ما إذا قال لك إنسانٌ: أبلغ سلامي لفلانٍ. فإنه يجب عليك أن تُبلغ السلام لفلانٍ؛ لأن هذه أمانةٌ قد حُمِّلْتَ إياها، وأنه لا فرق بين الأمانة: أن تكون مالًا، أو تكون سلامًا، أو غير ذلك؛ ولهذا قال: إنه لا ينبغي إحراج الإنسان بأن يُقال: بلغ سلامي لفلانٍ أو للجماعة؛ حتى لا يلحقه الحرج.
وأيضًا أعراف الناس هنا مُراعاة، فبعض الناس عندما يقول: “أبلغ سلامي” لا يقصد تحميله أمانة، إنما مُراده في العُرف أنه: إن ذكرتَ وتيسر لك فأبلغ سلامي له، وإن لم تذكر فأنت في حِلٍّ، إلا إذا أكَّد عليك وقال: “أمانة أن تُبلغ سلامي لفلانٍ”، فقد ائتمنك وأكَّد عليك -مثلًا- وأتتْ قرائن تدل على التأكيد، فهنا تكون هذه أمانةً.
أما إذا كانت بدون تأكيدٍ فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذه لا تدخل في الأمانة الواجب أداؤها شرعًا.
يعني: هذه أيضًا تُحْمَل على أعراف الناس، فأعراف الناس أنهم يقصدون: متى ما تيسَّر وذكرتَ وعرض لك عارضٌ وقابلتَ فلانًا فأبلغه سلامي.
وليس المعنى: أن هذه أمانةٌ يجب عليك أن تُؤديها وإلا أَثِمْتَ.
لو ائتمنك على سرٍّ من الأسرار أنك ما تُفْشِيه، فيدخل في هذا، فيجب عليك أن تحفظ سِرَّه، وألا تُفْشِي هذا السرَّ؛ لأن هذا السرَّ أمانةٌ.
وقوله: “وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَ فَهْوَ قَدْ هَلَكْ”، أخذه من الحديث: ولا تَخُنْ مَن خَانَكَ، فإذا خانك إنسانٌ فَاتَّقِ اللهَ تعالى فيه، ومن تقوى الله تعالى ألا تخونه.
والخيانة وصفُ ذمٍّ؛ ولهذا لا يُوصف الله بها، بينما الخديعة في مُقابلة الخداع وصف مدحٍ: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142]، أما الخيانة فإن الله لا يُوصف بها؛ ولذلك يقول سبحانه في الخيانة: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ، ما قال: فخانهم، وإنما قال: فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال:71]، وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ، فالله تعالى لا يُوصف بالخيانة.
وأما الخديعة في مقابل الخداع فوصف مدحٍ: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ، والمكر على سبيل المُقابلة وصف مدحٍ: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].
أما الخيانة فليست وصف مدحٍ، وإنما وصف ذمٍّ؛ ولهذا قال: فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ، ولم يقل: فقد خانهم، وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يعني: حتى لو خانك أحدٌ لا تَخُنْه، وإنما تتقي الله تعالى فيه.
مسألة الظَّفَر
لكن النَّاظم استثنى مسألةً من هذا، قال:
76- وَجَائِزٌ أَخْذُكَ مَالًا اسْتُحِق | شَرْعًا وَلَوْ سِرًّا كَضَيْفٍ فَهْوَ حَق |
وهذه المسألة مرَّتْ معنا في دروسٍ سابقةٍ، وتُسمَّى هذه المسألة: مسألة الظَّفَر.
ومعنى مسألة الظَّفَر: أن يكون لك حقٌّ عند آخر، فتتمكن من أَخْذِه منه، هل لك ذلك أم لا؟
الناظم فرَّق بين ما إذا كان ذلك الحق مُستحقًّا شرعًا، أو كان على سبيل المُعاملة، فيقول: إذا كان مُستحقًّا شرعًا فيجوز: “وَجَائِزٌ أَخْذُكَ مَالًا اسْتُحِق شَرْعًا”، يجوز مطلقًا، حتى قال: “وَلَوْ سِرًّا” ولو أن تأخذه سِرًّا وهو لا يعلم.
مسألة الظَّفَر تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون السبب ظاهرًا
مثَّل المؤلف لهذا بمثالٍ، قال: “كَضَيْفٍ فَهْوَ حَق”، “كَضَيْف” يعني: الضيافة واجبة، والضيف له حقّ الضيافة؛ لقول النبي -كما في حديث أبي شُرَيح الخُزَاعي-: مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيُكْرِم ضيفه جائزته، قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومٌ وليلةٌ [4].
فلو أن المُضِيفَ لم يُضَيِّف هذا الضيف، فيجوز له أن يأخذ منه حقَّ الضيافة ولو سِرًّا.
نزل به ولم يُضيفه، فوجد -مثلًا- شاةً من أغنامه ونحو ذلك، فله أن يأخذها حقّ الضيافة، بشرط: أن تكون بقدر حقّ الضيافة.
لكن لا بد أن نُفرق أيضًا بين الضيف والزائر، فما الفرق بينهما: الضيف والزائر؟
طالب: …….
الشيخ: نعم، من داخل البلد، أحسنتَ.
الضيف لا بد أن يكون من خارج البلد، أما الزائر فمن داخل البلد.
مَن كان داخل البلد لا يُسمى: ضيفًا، هذا زائرٌ، أما الذي له حقٌّ فهو الذي يقدم من خارج البلد.
يعني: الناس قديمًا ما كانت عندهم فنادق ولا شقق، فكان الإنسان يأتي على بعيره، وربما يأتي في الليل فينزل عند أحدٍ ويطلب منه أن يُضَيِّفه، ويكون بحاجةٍ للضيافة، فالشريعة راعتْ هذه المعاني، وأوجبتْ على مَن نزل به الضيف أن يُضيفه، وأن الواجب هو يومٌ وليلةٌ، فإذا لم يقم بهذا الواجب فله أن يأخذ هذا الحقّ ولو سِرًّا.
ومن ذلك أيضًا: حقّ الزوجة في النَّفقة، وحقّ الأولاد كذلك، والدليل لهذا ما جاء في الصحيحين: أن امرأة أبي سفيان أتت النبي فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ وليس يُعطيني ما يكفيني وولدي. فقال: خُذِي ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف [5].
فَرَخَّص لها النبي أن تأخذ من زوجها أبي سفيان نفقتها ونفقة أولادها ولو بغير علمه؛ لأن هذا حقٌّ ثابتٌ بالشرع.
إذن إذا كان الحقُّ ثابتًا بالشرع فيجوز لمَن له الحقُّ متى ظفر به أن يأخذه مطلقًا، يعني: سِرًّا كان أو علانيةً.
القسم الثاني: أن يكون السبب خفيًّا
القسم الثاني: ما كان ثابتًا بالمُعاملة، وليس بأصل الشرع، كأن تكون بينك وبين شخصٍ مُبايعةٌ أو مُعاملةٌ من المعاملات: إما قرضٌ، وإما بيعٌ بدَينٍ، أو نحو ذلك، ثم إن هذا المَدِين ماطل في أداء حقِّك، فهل لك أن تأخذ منه متى وجدتَ هذا الحقَّ؟
هذه المسألة محل خلافٍ بين أهل العلم، فمن أهل العلم مَن أجاز ذلك مطلقًا، ومنهم مَن منع ذلك مطلقًا، ومنهم مَن فَصَّل فقال: إذا كان الحقُّ ظاهرًا فله أن يأخذ منه، وإذا كان الحقُّ ليس بظاهرٍ فليس له ذلك.
هذا هو الأقرب -والله أعلم-: أن الحقَّ إذا كان ظاهرًا فله أن يأخذ حقَّه متى ظفر به.
ومعنى كونه ظاهرًا يعني: مُثْبَتًا، بحيث إن هذا الإنسان لو علم به ذلك المَدِين لاستطاع أن يُثْبِت حقَّه، وقال: أنا أطلب فلانًا بهذا الحقِّ، وهو مُثْبَتٌ بهذا الشيء، أو أنه مُعْتَرِفٌ.
أما إذا لم يكن ظاهرًا، فلو فتحنا هذا الباب لادَّعى كلُّ سارقٍ أنه يطلب المسروق منه، وادَّعى كلُّ غاصبٍ أنه يطلب المغصوب منه، وتترتب على ذلك مفاسد، أما إذا كان الحقُّ ظاهرًا فلا بأس.
طيب، لو كان الحق غير ظاهرٍ، يعني: إنسانًا أقرض فلانًا مالًا ولم يُوثقه، ثم إنه وجد شيئًا له، فهل له أن يأخذ منه؟
نقول: أما قضاء، فليس له ذلك.
وأما ديانةً فيما بينه وبين الله، فالذي يظهر أن له ذلك؛ لأنه يأخذ حقَّه أو بعض حقِّه.
فيما بينه وبين الله له ذلك، لكن قضاء ليس له ذلك، قضاء أمام القاضي أَثْبِتْ، فالقضاء ما فيه إلا بينات وإثباتات، أما فيما بينه وبين الله -يعني- إذا أراد بذلك استيفاء حقِّه أو بعض حقِّه فلا شيء عليه.
طالب: …….
الشيخ: هذا يظهر أنه حقٌّ ظاهرٌ، إذا كان فعلًا مُثْبَتٌ أنه ما أعطاه المُرتب، واستطاع أن يُثْبِت هذا؛ فيُعتبر هذا من الحقِّ الظاهر، معنى الظاهر: أن يكون مُثْبَتًا.
قاعدة: يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا
قال:
77- قَدْ يَثْبُتُ الشَّيْءُ لِغَيْرِهِ تَبَعْ | وَإِنْ يَكُنْ لَوِ اسْتَقَلَّ لَامْتَنَعْ |
يُشير الناظم بهذا إلى قاعدةٍ فقهيةٍ هي: أنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا.
وبعضهم يُعبِّر عن هذه القاعدة بالتابع تابع، أو يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا.
والأصل في هذه القاعدة هو قول النبي : مَن باع نَخْلًا قد أُبِّرَتْ فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المُبْتَاع [6].
فهذا الحديث مفهومه، يعني: قوله: مَن باع نخلًا قد أُبِّرَتْ مفهومه: أنه إذا باع الثمرة قبل أن تُؤبر فإنها تكون للمُشتري، مع أنها لم يَبْدُ صلاحها.
فدلَّ ذلك على أنه يُغْتَفر في التَّابع ما لا يُغْتَفر في غيره، يثبت تَبَعًا ما لا يثبت استقلالًا.
أمثلةٌ على القاعدة
مثَّل الناظم لهذا بمثالٍ، قال:
78- كَحَامِلٍ إِنْ بِيعَ حَمْلُهَا امْتَنَعْ | وَلَوْ تُبَاعُ حَامِلًا لَمْ يَمْتَنِعْ |
“كَحَامِلٍ إِنْ بِيعَ حَمْلُهَا” يعني: إن بِيعَ الحمل استقلالًا فإن هذا لا يجوز؛ وذلك للجهالة والغَرَر، لكن “وَلَو تُبَاعُ حَامِلًا” لو تُباع -مثلًا- هذه البهيمة حاملًا جاز ذلك، ويدخل الحَمْل تَبَعًا؛ لأنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا.
هذا مثالٌ ظاهرٌ جدًّا.
لو قال شخصٌ: “أنا أريد أن أبيع هذا الحمل”، نقول: لا يجوز، لكن “أريد أن أبيع هذه الشاة الحامل”، نقول: إن هذا جائزٌ.
كيف منعتم الأولى وأجزتم الثانية؟
نقول: الأولى لأنك تبيع الحمل استقلالًا، والثانية تبيع الحمل تَبَعًا.
أيضًا من أمثلة ذلك: بيع اللبن في الضَّرع استقلالًا لا يجوز؛ للجهالة والغرر، لكن لو باع بهيمةً لَبُونًا جاز ذلك؛ لأنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا.
أيضًا من ذلك: بيع الأسهم -أسهم الشركات المُساهمة- فعندما تشتري -مثلًا- سهمًا أو تبيع سهمًا، يعني: هذا السهم يشتمل على موجوداتٍ، وعلى ديونٍ، وبيعُ الدَّين بِنَقْدٍ الأصل أنه لا يجوز؛ لأنه بيع نقدٍ بنقدٍ مع التَّأجيل، لكن لما كانت هذه الديون تابعةً للموجودات اغتُفِرَ فيها، فيثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا.
يعني: الآن الشركات المُساهمة كلها ما تخلو من ديونٍ، ومع ذلك عامة أهل العلم أجازوا بيع الأسهم؛ لأن هذه الديون تابعةٌ للأصول في تلك الشركات المُساهمة.
هذه قاعدةٌ عظيمةٌ، وفروعها كثيرةٌ جدًّا، وهي متفقٌ عليها عند عامة أهل العلم: أنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا.
ونكتفي بهذا القدر في منظومة أصول الفقه.
الأسئلة
نعم، تفضل شيخ علي.
السؤال: …….
الجواب: هذا فيه تفصيلٌ، يعني: يرجع للمصلحة، إن كانت المصلحة تقتضي ذلك -يعني: لا تترتب عليه مفسدةٌ- فلا بأس، أما إذا كان تترتب عليه مفسدةٌ فلا يُخبره.
يعني: من تلك المصلحة -مثلًا-: أن يكون هذا الرجل فيه دِيانةٌ، وفيه ورعٌ، ولو أُخبر لما ترتب على ذلك أيُّ مفسدةٍ، وإنما ربما دعا له وقال: “أعنتني على نفسي”، فهنا لا بأس أن يُخبره، أما لو كان تترتب على ذلك مفسدةٌ وضررٌ أو على الأقل قطيعةٌ بينهما فلا يُخبره بذلك.
السؤال: …….
الجواب: بعض العلماء المعاصرين قال: إنه مع وجود الفنادق والشقق لا تجب، ولكن ظاهر الأدلة هو الوجوب، يعني: ما الذي يُخرجها من عموم الأدلة؟ والتقييدات التي ذكرها بعض الفقهاء لا دليل عليها: أنه لا بد أن يكون مَارًّا، ولا بد أن يكون كذا، ولا بد .. يعني: ذكروا بعض التَّقييدات.
ما دام أنه ضيفٌ، ويُسمى: ضيفًا، ونزل فالأصل هو وجوب ضيافته، هذا هو الأصل، ولو مع وجود هذه البدائل.
السؤال: …….
الجواب: لعله بعد الدرس، إن شاء الله.
طيب، هل لأحدٍ سؤالٌ فيما شُرِحَ؟ ولا يكون سؤالًا خارجيًّا.
هذا -يا إخوة- منهجنا: الأسئلة فيما شُرِحَ في الدرس، والأسئلة الخارجية بعد الدرس، إن شاء الله.
طيب، تفضل يا عمران.
السؤال: …….
الجواب: لا، المقصود المدينة فقط، المدينة، نعم، يعني: لو كان -مثلًا- مُقيمًا في الرياض، ونزل عليه الضيف، وهو من مكة، فيُعتبر ضيفًا.
السؤال: …….
الجواب: نعم، سؤالٌ جيدٌ، يقول: لو أنه ظفر بحقِّه، ولم يعلم ذلك الإنسان الذي أُخِذَ منه هذا الحق، ثم أعطاه حقَّه مرةً أخرى، فليس له الحقّ أن يأخذ منه مرةً أخرى، وإنما يُعيد له بأي طريقةٍ، ولو بطريقٍ غير مباشرٍ، يُعيد له المبلغ الذي أخذه منه.
السؤال: …….
الجواب: إكرام الزائر ليس بواجبٍ، مُستحبٌّ، وليس بواجبٍ، إنما الوجوب فقط في الضيف؛ لأن الضيف هو الذي يحتاج للإكرام، خاصةً في الزمن السابق.
في الزمن السابق -مثلما ذكرتُ- الناس يأتون على الدواب وعلى الإبل، والطرق صحراويةٌ، ويحتاج الإنسان لمَن يُضَيِّفه، فهذا هو الذي تجب ضيافته، أما الزائر فلا يحتاج لهذا؛ ولذلك تُستحب، يعني: يُستحب إكرامه.
السؤال: …….
الجواب: لا وجه لهذا، هذا لا دليل عليه.
نقول: لا دليل عليه، فالمسألة فيها خلافٌ كثيرٌ، لكن هذا هو الأقرب، التفصيل هو القول الأقرب.