logo
الرئيسية/دروس علمية/شرح منظومة أصول الفقه وقواعده/(3) من قوله: “وكل ممنوع فللضرورة..”

(3) من قوله: “وكل ممنوع فللضرورة..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

كنا قد وصلنا في “منظومة أصول الفقه” للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، إلى قول الناظم: (وكل ممنوعٍ فللضرورة).

الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الشيخ العلامة محمد بن صالحٍ العثيمين رحمه الله تعالى في “منظومة أصول الفقه وقواعده”:

18- وكلُّ ممنوعٍ فللضرورةْ يباح والمكروه عند الحاجةْ
19- لكنَّ ما حُرِّم للذريعةِ يَجوز للحاجة كالعَرِيَّةِ
20- وما نُهِي عنه مِن التعبدِ أو غيرِه أَفْسِدْه لا تَرَدَّدِ
21- فكلُّ نهيٍ عاد للذواتِ أو للشروط مفسِدًا سَيَاتِي
22- وإن يَعُدْ لِخارجٍ كالعِمَّةْ فلن يَضِير فافهمنَّ العلَّةْ
23- والأصل في الأشياء حِلٌّ، وامنعِ عبادةً إلا بإذن الشارعِ
24- فإنْ يَقَعْ في الحُكم شكٌّ فارجعِ
للأصل في النوعين ثم اتَّبِعِ

الشيخ: جزاك الله خيرًا، نُذكِّر -يا إخوان- بأننا إن شاء الله تعالى سنجعل بعد شرح هذه المنظومة مسابقةً في حفظها، والإجابة تكون مكتوبةً، بطلب كتابة بعض الأبيات، وأُرصد عليها جائزةٌ قيمةٌ.

قاعدة: “الضرورات تبيح المحظورات”

قال الناظم رحمه الله:

وكلُّ ممنوعٍ فللضرورةْ يباح والمكروه عند الحاجةْ

أدلة القاعدة

قوله: (وكل ممنوعٍ فللضرورة)، يشير الناظم رحمه الله إلى قاعدةٍ أصوليةٍ، وهي: “الضرورات تبيح المحظورات”، وهذه القاعدة قد دل لها أدلةٌ كثيرةٌ، ومنها قول الله ​​​​​​​وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، فقوله: إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ، إشارةٌ إلى أن الضرورة تبيح المحرم: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، واستثنى قال: إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ، فهذا دليلٌ ظاهرٌ لهذه القاعدة.

ومنها أيضًا قول الله : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ إلى قوله سبحانه: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ يعني: مجاعةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:3]، وفي الآية الأخرى: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:173]، في سورة البقرة: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وفي سورة المائدة: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فهذا دليلٌ، هذه أدلةٌ ظاهرةٌ في أن الضرورات تبيح المحظورات.

شروط الضرورة المبيحة للممنوع

فالضرورة لها أحكامٌ، ولكن اشترط العلماء، اشترطوا لكون الضرورة تبيح المحرم أو الممنوع، اشترطوا لذلك شرطين:

  • الشرط الأول: هو الاضطرار إلى ذلك المحرم بعينه، فلا يوجد بديلٌ سواه، فإن وُجد بديلٌ سواه؛ لم تُبِح الضرورةُ المحرمَ.
  • والشرط الثاني: أن يُقطع باندفاع الضرورة به، فإن كان لا يقطع باندفاع الضرورة به فإن الضرورة لا تبيح المحرم.

أمثلة على الضرورات

ونوضح هذا بأمثلةٍ:

مثالٌ لما اجتمع فيه الشرطان: أن تكون الضرورة إلى هذا المحرم بعينه، وأيضًا: أن يُقطع باندفاع الضرورة به.

أكل الميتة عند الجوع

مثال ذلك: أَكْل الميتة عند الجوع، وعندما لا يجد شيئًا يَسُد رمقه؛ فهنا يجوز له أن يأكل الميتة للضرورة، وهذا قد ذكره الله في أكثر من آيةٍ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ إلى قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:3]، فهنا إذا لم يجد ما يأكله إلا الميتة؛ هنا تحقق الشرط الأول.

الشرط الثاني: أنه يقطع باندفاع الضرورة به، فإنه إذا أكل الميتة؛ سَدَّ ذلك رمقه، فهذا مثالٌ لما اجتمع فيه الشرطان.

التداوي بمحرم

مثالٌ لما تخلَّف فيه أحد الشرطين: التداوي، إذا اضطُر للتداوي بمحرمٍ ولم يجد سواه، قالوا له: إن عندك مرضًا، وليس هناك دواءٌ إلا هذا الشيء المحرم؛ مثلًا لحم خنزيرٍ، أو مثلًا الدم؛ بعض الناس يصف دم الضب مثلًا، أو أي دواءٍ محرمٍ، أو الخمر، فإذا قالوا: إنه ليس لك دواءٌ إلا هذا، فالشرط الأول تحقق، ولكن الشرط الثاني: هل يُقطع بأنه سيشفى؟ لا يقطع بذلك؛ لأن الدواء لا يقطع بأنه سببٌ للشفاء، وكم من إنسانٍ تعاطى دواءً ولم يشفَ، فأحيانًا يكون هذا الدواء يستعمله إنسانٌ فيشفى بإذن الله، ويستعمله آخر فلا يشفى، فلا يقطع إذنْ بالشفاء.

ثم أيضًا القول بأنه ليس هناك دواءٌ إلا هذا، أيضًا هذا محل نظرٍ؛ فإن الله تعالى لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، وقد يشفى الإنسان بدون دواءٍ.

ولذلك؛ نجد مثلًا كما ذكر ابن تيمية رحمه الله يقول: كثيرٌ من الناس في البوادي وفي القرى لا يتعالجون، إذا مرض الواحد يبقى مدةً ثم يشفى بإذن الله .

فإذنْ لا يقطع بأن هذا الدواء سببٌ للشفاء، لا يقطع بذلك؛ ولهذا إذا لم يجد إلا دواءً محرمًا؛ فلا يجوز له أن يستعمل ذلك الدواء، ولو قال: إن هذه ضرورةٌ؛ لأن هذين الشرطين لم يتحققا.

ولذلك؛ فإن التداوي ليس واجبًا، حُكي الإجماع على هذا، التداوي دائرٌ بين الإباحة والكراهة والاستحباب بحسب حالِه، لكنه ليس واجبًا، فإذا قال إنسانٌ: “أنا لن أتداوى”، لا يجبر على التداوي.

حكم النشرة

مسألة النُّشرة، وهي حل السحر بالسحر، هل يتحقق فيها هذان الشرطان؟ مِن أهل العلم مَن قال ذلك، والمشهور من مذهب الحنابلة: هو جواز النشرة للضرورة، ولكن القول الصحيح: أنها لا تجوز؛ لما يترتب عليها من المفاسد العظيمة؛ ولأنه أيضًا لا يُقطَع بالشفاء، فلا يتحقق فيها هذان الشرطان؛ ولهذا لما سئل النبي عن النشرة قال: هي من عمل الشيطان [1]، والنشرة: هي حل السحر بسحرٍ مثله.

إذنْ قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” المؤلف عبر عنها بهذا الشطر من البيت: (وكل ممنوعٍ فللضرورة يباح)، عرفنا أصلها وعرفنا شروطها، هذه القاعدة وأمثلة لها.

المكروه تبيحه الحاجة، أما المحرم فلا تبيحه إلا الضرورة

قال: (والمكروه عند الحاجة)، أي أن المكروه تبيحه الحاجة، والمكروه درجته أقل من درجة المحرَّم، فالمحرم هو ما أثيب تاركه وعوقب فاعله، بينما المكروه ما أثيب تاركه ولم يعاقب فاعله، فالمحرم مَنْهيٌّ عنه على سبيل الإلزام بالترك، بينما المكروه منهيٌّ عنه ليس على سبيل الإلزام وإنما على سبيل الأولوية.

فيقول الناظم: إن المكروه تبيحه الحاجة، والحاجة أقل مرتبةً من الضرورة، فالحاجة هي التي لو فقدها الإنسان لم يتضرر، بخلاف الضرورات لو فقدها الإنسان تضرر، يعني لو لم يأكل من الميتة لمات، لكن الحاجة لو فقدها لم يتضرر.

فإذنْ: المكروه تبيحه الحاجة، أما المحرم فلا تبيحه إلا ضرورةٌ.

هل نحتاج للشرطين السابقين اللذين ذكرناهما في الضرورة لاستباحة المكروه؟ نقول: لا نحتاج لهما؛ لأننا قلنا: إنه تركه على سبيل الأولوية وليس على سبيل الإلزام.

أمثلة على الحاجة المبيحة للمكروه

طيب، نوضح أيضًا هذه القاعدة بالأمثلة:

الالتفات في الصلاة للحاجة

لو أخذنا مكروهًا من مكروهات الصلاة، مثلًا الالتفات، الالتفات في الصلاة مكروهٌ، لكن لو احتاج للالتفات؛ زالت الكراهة، مثلًا امرأةٌ تصلي وصاح صبيها، فهنا يباح لها أن تلتفت للحاجة.

وأيضًا من الحاجة: إذا كثرت الوساوس على المصلي، فإن السُّنة له أن يلتفت عن يساره ويتفل ثلاثًا [2]، … هذا -يا إخوان- دواءٌ عظيمٌ لعلاج الوساوس، إذا أتت إليك الوساوس في الصلاة، سواءٌ وأنت في القيام أو في الركوع أو في السجود أو في أي موضعٍ من مواضع الصلاة؛ فاتفل عن يسارك ثلاثًا وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ تجد أن الوساوس هذه تنقشع مباشرةً، وجرب هذا تَزُل عنك الوساوس مباشرةً، لكن هذا يفعله الإنسان إذا كان يصلي منفردًا، أو كان بين طلبة علمٍ، أما لو في مساجد العامة فأرى أنه لا يفعله المصلي، ويكتفي بالاستعاذة؛ لأنه لو فعله؛ ربما أن العامة لا تفهم ما يقصده هذا المصلي، إلا إذا كان هذا معلومًا عندهم، لكن في الوقت الحاضر، كثيرٌ من العامة يجهلون هذه المسألة؛ فلذلك يكتفي بأن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بل إن العامة عندهم: أن مَن التفت؛ بطلت صلاته؛ فلذلك لو كان إمامٌ والتفت سيعتقدون بطلان الصلاة، ويترتب على هذا فتنةٌ ومفسدةٌ، ومراعاة هذه الأمور أمرٌ قد وردت به الشريعة؛ كما في قول النبي عليه الصلاة والسلام: لولا أن قومكِ حديثو عهدٍ بكفرٍ؛ لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين [3]، ترك النبي عليه الصلاة إعادة بناء الكعبة؛ لأجل مخافة الفتنة، إلا -كما ذكرت- لو كان الإنسان أمام طلبة علمٍ، أو كان عالمًا كبيرًا مثلًا والناس يثقون فيه ويقتدون به، فربما نقول: إنه يَلتفت، فإذنْ المشروع هو الالتفات، وأن يلتفت عن يساره وينفث ثلاثًا، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.

الحركة اليسيرة عند الحاجة

أيضًا الحركة اليسيرة لو احتاج، والحركة تُكرَه للمصلي، لكن لو احتاج لهذه الحركة؛ فتزول الكراهة؛ فلو أن مثلًا مكبر الصوت أحدث إزعاجًا للمصلين، أو نحو ذلك، فكونه يتقدم ويحرك المكبر أو يطفئه، أو يعدل مِن وضعه، هنا جائزٌ بلا كراهةٍ، بل ربما نقول: إنه مستحبٌّ؛ حتى لا يشوش ذلك على المصلين.

أكل البصل والثوم

أكل البصل والثوم، الأصل أنه مكروهٌ لمن تلزمه الجماعة، لكن لو احتاج له للتداوي ونحوه فهنا تزول الكراهة، لكن هل يصلي في المسجد مع الناس، أو يصلي في بيته ويكون هذا عذرًا له في ترك الجماعة؟

هذا محل خلافٍ بين أهل العلم، لكن ربما لا نحتاج لهذا الخلاف في وقتنا الحاضر؛ بسبب وجود ما يقطع هذه الروائح، الآن في وقتنا الحاضر يوجد ما يقطع رائحة البصل والثوم، فإذا احتاج؛ يأكله ويستخدم هذه التي تزيل رائحة البصل والثوم.

فإذنْ: ما كان محرمًا فيباح للضرورة، وما كان مكروهًا فيباح للحاجة.

ما حُرِّم للذريعة يجوز للحاجة

ثم قال الناظم:

لكنَّ ما حُرِّم للذريعةِ يجوز للحاجة كالعريَّةِ

ذكر الناظم قاعدةً أخرى، وهي: أن (ما حُرِّم للذريعة)؛ يعني: مِن باب سد الذريعة، فإنه أيضًا (يجوز للحاجة)، وهذه قاعدةٌ نص عليها بعض أهل العلم، وذكرها ابن القيم رحمه الله وغيره: أن ما حرم للذريعة فإنه يجوز للحاجة.

ومثَّل الناظم لهذا بـ(العريَّة)؛ العرية: مقصوده بها بيع العرايا، وبيع العرايا هو بيع التمر بالرُّطَب على رءوس النخل، فيأتي بعض الناس بالتمر وليس عنده نقودٌ، فيريدون أن يشتروا بهذا التمرِ الرطبَ على رؤوس النخل، فهل هذه ضرورةٌ؟ ليست ضرورةً، عندهم تمرٌ يأكلونه، لكن يريدون التفكُّه بأكل الرطب، فهذه حاجةٌ وليست ضرورةً، ومع ذلك أجاز النبي بيع العرايا [4].

وذكر الفقهاءُ لذلك شروطًا أخذوها من مجموع ما ورد في السنة:

  • ألا يزيد على خمسة أوسقٍ.
  • وألا يكون معه نقدٌ يَشتري به الرطب.
  • وأن يكون بخرص الرُّطب.
  • وأن يكون الرطب على رءوس النخل.

وهذه الشروط سبق أن تكلمنا عنها لمَّا شرحنا “باب بيع العرايا”.

فهنا إذا توفَّرت هذه الشروط؛ يجوز بيع العرايا، مع أن بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر لا يتحقَّق به التماثل على وجهٍ دقيقٍ، ففيه -لو لم ترد الشريعة بإباحته- أيُّ نوعٍ من أنواع الربا: الفضل أو النسيئة؟ الفضل.

طيب، ربا الفضل حُرِّم سدًّا لذريعة النَّساء، ربا الفضل لم يُحرَّم لذاته، وإنما من باب سد الذريعة؛ يعني: باعتبار أن ربا الفضل حُرِّم لأجل سد ذريعة النَّساء والتأخير والأجل، وأجيز منه ما تدعو إليه الحاجة، ومن ذلك بيع العرايا، هذا هو المثال الذي مثَّل به المؤلف.

هناك مثالٌ آخر يذكره أهل العلم: وهو النظر للمرأة الأجنبية، لماذا حُرِّم النظر للمرأة الأجنبية؟ سدًّا للذريعة، لذريعة الافتتان بها، فأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة، وهو نظر الخاطب إلى المخطوبة، فهنا جاز نظر الخاطب إلى المخطوبة، مع أن الأصل هو تحريم النظر للمرأة الأجنبية؛ لأن تحريم النظر للمرأة الأجنبية هو من باب سد الذريعة.

فانتبه لهذه القاعدة العظيمة: ما كان تحريمه من باب سد الذريعة؛ يجوز منه ما تدعو إليه الحاجة، وهذه القاعدة قد لا تجدها في كتب الأصول، لكن يذكرها بعض المحققين؛ كابن تيمية وابن القيم، والناظم ذكرها هنا.

وأيضًا من الأمثلة: لُبْسُ الحرير للرجال، فتحريمه أيضًا من باب سد الذريعة، ذريعة تشبُّه الرجال بالنساء وتخلُّقهم بأخلاق النساء، وما فيه من الليونة ونحو ذلك، أُبيح منه ما تدعو إليه الحاجة، ومِن ذلك: إذا كان بالإنسان حكةٌ أو جَرَبٌ؛ فله أن يلبس الحرير، والأمثلة لهذا كثيرةٌ.

المهم هو أن نضبط القاعدة، وهي: أن ما حُرِّم من باب سد الذريعة؛ فيباح ما تدعو إليه الحاجة.

انتبه لهذه القواعد؛ تُفِدْك كثيرًا: ما حُرِّم من باب سد الذريعة؛ يباح ما تدعو إليه الحاجة.

قاعدة: “النهي يقتضي الفساد”

ثم ذكر الناظم رحمه الله، تكلم عن مسألة فساد المنهي عنه لأجل النهي، وحرر المسألة في ثلاثة أبياتٍ، قال:

وما نُهِي عنه مِن التعبدِ أو غيرِه أَفْسِدْه لا تَرَدَّدِ
فكلُّ نهيٍ عاد للذواتِ أو للشروط مفسدًا سَيَاتِي
وإن يَعُد لخارجٍ كالْعِمَّةْ فلن يَضِير فافهمنَّ العِلَّةْ

(ما نُهي عنه للتعبد)؛ يعني: ما نُهي عنه من باب العبادات (أو غيره)، أو غير العبادات؛ كالمعاملات والأنكحة وغيرها، (أَفسِده لا تَرَدَّدِ)؛ يعني: احكم بفساده ولا تتردد في ذلك.

ومعنى كلام الناظم: أن ما يُنهى عنه من العبادة إذا فعله الإنسان؛ فإنه يكون فاسدًا؛ لأجل النهي، وكذلك ما نُهي عنه من غير العبادة أيضًا إذا وقع على الوجه الذي نُهي عنه، فإنه يكون كذلك فاسدًا.

أقسام النهي

ثم شرح الناظم ذلك، وفرَّع..، يعني فرَّع على هذا، بعدما أجمل فرَّع، قال: (فكلُّ نهيٍ عاد للذواتِ)؛ يعني: هذان البيتان هما كالتفريع أو التفصيل لما سبق.

ومراد الناظم: أن النهي إما أن يعود إلى ذات الشيء، أو إلى شرطه، أو إلى أمرٍ خارجٍ عنه، وهذا ما عبَّر عنه بقوله: (فكلُّ نهيٍ عاد للذواتِ)؛ يعني: يعود لذات المنهي عنه، (أو للشروط)؛ يعني: لشرط المنهي عنه (مفسدًا سَيَاتِي).

والأمر الثالث (وإن يَعُد لخارجٍ)، لأمرٍ خارجٍ عنه، فما هو الحكم في كل واحدٍ من هذه؟ الحكم أنه إذا عاد إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه؛ كان مفسدًا لذلك الشيء من عبادةٍ أو غيرها، إذا عاد لذات المنهي عنه أو لشرطه؛ كان مفسدًا له؛ ولهذا قال:

فكلُّ نهيٍ عاد للذواتِ أو للشروط مفسدًا سَيَاتِي

أما إذا عاد لأمرٍ خارجٍ عنه -يعني عن المنهي عنه- فإنه يصح؛ ولهذا قال: (وإن يعد لخارج كالعِمَّةْ)، وقوله: (كالعِمَّةْ)، يقصد به: لُبْسَ العمامة المحرمة في الصلاة، العمة: المقصود بها: العمامة.

(فلن يَضير) يعني: إذا كان النهي يعود إلى أمرٍ خارجٍ عن المنهي عنه؛ فإنه لن يضير؛ يعني لا يضر، بل تصح تلك العبادة أو تلك المعاملة.

فإذنْ تكون هذه هي القاعدة، وهي: أن النهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه؛ فسد ذلك الشيء، وأما إذا عاد لأمرٍ خارجٍ عنه؛ فإنه يصح ولا يفسد، هذا مراد الناظم بهذه القاعدة.

القسم الأول: أن يكون النهي عائدًا إلى ذات المنهي عنه

طيب، نوضحها بالأمثلة:

إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه؛ مثاله: صيام يوم العيد، صيام يوم العيد النهي يعود إلى ذات المنهي عنه، فيكون فاسدًا لو صام أحدٌ يوم العيد؛ صومه لا يصح، وهو محرمٌ.

صيام أيضًا المرأة وقت الحيض أو النفاس، النهي يعود إلى ذات المنهي عنه، فيكون فاسدًا لو صامت المرأة وهي حائضٌ، صومها لا يصح، هذا مثالٌ لكون النهي يعود إلى ذات المنهي عنه في العبادات.

في غير العبادات: البيع بعد نداء الجمعة الثاني، النهي يعود إلى ذات المنهي عنه، وليس لأمرٍ خارجٍ عنه؛ فلا يصح البيع.

القسم الثاني: إذا عاد النهي إلى الشرط المنهي عنه

طيب، القسم الثاني: إذا عاد النهي إلى الشرط المنهي عنه؛ مثاله: لو صلى في ثوبٍ محرَّمٍ؛ يعني سَتَر العورة بلباسٍ محرَّمٍ، فهنا عاد النهي للشرط المنهي عنه؛ فإنه يشترط لصحة الصلاة: ستر العورة، وهو قد ستر العورة بشيءٍ محرمٍ، فلا تصح.

في غير العبادات، في المعاملات، في بيوع الغرر مثلًا: لو اشترى مثلًا بعيرًا شاردًا، أو سمكًا في الماء، أو طيرًا في الهواء، أو نحو ذلك، فهنا البيع لا يصح؛ كونه عائدًا إلى شرطٍ، وهذا الشرط هو العلم بالمبيع وانتفاء الغرر، فهو عائدٌ إلى شرطٍ من شروط صحة البيع؛ فلا يصح ذلك البيع، لو أن أحدًا باع شيئًا فيه جهالةٌ وغررٌ كثيرٌ؛ مثال: لو باع جملًا شاردًا، أو طيرًا في الهواء، أو سمكًا في الماء، فنقول: إن البيع أصلًا لا يصح.

القسم الثالث: إذا عاد لأمرٍ خارجٍ عن المنهي عنه

قلنا: الأمر الثالث: إذا عاد لأمرٍ خارجٍ عن المنهي عنه، وهذا ما يُعبِّر عنه بعض الأصوليين بقولهم: إن الجهة مُنفكَّةٌ، وهي محل خلافٍ بين الأصوليين، ومذكورةٌ هذه المسألة في كتب أصول الفقه.

فإذا عاد النهي لأمرٍ خارجٍ عن المنهي عنه، هل يفسد المنهي عنه أم لا؟ محل خلافٍ، والصحيح أنه لا يفسد، أن العبادة تصح، وغير العبادة أيضًا، العبادة وغيرها، ذلك الشيء يصح مع الإثم.

مثال ذلك: مثَّل الناظم قال: (كالعِمَّة)؛ يعني: لو لبس عمامةً من حريرٍ أو عمامةً مغصوبةً مثلًا، فصلاته صحيحةٌ مع الإثم، لو صلى في دارٍ مغصوبةٍ؛ صلاته صحيحةٌ مع الإثم، لأن النهي يعود لأمرٍ خارجٍ وهو الغصب مثلًا، أو لُبس الحرير للرجال.

ويعود لأمرٍ خارجٍ عن المنهي عنه؛ مثلًا: تَلَقِّي الرُّكبان، بالنسبة لغير العبادات: تلقي الركبان، النهي يعود لأمرٍ خارجٍ عن المنهي عنه، وهو التغرير بهم، البيع ليس فيه غررٌ، لكن مما يُخشى من التغرير بهؤلاء الركبان، فهو يصح، لكن يكون لهؤلاء الركبان الخيار، فالبيع صحيحٌ، لكن يكون لهم الخيار، يكون صحيحًا لكن غير لازمٍ؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا تَلَقَّوا الجَلَب، فمن تَلَقَّى الجَلَب، فإذا أتى سيِّدُه السُّوقَ؛ فهو بالخيار [5].

ومن ذلك أيضًا: الترخص برخص السفر في سفر المعصية، هل يجوز الترخص برخص السفر أو لا؟ لو سافر سفرَ معصيةٍ؛ هل له أن يَقصر الصلاة أو لا؟ وهذه نجد أن العلماء مختلفون فيها، ويرجع الخلاف في هذه القاعدة..، فمِن العلماء من يقول: إنه لا يترخص، وهم فقهاء الحنابلة، ويُعلِّلون ذلك يقولون: إن المحرم لا تستباح به الرخصة.

والقول الثاني: أنه يترخص برخص السفر، وهذا هو القول الصحيح الذي عليه واختاره جمعٌ من المحققين من أهل العلم؛ لأن الجهة منفكةٌ، فيترخص برخص السفر، لكنه يأثم بهذا السفر المحرم.

فإذنْ نعيد، نلخص القاعدة مرةً أخرى، نقول: إن النهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه؛ فإن ذلك الشيء يَفسد ولا يصح، أما إذا عاد النهي لأمرٍ خارجٍ عن المنهي عنه وما يُعبِّر عنه الأصوليون بالجهة، بكون الجهة منفكةً، فإن ذلك الشيء يصح، ويأثم بذلك بفعل ذلك المنهي عنه لكنه يصح.

قال: (فافهمن العلة)؛ يعني: هذا حثٌّ لطالب العلم على فهم العلل؛ لأن فهم العلل يفيد طالب العلم في تحصيل الملكة، وتحصيل الملكة من الأمور المهمة لطالب العلم، فإنه لا يكفي طالب العلم أن يحفظ فقط مِن غير أن تحصل عنده الملكة؛ ولهذا لو قيل لك: إن فلانًا يحفظ كتبًا في الطب، لكن ليس عنده ملكةٌ في الطب، فإنك لا تثق فيه، ولا تعالج عنده ولو احتجت للعلاج، ولو قيل: إن فلانًا طبيبٌ، لكنه لا يحفظ كتبًا في الطب، فإنك تثق فيه وتعالج عنده؛ هكذا أيضًا بالنسبة لطالب العلم، تحصيل الملكة هو من أهم ما يكون، ومن وسائل تحصيل الملكة: فهم العلل.

وأيضًا من فوائد فهم العلل: القياس، فإنك إذا ضبطت العلة؛ تقيس الشيء على نظيره عند اشتراكهما في العلة.

وكذلك أيضًا من فوائد فهم العللِ: معرفة سُمُوِّ الشريعة وعظمتها، وأنها لا تفرق بين المتماثلات.

قاعدة: “الأصل في الأشياء: الحل”

ثم قال الناظم رحمه الله:

والأصل في الأشياء حِلٌّ، وامنعِ عبادةً إلا بإذن الشارعِ

(والأصل في الأشياء حِلٌّ)، لما تكلم الناظم عن المحرمات؛ ناسَبَ أن يُؤصِّل ويذكر ما هو الأصل في الأشياء: هل الأصل في الأشياء الحل، أو الأصل في الأشياء الإباحة؟

أدلة القاعدة

فالمؤلف قرر هذه القاعدة، وهي: أن الأصل في الأشياء الحِل، هذه قاعدةٌ في المعاملات وفي كل شيءٍ، الأصل فيها الحِل، ودليله قول الله : هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وقوله سبحانه: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، هذا يدل على أن الأصل هو الحِل، وأن المحرمات محصورةٌ، وقد فصلها الله لنا وبينها لنا.

وأيضًا ورد في السُّنة قول النبي : إن الله فرض فرائض فلا تُضيِّعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرَّم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً بكم غيرَ نسيانٍ فلا تبحثوا عنها [6].

فإذنْ الأصل في الأشياء الحِل والإباحة، لكن قال الناظم: (وامنع عبادةً إلا بإذن الشارع)، استثنى المؤلف من هذا العبادات فقال: إن العبادات ليس الأصل فيها المشروعية، وإنما الأصل فيها الحظر والمنع.

والدليل لهذا: قول الله : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]؛ فدل ذلك على أن الأصل عدم مشروعية العبادة إلا بإذن الشارع، وأيضًا قول النبي : من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ [7]، من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ [8]. وهذا محل اتفاقٍ بين العلماء.

إذنْ الأصل في الأشياء الحِل والإباحة، لكن الأصل في العبادات المنع والحظر إلا ما ورد الدليل بمشروعيته.

قاعدة: “اليقين لا يزول بالشك”

فرَّع الناظم على هذا التأصيل قال:

فإنْ يقع في الحكم شكٌّ فارجعِ للأصل في النّوعين ثم اتَّبِع

إن يقع شكٌّ: هل هذا حلالٌ أو هذا حرامٌ، وليس هناك دليلٌ ظاهرٌ يدل على حِله أو حرمته؟ أو يقع شكٌّ في العبادة: هل هي مشروعةٌ أو لا؟ فلنرجع لهذا الأصل، فإن وقع شكٌّ: هل هذا حلالٌ أو هذا حرامٌ؟ فنقول: الأصل هو الحل، والذي يُطالَب بالدليل هو الذي يقول: إنه حرامٌ.

وعلى العكس من ذلك: إذا وقع شكٌ: هل هذه عبادةٌ مشروعةٌ أو غير مشروعةٍ؟ فالأصل عدم المشروعية، والذي يُطالَب بالدليل هو من يقول بالمشروعية.

وبناءً على ذلك: لو اختلف اثنان في عبادةٍ من العبادات؛ أحدهما يقول: إنها مشروعةٌ، والآخر يقول: إنها غير مشروعةٍ، فأيهما الذي يُطالَب بالدليل؟ الذي يقول إنها مشروعةٌ، أم الذي يقول: إنها غير مشروعةٍ؟ هذا معه الأصل؛ فلا يطالب بالدليل.

اختلف اثنان في حِل أمرٍ من الأمور، في حِل مثلًا مشروبٍ، في حِل مطعومٍ: فأحدهما يقول: إنه حلالٌ، والآخر يقول إنه حرام، فمَن الذي يُطالَب بالدليل؟ الذي يقول: إنه حرام؛ لأن الأصل هو الحل.

يعني مثلًا لو مثَّلنا بهذا: مثلًا شراب الشعير الذي يُسمَّى (البيرة)، موجودٌ عندنا في المملكة، مثلًا لو قال شخصٌ: إنه فيه كحولٌ، وإنه حرامٌ مثلًا، وآخر يقول: لا، إن هذا خالٍ من الكحول، وهو حلالٌ.

فالذي يقول: حلالٌ، معه الأصل، الأصل هو الحِل، وأن هذا خالٍ من الكحول، ومن يقول: إنه حرامٌ، هو الذي يُثبِت هذا هو المُطالَب بإثبات أن فيه كحولًا، وأن نسبته كبيرةٌ، فهو الذي يُطالَب بالدليل، وإلا فالأصل هو الحِل.

فهذه قاعدةٌ مفيدةٌ جدًّا لطالب العلم؛ ولذلك عند الاختلاف يرجع لهذه الأصول، والأصل هو اليقين، وما عداه مشكوكٌ فيه، وهذا معنى قول الناظم:

فإنْ يقع في الحكم شكٌّ فارجعِ للأصل ………………….

يعني: للأصل في الأشياء: الحل، والأصل في العبادات: الحظر.

ويدل على إرجاع هذه الأمور لأصولها: قول النبي لما شُكي إليه الرجل يُخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرفْ حتى يسمع صوتًا أو يَجِدَ ريحًا [9]؛ كأنه عليه الصلاة والسلام قال: لا ينصرف إلا بأمرٍ مُتيقَّنٍ فيه، فالأصل هو اليقين، واليقين لا يزول بالشك، وإنما يزول بيقينٍ مثله، فالأصل في الأشياء الحل، هذا أمرٌ متيقَّنٌ، ولا نحيد عن هذا الأصل إلا بأمرٍ متيقنٍ بأن هذا الشيء محرمٌ، والأصل في العبادة الحظر، فلا نحيد عن هذا الأصل إلا بدليلٍ يدل على أن هذه العبادة مشروعةٌ.

أما كون الإنسان يتورَّع، فهذا لنفسه، الورع بابه واسعٌ، والورع مطلوبٌ، عندما تشتبه على الإنسان أمورٌ؛ يتورع، لكن لا يُحرِّم ذلك على الناس، فرقٌ بين أنك تُحرِّم هذا على الناس، وبين أن تتورَّع لنفسك، فالإنسان قد يترك بعض الأمور من باب الورع، لكنه لا يُفتي بتحريمه للناس، ولا يمنع الناس من هذا الشيء، ولا يُنكر على الناس هذا الشيء.

وعلى هذا قول النبي : إن الحلال بيِّنٌ وإن الحرام بينٌ، وبينهما أمور مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمَنِ اتَّقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه [10].

فكون الإنسان يتقي الشبهات ويتورع، هذا أمرٌ مطلوبٌ، لكن من حيث الحكم نرجع لهذه الأصول التي قررها أهل العلم.

ونكتفي بهذا القدر في درس الأصول.

الأسئلة

السائل: …؟

الشيخ: نعم، هنا مثلًا لُبْسُ الحرير أو لبس المغصوب، ننظر؛ هل يتعلق بشرطٍ من شروط الصلاة أو لا يتعلق؟ فلُبْس العمامة مثلًا لا يتعلق بشرطٍ من شروط صحة الصلاة، هو يعود لأمرٍ خارج عن المنهي عنه، لكن لو سَتَر العورة بهذا المغصوب، أو ستر العورة بهذا الحرير؛ هنا يعود إلى شرط العبادة، وكذلك الأرض المغصوبة، يعني الأرض المغصوبة هي تعود لأمرٍ خارجٍ؛ لأن الجهة منفكةٌ؛ لأن هذه أرضٌ طاهرةٌ تصح الصلاة عليها في الأصل، والغصب شيءٌ خارجٌ عنها؛ فتصح الصلاة مع الإثم.

السائل: …؟

الشيخ: هذه -كما ذكرتُ- هي محل خلافٍ؛ يعني ليست محل اتفاقٍ هذه المسألة، لكن هذا هو الذي عليه المحققون.. هو ما ذكرتُ مِن أنه إذا كان يرجع لأمرٍ خارجٍ؛ فالجهة منفكةٌ، وإلا أعاد، الحنابلة لهم في هذا.. يعني المشهور عندهم: أنها لا تصح.

السائل: …؟

الشيخ: الالتفات الذي يجوز للحاجة: هو أن يلتفت بحيث لا يستدبر القبلة؛ يعني لا ينتقل إلى جهةٍ أخرى؛ يعني: يلتفت بعنقه فقط، هذا جائزٌ للحاجة، وعند عدم الحاجة ليس محرمًا، وليس أيضًا مفسدًا للصلاة، هو مكروهٌ، غاية ما فيه أنه مكروهٌ، بشرط أنه لا ينتقل إلى جهةٍ أخرى؛ يعني لا يزال مستقبلًا للجهة.

السائل: …؟

الشيخ: الوضوء بماءٍ مغصوبٍ، ما هو الشرط الذي يعود إليه؟ هذه أيضًا فيها خلافٌ أصلًا في تطبيق هذا المثال على القاعدة؛ فبعضهم يقول: إن الجهة منفكةٌ هنا؛ ولأن النهي لأمرٍ خارجٍ عنه، وبعضهم يقول: إنه مرتبطٌ بالشرط، بشرطٍ من شروط الصلاة.

السائل: …؟

الشيخ: مسألة الإجماع محلُّ نظرٍ، كثيرٌ من الأمور يُحكى فيها الإجماع، وعند التدقيق تجد فيها خلافًا.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أحمد: 14135، وأبو داود: 3868.
^2 رواه مسلم: 2203.
^3 رواه مسلم: 1333.
^4 رواه البخاري: 2190، ومسلم: 1539.
^5 رواه مسلم: 1519.
^6 رواه الطبراني: 589، والدارقطني: 4396، والحاكم: 7333.
^7 رواه مسلم: 1718.
^8 رواه البخاري: 2697، ومسلم: 1718.
^9 رواه البخاري: 137، ومسلم: 361.
^10 رواه البخاري: 52، ومسلم: 1599.
zh