logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(69) باب حكم العيوب في النكاح- من قوله: “وأقسامها المثبتة للخيار ..”

(69) باب حكم العيوب في النكاح- من قوله: “وأقسامها المثبتة للخيار ..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

هذا الدرس يُعتبر مجلس علمٍ، والنبي يقول: مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة [1]، فالذي يُتابع مثل هذه الدروس ويحتسب الأجر عند الله ​​​​​​​ هو في عبادةٍ.

باب حكم العيوب في النكاح

طيب، ننتقل بعد ذلك لـ”السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى باب “حكم العيوب في النكاح”.

والعيوب في النكاح -يعني- هذا الباب من أهم الأبواب، ويكثر فيه الخلاف والنزاع، وما يفوت به غرض الزوج أو الزوجة: إما أن يكون فوات صفة كمالٍ، أو يكون عيبًا ونقصًا.

أما ما كان من باب “فوات صفة الكمال” فهذا لا خيار فيه إلا بالشرط؛ كأن يشترط أن تكون جميلةً -مثلًا- أو يشترط أن تكون حسنة الخلق، أو نحو ذلك، فهذا لا يثبت معه الخيار إلا بالشرط.

وأما إذا كان يوجد عيبٌ ونقصٌ يفوت به غرض الزوج أو الزوجة، فهذا يَثْبُت به الخيار.

وهل عيوب النكاح محصورةٌ أو غير محصورةٍ؟

قولان للفقهاء:

  • فمنهم مَن قال: إنها محصورةٌ.
    وهذا هو الذي عليه المذاهب الأربعة، وحصروها بعيوبٍ معينةٍ.
  • والقول الثاني: أنها غير محصورةٍ.
    وهذا هو القول الراجح، لكنها تُضْبَط بضابطٍ، والضابط هو: ما يفوت به الاستمتاع أو كماله، ويُعَدّ في عُرف الناس عيبًا.
    هذا هو القول الراجح، واختاره ابن تيمية وابن القيم وجمعٌ من المُحققين من أهل العلم.

أقسام العيوب المُثْبِتَة لخيار الفسخ

قال:

وأقسامها المُثْبِتَة للخيار ثلاثةٌ: قسمٌ يختص بالرجل، وقسمٌ يختص بالمرأة، وقسمٌ مُشتركٌ بينهما.

القسم الأول: العيوب المُختصة بالرجل

ابتدأ المؤلف بما يختص بالرجل فقال:

قسمٌ يختص بالرجل، وهو كونه قد قُطِعَ ذَكَرُه.

والذي قد قُطِعَ ذَكَرُه يُسمَّى “المَجْبُوب”، فهذا يُعتبر عيبًا؛ لأنه يمنع الوطء، والمرأة لها حقٌّ في الوطء، فيُعتبر عيبًا يَثْبُت للمرأة به حقُّ الفسخ، وهذا بالإجماع.

أو خُصْيَتَاهُ.

يعني: إذا كان مقطوع الخُصْيَتين، أو مَرْضُوض الخُصْيَتين، فإنه يَثْبُت للمرأة حقُّ الخيار؛ وذلك لأن ذهاب الخُصْيَتين يُفَوِّت الإنجاب، والمرأة لها حقٌّ في الولد، فيثبت لها حقُّ الخيار في الفسخ.

أو أَشَلَّ.

مقصود المؤلف بقوله “أَشَلَّ” يعني: أَشَلَّ الذَّكَر، فإذا كان أَشَلَّ الذَّكَر فإنه يكون غير قادرٍ على الانتصاب، وليس المقصود به العُنَّة، وإنما يُقصد به أنه أَشَلّ، فهذا أيضًا يُفَوِّت حقَّ المرأة في الوطء، فيثبت لها خيار الفسخ؛ ولهذا قال المصنف:

فلها الفسخ في الحال.

وإن كان عِنِّينًا.

العِنِّين: هو الذي ليست له قُدرةٌ على الوطء: إما بأصل الخِلْقَة، وإما لأمرٍ عارضٍ: إما لمرضٍ، أو لسحرٍ، أو نحو ذلك.

طيب، كيف تثبت العُنَّة؟

قال:

بإقراره.

إذا اعترف الزوج بأن عنده عُنَّةً.

أو ببينةٍ.

كيف البينة؟

بينةٌ كأن يعترف -مثلًا- عند شهودٍ بأن عنده عُنَّةً، ثم يشهدون عليه، فيثبت ذلك بالبينة أو القرائن.

مثلًا: في وقتنا الحاضر القرائن الطبية، إذا أثبت الطبُّ الحديث أن هذا الرجل عنده عُنَّةٌ وغير قادرٍ على الوطء.

أو طلبتْ يمينه فَنَكَلَ.

طلبت الزوجة أن يحلف الزوج بأنه ليست عنده عُنَّةٌ، فأبى، ولم يَدَّعِ وَطْئًا سابقًا على دعواها، فما الحكم؟

يقول المؤلف:

أُجِّلَ سَنَةً هلاليةً منذ ترافعه إلى الحاكم.

يعني: يُنْظَر ويُؤَجَّل سنةً قمريةً هجريةً.

وإنما قال المؤلف: يُنْظَر سنةً، قالوا: لأن للإنسان أربع طبائع: حرارة، وبُرودة، ورطوبة، ويُبُوسَة، فقد لا يستطيع الوطء في فصل الشتاء، ويستطيع في فصل الصيف -مثلًا- وقد لا يستطيع الوطء في فصل الخريف، ويستطيع في فصل الربيع.

يعني يقولون: نُؤجل السنة كاملةً حتى تمرَّ عليه الفصول الأربعة. لكن هذا قديمًا.

أما في الوقت الحاضر فيمكن إثبات العُنَّة عن طريق الطبِّ من غير حاجةٍ إلى أن نُؤجله سنةً كاملةً، فالأطباء الآن يستطيعون بشكلٍ قاطعٍ أن يُثْبِتوا قُدرته على الوطء، أو عدم قُدرته على الوطء.

إذن هذا الذي ذكره المصنف رحمه الله إنما هو بالنسبة لزمن المؤلف، وهو مَرْوِيٌّ عن عمر  أيضًا، ورُوِيَ أيضًا عن عليٍّ ، وعن ابن مسعودٍ ، وهذا مُناسبٌ لزمنهم.

وأما في وقتنا الحاضر مع تقدم الطبِّ فلا يُؤجل سنةً، فإذا قطع الأطباء بأن هذا الرجل عنده عُنَّةٌ، وأنه غير قادرٍ على الوطء، فتأجيل هذا الرجل سنةً كاملةً فيه إضرارٌ بالمرأة؛ ولهذا فيكون للمرأة حقُّ الفسخ مباشرةً بعد إثبات الأطباء العُنَّة عند هذا الزوج.

ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يتنبه للعبارات التي ذكرها الفقهاء السابقون، وأن يُدرك أيضًا الفرق بين حال الفقهاء السابقين وحالنا في الوقت الحاضر، وأثر المُستجدات الحديثة؛ لأن الحكم يدور مع عِلَّته.

فالناس قديمًا ما عندهم وسيلةٌ لمعرفة أن هذا عنده عُنَّةٌ أو لا؛ ولذلك قالوا: يُؤجَّل سنةً كاملةً، لكن في الوقت الحاضر الآن الطب الحديث تقدم تقدُّمًا كبيرًا، وأصبح الأطباء يستطيعون الجزم بأن هذا الرجل عنده قُدرةٌ على الوطء أو ليس عنده، لكن لا بد أن يقطع الأطباء بذلك.

أما إذا لم يقطع الأطباء بذلك، كأن تكون عنده مشكلاتٌ نفسيةٌ أو رُهَابٌ -ما يُسمَّى بالرُّهَاب- فهنا يُنْظَر سنةً كاملةً، لكن لو كان السبب سببًا عضويًّا، وليس السبب نفسيًّا، فهنا يُرجع لرأي الأطباء، أما لو كان السبب نفسيًّا؛ لأن بعض الناس قد تأتيه العُنَّة لأسبابٍ نفسيةٍ، فهنا يُؤجل -كما قال الفقهاء- سنةً كاملةً.

قال:

فإن مَضَتْ ولم يَطَأْها فلها الفسخ.

يعني: إذا مَضَت السنةُ ولم يطأ هذا الرجل فلها الفسخ؛ لأن لها حقًّا في الوطء، ولها حقًّا أيضًا في الولد.

القسم الثاني: العيوب المُختصة بالمرأة

ثم انتقل المؤلف إلى العيوب المُختصة بالمرأة.

قال:

وقسمٌ يختص بالأنثى، وهو كون فرجها مسدودًا لا يسلكه ذكرٌ.

وهذه تُسمَّى: الرَّتْقَاء، فالرَّتَقُ: هو تلاحم الشَّفْرَتين خِلْقَةً، وهذا يُعتبر عيبًا من عيوب النكاح، أما إذا لم يكن ذلك بأصل الخِلْقَة فيُسمُّونها: قَرْنَاء، والقَرَنُ: لحمٌ زائدٌ ينبت في الفرج فَيَسُدّه، فكل هذه عيوبٌ.

وأيضًا نقول في وقتنا الحاضر: هذه العيوب أصبح مقدورًا على إزالتها في الوقت الحاضر عن طريق العمليات الجراحية، فيمكن للأطباء أن يُزيلوا هذا السَّدد أو هذا اللحم الزائد عن طريق العملية الجراحية، ويزول بذلك العيب، فإن أمكن إزالة العيب عن طريق الطبِّ الحديث فلا يُعتبر هذا عيبًا.

أو به بَخَرٌ.

“أو به” الضمير يرجع إلى فرج المرأة.

“بَخَر” البَخَر هو النَّتَنُ والرائحة الكريهة التي تَثُور عند الوطء، فهذا يُعتبر عيبًا من عيوب النكاح.

أو قروحٌ سَيَّالةٌ.

وهنا المؤلف قيَّدها بأنها سيَّالةٌ، فإن لم تكن سيَّالةً فليست من عيوب النكاح.

وبعض العلماء قال: إن القروح التي في الفرج هي من عيوب النكاح، سواءٌ كانت سيَّالةً أو غير سيَّالةٍ، لكن إذا كانت هذه تمنع من الاستمتاع، ولم تمكن مُعالجتها طبيًّا، أما إذا أمكن مُعالجتها طبيًّا في الوقت الحاضر فلا تُعتبر عيبًا.

أو كونها فَتْقَاء بانخراق ما بين سبيليها.

يعني: إذا انخرق ما بين مجرى البول ومجرى الحيض فهذا يُعتبر من عيوب النكاح؛ لأنه يمنع من كمال الاستمتاع، وينجس مجرى الوطء بالبول، ويمنع أيضًا من الحمل في الغالب.

أو كونها مُستحاضةً.

الاستحاضة: هي سيلان الدم من المرأة بصفةٍ مُستمرةٍ، ويُسمى بالنَّزيف في الوقت الحاضر، وهذا يُعتبر عيبًا يمنع من كمال الاستمتاع.

القسم الثالث: العيوب المُشتركة بين الزوجين

ثم انتقل المؤلف للعيوب المشتركة بين الزوجين.

قال:

وقسمٌ مُشتركٌ، وهو الجنون ولو أحيانًا.

الجنون يُعتبر من عيوب النكاح، حتى إن كان أحيانًا، يعني: غير مُطْبِقٍ، ومن ذلك الصَّرع، فإذا كانت المرأة تُصْرَع، ولم يُخْبِر أهلُها الزوجَ بذلك، فهذا من عيوب النكاح، أو كان العكس: الرجل يُصْرَع، ولم يُخبر الزوجة بذلك، هذا من عيوب النكاح، ويثبت لها حقُّ الخيار بالفسخ.

طيب، المرض النَّفسي هل يُقاس على الجنون والصَّرع؟

نقول: المرض النفسي أنواعٌ، فإذا كان يسيرًا فلا يُعتبر من عيوب النكاح؛ كأن يكون وسواسًا.

مثلًا: إنسانٌ عنده وسواسٌ في الطهارة، أو في النية، أو نحو ذلك؛ فهذا لا يُعتبر من عيوب النكاح، لكن إذا كان المرض النفسي فاحشًا في الرجل أو في المرأة فيُعتبر من عيوب النكاح؛ لأن المرض النفسي يمنع من الاستمتاع فيُعتبر عيبًا، بل هو من أبرز العيوب.

فمن أبرز العيوب التي تكون في الإنسان: أن يكون مُصابًا بمرضٍ نفسيٍّ، لكن -كما ذكرنا- أن يكون المرض النفسي فاحشًا، أما الأمراض النَّفسية اليسيرة فهذه توجد في كثيرٍ من الناس، الأمراض اليسيرة، لكن لا بد أن يكون مرضًا فاحشًا.

الاكتئاب اليسير لا يمنع، ولا يُعتبر عيبًا، أما الاكتئاب الشديد فيُعتبر عيبًا، وعند التَّحقق من ذلك يُرجع لأهل الاختصاص.

والجُذَام.

الجُذَام: قروحٌ تُصيب البدن، وتُسمى بالآكلة، ويُعتبر من الأمراض المُعدية؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: فِرَّ من المَجْذُوم فِرَارك من الأسد [2].

والبَرَص.

البَرَص معروفٌ، بياضٌ يُصيب الجلد، ومثله: البُهَاق أيضًا، فهذا من عيوب النكاح.

وبَخَرُ الفَمِ.

بَخَر الفم يعني: نَتَن الفم وانبعاث الرائحة الكريهة منه، سواء من الرجل، أو من المرأة، يُعتبر عيبًا من عيوب النكاح.

والبَاسُور والنَّاصُور.

البَاسُور والنَّاصُور يكونان بالمقعدة، والفرق بينهما: أن الباسور يكون داخل المقعدة، والنَّاصور يكون خارج المقعدة، يكون بارزًا، والنَّاصور يخرج منه الصَّديد، وكلاهما من عيوب النكاح.

وعمران بن حُصَينٍ قال: كانت بي بواسير، فسألتُ النبيَّ عن الصلاة، فقال: صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبٍ [3].

وكانت معه بواسير، وكانت شديدةً عليه، وكان صابرًا عليها، وكانت الملائكة تُسلم عليه عند السَّحَر كلَّ ليلةٍ، وقد كتم ذلك، وبقي نحوًا من ثلاثين سنةً، فلما أخبر بعضَ الناس بأن الملائكة تُسلم عليه انقطع تسليم الملائكة عليه، ثم بعد ذلك قُبيل وفاته أصبحت الملائكة تُسلم عليه رضي الله عنه وأرضاه.

قال:

واستطلاق البول أو الغائط.

استطلاق البول يعني: أن يخرج البول أو الغائط بغير اختياره، وهو ما يُسمى بالنسبة للبول: السَّلَس، سَلَس البول، وكذلك الغائط؛ لأن هذا يمنع من كمال الاستمتاع، لكن ينبغي أن نُقيد ذلك بأن يكون فاحشًا، أما لو كان يسيرًا فهذا لا يُعتبر من عيوب النكاح؛ لأن بعض الناس قد يكون عنده أحيانًا سَلَسٌ يسيرٌ، تخرج منه قطراتٌ، فمثل هذا لا يمنع من كمال الاستمتاع، إنما إذا كان فاحشًا.

وكما ذكرنا: عندما يُشْكِل هذا يُرْجَع لأهل الاختصاص، للأطباء.

ونحن ذكرنا: أن الراجح عدم انحصار عيوب النكاح، أنها ليست محصورةً.

وعلى ذلك فكثيرٌ من العيوب التي ذكرها الفقهاء السابقون يمكن مُعالجتها في الوقت الحاضر، فما أمكن زواله طبيًّا عن طريق عمليةٍ ونحوها فلا يُعتبر عيبًا.

قال:

فَيُفْسَخ بكلِّ عيبٍ تقدَّم لا بغيره.

هذا بناء على مذهب الحنابلة، وهو: أن عيوب النكاح محصورةٌ، والراجح أنها غير محصورةٍ.

أمثلةٌ لعيوبٍ لا تُعتبر من عيوب النكاح

ثم ذكر المؤلف أمثلةً لعيوبٍ لا تُعتبر من عيوب النكاح.

قال:

كعَوَرٍ، وعَرَجٍ، وقَطْعِ يدٍ ورِجْلٍ، وعَمًى، وخَرَسٍ، وطَرَشٍ.

فهذه لا تُعتبر من عيوب النكاح؛ لأنها لا تمنع من كمال الاستمتاع.

فلو أن رجلًا تزوَّج امرأةً، ثم تبيَّن له أنها عمياء، فيرى المؤلف أن هذا ليس من عيوب النكاح، أو تبيَّن أنها خَرْسَاء، أو أنها طَرْشَاء لا تسمع، أو مقطوعة اليد أو الرِّجْل، ولكن هذا محل نظرٍ؛ إذ إن هذه قد تُعتبر عيبًا.

يعني: لو تزوج امرأةً، ثم تبين له أنها عَمْياء، ولم يُخْبَر بذلك، أليس هذا في عُرف الناس عيبًا؟

هذا يُعتبر عيبًا، كيف لا نعتبره عيبًا؟!

وهكذا لو كانت خَرْسَاء، أو طَرْشَاء، أو مقطوعة اليد أو الرِّجْل، فالأقرب -والله أعلم- أن هذه تُعتبر من عيوب النكاح، والرجال عادةً لا يَقْبَلون بهذه العيوب، فلا بد من إخبار الزوج بذلك، لكن العيوب اليسيرة التي لا تمنع من كمال الاستمتاع لا يجب إخبار الزوج بذلك.

وهناك أحيانًا عيوبٌ يسيرةٌ، وكلما تقدم لهذه الفتاة خَاطِبٌ قام أهلها وأخبروا الخاطب بأن فيها هذا العيب، فيتصور الخاطب أن هذا العيب كبيرٌ؛ فيتراجع، وتبقى هذه المرأة ضحيةً لسُوء تدبير أهلها، حتى ربما يفوتها قطار الزواج.

فالعيوب اليسيرة التي لا تمنع من كمال الاستمتاع ينبغي ألا يُخْبَر بها الخاطب، إنما التي يُخْبَر بها الخاطب العيوب الكبيرة التي تمنع من كمال الاستمتاع.

طالب: الاستمتاع ما المقصود به يا شيخ؟

الشيخ: نعم، يعني: استمتاع الزوج بزوجته، هذا هو المقصود، فلا تكون هذه العيوب مُنَفِّرةً.

حكم خيار الفسخ إذا زال العيب بعد العقد

ثم قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ:

ولا يَثْبُت الخيار في عيبٍ زال بعد العقد.

يعني: إذا زال العيب لا يَثْبُت به الخيار، حتى لو كان ذلك بعد العقد، كأن تكون المرأة -مثلًا- رَتْقَاء، ثم يزول رَتَقُها.

وكما ذكرنا أيضًا في بعض العيوب التي تُمكن إزالتها الآن بالعمليات الجراحية ونحو ذلك، فلا يَثْبُت الخيار حينئذٍ.

ولا لعالِمٍ به حالَ العقد.

إذا كان أحد الزوجين عالِمًا بالعيب حال العقد فلا يَثْبُت له الخيار.

والفَسْخُ على التَّراخي.

يعني: لا يُشترط أن يكون على الفور، بل هو على التَّراخي؛ لأنه حقٌّ ثبت لدفع ضَرَرٍ مُتحققٍ، فكان على التَّراخي كسائر الحقوق.

لا يَسْقُط في العُنَّة إلا بقولها: رضيتُ.

هنا المؤلف أفرد العُنَّة بالذكر؛ لأنها تختلف عن بقية العيوب من جهة العلم بعدم قُدرته على الوطء، فلا يسقط -يقول- في العُنَّة إلا بأن تقول: رضيتُ، وأما لو مَكَّنَتْه من نفسها فتمكينها من نفسها لا يدل على رضاها بهذا العيب، فربما أنها لا تدري، مَكَّنَتْه من نفسها وهي لا تدري أن عنده عُنَّةً.

فمراد المؤلف أن تمكين المرأة من نفسها لا يدل على رضاها بعيب العُنَّة، فلا بد لسقوط الخيار بهذا العيب أن تقول: رضيتُ بهذا الزواج مع وجود هذا العيب.

أو باعترافها بوطئه في قُبُلها.

يعني: إذا قالت: “رضيتُ” أولًا: سقط حقُّها في الخيار.

ثانيًا: إذا اعترفتْ بأنه قد وطأها في القُبُل فمعنى ذلك: أنه ليس بِعِنِّين، فيسقط حقُّها في الخيار.

ويسقط في غير العُنَّة بالقول وبما يدل على الرضا من وَطْءٍ أو تمكينٍ.

يعني: في بقية العيوب يسقط حقُّ المرأة في الخيار إما بأن تقول: رضيتُ، أو نحو ذلك، أو أنها يَصْدُر منها ما يدل على الرضا، أو أنها تُمَكِّن زوجها من نفسها، فتمكينها لزوجها من نفسها مع وجود العيب يَسْقُط به حقُّ الخيار.

كأن يكون الزوج -مثلًا- به أيُّ عيبٍ من العيوب، به -مثلًا- بَرَصٌ، به بُهَاقٌ، به أيُّ شيءٍ، ثم مَكَّنَتْهُ من نفسها ووطأها، فحينئذٍ يسقط حقُّها في الخيار، وإذا أرادتْ أن يبقى حقُّها في الخيار لا تُمَكِّنه من نفسها.

قال:

مع العلم.

يعني: مع علم صاحب الخيار بالعيب، وهذا يدل على أنه مع الجهل لا يسقط الحق في الخيار.

حكم وجود الحاكم في الفسخ في عيوب النكاح

ولا يصح الفسخ هنا وفي خيار الشرط بلا حاكمٍ.

مراد المؤلف: أن الفسخ في عيوب النكاح وفي خيار الشرط لا بد فيه من حكم حاكمٍ، أي من حكمٍ قضائيٍّ؛ وعللوا لذلك قالوا: لأنه فسخٌ يحتاج إلى اجتهادٍ، وهذا إنما يكون من تقدير الحاكم.

وذهب بعض العلماء إلى أنه عند النزاع لا يكون الفسخ إلا بحكم حاكمٍ، لكن عند الاتفاق بين الطرفين فلا يلزم أن يكون ذلك بحكم حاكمٍ.

وهذا هو القول الراجح، واختاره الإمام ابن تيمية رحمه الله؛ وذلك لأن اشتراط هذا الشرط لا دليل عليه.

وأما قولهم: إنه فسخٌ يحتاج إلى اجتهادٍ، فلا بد فيه من حكم الحاكم.

هذا عند النزاع، وعند الخلاف، أما عند الاتفاق فلا يحتاج إلى حكم حاكمٍ.

فإن قال قائلٌ: لماذا يُقال بالفسخ مع أنه بإمكان الزوج أن يُطَلِّق؟

نقول: أولًا: المرأة تستفيد من القول بأن لها حقَّ الخيار في الفسخ؛ لأنها تخرج من عِصْمَة الزوج ومن هذا النكاح بدون عِوَضٍ، فلا تحتاج إلى أن تبذل عِوَضًا، وإنما يُفْسَخ العقد مباشرةً، فلها فيه فائدةٌ.

هناك فَرْقٌ بين الطلاق والخُلع والفسخ، فالفسخ يكون بغير عِوَضٍ، فتستفيد المرأة من ذلك: أنه يكون بغير عِوَضٍ.

الرجل ماذا يستفيد؟

يستفيد الرجل أنه إذا قيل له: لك الخيار في الفسخ، أنه لا يُحْسَب عليه طَلْقَةً، فالفسخ لا يُعتبر طلاقًا، وأيضًا يثبت به المهر، وإذا كان أحدٌ قد غَرَّه فيرجع على مَن غَرَّه.

وأيضًا من الناحية النفسية: لا يظهر أمام الناس أنه مُطلِّقٌ؛ لأنه إذا قيل: هناك فرقٌ بين المُطلِّق وبين أنه قد فُسِخَ عقد النكاح.

يعني: يستفيد من ذلك -من قولنا: إن له حقَّ الخيار في الفسخ- كلٌّ من الرجل والمرأة.

حكم المهر إذا فُسِخَ النكاح قبل الدخول

قال:

فإن فُسِخَ قبل الدخول فلا مهر.

يعني: إن وقع الفسخ -فسخ النكاح- قبل الدخول فلا مهر لها، هذا هو المذهب عند الحنابلة؛ وعللوا لذلك قالوا: لأنه إذا كان الفسخ من المرأة لعيبٍ في الزوج فالفُرقة أتتْ من جهتها، وإن كان الفسخ من الزوج، فالزوج لن يفسخ إلا بسبب عيبٍ من المرأة.

والقول الثاني هو التَّفصيل: إذا كان الفسخ من المرأة لِعَيبٍ في الزوج فيكون لها نصف المهر؛ لأن الزوج هو الذي قد تسبَّب في الغشِّ والتَّدليس.

أما إذا كان الفسخ من المرأة نفسها -العيب في المرأة- والزوج هو الذي فسخ؛ فحينئذٍ لا يكون لها شيءٌ من المهر.

فيكون بهذا التَّفصيل؛ فإذا كان الفسخ مِن قِبَل -يعني: بسبب- عيبٍ في الزوج فلها نصف المهر، أما إذا كان الفسخ لعيبٍ في الزوجة فليس لها شيءٌ، وهذا هو القول الراجح.

أما قول الحنابلة: إنه إذا كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها مطلقًا، فهذا محل نظرٍ؛ لأنه إذا كان الفسخ بسبب عيبٍ في الزوج فهذا مثل الطلاق، والله تعالى يقول: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]، فالمرأة يكون لها نصف المهر، والباقي للزوج؛ لأن العيب فيه، وهو الذي قد غشَّهم، ولم يُبين العيب حتى اكتشفوه؛ إذن يكون للمرأة نصف المهر، لكن لو كان الفسخ بسبب عيبٍ في المرأة، وكان قبل الدخول، فالمهر يرجع للزوج كاملًا، ولا يكون للمرأة شيءٌ.

هذا هو القول الراجح في المسألة، فيكون الصواب خلاف ما ذكره المؤلف.

حكم المهر إذا فُسِخَ النكاح بعد الدخول أو الخلوة

قال:

وبعد الدخول أو الخلوة يستقر المهر.

يعني: إذا كان الفسخُ لعيبٍ من عيوب النكاح بعد الدخول أو بعد الخلوة فالمهر يستقر، ويرجع مَن غُرَّ على مَن غرَّه، يرجع على مَن غرَّه؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ، فإن مفهوم قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ أنه إذا وقع الطلاق بعد المَسِيس فإنه يستقر المهر.

طيب، المهر إذا قلنا: إنه بعد الدخول يستقر المهر، والمهر يكون للزوجة، فيُفترض أن الزوج اكتشف العيب في زوجته بعد شهرٍ -مثلًا- أو شهرين، وبعدما حصل الوطء، فطالب الزوجُ الزوجةَ أو وليَّها بإعادة المهر إليه، وقال: أنتم قد غششتُموني، أنا اكتشفتُ أن في المرأة عيبًا وهو كذا، فما الحكم؟

نقول: المهر للزوجة، لا يرجع المهر، المهر للزوجة؛ لأنه قد استقرَّ بالدخول.

طيب، الرجل ماذا نقول له؟

نقول: ارجع على مَن غَرَّك، الذي غَرَّك ارجع عليه، فإن كان الذي غَرَّك المرأة ارجع عليها، وإن كان الذي غَرَّك الوليّ ارجع عليه، وإن كان الذي غَرَّك الوسيط ارجع عليه، فيرجع الزوج على مَن غَرَّه.

ولهذا قال المؤلف.

ويرجع به على المُغِرِّ.

حكم المهر إذا لم يكتشف العيب إلا بعد الدخول

طيب، إذا كان الذي غَرَّه المرأة ووليّها، يعني: كلاهما يعلم العيب، وهذا هو الغالب: أن المرأة تعلم، والولي يعلم، وسكتا، ثم اكتشف الزوجُ العيبَ، لو اكتشف العيبَ قبل الدخول فالأمر سهلٌ؛ فإذا اكتشف قبل الدخول يفسخ العقد، وإن كان العيب -كما ذكرنا- في الرجل نصف المهر، والعيب في المرأة يُرجع له المهر كاملًا.

لكن إذا لم يكتشف العيب إلا بعد الدخول، بعد حصول الوطء، بعد شهرٍ -مثلًا- أو شهرين اكتشف العيب.

فنقول: المهر استقرَّ للمرأة، لكن يرجع الزوج على مَن غَرَّه، فإذا كان الذي غَرَّه المرأة ووليّها فما الحكم؟

  • قيل: إنه يكون بينهما مُناصفةً؛ المرأة تدفع نصف المهر، ووليّها يدفع نصف المهر.
  • والقول الثاني: أن المهر يكون على الوليّ؛ لأن الوليّ هو المُباشر للتَّغرير.
    وهذا هو الأقرب -والله أعلم-: أن المهر يكون على الوليّ، وأما هذه المرأة فقد استحقَّت المهر بما استحلَّ بهذا المهر من فرجها ووطئها، لكن الوليّ هو المُباشر للتَّغرير بهذا الرجل؛ لأن عقد النكاح يكون عن طريق الوليّ، فكان الواجب عليه أن يُخبر الزوج بالعيب.

إذن الخلاصة من هذا الكلام: أنه إذا اكتشف أحد الزوجين عيبًا من عيوب النكاح، فإن كان ذلك قبل الدخول فعلى المذهب: أن المهر يرجع كاملًا للزوج، والقول الراجح: أنه إذا كان لعيبٍ في الزوج فليس له إلا نصف المهر، وإذا كان لعيبٍ في الزوجة فيرجع له المهر كاملًا.

وإن لم يكتشف العيب إلا بعد الدخول وبعد الوطء؛ فالمهر يستقر للمرأة، والزوج يرجع على مَن غَرَّه، يرجع الزوج على مَن غَرَّه، فإن كان الذي غَرَّه المرأة يرجع عليها، وإن كان الذي غَرَّه الولي يرجع عليه، وإن كان الولي والمرأة جميعًا مُشتركين فمحلُّ خلافٍ، والأقرب أنه يرجع على الوليّ؛ لأنه مُباشرٌ للتَّغرير.

هذه ضوابط في هذا الباب.

طالب: ……

الشيخ: سُوء الخُلُق لا يُعتبر من العيوب؛ لأنه كما قال عليه الصلاة والسلام: إن المرأة خُلِقَتْ من ضِلَعٍ، وإن أعوج شيءٍ في الضِّلَع أعلاه [4]، فسُوء الخُلُق يُلازم كثيرًا من النساء، فلا يُعتبر عيبًا؛ لأنه ليس بأمرٍ ظاهرٍ، ولأنه يمكن أيضًا التَّغلب عليه، يُمكن للمرأة أن تتغلب على سُوء خُلُقها بأن تتعاطى حُسْن الخُلُق، وتتكلف حُسْن الخُلُق حتى يذهب عنها سُوء الخُلُق، أو العكس أيضًا بالنسبة للزوج كذلك؛ فلهذا لم يعدّه الفقهاء من عيوب النكاح، ما لم يكن مرضًا نفسيًّا.

لاحظ: أحيانًا قد يكون سُوء الخُلُق بسبب مرضٍ نفسيٍّ، هنا يُعتبر من عيوب النكاح، لكن إذا لم يكن مريضًا نفسيًّا، لكنه سَيِّئ الخُلُق -الزوج أو الزوجة- فلا يُعتبر عيبًا من عيوب النكاح، ونقول للطرف الآخر: أنت قد ابتُلِيتَ بهذا الإنسان، قد ابتُلِيتَ به.

طالب: ……

الشيخ: يقول: شُرب الدخان هل يُعتبر عيبًا؟

نعم.

طالب: ……

الشيخ: نعم.

طالب: ……

الشيخ: لكن بإمكانها أن تُزيله، تتوقف عن شُرب الدخان وينتهي.

طالب: ……

الشيخ: على كل حالٍ، إذا كان لا يمكن -للزوج أو الزوجة- التَّوقف عن شُرب الدخان، وإنما سيكون مُستمرًّا معه، مُدْمِنًا عليه، فالظاهر أنه يُعتبر عيبًا، أما إذا أمكن التَّغلب على هذا فلا يُعتبر عيبًا.

طالب: ……

الشيخ: يمكن التَّغلب بأي طريقةٍ، ولا يُعتبر عيبًا.

طالب: ……

الشيخ: المُنَفِّر من كمال الاستمتاع، لكن لو كان يسيرًا -مثلًا في إصبعٍ أو في يدٍ أو رِجْلٍ- لا يُعتبر عيبًا.

قال:

وإن حصلت الفُرْقَة من غير فسخٍ بموتٍ أو طلاقٍ فلا رجوع.

يعني: لا يرجع الزوج على مَن غَرَّه؛ لأنه قد حصل ذلك بموتٍ أو طلاقٍ، وإنما يرجع على مَن غَرَّه إذا كان فيه فسخٌ، أما إذا كان بموتٍ أو طلاقٍ فلا رجوع، كما هو ظاهرٌ.

وليس لوليِّ صغيرٍ أو مجنونٍ أو رقيقٍ تزويجه بمَعِيبٍ؛ لأن في هذا إضرارًا به.

والوليُّ مأمورٌ بأن يتعامل مع هذا الولي بما هو الأصلح والأحظّ.

فلو فعل لم يصحّ إن علم.

يعني: زوَّج واحدًا من هؤلاء بمَعِيبٍ، وهو يعلم بذلك؛ لم يصحّ العقد، كما لو باع عقارًا له في غير مصلحةٍ، فإن هذا البيع غير صحيحٍ، فكذلك هنا.

وإلا صحَّ ولزمه الفسخ إذا علم.

يعني: إن لم يعلم الوليُّ بالعيب صحَّ العقد، ويلزمه الفسخُ إذا عَلِمَ والرجوعُ بالمهر.

باب نكاح الكفار

ثم قال المؤلف رحمه الله:

باب نكاح الكفار.

هذا الباب يُفرده الفقهاء بالذكر لأهميته، ولوجود مسائل كثيرةٍ في هذا الباب؛ ولذلك أفردوه بالذكر، أفردوه ببابٍ مُستقلٍّ.

حكم أنكحة الكفار

قال:

يُقَرُّون على أنكحةٍ مُحرمةٍ ما داموا مُعتقدين حِلَّها ولم يرتفعوا إلينا.

الأصل هو إقرار أنكحة الكفار على ما كانت عليه ما داموا يعتقدون صحَّتها؛ ولهذا قال الله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ [التحريم:11]، مع أن فرعون أكبر طاغيةٍ في التاريخ، ومع ذلك أثبت الله تعالى أنها امرأته، يعني: من أَكْفَرِ البشر، وأَثْبَتَ اللهُ أن هذه المرأة المُؤمنة امرأتُه.

وأيضًا قال الله تعالى عن أبي لهبٍ: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [المسد:4]، فأثبت نكاح أبي لهبٍ لأم لهبٍ مع أنه نكاح كفارٍ.

فالأصل إقرار أنكحة الكفار على ما هي عليه ما لم يترافعوا إلينا؛ ولهذا لم يثبت عن النبي أنه أنكر نكاح مَن جاءه مسلمًا من الكفار أو أمرهم بالتَّجديد.

قال:

فإن أتونا قبل عقده عقدناه على حُكْمِنا.

لقول الله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة:42].

يعني: لو جاء الكفار إلى المسلمين يعقد لهم المسلمون على عقد النكاح في الإسلام بإيجابٍ وقبولٍ ووليٍّ وشاهدين.

حكم النكاح إذا أسلم الزوجان أو أحدهما

وإن أسلم الزوجان معًا أو أسلم زوجُ الكتابية فهما على نكاحهما.

وهذا بالإجماع؛ لأنهما مسلمان، وإن أسلم زوجُ الكتابية فلأن المسلم يجوز له أن يتزوج بكتابيةٍ.

المقصود بالكتابية يعني: اليهودية أو النَّصرانية.

وإن أسلمت الكتابية تحت زوجها الكافر، أو أسلم أحد الزوجين غير الكِتَابِيَّين، وكان قبل الدخول؛ انفسخ النكاح.

أسلمت الكتابية تحت زوجٍ كافرٍ، فإنه لا يجوز أن تبقى في عِصْمَته؛ لقول الله تعالى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10].

وهكذا لو أسلم أحد الزوجين غير الكِتَابِيَّين فإنه لا يجوز لأيٍّ من الزوجين أن يبقى مع الآخر: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10].

حكم المهر إذا أسلم الزوج وبقيت الزوجة

ولها نصف المهر إن أسلم فقط.

إن أسلم فقط، وهي لا تزال غير مسلمةٍ، وليست كتابيةً، فيكون لها نصف المهر، لماذا؟

لأن الفُرقة جاءت بسببه؛ بإسلامه، فيكون لها نصف المهر كالطلاق.

أو سبقها.

يعني: سبقها بالإسلام؛ لأن الفُرقة جاءتْ من قِبَله.

والضابط في هذا: أن الفُرْقَة إذا جاءتْ مِن قِبَل الرجل فإن المرأة يكون لها نصف المهر.

وإن كان بعد الدخول وُقِفَ الأمر إلى انقضاء العِدَّة.

يعني: إن أسلم أحد الزوجين بعد الدخول فهنا ننتظر حتى تنقضي العِدَّة، فإن أسلم المُتَخَلِّف منهما قبل انقضائها فنكاحهما مُستمرٌّ.

يعني: هذه -مثلًا- امرأةٌ بوذيةٌ أو هندوسيةٌ أسلمتْ، وزوجها لم يُسلم بَعْدُ، فننتظر حتى تنقضي عِدَّتها: إن أسلم زوجها فالنكاح مُستمرٌّ، وإن لم يُسلم زوجها، وانقضت العِدَّة، فهنا يُفْسَخ عقد النكاح؛ لأنه لا يحلّ أن تبقى المرأة المسلمة تحت زوجٍ كافرٍ.

فإن أسلم المُتَخَلِّف قبل انقضائها فعلى نكاحهما.

إذا أسلما قبل انقضاء العِدَّة فعلى نكاحهما، يعني: يستمر النكاح.

وإلا تَبَيَّنا فسخه منذ أسلم الأول، ويجب المهر بكل حالٍ.

يعني: إن انقضت العِدَّة ولم يُسلم، فهنا ينفسخ عقد النكاح، ويجب المهر على التَّفصيل السابق؛ لأنه قد استقرَّ قبل الدخول.

حكم النكاح إذا تأخَّر إسلام الزوج

طيب، لو أسلمت الزوجة أولًا، ثم تأخَّر إسلام زوجها، فإذا كان في العِدَّة فالأمر واضحٌ: يبقيان على النكاح، لكن لو انقضت عِدَّة المرأة، ثم أسلم الزوج بعد انقضاء عِدَّتها، فهل ترجع إليه بالعقد الأول، أو يلزم تجديد العقد؟

عند الجمهور: أنه يلزم تجديد العقد، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، فلا بد من تجديد العقد؛ لأن العِدَّة انقضتْ وهو لم يُسْلِم، إنما أسلم بعد انقضاء العِدَّة.

لكن يُشْكِل على هذا قصةُ زينب رضي الله عنها بنت النبي ، فإن زوجها أبا العاص بن الربيع أسلم بعد ستِّ سنين، وأرجعها النبي له بالنكاح الأول، ولم يُحْدِث نكاحًا [5].

طبعًا هي بنت النبي عليه الصلاة والسلام، مسلمةٌ، لكن زوجها لم يكن مسلمًا، كان هو زوجها قبل البعثة، ولم يكن مسلمًا، وأُسِرَ في غزوة بدرٍ، ومَنَّ عليه النبي عليه الصلاة والسلام لأجل زينب رضي الله عنها، لكنه تأخَّر إسلامه، ولم يُسلم إلا بعد ستِّ سنين، يعني: بعد انقضاء العِدَّة.

الإشكال هنا: أن النبي عليه الصلاة والسلام ردَّ ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول، ولم يُجَدِّد عقد النكاح، مع أنه أسلم بعد انقضاء العِدَّة.

وهذا الحديث بهذا اللفظ -حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما- سنده صحيحٌ، قال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ.

لكن جاء في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن النبي ردَّ ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بمهرٍ جديدٍ ونكاحٍ جديدٍ [6]، لكن هذا الحديث ضعيفٌ.

ولهذا نقل ابن القيم عن الإمام أحمد قال: هذا حديثٌ ضعيفٌ، والصحيح: أنه أقرَّهما على النكاح الأول.

والدارقطني أيضًا قال: هذا حديثٌ لا يثبت، والصواب حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي ردَّها بالنكاح الأول.

ونقل الترمذي عن البخاري قال: سألتُ محمد بن إسماعيل -يعني: البخاري- عن هذا الحديث، فقال: حديث ابن عباسٍ هو أصحُّ من حديث عمرو بن شعيب.

فمن ناحية الصنعة الحديثية: حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أصحُّ في أن النبي عليه الصلاة والسلام ردَّ ابنته زينب رضي الله عنها على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول، ولم يُجدد عقد النكاح.

وهذا مُشْكِلٌ على قول الجمهور؛ لأن الجمهور يشترطون تجديد عقد النكاح.

وابن القيم رحمه الله تكلم عن هذه المسألة، وذكر فيها تسعة مسالك للعلماء في توجيه حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، وقال: “فليس القول في الحديث إلا أحد قولين: إما قول إبراهيم النَّخَعي -وهو الأخذ بظاهر الحديث- وإما قول مَن يقول: إن التَّحريم لم يكن ثابتًا إلى نزول آية الممتحنة”.

يعني: كأنه يقول: إن قصة أبي العاص بن الربيع كانت قبل نزول آية الممتحنة.

لكن هذا المسلك مرجوحٌ؛ لأن أبا العاص بن الربيع أسلم مُتأخرًا، أسلم في زمن الهُدنة في السنة السابعة.

وحينئذٍ يبقى القول الذي لا يَرِد عليه أيُّ إشكالٍ هو قول إبراهيم النَّخعي، وهو الأخذ بظاهر الحديث.

يعني: أن المرأة تُرَدّ على زوجها بالعقد الأول من غير تجديدٍ لعقد النكاح؛ لأن هذا هو ظاهر فعل النبي عليه الصلاة والسلام مع بنته زينب رضي الله عنها: ردَّها على أبي العاص بن الربيع بالعقد الأول.

لكن اعترض على ذلك مَن اعترض من العلماء، قال: إن هذا خلاف الإجماع؛ لأن العلماء أجمعوا على أنه لا بد من تجديد عقد النكاح ما دام أنها قد انقضتْ عِدَّتها، والمذاهب الأربعة على أنه لا بد من تجديد عقد النكاح.

فابن القيم رحمه الله أجاب عن هذا وقال: “أما ردُّه بكونه خلاف الإجماع ففاسدٌ؛ إذ ليس في المسألة إجماعٌ، والخلاف فيها أشهر، والحُجَّة تَفْصِل بين الناس”.

يعني: دعوى الإجماع لا يُسلَّم بها، وكثيرٌ من المسائل يُقال: إنها إجماعٌ، وعند التَّحقيق تجد أنها غير إجماعٍ، بل إن ابن القيم ذكر سبع عشرة مسألةً حُكِيَ فيها الإجماع، وحُكِيَ الإجماع على خلافها.

لذلك طالب العلم ينبغي أن يكون مُحَقِّقًا، فإذا وردتْ كلمة “إجماع” يتثبَّت: هل فعلًا هناك إجماعٌ؟

فابن القيم ناقش قضية الإجماع وقال: إن المسألة ليس فيها إجماعٌ، وإن حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما حديثٌ صحيحٌ من جهة الصناعة الحديثية، ولا مطعن في إسناده.

فعلى ذلك لا يسعنا إلا الأخذ بقول إبراهيم النَّخعي، فهو الأقرب -والله أعلم- ويُؤيد ذلك الرواية الأخرى عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “وكان إذا هاجرت امرأةٌ من أهل الحرب لم تُخْطَب حتى تحيض وتطهر”، قال: “فإذا طهرتْ حلَّ لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تُنْكَح رُدَّتْ إليه” [7].

فمن حيث الدليل الأقرب -والله أعلم- أن المرأة تُرَدّ لزوجها بالنكاح الأول من غير تجديدٍ لعقد النكاح؛ لأن هذا هو الذي فعله النبي مع أبي العاص بن الربيع، حيث ردَّ ابنته زينب رضي الله عنها إليه بالنكاح الأول، ولم يُجدد عقد النكاح، وهذا هو اختيار ابن تيمية وابن القيم وجمعٍ من المُحققين من أهل العلم، لكن مع ذلك يبقى قول الجمهور أحوط، خاصةً أنه قول الأكثر، وهو الذي عليه المذاهب الأربعة.

وتجديد النكاح لا يُكلِّف الإنسانَ شيئًا، مجرد أن يقول الولي: زوَّجتُك. ويقول: قبلتُ. ويكون بحضور شاهدين، فيكون في هذا احتياطٌ للنكاح.

والأصل في الأبضاع التَّحريم، لكن من حيث التَّحقيق الذي يظهر هو قول إبراهيم النخعي، وهو: أن المرأة ترجع لهذا الزوج بعد انقضاء العِدّة بالنكاح الأول، وأنه لا يستلزم تجديد عقد النكاح؛ لأن هذا هو ظاهر ما فعله النبي مع أبي العاص بن الربيع، فهذا من جهة التَّحقيق.

لاحظ هنا: أن هذه المسألة المرجع فيها للصناعة الحديثية، وهذا يُبين أهمية عناية طالب العلم بالحديث، فكل المسألة تدور على: ما الذي ثبت من الرواية؟

الآن ثبت عندنا حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، وهو أصحّ من حديث عمرو بن شُعيب، وحديث ابن عباسٍ صريحٌ في أن النبي عليه الصلاة والسلام ردَّ ابنته بالنكاح الأول، فلا يسعنا إلا الأخذ بقول إبراهيم النَّخعي، لكن مع ذلك نقول: إن قول الجمهور أحوط، أما من حيث التَّرجيح فقول إبراهيم النخعي أرجح، وهو الذي اختاره جمعٌ من المُحققين من أهل العلم.

فهذا هو تحقيق الكلام في هذه المسألة، هذه خلاصة الكلام فيها، فعندما تقرأ خاصةً في كتب الفقه يذكرون أنه لا بد من تجديد عقد النكاح، لكن في كتب الحديث -خاصةً كتب أحاديث الأحكام- تجد فيها كلامًا كثيرًا ورواياتٍ وتشعبًا.

فهذا هو خلاصة الكلام في هذه المسألة.

طالب: …..

الشيخ: نعم، طبعًا هذا مشروطٌ بأنها لم تتزوج، أما لو تزوجتْ فهذا ظاهرٌ في أنها لا يمكن أن تُرَدَّ لزوجها الأول.

حكم الكافر إذا أسلم وتحته أكثر من أربعٍ

طيب، ثم قال المصنف رحمه الله:

وإن أسلم الكافر وتحته أكثر من أربعٍ، فَأَسْلَمْنَ أو لا، وكُنَّ كتابياتٍ؛ اختار منهن أربعًا.

إذا أسلم الكافر وعنده أكثر من أربع نسوةٍ، ودخلن معه في الإسلام أو لم يدخلن، لكن كُنَّ كتابياتٍ -باعتبار أن المسلم يجوز له أن يتزوج كتابيةً- فيختار أربع نساء، ويُفارق سائرهن؛ وذلك لحديث غَيْلَان: أنه لما أسلم وله عشر نسوةٍ في الجاهلية، وأَسْلَمْنَ معه، أمره النبي أن يتخير منهن أربعًا [8].

والمسألة محل إجماعٍ.

قال:

إن كان مُكلَّفًا، وإلا فحتى يُكلَّف.

يعني: إن كان مُكلَّفًا اختار منهن بنفسه، أما إن كان غير مُكلَّفٍ فيقول المؤلف: إنه ينتظر حتى يُكلَّف.

وهذه مسألةٌ افتراضيةٌ؛ فكيف يكون زوجٌ غيرَ مُكلَّفٍ وعنده أكثر من أربع زوجاتٍ؟!

لكن الفقهاء أحيانًا يفترضون بعض المسائل من باب تمرين الذهن، حتى إذا وقعتْ يكون طالب العلم على درايةٍ بها.

قال:

فإن لم يَخْتَر أُجْبِرَ بحبسٍ ثم تعزيرٍ.

يعني: عند هذا الرجل -مثلًا- ثماني نساء، قيل: اخْتَرْ أربعًا. ورفض، فَيُجْبَر على اختيارٍ ولو بالحبس أو التَّعزير بما يراه الحاكم.

وعليه نفقتهن إلى أن يختار.

النَّفقة في هذه المدة تكون واجبةً عليه حتى يختار أربعًا.

ويكفي في الاختيار: أمسكتُ هؤلاء، وتركتُ هؤلاء.

يعني: بأية صيغةٍ، كأن يقول: أمسكتُ هؤلاء النسوة، وتركتُ هؤلاء النسوة. ونحو ذلك أيضًا.

ويحصل الاختيار بالوطء.

فالوطء يدل على الاختيار دلالةً فعليةً.

فإنْ وطئ الكلَّ تعيَّن الأول.

عنده ثماني نسوة، ووطأهنَّ جميعًا، فيتعين الأربع الأُوَل هن الزوجات، وغيرهن يتركهن.

ويحصل بالطلاق، فمَن طلَّقها فهي مُختارةٌ.

يعني: يحصل الاختيار بالطلاق، فمَن طَلَّق من هؤلاء النسوة يُعتبر مُختارًا لتركها، ومَن لم يُطلقها مُختارًا لإمساكها.

حكم النكاح إذا أسلم الحرُّ وتحته إماء فَأَسْلَمْنَ في العِدّة

وإن أسلم الحرُّ وتحته إماء فَأَسْلَمْنَ في العِدَّة اختار ما يُعِفه.

إن أسلم الحرُّ وتحته زوجاتٌ إماء ولَسْنَ مِلْكَ يمينٍ -انتبه- وإنما زوجاتٌ، يعني: هذا رجلٌ متزوجٌ إماء، ثم أسلم وأَسْلَمْنَ معه، وهُنَّ أكثر من أربعٍ.

طبعًا المسألة نادرة الوقوع، والآن غير موجودةٍ.

فيقول المؤلف: اختار منهن ما يُعفه إن جاز له نكاحهن وقت اجتماع إسلامه بإسلامهنَّ.

متى يجوز للحرِّ أن يتزوج الأَمَة؟

هذا يقودنا إلى مسألةٍ سبق أن مرَّتْ معنا: متى يجوز للحرِّ أن يتزوج الأَمَة؟

نعم: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء:25] يعني: أولًا: أن يكون عاجزًا عن طَوْلِ أو مهر الحُرَّة: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ [النساء:25] يعني: الحرائر، ثم قال في آخر الآية: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ [النساء:25]، فيُشترط شرطان لزواج الحرِّ بالأَمَة.

لاحظ: ليس مِلْكَ يمينٍ، زواجٌ.

  • الشرط الأول: أنه لا يستطيع مهر الحُرَّة.
  • الشرط الثاني: يخشى على نفسه الزنا.

أما إذا لم يتحقق هذان الشرطان فلا يجوز للحُرِّ أن يتزوج بالأَمَة؛ ولهذا قال المؤلف:

إن جاز له نكاحهن وقت اجتماع إسلامه بإسلامهن، وإن لم يَجُزْ له فسد نكاحهنَّ.

يعني: إن لم تتحقق فيه الشروط، ولم يَجُزْ له نكاحُ الإماء وقت اجتماع إسلامه بإسلامهنَّ؛ فسد نكاحهنَّ جميعًا.

حكم النكاح إذا ارتدَّ الزوجان أو أحدهما

وإن ارتدَّ أحد الزوجين أو هما معًا قبل الدخول انفسخ النكاح.

ارتدَّ أحد الزوجين، أو ارتدَّ الزوجان جميعًا قبل الدخول؛ فينفسخ النكاح فورًا.

مثال ذلك: رجلٌ عَقَدَ على امرأةٍ ولم يدخل بها، ثم إنه وقعتْ منه رِدَّةٌ -نسأل الله السلامة- مثلًا: سَبَّ الله، أو سَبَّ النبي عليه الصلاة والسلام، أو وقع في أي سببٍ من أسباب الردة؛ فينفسخ عقد هذه المرأة مباشرةً.

طيب، إذا انفسخ ما الحكم؟

يكون لها نصف المهر، أو كان الأمر بالعكس: المرأة هي التي وقعتْ منها الردة؛ فينفسخ عقد النكاح.

هنا قال المؤلف:

ولها نصف المهر إن سبقها.

إن كانت الردَّة من الزوج يكون للمرأة نصف المهر؛ لأن الفُرقة جاءتْ من قِبَله، أما إذا كانت هي التي ارتدتْ أو هي السابقة بالردة فلا مهر لها، ويرجع إذا كان أعطاها مهرًا، يرجع المهر كاملًا للزوج.

وهذه مسألةٌ قد تقع: أن رجلًا يعقد على امرأةٍ، ثم تقع منه ردَّةٌ بأن يقع -مثلًا- في سَبِّ الله، أو سَبِّ النبي عليه الصلاة والسلام، أو نحو ذلك، فينفسخ عقد النكاح.

وبعد الدخول تقف الفُرقة على انقضاء العِدَّة.

يعني: إذا كانت الردَّة وقعتْ بعد الدخول فيُنتظر حتى تنقضي العِدَّة، فإن انقضت العِدَّة ولا يزال على ردَّته ولم يَتُبْ إلى الله ​​​​​​​؛ فتحصل الفُرقة بينهما.

يعني: هذه أبرز المسائل المتعلقة بهذا الباب.

كتاب الصَّداق

ثم قال المؤلف رحمه الله:

كتاب الصَّداق.

والصَّداق هو المهر، وهو العِوَض الواجب للمرأة بعقدِ نكاحٍ وما أُلْحِقَ به.

وقولنا: “وما أُلْحِقَ به” يُراد بذلك وطء الشُّبهة -مثلًا- فلو أن رجلًا وطئ امرأةً بشبهةٍ -برضاعٍ أو نحو ذلك- فيكون لها الصداق.

وسُمِّي “صداقًا” لأن بَذْلَه يدل على صِدْق طلب الزوج لهذه المرأة.

أسماء الصَّداق

له عدة أسماء، بعضها مذكورٌ في القرآن، يُسمى “الصداق”، ويُسمى “المهر”، ويُسمى “الأجر”، ويُسمى “النِّحْلَة”، و”الفريضة”، و”العلائق”، و”العقر”، و”الحِبَى”، كلها أسماء له، والله تعالى يقول: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] يعني: مهورهنَّ.

وفي قصة عبدالرحمن بن عوف لما قَدِمَ المدينة آخى النبي بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري ، وكان من حكمة النبي عليه الصلاة والسلام: أن المُهاجرين لمَّا قدموا من مكة للمدينة تركوا ديارهم وأموالهم، وليس معهم شيءٌ، فآخى النبي عليه الصلاة والسلام بين كل مُهاجري وأنصاري، وكان كأخيه الشَّقيق تمامًا؛ يرثه في أول الإسلام، ثم نُسِخَ ذلك بقول الله تعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75].

فكان ممن آخى بينهم النبي عليه الصلاة والسلام: عبدالرحمن بن عوف وسعد بن الربيع رضي الله عنهما، فجاء سعد بن الربيع وقال لعبدالرحمن: قد علمتِ الأنصارُ أني من أكثرها مالًا، فمالي بيني وبينك نصفين.

يعني: سأُعطيك نصف ثروتي، نصف مالي.

ولي زوجتان، انظر إلى أيّتهما تريد أخبرني أُطلقها، فتعتدّ، فتتزوجها.

انظر إلى هذه الأخلاق العظيمة؛ يتنازل عن نصف ماله ليس مُجاملةً، يقول وهو صادقٌ.

ويقول أيضًا: أُطلق إحدى زوجتي فتتزوج أنت بها.

انظر: ماذا كان موقف عبدالرحمن؟

انظر إلى عزة النفس أيضًا: قال عبدالرحمن: بارك الله لك في مالك وأهلك، ولكن دلوني على السوق.

فَدَلُّوه على السوق، فما رجع من السوق إلا ومعه فضلٌ من أَقِطٍ وسَمْنٍ.

ربما أنه اقترض ثم ربح، سبحان الله! ثم بدأ يتردد على السوق إلى أن أصبح من أثرياء الصحابة، معدودٌ هو من أثرياء الصحابة .

ولما اغتنى وتزوج قدم على النبي عليه الصلاة والسلام وعليه أثر صُفْرَةٍ، فقال له النبي : مَهْيَم؟ يعني: أثر طيبٍ، يعني: تطيَّب الرجل ولبس الملابس الحسنة، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: مَهْيَم؟ قال: تزوجتُ امرأةً من الأنصار. قال: كم أصدقتها؟ يعني: كم المهر؟ قال: نواة من ذهبٍ. قال: أَوْلِمْ ولو بشاةٍ [9].

والشاهد قوله: كم أصدقتها؟ فهذا هو الأصل -يعني- للصداق من السُّنة، وأجمع العلماء على مشروعيته.

والصَّداق يبذله الزوج للمرأة، وأما ما يوجد في بعض البلدان من أن المرأة هي التي تبذل المهر للزوج، فهذا خلاف الشرع، وخلاف الفطرة.

فالمهر يبذله الزوج للزوجة وليس العكس؛ لأن الزوج هو الطالب للمرأة، والمرأة مطلوبةٌ.

ففي بعض البلدان الذي يبذل المهرَ الزوجةُ، وهذا خلاف العقل، خلاف الشرع وخلاف العقل أيضًا وخلاف الفطرة.

طيب، الصَّداق مقابل ماذا؟ هل هو عِوَضٌ عن استمتاع الرجل بزوجته أو مجرد هبةٍ وهديةٍ من الزوج لزوجته؟

الجواب: أن المهر عِوَضٌ عن استمتاع الرجل بزوجته؛ ولهذا سمَّاه الله تعالى: أجرًا، قال: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء:24] يعني: الأجور مقابل الاستمتاع، وقال: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24]، وإن كانت المرأة تشترك مع الرجل في الاستمتاع، لكن استمتاع الرجل أكثر؛ فلذلك كان هو المطالب بالمهر.

وأيضًا جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في قصة المُتلاعنين، لمَّا قال الرجل: مالي. قال: لا مال لك، إن كنتَ صَدَقْتَ عليها يعني: أمهرتها فهو بما استحللتَ من فرجها يعني: مقابل استمتاعك بها، فأنت استمتعتَ بها، فهذا المهر مقابل هذا الاستمتاع، قال: لا مال لك، إن كنتَ صَدَقْتَ عليها فهو بما استحللتَ من فرجها، وإن كنت كذبتَ عليها فذاك أبعدُ لك [10].

فالشاهد قوله: بما استحللتَ من فرجها.

إذن نخلص من هذا إلى أن المهر مقابل الاستمتاع بالزوجة، والسُّنة تخفيفه وعدم المُغالاة فيه؛ ولهذا خطب عمر الناسَ يومًا وقال: ما إكثاركم في صداق النساء؟! وقد كان رسول الله وأصحابه إنما الصدقات فيما بينهم أربعمئة درهم.

ثم ألزم عمر الناس قال: لا أعرفنَّ رجلًا زاد في صداق امرأةٍ على أربعمئة درهم.

فلما نزل من المنبر اعترضته امرأةٌ وقالت: يا أمير المؤمنين، كيف تقول هذا والله تعالى يقول: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [النساء:20]؟! والقنطار هو المال الكثير، فقال عمر مقولته العظيمة: اللهم غفرًا، كل الناس أفقه من عمر.

ثم رجع مباشرةً وصعد المنبر وقال: أيها الناس، كنتُ نهيتُكم عن أن تزيدوا النساء في صَدُقَاتهنَّ على أربعمئة درهم، فمَن أحبَّ أن يُعطي من ماله ما أحبَّ [11].

فانظر إلى عمر يعلن رأيه على المنبر ويُلزم الناسَ به، وتعترض عليه امرأةٌ فيتراجع عن رأيه ويعلن تراجعه عن رأيه في نفس الوقت؛ لأنه رجلٌ يريد الله ​​​​​​​ والدار الآخرة، لا يضره أن يُقال: عمر تراجع، لمَّا تبين له الحق، وقال: كل الناس أفقه من عمر. وهذا يدل على عظيم تواضعه، وعلى تجرُّده وطلبه للحق.

فهذا الموقف موقفٌ عظيمٌ: أمير المؤمنين تعترضه امرأةٌ وتُذكِّره بآيةٍ كان قد ذَهِلَ عنها، فيرجع ويُغير رأيه، ويعلن عن تغيير رأيه على المنبر في نفس الوقت ويقول: كل الناس أفقه من عمر.

ما هذه الأخلاق العظيمة؟!

رضي الله تعالى عن عمر وأرضاه.

إذن السنة تخفيف المهر، ويُكْرَه للرجل أن يُصْدِق المرأة صداقًا يُلْحِق الضَّررَ به إن نَقَدَه، ويعجز عن وفائه إن كان دَيْنًا؛ ولهذا لما أتى النبيَّ رجلٌ وقال: على كم تزوَّجتَ؟ قال: على أربع أواقٍ. قال: كأنما تَنْحِتون الفضة من عُرْض هذا الجبل، ما عندنا ما نُعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بَعْثٍ تُصيب منه [12].

فأنكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام: رجلٌ ما عنده شيءٌ ويتزوج على أربع أواقٍ!

فهذا يدل على أن الإنسان إذا كانت أحواله ليست ميسورةً ينبغي ألا يكون المهر كثيرًا، وإنما يكون مُناسبًا لحالته المادية.

هل يُشْرَع تحديد المهور؟

طيب، هل يُشْرَع تحديد المهور؟

يُحدِّد الناسُ مهرًا، يُقال: المهر -مثلًا- خمسون ألفًا، أربعون ألفًا.

الجواب: لا يُشْرَع، يُترك الناس؛ ولهذا لما أراد عمر أن يُحدِّد المهرَ ذكَّرته المرأةُ بالآية: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فتراجع عمر .

والغنيُّ يُعطي مهرًا كثيرًا، والفقير يُعطي بحسب حاله، فلا تُحدَّد المهور برقمٍ معينٍ؛ لأن هذا هو ظاهر الأدلة: أنها لا تُحدد المهور، لكن تكون هناك توعيةٌ للناس بعدم المُغالاة في المهور.

حكم الاستدانة من أجل المهر

طيب، الذي لا يستطيع المهر هل يُستحب له أن يستدين لأجل أن يتزوج؟

الله تعالى يقول: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، فالذي لا يجد ينتظر ويصبر حتى يستطيع؛ ولهذا فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يأمر الرجل الذي لم يجد مهرًا أن يستدين، قال: التمس ولو خاتَمًا من حديدٍ [13].

فالشاب الذي لا يستطيع المهر يصبر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومَن لم يستطع ما قال: فَلْيَسْتَدِنْ، فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء [14].

أما كون الإنسان يذهب ويستدين ويُلْحِق ذمَّتَه بالديون الكثيرة لأجل أن يتزوج، فهذا خلاف الأفضل، الأفضل أن يصبر حتى يكون قادرًا على الزواج، ثم يتزوج: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، بل إن بعض الناس تجد أنه يستدين لأجل أن يتزوج، ثم يذهب ويطلب الزكاة، هذا خلاف الأفضل وخلاف السنة، فإذا كان غير قادرٍ على المهر يصبر حتى ييسر الله تعالى له المهر.

طالب: أحيانًا يكون ….. يُعدد أكثر من زوجةٍ؟

الشيخ: كذلك هذا من باب أولى، التَّعدد من باب أولى أنه يصبر حتى يكون قادرًا.

طالب: …..

الشيخ: نعم، يرجع للغني والفقير، كلٌّ بحسب حاله، يعني: مهر الغني ليس مثل مهر الفقير.

حكم تسمية المهر أثناء العقد

طيب، قال:

تُسَنُّ تسميته في العقد.

يعني: تُسن تسمية المهر أثناء عقد النكاح.

والمقصود بعقد النكاح -انتبه لهذه النقطة- ليس المقصود به كتابة عقد النكاح، وإنما المقصود به الإيجاب والقبول، يعني: عندما يقول الولي: “زوَّجتُك ابنتي فلانة” يُسمي المهر ويقول: “على مهرٍ قَدْرُه كذا”، ويقول الزوج: “قبلتُ هذا الزواج”، فهذا هو مقصود الفقهاء بقولهم: تُسَنُّ تسمية المهر، يعني: عند الإيجاب والقبول، وليس المقصود عند كتابة عقد النكاح، لكن تسمية المهر ليست شرطًا لصحة النكاح، فيجوز أن يتم النكاح بدون تسمية المهر؛ لقول الله تعالى: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]، هذا بالإجماع، فإذا كان من غير تسمية مهرٍ كم يكون للمرأة من المهر؟

مهر المثل، يكون لها مهر المثل.

قال:

ويصح بأقلّ مُتَمَوَّلٍ.

يعني: يصح المهر بأقلّ ما يُسمَّى مالًا، وعندهم قاعدةٌ وهي: أن ما صحَّ أن يكون ثمنًا أو أجرةً صحَّ أن يكون مهرًا؛ لقول النبي : التمس ولو خاتمًا من حديدٍ.

فإن لم يُسَمِّ أو سَمَّى فاسدًا صحَّ العقد ووجب مهر المِثْل.

هذا رجلٌ لم يُسَمِّ مهرًا، الولي قال للزوج: “زوَّجتُك ابنتي على كتاب الله وسنة رسوله “، وقال الزوج: “قبلتُ”، بحضور شاهدين، ولم يُسَمِّيَا مهرًا؛ فيكون للزوجة مهر المثل، يُنْظَر مهر المثل عادةً في المجتمع كم، ويكون لها مهر المِثْل.

أو سَمَّيَا مهرًا لكن كان فاسدًا، كأن يكون خمرًا -مثلًا- أو خنزيرًا ونحو ذلك، فيكون لها مهر المثل.

هل يصح أن يكون المهر تعليم القرآن أو شيءٍ منه؟

وإن أصدقها تعليم شيءٍ من القرآن لم يصح.

يعني: إذا جعل صداق المرأة تعليمها شيئًا من القرآن لم يصح ذلك.

هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة والحنفية والمالكية، يعني: قول الجمهور.

وجاء في حديث أبي معاوية الضَّرير قال: زوَّج رسول الله امرأةً على سورةٍ من القرآن، ثم قال: لا تكون لأحدٍ بعدك مهرًا، أخرجه سعيد بن منصور، لكنه حديثٌ ضعيفٌ [15].

قال: ولأن الفروج لا تُستباح إلا بالأموال؛ لقول الله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24].

والقول الثاني في المسألة: أنه يصح أن يكون المهر تعليمها القرآن أو شيئًا من القرآن، وهذا هو مذهب الشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة؛ لقصة الواهبة نفسها التي وهبت للنبي نفسها، فصعَّد النظرَ فيها عليه الصلاة والسلام، وكان هناك رجلٌ حاضرٌ قال: يا رسول الله، زَوِّجْنِيها إن لم تكن لك بها حاجةٌ. فقال عليه الصلاة والسلام: هل عندك من شيءٍ تُصْدِقُها؟ قال: ما عندي إلا إزاري. قال: إن أعطيتَها إياه جلستَ لا إزار لك، فالتَمِسْ شيئًا، فقال: ما أجد شيئًا. فقال: ‌التمس ‌ولو ‌خاتمًا ‌من ‌حديدٍ، فذهب وبحث ولم يجد، فقال: أمعك من القرآن شيءٌ؟ قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا. قال: زَوَّجْنَاكَها بما معك من القرآن [16].

فالأقرب: أنه يجوز أن يكون المهر تعليم القرآن، لكن بشرط أنه لا يجد مالًا -انتبه لهذا الشرط- أما إذا كان يجد مالًا فلا يصح العقد؛ لأن النبي طلب من الرجل أولًا أن يلتمس مالًا ولو خاتمًا من حديدٍ، فلما لم يجد زوَّجه بتعليمها سورًا من القرآن، هذا هو الأظهر، والله أعلم.

وأما استدلال أصحاب القول الأول بحديث: لا تكن لأحدٍ بعدك، قلنا: إنه حديثٌ ضعيفٌ.

وقولهم: إن الفُروج لا تُستباح إلا بالأموال، فالصداق ليس هو القرآن، وإنما الصداق هو التَّعليم، والتعليم يُعتبر عملًا يستحق به عِوَضًا.

لكن هنا أُنبه إلى أننا وإن رجَّحنا القول بأنه يصح أن يكون المهر تعليم القرآن أو سورٍ من القرآن إلا أن ذلك عندما لا يجد الزوج مالًا، أما إذا وجد مالًا فلا يصح.

إنما قلتُ هذا لأنني أعرف قصصًا وقعتْ في هذا: أن رجلًا زوَّج ابنته آخر بتعليمها القرآن، فهذا عند الجمهور لا يصح، حتى على القول الراجح أيضًا الذي رجَّحناه لا يصح؛ لأن الزوج قادرٌ على أن يُعطيها مهرًا.

فمثل هذه الاجتهادات ينبغي أن يَسْأَل عنها الوليُّ قبل أن يُقْدِم على هذا، خاصةً أن هذا عقد نكاحٍ، ميثاقٌ غليظٌ.

نعم يُخفَّف المهر، لكن لا يجعل لها مهرًا، ويقول: فقط بتعليمها القرآن، ويقول: أستدل بهذا الحديث!

الحديث ينبغي أن يُستدَلَّ به في موضعه، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال أولًا: التَمِس ولو خاتَمًا من حديدٍ، فلم يجد خاتمًا ولو من حديدٍ، قال: زَوَّجْنَاكَها بما معك من القرآن.

الواقع أن بعض الناس يُقْدِم على هذا، يقول: “زوَّجتُك بما معك من القرآن” مع أنه يجد مالًا، فهذا لا يصح عند جميع العلماء، لا يصح عند الجميع، إنما أجازه مَن أجازه إذا لم يجد الزوج مالًا، فانتبه لهذه المسألة.

هل يصح أن يكون المهر تعليم شيءٍ غير القرآن؟

قال:

وتعليمَ مُعيَّنٍ.

يعني: يصح أن يكون المهرُ تعليمَ مُعيَّنٍ.

من فقهٍ، أو حديثٍ، أو شِعْرٍ مباحٍ، أو صنعةٍ مُباحةٍ.

لأن هذا التعليم منفعةٌ مباحةٌ تجوز المُعاوضة عليه، فصَحَّ أن يكون صداقًا، والله تعالى ذكر عن الرجل الصالح الذي لقيه موسى ، وليس هو نبيَّ الله شعيبًا ، وبعض العامة يعتقد أنه شعيبٌ ، وهو غير صحيحٍ، رجلٌ صالحٌ لما لقيه موسى : قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ [القصص:27] يعني: كان المهر أجرة رَعْي الغنم لمدة عشر سنوات.

طيب، هل هذا المهر قليلٌ أو كثيرٌ؟

كثيرٌ، أجرة عملٍ لمدة عشر سنوات كثيرٌ، لكن هذا يدل على أن المهور كانت في زمن موسى عليه الصلاة والسلام مرتفعةً.

طيب، وقوله: “أو شِعرٍ مُباحٍ”؛ لأن الشعر منه ما هو مباحٌ، ومنه ما هو مُحرمٌ، فإذا جعل الصداق تعليمها الشعر المباح فلا بأس، أو صنعة -مثلًا- كخياطةٍ ونحو ذلك.

ويُشترط علم الصَّداق.

الشرط هنا ليس لصحة النكاح، وإنما لصحة التَّسمية، يعني: لا بد أن يكون الصداق معلومًا.

حكم المهر إذا كانت فيه جهالةٌ

ثم ذكر المؤلف تفريعاتٍ على هذا، قال:

فلو أصدقها دارًا أو دابةً أو ثوبًا مُطْلَقًا، أو ردَّ عبدها أين كان، أو خِدْمتها مدةً فيما شاءتْ، أو ما يُثْمِر شَجَرُه، أو حَمْلَ أَمَتِه أو دابَّتِه؛ لم يصح.

لأن هذه فيها جهالةٌ: أصدقها دارًا -يعني- ولم يُحدد الدار ولم يُعيِّنها، فيها جهالةٌ، دابَّة مُطلقة لم يُحددها فيها جهالةٌ، ردّ عبدها أين كان أيضًا فيه جهالةٌ، خدمتها مدةً، ولم يُحدد المدة، أيضًا فيه جهالةٌ، ما يُثْمِر شجره كذلك فيه جهالةٌ، أو حمل أَمَته أو دابَّته فيه جهالةٌ، فما كانت فيه جهالةٌ لا يصح أن يكون مهرًا؛ لأنه مظنةٌ للنزاع.

ولا يضرّ جهلٌ يسيرٌ.

يعني: في المهر.

فلو أصدقها عبدًا من عبيده، أو دابةً من دوابِّه، أو قميصًا من قُمْصَانه؛ صَحَّ، ولها أحدهم بقُرعةٍ.

لأن هذه الجهالة يسيرةٌ وتؤول للعلم، والتَّعيين فيها يكون بالقُرعة.

وإن أصدقها عِتْقَ قِنِّه صَحَّ.

يعني: عتق عبده، يصح أن يكون ذلك مهرًا؛ لأنه تصح المُعاوضة عليه.

حكم جعل المهر طلاق زوجته

لا طلاق زوجته.

يعني: لا يصح أن يجعل المهر طلاق زوجته.

فلو أن رجلًا خطب امرأةً وقالت: أنا أقبل الزواج منك بشرط أن تجعل مهري طلاقَ امرأتك.

نقول: هذا لا يصح؛ لقول النبي : لا يَحِلُّ أن يَنْكِحَ المرأةَ بطلاقِ أُخْرى [17].

وأيضًا جاء في الصحيحين: لا تَسْأَلِ المرأةُ طلاقَ أختها لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَها، فإنَّ لها ما قُدِّر لها [18]، فلا يجوز للمرأة أن تسأل طلاقَ ضرَّتها بأية صورةٍ من الصور.

وإن أصدقها خمرًا أو خنزيرًا أو مالًا مغصوبًا يعلمانِه؛ لم يصح.

لم يصح المُسمَّى، ولكن النكاح صحيحٌ.

وعلى هذا كيف يكون المهر؟

يكون لها مهر المِثْل.

نحن قلنا: إذا كانت التَّسمية غير صحيحةٍ يكون لها مهر المِثْل.

وإن لم يعلماه صحَّ، ولها قيمته يوم العقد.

يعني: إن لم يعلم الزوجان بأن المال مغصوبٌ صحَّ المُسمى، ويكون لها قيمة المال المغصوب يوم العقد؛ لرضاها به.

وعصيرًا فَبَانَ خمرًا؛ صحَّ، ولها مثل العصير.

يعني: لو كان المهر عصيرًا، ثم تبين أن العصير خمرٌ، فتصح التَّسمية، ويكون لها مثل العصير.

ولا نقول هنا: لها مهر المِثْل، في المسألتين لا نقول: لها مهر المثل؛ لأن هذه مِثْلِيةٌ فَتُضْمَن بمثلها.

وعلى هذا نقول: إذا فسد المهر فَيُرْجَع لمهر المِثْل، لكن إذا لم يفسد أو أمكن الرجوع إلى قيمته فالواجب الرجوع إلى قيمته.

طيب، ونقف عند قول المؤلف: “وللأب تزويج ابنته مطلقًا”.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الآن نُجيب عما تيسر من الأسئلة:

السؤال: ما حكم استئجار النَّخل، حيث إنه شائعٌ في بعض البلدان؟

الجواب: استئجار النَّخل محلُّ خلافٍ بين العلماء، استئجار النخل وليس الأرض، فيأتي إنسانٌ لرجلٍ عنده نخيلٌ ويستأجر النَّخيل مدة سنةٍ -مثلًا- فهل يجوز تأجير النَّخيل؟

هذه المسألة محلُّ خلافٍ بين الفقهاء، فمنهم مَن ذهب إلى أنه لا يصح تأجير النَّخيل، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقالوا: لأنه يُفْضِي إلى أن يبيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها.

والقول الثاني: أنه يصح تأجير النَّخيل قياسًا على تأجير الأرض؛ لأنه إذا صحَّ تأجير الأرض صحَّ تأجير النَّخيل.

وهذا هو القول الراجح في المسألة، وهو القول عند الحنابلة، واختاره الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ لأن الأصل في هذا الباب الإباحة، ولأنه لا فرق بين تأجير النَّخل وتأجير الأرض.

وأما قول مَن منع بأنه يُفْضِي إلى بيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها، فأجاب عن هذا الإمام ابن تيمية رحمه الله: بأنه يصح تبعًا ما لا يصح استقلالًا، أرأيتَ لو بِيعَ البستان كاملًا وفيه نخلٌ فيه ثمرٌ لم يَبْدُ صلاحه؟ يصح البيع عند عامة العلماء؛ لأن هذا الثمر بِيعَ تبعًا، فهكذا أيضًا في تأجير النَّخل.

وعلى هذا فالقول الراجح: أنه يصح تأجير النَّخل، ولا بأس به.

السؤال: ما حكم التعامل مع الشركات التي يكون لديها شرط غرامة تأخيرٍ، لكن تُدفع هذه الغرامة للجهات الخيرية، مثل: تمارا وتابي ونحوهما؟

الجواب: هذه الشركات -شركات التَّقسيط مثل: تمارا وتابي ونحوهما- لا بأس بالتعامل بها إذا كان الإنسان يضمن أنه لن يدفع غرامة تأخيرٍ؛ بأن كان يعرف من نفسه -مثلًا- أنه سوف يُسدِّد في آخر الشهر من مرتبه ويضمن ذلك.

أما إذا كان ربما يتأخَّر في السداد ويدفع غرامة تأخيرٍ، فغرامة التأخير إذا كان يأخذها الدائن فهي حرامٌ بالإجماع، أما إذا كان لا يأخذها الدائن، وإنما تُدفع لوجوه البرِّ كما في هذه المسألة -مثلًا- فيما يتعلق بشركة تمارا وتابي ونحوهما، فهذه المسألة محل خلافٍ بين المعاصرين:

  • فمنهم مَن أجاز ذلك، ومن أشهر مَن أجاز ذلك: هيئة المُراجعة والمُحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية “أيوفي”.
  • ومنهم مَن منع ذلك، وعليه كثيرٌ من الهيئات الشرعية للمصارف.

والأقرب -والله أعلم- هو المنع، الأقرب هو المنع، لكن هذه المسألة تبقى اجتهاديةً، فهي محل خلافٍ ومحل اجتهادٍ ونظرٍ.

وعلى هذا أقول: إذا كان مَن يريد التعامل مع هذه الشركات ربما يتأخر في السداد ويدفع غرامة التأخير فليس له التعامل، على القول الراجح نقول: لا يجوز لك أن تتعامل معها.

أما لو أنه ضمن أن يُسدِّد في فترة السداد من غير تأخرٍ ومن غير حاجةٍ لأن يدفع غرامة التأخير فلا بأس بذلك، لكن لا بد أن يضمن هذا، لا بد أن تكون هناك ضماناتٌ للسداد، كأن يكون يعرف من نفسه أنه سوف يُسدد؛ ينزل راتبه -مثلًا- آخر الشهر، وأنه سوف يُسدد، وأنه لن يلجأ إلى دفع غرامة التأخير.

فإن قال قائلٌ: إنه حتى لو ضمن بقبوله بهذا الشرط يكون مُقرًّا للربا؟

فنقول: لا يلزم من هذا أن يكون مُقرًّا للربا، هو لم يُقرّ بذلك، هو يريد أن يستفيد من تقسيط هذه الشركة، وسيُسدد لهم خلال فترة السداد، ولا يلزم الإقرار، لا يلزم أن يكون مُقرًّا لهم على ذلك.

على أن المسألة أيضًا -كما ذكرتُ- مسألةٌ خلافيةٌ اجتهاديةٌ، يعني: نجد أن من العلماء المعاصرين مَن أجاز ذلك ما دام أن الدائن لن يأخذ هذه الغرامة، وإنما ستُدفع في وجوه البرِّ.

السؤال: كيف كانت خطبة النبي بسورة “ق”؟

الجواب: جاء في حديث أم هشام بنت حارثة رضي الله عنها قالت: ما حفظتُ “ق” إلا من فِي رسول الله يخطب بها كلَّ جمعةٍ. رواه مسلم [19].

وهذا يدل على أن النبي كان كثيرًا ما يخطب الناس بسورة “ق” لدرجة أن هذه الصحابية حفظتْ هذه السورة من كثرة خطبة النبي بها، لكن كيف تكون الخطبة بسورة “ق”؟

الناس في زمن النبي عليه الصلاة والسلام كانوا عَرَبًا أَقْحَاحًا، فكان إذا قُرئ عليهم القرآن فهموه، لكن في وقتنا الحاضر يحتاج الناس إلى تفسيرٍ وتوضيحٍ؛ ولذلك فالأولى عندما يخطب الخطيب بسورة “ق” أن يقترن بذلك توضيحٌ لمعاني الآيات التي تحتاج إلى توضيحٍ وتفسيرٍ.

السؤال: هل يجب على مَن به سلسُ البول أن يستنجي كلما أحدث بحدثٍ آخَرَ وأراد أن يتوضأ لغير فريضةٍ؟

الجواب: نعم، إذا أحدث بحدثٍ آخَرَ غير سلس البول فلا بد أن يتوضأ، إنما كلام العلماء أنه لا يجب عليه أن يتوضأ مرةً أخرى إذا أحدث بهذا الحدث الدائم فقط، فلو كان معه سلسُ بولٍ لكنه أحدث -مثلًا- بخروج ريحٍ؛ يجب عليه أن يتوضأ لأية صلاةٍ: لفريضةٍ، أو نافلةٍ، أو أية صلاةٍ.

لو أحدث -مثلًا- بخروج الغائط يجب عليه أن يتوضأ، إنما فقط لا يجب عليه أن يتوضأ إذا كان خروج الحدث الدائم نفسه، يعني: معه سلسُ بولٍ، وأصبح البول يخرج معه باستمرارٍ، فهنا لا يلزمه أن يُعيد الوضوء، لكن لو خرج منه حدثٌ آخر يلزمه أن يتوضأ.

السؤال: هل عدم إجادة الزوجة للطبخ يُعتبر من عيوب النكاح؟

الجواب: لا يُعتبر من عيوب النكاح؛ لأن بإمكانها أن تتعلم، فلا يُعتبر هذا عيبًا، فبإمكانها أن تتعلم، إلا إذا اشترط الزوج عند النكاح ذلك فله شرطه، أما إذا لم يشترط فلا يُعتبر من عيوب النكاح.

السؤال: تجديد النكاح -على قول الجمهور- هل يستلزم دَفْع مهرٍ جديدٍ؟

الجواب: نعم، لا بد من مهرٍ جديدٍ، لا بد، ولو مبلغًا يسيرًا؛ ولذلك إذا أفتى العلماء بعدم صحة النكاح لأي سببٍ، مثل: رجل طاف طواف الإفاضة، وقيل: إن طوافك غير صحيحٍ، أو طاف طواف العمرة، وقيل: إنه غير صحيحٍ، وتزوج، أو امرأة، فطلب تجديد عقد النكاح؛ لا بد من مهرٍ ولو مئة ريالٍ، المهم لا بد من مهرٍ.

السؤال: يقول: بي مرضٌ مُعينٌ مُتعلقٌ بالطهارة، وأمرني الطبيب بالرياضة، فهل لي الذهاب إلى الأندية الرياضية، حيث إنني لا أكاد أذهب إلا وأجد مَن يلبس اللبس القصير؟

الجواب: نعم، لا بأس بالذهاب إليها، وأنت تلتزم بالضوابط الشرعية، وتستفيد من هذه الأندية في الرياضة ونحو ذلك؛ لأن هذه مفيدةٌ للبدن، خاصةً أنك قد نُصِحْتَ بها من الطبيب.

السؤال: يقول: فيما يخصّ عدم انتظار سَنةٍ لإثبات عُنَّة الرجل، وأنه يجوز الرجوع للطبيب وعدم الانتظار، هل يجوز الأخذ برأي الطبِّ في انقضاء العِدَّة على خلاف المشروع؟

الجواب: ليست هناك عِدَّةٌ، يعني: الكلام عن أنه ينتظر سنةً هنا لإثبات العُنَّة فقط، وليست هنا عِدَّةٌ، فالعدة تبقى على ما أقرَّه الشرع، لكن لإثبات العُنَّة نقول: إنه لا يُحتاج في الوقت الحاضر إلى سَنةٍ، فإذا أثبت الأطباء بالدليل القاطع أن هذا الرجل عِنِّين يُفسخ عقد النكاح، ثم بعد فسخ عقد النكاح لا بد أن تعتدَّ المرأة، لا بد أن تعتدَّ المرأة بحيضةٍ، عِدَّة الفسخ.

السؤال: يقول: تمَّ عقد قراني، وتمَّ الاتفاق على مبلغ المهر، وبطلبٍ من الزوجة أَجَّلْتُ موعد تسلُّم المبلغ إلى ما بعد عقد القران، ماذا عليَّ؟ مع العلم أن جميع الأطراف صَادَقُوا على البيانات؟

الجواب: ما دام أنه حصل تفاهمٌ على تأجيل تسليم المهر فالأمر في هذا واسعٌ، يعني: يُعتبر هذا مهرًا مُسمًّى، ولكن أُجِّلَ تسليمه إلى ما بعد عقد القران، فالأمر في هذا واسعٌ، ولا بأس بذلك.

السؤال: هل يجوز عند تلاوة آيةٍ فيها ذِكْر الجنة أن نقول: “اللهم إنا نسألك الجنة” ثلاثًا “ووالدي يا أرحم الراحمين”، وكذلك عند ذِكْر آيةٍ فيها عذاب النار؟

الجواب: يُسَنُّ ذلك لكن في صلاة النافلة خاصةً، أما في صلاة الفريضة فلا يُسَنُّ ذلك، وإن كان جائزًا.

وإنما قلتُ: جائزًا؛ لأن الأصل أن ما جاز في النَّفل جاز في الفرض إلا بدليلٍ، فالأصل أنه يجوز في الفرض وفي النَّفل، لكن باعتبار أن هذا إنما ورد عن النبي في صلاة الليل خاصةً، فالسنة أن يكون في صلاة الليل خاصةً، وأن المُصلي إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مرَّ بآيةٍ فيها ذِكْر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مرَّ بآيةٍ فيها ذِكْر النار تعوَّذ بالله من النار، ونحو ذلك.

أما في صلاة الفريضة فلم يَرِد عن النبي ذلك ولو في حديثٍ ضعيفٍ، لم يرد، مع أنه عليه الصلاة والسلام كان يُصلي بأصحابه خمس مراتٍ في اليوم والليلة، ونقل الصحابةُ للأمة كلَّ شيءٍ حتى اضطراب لحيته، ومع ذلك لم ينقلوا أنه كان إذا مرَّ بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مرَّ بآيةٍ فيها ذِكْر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مرَّ بآيةٍ فيها ذِكْر العذاب تعوَّذ بالله من النار.

إذن هذا لا يُقال في صلاة الفريضة، إنما يكون في صلاة النافلة فقط، خاصةً في صلاة الليل.

السؤال: …..

الجواب: حتى في الفريضة، في الفريضة نعم، بابها واحدٌ.

السؤال: لو أن شخصًا نوى عملًا صالحًا وبذل ما يستطيع، لكنه عجز عنه، هل يُكتب له أجر ذلك؟

الجواب: نعم، إذا نوى عملًا صالحًا، لكنه عجز عنه، فيُكتب له أجر نيته، لكن لو كان قد اعتاد فعل هذا العمل الصالح، ثم عجز عنه، فيُكتب له الأجر كاملًا؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إذا مَرِضَ العبد أو سافر كُتِبَ له مثل ما كان يعمل مُقيمًا صحيحًا [20].

فرقٌ بين المسألتين: إذا لم يكن قد اعتاد العمل الصالح، لكنه أراد أن يعمله وعجز يُؤْجَر على نيته، أما إذا كان قد اعتاد العمل الصالح، ثم عجز عنه، فيُكتب له الأجر كاملًا.

السؤال: هل جميع الثلث الأخير من الليل وقتٌ لإجابة الدعاء، أو أن بعضه أَرْجَى من بعضٍ؟

الجواب: بعضه أَرْجَى من بعضٍ؛ لأن الليل فيه ساعة إجابةٍ، والمقصود بالساعة ليست هي ستين دقيقةً، وإنما لحظاتٌ يُستجاب فيها الدعاء، مثل: ساعة الإجابة يوم الجمعة، يقول عليه الصلاة والسلام: إن في الليل لساعة يعني: لحظات، إن في الليل لساعة لا يُوافقها رجلٌ مسلمٌ يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كلَّ ليلةٍ [21].

وهذه اللحظات اللهُ أعلم متى تكون، لكن أَرْجَى ما تكون في الثلث الأخير من الليل، وأَرْجَى ما يكون في الثلث الأخير من الليل: آخر الليل قُبَيل أذان الفجر، هذه أَرْجَى ما تكون مُوافقةً لساعة الإجابة، لكن الثلث الأخير من الليل كله مَظِنَّة إجابة الدعاء؛ لقول النبي : ينزل ربُّنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأُعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟ [22].

لهذا ينبغي أن يحرص المسلم على أن يكون له نصيبٌ من صلاة الليل، يعني: ولو أن يستيقظ قُبيل أذان الفجر ويُصلي ما كتب الله له أن يُصلي، فإن هذا:

  • أولًا: هو دَأْب الصالحين.
  • ثانيًا: هو أمانٌ من النفاق.
  • ثالثًا: أنه يُعينه على صلاة الفجر.
  • رابعًا: أنه تَنْحَلُّ به عُقَد الشيطان؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: يعقد الشيطانُ على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاثَ عُقَدٍ، يضرب كل عقدةٍ: عليك ليلٌ طويلٌ فَارْقُدْ. فإن استيقظ فذكر الله انحَلَّتْ عُقدةٌ، فإن توضأ انحَلَّتْ عُقدةٌ، فإن صلَّى انحَلَّتْ عُقدةٌ؛ فأصبح نشيطًا طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان [23].

وبقية الأسئلة -إن شاء الله- نُجيب عنها بعد درس غدٍ بإذن الله.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 2699.
^2 رواه البخاري: 5707.
^3 رواه البخاري: 1117.
^4 رواه البخاري: 3331، ومسلم: 1468.
^5 رواه أبو داود: 2240، والترمذي: 1143، وأحمد: 1876.
^6 رواه الترمذي: 1142، وأحمد: 6938.
^7 رواه البخاري: 5286.
^8 رواه الترمذي: 1128، وابن ماجه: 1953، وأحمد: 5558.
^9 رواه البخاري: 3781، 5167.
^10 رواه البخاري: 5312، ومسلم: 1493.
^11 رواه الطحاوي في “شرح مشكل الآثار”: 5059.
^12 رواه مسلم: 1424.
^13, ^16 رواه البخاري: 5135، ومسلم: 1425.
^14 رواه البخاري: 5065، ومسلم: 1400.
^15 رواه سعيد بن منصور في “سننه”: 642.
^17 رواه أحمد: 6647.
^18 رواه البخاري: 6601، ومسلم: 1408.
^19 رواه مسلم: 873.
^20 رواه البخاري: 2996.
^21 رواه مسلم: 757.
^22 رواه البخاري: 1145، ومسلم: 758.
^23 رواه البخاري: 1142، ومسلم: 776.
zh