logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(68) باب المحرمات في النكاح- من قوله “تحرم أبدًا الأم والجدة..؟”

(68) باب المحرمات في النكاح- من قوله “تحرم أبدًا الأم والجدة..؟”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

ننتقل بعد ذلك لـ”السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى باب المحرمات في النكاح.

“المحرمات” يعني: الممنوعات، فالتحريم بمعنى: المنع، ومنه حريم البئر، أي: ما حولها، ومنه قول الله تعالى: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا [الفرقان:22]، يعني: حرامًا محرمًا.

 المحرمات من النساء تحريمًا ‌مؤبدًا

والمحرمات في النكاح على قسمين: محرماتٌ للأبد، ومحرماتٌ إلى أمدٍ.

ابتدأ المؤلف بالكلام عن القسم الأول: المحرمات للأبد.

قال:

تَحرُم أبدًا: الأم والجدة من كل جهةٍ.

وهذا بالإجماع: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ.. إلى قوله: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23].

والبنت.

وأيضًا هذا بالإجماع.

قال:

ولو من زنًا.

وهذا محل خلافٍ، والمذهب أنها محرمةٌ على الزاني، وسيأتي الكلام عن هذه المسألة إن شاء الله.

وبنت الولد.

أيضًا ذكرًا كان أنثى؛ لقوله: وَبَنَاتُكُمْ.

والأخت من كل جهةٍ.

يعني: شقيقةً أو لأبٍ أو لأمٍّ: وَأَخَوَاتُكُمْ.

وكذلك:

وبنت ولدها.

وإذا قيل: الولد، في اللغة العربية وفي الشرع يشمل الابن والبنت.

وبنت كل أخٍ.

سواءٌ كان شقيقًا أو لأبٍ أو لأمٍّ، أو حتى من الرضاع.

وبنت ولدها وإن نزل.

وهذه كلها بالإجماع، وبالنص أيضًا.

والعمة والخالة.

أيضًا بالنص وبالإجماع.

يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب

ثم قال:

ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب.

لقول النبي : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [1]، متفقٌ عليه.

فأم الإنسان من الرضاع حرامٌ عليه، بنته من الرضاع حرامٌ عليه، أخته من الرضاع حرامٌ عليه، وهكذا.

إلا أم أخيه.

يعني: من الرضاع، فلا تكون محرمةً عليه؛ لأن التحريم إنما يتعلق بالمرتضِع فقط، ولا يتعلق بأبيه ولا بإخوانه، فهو يتعلق -حكم الرضاع- بالراضع وبفروعه، ولا يتعلق بأصوله ولا بحواشيه، هذه قاعدةٌ في باب الرضاع.

الرضاع يتعلق بفروع المرتضِع، ولا يتعلق بأصوله ولا بحواشيه؛ وعلى ذلك: هل لأب المرتضِع أن يتزوج بمرضعة ابنه؟

نعم، يجوز أن يتزوج بمرضعة ابنه.

طيب، هل للإنسان أن يتزوج بمرضعة أخيه؟

نعم يجوز، فالحكم يتعلق فقط، حكم الرضاع يتعلق بالمرتضع وبفروعه، ولا يتعلق بحواشيه، لا يتعلق بإخوانه، ولا يتعلق بأبيه، لا يتعلق بعمه، يتعلق بالمرتضع فقط، بالمرتضع وبفروعه فقط.

طيب، هل يؤثر الرضاع في المصاهرة أو لا يؤثر؟ يعني: نوضح هذا بالمثال؛ مثلًا: هل يجوز للرجل أن يتزوج أم بنته من الرضاع مثلًا، بنتٌ من الرضاع، ولها أمٌّ، هل يجوز أن يتزوج بأم بنته من الرضاع؟

هذه مسألةٌ خلافيةٌ: هل يؤثر الرضاع في المصاهرة أو لا يؤثر؟ فالجمهور على أنه يؤثر، ابن تيمية رحمه الله يقول: إنه لا يؤثر، والأقرب -والله أعلم- هو قول الجمهور؛ لعموم الأدلة؛ مثلًا: زوج البنت من الرضاع، هذه بنتٌ من الرضاع، ولها زوجٌ، هل يكون مَحرمًا أو لا يكون؟ امرأةٌ لها بنتٌ من الرضاع تزوجت برجلٍ، زوج بنتها من الرضاع هل هو مَحرمٌ لها؟

يجري على الخلاف؛ فعلى رأي الجمهور: نعم يكون محرمًا لها، وعلى رأي ابن تيمية: لا يكون محرمًا لها.

طيب زوجة الابن من الرضاع، هذا رجلٌ له ابنٌ من الرضاع، وتزوج بامرأةٍ، فهل زوجة ابنه من الرضاع يكون هو محرمًا لها وتكشف له؟

عند الجمهور نعم، يكون محرمًا لها، وعند ابن تيمية رحمه الله لا يكون، وحكى القرطبي الإجماع على أن زوجة الابن من الرضاع محرَّمةٌ، ولكن حكاية الإجماع محل نظرٍ؛ إذ إن فيها خلافًا، والإمام ابن تيمية رحمه الله يرى أن الرضاع غير مؤثرٍ في المصاهرة، وهذا أيضًا رجحه الشيخ ابن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.

ولكن إذا نظرنا لعموم الأدلة؛ نجد أن الأدلة تدل على أن الرضاع مؤثرٌ، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، لكن ابن تيمية ومن وافقه يقولون: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: من النسب [2]، أعطونا دليلًا على أن الرضاع يؤثر في المصاهرة.

لو كان رجلٌ تزوج بامرأةٍ، وهذه المرأة لها أمٌّ من الرضاع، هل يجوز أن يتزوج بها؟

على رأي الجمهور: لا يجوز، وعلى رأي ابن تيمية: يجوز.

المقصود: أن المسألة هذه فروعٌ كثيرةٌ، لكن عموم الأدلة يدل على أن الرضاع مؤثرٌ، هذا الأقرب والله أعلم، وإن كان قول ابن تيمية أيضًا قولٌ له وجاهته، وله قوته؛ إذ إن ابن تيمية يقول: إن الأدلة دلت على أن الرضاع مؤثرٌ فقط في النسب، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [3]، فأعطونا دليلًا على أن الرضاع يؤثر في المصاهرة، ما من دليلٍ، وقوله له وجاهته، ولكن عموم الأدلة يُظهِر أن الأقرب هو قول الجمهور، خاصةً أن هذه المسائل يُحتاط لها، وقد حُكي أيضًا الإجماع، كما حَكى القرطبي وغيره الإجماع على ذلك، فلعل الأقرب -والله أعلم- هو رأي الجمهور في المسألة، وهو أن الرضاع مؤثرٌ في المصاهرة.

لكن ينبغي لطالب العلم أن يكون مستحضرًا لقول ابن تيمية؛ لأنه قولٌ قويٌّ وله وجاهته.

قال:

وأخت ابنه من الرضاع، فتحل.

يعني: لو كان له ابنٌ من الرضاع، ولهذا الابنِ أختٌ من الرضاع، فكما قلنا: إن الحكم متعلقٌ بالمرتضع فقط، وليس له علاقةٌ لا بأبيه ولا بإخوانه.

كبنت عمته وعمه، وبنت خالته وخاله.

فتحل بالإجماع.

المحرمات بالمصاهرة

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن المحرمات في المصاهرة، قال:

زوجة الأب

ويحرم أبدًا بالمصاهرة أربعٌ: ثلاثٌ بمجرد العقد، وهن: زوجة أبيه وإن علا.

وهذا بالإجماع؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22].

زوجة الابن وإن سفل

وزوجة ابنه وإن سفل.

أيضًا بالإجماع: وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ [النساء:23].

أم الزوجة

وأم زوجته.

يعني: أم الزوجة من النسب، وأمها أيضًا من الرضاع على قول الجمهور؛ لقول الله تعالى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23]، وكذلك أيضًا: جدة زوجته وإن علت.

طيب، جدة الزوجة، هل الزوج مَحرمٌ لها؟ جدة زوجتك، نعم محرمٌ لها بالإجماع، وقد جاء في حديث عمرو بن شعيبٍ أن النبي قال: أيما رجلٍ نكح امرأةً فدخل بها؛ فلا يحل له إنكاح ابنتها، وإن لم يكن دخل بها؛ فلينكح ابنتها، وأيما رجلٍ نكح امرأةً فدخل بها أو لم يدخل بها؛ فلا يحل له نكاح أمها [4]، هذا الحديث أخرجه الترمذي، وفيه ضعفٌ، وأيضًا تركيبته تدل على أنه ليس عليه نور النبوة، لكن كما قال الترمذي: إن العمل عليه عند أكثر أهل العلم.

فإذا تزوج بامرأةٍ ثم طلقها قبل أن يدخل بها؛ حل له ابنتها، وأما إذا دخل بها؛ فلا تحل، ولو كانت المسألة بالعكس: إذا تزوج امرأةً فطلقها قبل أن يدخل بها، هل تحل له أمها؟ لا تحل، فتحرم الأم بمجرد العقد؛ لقول الله تعالى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23].

طيب، إذا تزوج امرأةً ثم طلقها، وبعد الطلاق هل يبقى الزوج مَحرمًا لأم زوجته؟

نعم، يبقى بالإجماع، لكن عند بعض العامة يعتقدون أنه بالطلاق لا يصبح محرمًا لها، هذا غير صحيحٍ، ما دام تزوج بهذه المرأة، بل حتى لو عقد عليها مجرد عقدٍ، يبقى محرمًا لأمها على الدوام، فعند بعض العامة إذا طلقها؛ لا يصبح محرمًا لأمها، وهذا غير صحيحٍ.

الطالب:

الشيخ: الخلوة محل خلافٍ، وإن شاء الله سيأتينا الخلاف فيها، والراجح: أن الخلوة لا تأخذ حكم الدخول.

بنت الزوجة

فإن وطئها؛ حرمت عليه أيضًا ابنتها وبنت ابنها.

وهذه هي الرابعة التي لا تحرم بمجرد العقد، بل تحرم بالدخول، وهي تسمى الربيبة، أي بنت الزوجة، فإذا عقد على امرأةٍ ووطئها حرمت عليه ابنتها، يعني الربيبة، وبنت ابنها بالدخول بأمها، أما إذا لم يدخل بأمها؛ فإنها تحل له إذا طلقها؛ لقول الله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23].

فيشترط لتحريم الربيبة: أن يكون قد دخل بأمها، المقصود بالدخول: الوطء، فإن لم يكن دخل بأمها، فإنها لا تحرم عليه.

طيب، وأما قول الله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ [النساء:23]، هذا لا مفهوم له عند الجمهور، يعني: سواءٌ كانت الربيبة في حجره، أو لم تكن في حجره، فهذا غير مؤثرٍ بالإجماع، حُكي إجماعًا، هناك خلافٌ يسيرٌ عن بعض السلف، لكن عُدَّ قولًا شاذًّا؛ لأن التربية ليس لها أثرٌ في التحريم، يعني كونها عنده في البيت أو ليست عنده في البيت، هذا ليس له أثرٌ في التحريم، إنما المؤثر هو الدخول.

قال:

وبغير العقد لا حرمة إلا بالوطء في قُبلٍ أو دبرٍ، إن كان ابن عشرٍ في بنت تسعٍ.

“وبغير العقد” يعني: الحرمة بغير العقد: هي ما كان بطريق الزنا، أو وطء الشبهة، لا تتحقق، يعني مراد المؤلف: أنها لا تتحقق الحرمة بالخلوة، ولا بالمباشرة، إنما تتحقق بالوطء؛ وعلى هذا: ليس للزاني أن يتزوج بأم من زنى بها، ولا ببنت من زنى بها، على المذهب.

وقول المصنف: “إن كان ابن عشرٍ في بنت تسعٍ”؛ لأنهم يقولون: إن الذكر لا يكون قادرًا على الوطء إلا إذا بلغ عشرًا، والأنثى لا تكون صالحةً للوطء إلا إذا بلغت تسعًا فما فوق.

وكانا حيَّين.

فلو أولج في فرج ميتةٍ، أو أدخلت امرأةٌ حشفة ميتٍ في فرجها؛ فلا تنتشر الحرمة بذلك، هذا هو مرادهم، وإن كانت هذه مسائل مفترضةً، لكن يذكرونها؛ حتى يكون طالب العلم على معرفةٍ بها إذا وقعت.

هل اللواط ناشرٌ للحرمة؟

ويحرم بوطء الذكر ما يحرم بوطء الأنثى.

وهذه مسألةٌ عجيبةٌ، جعلوا اللواط أيضًا ناشرًا للحرمة، فيقولون: إن اللواط ينشر الحرمة كالزنا؛ فلو لاط إنسانٌ بآخر؛ حرم على كل واحدٍ منهما أُمُّ الآخر، فليس للفاعل أن يتزوج بأم المفعول به، وليس للمفعول به أن يتزوج بأم الفاعل، هذا هو المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني: أن هذا لا ينشر الحرمة، وهذا هو القول الراجح، واختاره الموفق بن قدامة؛ لأنه لا دليل عليه، والله تعالى يقول: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24].

فالأقرب والله أعلم: أن اللواط ليس له علاقةٌ بنشر الحرمة، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، والقول بأنه ينشر الحرمة قولٌ ضعيفٌ.

قال:

ولا تَحرم أمُّ ولا بنتُ زوجةِ أبيه وابنه.

يعني: لا تحرم أم زوجة أبيه، لو أن رجلًا أراد أن يتزوج بأم زوجة أبيه، أبوه متزوجٌ بامرأةٍ أخرى، فأراد أن يتزوج بأم زوجة أبيه، فهذا ممكنٌ، فهل تحل له أو لا تحل؟ تحل، فالابن معه الأم، والأب معه البنت.

طيب، “ولا بنت زوجة أبيه”: بنت زوجة أبيه، بنت زوجة الأب هي الربيبة، فلو أراد الابن أن يتزوج ببنت زوجة أبيه، يعني من زوجٍ سابقٍ، أبوه تزوج بامرأةٍ، وهذه المرأة لها بناتٌ من زوجٍ سابقٍ، فأراد ابنه أن يتزوج ببنت زوجة أبيه؛ فيحل، لا مانع من ذلك.

المحرمات من النساء تحريمًا مؤقتًا

ثم انتقل المصنف رحمه الله بعد ذلك للكلام عن المحرمات إلى أمدٍ فقال:

الجمع بين الأختين

فصلٌ

فابتدأ بالأختين:

ويحرم الجمع بين الأختين.

لقول الله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:23]، وهذا بالإجماع، والممنوع هو الجمع بينهما، لكن لو تزوج بامرأةٍ وتوفيت؛ جاز له أن يتزوج بأختها، أو تزوج بامرأةٍ وطلقها، وانقضت عدتها؛ جاز له أن يتزوج بأختها، إنما الممنوع هو الجمع بينهما فقط.

طيب، لماذا نُهي عن الجمع بين الأختين؟

الطالب:

الشيخ: نعم، لأنه مظنةٌ لقطيعة الرحم؛ لأن وصل الأخت واجبٌ، من المحارم اللاتي يجب وصلهن، فالجمع بين الأختين مظنةٌ لقطيعة الرحم، أن كل منهما تقطع رحمها؛ لأنه مظنة المنافسة بين الأختين، فيكون ذلك ذريعةً لقطيعة الرحم، وهي مظنةٌ غالبةٌ؛ ولذلك كان الضابط في الأرحام، ولذلك كان القول الراجح في الضابط في الأرحام الذين تجب صلتهم: هم المحارم؛ وذلك بأنك لو افترضت أن أحدهما ذكرٌ والآخر أنثى؛ لَمَا حل له أن يتزوج بها، أخذًا من هذا المعنى.

لماذا نُهي عن الجمع بين الأختين؟ لأن هذا يؤدي لقطيعة الرحم، لماذا نهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها؟ لأن هذا يؤدي لقطيعة الرحم، فهذا يدل على أن صلة الرحم مع هؤلاء الأقارب واجبةٌ، فيكون المحارم الذين تجب صلتهم: الوالدان وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا، والإخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات فقط، هؤلاء هم الذين تجب صلتهم، وما عدا ذلك من الأقارب تستحب صلتهم.

ولذلك لم يرد النهي عن الجمع بين بنات العم، لو أن رجلًا تزوج امرأةً ثم تزوج ببنت عمها، جمع معها بنت عمها، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز، مع أن هذا أيضًا قد يؤدي للقطيعة، لكن صلة الرحم هنا ليست واجبةً، يعني لا يجب عليك أن تصل أبناء عمك وبنات عمك، لا يجب، وإنما يستحب، يستحب ولا يجب، فلاحِظ هذا المعنى الدقيق، أَخَذ منه بعض المحققين: أن الضابط في صلة الرحم هم المحارم، الذين لو افترضت أن أحدهما ذكرٌ والآخر أنثى؛ لما حل له أن يتزوج بها، هذا أرجح الأقوال التي قيلت في ضابط صلة الرحم، وأخذها العلماء من هذا المعنى.

الطالب:

الشيخ: لا، يعني هذا فضفاضٌ وواسعٌ، لا، الضابط كما قلت لك: لو افترض أن أحدهما ذكرٌ والآخر أنثى؛ ما حل له أن يتزوج بها.

الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها

وبين المرأة وعمتها أو خالتها.

لقول النبي عليه الصلاة والسلام: لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها [5]، متفقٌ عليه، حتى ولو كان بالرضاع.

حكم من تزوج نحو أختين في عقدٍ، أو عقدين

فمن تزوج نحو أختين في عقدٍ أو عقدين معًا؛ لم يصح.

لكن لا بد أن يكون ذلك معًا، يعني بأن يقول مثلًا الأب: زوجتك ابنتَيَّ مثلًا على مهرٍ قدره كذا مثلًا، يعني زوجه في عقدٍ واحدٍ، فلا يصح.

فإن جهل؛ فَسَخَهما حاكمٌ، ولإحداهما نصف مهرها بقرعةٍ.

يعني جُهل الأسبق منهما، فسخ القاضي العقدين، ويكون لإحداهما نصف المهر بقرعةٍ تُجرى بينهما، طبعًا هذه المسائل مفترضةٌ، أو نادرةٌ.

وإن وقع العقد مرتبًا؛ صح الأول فقط.

يعني تزوج بامرأةٍ، ثم تزوج بأختها، يصح العقد الأول، والثاني باطلٌ.

حكم من ملك أختين أو نحوهما

ومن ملك أختين أو نحوهما؛ صح، وله أن يطأ أيتهما شاء.

يعني اشترى أمتين أختين، فيصح ذلك؛ لأن ملك اليمين يختلف عن النكاح، وقوله: أو نحوهما، يعني كامرأة وعمتها، يعني كأمة وعمتها، وأمة وخالتها، فله أن يطأ ما شاء، فإذا وطئ إحداهما، قال المؤلف:

وتحرم الأخرى.

يعني إذا وطئ إحداهما؛ حرم عليه وطء الأخرى؛ لقول الله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.

حتى يحرِّم الموطوءة بإخراجٍ عن ملكه، أو تزويجٍ بعد الاستبراء.

فإن قال: أنا أريد الأخرى، نقول: إذنْ لا بد أن الأولى تحرمها، إما بإخراجٍ عن ملكك؛ بأن تبيعها أو بتزويجٍ، بأن تزوجها، تزوج هذه الأمة، ثم بعد ذلك تطأ الثانية بعد الاستبراء بحيضةٍ.

حكم من وطئ امرأةً بشبهةٍ أو زنًا

ثم قال المصنف رحمه الله:

ومن وطئ امرأةً بشبهةٍ أو زنًا، حرم في زمن عدتها نكاح أختها.

إذا وطئ امرأةً بزنًا، ثم بعد ذلك مثلًا بعد مدةٍ، بعد عشرة أيامٍ أراد أن يتزوج بأختها، بأخت المزني بها، يقول المؤلف: لا يجوز هذا، حتى تنقضي عدة المزني بها.

وهكذا لو وطئ امرأةً وطء شبهةٍ، ثم أراد أن يتزوج بأختها أو بعمتها أو بخالتها، ليس له ذلك، حتى تنقضي العدة.

قال:

ووطؤها إن كانت زوجةً أو أمةً.

يحرم كذلك أن يطأها إن كانت زوجةً أو أمةً له، حتى لا يجمع في الوطء بين أختين، أو بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها.

وحرم أن يزيد على ثلاثٍ غيرها بعقدٍ أو وطءٍ.

يعني هذه مثلًا زنى بامرأةٍ ثم بعد ذلك أراد أن يتزوج فقط ثلاثًا، لا يتزوج أربعًا، حتى تنقضي عدة المزني بها، هذا مقصود المؤلف، وهكذا أيضًا الموطوءة بشبهةٍ.

تحريم الجمع أكثر من أربع نساء للحر، وزوجتين للعبد

وليس لحرٍّ جمع أكثر من أربعٍ.

وهذا بالإجماع، ولما أسلم غيلان الثقفي وعنده عشر نسوةٍ؛ قال له النبي : أمسك أربعًا وفارق سائرهن [6]، طيب النبي كان عنده تسع نسوةٍ.

الطالب: هذا خاصٌّ.

الشيخ: هذا خاصٌّ، أحسنت، هذا خاصٌّ بالنبي ، النبي له خصائص؛ منها: أن له أن يتزوج بأكثر من أربعٍ، ومنها أيضًا: أن المرأة يجوز أن تهب له نفسها من غير مهرٍ، وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، فله خصائص النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا من خصائصه.

ولا لعبدٍ جمع أكثر من ثنتين.

قلنا: القاعدة: أن العبد على النصف من الحر؛ كذلك أيضًا بالنسبة للزواج، لا يجمع أكثر من زوجتين، وهذا مرويٌّ عن عددٍ من الصحابة .

ولمن نصفه حرٌّ فأكثر جَمْع ثلاثٍ.

يعني للمبعَّض ثلاث نسوةٍ؛ ثنتان بنصفه الحر، وواحدةٌ بنصفه الرقيق.

لا يحل النكاح لمن طلق الرابعة حتى تنتهي عدتها

ومن طلق واحدةً من نهاية جَمْعه.

من نهاية جمعه، يعني أربعًا، نهاية جمع الرجل أربعًا.

حرم نكاحه بدلها حتى تنقضي عدتها.

يعني هذا رجلٌ عنده أربع زوجاتٍ، طلق واحدةً، ليس له أن يتزوج حتى تنقضي عدة المطلقة، وهذه من المسائل التي يلغز بها، يقال: متى يعتد الرجل؟

نقول: يعتد في.. طبعًا القول بأنه يعتد تجوزٌ في العبارة، إذا كان عنده أربع زوجاتٍ وطلق واحدةً؛ فهنا ليس له أن يتزوج حتى تنقضي عدة المطلقة.

وإن ماتت؛ فلا.

يعني إن ماتت عند هذا الرجل، عنده أربع زوجاتٍ، وماتت واحدةٌ، هل يلزمه أن ينتظر؟

يجوز أن يتزوج في نفس اليوم الذي ماتت فيه هذه الزوجة لو أراد، فالوفاة غير الطلاق، الطلاق له عدَّةٌ، فهنا يجب عليه أن ينتظر عدة هذه المطلقة، أما لو ماتت؛ فلا يلزمه الانتظار.

تحريم الزانية على الزاني وغيره حتى تتوب وتنقضي عدتها

ثم قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ
وتحرم الزانية على الزاني وغيره، حتى تتوب وتنقضي عدتها.

لقول الله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]، فلو أن رجلًا زنى بامرأةٍ، وأراد أهلها الستر، قالوا: نعقد لك عليها، لا يجوز حتى يتحقق أمران:

  • الأمر الأول: أن تتوب؛ لأنه لا يجوز أن يتزوج بها وهي زانيةٌ لم تتب.
  • والأمر الثاني: انقضاء عدتها، فإن كانت حاملًا من الزنا، فلا بد من الوضع، وإن كانت ليست حاملًا؛ لا بد من انقضاء ثلاثة قروءٍ، ثلاث حيضاتٍ.

فإذا تحقق هذان الأمران: تابت، وانقضت عدتها، وتاب الزاني أيضًا؛ حل له أن يتزوج بها، وقد جاء في حديث أبي سعيدٍ  أن النبي قال: لا توطأ حاملٌ حتى تضع، ولا غير ذات حملٍ حتى تحيض حيضةً [7].

وجاء في حديث أبي الدرداء  أن النبي كان في غزوةٍ فرأى امرأةً مجحًا -يعني حاملًا- قد قربت ولادتها، قال: لعل صاحبها ألمَّ بها، كان قد وطئها وكانت حاملًا مسبيةً قبل الاستبراء، وطئها قبل الاستبراء، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه في قبره، نسأل الله العافية، هذا يدل على شدة المسألة، كيف يورثه وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ [8]، رواه مسلمٌ.

يعني لأن هذا الرجل وطئها في العدة، وهي لا زالت يعني، والمسبية لا بد من الاستبراء بحيضةٍ، وهي لا زالت حاملًا، فكيف يطؤها وقد تتأخر ولادتها أشهرًا، فيحتمل أن يكون هذا الحمل من السابق، ويحتمل أن يكون من هذا الذي قد وطئ؛ فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام شدد في هذا، وقال هذه المقولة العظيمة: لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه في قبره، وهذا يدل على أنه ينبغي بل يجب الاحتياط في مسائل الأبضاع ومسائل الفروج؛ لأن أمرها عظيمٌ عند الله ؛ ولذلك لاحِظ تشديد النبي عليه الصلاة والسلام في هذه المسألة، مع أن هذا الرجل إنما وطئ أمةً، لكنه وطئها قبل الاستبراء.

وذهب بعض العلماء إلى أن المزني بها، الحامل من الزاني، لا يشترط انقضاء عدتها؛ لأنها إنما حملت من مائه، فيجوز أن يعقد عليها وهي حاملٌ، إذا كانت حملت منه، يعني هذا رجلٌ زنى بامرأةٍ، وحملت من الزاني، فذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز له أن يعقد عليها وهي حاملٌ؛ لأن الحمل منه ومن مائه، وهذا هو مذهب الحنفية، وقول الجمهور أحوط في هذه المسألة، وعلى كلا القولين لا بد من التوبة من الزاني ومن المزني بها.

تحريم مطلقته ثلاثًا عليه حتى تنكح زوجًا غيره

قال:

وتحرم مطلقته ثلاثًا حتى تنكح زوجًا غيره.

إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا، فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره بالإجماع؛ لقول الله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، وقد دلت السنة على أن المراد بذلك: العقد والوطء، فلا يكفي العقد.

وقد جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي طلق امرأته طلاقًا بائنًا، فتزوجت بعده بعبدالرحمن بن الزبير، فكأنها حنت لزوجها لرفاعة، تريد أن ترجع لرفاعة، فأتت النبي واشتكت من عيبٍ في عبدالرحمن، قالت: «يا رسول الله، إنه ليس معه إلا هدبةٌ مثل هدبة الثوب»، وأخذت بهدبة من جلبابها، فقال أبو بكرٍ: انظروا إلى هذه لا تستحي، فتبسم النبي ؛ وهذا يدل على أنه يوجد بعض النساء جريئاتٌ، تقول هذا الكلام بحضرة الرجال، فقال لها النبي : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عُسيلته ويذوق عسيلتك [9]، يعني: أنك.. هي أرادت أن تأتي بهذه الحيلة؛ لكي ترجع لزوجها الأول، لكنها أخطأت في الفهم، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا، لا بد أن يطأك عبدالرحمن بن الزبير، فإذا لم يحصل الوطء، فإنك لا تحلين لرفاعة، حتى لو طلقك عبدالرحمن بن الزبير.

ومثل هذه القصة، العادة أنها تنتشر، وبالفعل انتشرت في المدينة، فسمع بذلك عبدالرحمن بن الزبير، فأتى مسرعًا ومعه ابنان له، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ما هذان؟ قال: ابناي يا رسول الله، فقال : لهم أشبه به من ‌الغراب ‌بالغراب، يشبهانه؛ وهذا يدل على قدرته على الوطء، فعرف النبي عليه الصلاة والسلام أنها كاذبةٌ، قال عبدالرحمن: «يا رسول الله كذبت، إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشزٌ، تريد أن ترجع إلى رفاعة» [10]، فعبدالرحمن أيضًا أراد أن يدافع عن نفسه.

فهذه القصة تدل على أنه لا بد أن يطأها الثاني، أن ينكحها نكاح رغبةٍ، ويحصل الوطء أيضًا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.

قال.. وسيأتي إن شاء الله، سيأتي الكلام عن هذه المسألة أيضًا بعد قليلٍ، سيأتي الكلام عنها في فروعٍ أخرى.

تحريم المُحرِمة حتى تحل من إحرامها

قال:

والمُحرِمةُ حتى تحل من إحرامها.

لقول النبي : لا يَنكح المحرم ولا يُنكِح، ولا يَخطب [11]؛ وبناءً على ذلك: لو أن امرأةً لم تطف طواف الإفاضة، أو لم تطف طواف العمرة، أو أنها أُفتِيَت بعدم صحة طوافها لأي سببٍ ثم تزوجت، عقد عليها؛ فإن النكاح غير صحيحٍ.

أو أن الرجل أُفتي بأن طواف الإفاضة، أو طواف العمرة غير صحيحٍ، أو أنه لم يطف طواف الإفاضة أو طواف العمرة ثم تزوج؛ فإن زواجه غير صحيحٍ.

وأذكر مرةً في الحج: أن رجلًا استَفتى المشايخ، وأفتوه بأن طواف الإفاضة غير صحيحٍ، إما أنه لم يأت به، أو أنه كان هناك إشكالٌ، وبقي ثلاثة عشر عامًا لم يحج بعدها، وتزوج خلال هذه الفترة وأنجب، فأفتاه المشايخ بأنه يجب عليه أن يجدد عقد النكاح، والوطء وطء شبهةٍ لا إثم عليه فيه، والأولاد أولاد شرعيون، لكن أفتوه بأنه يجب عليه أن يجدد عقد النكاح؛ لأنه لما تزوج كان مُحرِمًا؛ لكونه لم يأت بطواف الإفاضة، فهذه مسألةٌ من المسائل المهمة، والمسائل الكبيرة، والتي فيها خطورةٌ، فإذا لم يأت الإنسان بطواف الإفاضة، أو طواف العمرة -رجلًا كان أو امرأة- ثم تزوج خلال هذه الفترة، فيكون الزواج غير صحيحٍ، فيكون زواجه غير صحيحٍ.

تحريم المسلمة على الكافر

والمسلمةُ على الكافر.

المسلمة لا يجوز أن تتزوج بالكافر مطلقًا، حتى لو كان كتابيًا بالإجماع، وهذا بالإجماع؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة: 221]، وقوله: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10].

تحريم الكافرة غير الكتابية على المسلم

والكافرةُ غير الكتابية على المسلم.

لا يجوز للمسلم أن يتزوج بكافرةٍ غير كتابيةٍ؛ كالبوذية مثلًا والوثنية والهندوسية، لا يجوز، وأما الكتابية -يعني اليهودية أو النصرانية- فيجوز بالإجماع؛ لقول الله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [المائدة:5]، لا بد أن تكون أيضًا محصنةً عفيفةً، لا بد أن تكون هذه الكتابية عفيفةً، فإن كانت ممن يتخذن أخذانًا؛ لا يجوز أن يتزوج بها، لكن لا بد أن تكون عفيفةً.

وقد رُوي عن ابن عمر رضي الله عنهما المنع من نكاح الكتابية، لكن لعل هذا من باب النصيحة، كان بعض الصحابة ينصح بعدم نكاح الكتابية، لكن لا قول لأحدٍ مع قول الله، فالله تعالى هو الذي أباح نكاح الكتابية، لكن كان بعض الصحابة وبعض السلف ينصحون بعدم الزواج من الكتابية؛ لأنها ستتولى تربية أولاد الإنسان، وكما روي عن عمر : كيف يتزوج امرأةً تقول: إن عيسى ربها، وتأتي بالصليب في بيته، فكانوا ينصحون على سبيل النصيحة بعدم الزواج من الكتابية، لكن من حيث الحكم الشرعي لا قول لأحدٍ مع قول الله ​​​​​​​، يجوز الزواج من الكتابية إذا كانت عفيفةً بالإجماع.

الطالب:

الشيخ: حتى لو كانت..

الطالب:

الشيخ: لا، إذا كانت تنتسب لأُمَّةٍ يهوديةٍ أو نصرانيةٍ فهي كتابيةٌ؛ لأن أيضًا أهل الكتاب وقت نزول القرآن يقعون في الشرك الأكبر: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ..[التوبة:30]، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [المائدة:73]، ومع ذلك أباح الله تعالى لنا طعامهم، وأباح نساءهم، ما دام أنها تنتسب لأمَّةٍ يهوديةٍ أو نصرانيةٍ؛ فهي من أهل الكتاب.

الطالب:

الشيخ: الملحدة لا يجوز أن يتزوج بها، لا يجوز؛ لأنها تعتبر كافرةً وليست من أهل الكتاب.

حكم نكاح الأمة

ولا يحل لحرٍّ كامل الحرية نكاح الأمة ولو مبعَّضةً، إلا إن عَدم الطَّوْل وخاف العنت.

وهذا بنص الآية، كما في قول الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا يعني لم يستطع المهر أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ يعني الحرائر الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، يعني: ليس له أن يتزوج بالأمة، إلا إذا كان لا يستطيع مهر الحرة، ثم ذكر الله تعالى شرطًا ثانيًا، وهو: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، العنت، ما معنى العنت؟ يعني الزنا، فذكر الله تعالى شرطين لجواز زواج الحر بالأمة:

  • الشرط الأول: أن يعدم مهر الحرة؛ لقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ.
  • الشرط الثاني: أن يخاف على نفسه الزنا؛ لقوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ.
ولا يكون ولد الأمة حرًّا إلا باشتراط الحرية، أو الغرور.

يعني لا يكون ولد الأمة التي ينكحها حرًّا إلا في موضعين:

  • الموضع الأول: أن يشترط الزوج حرية ولده من الأمة على مالك الأمة.
  • والشرط الثاني: أن يغر الزوج بالأمة بأن يظنها حرةً فيتبين أنها أمةٌ، فيكون الولد حرًّا.

أما السيد فولده منها يعتبر حرًّا.

إن ملك أحد الزوجين الآخر أو بعضه؛ انفسخ النكاح

وإن ملك أحد الزوجين الآخر.

طبعًا هذه مسائل الرق الآن، نحن نتكلم عنها من ناحيةٍ نظريةٍ، انقرض الرق في العالم، أصبح مجرَّمًا دوليًّا، وأيضًا ممنوعًا في جميع دول العالم بلا استثناءٍ، ولا وجود له الآن، وما يقال في بعض الدول من وجود الرق، فهو رقٌّ غير شرعيٍّ، لا يُعلم أن هناك رقًّا شرعيًّا اليوم على ظهر الأرض، لكن قد يستفاد منها في مسائل فقهيةٍ، أحيانًا يستفاد؛ مثل مثلًا: في جناية الرقيق مع سيده، استفاد منها العلماء المعاصرون في الشركات ذات المسؤولية المحدودة، يعني قد يستفاد منها في بعض النوازل وبعض المسائل المعاصرة، فلا يقال إنه ليس فيها فائدةٌ، فيها فوائد.

وإن ملك أحدُ الزوجين الآخرَ أو بعضه؛ انفسخ النكاح.

إذا ملك أحد الزوجين الآخر، إما بشراءٍ أو هبةٍ أو إرثٍ؛ فإن النكاح ينفسخ، فلو كان الزوجان رقيقين، ثم أُعتق أحدهما، فالذي أعتق اشترى الزوج الآخر؛ فالنكاح ينفسخ مباشرةً، وعلل الفقهاء لذلك؛ قالوا: لأن أحكام المِلك والنكاح تتناقض فلا تجتمع.

حكم من جمع في عقدٍ بين مباحةٍ ومحرمةٍ

ومن جمع في عقدٍ بين مباحةٍ ومحرَّمةٍ؛ صح في المباحة.

يعني كأن جمع بين امرأةٍ يحل له نكاحها، وامرأةٍ أخرى لا يحل له نكاحها، يصح في المباحة، ولا يصح في المحرمة، وهذا ظاهرٌ.

من حرم نكاحها حرم وطؤها بالملك، إلا الأمة الكتابية

ومن حرم نكاحها، حرم وطؤها بالملك.

لأنه إذا حرم النكاح لكونه طريقًا للوطء؛ فالوطء نفسه أولى بالتحريم.

إلا الأمة الكتابية.

الأمة الكتابية يحرم نكاحها، لكن لا يحرم وطؤها بملك اليمين.

باب الشروط في النكاح

ثم قال المصنف رحمه الله:

باب الشروط في النكاح

الشروط في النكاح: هي ما يَشترط أحد الزوجين على الآخر مما له فيه غررٌ، والشروط يمكن أن تكون من الزوج ومن الزوجة، لكن جرت عادة الناس أن الذي يشترط من الزوج أو الزوجة؟ الزوجة، الزوجة هي التي تشترط على الزوج، ونادرًا أن الزوج يشترط على الزوجة، هل سمعتم أن زوجًا اشترطت على زوجته؟ نادرٌ، مع أنه شرعًا يجوز للزوج أن يشترط على زوجته، لكن واقعًا الواقع أن الزوجة هي التي تشترط الشروط على الزوج.

الطالب:

الشيخ: إي نعم، لكن ما سمعنا، يندر أن نسمع أن زوجًا اشترط على زوجته شروطًا، لكن لو أراد الزوج أن يشترط؛ له ذلك؛ لأن هذا عقدٌ، الزواج عقدٌ، فما دام عقدًا؛ فلكلٍّ من الطرفين أن يشترط على الآخر ما يريد مما له فيه مصلحةٌ، فكما أن الزوجة لها أن تشترط، فأيضًا للزوج أن يشترط.

الفرق بين شروط النكاح والشروط في النكاح

وشروط النكاح، والشروط في النكاح بينهما فروقٌ؛ مثل شروط البيع، والشروط في البيع، شروط الوقف، والشروط في الوقف، فمن هذه.. يعني لاحِظ: الفروق تتشابه مع الفروق، ما بين شروط البيع، والشروط في البيع.

فمن الفروق:

  • الفرق الأول: أن شروط النكاح من وضع الشارع، مثلما قلنا في شروط البيع، بينما الشروط في النكاح من وضع العاقد.
  • الفرق الثاني: أن شروط النكاح تتوقف عليها صحة النكاح، مثلما قلنا في البيع، أن شروط البيع يتوقف عليها صحة البيع، بينما الشروط في النكاح لا تتوقف عليها صحة النكاح، وإنما لزومه.
  • أيضًا شروط النكاح لا يمكن إسقاطها، أما الشروط في النكاح فيمكن ممن هي له.
  • أيضًا شروط النكاح كلها صحيحةٌ، بينما الشروط في النكاح منها ما هو صحيحٌ، ومنها ما هو فاسدٌ كما سيأتي.

والأصل في الشروط الصحة، ووجوب الوفاء بها؛ ولهذا لو اختُلف في شرطٍ هل هو صحيحٌ، أو غير صحيحٍ، نرجع للأصل، نقول: الأصل أنه صحيحٌ، ويلزم من قال: إنه غير صحيحٍ، الدليل.

طيب، الشروط المعتبرة: هي ما كان في صلب العقد، أو اتفقا عليه قبل العقد، أما ما كان بعد العقد فلا يكون لازمًا؛ لأن النكاح ليس فيه خيارٌ.

فمثلًا لو تم عقد النكاح، وفي اليوم الثاني أتى ولي الزوجة وقال للزوج: نريد أن نشترط شروطًا، فاتنا أمس أن نشترط شروطًا، هل يصح؟ لا يصح، يكون بالتفاهم، بالتفاهم نعم، لكن كشرطٍ لا يصح.

في صلب النكاح، أو في صلب العقد يعني عند الإيجاب أو القبول، بأن يقول مثلًا: زوَّجتك ابنتي فلانة على أن تسكنها في بيتٍ مستقلٍّ مثلًا، وعلى مثلًا أن تكون وظيفتها لها، وعلى كذا وكذا، هذا معنى “في صلب النكاح”.

أو قبل النكاح بأن يكتب في عقد النكاح، ويتفاهم عليه، ثم بعد ذلك يكون الإيجاب والقبول، وعادة الناس اليوم أن الشروط تكون في صلب النكاح، أو قبل النكاح؟ قبل النكاح، يتفاهمون عليها، وتكتب في الوثيقة، ثم بعد ذلك يكون الإيجاب والقبول.

فإذنْ عندنا في صلب النكاح يصح، قبل النكاح يصح، بعد النكاح لا يصح.

الطالب:

الشيخ: لا، ليس له ذلك؛ لأنه ليس في النكاح خيارٌ.

أقسام الشروط في النكاح

قال:

وهي قسمان: صحيحٌ، وفاسدٌ.

ثم إن الفاسد ينقسم أيضًا إلى قسمٍ يبطل النكاح، وقسمٍ لا يبطل، كما سيأتي.

صحيحٌ لازمٌ للزوج.

بدأ المؤلف بالشروط الصحيحة، وضابط الشروط الصحيحة: ما لا ينافي مقتضى العقد، ولم ينه عنه الشارع أو يبطله، هذا هو الضابط، لاحِظ أنه هو نفس الضابط في الشروط الصحيحة في البيع.

قال:

فليس له فكُّه.

يعني فك من اشترطت عليه زوجته الشروط الصحيحة، إلا إذا طلقها؛ لأنه بزوال العقد يزول ما هو مرتبطٌ بذلك.

هل يجب الوفاء بالشروط؟

عند الجمهور أنه يستحب ولا يجب.

والقول الثاني: أنه واجبٌ، واختاره ابن تيمية رحمه الله وجمعٌ من المحققين؛ لقول النبي : إن أحق الشروط أن تُوفُوا به: ما استحللتم به الفروج [12].

ثم مثَّل المؤلف بأمثلةٍ، طبعًا إذا قلنا بوجوب الوفاء؛ فمعنى ذلك: أن من شرط هذا الشرط، يعني الزوجة إذا شرطت هذا الشرط؛ يكون لها حق طلب الفسخ من غير عوضٍ، هذه فائدة الشروط؛ مثلًا اشترطت عليه أن يسكنها في بيتٍ مستقلٍّ فلم يفعل، فتطلب الفسخ من غير عوضٍ، بينما لو لم تشترط هذا الشرط؛ لم يكن لها ذلك إلا بعوضٍ وخلعٍ.

أمثلةٌ للشروط الصحيحة في النكاح

مثَّل المؤلف في الشروط الصحيحة، قال:

كزيادة مهرٍ.

يعني بأن يكون مثلًا مهر المثل في بلدها كذا، وتشترط زيادةً على ذلك المهر، فهذا شرطٌ صحيحٌ.

أو نقدٍ معينٍ.

تشترط الزوجة مثلًا أن يكون المهر بعملةٍ معينةٍ.

أو لا يخرجها من دارها أو بلدها.

بأن تبقى مثلًا في بيت والديها، لكون لوالديها مثلًا يحتاجان لها، ونحو ذلك، أو تبقى عند أولادها إن كان لها أولادٌ، فلا يخرجها من دارها أو من بلدها، وهذا من بلدها..، كان الناس قديمًا يشترطون هذا الشرط: أن تبقى في بلد أهلها، هذا كله شرطٌ صحيحٌ.

أو ألا يتزوج عليها.

إذا شرطت الزوجة على الزوج ألا يتزوج عليها؛ فهذا شرطٌ صحيحٌ على المذهب؛ لأن لها غرضًا صحيحًا فيه؛ فإن كونها تعيش مع زوجها منفردةً، هذا من أعظم مصالحها، ووجود ضرةٍ لها تتشارك معها في زوجها، فهذا يفوت عليها هذه المصلحة.

وقال بعض العلماء: إن النكاح صحيحٌ والشرط باطلٌ، لكن الصواب: هو ما ذهب إليه المؤلف؛ لأنه شرطٌ صحيحٌ للمرأة فيه غرضٌ، وأما القول بأن هذا الشرط يؤدي إلى تحريم ما أحل الله للزوج من التعدد، فهذا غير صحيحٍ؛ إذ إن الزوج يجوز له أن يعدد، لكن فائدة من اشترط هذا الشرط: أن الزوج لو عدَّد؛ يكون لها حق الفسخ فقط من غير أن تبذل عوضًا، وليس معنى هذا: أن الزوج يحرم عليه أن يتزوج عليها.

فعلى ذلك نقول: هذا شرطٌ صحيحٌ، فالذين قالوا: إنه شرطٌ غير صحيحٍ، انطلقوا من منطلق أن هذا فيه تحريمٌ لما أحل الله، لكن هذا غير صحيحٍ، ليس فيه تحريمٌ لما أحل الله، بل الزوج له أن يتزوج، حتى لو شرطت عليه ألا يتزوج عليها، لكنها تستفيد من هذا الشرط أنه لو تزوج عليها؛ فلها أن تطلب الفسخ من غير بذل عوضٍ، فانتبه لهذه المسألة، المسألة دقيقةٌ، إذا تزوج عليها؛ لها أن تطلب الفسخ من غير أن تبذل عوضًا، لكن ليس معنى ذلك: أن الزوج لا يتزوج عليها، له أن يتزوج.

الطالب:

الشيخ: لها حق الفسخ إذا علمت.

الطالب:

الشيخ: لا، إذا قالوا: يجب الوفاء به؛ يجب أن يوفي إذا طلبها في طلب الفسخ، هذا هو المقصود، إي نعم.

قال:

أو لا يفرق بينها، وبين أبويها.

هذا شرطٌ صحيحٌ، إذا أرادت أن تسكن مع أبويها ورضي بذلك.

أو أولادها.

هذا أغلب ما يكون في المرأة التي لها أولادٌ، تشترط أن تبقى مع أولادها، هذا شرطٌ صحيحٌ.

أو أن ترضع ولدها.

إذا كان لها ولدٌ من زوجٍ سابقٍ واشترطت أن ترضع ولدها، هذا شرطٌ صحيحٌ.

حكم اشتراط المرأة طلاق ضرتها

أو يطلق ضرتها.

يعني هل هذا -على رأي المؤلف- شرطٌ صحيحٌ، أو غير صحيحٍ على رأي المؤلف؟ على رأي المؤلف صحيحٌ؛ لأنه قرنه بالشروط الصحيحة، فالمؤلف يقول: إنه شرطٌ صحيحٌ، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة؛ قالوا: لأنه شرطٌ لها فيه فائدةٌ، ولا ينافي مقتضى العقد.

والقول الثاني: أن هذا الشرط باطلٌ؛ وذلك لقول النبي : لا يحل لامرأةٍ أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإنما لها ما قُدِّر لها [13]، وهذا الحديث أخرجه البخاري في “صحيحه”، وهو صريح الدلالة: لا يحل يعني: يحرم، يحرم على المرأة أن تسأل طلاق ضرتها، وهذا هو القول الراجح أنه لا يجوز للمرأة أن تشترط طلاق ضرتها.

والقول بأن هذا شرطٌ صحيحٌ، هذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأن الحديث صريحٌ وصحيحٌ وهو في “البخاري”، وصريح الدلالة في التحريم: لا يحل، هل هناك أصرح من هذا؟! لا يحل لامرأةٍ أن تسأل طلاق أختها، هذا صريحٌ في التحريم، فالقول بجواز أو بصحة هذا الشرط، هذا قولٌ ضعيفٌ، والصواب: أن هذا الشرط شرطٌ باطلٌ، وأن المرأة تأثم لو اشترطت طلاق ضرتها.

وابن القيم رحمه الله لما ذكر هذه المسألة؛ قال: فإن قيل: ما الفرق بين هذا وبين اشتراطها ألا يتزوج عليها، حتى صححتم هذا وأبطلتم شرط طلاق الضرة؟

ثم أجاب عن هذا السؤال، قال: الفرق بينهما: أن في اشتراط طلاق الزوجة -يعني طلاق الضرة- من الإضرار بها -يعني من الإضرار بضرتها- وكسر قلبها، وخراب بيتها، وشماتة أعدائها -شماتة الأعداء أحيانًا أشد من ألم المصيبة، خاصةً بالنسبة للمرأة- ما ليس في اشتراط عدم نكاحها ونكاح غيرها، اشتراط ألا يتزوج عليها، ليس مخصوصًا بامرأةٍ معينةٍ، هي اشترطت ألا يتزوج عليها، وهو شرطٌ صحيحٌ، لكن إذا اشترطت طلاق امرأةٍ معينةٍ، هذا فيه إضرارٌ عظيمٌ بها، ففرق بين المسألتين، فإذا اشترطت ألا يتزوج عليها هذا شرطٌ صحيحٌ، اشترطت طلاق ضرتها، نقول: شرطٌ غير صحيحٍ.

قال:

فمتى لم يف بما شرط؛ كان لها الفسخ على التراخي.

هذه فائدة الشروط: أنه إذا لم يف الزوج بها؛ كان لها الفسخ.

ولا يسقط إلا بما يدل على رضاها من قولٍ، أو تمكينٍ مع العلم.

يعني لا يسقط هذا الشرط الذي اشترطته الزوجة، إلا إذا أسقطته بتصريحٍ، أو بتمكينٍ مع العلم، يعني إذا مكنته من نفسها مع علمه بعدم الوفاء بالشروط، فيسقط الشرط مباشرةً؛ لأنها بهذا التمكين قد تكون رضيت بإسقاطه.

الشروط الفاسدة في النكاح

ثم انتقل المؤلف للكلام عن الشروط الفاسدة، وكما ذكرنا هي نوعان: نوعٌ يبطل النكاح، ونوعٌ لا يبطل النكاح.

ابتدأ بالقسم الأول:

أولًا: الشروط المبطلة للعقد

قال:

والقسم الفاسد نوعان: نوعٌ يُبطل النكاح، وهو أن يزوجه.

ابتدأ المؤلف بالشِّغَار.

نكاح الشِّغَار

أن يزوجه موليته بشرط: أن يزوجه الآخر موليته ولا مهر بينهما.

هذا تعريف الشغار، “يزوجه موليته”؛ كابنته أو أخته، على “أن يزوجه الآخر موليته”؛ كابنته أو أخته، “ولا مهر بينهما”، يسميه بعض العامة نكاح ماذا؟ نكاح البدل، وسمي شِغارًا؛ لأنه من كلمة: شَغَر المكانُ، شغر يعني: خلا؛ كمكانٍ شاغرٍ، وظيفةٍ شاغرةٍ، يعني: خالية، مادة شغر تدل على الخلو، وسمي بذلك؛ لخلوه عن العوض.

وقيل: سمي شغارًا؛ لقبحه، تشبيهًا بالكلب الذي يرفع رجله حين يبول، يقال: شغر الكلب، إذا رفع رجله ليبول.

والتفسير الذي فسره المؤلف به جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي نهى عن الشغار، والشغار: أن ينكح ابنة الرجل، وينكحه ابنته بغير صداقٍ، وينكح أخت الرجل، وينكحه أخته بغير صداقٍ [14]، لكن الصحيح: أن هذا من كلام نافعٍ، وليس من كلام النبي ، وإن كان قد جاء في بعض الروايات مرفوعًا، لكن هو من كلام نافعٍ، وليس من كلام النبي .

وأيضًا جاء في “صحيح مسلمٍ” أن النبي قال: لا شغار في الإسلام [15]، وأيضًا يعني بهذا الشرط يكون قد طلب النكاح بفرج موليته وليس بماله، والله تعالى يقول: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ، والصداق هو للمرأة وليس للولي، فكأنه استغلالٌ من الولي لموليته في قضاء مآربه.

ثم أيضًا هذا فيه خلافٌ لمقتضى الأمانة، الولي أمينٌ على موليته، فليس له أن يستغلها لتحقيق مآربه الخاصة، ويتعامل مع موليته كأنها سلعةٌ من السلعة.

فإذنْ إذا لم يكن بينهما صداقٌ؛ فهذا هو الشغار، أما إذا كان بينهما صداقٌ؛ كأن يزوج ابنته بشرط أن يزوجه الآخر ابنته، وكلٌّ منهما دفع صداقًا، أو يزوج أخته بشرط أن الآخر يزوجه أخته، وكل منهما دفع صداقًا، فهل يكون شغارًا؟

المذهب أنه لا يكون شغارًا.

والقول الثاني: أنه يدخل في معنى الشغار ولا يصح، حتى لو كان بينهما مهرٌ، وهذا روايةٌ في المذهب اختاره ابن تيمية، واختاره شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ، رحمة الله على الجميع، وهو القول الراجح، أنه لا يجوز حتى لو كان بينهما مهرٌ؛ وذلك لما جاء عند أبي داود وأحمد: أن العباس بن عبدالله بن العباس أنكح عبدالرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبدالرحمن ابنته، وكان قد جعل صداقًا، فبلغ ذلك معاوية، فكتب معاوية إلى مروان أن يأمره، كتب معاوية إلى مروان بالتفريق بينهما، وقال: هذا هو الشغار الذي نهى عنه النبي [16]، وكان هذا بمحضرٍ من الصحابة؛ فكان كالإجماع من الصحابة  على ذلك.

وعلى ذلك نقول: إنه إذا شرط أن يزوجه موليته، فيكون هذا شغارًا، سواءٌ أكان بينهما صداقٌ أو لم يكن بينهما صداقٌ، ما دام أن هذا الشرط موجودٌ؛ فلا يصح النكاح.

الطالب:

الشيخ: هذا هو القول الراجح نعم، أما إذا لم يكن بينهما صداقٌ؛ فبالإجماع، لكن إذا كان بينهما صداقٌ؛ محل خلافٍ، والقول الراجح أيضًا أنه يكون من الشغار؛ لأن هذا -كما ذكرنا- هو المأثور عن الصحابة ، ومعاوية  كتب بالتفريق بينهما، وهذه القصة اشتهرت فكانت كالإجماع.

الطالب:

الشيخ: ولو اختلف، ما دام هناك شرطٌ، لا يجعلان بينهما شرطًا، لا يقول: لا أزوجك ابنتي إلا بشرط أن تزوجني ابنتك.

أو يجعل بُضع كل واحدةٍ مع دراهم معلومةٍ مهرًا للأخرى.

يعني لو أراد أن يحتال ويقول: نحن لا نخرج عن صورة النكاح، فيشترط ويجعل دراهم معلومةً مع هذا الشرط؛ فإن هذا لا يصح.

نكاح المحلل

أو يتزوجها بشرط: أنه إذا أحلها؛ طلقها.

هذا نكاح المحلل، وهذا -نكاح المحلل- نكاحٌ فاسدٌ، وصورته: أن يتزوجها بشرط: أنه إذا أحلها؛ طلقها، يعني هذا رجلٌ طلق امرأته ثلاثًا، وأتى لصديقه، أو أن صديقه أتى من نفسه، قال: سوف أتزوج زوجتك لمدة أسبوعٍ ثم أطلقها فتعتد ثم تحل لك، لا يجوز، هذا نكاح المحلل، وقد أجمع العلماء على تحريمه، وجاء في حديث ابن مسعودٍ : “لعن رسول الله المحلِّل والمحلَّل له” [17]، قال الترمذي: “والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم”.

وجاء في حديث عقبة: ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ ، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلِّل، لعن الله المحلل والمحلل له! [18]، وإن كان في سنده مقالٌ، لكن له شواهد وطرقٌ، فهذا المحلل يسمى: التيس المستعار، فلا يجوز.

أو ينويه بقلبه.

يعني ينوي الزواج الثاني، يعني ينوي الزوج الثاني الطلاق بقلبه؛ بأن تكون مبادرةً من هذا الزوج، هذا رجلٌ رأى أن صديقه طلق امرأته ثلاثًا، وعنده منها أولادٌ، وحزن عليها وهو يريدها، فذهب وتزوجها، وهو ينوي أن يطلقها؛ لأجل أن يحلها لصديقه، هذا لا يجوز، هذ معنى كلام المؤلف رحمه الله؛ ولهذا جاء رجلٌ إلى ابن عمر رضي الله عنهما فسأله عن رجلٍ طلق امرأته ثلاثًا فتزوجها أخٌ له من غير أن يأمره بذلك؛ ليحلها لأخيه، هل تحل للأول؟ قال ابن عمر: “لا، إلا نكاح رغبةٍ”، يعني لا بد أن الثاني ينكحها نكاح رغبةٍ، “كنا نعد هذا سفاحًا على عهد رسول الله [19].

أو يتفقا عليه قبل العقد.

وهذا من باب أولى، إذا اتفق مع هذا الرجل على أن يتزوجها ثم يطلقها؛ فهذا لا يحل، يعتبر داخلًا في صورة التحليل، لكن هناك صورةٌ أجازها جمهور الفقهاء، وهي أن المرأة هي التي تقصد التحليل، أو وليها يقصد التحليل، ولا يقصد ذلك الزوج، إنما المرأة أو وليها، يقولون: إن هذا يصح، ولا يؤثر في العقد؛ ولذلك في قصة امرأة رفاعة التي أتت النبي عليه الصلاة والسلام، وأرادت أن ترجع لرفاعة، النبي عليه الصلاة والسلام لم ينكر عليها رغبتها أو نيتها الرجوع إلى رفاعة، لكن قال: حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلت [20].

وأيضًا قال الموفق بن قدامة: إن نية المرأة ليست بشيءٍ؛ لأن العقد إنما يبطل بنية الزوج؛ لأنه هو الذي بيده عصمة العقد، هو الذي بيده عصمة النكاح، وهو الذي إليه المفارقة والإمساك، أما المرأة فلا تملك رفع العقد، فوجود نيتها وعدمها سواءٌ؛ فعلى ذلك: لو أن المرأة هي التي نوت، هذا رجلٌ طلق امرأته ثلاثًا، ومثلًا لها منه أولادٌ، المرأة نفسها هي التي أرادت أن تبحث عن زوجٍ لكي تتزوج به ثم يطلقها، فتزوجها هذا الزوج نكاح رغبةٍ، تزوجها ونكحها نكاح رغبةٍ ثم طلقها؛ فإنها تحل لزوجها الأول، وإن كانت المرأة فعلت ذلك لأجل ذلك؛ لأن نية المرأة -كما قال الموفق- ليست بشيءٍ، ليس بيدها عصمة النكاح، وليس بيدها الطلاق.

الطالب:

الشيخ: نعم حتى لا تملك الفسخ بدون سببٍ، فالعصمة بيد الزوج.

الطالب:

الشيخ: ممكن، إذا وطئها، ممكن أنها تطلب الخلع، المهم أنه إذا حصل هذا من الزوجة؛ فعند الجمهور أنه يصح، ولا يعتبر من صور التحليل المحرم.

الطالب:

الشيخ: أما الرجل لا.

الطالب:

الشيخ: إذا تواطأ معها؛ لا يجوز، لكن إذا كان بمبادرةٍ منها؛ فيجوز؛ ولهذا أخذ بعض الفقهاء من هذا ضابطًا فقهيًّا، فقالوا: من لا فرقة بيده، لا أثر لنيته.

نكاح المتعة

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن نكاح المتعة، قال:

أو يتزوجها إلى مدةٍ، أو يشرط طلاقها في العقد بوقت كذا.

يعني هذا النكاح المؤقت، ويسمى نكاح المتعة، وهذا حرام بالإجماع؛ مثل أن يقول: زوَّجتك ابنتي مدة شهرٍ أو سنةٍ أو إلى انقضاء الموسم، أو نحو ذلك، فهذا نكاحٌ باطلٌ.

والنبي يقول: كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة [21].

وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: الروايات المستفيضة المتواترة على أن الله حرم نكاح المتعة بعد إحلالها، والصواب أن نكاح المتعة إنما حرِّم عام فتح مكة، ولم يحل بعد ذلك، ولم يحرَّم عام خيبر، وذكر الإمام ابن القيم أن النهي أيضًا لم يقع عام خيبر، وفي هذا ردٌّ على من قال من العلماء: إن نكاح المتعة أبيح ثم حرم، ثم أبيح ثم حرم، قالوا: لا نعلم شيئًا أبيح مرتين وحرم مرتين إلا نكاح المتعة، وهذا قولٌ غير صحيحٍ، وإنما نكاح المتعة كان مباحًا، ثم حرم عام فتح مكة، وبقي محرمًا إلى قيام الساعة.

وهذا أيضًا لا يليق بالشريعة: أن شيئًا يباح ثم يحرم، ثم يباح ثم يحرم، لا يليق بالشريعة الإسلامية؛ فالصواب كما قال ابن تيمية وابن القيم والمحققون من أهل العلم: أن نكاح المتعة كان مباحًا ثم حرم، كغيره من الأحكام الشرعية، يكون مباحًا ثم يحرم، أو محرمًا ثم يباح، لكنه يكون مباحًا ثم حرم، ثم يباح ثم حرم، فهذا مبنيٌّ على رواياتٍ ضعيفةٍ.

فالصواب: أنه إنما حرم عام فتح مكة مرةً واحدةً، كان مباحًا ثم حرم، وبقي تحريمه إلى قيام الساعة، فانتبه لهذه المسألة؛ لأن هناك مقولةً لبعض العلماء: أنه كان مباحًا ثم حرم، ثم أبيح ثم حرم، وقالوا: لا نعلم أن شيئًا أبيح مرتين، وحرم مرتين، إلا نكاح المتعة، هذا قولٌ غير صحيحٍ، مبنيٌّ على رواياتٍ ضعيفةٍ غير محفوظةٍ.

النكاح بنية الطلاق

قال:

أو ينويه بقلبه.

يعني ينوي الطلاق بقلبه بوقت كذا، وهذا ما يسمى بـ”النكاح بنية الطلاق”.

أو يتزوج الغريب بنية طلاقها إذا خرج.

فالنكاح بنية الطلاق يرى المؤلف أنه لا يصح؛ لأنه شبيهٌ بالمتعة، والنكاح بنية الطلاق محل خلافٍ، الموفق بن قدامة في “المغني” قال: إن النكاح بنية الطلاق صحيحٌ في قول عامة أهل العلم، إلا الأوزاعي قال: هو نكاح متعةٍ، قال: والصحيح.. يقول الموفق: والصحيح: أنه لا بأس به، ولا تضر نيته.

لكن قال ابن تيمية: لا نعلم أحدًا من أصحابنا -يعني من الحنابلة- ذكر أنه لا بأس به تصريحًا، إلا أبا محمدٍ، فأبو محمدٍ فقط هو الذي قال..، ابن قدامة هو الذي قال بذلك، والنكاح بنية الطلاق، من أبرز من قال بصحته: شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله، وروجع في ذلك مرارًا، وتمسك برأيه.

ووجهة من أباحه، قال: إن النية غير مؤثرةٍ في العقد، ولأن الرجل قد يتزوج بالمرأة بنية طلاقها ثم يرغب فيها.

والقول الثاني: أنه لا يجوز النكاح بنية الطلاق ولا يصح، وهذا هو القول الراجح، وقد أقره “المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي”، وهو الأظهر، ولما سئل الإمام أحمد عن النكاح بنية الطلاق، قال: هو شبيهٌ بالمتعة، لا، حتى يتزوجها على أنها امرأته.

ووجه تحريمه وعدم صحته: أن من يتزوج بنية الطلاق لا يخلو؛ إما أن تعلم المرأة أو وليها بذلك أو لا تعلم؛ فإن علمت المرأة بأنه سيطلقها؛ كان نكاح متعة،ٍ وإن لم تعلم؛ كان غاشًّا لها، وأي امرأةٍ سويةٍ لا ترضى بأن رجلًا يتزوجها وهو ينوي أن يطلقها، ففيه غشٌّ، إن علمت المرأة بأنه سيطلقها كان نكاح متعةٍ، وإن لم تعلم؛ كان غشًّا فلا يجوز.

ثم أيضًا في وقتنا الحاضر أسيء استخدام هذا النكاح من بعض الناس، حتى جُعل كالستار للزنا، وبعضهم يسافر ويتزوج عدة مراتٍ، يتزوج ويطلق، ويتزوج ويطلق، ويعبثون بأحكام الله .

قال:

أو يعلق نكاحها؛ كـ”زوجتك إذا جاء رأس الشهر”، أو “إن رضيت أمها”، أو “إن وضعت زوجتي ابنةً؛ فقد زوجتكها”.

يعني لا يصح التعليق في النكاح، وعندهم -عند الحنابلة- وعند الجمهور أنه لا يصح تعليق العقود كلها، نحن رجحنا في كتاب البيوع جواز صحة تعليق البيع، لكن في النكاح حتى وإن رجحنا صحة تعليق البيع؛ إلا أنه في النكاح لا يصح التعليق؛ لأن النكاح عقدٌ عظيمٌ، وسماه الله مِيثَٰقًا ‌غَلِيظًا [النساء:21]، فينبغي أن يُحترم وأن يصان وأن يعظم، ولا يعلق بشيءٍ، فالأقرب هو ما قرره المؤلف رحمه الله من أنه لا يصح النكاح مع التعليق.

الشروط الفاسدة غير المفسدة للعقد

ثم انتقل المؤلف للكلام عن الشروط الفاسدة غير المفسدة للعقد فقال:

الثاني: لا يبطله.

الزوج بلا مهرٍ ولا نفقةٍ

ومثَّل له بأمثلةٍ:

كأن يشترط: أن لا مهر لها.

إذا اشترط أن لا مهر لها، فالنكاح صحيحٌ والشرط فاسدٌ.

والقول الثاني: أنه إذا اشترط أن لا مهر لها؛ فإن العقد فاسدٌ، وهذا مذهب المالكية، واختاره ابن تيمية، وهو الأقرب والله أعلم؛ لأن الله تعالى قال: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24]، أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ، فقيد النكاح بابتغاء المال، وأيضًا قال: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، هذا خاصٌّ بالنبي عليه الصلاة والسلام، أن له أن يتزوج المرأة التي تهب نفسها بغير مهرٍ، وهذا يدل على اعتبار المهر، والنصوص كثيرةٌ في اعتبار المهر من القرآن والسنة؛ فعلى هذا نقول: إنه لا يصح اشتراط عدم المهر.

أيضًا في قصة الواهبة نفسها للنبي لما قال للرجل أيضًا قال: إن لم يكن لك بها حاجةٌ؛ فزوجنيها، قال: زوَّجتك بما معك من القرآن، دليلٌ على اعتبار المهر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ردد الرجلَ عدة مراتٍ، قال: هل عندك من شيءٍ؟، قال: لا، قال: اذهب والتمس ولو خاتمًا من حديدٍ، فلم يجد، قال: هل تحفظ شيئًا من القرآن عن ظهر قلبٍ؟، قال: سورة كذا وكذا، قال: زوجتك بما معك من القرآن [22]، فكون النبي عليه الصلاة والسلام يردده هذا الترديد؛ هذا يدل على اعتبار المهر.

فالقول الراجح: هو أن اشتراط عدم المهر يفسد العقد، وبذلك يُعلم خطأ بعض الناس الذين يقولون: نزوِّج فلانًا بدون مهرٍ، وهذا لا يصح، إنما بمهرٍ قليلٍ، لكن بدون مهرٍ؛ لا يصح.

الطالب: أو بريالٍ.

الشيخ: أو بريالٍ، بريالٍ هذا كأنه بدون مهرٍ، مثل هذا خطأٌ، إنما يخفف المهر، يخفف المهر، أما كلمة: بريالٍ، أو “بدون مهرٍ”، “بدون مهرٍ” هذا مفسدٌ للعقد، أحيانًا قد تأخذه العاطفة، يقول: هذا الزوج زوجٌ طيبٌ، وأنا أريد أن أزوجه بدون مهرٍ، لكن نقول: لا بد من المهر، خذ مهرًا ولو قليلًا، ولو ألف ريالٍ، يعني ولو مبلغًا يسيرًا، لكن لا بد من المهر؛ لأنه عقدٌ؛ لأن النكاح عقدٌ.

الطالب:

الشيخ: تأخذ المهر، ثم تتنازل، تتنازل عنه، لكن لا بد من المهر: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ، فالمهر لا بد منه.

الطالب:

الشيخ: طيب، فإن قال قائلٌ: ما الفرق بين هذه المسألة، وبين مسألة أنه يجوز عقد النكاح من غير تسمية المهر؟

نقول: هنا في هذه المسألة يَشترط عدم المهر، أما في المسألة الثانية المهر لا يسمى، المهر موجودٌ لكنه لا يسمى، فإذا اشترط أن لا مهر؛ فلا يصح، أما إذا عقد النكاح بغير تسمية المهر؛ فهذا يصح بالإجماع، ويكون لها مهر المثل.

زواج المسيار

أو لا نفقة.

يعني ليس لها نفقةٌ، يَشترط أن لا نفقة لها، أو لا مبيت لها، لا نفقة لها، إذا اشترط أن لا نفقة لها؛ فهذا أكثر ما يكون فيما يسمى بـ”زواج المسيار”، وهذا المصطلح -زواج المسيار- هذا موجودٌ عند دول الخليج، لكن ليس معروفًا بهذا المصطلح عند الناس في البلدان الأخرى، حسب ما ذكروه لنا في المجمع الفقهي، يعني فقهاء العالم الإسلامي من دولٍ أخرى، قالوا: لا نعرف هذا النكاح، هذا موجودٌ فقط لديكم في بلدان الخليج، وتسميته بالمسيار أورث نفورًا من بعض الناس، وإلا نكاح ما يسمى بنكاح المسيار هو نكاحٌ مكتمل الأركان والشروط، فيه ولي وشاهدان ومهرٌ، وجميع شروط النكاح وأركانه موجودةٌ، إلا أن المرأة تنازلت عن بعض حقوقها، فتنازلت عن المبيت، وعن السكن، ونحو ذلك بتفاهمٍ مع الزوج، فهو لا بأس به، وإن كان ليس هو الزواج المثالي المنشود، وربما يكون غير مقبولٍ اجتماعيًّا عند بعض الناس، لكنه صحيحٌ شرعًا.

أرأيت بعض الأنكحة قد تكون غير لائقةٍ اجتماعيًّا، يعني زواج الرجل من خادمته، أو زواج المرأة من السائق، إذا كان مكتمل الأركان والشروط بوليٍّ وشاهدين ومهرٍ، وبرضا الزوجين، صحيحٌ شرعًا، لكنه غير لائقٍ اجتماعيًّا.

الحد الأدنى لإعلان النكاح: وجود الشاهدين، إذا وُجد شاهدان؛ ففيه إعلانٌ، الحد الأدنى: هو وجود الشاهدين، فهو شرعًا إذنْ عقدٌ صحيحٌ.

فإن قال قائلٌ: إن نكاح المسيار فيه امتهانٌ للمرأة، فكيف نجيب عن هذا؟

نقول: أصلًا، نعم.. نشترط رضاها أصلًا، لا يتم أصلًا إلا برضاها، فإذا كان برضاها؛ فليس فيه امتهانٌ لها، بل أحيانًا قد يكون فيه مصلحةٌ، قد تكون هذه المرأة مثلًا لها أولادٌ، ولا تريد أن تنتقل لبيت الزوج، تريد أن تبقى في بيت زوجها، وهذا الزوج يتردد عليها من حينٍ لآخر، ففيه مصلحةٌ للطرفين جميعًا، للزوج وللزوجة، أو أنها مثلًا تريد أن تبقى في بيت والديها، المهم أنه قد يكون هناك ظروفٌ للزوج أو للزوجة فيقبلان بهذا النوع من الأنكحة، فهو لا بأس به، بشرط توفر الأركان والشروط، ومن أهمها: الولي، ووجود شاهدين، ووجود الشاهدين هو الحد الأدنى لإعلان النكاح، ويكون فيه مهرٌ، ولو قليلًا، لكن لا بد من المهر أيضًا.

طيب، فيما يسمى بزواج المسيار، إذا شرط الرجل على المرأة: أن لا نفقة لها، فهل هذا الشرط صحيحٌ؟

نقول: شرط غير صحيحٍ، حتى لو شرطت عليه؛ لأن هذا من الشروط الفاسدة التي ذكرها الفقهاء، لاحِظ قول المؤلف: “أو لا نفقة”، فهو شرطٌ فاسدٌ، حتى لو شرط في زواج المسيار أو في غيره: أن لا نفقة لها؛ فهو شرطٌ غير صحيحٍ.

الطالب: هذا يفسد الزواج.

الشيخ: لا، لا يفسد الزواج، الشرط فقط باطلٌ.

إذا شرطت المرأة أن يَقسم لها أكثر من ضرتها أو أقل

أو أن يَقسم لها أكثر من ضرتها.

هذا أيضًا يعتبرونه شرطًا غير صحيحٍ، إذا شرطت المرأة أن يقسم لها أكثر من ضرتها؛ كأن يكون له أكثر من امرأةٍ، فاشترطت عليه أن يبقى عندها ليلتين، وعند ضرتها مرةً واحدةً، ليلةً واحدةً، فيقولون: هذا يعني فيه تعدٍّ على أختها، فيكون شرطًا فاسدًا، لكن النكاح صحيحٌ.

أو أقل.

يعني تشترط المرأة أن يقسم لها أقل من ضرتها، وهذا نادرٌ، العادة أن المرأة أنه يكون هناك تنافسٌ بين النساء، تشترط مثل ضرتها أو أكثر، لكن تشترط أقل من ضرتها على سبيل الشرط، هذا نادرٌ، لكن يقول المؤلف: إن هذا الشرط غير صحيحٍ، والقول الثاني: أنه صحيحٌ، ولا مانع منه؛ لأنه مجرد تفضلٍ من هذه المرأة، تقول: أنا لا أريد ليلةً وليلةً، أريد أن تكون عند ضرتي ليلتين، وعندي ليلةً واحدةً، فما المانع من هذا؟ الصواب أنه شرطٌ صحيحٌ؛ ولهذا عائشة رضي الله عنها لما وهبت لها سودة ليلتها؛ لأن سودة تقدمت بها السن، وخشيت أن يطلقها النبي ، وتريد أن تبقى أمًّا للمؤمنين في عصمة النبي عليه الصلاة والسلام، فوهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنهما [23].

حكم اشتراط استرداد النفقة مقابل الطلاق

أو إن فارقها؛ رجع عليها بما أنفق، فيصح النكاح دون الشرط.

يعني هذا رجلٌ تزوج امرأةً، فاشترطت المرأة على الرجل أنه إن طلقها.. نعم، أو إن فارقها؛ رجع عليها بما أنفق، يعني الرجل هو الذي اشترط، “أو إن فارقها”؛ رجع الرجل عليها بما أنفق، فقال الرجل عند العقد: إن طلقتك؛ ترجعين لي جميع المهر، وجميع ما أنفقت عليك، فهذا شرطٌ غير صحيحٍ؛ لأنه منافٍ لمقتضى العقد؛ لأن المرأة تستحق المهر بالعقد، ويستقر بالدخول، والنفقة أيضًا تستحقها بمجرد التمكين.

الطالب:

الشيخ: نعم، هذه مسألةٌ أخرى.

طيب طيب، فقط نريد أن نكمل هذا الفصل حتى نقف عند باب حكم العيوب في النكاح.

الحكم إن اشترط الزوج شرطًا فبانت بخلافه

فصلٌ
وإن شرطها مسلمةً فبانت كتابيةً.

هذا الرجل اشترط: أن تكون هذه المرأة مسلمةً، ثم تبين بعد ذلك أنها كتابيةٌ، هنا انتقل المؤلف للكلام عن الرجل على زوجته، لاحظ هنا شروط الرجل على زوجته، فشرط أنها مسلمةٌ، فظهرت أنها كتابيةٌ، فله الخيار؛ لأنه قد غُرر به؛ لأن المسلمة أعلى من الكتابية.

أو شرطها بكرًا، أو جميلةً، أو نسيبةً.

فاختل الشرط؛ فله الخيار.

أو شرط نفي عيبٍ.

عيبٍ من العيوب، اشترط ألا يكون موجودًا فيها؛ لأنه رأى مثلًا أن أسرتها تنتشر فيها هذه العيوب، فاشترط أنه لا يكون فيها هذا العيب، ثم تبين أن فيها هذا العيب؛ فله الخيار.

فبانت بخلافه؛ فله الخيار.

وذلك لأنه شرط صفةً مقصودةً ففاتت، فيثبت له خيار الفسخ.

طيب، ما فائدة قولنا: إن الزوج له الخيار، يعني للمرأة الخيار واضحٌ، لكن للزوج الخيار، الفائدة: أنه يعاد له المهر كاملًا إذا كان قبل الدخول، أما إذا كان بعد الدخول، فالمهر قد استقر بالدخول، فيرجع على من غره، وسيأتي هذا في الدرس القادم -إن شاء الله- في عيوب النكاح.

لا إن شرطها أدنى، فبانت أعلى.

لأن ذلك زيادة خيرٍ، لو شرطها كتابيةً، فبانت مسلمةً، فالمسلمة خيرٌ من الكتابية.

ومن تزوجت رجلًا على أنه حرٌّ فبان عبدًا؛ فلها الخيار.

لأن الحرية أعلى من الرق، فلها الخيار أن تبقى معه أو تطلب الفسخ.

وإن شرطت فيه صفةً فبان أقل؛ فلا فسخ لها.

إذا شرطت الزوجة صفةً في الزوج؛ كأن تشترط أن يكون شابًّا، أو مثلًا ذا نسبٍ، أو جميلًا، فبان على العكس من ذلك، فلا فسخ، قالوا: لأن هذه الأمور تراد في المرأة دون الرجل.

والصحيح في هذه المسألة: أن لها الفسخ، وأن المرأة كالرجل في ذلك، بل إنها أولى بالفسخ من الزوج؛ لأن الزوج بيده الطلاق، أما هي فتستفيد من هذا الشرط، فالصواب: أن لها ذلك.

تملك الفسخ من عتقت كلها تحت رقيق كله

وتملك الفسخ من عَتقت كلها تحت رقيقٍ كله بغير حكم الحاكم.

إذا كانت المرأة رقيقةً، وزوجها رقيقٌ، ثم بعد ذلك عتقت، أعتقها سيدها، أو كاتبت سيدها؛ فلها الخيار بين أن تبقى مع زوجها الرقيق أو فسخ النكاح، والدليل لهذا قصة بَريرة مع زوجها مُغيثٍ؛ فإن بريرة لما عتقت خيرها النبي عليه الصلاة والسلام بين أن تبقى معه أو تفسخ النكاح، فاختارت الفسخ، فبلغ ذلك زوجها مغيثًا، فذهب يمشي في الطرقات ودموعه تسيل على خديه يبكي، فذكروا ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: ألا تعجبون من حب مغيثٍ بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا؟!، يعني هذا من العجائب، الزوج يحبها حبًّا شديدًا، وهي تبغضه بغضًا شديدًا، ثم دعا النبي عليه الصلاة والسلام بريرة وأشار عليها، قالت: يا رسول الله، أتأمرني أم تشير؟ قال: إنما أشفع، قالت: لا حاجة لي به [24]، فقالوا: كان هذا عجبًا، أن الزوج يحبها محبةً شديدةً، وهي تكرهه كراهيةً شديدةً! فدل هذا على أن المرأة إذا عتقت؛ فلها الخيار بين أن تبقى مع زوجها الرقيق، أو فسخ النكاح من غير حكم حاكم.

قال:

فإن مكنته من وطئها، أو مباشرتها، أو قبلتها، ولو جهلت عتقها، أو ملك الفسخ؛ بطل خيارها.

وقد استدلوا بروايةٍ عن في حديث بريرة: إنْ قَرِبك؛ فلا خيار لك [25]، لكنه ضعيفٌ؛ ولهذا قال بعض العلماء: إن لها الخيار ما لم تعلم، فإن علمت ومكنته من الوطء أو دواعيه؛ سقط حقها في الخيار، وهذا هو القول الأقرب في هذه المسألة.

ونقف عند باب العيوب في النكاح، وإن شاء الله -كما ذكرنا- يتوقف هذا الدرس إلى الحادي عشر من شهر جمادى الأولى، نستأنف معه الدرس -بإذن الله- في ذلك التاريخ.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الطالب:

الشيخ: لا، غير صحيحٍ، إذا شرط الزوج ألا ترث الزوجة؛ فهذا شرطٌ غير صحيحٍ؛ لأن الإرث حكمٌ قهريٌّ يدخل في ملك الإنسان قهرًا عنه، لو قال الإنسان: لا أريد أن أرث، لا بد أن يرث، يرث ثم يهب ماله لمن يشاء، لكن الإرث حكمٌ قهريٌّ.

طيب نجيب، نبدأ بالأسئلة المكتوبة:

الأسئلة

السؤال: هل ثبت عن النبي أنه كان لا يغير جلسته بعد السلام من صلاة المغرب والفجر، حتى ينتهي من الأذكار الواردة؟

الجواب: هذا قد روي في حديثٍ ضعيفٍ ولا يصح عن النبي [26]؛ ولهذا نقول: الأمر في هذا واسعٌ، فللإنسان أن يغير جلسته، أو حتى يغير مكانه، المهم أن يأتي بالأذكار.

السؤال: لدي عاملةٌ غير مسلمةٍ، هل يجوز أن تذهب معنا أنا والعائلة إلى المدينة؟

الجواب: نعم، يجوز، القول الراجح أن غير المسلمين ليسوا ممنوعين من دخول حرم المدينة، إنما هم ممنوعون من دخول حرم مكة فقط؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28].

وأما المدينة فلم يرد شيءٌ يدل على منعهم من دخول حرم المدينة، والنبي عليه الصلاة والسلام كانت تفد إليه الوفود، وفيهم غير المسلمين، وثمامة بن أثالٍ أتى وهو غير مسلمٍ، رُبط في ساريةٍ من سواري المسجد [27]، ونصارى نجران أتوا وهم غير مسلمين ودخلوا الحرم [28]، وأيضًا اليهود كانوا موجودين في المدينة.

فالقول الراجح: أن غير المسلمين يجوز لهم دخول حرم المدينة، إنما ممنوعون من دخول حرم مكة فقط.

السؤال: هل الصناديق الاستثمارية تُخرج الزكاة نهاية كل عامٍ؟

الجواب: الصناديق الاستثمارية عندنا في المملكة العربية السعودية لا تُخرج الزكاة عن المشتركين فيها، وإنما إخراج الزكاة من مسؤولية المشتركين في هذه الصناديق؛ ولهذا ينبغي التنبيه والتنبه لهذه المسألة؛ لأن بعض الناس يعتقد أن الصناديق الاستثمارية مثل الأسهم، الأسهم الشركات تخرج الزكوات عن المساهمين، وأما الصناديق الاستثمارية فلا تخرج البنوك عن المشتركين في الصناديق، البنوك لا تخريج الزكاة عن المشتركين في الصناديق؛ ولذلك من كان مشتركًا في صندوقٍ استثماريٍّ؛ فعليه أن يخرج زكاة ما يخصه من ذلك الصندوق.

السؤال: كنت أصلي المغرب، وفي الركعة الثانية دخل معي رجلٌ مسافرٌ ليصلي العشاء، فلما سلمت؛ سلم معي، فهل صلاته صحيحةٌ؟

الجواب: هذه المسألة محل خلافٍ، والقول الراجح أن صلاته صحيحةٌ؛ لأن صلاة المغرب ليست من الصلوات التي تقصر، هي صلاة ثلاثيةٌ، فالمسافر إذا دخل مع المقيم فيصلي معه ركعتين فقط، ما دام أن هذا المسافر دخل معك في الركعة الثانية؛ معنى ذلك: أنه سيصلي ركعتين، فلا بأس بذلك.

السؤال: هذا الأخ الكريم يقول: أنعم الله عليَّ بقضاء حوائج الناس، ولكني أعاني من ضعف الإخلاص في ذلك؟

الجواب: قد يكون هذا من الوسواس، ولو افترضنا أن هذا صحيحٌ؛ فعليك أن تجاهد نفسك في إخلاص النية لله ، وفي إخفاء العمل ما أمكن، ولكن أحيانًا تأتي للإنسان وساوس من الشيطان الرجيم يريد أن يصد الإنسان عن هذا العمل الصالح، إذا رآه مقبلًا على عملٍ صالحٍ؛ أتى يوسوس له بأنه ليس عندك إخلاصٌ، وأنك مراءٍ، وأنك كذا، فينبغي الإعراض عن هذه الوساوس، وأن يستمر الإنسان في هذا العمل الصالح، كما ذكرنا أنه ليس دائمًا الإسرار بالعمل أفضل، قد يكون أحيانًا إعلان العمل أفضل، إذا كان في ذلك مصلحةٌ راجحةٌ من تشجيع الناس، أو من الاقتداء به، ونحو ذلك.

السؤال: هل الأفضل لإمام المسجد أن يصلي السنة الراتبة القبلية أو البعدية في المسجد؛ من أجل أن يقتدي به غيره؟

الجواب: الأفضل في النوافل أن تكون في البيت؛ لقول النبي : أفضل صلاة الرجل في بيته، إلا المكتوبة [29]، سواءٌ كان ذلك لإمام المسجد أو لغيره، الأفضل أن تكون في البيت، لكن لو صلاها في المسجد الأمر في هذا واسعٌ، أما من حيث الأفضلية: فالأفضل في السنن القبلية والبعدية أن تكون في البيت.

الطالب: انتظار الصلاة..

الشيخ: انتظار الصلاة للمأموم، أما الإمام فالسنة أن يأتي وقت الإقامة؛ لأن هذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام، وفي الجمعة يأتي وقت الخطبة، فالتبكير إنما مأمورٌ به المأموم [30]، وليس الإمام أو الخطيب.

الطالب:

الشيخ: لا، السنة للخطيب أن يأتي ويدخل مباشرةً، يصعد المنبر؛ لأن هذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام، وليس هناك هديٌ أكمل من هديه عليه الصلاة والسلام.

السؤال: لماذا يتم تأجيل الدرس؛ لأن بعض الحاضرين يريدون الاستمرار؟

الجواب: يعني هذه طريقتنا في الدرس منذ بدايته، هذا الدرس بدأ عام (1412)، كم له؟ له 32 سنةً، فنراعي أحوال الطلاب؛ لأن أكثر الحاضرين من طلاب الجامعات، فمراعاةً لظروفهم؛ لأن من كان عنده اختبارٌ أيضًا يصعب عليه أن يجمع بين الدرس وبين الاختبار والمذاكرة، وأيضًا الإجازة مظنة عدم استقرارٍ، وبعض الإخوة يريد ألا يفوته شيءٌ من الدرس، وأيضًا فترة راحةٍ واستجمامٍ أيضًا، ومن لم يكن مرتبطًا بدراسةٍ؛ لعله يراجع ما سبق من الدروس، فهذا وسطٌ بين أن نستمر مباشرةً فنتوقف، وبين أن يكون هناك تقطعٌ كثيرٌ، فقط التوقف فترة الاختبارات والإجازات.

السؤال: هل للابن أن يطالب أباه بنفقته الواجبة؟

الجواب: نعم، للابن أن يطالب أباه بنفقته، لكن ليس له أن يطالبه بغير النفقة، بغير النفقة يعتبر عقوقًا، وليس له أن يطالبه به، أما النفقة إذا قصر الأب؛ فللابن أن يطالبه بها.

السؤال: ما حكم إعطاء الابن من الزكاة لسداد ديونه دون بقية إخوانه؟

الجواب: لا بأس بذلك، سداد ديون الابن من الزكاة يجوز، إنما من غير الزكاة ليس للأب.. نعم، سداد ديون الأب لزكاة ابنه يجوز، أما إعطاء الابن من الزكاة لغير سداد الديون، فلا يجوز؛ لأن الأب مطالبٌ بأن ينفق على ابنه من حر ماله، وليس من زكاته، فليس للأب ولا للأم إعطاء أولادهما من الزكاة، إلا لسداد الديون فقط، أما في غير سداد الديون فيعطونهم من حر أموالهم، وليس من الزكاة.

وأما قول الأخ السائل الكريم: دون بقية إخوانه، يعني هذا أولًا سيعطيهم من الزكاة، ثانيًا: أن هذه عطيةٌ مرتبطةٌ بحاجةٍ؛ لأن هذا الابن عليه ديونٌ، وبقية إخوانه ليس عليهم ديونٌ، فلا بأس بذلك.

السؤال: هناك من يشتغل بالجوال أثناء الدرس، ويشغل من حوله، فلعلكم تنصحونه.

الجواب: نعم، من يحضر الدرس ينبغي أن يركز، وأن يستفيد من الدرس، وأن يلخص ما يستمع إما كتابةً أو تسجيلًا؛ حتى يستفيد، ومجالس الذكر تشهدها الملائكة كما جاء في “الصحيحين” عن النبي أنه قال: إن لله ملائكةً تلتمس مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلس ذكرٍ قالوا: هلموا إلى حاجتكم، وفي آخر الحديث أن الله يقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: يا رب إن فيهم فلانًا ليس منهم، وإنما أتى لحاجةٍ وجلس، فيقول الله: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم [31].

ومجالس العلم هي من مجالس الذكر؛ ولذلك لو لم يكن من فائدة حضور الدروس إلا التعرض لمغفرة الله لكفى، الملائكة السيارة تحف بمجالس الذكر، والله تعالى يقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، هذا فضلٌ عظيمٌ.

ولذلك الذي يحضر الدرس، يمتاز بهذه الميزة عن الذين يتابعون الدروس عبر البث عن بعدٍ؛ لأن بعض الإخوة يقول: أنا أكتفي بحضور الدرس عن بعدٍ، نقول: أنت على خيرٍ إن شاء الله، لكن لو حضرت؛ لكان هذا أفضل؛ لأنك تتعرض لمغفرة الله : أشهدكم إني قد غفرت لهم.

الطالب:

الشيخ: الدروس الشرعية عمومًا، في العلوم الشرعية تدخل.

السؤال: ما ضابط النوم المبطل للوضوء؟

الجواب: النوم المبطل للوضوء على القول الراجح: هو النوم المستغرق الذي يزول معه الشعور؛ بحيث لو أحدث هذا النائم؛ لما شعر بذلك، هذا النوم يكون ناقضًا للوضوء.

أما النوم الخفيف، وهو ما يسمى بالنعاس، الذي لا يكون معه مستغرِقًا، ولا يزول معه الشعور، ولو أحدث لأحس بذلك الحدث؛ فإنه لا يبطل الوضوء، فإذنْ النعاس والنوم الخفيف لا يبطل الوضوء، إنما الذي يبطل الوضوء النوم المستغرِق.

الطالب: لو كان جالسًا..

الشيخ: لو كان حتى على أي هيئةٍ، على القول الراجح على أي هيئةٍ.

السؤال: مقولة: “بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين”، هل ثبتت عن السلف؟

الجواب: هذه من مقولةٌ لبعض الناس، وليست على إطلاقها، الدنيا ليست بدار العدالة المطلقة، الدنيا فيها ظالمٌ ومظلومٌ، وقد يبقى الظالم في الدنيا لا يعاقب، وإنما تؤخر عقوبته للآخرة؛ كما قال الله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42].

الدنيا ليست بدار عدالةٍ مطلقةٍ؛ ولذلك القاتل قد ينجو من العقوبة، وكلمة “بشر القاتل بالقتل ولو بعد حينٍ”، ليست مطردةً، وليست على إطلاقها، إلا إذا كان مقصود القائل: “ولو بعد حينٍ”، يعني: في الدار الآخرة، إذا كان كذلك؛ فصحيحٌ.

لكن ظاهر إطلاق الناس يعني: أنها في الدنيا، وهذا غير صحيحٍ، الدنيا ليست بدار جزاءٍ، الدنيا فيها ظالمٌ ومظلومٌ، دار العدالة المطلقة التي ليس فيها ظلمٌ هي الدار الآخرة، لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ [غافر:17]، هي التي يكون فيها العدل التام، حتى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، مع أنهن بهائم غير مكلفاتٍ، لكن إظهارًا لتمام عدل الله ، ويقتص الناس فيما بينهم بالحسنات والسيئات: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، فأحيانًا قد يفلت الإنسان من العدالة في الدنيا، لكن يبقى حسابه في الآخرة، بعض الناس ربما يفتن، يعني بهذه المسألة، يقول: نرى أناسًا يظلمون، ولا يعاقبهم الله ، نقول: الدنيا ليست بدار عدالةٍ مطلقةٍ، الدنيا فيها ظالمٌ ومظلومٌ، لكن كما قال ربنا سبحانه: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42].

السؤال: من أراد العمرة وسافر بالطائرة، ومِن أجْل ألا يفوت عليه الإحرام قبل الميقات؛ أحرم قبل الميقات بنصف ساعةٍ، فهل هذا صحيحٌ؟

الجواب: نعم، صحيحٌ، كونه يحرم قبل الميقات، إحرامه صحيحٌ، لكن الأفضل أن يحرم عند محاذاة الميقات، وإذا كان في الطائرة قُبيل المحاذاة احتياطًا؛ لأن الطائرة تسير بسرعةٍ كبيرةٍ جدًّا، تصل إلى (800 كيلو)، وربما تصل إلى (1000 كيلو) في الساعة، ومساحة المواقيت صغيرةٌ، قد تكون واديًا أو مساحةً صغيرةً، فالطائرة تقطعها في وقتٍ وجيزٍ، يعني الدقيقة الواحد مؤثرةٌ؛ فلذلك إذا احتاط وأحرم قبيل محاذاة الميقات؛ كان هذا حسنًا؛ لأنه لو تأخر دقيقةً واحدةً؛ ربما يؤثر، لكن كونه يحرم قبل الميقات بنصف ساعةٍ، هذا خلاف الأولى وإن كان هذا صحيحًا.

السؤال: هل حلق الشارب من السنة؟

الجواب: السنة الحَفُّ أو القص، أما الحلق فليس من السنة، ولم يرد في أي الروايات حلق الشارب، إنما الذي ورد، ولم يرد في أي من الروايات لفظ حلق الشارب، إنما الذي ورد حف الشارب [32]، قص الشارب [33]؛ ولهذا بعض العلماء يشدد في هذه المسألة؛ مثل الإمام مالكٍ، يقول: وددت أن يؤدب من يحلق شاربه، وإن كان طبعًا جمهور العلماء يرون أن حلق الشارب جائزٌ، لكن السنة: إما الحف أو القص، ولا يحلق شاربه بحيث يستأصل جميع شعر الشارب، هذا خلاف السنة، السنة إما الحف أو القص.

الطالب:

الشيخ: تطويل الشارب خلاف السنة أيضًا، السنة حفه أو قصه.

الطالب:

الشيخ: خلاف السنة، لكن لا يصل إلى درجة التحريم.

طيب هناك الأسئلة كثيرةٌ، ولا نريد أن نطيل عليكم، نؤجلها -إن شاء الله- إلى غدٍ، غدًا إن شاء الله نجيب عما تبقى من الأسئلة.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 2645، ومسلم: 1447.
^2, ^3, ^20 سبق تخريجه.
^4 رواه الترمذي: 1117.
^5 رواه البخاري: 5109، ومسلم: 1408.
^6 رواه الترمذي: 1128، وابن ماجه: 1953.
^7 رواه أبو داود: 2157، وأحمد: 11596.
^8 رواه مسلم: 1441.
^9 رواه البخاري: 2639، ومسلم: 1433.
^10 رواه البخاري: 5825.
^11 رواه مسلم: 1409.
^12 رواه البخاري: 2721، ومسلم: 1418.
^13 رواه البخاري: 5152.
^14 رواه البخاري: 6960، ومسلم: 1415.
^15 رواه مسلم: 1415.
^16 رواه أبو داود: 2075، وأحمد: 16856.
^17 رواه الترمذي: 1120، وأحمد: 4308.
^18 رواه ابن ماجه: 1936.
^19 رواه الحاكم: 2840.
^21 رواه مسلم: 1406.
^22 رواه البخاري: 5030، ومسلم: 1425.
^23 رواه البخاري: 2593، ومسلم: 1463.
^24 رواه البخاري: 5283.
^25 رواه أبو داود: 2236.
^26 رواه الترمذي: 3474.
^27 رواه البخاري: 469.
^28 رواه الطبراني في المعجم الأوسط: 3906.
^29 رواه البخاري: 731، ومسلم: 781.
^30 رواه الترمذي: 496، والنسائي: 1381، وقال الترمذي: حديث حسن.
^31 رواه البخاري: 6408، ومسلم: 2689.
^32 رواه البخاري: 5892، ومسلم: 259.
^33 رواه البخاري: 5888.
zh