logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(67) باب شروط صحة النكاح- من قوله: “وشروطه خمسةٌ ..”

(67) باب شروط صحة النكاح- من قوله: “وشروطه خمسةٌ ..”

مشاهدة من الموقع

هذا الدرس يُعتبر مجلس علمٍ، والنبي يقول: مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة [1]، فالذي يُتابع مثل هذه الدروس ويحتسب الأجر عند الله ​​​​​​​ هو في عبادةٍ.

طيب، ننتقل بعد ذلك إلى “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد ابتدأنا في الدرس السابق في كتاب “النكاح”، ووصلنا إلى: شروط صحة النكاح.

شروط صحة النكاح

قال المصنف رحمه الله:

وشروطه خمسةٌ.

يعني: شروط صحة النكاح خمسةٌ.

الشرط الأول:

تعيين الزوجين.

فلا يصح: زوجتُكَ بنتي، وله غيرها، ولا: قبلتُ نكاحها لابني، وله غيره، حتى يُمَيَّز كلٌّ منهما باسمه أو صفته.

إذن الشرط الأول: تعيين الزوجين، فلا يصح النكاح بدون التعيين، لا يصح مع الإبهام، فلو قال: زوجتُكَ بنتي، وعنده أكثر من بنتٍ، والزوج لا يدري أي بنتٍ يريد، فهنا لا يصح.

وهكذا لو قال: قبلتُ النكاح لابني -مثلًا- وعنده أكثر من ابنٍ، إذا كان وكيلًا.

وهذا ذكره المؤلف، وهو موجودٌ في زمنه لما كانت الأمور على البساطة عند الناس، وكان الزواج يتم أيضًا شفهيًّا، هذا يقول: زوجتُكَ، وذاك يرد: قبلتُ، مُباشرةً، لكن في وقتنا الحاضر أصبح يسبق عقد النكاح لقاءاتٌ يكون فيها اتِّفاقٌ، ويكون فيها التَّفاهم، وتكون فيها أيضًا كتابةٌ وتوثيقٌ لعقد النكاح، ولاسم الزوج، واسم الزوجة، والسجل المدني.

يعني: الالتباس هنا في وقتنا الحاضر بعيدٌ، الالتباس بعيدٌ.

يعني: هذا الشرط كان الناس يحتاجون له قديمًا أكثر منه في الوقت الحاضر.

الشرط الثاني قال:

الثاني: رضا زوجٍ مُكلَّفٍ.

لا بد من الرضا، بشرط: أن يكون الزوج مُكلَّفًا، أما غير المُكلَّف فسيأتي الكلام عنه؛ وذلك لأن النكاح عقدٌ، فَاعْتُبِرَ له الرضا.

ولو رقيقًا.

يعني: حتى لو كان رقيقًا أيضًا لا بد من رضاه.

قال:

فَيُجْبِر الأبُ لا الجدُّ غير المُكلَّف.

وهذا يدل على أن المؤلف يرى أن غير المُكلَّف للأب أن يُجبره على النكاح، سواء كان ذكرًا أو أنثى.

قال المُوفق ابن قُدامة: “لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن لأبيه تزويجه”، يعني: الغلام الذي لم يبلغ، “تزويجه من غير رضاه”.

تزويج الصغير طبعًا يجوز شرعًا؛ لأنه ليس هناك حدٌّ لسنِّ الزواج، وقد يريد الأب من تزويجه -مثلًا- محرميةً، أو لأي سببٍ من الأسباب.

وكذلك المجانين أيضًا، فله أن يُزوج ابنه المجنون كذلك إذا علم رغبته في ذلك، أو بنته المجنونة، ونحو ذلك، ولكن إذا رأى ولي الأمر تقييد ذلك بقيودٍ معينةٍ فهذا مما يسوغ، فإذا رأى ولي الأمر أن المصلحة تقتضي تقييد ذلك، فلا يتم هذا -مثلًا- إلا عن طريق المحكمة، وبشروطٍ معينةٍ، وتقييداتٍ معينةٍ، فولي الأمر له تقييد المُباح بما تقتضيه المصلحة الراجحة.

قال:

فإن لم يكن فوصيّه، فإن لم يكن فالحاكم لحاجةٍ.

يعني: فإن لم يكن الأب فوصيّ الأب يقوم مقامه، فإن لم يكن فالحاكم -وهو القاضي- أو نائبه إذا دعت الحاجة لذلك.

ولا يصح من غيرهم أن يُزوج غير المُكلَّف ولو رضي.

يعني: غير الثلاثة المقصود بهم: الأب والوصي والحاكم.

ورضا زوجةٍ عاقلةٍ، ثَيِّبٍ، تَمَّ لها تسع سنين.

الزوجة إذا تمَّ لها تسع سنين، وكانت ثَيِّبًا، فلا بد من رضاها بالإجماع؛ لقول النبي : لا تُنْكَح الأَيِّم حتى تُسْتَأْمَر [2]، والأَيِّم: هي الثَّيِّب.

ويُجْبِر الأبُ ثَيِّبًا دون ذلك.

يعني: دون تسع سنين لا يُعتبر رضاها عند عامة الفقهاء؛ وذلك لأن أبا بكر الصديق زوَّج عائشة وهي بنت ستِّ سنين، ودخل بها وهي بنت تسعٍ، كما قالت عائشة رضي الله عنها.

وكان الناس هنا قديمًا في المملكة، يعني: كان الناس يتزوجون كذلك، تتزوج الفتيات صغيرات.

وبِكْرًا ولو بالغة.

حكم رضا المرأة في النكاح

قسَّم المؤلف النساء إلى ثلاثة أقسامٍ:

  • الثَّيِّب –كما سبق– التي لها تسع سنين فأكثر، فهذه لا بد من رضاها.
  • مَن كانت دون تسع سنين لا إذن لها، وهذا محل اتِّفاقٍ.
  • أن تكون بِكْرًا، بالغةً، هل يُشترط رضاها، أو لا يُشترط؟

المذهب عند الحنابلة، بل عند الجمهور -الحنابلة والمالكية والشافعية- يرون أن البِكْر البالغة للأب خاصةً أن يُجبرها دون سائر الأولياء، خلافًا للحنفية، ورواية عند الحنابلة: أنه ليس للأب أن يُجبرها.

أصحاب القول الأول استدلوا بحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: الأَيِّم أحقُّ بنفسها من وليِّها يعني: الثَّيِّب أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبِكْر تُسْتَأْذَن في نفسها، وإذنها صِمَاتُها [3]، قالوا: قسَّم النبي عليه الصلاة والسلام النساء إلى أَيِّمٍ وأثبت الحقَّ لها، ودلَّ هذا على نفيه عن البِكْر.

وأما القائلون بأن الأب ليس له الإجبار فاستدلوا بقول النبي : لا تُنْكَح الأَيِّم حتى تُسْتَأْمَر، ولا تُنْكَح البِكْر حتى تُسْتَأْذَن، وهذا صريحٌ في أنه لا بد من رضا البِكْر، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تَسْكُت [4].

فهذا الحديث صريحٌ في منع تزويج البِكْر حتى تُسْتَأْذَن، ولكنه عليه الصلاة والسلام فرَّق في طريقة الإذن بين الثَّيِّب والبِكْر؛ لأن الثَّيِّب تغلب عليها الجرأة أكثر من البِكْر.

إذن الاختلاف إنما هو في أسلوب أخذ الإذن، وأنه لا بد في الثَّيِّب أن تُعلن صراحةً قبولها الزواج، بخلاف البِكْر فيكفي أن تسكت، وهذا لما كان في الأزمنة السابقة من كون البِكْر يغلبها الحياء الشديد؛ فلا تستطيع أن تُصرح برغبتها في الزواج.

أما في وقتنا الحاضر فقد استَوَت البِكْر والثَّيِّب، مع كثرة المُخالطة الآن ليس هناك فرقٌ بين البِكْر والثَّيِّب، بل إن البِكْر تُجادل أباها وتُفاصله وتتكلم معه وتُناقشه في الزوج، وفي مُواصفاته، وفي أمورٍ كثيرةٍ، فأصبح الآن ليس هناك فرقٌ بين البِكْر والثَّيِّب، لكن هذا كان في الأزمنة السابقة؛ كانت البِكْر تستحي عندما تُخبر بأنها قد خطبها رجلٌ، وربما تبكي أو تسكت، ويغلبها الحياء.

والقول الراجح هو القول الثاني، وهو: أن البِكْر لا يجوز إجبارها، بل لا بد من رضاها، وهذا هو الذي اختاره جمعٌ من المُحققين من أهل العلم: كابن تيمية وابن القيم، وأيضًا هو الذي عليه فتوى مشايخنا، وهو الذي عليه العمل: أن البِكْر لا بد من رضاها.

ومما يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: أن فتاةً دخلتْ على أم المؤمنين عائشة، فقالت: إن أبي زوَّجني ابن أخيه؛ ليرفع بي خَسِيسَتَه، وأنا كارهةٌ، فقالت: اجلسي حتى يأتي النبي ، فجاء، فأرسل إلى أبيها فدعاه، وجعل الأمر إلى هذه المرأة، يعني: اختاري ما تريدين، فقالت: يا رسول الله، قد أَجَزْتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن أعلم أللنساء من الأمر شيءٌ؟ [5]، وفي روايةٍ: أردتُ أن يبين أن للنساء حقًّا في هذا.

يعني: تُدافع عن النساء، ولكن هذا الحديث في سنده مقالٌ، ويُغني عنه ما قبله.

إذن القول الراجح هو الذي عليه العمل: أن البِكْر لا بد من رضاها؛ لأن المرأة تُقبل على شركة حياة، ستُقدم على حياةٍ جديدةٍ، يكون معها رجلٌ شريكٌ لحياتها، فلا بد أن ترضى بهذه الشراكة، ولا بد أن ترضى بهذا الزواج، فالأقرب لأصول وقواعد الشريعة هو اعتبار رضا المرأة: بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا.

وقول مَن قال: إنه يجوز للأب أن يُجبر ابنته البِكْر على النكاح، قولٌ ضعيفٌ.

قال:

ولكل وليٍّ تزويج يتيمةٍ بلغتْ تسعًا بإذنها، لا مَن دونها بحالٍ إلا وصيّ أبيها.

يعني: لولي اليتيمة الحق في تزويجها إذا بلغتْ تسعًا بإذنها، فلا بد من إذنها، وعلى القول الراجح لا بد من إذن البالغة: يتيمةً كانت أو غير يتيمةٍ.

وإذن الثَّيِّب الكلام، وإذن البِكْر الصِّمَات.

يعني: الثَّيِّب -كما ذكرنا- تَجَرَّأَتْ أكثر من البِكْر، فلا بد من الكلام، ولا بد من التَّصريح بقبول الزواج، بخلاف البِكْر فيكفي أن تَصْمت، وأن تسكت.

وشرطٌ في استئذانها: تسمية الزوج لها على وجهٍ تقع به المعرفة.

يعني: عندما تُسْتَأْذن تُخبر بمواصفات الزوج، الولي مُؤْتَمَنٌ، هو مجرد مُؤْتَمَنٍ على هذه المرأة، يذكر لها مواصفات الخاطب الذي تقدم لها، والمرأة هي صاحبة القرار، هي التي تُقرر قبول الزواج بهذا الرجل أو عدم قبوله، فهي صاحبة القرار، ليس لوليِّها أن يُجبرها، إنما وليُّها أمينٌ فقط، يُعطيها المعلومات، وربما أيضًا يُشير عليها، لكن هي صاحبة القرار.

ويُجبر السيد ولو فاسقًا عبده غير المُكلَّف، وأَمَتَه ولو مُكلَّفةٌ.

السيد له أن يُجبر عبده، لكن بشرط: أن يكون غير مُكلَّفٍ، أما إذا كان مُكلَّفًا -كما سبق- لا بد من رضاه.

وأما الأَمَة فيقولون: للسيد أن يُجبرها سواء كانت مُكلَّفةً أو غير مُكلَّفةٍ.

وفرَّقوا بين العبد والأَمَة، قالوا: لأن الأَمَة ينتفع بتزويجها؛ لما يحصل له من المهر والولد، ولما يسقط عنه من النَّفقة، بخلاف العبد.

الشرط الثالث من شروط صحة النكاح:

الولي.

وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وقد رُوي عن أكثر الصحابة.

ويدل لاشتراط الولي قول الله تعالى: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، فقوله: وَلَا تَنْكِحُوا هذا خطابٌ لمَن؟

للأولياء، فلو أن المرأة يجوز أن تُزوج نفسها من غير وليٍّ ما قال الله: وَلَا تَنْكِحُوا.

وأيضًا يدل لذلك قول الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، فلو كانت المرأة تُزوج نفسها لم يتوجه النَّهي للأولياء في العَضْل؛ لأنه بإمكان المرأة أن تُزوج نفسها، فلا حاجة لأن يُقال للأولياء: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ.

فكما ترون الآيات القرآنية تدل على أنه لا بد من وليٍّ.

وأما السُّنة: فقد جاء هذا صريحًا كما في حديث عائشة وأبي موسى وابن عباسٍ : لا نكاح إلا بوليٍّ [6]، أيُّما امرأةٍ تزوَّجتْ بغير وليٍّ فنكاحها باطلٌ، فنكاحها باطلٌ [7].

وهذه الأحاديث وإن كان في سندها مقالٌ إلا أنه يشدُّ بعضها بعضًا، وهي ثابتةٌ بمجموعها.

القول الثاني: عدم اشتراط الولي، وأن المرأة لها أن تُزوج نفسها بنفسها، وهذا هو المعروف من مذهب أبي حنيفة.

واستدلوا بقول الله تعالى: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، وأَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232]، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234]، ونحو ذلك مما فيه الإسناد للزوجات.

وأيضًا استدلوا بالحديث السابق: الأَيِّم أحقُّ بنفسها من وليِّها [8]، وقالوا: إن معنى أن كونها أحقّ بنفسها من وليِّها أن لها أن تُزوج نفسها.

وهذا القول قولٌ ضعيفٌ، والصواب هو قول الجمهور.

وأما حديث: الأَيِّم أحقُّ بنفسها هذا في مسألة الاستئذان فقط؛ ولهذا لا بد عندما نقرأ الحديث أن نأخذه كاملًا: الأَيِّم أحقُّ بنفسها، والبِكْر تُسْتَأْذَن.

ثم أيضًا الروايات يُفسر بعضها بعضًا، بل إن بعض العلماء يقول: إن الحديث نفسه فيه دلالةٌ على اشتراط الولي؛ لأنه قال: من وليِّها، وهذا يدل على أنه لا بد من وليٍّ.

وأما الآيات التي ذُكِرَتْ فهي ليست صريحةً في عدم اشتراط الولي، وإنما تدل على أن نكاح المرأة إنما يكون عن طريق وليِّها: أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ يعني: النكاح المعروف عن طريق الولي.

فالقول الثاني قولٌ ضعيفٌ، وفتح هذا الباب يفتح على الناس أبوابًا عظيمةً من الشرِّ والفساد؛ إذ إنه إذا أراد رجلٌ أن يزني بامرأةٍ زَوَّجَتْه نفسها، فهذا يفتح أبوابًا عظيمةً من الشر والبلاء على المسلمين.

فالقول الثاني قولٌ ضعيفٌ؛ ولهذا بعض الحنفية لا يُفتون به، مع أنه المذهب عندهم، وبعضهم يضع له قيودًا وضوابط ويُشدد في المسألة.

أما القول بإطلاق بأن المرأة تُزوج نفسها بنفسها، فهذا قولٌ ضعيفٌ، خلاف الأدلة من القرآن والسنة.

شروط الولي

قال:

وشُرِطَ فيه.

يعني: شُرِطَ في الولي.

انتقل المؤلف للكلام عن شروط الولي.

ذكورية، وعقل، وبلوغ، وحرية، واتِّفاق دينٍ.

اشترط هذه الشروط الخمسة، فلا بد أن يكون ولي المرأة ذكرًا، والمرأة -كما سبق- لا تُزوج نفسها.

وأيضًا لا بد أن يكون عاقلًا، بالغًا؛ لأن هؤلاء لا يُزوجون أنفسهم، فلا يُزوجون غيرهم من باب أولى.

أيضًا حُرًّا، فالرقيق ليست له ولايةٌ.

“واتِّفاق دينٍ” يعني: بين الولي والمرأة، فلا ولاية للكافر على المُسلمة.

فلو أن امرأةً أسلمتْ، وأبوها ما زال غير مسلمٍ، فإنه لا يلي تزويجها، وسيأتي مَن الذي يلي تزويجها، سيأتي، إن شاء الله.

وعدالةٌ ولو ظاهرةٌ.

العدالة هي استقامة الدين والمروءة، فيُشترط في الولي العدالة الظاهرة، فلا يكون مُشتهرًا بفسقٍ.

فلو كان الولي -مثلًا- يشرب خمرًا، أو واقعًا في المُخدرات، فعلى كلام المؤلف: لا يصح أن يكون وليًّا لها في النكاح.

وقال بعض العلماء: إن هذا الشرط لا يُشترط؛ لأنه لا دليل عليه، وإنما يُشترط: أن يكون مَرْضِيًّا وأمينًا على ابنته، حريصًا على أن يُزوجها بالكُفْءِ.

وعلى هذا يصح أن يكون الولي فاسقًا، وهذا هو القول الراجح؛ إذ إن اشتراط هذا الشرط يحتاج إلى دليلٍ، ويُلحق الحرج ببعض الناس، خاصةً مع رقَّة الديانة يُلحق الحرج ببعض الناس، فربما يكون هذا الولي -مثلًا- يتعاطى أو يشرب الخمر، أو يقع منه ما يقع، فالقول بعدم صحة النكاح هذا يُسبب حرجًا كبيرًا، وما دام أنه مَرْضِيٌّ على ابنته، وحريصٌ على تزويجها بِكُفْءٍ فيصح أن يَلِي النكاح، هذا هو القول الراجح في المسألة.

قال:

ورُشْدٌ.

أي: يُشترط في الولي الرُّشد.

وفسَّر المؤلف المقصود بالرُّشد فقال:

وهو معرفة الكُفْء ومصالح النكاح.

رُشْد كل مقامٍ بحسبه، فالرشد في المال غير الرشد في النكاح، فالرشد في النكاح كما فسَّره المؤلف: معرفة الكُفْء ومصالح النكاح.

بعض الناس قد يكون سفيهًا في المال، رشيدًا في النكاح، في المال سفيهٌ يُبذر ويُبدد أمواله، لكنه حريصٌ على تزويج ابنته بالخاطب الكُفْء، مَرْضِي الدين والخُلُق.

وبعض الناس على العكس: رشيدٌ في الأموال، لكنه سفيهٌ في النكاح.

وهذا السَّفَه له صورٌ: قد يكون سفهه في النكاح أنه ينشد الكمال، فبعض الأولياء يريد من الخاطب أن يكون كاملًا مُكمَّلًا، ليس فيه عيبٌ.

وبعضهم أيضًا يضع معايير صارمةً لمَن يتقدم لخطبة ابنته، ومَن لم يُحققها ردَّه، فَيُردد عن هذه البنت، وهذا من السَّفه.

وبعضهم أيضًا قد تكون عنده مشاكل نفسيةٌ، أو عنده سُوء ظنٍّ، فبعض الناس عنده سُوء ظنٍّ بالآخرين، فهذا الخاطب الذي يريد أن يخطب ابنته يُسيء به الظن: ماذا يريد؟ ولماذا تقدم؟

فيبدأ بهذه الطريقة، ويُردد عن ابنته، فكلما تقدم خاطبٌ أظهر فيه عيوبًا وردَّه، حتى يتقدم العمر بهذه الفتاة المسكينة، فهذا يُعتبر سفيهًا في النكاح، وقد يكون في بقية أموره رشيدًا، وربما تجد أنه من المُحافظين على الصلاة، صَوَّامًا، قَوَّامًا، رشيدًا في ماله، حكيمًا في تدبيره، لكن في النكاح عنده سَفَهٌ، فهذا لا يُمَكَّن من الإضرار بهذه الفتاة.

وهذا تراه موجودًا وواقعًا، فأحيانًا قد تكون شدة الحرص من هذا الولي تُؤدي إلى سفهه، فعنده مثاليةٌ في التعامل مع الآخرين -مثاليةٌ زائدةٌ- وليس عنده رُشْدٌ، فمثل هذا تسقط ولايته إذا كان عنده سفهٌ في ولاية النكاح.

ضابط كون الولي رشيدًا

طيب، ما الضابط في كون الولي رشيدًا أو سفيهًا في النكاح؟

مَن يُجيب عن هذا السؤال؟

طالب: العُرْف.

الشيخ: الضابط: العُرف، فإذا قال -مثلًا- ثلاثةٌ من العقلاء أو أكثر: إن هذا الرجل بتصرفاته هذه سفيهٌ. هنا تسقط ولايته، لكن لا يكفي قول واحدٍ أو اثنين، لا بد من عددٍ من العقلاء وممن حوله، ويعرفون واقعه، يقولون: إن هذا سفيهٌ. هذا لا يُمَكَّن من الإضرار بالمرأة.

وكم من فتاةٍ ذهبتْ ضحيةً لهذا الولي السَّفيه.

وأذكر قصةً سمعتُها من أحد المشايخ الكبار: أن فتاةً كلما تقدم لها خاطبٌ ردَّه الولي، وفي كل مرةٍ يُخرج فيه عيبًا، حتى تقدم بهذه الفتاة العمر، وفاتها القطار، ثم أتاها الموت فجأةً، فقبل وفاتها قالت لأبيها: يا أَبَتِ، قل: آمين. قال: آمين. قالت: أسأل الله أن يحرمك الجنة كما حرمتني من الزواج. ثم لفظتْ أنفاسها الأخيرة، فتحسَّر هذا الأب وتألم، لكن بعد فوات الأوان، وهذا الأب حريصٌ على تزويج ابنته، لكن عنده معايير صارمة فيمَن يتقدم لابنته.

ولذلك فإن الموقف الصحيح للولي: أن يُعطي ابنته أو مُوليته عمومًا المواصفات، ويقول: أنت التي تُقررين، لستُ أنا الذي أُقرر، أنت صاحبة القرار، لكن يُعطيها المعلومات، وربما يُشير، أما أنه يرد الخاطب الكُفْء، وكل مرةٍ يُخرج عيبًا فيمَن يتقدم لابنته حتى تذهب عليها السنين، وربما فاتها قطار الزواج، فهذا من أعظم الجناية على هذه البنت.

وعكسه المُتساهل الذي لا يسأل عن الخاطب، وربما تكون فيه عيوبٌ، وهذه المرأة المسكينة لا تدري، فهذا أيضًا من التَّفريط في الأمانة، فالمطلوب هو الاعتدال.

ترتيب الولاية على المرأة في النكاح

قال:

والأحق بتزويج الحُرَّة أبوها وإن علا.

وهذا بالإجماع؛ لأن أكمل الناس شفقةً على البنت هو الأب.

“وإن علا” يعني: إن لم يكن الأب موجودًا فالجدّ، أو أبو الجدّ، وهكذا.

فابنها وإن نزل.

إن لم يكن الأب موجودًا فتكون ولاية النكاح للابن وإن نزل.

فالأخ الشقيق، فالأخ للأب، ثم الأقرب فالأقرب كالإرث.

إن لم يكن لها أبٌ ولا ابنٌ فولاية النكاح تكون للأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم الأقرب فالأقرب.

طيب، إذا كان لها أكثر من أخٍ شقيقٍ، فأيّهم أولى بالتَّزويج؟

طالب: ……

الشيخ: طيب، لو زوَّجها الأصغر مع وجود الأكبر، يصح أو ما يصح؟

يصح، لكن المُروءة تقتضي تقديم الأكبر من باب المُروءة، لكن لو زوَّجها الأخ الشقيق الأصغر مع وجود الأكبر فلا بأس.

والأخ الشقيق مُقدَّمٌ على الأخ لأبٍ، ثم تكون على حسب ترتيب الميراث.

ثم السلطان أو نائبه.

يعني: إن لم يوجد للمرأة أحدٌ من أوليائها فتنتقل الولاية للسلطان.

وإذا قيل: السلطان، يعني: رئيس الدولة، أو مَن يقوم مقامه، والذي ينوب عن السلطان في هذه الأمور هو القاضي.

وقد ورد هذا في الحديث السابق: أيُّما امرأةٍ نَكَحَتْ بغير إذن وليِّها فنكاحها باطلٌ، فنكاحها باطلٌ، فنكاحها باطلٌ، فإن دخل بها فلها المهر بما استَحَلَّ من فرجها، فإن اشتَجَرُوا فالسلطان وليُّ مَن لا وليَّ له [9].

قال الإمام أحمد: “القاضي أحبّ إليَّ من الأمير”؛ لأن القاضي عنده من العلم الشرعي -في الغالب- ما ليس عند الأمير؛ لأنه لا يتولى القضاء عادةً إلا مَن كان عنده علمٌ شرعيٌّ.

فإن عُدِمَ الكل زوَّجها ذو سلطانٍ في مكانها.

انتبه لهذه المسألة، فأكثر مَن يحتاج لها المسلمون في البلاد غير الإسلامية في الشرق أو في الغرب.

فإذا عُدِمَ وليُّها، وعُدِمَ أيضًا ولي الأمر أو السلطان المسلم، فَيُزَوِّجها ذو سلطانٍ في مكانها، مثل: مدير المركز الإسلامي في البلد الذي تعيش فيه، فهو الذي يكون وليًّا لها في النكاح.

فإن تعذَّر.

نفترض أنها في بلدٍ ليس فيه مركزٌ إسلاميٌّ، والمسلمون قليلٌ، ولا يوجد أحدٌ من أوليائها مسلمٌ، وهي في بلادٍ غير إسلاميةٍ.

قلنا: يُزَوِّجها مدير المركز الإسلامي، لا يوجد، فالمدينة التي تعيش فيها أو البلدة التي تعيش فيها لا يوجد فيها مركزٌ إسلاميٌّ، فما الحل؟

قال:

فإن تعذَّر وكَّلتْ مَن يُزَوِّجها.

تُوكل أحد المسلمين ممن يُزَوِّجها.

حكم تزويج المرأة من الولي الأبعد مع وجود الأقرب

فلو زوَّج الحاكم أو الولي الأبعد بلا عذرٍ للأقرب لم يصح.

لو زوَّج المرأةَ الحاكمُ أو وليُّها الأبعد مع وجود الأقرب لم يصح النكاح، فلو أن الأخ -مثلًا- زوَّجها والأب موجودٌ لا يصح النكاح إلا بإذنٍ منه أو بتوكيلٍ.

قال:

لم يصح، ومن العُذر.

يعني: إلا بعُذرٍ.

غيبة الولي فوق مسافة قصرٍ، أو تُجهل المسافة، أو يُجهل مكانه مع قُربه.

يعني: لو غاب الولي مسافة سفرٍ، مسافة قصرٍ، وهي ثمانون كيلو مترًا فأكثر، أو جُهلت المسافة، أو جُهل مكانه، فهنا تنتقل الولاية لمَن بعده، لكن في وقتنا الحاضر مع وجود الوسائل -مع وجود الجوالات ووسائل التواصل- يمكن التواصل معه ولو كان بعيدًا، لكن أحيانًا قد لا يمكن التواصل معه؛ فتسقط ولايته في النكاح، وتنتقل لمَن بعده.

أو يمنع مَن بلغتْ تسعًا كُفُؤًا رَضِيَتْهُ.

هذا المنع يُسميه الفقهاء: العَضْل، وقد وردتْ تسميته في القرآن بالعَضْل: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232]، فالعَضْل معناه: منع المرأة من التَّزويج ممن ترضاه.

والمؤلف فسَّره بأن يمنع مَن بلغتْ تسعًا كُفُؤًا رَضِيَتْهُ، فتسقط ولايته.

ولذلك لو أن هذه المرأة تقدم لها خاطبٌ مَرْضِي الدِّين والخُلُق، فمنع الأب من تزويجها، فلهذه المرأة أن تتقدم للمحكمة وتطلب فسخ الولاية، والقاضي يجعل الذي يلي تزويجها مَن بعده في الولاية، ثم الذي بعده، وفي كثيرٍ من الأحيان الأولياء الذين بعد الأب يمتنعون: إما مُجاملةً للأب، أو خشية شرِّه، فَيُزَوِّجها القاضي بعد إسقاط ولاية النكاح.

وقد ذكر الفقهاء أنه إذا تكرر العَضْل فإنه يفسق الولي؛ ولذلك قال البُهُوتي في “الروض”: “فإن عَضَل الوليُّ الأقرب بأن منعها كُفُؤًا رَضِيَتْهُ فإنه يفسق به إن تكرر”، يُصبح فاسقًا إذا تكرر منه العَضْل لِمَرْضِي الدِّين والخُلُق.

بل قال ابن تيمية رحمه الله -ذهب إلى ما هو أبعد من هذا-: “من صور العَضْل المُسْقِط للولاية: لو امتنع الخُطَّابُ لشدة الولي”، يعني: بأن كان الولي شديدًا، والكل يَهَاب منه.

يعني: بعض الناس عنده شدةٌ في خُلُقه، في شخصيته، فالناس تَهَاب منه، ما يريد أحدٌ أن يتقدم لخطبة ابنته، وهذه البنت لا تكون ضحيةً لهذا الولي، فيكون هذا مُسْقِطًا للولاية إذا رفعتْ أمرها للحاكم.

إذن الولاية هي أمانةٌ فقط، فهذا الولي مُؤتمنٌ على تزويج هذه المرأة، وليست لتسلط الولي على هذه المرأة، وإنما فقط من باب الأمانة، وأن يختار لها مَرْضِيَّ الدِّين والخُلُق، وإذا تقدم لها الخاطب سأل عنه، وزوَّدها بالمعلومات، فهذا هو الغرض من الولاية، وليس الغرض منها: أن يتسلط الولي على مُوليته فيمنعها من النكاح.

وأيضًا في المقابل لا يتساهل الولي، بل ينبغي أن يحرص على أن يختار مَرْضِيَّ الدِّين والخُلُق لمُوليته.

طالب: …..

الشيخ: نعم، إذا عَضَلَ الولي فينبغي لمَن بعده أن يقفوا مع هذه المرأة، حتى لو لم يَرْضَ بذلك الولي: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجلٌ: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أَفَرَأَيْتَ إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تمنعه من الظلم [10]، فحتى لو لم يَرْضَ لا يُترك يتسلط على هذه الفتاة ويُضيع مستقبلها بهذه التَّصرفات غير الرشيدة، وإنما يقف بقية الأولياء مع هذه المرأة، ويُرفع الأمر للمحكمة، وتفسخ ولاية النكاح، حتى لو أدَّى للقطيعة، فهو الذي تسبب في القطيعة، لكن لا تُترك هذه المرأة ضحيةً لتصرفاته.

التَّوكيل في النكاح

ثم قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ:

ووكيل الولي يقوم مقامه.

التَّوكيل في النكاح يجوز، فالولي يجوز له أن يُوكل، والزوج يجوز له أيضًا أن يُوكل، فوكيل الولي يقوم مقامه في التَّزويج، فلو أن الأب قال لابنه: زوِّج أختك، أنت الذي تتولى تزويجها، فلا بأس.

وله أن يُوكل بدون إذنها.

يعني: للولي أن يُوكل مَن يُزوجها بدون إذنها، والنبي وكَّل أبا رافعٍ في تزويجه ميمونة رضي الله عنها [11].

وكذلك الوكالة تصح أيضًا من الزوج، فالزوج لو وَكَّلَ مَن يقبل عنه الزواج يصح، وهذا يكثر ممن يكون -مثلًا- مسافرًا أو مُبْتَعَثًا يقول لأهله -مثلًا- وقد خطبوا له فتاةً، فيُوكل أحد إخوانه، أو يُوكل أباه في قبول عقد النكاح، فلا بأس بذلك.

لكن لا بد من إذن غير المُجبرة للوكيل بعد توكيله.

غير المُجبرة هي الثَّيِّب، يقول: لا بد أن تأذن للوكيل بعد توكيله، ولا أثر لإذنها قبل التوكيل.

ويُشترط في وكيل الولي ما يُشترط فيه.

يعني: من الشروط السابقة.

ويصح توكيل الفاسق في القبول.

فلا تُشترط في الوكيل: الأمانة والعدالة، ويصح أن يكون فاسقًا؛ لأنه مجرد وكيلٍ فقط.

حكم التَّوكيل المُطلق في النكاح

ويصح التوكيل مطلقًا بـ”زوِّج مَن شئتَ” ويتقيد بالكُفْء.

لو قال الولي لوكيله: زوِّج ابنتي فلانة مَن شئتَ. يعني: هذا رجلٌ -مثلًا- يعيش في بلدٍ، وابنته في بلدٍ آخر، فرأى رجلًا صالحًا كُفْئًا، فقال: يا فلان، زوِّج بنتي مَن تشاء، وكَّلتُك في تزويج ابنتي مَن تريد. فهذا يصح، لكن يتقيد ذلك بالكُفْء، يتقيد ذلك التَّوكيل بالكُفْء.

رُوي أن رجلًا من العرب وكَّل عمر في تزويج ابنته ولو بِشِرَاك نعله، فزوَّجها عمرُ عثمان رضي الله عنهما، فهي أم عمرو بن عثمان.

يعني: نِعْمَ التوكيل، وكَّل مَن؟

وكَّل عمر الفاروق ، فاختار لها الزوج الكُفْء، زوَّجها عثمان بن عفان .

ومُقيدًا.

يصلح التوكيل مطلقًا، يعني: زوِّجها مَن شئتَ، وأيضًا مُقيدًا بأن زوِّجها -مثلًا- زيدًا.

قال:

ومُقيدًا: كزوِّج زيدًا.

أو زوِّج ابنتي فلانًا.

ويُشترط قول الولي أو وكيله: زوَّجْتُ فلانة فلانًا، أو لفلانٍ.

يعني: لا بد من النُّطق بذلك عند العقد، فيقول الولي: زوَّجتُك ابنتي فلانة. وإذا كان وكيله يقول: زوَّجتُ فلانًا فلانة.

وقول وكيل الزوج: قبلتُه لمُوكلي فلانٍ، أو لفلانٍ.

يعني: إذا قال الولي: زوجتُ ابنتي فلانة لفلانٍ. فلا يقل وكيل الزوج: قبلتُ. وإنما يقول: قبلتُ هذا الزواج لمُوكلي؛ لأنه لو قال: قبلتُ. وسكت، كأنه قَبِلَ لنفسه، وهو مجرد وكيلٍ؛ فلذلك يقول: قبلتُ هذا الزواج لمُوكلي فلان بن فلان.

فلا بد إذن في الوكالة أن تكون بهذه الصيغة، لا بد أن الوكيل يُسمي مُوكله عند العقد.

ووصيُّ الولي في النكاح بمنزلته، فيُجبر مَن يُجبره من ذكرٍ وأنثى.

الوصي يقوم مقام الولي تمامًا في الأحكام السابقة.

وقال بعض الفقهاء: إن الوصيَّ ليس له الإجبار.

وهو روايةٌ عن الإمام أحمد، قالوا: لأن الإجبار لا ينتقل بالوصية.

وسبق أن رجحنا أن الإجبار لا يصح.

وإن استوى وليَّان فأكثر في درجةٍ صحَّ التَّزويج من كلِّ واحدٍ، إنْ أذنتْ لهم.

مثلما ذكرنا في الإخوة الأشقاء -مثلًا- يصح أن يُزوِّج أحدُهم هذه المرأة، لكن المُروءة تقتضي أن يُقدَّم الأكبر.

فإن أَذِنَتْ لأحدهم تعين، ولم يصح نكاح غيره.

لو أن هذه المرأة قالت: أَذِنْتُ لأخي الشقيق الأصغر أن يُزَوِّجني دون غيره، أو: يا فلان، زَوِّجني أنت. فيتحدد التَّزويج في الأصغر دون الأكبر، فلو زوَّجها الأكبر لم يصح.

مسألة: تولي طرفي العقد في النكاح

قال:

ومَن زوَّج بحضرة شاهدين عبده الصغير بِأَمَتِه، أو زوَّج ابنه بنحو بنت أخيه، أو وكَّل الزوجُ الوليَّ أو عكسه، أو وكَّلا واحدًا، صحَّ أن يتولى طرفي العقد.

انتقل المؤلف للكلام عن تولي طرفي العقد في النكاح، فهذه المسألة يُسميها الفقهاء: تولي طرفي العقد في النكاح.

وذكر المؤلف لها خمس صورٍ:

  • الصورة الأولى: أن يُزَوِّج السيدُ عبدَه الصغير بِأَمَتِه بحضرة شاهدين، فيتولى السيدُ طرفي العقد، فيصحّ.
  • الصورة الثانية: أن يُزَوِّج ابنه ببنت أخيه، يكون -مثلًا- أخوه مُتوفًّى، وهو ولي هذه البنت، ويريد أن يُزَوِّج ابنه ببنت أخيه، فيتولى طرفي العقد، فيصحّ.
  • الصورة الثالثة: أن يُوكِّل الزوجُ الوليَّ في قبول النكاح، فالزوج نفسه يُوكِّل الوليَّ في قبول النكاح، فيتولى الولي طرفي العقد.
  • الصورة الرابعة: العكس؛ أن يُوكِّل الوليُّ الزوجَ في إيجاب النكاح لنفسه، فيقول الوليُّ: وكَّلتُك يا فلان أن تعقد عني. فالزوج يتولى طرفي النكاح.
  • الصورة الخامسة: أن يُوكِّل كلٌّ من الولي والزوج رجلًا واحدًا، فهو الذي يتولى طرفي العقد.

كل هذه الصور صحيحةٌ.

إذن يصح تولي طرفي العقد في النكاح.

قال:

ويكفي: زوَّجتُ فلانًا فلانة، أو: تزوَّجتُها، إن كان هو الزوج.

يعني: كيف يُزَوِّج الذي يتولى طرفي العقد؟

هنا بيَّن المؤلف ماذا يقول؟

يقول: “زوَّجتُ فلانًا فلانة” يعني مثلًا: يريد أن يُزوِّج ابنه ببنت أخيه، يقول: زوَّجتُ ابني فلانًا بنت أخي فلانة. ويكفي هذا.

يعني: لا يلزم أن يقول: زوَّجتُ فلانًا فلانة. ثم يقول: قبلتُ عن فلانٍ. لا، تكفي العبارة السابقة.

طيب، وإن كان الزوج قد وكَّله الوليُّ، فالوليُّ وكَّل الزوج، فيقول: تزوجتُ فلانة على كتاب الله وسنة رسوله . وتنتهي؛ لأن الولي وكَّله.

هذه طريقة تولي طرفي العقد.

طالب: …..

الشيخ: قال: زوِّج مَن شئتَ، قال: أنا سأتزوجها.

الذي يظهر أنه يصح؛ لأن مقصوده بقوله: زوِّج مَن شئتَ. يعني: اخْتَرِ الأكفأ والأحسن؛ لأنه يثق في هذا الإنسان، ولو علم أن هذا الإنسان هو الذي سيتزوجها سَيُسَرّ بذلك، فالذي يظهر أن هذا يصحّ.

ومَن قال لأَمَتِه: أعتقتُكِ، وجعلتُ عتقَكِ صداقَكِ، عَتَقَتْ، وصارتْ زوجةً له إن توفَّرتْ شروط النكاح.

والرِّقُّ الآن انقرض، لكن هذا أشار إليه المؤلف؛ لأن هذه القصة حصلتْ للنبي لما تزوج صفية رضي الله عنها، فلما ذهب النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه إلى خيبر، وكان عليه الصلاة والسلام إذا قدم بلدًا انتظر حتى يأتي وقت الصلاة، فإن سمع صوت مُؤذنٍ كَفَّ، فأتى خيبر وسمع صوت المَعَاول والفؤوس، فقال عليه الصلاة والسلام مع طلوع الشمس: الله أكبر، خَرِبَتْ خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فَسَاءَ صباح المُنْذَرين، فقال أهل خيبر: محمدٌ والخميس. يعني: والجيش [12].

فالشاهد أنه حصل هناك سبايا، ومن السَّبايا صفية بنت حُيَي بن أَخْطَب، كان أبوها ملكًا، وأخوها ملكًا، كلهم من أشراف اليهود، وكانت من أجمل النساء، وكانت من نصيب دِحْيَة الكلبي، فلما رآها الصحابة بهذا الجمال الباهر قالوا لِدِحْيَة: هذه لا ينبغي أن تكون إلا للنبي عليه الصلاة والسلام. يُفترض أنك تتنازل عنها للنبي عليه الصلاة والسلام، ففعل.

فالنبي عليه الصلاة والسلام أعتقها، وجعل عِتْقَها صداقَها، وأصبحت إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنها، وهذا من حكمته عليه الصلاة والسلام: جبر مُصَابها؛ لأنها امرأةٌ من أشراف القوم، قُتِلَ أبوها، وقُتِلَ أخوها، فتزوَّجها النبي عليه الصلاة والسلام، وأصبحتْ إحدى أمهات المؤمنين.

وكانت قد رأتْ رؤيا أنه قد أتى القمر ووقع في حضنها، فذكرتْ ذلك لزوجها فَلَطَمَها، قال: أنت تُريدين ملك العرب. عرف، فَفَسَّر الرؤيا مباشرةً ولَطَمَها، ووقع تفسير الرؤيا، تزوَّجها النبي عليه الصلاة والسلام.

الشرط الرابع قال:

الرابع: الشهادة، فلا ينعقد إلا بشهادة ذكرين مُكلَّفين، ولو رقيقين.

وهذا الشرط فيه ثلاثة أقوالٍ:

  • الأول: أنه شرطٌ لصحة النكاح.
    وهذا قول الجمهور ما عدا المالكية، قول الجمهور: الحنفية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها: لا نكاح إلا بوليٍّ وشاهدي عدلٍ [13]، وأيضًا ما جاء في معناه، وأيضًا قالوا: إن الله قد أمر بالإشهاد في البيع، والشهادة في النكاح آكد.
  • القول الثاني: أنه ليس شرطًا لصحة النكاح، وإنما شرطٌ للدخول.
    وهذا هو المشهور من مذهب المالكية؛ لقول الله تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، ولم يذكر الله الشهادة، لكن للدخول لا بد من الإشهاد؛ لنفي التُّهمة والظِّنَّة عن نفسه؛ ولذلك شُرِعَ ضرب الدُّفِّ.
    وقالوا: إن النبي تزوج صفية رضي الله عنها ولم يُشهد على ذلك النكاح.
    وأُجيب: بأن هذا من خصائص النبي
    ، فإن من خصائصه: أن يتزوج الواهبة نفسها من غير مهرٍ، كما قال الله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، وأيضًا من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام: أنه يتزوج من غير أن يُشهد.
    فهذه من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام.
  • القول الثالث: أنه يُشترط إما الإشهاد، وإما الإعلان، والإشهاد هو أدنى درجات الإعلان.
    وهذا قولٌ عند الحنابلة اختاره الإمام ابن تيمية، وهو القول الراجح: أنه إما شاهدان أو إعلان، وأنه لا يصح نكاح السر، وهو الذي يُتَوَاصَى على كتمانه.
    وهذا هو القول الراجح، لكن إذا كان ولي الأمر يُلزم بشهادة شاهدين -مثلما عليه الحال عندنا في المملكة- فيُلتزم بذلك؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف.

حكم زواج المِسْيَار

طيب، ما يُسمى بزواج المِسْيَار، هل يُعتبر زواج سرٍّ، أو يُعتبر زواجًا صحيحًا؟

أولًا: تسميته بالمِسْيَار هذا المصطلح معروفٌ عند دول الخليج فقط، وإلا ففي الدول الأخرى ما يعرفونه بهذا الاسم.

وما يُسمى بزواج المِسْيَار هو نكاحٌ توفَّرتْ فيه الأركان والشروط، فلا بد فيه من وليٍّ ومهرٍ وشاهدين ورضا المرأة، لكن هذه المرأة تفاهمتْ مع الزوج، هذه الزوجة تفاهمتْ مع الزوج على إسقاط بعض حقوقها برضاها، فهي قد رضيتْ بإسقاط حقِّها في المبيت، وحقِّها -مثلًا- في توفير سكنٍ مُستقلٍّ، وربما أيضًا حقوق أخرى، ورضيتْ بذلك، فما دام أنها رضيتْ بذلك، وتحققتْ شروط النكاح وأركانه، فالنكاح يُعتبر صحيحًا.

ومن الشروط: وجود شاهدين، فلا بد من شاهدين؛ لأن الشاهدين هما الحد الأدنى لإعلان النكاح.

ولا يُقال: إنما يُسمى بزواج المِسْيَار؛ لأنه نكاح سرٍّ.

هو ليس نكاح سرٍّ، هو نكاحٌ توفر فيه الحدُّ الأدنى من الإعلان، وهو وجود شاهدين، أما نكاح السر فهو الذي يكون بدون شهودٍ، ويتكتمون على عدم الإعلان به، وأيضًا يكون بدون شهودٍ، هذا هو نكاح السر.

فنكاح ما يُسمى بالمِسْيَار فيه شاهدان، وفيه ولي، وبرضا المرأة، وفيه مهرٌ، فهو نكاحٌ صحيحٌ، لكنه ليس هو الزواج المثالي، فالزواج المثالي هو الذي تأخذ المرأة فيه كامل حقوقها، ويكون لها حقُّها في المبيت، وفي النَّفقة، وهذا هو الزواج المثالي المنشود.

وبعض الناس يقول: إن ما يُسمى بزواج المِسْيَار فيه امتهانٌ للمرأة.

نقول: إن ذلك صحيحٌ لو كان بغير رضا المرأة، لكن إذا كان برضاها فليس فيه امتهانٌ لها، بل ربما يكون هو الذي يتوافق مع ظروفها، فربما تكون هذه المرأة امرأةً عندها أولادٌ، ولا تريد أن تُفارق أولادها، ولا تجد زوجًا يقبل بالقيام على شؤون هؤلاء الأولاد، فتقبل بهذا الزواج، يعني: وتتنازل عن بعض حقوقها، وتبقى مع أولادها، فهو الذي يتوافق مع ظروفها، فأحيانًا يكون هذا الزواج حلًّا لبعض المشكلات، والقول بأن فيه امتهانًا للمرأة هذا إنما يكون لو كان بغير رضا المرأة، أما إذا كان برضاها ورغبتها فليس فيه امتهانٌ لها.

وبعض الأنكحة غير مقبولةٍ اجتماعيًّا، لكنها صحيحةٌ شرعًا، مثلًا: زواج الرجل بخادمته، لو كان بشهودٍ ووليٍّ ومهرٍ، شرعًا هل هو صحيحٌ أو غير صحيحٍ؟

صحيحٌ، لكنه اجتماعيًّا غير لائقٍ.

أو كان زواج المرأة -مثلًا- بالسائق إذا تحقق فيه الولي والشهود والمهر، وتحققتْ أركان الزواج وشروطه، شرعًا صحيحٌ، لكنه غير لائقٍ اجتماعيًّا.

فكون الزواج غير لائقٍ اجتماعيًّا لا يعني عدم صحته شرعًا.

هذا فيما يتعلق بما يُسمى بزواج المِسْيَار.

طالب: ……

الشيخ: الزواج بنية الطلاق هذا -إن شاء الله- سيأتينا بالتَّفصيل، لكن أتى هنا استطرادًا.

الزواج بنية الطلاق محل خلافٍ، والقول الراجح: أنه لا يصح؛ لأن فيه غشًّا للمرأة ووليِّها؛ لأن هذه المرأة إن علمتْ أنه سيُطلقها أصبح نكاح متعةٍ، ولا يجوز، وإن لم تعلم كان غشًّا لها.

طيب، هذا على كل حالٍ سيأتينا بالتَّفصيل في الأنكحة المَنْهِي عنها.

شروط الشاهدين

ثم انتقل المؤلف للكلام عن شروط الشاهدين.

قال:

ذكرين.

لا بد أن يكون الشاهدان ذكرين، فالذكورية مُشترطةٌ في الشهادة في النكاح.

مُكلَّفين.

أيضًا يكونا بالغين، عاقلين.

ولو رقيقين.

لأن المقصود هو الإعلان، كما ذكرنا: أن الشهادة تعني الحدَّ الأدنى لإعلان النكاح.

مُتَكَلِّمَين، سَمِيعَين.

وبناءً على ذلك -على كلام المؤلف- لا تصح شهادة الأخرس، ولا الأصم.

قالوا: لأنهما لا يتمكَّنان من أداء الشهادة، فالأخرس لا يستطيع أن يتكلم، وكذلك الأصم، فلو احتيج لهما لم يتمكنا من الإدلاء بالشهادة.

والراجح أن شهادة الأخرس والأصم تصح، ما دام أن إشارتهما واضحةٌ ومُفْهِمَةٌ ولو بكتابةٍ، هذا هو القول الراجح؛ لأن المقصود من الشهادة هو إعلان النكاح، وهذا مُتحققٌ بشهادة الأخرس والأصم.

وأما الأعمى فتصح شهادته قولًا واحدًا.

مُسْلِمَين.

قوله: “مُسْلِمَين” هذا هو الشرط الخامس من شروط الشهادة في النكاح، وهو الإسلام.

عَدْلَيْن ولو ظاهرًا.

يعني: تُشترط في الشاهدين العدالة الظاهرة.

يعني: أن يكونا مستُوري الحال، فلا يظهر منهما فسقٌ، حتى لو لم تُقبل شهادتهما في الأموال يمكن أن تُقبل في النكاح، فالشهادة في النكاح لا يُشدد فيها كثيرًا؛ لأن المقصود منها إعلان النكاح، يعني: تُمثل الحدَّ الأدنى من إعلان النكاح، حتى لا يكون نكاح سرٍّ؛ لذلك لا يُشدد فيها.

أحيانًا قد لا تُقبل شهادة بعض الناس في الأموال، لكنها تُقبل في النكاح، وعلل ذلك الفقهاء فقالوا: النكاح يكون في المدن والقرى والبوادي، وبين عامة الناس مَن لا تُعرف حقيقة عدالته، فاشتراط العدالة ظاهرًا وباطنًا والتَّشديد في ذلك يُلحق الحرج بالناس.

غير أَصْلَي الزوجين وفَرْعَيهما.

هذا هو الشرط السابع: ألا يكون الشاهدان أَصْلَين للزوج أو الزوجة، ولا فَرْعَيهما.

وعلى ذلك لا تصح شهادة عَمُودَي نسب الزوجين، أو عَمُودَي نسب الولي، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.

مثلًا: إذا كان الأب هو الولي، فلا يصح بناءً على هذا أن الجدَّ يكون شاهدًا، أو أن إخوة الزوجة يكونون شهودًا؛ لأنهم فرعٌ من الأب.

وهكذا أيضًا لو أراد الزوج أن يعقد على امرأةٍ لا يصح أن يشهد معه أبوه، ولا ابنه.

هذا هو القول الأول في المسألة، وهو أيضًا مذهب الشافعية.

واستدلوا بحديث: لا تجوز شهادة خائنٍ ولا خائنةٍ، ولا مجلودٍ حدًّا إلى قوله: ولا ظَنِين في ولاءٍ ولا قرابةٍ [14]، قالوا: معنى ولا ظَنِين يعني: مُتَّهمًا في شهادته بسبب القرابة، قالوا: يعني: عمودا النسب، أو الأصلان والفرعان مُتَّهمان.

والقول الثاني: تُقبل شهادة عمودي نسب الزوجين، أو عمودي نسب الولي، وإلى هذا ذهب الحنفية، والصحيح من مذهب الشافعية.

واستدلوا بعموم الأحاديث، ومنها حديث: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدلٍ، وهذا يشمل فروع الزوجين وأصولهما.

والراجح هو القول الثاني: عدم اشتراط هذا الشرط، بل إن شهادة الأصول أو الفروع في النكاح أجود وأضبط.

مثلًا: إخوة الزوجة يعرفون الزوجة أكثر، فيعرفون رضاها أكثر من غيرهم، فشهادتهم أحسن وأجود، وفيها مصالح كبيرةٌ.

ثم أيضًا ليس هناك دليلٌ يدل على منع الأصول والفروع من الشهادة، فالأقرب -والله أعلم- عدم اشتراط هذا الشرط، لكن إذا كان ولي الأمر ألزم بهذا الشرط فعلى المأذون أن يلتزم بذلك، وهذا حصل في سنواتٍ مضتْ: أنه أُلزم مأذونو النكاح بعدم قبول شهادة الأصول والفروع، لكن ما أدري هل هذا الشرط ما زال إلى الآن أم لا؟

طالب: ……

الشيخ: أنا أذكر قديمًا قبل سنواتٍ أتى تعميمٌ للمأذونين بعدم قبول شهادة الأصول والفروع، فإخوان الزوجة لا تُقبل شهادتهم بناءً على هذا القول، بناءً على المذهب.

الخامس: خُلُو الزوجين من الموانع.

وهي الآتية في المُحرمات في النكاح.

قال:

بألا يكون بهما أو بأحدهما ما يمنع التَّزويج من نسبٍ أو سببٍ.

يعني: إما برضاعٍ، أو بمُصاهرةٍ، أو اختلاف دينٍ.

الكفاءة في النكاح

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للكفاءة في النكاح.

قال:

والكفاءة ليست شرطًا لصحة النكاح.

معنى الكفاءة: أن يكون الزوج أهلًا لأن يُزوج بهذه المرأة.

وقد اختلف العلماء في اشتراط الكفاءة في النكاح على ثلاثة أقوالٍ:

القول الأول: أنها شرطٌ مطلقًا، وبه قال الحنفية، وهي روايةٌ عند الحنابلة، لكن هذه الرواية عند المُتقدمين، وأما المُتأخرون فالقول الثالث.

قال المرداوي: “إن هذا القول هو المذهب عند أكثر المُتقدمين”.

وقال الزركشي: “هو المنصوص المشهور”.

واستدلوا بحديث: تَخَيَّروا لِنُطَفِكم، وانكحوا الأَكْفَاء، وأَنْكِحُوا إليهم [15]، لكنه حديثٌ ضعيفٌ.

وأيضًا حديث جابرٍ : لا تنكحوا النساء إلا الأَكْفَاء، ولا يُزَوِّجهنَّ إلا الأولياء [16]، لكنه أيضًا ضعيفٌ.

القول الثاني: أن الكفاءة ليست بشرطٍ مطلقًا، وهذا هو مذهب المالكية، والحنابلة في روايةٍ؛ لعموم قول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، قالوا: ضُبَاعَة بنت الزبير كانت تحت المقداد بن الأسود، وزينب -وهي قرشيةٌ- كانت تحت أسامة بن زيد ، وكان مولًى، وهذا يدل على عدم اعتبار الكفاءة في النكاح مطلقًا.

والنبي يقول: إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخُلُقه فَزَوِّجوه [17].

القول الثالث: أن الكفاءة ليست بشرطٍ لصحة النكاح، لكنها شرطٌ للزومه، فإذا لم تَرْضَ الزوجة أو لم يَرْضَ أحد أوليائها فلهم الفسخ.

وهذا ذهب إليه الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة، لكن عند المُتأخرين.

قال في “الإنصاف”: “وهو المذهب عند أكثر المُتأخرين”، وقدَّمه في “المحرر” و”الفروع”.

والأقرب -والله أعلم- هو القول الثاني، وهو مذهب المالكية: أن الكفاءة ليست شرطًا في النكاح مطلقًا، لا في صحته، ولا في لزومه؛ لقول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ؛ ولأن نساء قرشيات تَزَوَّجْنَ بِمَوَالٍ: زينب بنت جحش تزوَّجتْ أسامة بن زيد، وهو مولًى، وضُبَاعَة بنت الزبير -عمّة النبي عليه الصلاة والسلام- كانت تحت المقداد بن الأسود، وفاطمة بنت قيس تزوَّجت أسامة ، بل أشار عليها النبي عليه الصلاة والسلام بذلك لما خطبها معاوية وأبو جهم، فقال: أما أبو جَهْمٍ فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما ‌معاوية ‌فصُعْلُوكٌ لا مال له، انْكِحِي أسامة بن زيدٍ، مع أنها قرشيةٌ، وأسامة مولًى، فكرهته، ثم قبلتْ مشورة النبي عليه الصلاة والسلام واغْتَبَطَتْ بذلك النِّكاح [18].

الأمثلة كثيرةٌ في هذا، فلا تُعتبر الكفاءة إلا في أمرٍ واحدٍ فقط وهو الدين، فالزاني لا يجوز أن يُزوَّج عفيفةً، والعفيف لا يتزوج زانيةً.

إذن الكفاءة فقط في الدين، أما غير الدين فلا تُعتبر، هذا هو القول الراجح، واشتراط الكفاءة في الدين؛ لقول الله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]، فلو أراد -مثلًا- الولي أن يُزوِّج ابنته العفيفة رجلًا معروفًا بفسقٍ -مثلًا: شرب الخمر أو المخدرات- ولم تَرْضَ به لا يجوز، إذا لم تَرْضَ به لا يجوز.

قال:

لكن لمَن زُوِّجتْ بغير كُفْءٍ أن تفسخ نكاحها.

باعتبار القول الثالث، فالمؤلف قال: الكفاءة ليست شرطًا لصحة النكاح، لكن عند المُتأخرين هي شرطٌ للزومه؛ ولذلك قال:

لكن لمَن زُوِّجَتْ بغير كُفْءٍ أن تفسخ نكاحها، ولو مُتَرَاخِيًا، ما لم تَرْضَ بقولٍ أو فعلٍ.

فإذا زُوِّجتْ بغير كُفْءٍ يقولون: للمرأة أن تطلب الفسخ باعتبار أن الكفاءة شرطٌ للزوم النكاح.

وكذا لأوليائها، ولو رضيتْ أو رَضِيَ بعضهم، فلمَن لم يَرْضَ الفسخ.

يقول: حتى لو أتى وليٌّ من أوليائها له أن يُطالب بالفسخ، ولو ابن عمٍّ بعيد لها، ما دام أنه ما رَضِيَ يُطالب بالفسخ إذا كان لا يُكافؤها هذا الزوج، حتى وإن كانت مُكافأةً في النَّسب.

هذا رجلٌ تزوج امرأةً، فقام أحد أبناء عمومتها وطالب بالفسخ؛ لعدم التَّكافؤ في النَّسب، فعلى كلام المؤلف أنه يُفسخ النكاح، ولكن القول الراجح أنه لا يُفسخ، وأن الكفاءة تنحصر في الكفاءة في الدين فقط، وأما النَّسب فليس شرطًا لصحة النكاح، ولا للزومه.

والقاعدة الشرعية هي: أن التَّفاضل بين الناس بالتقوى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، فلا تفاضل بين البشر إلا بتقوى الله .

ولو زالت الكفاءة بعد العقد فلها فقط الفسخ.

يعني: هذه امرأةٌ -مثلًا- تزوجتْ من إنسانٍ ميسور الحال، من عائلةٍ ميسورةٍ، ثم افتقر الزوج، فلها أن تُطالب بالفسخ.

وقال بعض العلماء: إنها ليس لها ذلك؛ لأن هذا يُؤدي إلى عدم استقرار النكاح، وهذا هو الأظهر.

ثم قال المؤلف:

والكفاءة مُعتبرةٌ في خمسة أشياء.

يعني: لما اشترطوا الكفاءة لصحة النكاح، أو للزومه، قيل: طيب، الكفاءة في ماذا؟

قالوا: الكفاءة في خمسة أشياء:

الأول: الديانة.

وهذا ذكرنا أنه صحيحٌ، الديانة صحيحٌ، فتُعتبر الكفاءة في الديانة؛ لقول الله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3].

والصناعة.

يعني: صاحب الصنعة الدَّنيئة -كالحَجَّام والزَّبال- يقولون: لا يكون كُفْئًا لبنت صاحب صناعةٍ شريفةٍ.

والمَيْسَرَة.

يعني: الغنى، فلو كان الزوج فقيرًا والمرأة غنيةً لا تتحقق الكفاءة، فلها أن تطلب الفسخ.

والحرية.

فالعبد ليس كُفْئًا للحرة، وتتحقق الكفاءة بتزوج الحُرِّ من حُرَّةٍ، والأَمَة من عبدٍ، والله تعالى قال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ [النحل:75] يعني: ما يستوي هذا وهذا.

وهذا الحكم صحيحٌ: أن المرأة إذا عَتَقَتْ تُخَيَّر بين أن تبقى مع زوجها الرقيق، أو أنها تُطالب بالفسخ، وهذا حصل لبريرة، فإن بريرة كانت أَمَةً، وذهبتْ لعائشة رضي الله عنها تستعين بها في دفع أقساط المُكاتبة، فأعانتها عائشة رضي الله عنها، ثم عَتَقَتْ بريرة [19].

ولما عَتَقَتْ بريرة كان زوجها اسمه: مُغِيثًا، وكان يُحبها حبًّا شديدًا، وهي تكرهه كراهيةً شديدةً، سبحان الله!

فلما عَتَقَتْ وزوجها ما زال رقيقًا خيَّرها النبي عليه الصلاة والسلام بين أن تبقى مع زوجها، أو أن النكاح ينفسخ، فاختارتْ فسخ النكاح [20].

فلما علم بذلك زوجها مُغِيث قام يبكي، ودمعه يسيل على خدّيه في الطرقات، فأخبروا النبي عليه الصلاة والسلام، قالوا: انظر إلى مُغِيثٍ ماذا فعل؟ فقال عليه الصلاة والسلام لعمِّه العباس : ألا تعجب من حُبِّ مُغِيثٍ بريرة، ومن بُغْضِ بريرة مُغِيثًا؟ هذا يُحبها حبًّا شديدًا، وهي تكرهه كراهيةً شديدةً.

فدعا النبي عليه الصلاة والسلام بريرة، وأشار عليها، قال: لو راجَعْتِهِ، فأشار عليها بأن تبقى معه، قالت: يا رسول الله، تأمرني؟ يعني: إن كنتَ تأمر فسمعًا وطاعةً، وليس لي خيارٌ، أما إن كنتَ تُشير فَلِي رأيٌ آخر، فقال عليه الصلاة والسلام: إنما أنا أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه [21].

فقالوا: هذا من العجب: أنه يُحبها حبًّا شديدًا، وهي تكرهه كراهيةً شديدةً.

وهذا يدل على أن المحبة قد تكون من طرفٍ دون طرفٍ آخر، يعني: البشر يقع بينهم مثل هذا، فأحيانًا قد تكون المحبة من طرفين، وأحيانًا قد تكون الكراهية من طرفين، وأحيانًا المحبة من طرفٍ، والكراهية من طرفٍ آخر، كما في هذه القصة.

إذن الحكم الشرعي: أن المرأة إذا عَتَقَتْ تُخَيَّر بين أن تبقى مع زوجها، أو أن ينفسخ النكاح؛ وذلك لعدم تحقق الكفاءة.

والنَّسب.

يعني: هذا هو الأمر الخامس، ورجحنا أن الكفاءة في هذه الأمور غير مُعتبرةٍ إلا في الدين فقط، وكذلك في مسألة المرأة إذا كانت أَمَةً وعَتَقَتْ تُخَيَّر بين البقاء مع زوجها الرَّقيق، أو ينفسخ عقد النكاح، لكن مع ذلك -يعني: مع قولنا بعدم اعتبار الكفاءة إلا في الدين- ينبغي أن يُراعيها الإنسان إذا كانت هناك أعرافٌ سائدةٌ حتى لا يقع في الفتنة؛ لأنه أحيانًا قد يتسبب عدم مُراعاتها في الفتنة، وربما يُؤدي للقتل، وربما يُؤدي إلى حروبٍ، ويُؤدي إلى مصائب.

فالإنسان ينبغي أن يُراعي هذه الأمور إذا كانت تتسبب في مفاسد أعظم، وأحيانًا قد لا تتسبب في القتل، لكن تتسبب في عقوق الوالدين، أو تتسبب في قطيعة الرحم، أو تتسبب في مُشاحناتٍ.

فالقاعدة الشرعية هي: أن دَرْء المفاسد مُقدَّمٌ على جلب المصالح.

الأسئلة

طيب، نُجيب عمَّا تيسر من الأسئلة:

السؤال: ما الذي ينبغي فعله عند رؤية كسوف الشمس؟

الجواب: الذي ينبغي هو أن نفعل ما فعله النبي ، والنبي لما كَسَفَت الشمس فَزِعَ إلى الصلاة، خرج عليه الصلاة والسلام يَجُرُّ رداءه، يقول الراوي: “يخشى أن تكون الساعة” [22]، لكن قال العلماء: إن هذا فهمٌ فهمه الراوي من شدة فزع النبي عليه الصلاة والسلام، وإلا فإنه عليه الصلاة والسلام يعلم أن الساعة لن تقوم حتى تأتي أشراط الساعة الكبرى، ولم يأتِ منها شيءٌ، لكن هذا فهمٌ من الراوي لما رأى من شدة فزع النبي عليه الصلاة والسلام.

وأتى النبي وصلَّى بالناس صلاةً طويلةً، وتقدم أثناء الصلاة؛ فتقدَّمت الصفوف، وتأخَّر، وتأخَّرت الصفوف، ثم خطب بهم، وقال: لقد رأيتُ في مقامي هذا كل شيءٍ وُعِدْتُه، حتى لقد رأيتُني أُريد أن آخذ قِطْفًا من الجنة حين رأيتُموني جعلتُ أتقدم، ثم قال: رأيتُ جهنم يحطم بعضها بعضًا، وذكر بعض ما رأى في النار، وقال: ورأيتُ فيها عمرو بن لُحَيٍّ، وهو الذي سيَّب السَّوائب [23]؛ لأنه سَنَّ في الناس سنةً سيئةً؛ أتى بالأصنام من الشام، وكان الناس على مِلة إبراهيم، فكان عذابه عظيمًا.

مَن سَنَّ في الناس سنةً سيئةً يكون عذابه عظيمًا.

حتى رأيتُ فيها صاحبة الهِرَّة التي رَبَطَتْها فلم تُطْعِمْها، ولم تَدَعْها تأكل من خَشَاش الأرض حتى ماتتْ جوعًا [24]، فالسنة إذن أن يفزع المسلم إلى الصلاة.

وكذلك أيضًا الاستغفار والذكر والصدقة، هذا هو المطلوب عند كسوف الشمس، لكن لا تُعاد صلاة الكسوف، وإنما إذا فرغ الناس من صلاة الكسوف، ولم يَنْجَلِ الكسوف ينشغل الناس بالذكر والاستغفار والتوبة وتلاوة القرآن، ونحو ذلك.

طالب: …..

الشيخ: لا، لا، يقول الأخ الكريم: الإمام يُؤخر صلاة الكسوف حتى تتصل بصلاة العصر، والنبي عليه الصلاة والسلام فزع للصلاة، فالسنة من حين رؤية الشمس كاسفةً أن يفزع الإنسان للصلاة، ولا يُراعي هذه الأمور التي ذُكرتْ.

طالب: …..

الشيخ: طيب، إذا فاتت المأموم ركعةٌ يُعيدها على نفس الصفة، لكن إذا فات المأموم الركوع الأول، وأدرك الركوع الثاني، فقد فاتته الركعة؛ لأن العبرة بالركوع الأول، وليس بالركوع الثاني.

السؤال: ما صفة صلاة الكسوف؟

الجواب: صلاة الكسوف: يُكبر ويقرأ سورة الفاتحة، ثم يقرأ سورةً طويلةً بعدها، ثم يركع، ثم يرفع ويقرأ الفاتحة، ويقرأ سورةً بعدها، لكن أقصر من السورة التي قرأها قبل الركوع، ثم يركع ركوعًا ثانيًا، ثم يرفع، ثم يسجد السجدة الأولى، ثم يجلس بينهما، ثم السجدة الثانية، ثم يأتي بالركعة الثانية على صفة الركعة الأولى، لكن السنة أن تكون الركعة الثانية أقصر من الركعة الأولى.

هذه هي صفة صلاة الكسوف.

ويُستحب أيضًا لإمام المسجد أن يفعل كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام من تذكير الناس.

واختلف العلماء: هل تُشرع الخطبة أو لا تُشرع؟

الشافعية يرون مشروعية الخطبة، والجمهور يرون أنها لا تُشرع، والأقرب أنها لا تُشرع، لكن إذا قلنا بأنها لا تُشرع فينبغي تذكير الناس بما ذكَّرهم به النبي .

السؤال: هل يُشرع للمرأة أن تُصلي صلاة الكسوف في البيت؟

الجواب: نعم، النساء شقائق الرجال، فالأصل أن المرأة كالرجل في العبادات، فتُشرع صلاة الكسوف للمرأة كما تُشرع للرجل.

السؤال: هل من السنة للخطيب تحريك اليدين يمينًا وشمالًا والالتفات؟

الجواب: هذا ليس من السنة؛ لأن النبي كان يخطب الناس كل جمعةٍ، ولم يكن يفعل ذلك، فخطبة الجمعة عبادةٌ، وسمَّاها الله تعالى: ذكر الله تعالى، فينبغي أن يُلقيها الخطيب إلقاءً مُناسبًا، لكن تحريك اليدين والالتفات يمينًا وشمالًا هذا لم يرد.

السؤال: هل يجوز التَّصريح أو التَّعريض للمُختلعة أثناء عدَّتها؟

الجواب: الله تعالى يقول: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ [البقرة:235]، فبين الله تعالى أن التَّعريض بخطبة المُعتدة يجوز، ولا يجوز التَّصريح، إلا إذا كانت رجعيةً فلا يجوز: لا تعريضًا، ولا تصريحًا؛ لأن الرجعية زوجةٌ، أما غير الرجعية فيجوز التَّعريض دون التَّصريح حتى تنتهي عدَّتها.

السؤال: هل يُشرع الاستسقاء في خطبة الجمعة؟

الجواب: الاستسقاء في خطبة الجمعة يُشرع إذا أصاب الناسَ القحطُ، أما إذا لم يُصِب الناسَ القحطُ فلا يُشرع؛ ولذلك يُخطئ بعض الخطباء عندما يستسقي في كل خطبةٍ، هذا خلاف السنة، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يفعل ذلك، وإنما استسقى لما أتى ذلك الرجل وقال: “يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السُّبُل، فَادْعُ الله يُغيثنا”، فاستسقى النبي ، واستسقى الناس [25].

وأيضًا الاستسقاء في غير أوقات نزول المطر غير مشروعٍ، وإنما يكون الاستسقاء في أوقات نزول المطر، إذا تأخر نزول المطر.

السؤال: ما السنة في السُّور التي تُقرأ في صلاة الكسوف؟

الجواب: لا أعلم أنه ورد في ذلك شيءٌ، وإنما يقرأ ما تيسر من القرآن من غير تحديدٍ بسورٍ معينةٍ.

السؤال: حكم تخصيص أحد الأبناء بعطيةٍ بحجة أن الابن سمَّى ولده باسم أبيه؟

الجواب: إذا كان سمَّى ابنه باسم أبيه، فأعطاه الأب هديةً لأجل هذا السبب فلا بأس؛ لأنها تكون عطيةً مُرتبطةً بسببٍ؛ ولذلك تجد أن بقية إخوانه وأخواته لا يجدون في أنفسهم شيئًا، يعني: أن هذه العطية مُرتبطةٌ بسببٍ، فإذا كانت العطية مُرتبطةً بسببٍ فلا بأس.

السؤال: ما حكم سؤال الله بصفاته: كـ يا رحمة الله؟

الجواب: ينبغي للمسلم إذا أراد أن يدعو يدعو الله بأسمائه وصفاته، ولا يدعو الصفة؛ لأن دعاء الصفة فيه إشكالٌ، فبعض العلماء يعتبر دعاء الصفة دعاءً لغير الله؛ لماذا يدعو صفة الله؟! يدعو الله تعالى بأسمائه وصفاته.

فقول: يا رحمة الله، يا حكمة الله، يا سمع الله. أنت دعوتَ صفةً من صفات الله، لم تدعُ الله .

السؤال: مَن ختم القرآن في أول الليل، هل تُصلي عليه الملائكة حتى يُصبح؟

الجواب: رُوي في ذلك حديثٌ، لكنه ضعيفٌ: أن مَن ختم القرآن أول النهار صلَّتْ عليه الملائكة حتى يُمسي، ومَن ختمه أول الليل صلَّتْ عليه الملائكة حتى يُصبح [26]، لكن هذا لم يثبت عن النبي ، فالحديث المروي في ذلك حديثٌ ضعيفٌ.

وعلى هذا فيختم القرآن في أية ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهارٍ، لكن ورد عن السلف استحسان الدعاء بعد ختم القرآن؛ وذلك من باب التَّوسل إلى الله تعالى بصالح العمل؛ لأنك عندما ختمتَ القرآن هذا عملٌ صالحٌ، فأنت تتوسل إلى الله تعالى بهذا العمل الصالح، وتدعو الله .

ولهذا أُثِرَ عن بعض السلف أنه قال: “عند كل ختمةٍ دعوةٌ مُستجابةٌ”.

فإذا ختمتَ القرآن ينبغي أن تستقبل القبلة، وترفع يديك، وتدعو الله بما يحضرك من خيري الدنيا والآخرة، مُتوسلًا إلى الله تعالى بهذا العمل الصالح، فتقول: يا ربّ، أتوسل إليك بختمي لكتابك أن تقضي حوائجي، وأن تُجيب دعواتي. وتسأل الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة، فهذا مأثورٌ عن السلف، لكن ليس هناك دعاءٌ مُخصصٌ.

وأما ما قد يوجد من بعض الأدعية -دعاء ختم القرآن- فهذه ليس لها أصلٌ، وأيضًا الدعاء المنسوب لابن تيمية -دعاء ختم القرآن لشيخ الإسلام ابن تيمية- هذا أيضًا لا تصح نسبته إليه.

طالب: …..

الشيخ: يكون في غير الصلاة، أما في الصلاة فالأحسن إذا كان في رمضان أن يجعل الدعاء وقت دعاء القنوت، يعني: يجعله في وقت دعاء القنوت؛ خروجًا من الخلاف.

السؤال: يقول: إن تيسر تأليف مُؤلَّفٍ بتصحيح بعض المفاهيم الفقهية الخاطئة، حيث إن درس “السلسبيل” كان منارًا لنا في كثيرٍ من المسائل.

الجواب: يعني: جزاك الله خيرًا، هذا مُقترحٌ جيدٌ، نسأل الله تعالى التيسير.

السؤال: لماذا العفو بين الناس لا يكون إلا في الدنيا، ولا يكون في الآخرة؟

الجواب: في الآخرة الناس عندها شُحٌّ في الحسنات، ما أحد يُعطي أحدًا حسنةً، كلٌّ شحيحٌ بحسناته، حتى إن الأم والأب يطلبان من ولدهما حسنةً واحدةً، فَيَفِرّ منهما فرارًا، فكلٌّ يَفِرُّ، كلٌّ يرجو السلامة لنفسه، حتى أولو العزم من الرسل، كلٌّ يقول: نفسي، نفسي.

ففي يوم القيامة تكون هناك مُشاحةٌ بين الناس، ويكون هناك اقتصاصٌ بين الناس في المظالم؛ لأن الدار الآخرة هي دار العدالة المُطلقة، ليس فيها ظلمٌ: لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ [غافر:17]، وأما الدنيا ففيها ظالمٌ ومظلومٌ.

طالب: …..

الشيخ: نعم، الآخرة دار الجزاء، ودار عدالةٍ مُطلقةٍ.

السؤال: أيّهما يُقدم: الاستشارة أو الاستخارة؟

الجواب: الأمر في هذا واسعٌ، عند التَّردد ينبغي أن يجمع بينهما؛ بين الاستخارة والاستشارة، وأما أيّهما يُقدم؟

فعلى حسب ظروفه، يعني: ليس هناك شيءٌ يُقدم على الآخر، إن استشار ثم استخار، أو استخار ثم استشار، فالأمر في هذا واسعٌ.

السؤال: أخي تُوفي، وترك بنتًا عمرها إحدى عشرة سنةً، ونحن ورثةٌ من إخوةٍ وأخواتٍ، وأم الميت تريد أن تُوقف نصيبنا في البيت الذي خلَّفه الميت لمدةٍ محدودةٍ؛ حتى يُصبح عمر البنت خمسةً وعشرين أو ثمانيةً وعشرين، ثم يُكتب باسمها؛ وذلك حرصًا منها على أن يبقى البيت ولا يُباع؛ خوفًا من أن تتصرف البنت تصرفًا غير مسؤولٍ.

الجواب: هذه قضيةٌ اجتماعيةٌ، وفيها عدة أطرافٍ، فينبغي لصاحب هذا السؤال أن يأتي في وقتٍ آخر ويشرحها بالتَّفصيل؛ لأنه ربما تكون هناك أشياء لم تُذكر في السؤال، فيكون الجواب على غير المراد.

السؤال: سبق أن ذكرتم قاعدةً مهمةً: ما كان من قبيل ترك المأمور لا يُعذر فيه بالجهل والنسيان، وما كان من قبيل ارتكاب المحظور يُعذر فيه بالجهل والنسيان، ولم يتبين لي الفرق بينهما، فطهارة الخَبَث أمرٌ بإزالة النَّجاسة في البدن والثوب ومكان الصلاة؟

الجواب: الفرق بينهما ظاهرٌ، يعني: ما كان مأمورًا به مثل: الطهارة -الطهارة مأمورٌ بها- لا يُعذر فيه بالجهل والنسيان، أما النَّجاسة فمطلوبٌ اجتنابها -اجتناب النَّجاسة- فالنَّجاسة تُعتبر من قبيل المحظور، يُعذر فيها بالجهل والنسيان.

في الصيام -مثلًا- تبييت النية مأمورٌ به، فهذا لا يُعذر فيه بالجهل، ولا بالنسيان، لكن لو أكل أو شرب ناسيًا فهنا ارتكاب محظورٍ يُعذر فيه بالجهل والنسيان.

في الحج -مثلًا- الوقوف بعرفة مأمورٌ به، فلو لم يقف بعرفة جاهلًا أو ناسيًا لم يصح حجّه، لكن لو تطيب ناسيًا أو جاهلًا فحجّه صحيحٌ.

وهكذا، فالقاعدة مُطَّردةٌ، وتحديد المأمور والمحظور ظاهرٌ.

طيب، بقية الأسئلة -إن شاء الله- نُجيب عنها في درس الغد بإذن الله تعالى.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 2699.
^2, ^4 رواه البخاري: 5136، ومسلم: 1419.
^3, ^8 رواه مسلم: 1421.
^5 رواه النسائي: 3269، والدارقطني في “سننه”: 3556.
^6 رواه أبو داود: 2085، والترمذي: 1101، وابن ماجه: 1880، 1881.
^7 رواه الطبراني في “المعجم الكبير”: 11494.
^9 رواه أبو داود: 2083، والترمذي: 1102 وقال: حسنٌ.
^10 رواه البخاري: 6952.
^11 رواه الترمذي: 841 وقال: حسنٌ، والنسائي في “السنن الكبرى”: 5381.
^12 رواه البخاري: 610، ومسلم: 1365.
^13 رواه ابن حبان: 1364، والطبراني في “المعجم الأوسط”: 9291.
^14 رواه الترمذي: 2298.
^15 رواه ابن ماجه: 1968، والحاكم: 2687.
^16 رواه الطبراني في “المعجم الأوسط”: 3، والدارقطني في “السنن”: 3601، والبيهقي في “السنن الكبرى”: 13760.
^17 رواه الترمذي: 1084، وابن ماجه: 1967.
^18 رواه مسلم: 1480.
^19 رواه البخاري: 2560، ومسلم: 1504.
^20 رواه أبو داود: 2234، والنسائي: 3451.
^21 رواه البخاري: 5283.
^22 رواه البخاري: 1059، ومسلم: 912.
^23 رواه البخاري: 1212، ومسلم: 901.
^24 رواه مسلم: 904.
^25 رواه البخاري: 1014، ومسلم: 897.
^26 رواه أبو نعيم في “حلية الأولياء”: 5/ 26.
zh