logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(66) كتاب النكاح- من قوله: “يسن لذي شهوة لا يخاف الزنا..”

(66) كتاب النكاح- من قوله: “يسن لذي شهوة لا يخاف الزنا..”

مشاهدة من الموقع

“ننتقل إلى السلسبيل”، وكنا قد وقفنا عند كتاب النكاح، سننتقل -إن شاء الله- إلى هذا الدرس والدروس التي بعده، إلى أحكام الأسرة وأحكام النكاح بعدما انتهينا من أبواب المعاملات.

وأحكام النكاح مهمةٌ لطالب العلم، فينبغي أن يحرص على ضبط أصولها، وأيضًا ضبط أبرز ما ورد فيها من الأدلة، وكلام العلماء عن أحكامها ومسائلها.

كتاب النكاح

قال المصنف رحمه الله:

كتاب النكاح

تعريف النكاح لغةً واصطلاحًا

النكاح في اللغة: يطلق على الوطء المباح، ويطلق أيضًا على الجمع بين الشيئين؛ ولذلك يقولون: تناكحت الأشجار، إذا اجتمعت وانضم بعضها إلى بعضٍ، ويطلق أيضًا على العقد، كل هذه إطلاقاتٌ صحيحةٌ، فيطلق على العقد، فيقال للعقد: نكاحٌ، وعلى الوطء المباح، يقال: نكاحٌ، وأيضًا على الجمع، يقال أيضًا عنه: نكاحٌ.

وأما شرعًا: لم يُعرِّفه المؤلف، لكن عرَّفه غيره، عرفه البُهُوتي في “الروض”، قال بأنه: عقدٌ يعتبر فيه لفظ إنكاحٍ أو تزويجٍ في الجملة.

وهو بهذا التعريف يشير إلى أن النكاح في الشرع حقيقةٌ في العقد، مجازٌ في الوطء، وهذه مسألةٌ خلافيةٌ: هل هو حقيقةٌ في العقد وفي الوطء، أو أنه حقيقةٌ في العقد، لكنه مجازٌ في الوطء؟

على تعريف البهوتي: أنه حقيقةٌ في العقد، مجازٌ في الوطء، ولكن القول المرجح عند المحققين: أن لفظ النكاح حقيقةٌ في العقد، وحقيقةٌ في الوطء أيضًا، نكح الرجل امرأةً، يعني: وطئها، ونكح بمعنى عقد، يصح على الأمرين، على هذا وذاك، فهو من الألفاظ المشتركة.

حكم النكاح

وحكم النكاح، إذا قلنا: النكاح المقصود به: الزواج؛ لأنه في درسٍ سابقٍ لما تكلمنا عن النكاح؛ أخذ بعض الناس مقطعًا مجتزأً، وحَمَلوه على أن المقصود به: الجماع، وهذا غير مقصودٍ، وأن الاشتغال بالنكاح أفضل من التخلي للعبادة، فبعض الناس طاروا بهذا المقطع، بناءً على الفهم غير الصحيح، بأن المقصود بالنكاح: الجماع، هذا ليس هو المقصود، المقصود بالنكاح هنا عندما نقول: النكاح، يعني: الزواج، وليس المقصود به: الجماع.

فإذنْ النكاح -الذي هو بمعنى الزواج- تدور عليه الأحكام الخمسة، ما هي الأحكام الخمسة إذا قلنا: الأحكام الخمسة؟

الطالب: الوجوب.

الشيخ: الوجوب، لنجعلها بالتدريج، الذي يقارب الوجوب ما هو؟

الطالب: الاستحباب، والوجوب، والمباح، والكراهة والتحريم.

الشيخ: أحسنت، يعني: أن النكاح قد يكون واجبًا، قد يكون مستحبًّا، قد يكون مباحًا، قد يكون مكروهًا، قد يكون محرمًا.

الحال الذي يكون فيه النكاح مستحبًّا

نبدأ أولًابـ..، المؤلف بدأ بالاستحباب، قال:

يُسن.

لأن الاستحباب هو الأصل، وهو الغالب.

يُسن لذي شهوة لا يخاف الزنا.

فأفاد المؤلف بأن النكاح يستحب في حق ذي الشهوة، لكنه لا يَخشى على نفسه من الزنا، ويدل لذلك الأحاديث -النصوص عمومًا- الواردة في استحباب النكاح، ومنها قول الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]، هذا يدل على أن النكاح من سنن المرسلين.

وموسى عليه الصلاة والسلام رعى الغنم عشر سنين؛ لأجل تحصيل مهر زوجته، وأجرةُ عشر سنين مهرٌ كبيرٌ، وهذا يدل على ارتفاع المهور في زمن موسى ، كونه يعمل عشر سنين، أجرةُ عشر سنين أجرةٌ كبيرةٌ، كل ذلك لأجل تحصيل مهر زوجته.

ويقول عليه الصلاة والسلام: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج [1]، قوله : فليتزوج، هذا أمرٌ، وأقل ما يفيده الأمر: الاستحباب.

والزواج أفضل من التبتل والتفرغ للعبادة عند جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة؛ خلافًا للشافعية.

إذنْ الجمهور يقولون: إن الاشتغال بالزواج أفضل من التبتل والانقطاع للعبادة، قال الموفق بن قدامة: هذا هو ظاهر أقوال الصحابة وفعلهم، وذكر آثارًا عن بعض الصحابة ، أثرًا عن ابن مسعودٍ ، قال: “لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيامٍ، وأعلم أني أموت في آخرها يومًا لي فيهن طَوْل النكاح -يعني قدرة على النكاح- لتزوجت؛ مخافة الفتنة”، هذا يدل على حرص الصحابة على الزواج، وحتى لو لم يبق في أجلي إلا عشرة أيامٍ، ما دام عندي قدرةٌ على النكاح؛ فأتزوج حتى في آخر يومٍ؛ خشية الفتنة.

وقال إبراهيم بن مَيْسَرة: قال لي طاوسٌ: لَتَنكِحَن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد، يعني: تزوجْ أو أقول لك ما قال عمر، ما الذي قال عمر؟ قال عمر: “ما يمنعك من النكاح إلا عجزٌ أو فجورٌ”، يعني: من كان له شهوةٌ وامتنع عن الزواج؛ إما أنه عاجزٌ، عِنِّينٌ، أو أنه فاجرٌ يزني، أما أن يكون إنسانًا سويًّا، وله شهوةٌ، وعنده قدرةٌ على النكاح ولا يتزوج؛ فهذا شيءٌ غير مقبولٍ، هذا معنى قول عمر .

وقال الإمام أحمد: ليست العُزْبة من أمر الإسلام في شيءٍ، ومن دعاك إلى غير التزويج؛ فقد دعاك إلى غير الإسلام.

ولما جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادته، فأُخبروا؛ كأنهم تقالوها، يعني قالوا: هل هذه عبادة النبي عليه الصلاة والسلام؟! كنا نتوقع أنها أكثر، ثم قالوا: أين نحن من رسول الله وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل فلا أنام أبدًا، وقال الآخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر أبدًا، وقال الثالث: أما أنا فاعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء النبي وقد أُخبر بما قالوا، قال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟، قالوا: نعم، قال: أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له، وهذا فيه تزكيةٌ للنفس، وهذا يدل على أن تزكية النفس إذا احتاج إليها الإنسان؛ لا بأس بها، إذا أتى أحدٌ مثلًا قلل من شأنك، لا بأس أن تزكي نفسك، أو اقتضت المصلحة ذلك؛ كما فعل يوسف عليه الصلاة والسلام، قال: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55]، قوله: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ، تزكيةٌ شديدةٌ للنفس، لكن فَعَل ذلك يوسف لأجل المصلحة العظيمة المترتبة على ذلك، فإذا وجد مصلحة في تزكية النفس، أو دعت الحاجة إليها فلا بأس، فهنا النبي عليه الصلاة والسلام لما تقالوا عبادته قال: إني أخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني [2].

فاعتبر النبي عليه الصلاة والسلام الرغبة عن الزواج والتبتل، والانقطاع للعبادة؛ رغبةً عن الزواج أنَّ هذا رغبةٌ عن السنة، وقد استأذن بعض الصحابة النبي في الاختصاء، والاختصاء معناه: قطع الخُصيتين، وإذا قطعت الخصيتان؛ انعدمت الشهوة عند الإنسان، فيقولون: نحن أناسٌ نريد الآخرة، وهذا أمرٌ يشغلنا عن الآخرة، فنريد أن نعدم هذه الشهوة، نختصي، فلم يرخص لهم النبي ، ولهذا قال سعدٌ : “رد رسول الله على عثمان بن مظعونٍ التبتل”، يعني: الانقطاع للعبادة والاختصاء، “ولو أذن له لاختصينا” [3]، لو النبي عليه الصلاة والسلام فتح المجال؛ لاختصى الصحابة كلهم، يعني: يريدون الآخرة، وقال أنسٌ : “كان رسول الله يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا” [4].

فإذنْ هذا الإسلام دينٌ عظيمٌ يشمل جميع أمور الدين والدنيا، ولا يراد من الإنسان أن يتبتل، وينقطع للعبادة، ويترك أمور دنياه، وهذا من شأن القساوسة، قساوسة النصارى تجد أنهم يتبتلون وينقطعون في الكنيسة ولا يتزوجون، عندهم الزواج ممنوعٌ، فهذا ليس من دين الإسلام، هذا مصادمٌ لفطرة الإنسان.

فإذنْ الزواج من سنن المرسلين، والاشتغال به أفضل من التبتل، خالف في ذلك الشافعية وقالوا: إن التخلي للعبادة أفضل، والتبتل أفضل من الزواج، وقالوا: إن الله تعالى مدح يحيى بقوله: وَسَيِّدًا وَحَصُورًا [آل عمران:39]، والحَصور قالوا: هو الذي لا يأتي النساء، ولو كان الزواج أفضل؛ لما مدح الله تعالى يحيى في تركه، قالوا: لأن الله تعالى قال: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14]، وهذا في معرض الذم.

والقول الراجح: هو قول الجمهور، وهو أن الاشتغال بالزواج أفضل من التبتل وترك الزواج.

وقد تعقَّب الموفقُ بن قدامة الشافعية في قولهم: إن التبتل أفضل، قال: ومن العجب أن من يفضل التخلي -يعني يقصد الشافعية- لم يفعله، فكيف أجمعوا على النكاح في فعله، وخالفوه في فضله؟! أفما كان فيهم من يتبع الأفضل عنده، ويعمل بالأوْلى؟!

يعني: يقول: إن فقهاء الشافعية كلهم متزوجون، طيب ما دام أنتم تقولون: إن ترك الزواج أفضل؛ فلماذا لم تتركوا الزواج؟! فأراد أن يحتج عليهم بفعلهم.

وأما استدلالهم بأن الله تعالى مدح يحيى بأنه حَصورٌ، فلا يُسلَّم بأن معنى “حصورٍ”: الذي لا يأتي النساء؛ لأن هذا وصف ذمٍّ، وليس هذا وصف مدحٍ، وإنما المقصود بالحَصور: يعني المعصوم عن الفواحش والقاذورات، هذا هو المعنى الصحيح لـ”حصور”، كما ذكر ذلك المفسرون؛ ولذلك عند الناس أن العاجز عن إتيان النساء يعتبرونه نقصًا، هذا ذمٌّ وليس مدحًا، والله تعالى إنما مَدَح يحيى ، ذكر الصفات التي يمدح بها بأنه حصورٌ، فمعنى حصورٍ: يعني معصومٌ عن الفواحش، وليس المقصود به أنه عاجزٌ عن إتيان النساء، ولم يعرف أيضًا أن يحيى لم يتزوج، قد يكون تزوج، بل إنه قد يفهم من دعاء زكريا؛ لأن زكريا قال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران:38]، فقوله: ذُرِّيَّةً، كأنه يعني: يشير إلى أن يحيى  سيكون له نسلٌ؛ لأن يحيى هو ابن زكريا الوحيد، فقوله: ذُرِّيَّةً، كأنه يشير إلى أنها ذريةٌ متسلسلةٌ، فحتى الآية يفهم منها أن يحيى قد يكون تزوج، فقولهم عن معنى حصور: إنه لا يأتي النساء، هذا غير صحيحٍ.

فمعنى “حصورٍ” إذنْ يعني: معصومٌ عن الفواحش، وابن قدامة قال: إن هذا في شرع يحيى ، لكن إجابة ابن كثيرٍ أجود من الإجابة بأن هذا شرع من قبلنا، وأما الاستدلال بالآية: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14]، هذا حكايةٌ عن الواقع، وهذا لا يدل على كراهة ذلك، بدليل ذكر البنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة.

وعلى هذا فالقول الراجح: أن الاشتغال بالزواج أفضل من التبتل والتخلي والانقطاع للعبادة.

طيب، كيف نجيب عن سير بعض العلماء الذين لم يتزوجوا؟ عرف عنهم أنهم لم يتزوجوا؛ كابن تيمية والنووي وبعض العلماء، انقطعوا للعلم وتركوا الزواج، كيف نجيب عن هذا؟

نقول: هذه حالاتٌ خاصةٌ، لا تدري عن واقعهم، قد يكون بعضهم لا شهوة له، قد يكون أيضًا أنه يتسرى بالإماء؛ لأن الإماء كانت موجودةً في زمنهم بكثرةٍ، قد يكون رأى أنه يتسرى بالإماء، وقد يكون أيضًا أنه لا شهوة عنده، فلا شك أن هدي النبي أكمل وأفضل، لكن هذه حالاتٌ خاصةٌ بهؤلاء العلماء؛ ولهذا أنكر العلماء على من ألف كتابًا سماه “العلماء العزاب”، جمع فيه العلماء العزاب كلهم في هذا الكتاب، وقالوا: كأن هذا فيه دعوى إلى العزوبية وترك الزواج، هذه حالاتٌ خاصةٌ، ولا تدري عن واقع هؤلاء العلماء الذين تركوا الزواج.

ثم أيضًا أكثر العلماء تزوجوا، بل نقول: الأنبياء والرسل، ذكر الله تعالى الزواج من سننهم: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38]، والأنبياء والرسل هم أكمل البشر، وهم قدوتنا وأسوتنا عليهم الصلاة والسلام.

الحال التي يكون فيها النكاح واجبًا

قال:

ويجب على من يخافه.

إذنْ هذه الحالة الثانية، نحن قلنا: يستحب، هذا هو الأصل، يجب على من يخافه، يعني: يجب على من يخاف الزنا بتركه، بشرط أن يكون قادرًا على الزواج، فإذا كان قادرًا على الزواج، ويخشى من الزنا لو لم يتزوج؛ فيجب في حقه الزواج، وإذا ترك الزواج فهو آثمٌ؛ لأنه يعرض نفسه للفتنة.

الحال التي يباح فيها النكاح

الثالثة، قال:

ويباح لمن لا شهوة له.

الذي لا شهوة له؛ كالعنين، وكبير السن، الزواج في حقه مباحٌ، لكن ينبغي تقييد ذلك بامرأةٍ ليس لها رغبةٌ في الوطء، وأما إذا كان لها رغبةٌ في الوطء؛ سيأتينا أن هذا مكروهٌ، يعني هذا رجلٌ كبيرٌ في السن تزوج بامرأةٍ كبيرةٍ في السن، كلاهما ليس رغبةٌ أصلًا في الوطء، فهذا مباحٌ؛ لأن الغرض من النكاح ليس تفريغ الشهوة، وإنما فيه مصالح أخرى من الأنس والخدمة، ونحو ذلك.

لكن ينبغي إذا أراد أن يتزوج بامرأةٍ وليس عنده شهوةٌ أن يبين ذلك، وإلا يكون ذلك غشًّا.

الحال التي يحرم فيها النكاح

الحالة الرابعة، قال:

ويحرم بدار الحرب لغير ضرورةٍ.

وذلك لئلا يستعبد الولد؛ لأنه قد يستعبد الولد، لو حصل له مولودٌ، وقد يلتحق بأهل الحرب.

وقوله: “لغير ضرورةٍ”، بعض الفقهاء يقولون: إن الضرورة هنا غلبة الشهوة، ولكن هذا محل نظرٍ؛ إذ إن غلبة الشهوة يمكن كسرها بالاستمناء ونحوه، فإن الاستمناء يجوز للضرورة، ويجوز في حق من يخشى على نفسه من الفتنة.

بقي حالةٌ خامسةٌ، وهي ماذا؟

نحن قلنا: يستحب، ويجب، ويحرم، ويباح، بقي حالةٌ خامسةٌ: يكره، لم يذكرها المؤلف، نحتاج أن نضيفها، فنقول: يكره في حق من لا شهوة له أن يتزوج امرأةً لها شهوةٌ وتتطلع للوطء، فيكره في حقه النكاح؛ لما فيه من إلحاق الضرر بهذه المرأة، حتى لو أخبرها بواقع حاله، ما دام أنه لا شهوة له؛ فلا يتزوج امرأةً ترغب في الوطء، وإنما يبحث عن امرأةٍ ليس لها رغبةٌ في الوطء، وإلا إذا تزوج امرأةً لها رغبةٌ في الوطء، فهذا مكروهٌ في حقه، فلا يصل لدرجة التحريم؛ لأنه قد أخبرها بواقعه، لكن هذا يكره في حقه.

فعلى هذا نقول: إن حكم النكاح: أنه تدور عليه الأحكام الخمسة، لكن أغلب الناس، معظم الناس، في حقهم مستحبٌّ، يعني معظم الناس مستحبٌّ، بعض الناس قد يكون في حقه واجبًا، وبعض الناس قد يكون مباحًا، بعضهم قد يكون محرمًا، بعضهم قد يكون مكروهًا، لكن غالبية الناس ومعظم الناس من حيث الأصل: أنه مستحبٌّ في حقهم.

صفات الزوجة التي ينبغي اختيارها

قال:

ويسن نكاح ذات الدين.

لقول النبي : تُنكح المرأة لأربعٍ: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك [5]، وذكر النبي عليه الصلاة والسلام هذه الخصال الأربع؛ إخبارًا عن الواقع، يعني: أن واقع الناس أنهم يتزوجون المرأة لإحدى هذه الخصال الأربع، ثم أوصى النبي عليه الصلاة والسلام بذات الدين؛ لأن ذات الدين امرأةٌ بركةٌ على الإنسان؛ تحفظه في نفسها، وفي ماله، وفي أولاده، وتعينه على طاعة الله، وتحسن التبعل لزوجها، بخلاف رقيقة الدين، فإنها ربما تخونه، ويعيش معها في نكدٍ، وربما تسيء العشرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: إن كان الشؤم في شيءٍ ففي ثلاثٍ: في المرأة والدار والدابة [6]، بعض النساء تكون شؤمًا على الزوج، يرى فيها النقص في أمور دينه ودنياه، وبعض الناس تكون بركةً على الزوج، يرى فيها الزيادة في أمور الدين والدنيا.

فإذنْ ينبغي أن يحرص المسلم على المتدينة ذات الدين.

الولود.

لقوله عليه الصلاة والسلام: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة [7].

البكر.

البكر أفضل من الثيب؛ لقول النبي لجابر بن عبدالله رضي الله عنهما لما تزوج ثيبًا: هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك [8]، لكن جابرًا  اعتذر وقال: يا رسول الله، إن أبي قد توفي، ولي أخواتٌ صغارٌ -كنَّ ثمانيًا أو تسعًا- فكرهت أن أتزوج مثلهن، فلا تؤدبهن، ولا تقوم عليهن، فتزوجت ثيبًا لكي تقوم عليهن وتؤدبهن.

ثم أيضًا البكر أفضل؛ لأنها لا تكون قد تعلقت برجلٍ آخر، لم تر من الرجال إلا أنت، فهي أفضل من الثيب، بخلاف الثيب؛ فإن الثيب قد تقارن بين زوجها السابق، وزوجها اللاحق، فبهذه المقارنة قد يحصل شيءٌ من النكد وعدم الاستقرار، فالأصل أن البكر أفضل من الثيب، لكن قد توجد مصلحةٌ في نكاح الثيب؛ كما حصل لجابرٍ .

الحسيبة.

يعني: ذات الحسب بأن تكون طيبة الأصل، فلا ينكح دنيئة الأصل، فيحرص على من كانت من أسرةٍ كريمةٍ، تعظم الدين وأهل الدين، ومحافظةٍ، ويبتعد عن الأسر الدنيئة، وغير الحسيبة؛ كأن يكون مثلًا أبوها يهوديًّا أو نصرانيًّا، أو يكون فاجرًا أيضًا.

الأجنبية.

قوله: “الأجنبية” يعني: بعيدة النسب، فالمؤلف يرى أن نكاح المرأة الأجنبية أولى من القريبة؛ وذلك لأن أي زواجٍ معرضٌ للطلاق، أي زواجٍ يحتمل النجاح ويحتمل الفشل، فمع الطلاق قد يؤدي ذلك إلى قطيعة الرحم، وهذا نراه في الواقع، نرى بعض الناس يتزوج قريبةً له، ثم يطلقها، ثم تقع قطيعة رحمٍ بينه وبين أسرتها؛ ولذلك فالعلماء يقولون: إن نكاح البعيدة أفضل، وأيضًا حتى من الناحية الطبية يقولون: إنها أكثر نجابةً، وأبعد عن الأمراض الوراثية، إلا أن يكون هناك مصلحةٌ راجحةٌ في الزواج من قريبةٍ، ليس هذا على الإطلاق، أحيانًا قد يكون مثلًا في القريبة تميزٌ وصفاتٌ جيدةٌ تجعل الخاطب يرجحها على البعيدة.

ثم انتقل المؤلف للكلام عن أحكام النظر، وأطال المؤلف في هذا المجال، يعني أطال كثيرًا، مع أنه في كتب الفقه الأخرى لا يطيلون في الكلام عن أحكام النظر، لكن المؤلف رأى أهمية هذا وأطال.

أقسام النظر وأحكامه

قال:

ويجب غض البصر عن كل ما حرم الله تعالى، فلا ينظر إلا ما ورد الشرع بجوازه.

لقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۝ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31].

والنظر ثمانية أقسامٍ:

الأول: النظر إلى الحرة البالغة الأجنبية لغير حاجةٍ

قسَّم المؤلف النظر باعتبار متعلقاته وأحكامه إلى ثمانية أقسامٍ فقال:

الأول: نظر الرجل البالغ -ولو مجبوبًا- للحرة البالغة الأجنبية لغير حاجةٍ، فلا يجوز نظر شيءٍ منها، حتى شعرها المتصل.

لا يجوز للرجل البالغ أن ينظر للمرأة الأجنبية مطلقًا، لا بشهوةٍ ولا بغير شهوةٍ؛ لقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30]، وأيضًا في الحديث: زنا العينين النظر [9]، ولما سئل النبي عن نظر الفجأة، قال: اصرف بصرك [10]، إلى غير ذلك من النصوص التي تدل على تحريم نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية.

والنظر للمرأة الأجنبية هو أول أبواب الفتنة وأبواب الشر، إذا أغلق الإنسان هذا الباب؛ فقد أغلق بابًا عظيمًا من أبواب الفتنة، فمبتدأ الفتنة ومبتدأ الشر من النظر؛ ولذلك إذا جاهد الإنسان نفسه على غض البصر؛ فقد أغلق أبوابًا عظيمةً من الشر عنه.

وقول المؤلف: “لغير حاجةٍ”، هذا يدل على أن النظر للمرأة الأجنبية لحاجةٍ يجوز؛ كالنظر للمخطوبة مثلًا، ونظر الطبيب للمرأة للحاجة؛ لعلاجها ونحو ذلك، كما سيأتي.

وقوله: “ولو مجبوبًا”، يعني: ولو مقطوع الذكر، أو مقطوع الخُصيتين، يقول: إنه لا يبيح له النظر للأجنبية، يقولون: لأن مقطوع الذكر لا تنعدم شهوته، ولا يؤمن أيضًا من أن يتمتع بالمرأة بأية صورةٍ من الصور؛ ولهذا استعظم الإمام أحمد إدخال الخِصيان على النساء، لكن لو كان منعدم الشهوة تمامًا؛ فهذا يباح له النظر؛ لقول الله تعالى: غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ [النور:31]، بنص الآية، فالذي ليس له إربةٌ، ومنعدم الشهوة، هذا يباح في حقه النظر، لكن المجبوب يقول الفقهاء: إن المجبوب -يعني مقطوع الذكر- لا تنعدم شهوته.

وأما مقطوع الخصيتين، فالإمام أحمد استعظم إدخال الخِصيان على النساء، وبعض الفقهاء يقولون: حتى الخَصِيُّ ينبغي ألا يدخل على النساء، لكن يظهر أن هذا يختلف باختلاف الناس، فإذا كان ليس من ذوي الإربة، منعدم الشهوة تمامًا، فالذي يظهر أن الأمر بالنسبة له واسعٌ؛ لأن الآية ظاهرةٌ: غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ.

أما إذا كان عنده تطلعٌ للنساء؛ فهذا لا يَنظر ولا يَدخل على النساء.

الثاني: النظر لمن لا تُشتهى

الثاني: نظره لمن لا تُشتهى؛ كعجوزٍ وقبيحةٍ، فيجوز لوجهها خاصةً.

المقصود بالعجوز يعني التي تكون من القواعد من النساء، فهذه يرخص لها ما لا يرخص لغيرها؛ لقول الله تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60]، فيجوز للمرأة الكبيرة في السن التي من القواعد من النساء أن تكشف عن وجهها، وأن تضع ثيابها، ويجوز النظر إليها أيضًا، بل حتى تجوز مصافحتها، فقد نص الفقهاء على جواز مصافحة المرأة الكبيرة في السن، التي هي من القواعد؛ وذلك لأمن الفتنة؛ ولأنه لا أحد يطمع فيها، امرأةٌ عجوزٌ كبيرةٌ في السن من فوق الثمانين، لا ترجو النكاح، فهذه يجوز النظر إليها، ولا يجب عليها أن تغطي وجهها، بل تجوز مصافحتها، ومع ذلك الله تعالى يقول: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ، لا بد أيضًا أنها إذا وضعت ثيابها، وكشفت وجهها لا تتبرج، ومع ذلك يقول الله تعالى: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60]، سبحان الله! هذا يدل على عناية الشريعة بقضية الحجاب.

يعني: حتى في حق هذه المرأة العجوز التي هي من القواعد من النساء، التي قد بلغت مرحلةً لا ترجو النكاح، لو كانت أرملةً ليست ذات زوجٍ، لا ترجو أن أحدًا يتقدم لخطبتها، ومع ذلك لما أباح الله لها أن تضع ثيابها، قال: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ، وأيضًا قال: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ؛ فهذا يدل على عظيم عناية الشريعة بقضية الحجاب، قضية الحجاب في الشريعة قضيةٌ عظيمةٌ، قضيةٌ أساسيةٌ؛ لأن المرأة إذا التزمت بالحجاب الشرعي؛ فقد قطعت دابر الفتنة، لكن عندما تخرج متبرجةً أمام الرجال الأجانب؛ فتحت أبوابًا عظيمة من الفتنة.

أيضًا الفقهاء قالوا: إنه يقاس على المرأة العجوز قبيحةُ المنظر، فهذه يجوز النظر إليها، يقولون: لأن قبيحة المنظر تؤمَن معها الفتنة، يجوز لها أن تكشف عن وجهها، ويجوز النظر إليها، ولكن ضابط القبيحة من الجميلة، هل هذا ينضبط؟ لا ينضبط، ربما تكون امرأةً قبيحةً، لكنها تتزين -خاصةً في وقتنا الحاضر- بأنواع الزينة والمكاييج، ونحو هذا، فتصبح بأنواع الزينة جميلةً، فلا تنضبط؛ ولهذا فالأصل: أن المرأة تتحجب عن الرجال الأجانب، لكن لا يشدد على القبيحة كما يشدد على الجميلة، الجميلة يشدد عليها في الحجاب أكثر من القبيحة.

الثالث: النظر من أجل الشهادة

الثالث:

من أقسام النظر:

نظره للشهادة عليها، أو لمعاملتها، فيجوز لوجهها، وكذا كفيها لحاجةٍ.

يعني: هذا كان موجودًا في زمن المؤلف، النظر للشهادة، إذا أراد أن يشهد رجلٌ على امرأةٍ؛ فلا بد أن ينظر لوجهها؛ حتى يتحمل الشهادة عنها، ويعرف هذه المرأة بعينها، ولكن في وقتنا الحاضر لا تدعو الحاجة لذلك، أولًا: لأن في المحاكم الآن يوجد نساءٌ، فيمكن أن تنظر امرأةٌ لهذه المرأة.

وأيضًا توجد البصمة الآن تتميز بها المرأة وتعرف؛ فلا حاجة أصلًا لما ذكره المؤلف من نظر الشاهد أو القاضي للمرأة، لا نحتاج لهذه المسألة في وقتنا الحاضر مع وجود البصمة، موجودٌ أيضًا نساءٌ في المحاكم ينظرن لهذه المرأة، ويتحققن من هويتها.

لكن يظهر أن في زمن المؤلف كانت الحاجة قائمةً لهذا.

الرابع: النظر لأجل الخِطبة

الرابع: نظره لحرةٍ بالغةٍ يخطبها.

النظر للمرأة التي يريد خطبتها، هذه النظرة للمرأة للخِطبة مستحبٌّ وليس مباحًا، بل مستحبٌّ، يستحب النظر للمخطوبة؛ لقول النبي : إذا خطب أحدكم امرأةً، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل [11]، وفي الحديث الآخر: فإنه أحرى أن يؤدم بينكما [12]، وهذا أمرٌ من النبي ، وأقل ما يفيده الأمر الاستحباب، قد ذكر النبي فائدةً عظيمةً للنظر للمخطوبة، وهو أن ذلك من أسباب التوفيق، أحرى أن يؤدم بينكما، ولأن الإنسان مُقْدِمٌ على شركة حياةٍ، هذه ستكون شريكة حياتك، تكون معك في مأكلك ومشربك وفراشك، وربما تقضي معها وقتًا كثيرًا، ربما تكون هي أكثر إنسانٍ تقضي معه وقتك، فأنت مُقْدِمٌ على هذه الحياة، وهذه الشراكة، فينبغي أن تنظر إليها قبل ذلك، وقد جاء في حديث جابرٍ قال: خطبت امرأةً فقال النبي : انظر إليها، قال: فكنت أتخبأ لها في النخل؛ حتى أراها [13].

فأحيانًا قد يرفض أهلها النظر إليها، هذا موجودٌ الآن، بعض الأسر عندهم عاداتٌ، يرفضون النظر للمخطوبة، فهل يجوز أن يتخبأ الخاطب لهذه المرأة وينظر إليها إذا ذهبت وخرجت من البيت، أو كانت في السوق، أو نحو ذلك؟

نقول: نعم، يجوز، وقد فعله جابرٌ ، وأقره النبي على ذلك، قال: “فقد كنت أتخبأ في النخل؛ كي أنظر إليها”، وجاء في حديث أبي هريرة أن رجلًا تزوج امرأةً من الأنصار، فقال له النبي : أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: اذهب فانظر إليها، يظهر أنه خطبها ولم يتزوجها بعد، لكن خطبها، قال: انظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا [14]، قيل: زُرقةٌ، وقيل: صِغَرٌ في العيون.

طيب، هل يجوز أن ينظر الخاطب لصورة المخطوبة؟

الجواب: نعم، إذا كان يجوز أن ينظر لها مباشرةً؛ فيجوز أن ينظر لصورتها من باب أولى، لكن ينبغي للمرأة ألا تبالغ في الزينة، أو في فلترة الصورة، بحيث تعكس غير صورتها؛ لأن بعض النساء ربما تقوم بفلترة الصورة وتزيينها، فتعطي غير صورتها الحقيقية، وهذا نوعٌ من التغرير، وأيضًا إذا أتت هذه الصورة للخاطب؛ ينبغي أن يُتْلِفها وأن يحذفها مباشرةً؛ حتى لا تقع في يد رجلٍ أجنبيٍّ، لكن إذا جاز النظر لها مباشرةً؛ جاز النظر إلى صورتها.

طيب، هل يجوز للخاطب أن يتواصل هاتفيًّا مع المخطوبة قبل أن يعقد عليها؟ يجوز أو لا يجوز؟

إذا جاز النظر؛ جاز أيضًا الكلام؛ النظر أشد من الكلام، لكن يكون ذلك بالمعروف، ويكون ذلك بقدر الحاجة، ويكون بإذن وعلم أهلها، فلا بأس بذلك، ليس هناك شيءٌ يمنع من هذا، فإذا جاز النظر إليها؛ جاز أن يتواصل معها من غير توسعٍ، وإنما يكون ذلك بقدر الحاجة، ويكون ذلك أيضًا بإذن وعلم أهلها.

الطالب:

الشيخ: لكن يكون بعلمه وإذنه، يكون بقدر الحاجة، فليس فيه شيءٌ، الأصل في حديث الرجل مع المرأة الجواز، وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، فكيف إذا كان هناك حاجةٌ من باب أولى، افترض أنه ليس خاطبًا لها، واحتاج أن يكلمها في أي أمرٍ من الأمور، أليس هذا يجوز؟ هذا من باب أولى.

قال:

فيجوز للوجه والرقبة واليد والقدم.

فحدَّد المؤلف النظر للمرأة التي يراد خطبتها بهذه الأمور الأربعة، الوجه والرقبة واليد والقدم، لكن هذا التحديد ليس عليه دليلٌ، ومن الفقهاء من قال: ينظر للوجه فقط، والأظهر -والله أعلم- أنه ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، مما يظهر غالبًا، يعني مثل مثلًا: الوجه والشعر والذراعين وأطراف الساقين، فهذه ينظر إليها.

الخامس: النظر إلى المحارم والصغيرة والأمة

الخامس: نظره إلى ذوات محارمه.

يعني: ذكر المؤلف أصنافًا من الناظر والمنظور إليه، وأعطاهم حكمًا واحدًا، وهو جواز النظر لهذه الأربعة الأشياء: الوجه والرقبة واليد والقدم، والرأس والساق، يعني النظر إلى ما يظهر غالبًا.

فذوو المحارم: يجوز أن ينظر إلى ما يظهر منهن غالبًا، وذوو المحارم سواءٌ كن بنسبٍ أو بسببٍ؛ بنسبٍ؛ كأمه وأخته وابنته، وسببٍ مباحٍ إما بمصاهرةٍ؛ كأم زوجته، وزوجة أبيه، أو برضاعٍ؛ كأخته من الرضاع مثلًا، وأمه من الرضاع، فهؤلاء النسوة ينظر إلى ما يظهر منهن غالبًا.

أو لبنت تسعٍ.

ما يظهر منهن غالبًا كما ذكرنا من الشعر والوجه والذراعين وأطراف الساقين، وقد ورد عن عمر أنه خطب أم كلثومٍ بنت عليٍّ ، وكانت صغيرةً، فلما خطبها؛ أراد أن ينظر إلى ساقها، لكنها غضبت وأبت، وقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لضربتك، هذا دليلٌ على أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى هذه الأمور، فلاحِظ، عمر تزوج بنت عليٍّ، يعني هذا يدل على العلاقة الوثيقة بين عمر وعليٍّ وبين الصحابة .

الطالب:

الشيخ: يعني ينبغي ألا تبالغ المرأة في الزينة، يعني: يسأل أنها قد تلبس ملابس غير لائقةٍ، ينبغي أن تلبس الملابس المناسبة اللائقة، وألا تبالغ في الزينة، وهذا قد يكون نوعًا من التغرير.

أو لبنت تسعٍ.

يعني: يجوز النظر إلى ما يظهر منها غالبًا، بنت التسع؛ لأن عورتها مخالفةٌ لعورة البالغة.

أو أمةٍ لا يملكها، أو يملك بعضها.

الأمة يقول الفقهاء: أنه يجوز أن تكشف وجهها ورأسها؛ حتى تتميز عن الحرة، إلا إذا كانت هذه الأمة جميلةً؛ فيحرم النظر إليها، خشية الافتتان بها، ويجب عليها أن تتحجب؛ ولهذا قال الإمام أحمد: إن الأمة إذا كانت جميلةً؛ تنقبت.

وأما القول بأن عورة الأمة ما بين السرة للركبة، فهذا قولٌ ضعيفٌ، وهو باطلٌ، هل يعقل أن الشريعة تأتي بهذا؟! أن أمةً لا تستر إلا ما بين السرة والركبة، وتمشي أمام الرجال، وقد أبدت ثدييها، هذا لا ترد به الشريعة، هذا قولٌ ضعيفٌ.

فالأمة إذنْ إذا كانت جميلةً؛ يجب عليها أن تتحجب، وإذا كانت ليست جميلةً، فيجوز أن تكشف عن رأسها ووجها.

إذنْ الأمة إذا لم تكن جميلةً؛ فينظر إلى ما يظهر منها غالبًا.

نظر من لا شهوة له

أو كان لا شهوة له؛ كعِنِّينٍ أو كبيرٍ.

يعني: الذي انعدمت الشهوة عنده؛ يجوز له النظر إلى ما يظهر منها غالبًا؛ لقول الله تعالى: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ [النور:31]، طيب هنا في القسم الأول ذكر المؤلف من لا شهوة له، وذكر النظر، يعني مقصوده: أن نظر الرجل البالغ ولو مجبوبًا للمرأة البالغة لا يجوز؛ لأن هذا المجبوب قد تكون له شهوةٌ، بخلاف العنين أو الكبير الذي انعدمت الشهوة عنده تمامًا، وهذا أشرنا له في القسم الأول.

قلنا: إذا انعدمت الشهوة تمامًا؛ جاز له النظر، وأما إذا لم تنعدم؛ فلا يجوز، والمجبوب يقولون: إنه لا تنعدم عنده الشهوة، المجبوب يقولون: الشهوة باقيةٌ عنده، قد جب الذكر، لكن الشهوة عنده باقيةٌ، فهذا لا يجوز له النظر.

نظر المميز

أو كان مميزًا وله شهوةٌ.

يعني: المميز إذا كان له شهوةٌ؛ يجوز له النظر من المرأة إلى ما يظهر منها غالبًا؛ لأن الله فرق بين البالغ وغيره، فقال: وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا [النور:59]، إلا إذا كان لهذا المميز ميلٌ للنساء، فهذا يُمنع من الدخول عليهن، ومن النظر إليهن؛ لأن النبي لما قيل له: إن فلانًا -وكان صبيًّا- قال: إن بنات فلانٍ يُقْبِلِن بأربعٍ، ويُدبِرن بأربعٍ، فمنعه النبي عليه الصلاة والسلام من الدخول على زوجاته [15].

أو رقيقٍ غير مبعَّضٍ ومشتركٍ، ونظره لسيدته، فيجوز للوجه والرقبة، واليد والقدم، والرأس والساق.

يعني: الرقيق غير المبعض، وغير المشترك، يجوز أن ينظر إلى سيدته للحاجة، لكن ينظر إلى ما يظهر منها غالبًا، والرق الآن قد انقطع وانقرض في العالم، بل أصبح الآن مجرَّمًا دوليًّا، الرق الآن مجرَّمٌ دوليًّا، ويلاحَق من يفعله، وقد انقطع تقريبًا، وما قد يقال: إنه في بعض الدول يوجد رقٌّ، فمشكوكٌ في شرعيته؛ لأن الرق الآن ممنوعٌ رسميًّا في جميع دول العالم.

لكن الفقهاء يقولون: إن المرأة لا يجب عليها أن تتحجب عن مملوكها، ويجوز له أن ينظر إلى ما يظهر منها غالبًا.

السادس: النظر للمداواة

السادس: نظره للمداواة، فيجوز للمواضع التي يحتاج إليها.

مثل نظر الطبيب للمرأة، يجوز في المواضع التي يحتاج للنظر إليها، لكن من غير خلوةٍ، وعندنا قاعدةٌ مفيدةٌ لطالب العلم، انتبه لهذه القاعدة: وهي أن ما حرم سدًّا للذريعة؛ يجوز منه ما تدعو إليه الحاجة.

فمثلًا النظر للمرأة الأجنبية، تحريمه من باب سد الذريعة؛ لأن النظر للمرأة الأجنبية ذريعةٌ للفتنة، فيجوز منه ما تدعو إليه الحاجة، مثل نظر الخاطب لمخطوبته، ونظر الطبيب للمرأة للعلاج إذا اقتضى الأمر ذلك.

وكذلك أيضًا في مثلًا سفر المرأة بدون محرمٍ، إنما حرم من باب سد الذريعة؛ لأن هذا ذريعةٌ للفتنة، لكن لو دعت الحاجة لذلك فيجوز، امرأةٌ احتاجت لأن تسافر، ولم تجد محرمًا، فيجوز ذلك بشرط عدم الخلوة؛ لأن القاعدة في هذا الباب أن ما حرم سدًّا للذريعة جاز منه ما تدعو إليه الحاجة.

السابع: ما يجوز النظر إليه ما عدا ما بين السرة والركبة

السابع:

وكل ما ذُكر في هذا القسم يجوز فيه النظر إلى ما عدا ما بين السرة إلى الركبة.

نظره لأمته المُحَرَّمة.

يعني: يجوز للسيد أن ينظر إلى أمته المحرمة، يعني المتزوجة من رجلٍ آخر، ينظر إلى جميع جسدها ما عدا ما بين السرة والركبة، لكن هذا محل نظرٍ، كيف يباح له النظر إلى ثديها ومفاتنها، وهي متزوجةٌ برجلٍ آخر، كونه مالكًا لها لا يبيح له النظر، فالأقرب -والله أعلم- أنه لا يجوز أن ينظر إليها إلا ما يظهر منها غالبًا.

ولحرةٍ مميزةٍ دون تسعٍ.

إذا كانت الأنثى حرةً، ودون تسع سنين، فعورتها ما بين السرة إلى الركبة.

ونظر المرأة للمرأة.

هناك تقديمٌ وتأخيرٌ -إن شاء الله- لعلنا نستدركها في الطبعة القادمة.

“ونظر المرأة للمرأة” يعني: يجوز للمرأة أن تنظر للمرأة، ما عدا ما بين السرة والركبة، وهذا القول فيه إشكالٌ، يعني تحتج به بعض النساء في الزواجات ونحوها، فيقول: عورة المرأة للمرأة ما بين السرة إلى الركبة، لكن هذا القول قولٌ مرجوحٌ، والصواب: أن عورة المرأة أمام المرأة هي ما يظهر منها غالبًا مما جرت العادة بإظهاره في بيتها وأمام محارمها؛ كالوجه والشعر والذراعين، وأطراف الساقين، والرقبة، ونحو ذلك، والدليل لهذا: قول الله تعالى في سورة الأحزاب: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ..، أكمل الآية: وَلَا نِسَائِهِنَّ [الأحزاب:55]، ووجه الدلالة: أن الله تعالى ذكر النساء مع المحارم فيما تبديه المرأة، وهذا يدل على أن ما تبديه أمام النساء كالذي تبديه أمام المحارم.

فإذنْ القول الراجح: أن عورة المرأة أمام المرأة كعورتها أمام محارمها، وأن القول بأن عورة المرأة أمام المرأة ما بين السرة إلى الركبة قولٌ مرجوحٌ.

وللرجل الأجنبي.

يعني: يجوز للمرأة أن تنظر لجميع بدن الرجل الأجنبي ما عدا ما بين السرة إلى الركبة، وهذه المسألة محل خلافٍ بين أهل العلم، نظر المرأة للرجل عمومًا، فإن الله تعالى قال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31].

فمن العلماء من قال: إنه يجوز للمرأة أن تنظر للرجل الأجنبي بدون شهوةٍ، وبدون تلذذٍ، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو الذي قرره المؤلف، واستدلوا لذلك بعدة أحاديث؛ منها: ما جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تنظر للحبشة وهم يلعبون في المسجد [16]، وأقرها النبي على ذلك، وأيضًا فاطمة بنت قيسٍ لما طلقها زوجها أمرها النبي أن تعتد في بيت ابن أم مكتومٍ، مع أنه أجنبيٌّ عنها، وقال: إنه رجلٌ أعمى تضعين ثيابك فلا يراك، ولأن النساء في عهد النبي كن ينظرن للرجال، ويخاطبن الرجال، ويكلمن الرجال، ولم يَرِد المنع من نظرهن إليهم، والله تعالى يقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]، وأما قول الله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، فالمراد به نظر المرأة إلى الرجل على وجه الشهوة والتلذذ، أما نظرًا مجردًا فيجوز؛ وعلى هذا نقول: إن القول الراجح في حكم نظر المرأة للرجل: أنه إذا كانت نظرةً شهوةً وتلذذٍ فيحرم؛ لقول الله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31]، وأما إذا كانت نظرةً مجردةً فلا بأس؛ للأدلة الكثيرة التي تدل على جواز نظر المرأة للرجل نظرةً مجردةً بدون شهوةٍ.

وعلى هذا نقول: إن نظر الرجل للمرأة يختلف عن نظر المرأة للرجل، نظر الرجل للمرأة لا يجوز مطلقًا، سواءٌ بشهوةٍ أو بغير شهوةٍ، أما نظر المرأة للرجل فيجوز بدون شهوةٍ، ولا يجوز بشهوةٍ.

قال:

ونظر المميز الذي لا شهوة له للمرأة.

يعني: الصبي الذي بلغ سن التمييز وليس له شهوةٌ، يجوز أن ينظر للمرأة ما عدا السرة إلى الركبة؛ لقول الله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31].

ونظر الرجل للرجل ولو أمرد.

يعني: يجوز للرجل أن ينظر للرجل ما عدا ما بين السرة إلى الركبة، حتى ولو كان أمرد، لكن ذهب الشافعية إلى أن الرجل إذا كان أمرد حسنًا؛ فإنه لا يجوز النظر إليه، ولا الخلوة به، وقد اختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ لأنه مظنة الفتنة، خاصةً إذا كان شابًّا صغيرًا، وكان أمرد وحسن الشكل والمظهر، فالأقرب -والله أعلم- أنه لا يجوز النظر إليه، ولا الخلوة به؛ لأن ذلك مظنةٌ للفتنة، كما لو نظر لامرأةٍ أجنبية.

قال:

فيجوز إلى ما عدا ما بين السرة والركبة.

هذا قَيدٌ يرجع لكل ما ذكرهم المؤلف في هذا القسم.

الثامن: النظر إلى الزوجة والأمة

الثامن: نظره لزوجته وأمته المباحة له، ولو لشهوةٍ، ونَظَرُ مَن دون سبعٍ، فيجوز لكلٍّ نظرُ جميعِ بدن الآخر.

يعني: نظر رجلٍ لزوجته، يجوز أن ينظر إلى جميع بدنها، وهكذا لأمته المملوكة، وهذا بالإجماع، حتى نظره إلى فرجها يجوز من غير كراهةٍ؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناءٍ واحدٍ، فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي» [17]، إذا كان يغتسلان في إناءٍ واحدٍ، معنى ذلك: أنها تنظر إلى فرج النبي عليه الصلاة والسلام، وهو ينظر إلى فرجها؛ فهذا يدل على أن العلاقة بين الزوج وزوجته علاقةٌ فيها سعةٌ، وللرجل أن ينظر إلى زوجته وتنظر إليه في جميع البدن من غير كراهةٍ.

وقوله: “ونَظَرُ مَن دون سبعٍ” يعني: الطفل الذي دون سبع سنين لا عورة له، يجوز النظر إلى جميع بدنه، سواءٌ كان طفلًا أو طفلةً، ما دام أنه دون سبع سنين، هذا لا عورة له.

يحرم النظر لشهوةٍ أو مع خوف ثورانها

ثم قال المصنف رحمه الله:

ويحرم النظر.

لا  زال المؤلف في أحكام النظر، الحقيقة أن المؤلف اعتنى بمسائل النظر وأحكام النظر عنايةً كبيرةً، وهذا مما تميز به الدليل.

ويحرم النظر لشهوةٍ، أو مع خوف ثورانها إلى أحدٍ ممن ذكرنا.

يعني: في جميع الأقسام السبعة الأولى، إذا كان النظر لشهوةٍ؛ فلا يجوز، إلا في القسم الثامن، ما عدا الرجل مع زوجته وأمته، فيجوز.

ولمسٌ كنظرٍ وأولى.

يعني: إذا حرم النظر؛ حرم اللمس من باب أولى، وهذا ظاهرٌ.

صوت المرأة

ويحرم التلذذ بصوت الأجنبية ولو بقراءةٍ.

وهذا يقودنا إلى مسألةٍ: وهي صوت المرأة، هل هو عورةٌ أو ليس بعورةٍ؟

قولان للعلماء:

  • من العلماء من قال: إنه عورةٌ، وعللوا لذلك بأنه يدعو إلى الفتنة، فيكون عورةً؛ سدًّا للذريعة.
  • والقول الثاني: أنه ليس بعورةٍ، وهذا قول أكثر العلماء، وهذا هو القول الراجح: أن صوت المرأة ليس بعورةٍ؛ لقول الله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، فقوله: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا، هذا كالنص في أن صوت المرأة ليس بعورةٍ، لكن بشرط ألا تخضع بالقول، وأن يكون كلامها معروفًا، وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا، فقوله: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا، دليلٌ على أن الصوت ليس بعورةٍ، لو كان عورةً؛ ما أذن لهن بمخاطبة الرجال.

إذنْ المرأة عندما تكلم الرجال، فتكلم الرجال بالقول المعروف؛ من غير خضوعٍ بالقول، ومن غير أيضًا خشونةٍ في الصوت؛ لأن بعض النساء تفهم من النهي عن الخضوع بالقول أنها تكون خشنةً في صوتها وفي كلامها، فإذا كلمت الرجال كلمتهم بغلظةٍ وفظاظةٍ وخشونةٍ، وهذا خطأٌ، هذا ليس هو المطلوب، إنما تقول قولًا معروفًا، تتكلم بكلامٍ معروفٍ، من غير خضوعٍ بالقول، ومن غير خشونةٍ وغلظةٍ.

ولهذا لما قال الله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ؛ قد يتوهم من يتوهم من النهي عن الخضوع بالقول: أن المرأة مطلوبٌ منها أن تكون خشنةً في الكلام، فدفعًا لهذا التوهم؛ قال الله تعالى: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا، فانظر -سبحان الله!- إلى عظمة القرآن، فحتى لا يتوهم أحدٌ أن المقصود من نهي المرأة عن الخضوع بالقول أنها تخشن في كلامها وصوتها؛ قال: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا، وهذا له نظائر في القرآن؛ لما قال الله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، ثم نسخت الآية بقول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.. كرر الله تعالى الرخصة، فقال: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، حتى لا يتوهم متوهمٌ أن الرخصة نُسخت مع الآية التي قبلها، فدَفْعُ التوهم والتنبيه هذا مذكورٌ في القرآن الكريم في عدة آياتٍ، ومنها هذه الآية.

وقول المؤلف: “ولو بقراءةٍ”، ما مقصوده “ولو بقراءةٍ”؟

الطالب:

الشيخ: يعني: ولو بقراءة قرآنٍ لا تخضع بالقول، ولا يجوز للرجل أن يتلذذ بصوتها، حتى ولو كان بتلاوة القرآن؛ ولذلك في برامج الإعلام التي تَقرأ فيها بعض النساء، تتلو التلاوات، إذا كان رجلٌ يتلذذ بصوتها بتلاوة القرآن؛ فهذا لا يجوز.

حكم الخلوة

قال:

ويحرم خلوة رجلٍ غير محرمٍ بالنساء، وعكسه.

خلوة الرجل بالمرأة مُحرَّمةٌ؛ لقول النبي : لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرمٍ [18]، ولقوله : لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ؛ إلا كان الشيطان ثالثهما [19]، والمقصود بالخلوة أن يجتمعا في مكانٍ، بحيث يمكنهما الحديث من غير أن يسمعهما أحدٌ.

ولكن المؤلف قال: يحرم خلوة رجلٍ بالنساء، يعني حتى لو كن مجموعة نساءٍ.

وعكسه، يعني امرأةٌ تخلو بمجموعة رجالٍ، وهذا الذي ذكره المؤلف محل نظرٍ؛ ولذلك القول الراجح: أنه إذا وُجد عددٌ من النساء، أو عددٌ من الرجال؛ فلا يكون خلوةً؛ لأن الخلوة من الخلاء، بحيث ينفرد الرجل والمرأة وليس معهما أحدٌ، أما إذا كانت المرأة معها نساءٌ؛ فلا يعتبر هذا خلوةً حتى لو كن مع رجلٍ واحدٍ، أو كانت امرأةٌ مع مجموعة رجالٍ لا يعتبر خلوةً.

فالصواب إذنْ: أن المقصود بالخلوة: أن يخلو رجلٌ بامرأةٍ فقط؛ ولهذا إذا لم يكن هناك سفرٌ؛ فلا بأس أن تركب مجموعةٌ من النساء السيارة مع السائق، ما دام أنها مجموعةٌ من النساء؛ فلا بأس، ولا بأس أن تخلو مجموعةٌ من النساء برجلٍ، وهذا عليه عمل المسلمين، يأتي أحيانًا بعض المشايخ وبعض طلاب العلم لقاعةٍ نسائيةٍ يلقي فيها محاضرةً، هذا الرجل خلا بهؤلاء النسوة، على كلام المؤلف يجوز أو لا يجوز؟ على كلام المؤلف لا يجوز، هذا مما يُبيِّن ضعف هذا القول، لكن على القول الراجح أنه يجوز، كيف تكون القاعة كلها ممتلئةً نساءً فيها رجلٌ واحدٌ، ونقول: خلا الرجل بالنساء.

ثم أيضًا احتمال الفتنة ضعيفٌ هنا، فالصواب إذنْ أن الخلوة هو أن ينفرد رجلٌ بامرأةٍ فقط، أما رجلٌ مع مجموعة نساءٍ فليس بخلوةٍ، وهكذا أيضًا مجموعة رجالٍ مع امرأةٍ ليس بخلوةٍ.

الطالب:

الشيخ: لا يعتبر خلوةً، لكن هذا قد يُنهى عنه إذا كان مظنة فتنةٍ.

خِطبة المعتدة

ثم انتقل المؤلف للكلام عن خِطبة المعتدة، قال:

ويحرم التصريح بخِطبة المعتدة البائن لا التعريض.

البائن: التي بانت من زوجها إما بوفاةٍ وإما بطلاقٍ، وأما الرجعية فسيأتي أن الرجعية زوجةٌ لا تجوز خطبتها بأي حالٍ، لكن المعتدة البائن إما بوفاةٍ أو طلاقٍ يجوز التعريض ولا يجوز التصريح بخطبتها؛ لقول الله تعالى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ [البقرة:235]، فنفى الله تعالى الجناح عن التعريض بخطبة المعتدة البائن.

ويُفهم من هذا أن التصريح: يَلحَقُ الجناحُ مَن فعل ذلك، التعريض أن يأتي بكلماتٍ غير صريحةٍ؛ كأن يقول: إني لِمثلكِ راغبٌ، أو لا تفوتني بنفسك، أو يثني على نفسه: إني بخيرٍ، وإني بكذا، يعني يلمح، يُعرِّض، لكن لا يجوز له أن يصرح بخطبتها ما دامت في العدة.

قال:

إلا بخطبة الرجعية.

يعني: لا يجوز أن يخطب المطلقة الرجعية، لأن الرجعية لا زالت زوجةً، فلا يجوز أن يخطبها.

وتحرم خِطبةٌ على خطبة مسلمٍ أجيب، ويصح العقد.

خطبة المسلم على خطبة أخيه محرمةٌ؛ لقول النبي : لا يخطب الرجل على خِطبة أخيه [20]، لكن لها ثلاث صورٍ، أو ثلاث حالاتٍ:

  • الأولى: أن تجيب المرأة أو وليها الخاطب، فيحرم أن يخطب على خطبته.
  • الثانية: أن ترده، أو أنها لا تركن إليه، فيجوز خطبتها.

أن ترده، هذا ظاهرٌ، لكن لا تركن إليه، يعني رجلٌ تقدم لخطبة امرأةٍ، ولم يردوا عليه بعد، لا زالوا في مرحلة السؤال عنه، هل يجوز لك أن تتقدم لخطبتها؟ يجوز، ما دام أنهم لم يردوا، فيجوز لك أن تتقدم، وهم يختارون، ويدل لذلك: ما جاء في “الصحيحين” في قصة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنه خطبها اثنان من الصحابة، خطبها معاوية وأبو جهمٍ، فذهبت للنبي تستشيره، فقال: أما معاوية فصعلوكٌ لا مال له، وهذا يدل على أن المال في الخاطب معتبرٌ، صحيحٌ أن الدين مقدمٌ، لكن يبقى المال أيضًا معتبرًا، وأما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه، ما معنى: لا يضع العصا عن عاتقه؟ قيل: إنه ضرَّابٌ للنساء، وقيل: إنه كثير الأسفار، وكلا الأمرين عيبٌ، كونه يضرب المرأة هذا عيبٌ، وكونه أيضًا كثير الأسفار، أيضًا يعتبر هذا عيبًا، ولكن انكحي أسامة [21]، أشار عليها النبي عليه الصلاة والسلام بأن تتزوج أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما، فاطمة قرشيةٌ وكانت بشرتها بيضاء، وأسامة مولًى، وكانت بشرته سوداء، ففي البداية كرهته، كيف أتزوج هذا الأسود؟! لكن لما رأت أن الذي أشار بذلك النبي ؛ قبلت، فاغتبطت به، يعني: كان زواجًا سعيدًا، سبحان الله! ببركة مشورة النبي .

الشاهد من هذه القصة: أن النبي خطبها لأسامة ، مع أنه قد تقدم لخطبتها رجلان، لكنها لم تركن إلى أيٍّ منهما؛ فدل ذلك على أن المرأة إذا لم تركن إلى خاطبٍ، يجوز أن يتقدم الإنسان لخطبتها.

  • الحال الثالثة: أن يوجد من المرأة ما يدل على السكون والرضا، تعريضًا لا تصريحًا، فهذا أيضًا لا يحل لغيره أن يتقدم لخطبتها.

ويصح العقد، يعني لو خطب على خطبة أخيه، فإن العقد صحيحٌ، لكنه يأثم بهذه الخطبة.

باب ركني النكاح وشروطه

ثم قال المؤلف رحمه الله:

باب ركني النكاح وشروطه

الركن في اللغة: هو جانب الشيء الأقوى؛ ولذلك ركن الزاوية، زاوية الغرفة يقال لها: ركن؛ لأنه أقوى ما في الغرفة الزاوية، لأنها مدعومةٌ من الجانبين؛ ولذلك عندما يتخفى الإنسان من..، أو عندما يريد أن يتقي الإنسان من سقوط البناء عليه؛ يذهب لزاوية البيت، زاوية الغرفة؛ لأن زاوية الغرفة هي آخر ما يسقط من البيت؛ لأنها أقوى ما في البناء؛ لأنها مدعومةٌ من الجدارين؛ ولذلك تسمى ركنًا.

فالركن: هو جانب الشيء الأقوى.

وأما اصطلاحًا: فهو ما كان من ماهية الشيء، ولا يتم إلا به، وسبق أن تكلمنا عن الفرق بين الشرط والركن، وأن الشرط ليس من ماهية الشيء، وأن الركن من ماهيته.

الإيجاب والقبول مرتبين

والمؤلف ذكر ركنين فقط للنكاح، وهما:

الإيجاب والقبول مرتبين.

وغيره من الفقهاء أضافوا ركنين آخرين، وهما الزوج والزوجة؛ كما فعل صاحب “الزاد”، وهذا هو الأقرب: أن أركان النكاح أربعةٌ: الزوجان، والإيجاب، والقبول، فتكون أربعة أركانٍ.

لكن قول صاحب “الزاد”: الخاليين من الموانع، هذا محل نظرٍ؛ لأن خلو الزوجين من الموانع ليس من أركانه، وإنما من شروطه.

طيب ما معنى الإيجاب؟

“الإيجاب” يعني: اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه.

“القبول”: اللفظ الصادر من الزوج، أو من يقوم مقامه.

وقول المؤلف: “مرتبين”، يعني: لا بد أن يتقدم الإيجاب على القبول، يعني: يبدأ الولي، يقول: زوجتك ابنتي، أو زوجتك أختي، ويقول الزوج: قبلت، فلو لم يقعا مرتبين، قال مثلًا: تزوجني ابنتك، قال: زوجتك، فعلى كلام المؤلف لا يصح، وهذا من المفردات.

والقول الثاني: أنه يصح تقدم القبول على الإيجاب، وهذا قول الجمهور، وهو القول الراجح؛ إذ إنه ليس هناك ما يمنع من تقدم القبول على الإيجاب، فلو قال: زوجني ابنتك، قال: زوجتك، ما الذي يمنع من صحة ذلك؟

بل قد جاء في قصة الواهبة نفسها للنبي أنه قال: زوَّجتكها، أو قال: ملَّكتكها بما معك من القرآن، لمَّا قال: زوجني إياها، قال: قد زوجتكها بما معك من القرآن [22]، فتقدم القبول على الإيجاب.

فالأقرب -والله أعلم- أنه إذا تقدم القبول على الإيجاب؛ فلا بأس.

هل يصح النكاح هزلًا؟

قال:

ويصح النكاح هزلًا.

يعني: حتى لو كان على سبيل المزاح؛ لقول النبي : ثلاثٌ جِدهن جِدٌّ، وهزلهن جِدٌّ: النكاح، والطلاق، والرجعة [23]، والنكاح من الأمور العظيمة التي ينبغي ألا يدخلها الهزل والمزاح.

وأذكر مرةً أن رجلًا رُزق ببنتٍ، فقال له صديقٌ له: زوجني ابنتك، قال: زوجتك مازحًا، فسئلت عن هذا، قلت: انعقد النكاح، قال: زوجتك، قال: قبلت، انعقد النكاح، فقلنا للرجل: طلقها، فرفض أن يطلقها، يعني: يمزح مع صاحبه، قلنا: إذنْ تُلزم بالنفقة إذنْ وإلا طلقها، فما أدري ما الذي تم بينهما؟!

لكن يعني مثل هذه الأمور ليست مجالًا للمزاح، ينبغي ألا يمزح الإنسان في موضوع النكاح وموضوع الطلاق، وهذه الأمور الزوجية التي يترتب عليها هذا الذي سماه الله ميثاقًا غليظًا، النكاح ميثاقٌ غليظٌ، فينبغي ألا يجعله الإنسان مادةً للمزاح والهزل، المزاح والهزل له مجالاته، وليس من مجالاته النكاح ولا الطلاق.

الطالب:… تكون مطلقةً؟

الشيخ: إي نعم، إذا طلقها تكون مطلقةً، نعم.

أيضًا نكاح التلجئة، التلجئة يعني: أن يُلجأ إلى العقد عليها لأي سببٍ؛ كأن يتقدم رجلٌ لخطبتها، ولا يريد تزويجه، فيزوجها شخصًا آخر، وأيضًا كان الناس قديمًا إذا أرادت المرأة الكبيرة في السن أن تحج ولم تجد محرمًا؛ عقد عليها أحد من في القافلة، فيكون مَحرمًا لها، وهو لا يريد الزواج بها أصلًا، لكن حتى يكون محرمًا لها في هذا السفر، فهو نكاحٌ صحيحٌ.

عقد النكاح بغير العربية

وبكل لسانٍ من عاجزٍ عن عربيٍّ.

يعني: لا يشترط أن يكون عقد النكاح باللغة العربية، لو كان بغير العربية لِمن لا يحسن العربية فلا بأس.

طيب ألفاظ النكاح هل هي محددةٌ، أو أنه يصح النكاح بأي لفظٍ دل على معناه؟

قولان للفقهاء:

  • القول الأول: أن ألفاظ النكاح محددةٌ، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، قالوا: إن النكاح لا يصح إلا بلفظ النكاح والتزويج فقط، يقول الولي: زوجتك، أو أنكحتك، ويقول الزوج: قبلت.
  • والقول الثاني: أن النكاح ينعقد بكل ما دل عليه، وهذا هو القول الراجح: كل ما عده الناس نكاحًا فهو نكاحٌ، وهذا اختاره ابن تيمية وجمعٍ من المحققين من أهل العلم؛ لأن الله تعالى أطلق لفظ النكاح: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3].

والنبي قال في حديث الواهبة: زوجتكها [24]، وفي لفظٍ، أو روايةٍ: ملكتكها [25]، ورواية الحديث بالمعنى لا يجوز أن يؤتى بمعنًى يخالف المقصود، فكون بعض الرواة نقلوها بلفظ: زوجتكها، وبعضهم بلفظ: ملكتكها؛ هذا يدل على أن الصحابة فهموا أنه لا فرق بين هذه الألفاظ في الحكم؛ ولذلك بعض العامة يعبر بقوله: (جوزتك)، يقدم الجيم على الزاي، فعلى كلام المؤلف يصح هذا العقد أو لا يصح؟ لا يصح، لكن على القول الراجح يصح، فبعض العامة بدل أن يقول: زوجتك، يقول: (جوزتك)، على القول الراجح أنه يصح.

لا يصح العقد بالكتابة ولا بالإشارة

لا بالكتابة والإشارة إلا من أخرس.

يعني: لا يصح العقد بالكتابة، ولا بالإشارة لغير الأخرس؛ لأن النكاح عقدٌ عظيمٌ، سماه الله ميثاقًا غليظًا، ينبغي أن يعظم ولا يستهان به، ولا بد فيه من الإيجاب والقبول؛ ولذلك لا بد فيه من التلفظ بالإيجاب والقبول.

وأما الكتابة فهي للتوثيق فقط، الناس قديمًا عندنا في المملكة كانوا يتزوجون من غير كتابةٍ، يقول الولي: زوجتك، والزوج يقول: قبلت، من غير كتابةٍ، فالكتابة هي مجرد توثيقٍ فقط، فالأصل هو الإيجاب والقبول.

بل لو وجدت الكتابة، ولم يوجد الإيجاب والقبول لم يصح؛ ولهذا المؤلف قال: “لا بالكتابة والإشارة، إلا من الأخرس”.

طيب الآن -مع وجود وسائل التقنية الحديثة- أصبح عقد النكاح عندنا في المملكة يتم عبر التقنية الآن، الكتابة، يعني أصبح التوثيق عن طريق الحاسب الآلي، نعم، فيكون العقد ألكترونيًّا وليس ورقيًّا، فهذا لا يكفي عن الإيجاب والقبول، يعني حتى لو قام المأذون بالتوثيق، بتوثيق العقد ألكترونيًّا، هذا لا يكفي عن الإيجاب والقبول؛ ولهذا بلغني أن هناك من اكتفى بالعقد الألكتروني من غير تلفظٍ من الولي ولا من الزوج، فأُفتي بأنه لا بد أن يجدد العقد، هذه مسألةٌ خطيرةٌ، فالكتابة لا تكفي، والعقد الألكتروني لا يكفي، لا بد من الإيجاب والقبول، يقول الولي: زوجتك ابنتي، أو زوجتك أختي فلانة مثلًا على مهرٍ مسمًّى، ويقول الزوج: قبلت، لا بد من التلفظ، أما مجرد الكتابة، أو مجرد التوثيق الألكتروني فهذا لا يعتبر عقدًا شرعًا، فهذا مجرد توثيقٍ، فرقٌ بين التوثيق وبين العقد؛ ولذلك ينبغي للمأذونِين أن ينتبهوا لهذه المسألة، كل هذه كتابةٌ، سواءٌ الكتابة قديمًا، أو حتى الآن العقد الألكتروني حديثًا، هذه كلها توثيقٌ لعقد النكاح، لكن عقد النكاح أن يقول الولي: زوجتك ابنتي، أو أختي فلانة، ويقول الزوج: قبلت، ويستحب أن يأتي قبل ذلك بخُطبة الحاجة، أما أن يكتفي بالتوثيق الألكتروني عن عقد النكاح؛ فهذا لا يصح.

ولهذا المؤلف يقول: “لا بالكتابة”، يعني: الكتابة لا تكفي، لا بالكتابة -يعني على الورق- ولا بالتوثيق الألكتروني في الوقت الحاضر، هذا كله توثيقٌ وليس عقدًا، فلا بد إذنْ من الإيجاب والقبول، الإيجاب من الولي، والقبول من الزوج.

الطالب:

الشيخ: ما يكفي، لا بد من التلفظ، فهذه الأمور لا بد فيها من التلفظ.

طيب، وقوله: “والإشارة”، الإشارة لا تكفي إلا من الأخرس، فتصح بشرط أن تكون أيضًا إشارةً مفهومةً، أما إذا كان غير أخرس؛ فلا تكفي الإشارة، يعني: لا ينبغي الاستهتار بالزواج، فيكون بمجرد كتابةٍ أو بمجرد عقدٍ ألكترونيٍّ، أو بمجرد إشارةٍ، لا بد فيه من تعظيم هذا العقد، سماه الله مِيثَٰقًا ‌غَلِيظٗا [النساء:21]، هذه المرأة الأجنبية ستكون زوجةً لك، يباح لك منها ما لا يباح لأبيها ولا لأخيها، فلا بد من تعظيم شأن هذا العقد؛ ولهذا سماه الله ميثاقًا غليظًا، فلا تكفي فيه الإشارة، ولا يكفي فيه مجرد التوثيق الألكتروني، لا بد فيه من العقد بالإيجاب والقبول.

الطالب:

الشيخ: يكون ما انعقد أصلًا.

الطالب:… النكاح باطلٌ.

الشيخ: إي نعم، النكاح باطلٌ، لا بد من تصحيحٍ؛ ولهذا بعض المأذونِين -أول ما ظهرت هذه التقنية- اكتفى بالتوثيق الألكتروني، فأفتاه المشايخ بأنه لا بد أن يجدد العقد، يعني بعض المأذونين أخطأ في أول ما ظهر التوثيق الألكتروني، أخطئوا، وبعضهم ربما نسيانًا أيضًا، فقيل: لا بد من تجديد العقد.

الطالب:

الشيخ: الهاتف، نعم ممكن، بشرط التحقق من أن هذا هو الولي، وهذا هو الزوج، ويكون أيضًا الشهود يسمعون.

طيب، ثم قال:

وشروطه خمسةٌ:

ما أدري تريدون ننتقل للشروط، أو نرجئه للدرس القادم؟

طيب، إذنْ نقف عند شروط النكاح، فيكون الاثنين بعد القادم كما ذكرنا، وأما درس الثلاثاء فعلى ما هو عليه.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة:

الأسئلة

السؤال: لو أراد الزوج أن يتزوج وفي العقد ينوي الطلاق بعد فترةٍ، وهذا منتشرٌ، فما الحكم؟

الجواب: هذه المسألة ستأتينا، النكاح بنية الطلاق، أو الزواج بنية الطلاق، هذا فيه غشُّ، غش للمرأة إن لم تعلم، وإن علمت كان نكاح متعةٍ، إن علمت بأنه سيطلقها أصبح نكاح متعةٍ، وهذا لا يجوز، وإن لم تعلم فهو غشٌّ؛ ولذلك لا يجوز النكاح بنية الطلاق.

السؤال: ما حكم ركوب المِصعد مع امرأةٍ أجنبيةٍ لحاجةٍ؟

الجواب: لا بأس بذلك، لا يعتبر خلوةً محرمةً؛ وذلك لأن الوقت قصيرٌ، وأيضًا احتمال الفتنة ضعيفٌ، والحاجة غالبًا تقوم بمثل هذا، تكون الحاجة قائمةً، فالذي يظهر أنه لا يشدد في ذلك.

السؤال: ما الأفضل: الصلاة في الصف الأول في مسجدٍ جماعته قليلةٌ، أو في صفوفٍ متأخرةٍ في مسجدٍ جماعته كثيرةٌ؟

الجواب: الأفضل الصلاة في الصف الأول، حتى لو كانت جماعته قليلةً؛ لأن النصوص الواردة في فضل الصف الأول أصح من النصوص الواردة في كثرة الجماعة؛ ولأن الفضل الوارد في الصف الأول أكثر من الفضل الواردة في كثرة الجماعة، ويكفينا قول النبي عليه الصلاة والسلام: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا [26]، وهذا يدل على الفضل العظيم للصف الأول.

السؤال: بالنسبة للطهارة من الحدث، هل يكون الاستنجاء بإمرار الماء فقط، أو يستخدم يده اليسرى لإزالة النجاسة؟

الجواب: الأفضل الجمع بين الاستنجاء والاستجمار، فيستجمر أولًا، ثم يستنجي، يستجمر أولًا إما بالمناديلٍ، أو حتى بالماء، الآن مع وجود الشطافات يمكن أن يكون ذلك بالماء، ثم بعد ذلك يستنجي بالماء، يعني بعد إزالة القذر يستنجي بالماء، هذا هو الأكمل، فالأفضل الجمع بين الاستنجاء والاستجمار، يليه الاستنجاء، يليه الاستجمار.

السؤال: هل يجوز أن يكتفي بالاستجمار، مع وجود الماء؟ هذا رجلٌ قضى حاجته، يريد أن يكتفي بالمناديل، والماء موجودٌ معه في دورة المياه، موجودٌ ومتوفرٌ، هل هذا يجوز؟

الجواب: نعم، يجوز بالإجماع، وبعض العامة يستنكر هذا، يقول: كيف أكتفي بالمناديل والماء موجودٌ؟

نقول: نعم، موجودٌ، لكن الأفضل أن تستجمر بالمناديل، ثم تستنجي بالماء، لو اكتفيت بالاستجمار بالمناديل؛ فيكفي هذا بشرط حصول الإنقاء.

السؤال: ما دام أن للمخطوبة أن يتقدم لها خاطبٌ آخر ثم تختار في حال لم يردوا عليه، هل يجوز للرجل أن يخطب أكثر من امرأةٍ، ثم يتخير؟

الجواب: إذا كان جادًّا في الخِطبة، فالأمر في هذا مباحٌ، ويباح له أن يخطب أكثر من امرأةٍ، لكن ينبغي أن يكون جادًّا، والذي ينصح به ألا يفعل هذا؛ لأنه عندما يتقدم لخطبة امرأةٍ، ثم يوافقون عليه، ثم ينسحب ويذهب لآخرين، فهذا قد يؤثر على المرأة التي قد تقدم لخطبتها، يؤثر عليها نفسيًّا؛ ولذلك فالأحسن ألا يفعل ذلك، وإنما يكتفي بخطبة امرأةٍ واحدةٍ، حتى يتبين الأمر، فإما أن يوافقوا عليه أو يردوه.

الطالب:

الشيخ: يتواصل معهم حتى يردوا عليه.

السؤال: ما المواضع التي يشرع فيها رفع اليدين في الصلاة؟

الجواب: أربع مواضع:

  • الموضع الأول: عند تكبيرة الإحرام.
  • والموضع الثاني: عند الركوع.
  • والموضع الثالث: عند الرفع منه.
  • والموضع الرابع: عند القيام من التشهد الأول.

وترفع اليدان إما إلى المنكبين هكذا، وإما إلى فروع الأذنين هكذا، والأفضل التنويع بينهما، يأتي بهذه الصفة تارةً، وبتلك تارةً؛ لأنهما صفتان ثابتتان عن النبي .

السؤال: هل يجب تغطية الوجه للمرأة؟

الجواب: نعم، يجب على المرأة أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، وهذا هو القول الراجح؛ ولذلك ونحن الآن نشرح أحكام نظر الخاطب للمخطوبة، لو كان لا يجب على المرأة أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، فما في داعي أصلًا أن الخاطب ينظر لمخطوبته؛ لأنها كاشفةٌ سيراها في أي مكانٍ، فكونه يطلب أن ينظر للمرأة، هذا دليلٌ على أنه لا يتمكن أصلًا من رؤية وجهها، هو يطلب من وليها أن يأذن له في النظر إليها.

وقد جاء في “الصحيحين” في قصة الإفك عن عائشة رضي الله عنها قالت: “لما رأيت صفوان بن المعطل؛ خمرت وجهي” [27]، وهذا في “الصحيحين”، أصح كتابين بعد كتاب الله ، وصريحٌ، تقول: “لما رأيت صفوان بن المعطل؛ خمرت وجهي”.

وإذا كان الله يقول في شأن العجائز اللاتي قد بلغن من السن عتيًّا، حتى إنهن لا يرجون النكاح: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60]، هذا يدل على عناية الشريعة بقضية الحجاب، حتى هؤلاء العجائز اللاتي لا يرجون النكاح، قال ربنا: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وأيضًا قال: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ، يعني: فلا يضعن ثيابهن.

السؤال: إمامٌ أخطأ في سجود التلاوة، فسجد في موضعٍ ليس من مواضع سجود التلاوة، فهل يتابعه المأموم؟

الجواب: الله أعلم.

السؤال: إنسانٌ أخبره الطبيب أنه مصابٌ بسرطان القولون، هل يفرح بهذا المرض؟ لأنه يقول: أنا ما حفظت القرآن ولا طلبت العلم، هذا المرض قد يرفع الله تعالى به درجاتي فقد أموت شهيدًا، أو يطلب من الله الشفاء؟

الجواب: ينبغي له أن يبذل أسباب الشفاء؛ ولهذا لما عاد النبي رجلًا من أصحابه مريضًا، قال: ادعوا طبيب بني فلانٍ [28]، وقال : تداووا يا عباد الله [29]، فينبغي له أن يبذل أسباب الشفاء، ويسأل الله تعالى الشفاء.

أما كونه يفرح بهذا، إذا كان فرحه لِمَا قد يترتب على هذا المرض من الكفارة، ومن رفعة الدرجات؛ فهذا حسنٌ، هذا تعبيرٌ عن الرضا بقضاء الله وقدره، هذا الذي يشير له الأخ السائل من الفرح يعني: هو تعبير عن الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، ومرتبة الرضا بالمصيبة هذه مرتبةٌ عظيمةٌ، لا يوفق لها إلا أولياء الله .

وأيضًا هذا الرضا يقول الأطباء: إنه من أسباب الشفاء، إذا رضي الإنسان بالمرض، وارتفعت معنوياته، يعني إذا ارتفعت معنويات الإنسان؛ يقولون: هذا من أسباب الشفاء بإذن الله .

فنقول للأخ الكريم: كونك ترضى بهذا القضاء والقدر، هذا أمرٌ طيبٌ، وأمرٌ حسنٌ، لكن هذا لا يمنع من أن تتعاطى أسباب العلاج، تتعاطى أسباب الشفاء من العلاج والدعاء والرقية الشرعية، ونحو ذلك.

السؤال: يقول: المُبَعَّض، كيف يكون مبعضًا؟

الجواب: يعني هذا فيما سبق يكون بعضه حرًا، وبعضه عبدًا، نصفه حرٌّ ونصفه عبدٌ، هذا يسميه الفقهاء: المبعَّض.

السؤال: هل خُطبة الحاجة في النكاح مشروعةٌ لذاتها، أم عند بداية كل أمرٍ؟

الجواب: هي مشروعةٌ لذاتها، يشرع عندما يعقد المأذون، أن يبتدئ بخطبة الحاجة، كما أنها تشرع أيضًا عند الحاجات عمومًا، لكن تتأكد عند عقد النكاح.

السؤال: هل يصح أن يكون العاقد للنكاح أحد الشهود؟

الجواب: نعم، يصح.

السؤال: هل يلزم الشهود التلفظ في عقد النكاح؟

الجواب: الشهود يشهدون العقد لا يتكلمون، يشهدون فقط، وفي الوقت الحاضر أنهم يوقعون على الشهادة، فلا يلزمهم أن يتلفظوا بشيءٍ، إنما يشهدون بأن فلانًا زوَّج فلانة على فلانٍ، بأن فلانًا الولي زوَّج فلانة على فلانٍ.

الطالب:

الشيخ: حتى لو كان بالهاتف، لا بد أن يستمعوا للفظ الإيجاب والقبول، لا بد من الاستماع للإيجاب والقبول.

السؤال: هل يجوز النظر للمخطوبة بدون علمها؟

الجواب: نعم، يجوز، وفَعَلَه جابرٌ ، قال: «فكنت أتخبأ لها في النخل فأنظر إليها» [30]، فأقره النبي على ذلك.

السؤال: طيب، والدةٌ تحب الصدقة، وتقول: إنها دائمًا تشرك والديها وأقاربها في صدقاتها، هل يستلزم أن تتصدق عن نفسها دون غيرها لبعض المرات، أم تستمر على ما هي عليه؟

الجواب: الإشراك في الصدقة لا بأس به، لكن ينبغي ألا يكون هذا بصفةٍ دائمةٍ؛ لأن هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يرد عن الصحابة  أنهم يفعلون ذلك، وبعض الناس كل صدقةٍ يتصدق بها يشرك معه غيره.

ما معنى الإشراك؟ الإشراك هنا معناه: أنك تقول: يا رب، اقسم الأجر بيني وبين فلانٍ، فالصدقة التي تشرك معك غيرك فيها، أقل أجرًا من الصدقة التي تختص بك، لكن لو فعلت ذلك أحيانًا؛ فلا بأس، خاصةً إذا كان الإشراك للوالدين، فإن هذا يدخل في البر بهما، أو كان الإشراك مثلًا لقريبٍ متوفًّى، أو نحو ذلك، لكن يكون هذا بصفةٍ عارضةٍ، ولا يكون بصفةٍ مستمرةٍ.

السؤال: تصوير المخطوبة وهي لا تعلم، عن طريق الأم أو الأخت من أجل الخاطب، هل يقاس على الاختباء في فعل جابرٍ؟

الجواب: لا يقاس؛ لأن التصوير فيه انتهاكٌ للخصوصية، فهو نوعٌ من التعدي، بخلاف النظر وهي لا تعلم؛ لأنها هي خرجت مثلًا في الشارع، فنظر إليها وهي لا تعلم؛ ولذلك لو علمت فيما بعد لا تعتبر هذا انتهاكًا للخصوصية ولا اعتداءً، بخلاف التصوير، بعض الناس يتحسس من التصوير، ولا يرضى بأن يصوَّر، فنقول: كون الأم أو الأخت، كون أمه أو أخت الخاطب، تصور هذه المرأة، وهي لا تعلم، الذي يظهر: أن هذا لا يجوز؛ لأن هذا فيه نوعًا من التعدي والانتهاك للخصوصية، لكن إذا كان ذلك بعلمها وإذنها؛ فيجوز بالشروط التي ذكرنا:

أولًا: أن المخطوبة لا تبالغ في الزينة.

ثانيًا: أن الخاطب ينظر بقدر الحاجة، ثم بعد ذلك تتلف هذه الصورة فلا تبقى؛ لأن نظره بقدر الحاجة.

السؤال: عندي خمولٌ وكسلٌ في أعمال الدنيا والآخرة، وأخشى أن أكون منافقًا، ولا أدري دائمًا تفوتني الركعة الأولى أو الثانية في صلاة الجماعة، مع أنني أحيانًا أعظ الناس؟

الجواب: الكسل كان النبي عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله منه [31]، فعليك أن تنبذ الكسل، وأن تتعوذ بالله منه، وأن تعود نفسك على التبكير للصلوات، يقول النبي : لو يعلم الناس ما في التهجير -يعني التبكير- لاستَبَقُوا إليه [32].

والشيء الذي يهتم به الإنسان يبكر له، لو كان عندك موعدٌ مهمٌّ، مقابلة شخصيةٍ مهمةٍ؛ تجد أنك تبكر، لو كان عندك موعدٌ في المطار؛ تبكر وتحتاط، الطالب الذي عنده اختبارٌ تجد أنه يبكر، فالمسألة هي مسألة اهتمامٍ.

فنقول للأخ الكريم الذي يقول: إنه دائمًا تفوته الركعة الأولى والثانية: هذا بسبب ضعف الاهتمام بالصلاة، وإلا لو كانت الصلاة مهمةً بالنسبة لك؛ فإنك ستبكر وستهتم بها، أما إذا كانت الصلاة هي آخر اهتماماتك؛ فإنك ستجد هذا الكسل، وهذا الثقل والتكاسل، فننصحك بأن تستعيذ بالله من الكسل، وأن تحرص على أن تغير هذه العادات السيئة إلى عاداتٍ حسنةٍ، ويقولون: إنه بإمكان الإنسان أن يكتسب أي عادةٍ حسنةٍ يريد؛ إذا استمر عليها أكثر من عشرين يومًا، وبإمكانه أيضًا أن يترك أي عادةٍ سيئةٍ؛ إذا استمر على تركها أكثر من عشرين يومًا، فالنفس تحتاج إلى مجاهدةٍ، وتحتاج إلى ترويضٍ.

السؤال: إذا ابتليت عبدي بفقد حبيبتيه فصبر؛ عوضته منهما الجنة [33]، هل يدخل فيه ضعف البصر الشديد؟

الجواب: يرجى ذلك.

السؤال: وهل فاقد السمع له أجر فاقد البصر؟

الجواب: نعم، بل ربما يكون أعظم، فاقد السمع ربما يكون أعظم أجرًا من فاقد البصر؛ لأن مصيبة فقد السمع أشد من مصيبة فقد البصر؛ لأن السمع أهم من البصر.

السؤال: هل الأخلاق الحميدة تكون من الله هبةً أو مكتسبةً؟

الجواب: تكون الأخلاق الحميدة هبةً ومكتسبةً، فبعض الناس يولد حليمًا كريمًا شجاعًا حسن الخُلق، وبعض الناس ليس كذلك، لكن الذي لا يوهب هذه الأخلاق الكريمة ينبغي أن يسعى لاكتسابها؛ وذلك بترويض نفسه عليها؛ فمثلًا: من أراد أن يكون حليمًا؛ يجبر نفسه على ترك الغضب، لكن بالتدريج؛ يقول: هذا اليوم لن أغضب هذه الساعة مهما كان السبب، في اليوم الثاني يجعلها ساعتين، في اليوم الثالث يجعلها أربع ساعاتٍ، اليوم الرابع يجعلها ست ساعاتٍ، وهكذا مع مرور الوقت سيجد نفسه قد أصبح حليمًا، والحلم بالتحلم، وهكذا بالنسبة لبقية الأخلاق يمكن اكتسابها، وأيضًا قد توهب للإنسان؛ ولهذا لمَّا قال النبي لأشج بن عبد القيس: إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة [34]؛ قال: يا رسول الله، أجبلت عليهما أم تخلقت بهما؟ قال: بل جبلت عليهما فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه الله ورسوله» [35].

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5065، ومسلم: 1400.
^2 رواه البخاري: 5063، ومسلم: 1401.
^3 رواه البخاري: 5073، ومسلم: 1402.
^4 رواه أحمد: 12613.
^5 رواه البخاري: 5090، ومسلم: 1466.
^6 رواه البخاري: 5094، ومسلم: 2225.
^7 رواه أبو داود: 2050.
^8 رواه البخاري: 2097، ومسلم: 715.
^9 رواه مسلم: 2657.
^10 رواه أبو داود: 2148.
^11 رواه أبو داود: 2082.
^12 رواه الترمذي: 1087، والنسائي: 3235، وابن ماجه: 1865، وأحمد: 18137، وقال الترمذي: حديث حسن.
^13 رواه أبو داود: 2082، وابن ماجه: 1864.
^14 رواه مسلم: 1424.
^15 رواه مسلم: 2181، وفيه: “كان يدخل على أزواج النبي مخنثٌ، فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، قال: فدخل النبي  يومًا وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأةً، قال: إذا أقبلت أقبلت بأربعٍ، وإذا أدبرت أدبرت بثمانٍ..”.
^16 رواه البخاري: 988، ومسلم: 892.
^17 رواه مسلم: 321.
^18 رواه مسلم: 1341.
^19 رواه أحمد: 114، والنسائي في السنن الكبرى: 9177.
^20 رواه البخاري: 2140، ومسلم: 1515.
^21 رواه مسلم: 1480.
^22 رواه أبو داود: 2111، والنسائي: 3359، وابن ماجه: 1889، وأحمد: 22850.
^23 رواه أبو داود: 2194، والترمذي: 1184، وابن ماجه: 2039، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
^24 رواه البخاري: 5029، ومسلم: 1425.
^25 رواه البخاري: 5030، ومسلم: 1425.
^26, ^32 رواه البخاري: 615، ومسلم: 437.
^27 رواه البخاري: 4141، ومسلم: 2770.
^28 رواه أحمد: 23156.
^29 رواه الترمذي: 2038، وابن ماجه: 3436.
^30 سبق تخريجه.
^31 رواه البخاري: 2893.
^33 رواه البخاري: 5653.
^34 رواه مسلم: 17.
^35 رواه أبو داود: 5225.
zh