عناصر المادة
- باب اللُّقَطة
- باب اللقيط
- كتاب الوقف
- الأسئلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
في هذا اليوم الاثنين، السادس عشر من شهر صفرٍ من عام (1444 هـ).
باب اللُّقَطة
ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى:
تعريف اللقطة لغةً واصطلاحًا
واللُّقَطة -بضم اللام وفتح القاف- يقال: لُقطةٌ ولُقاطةٌ، اسمٌ للشيء الملتقط، واللَّقَطة يعني: الملتقِط نفسه.
أما تعريفها اصطلاحًا: مالٌ أو مختصٌّ ضل عن ربه.
المؤلف من عادته أنه يذكر التعريف، لكن هنا لم يذكر تعريف اللقطة، ربما لوضوح معناها، لكن يعرفها الفقهاء بأنها: مالٌ أو مختصٌّ ضل عن ربه.
والمال معروفٌ معناه، أما المختص: فهو ما لا يصح تملكه، ولا يجوز بيعه، ويمثلون له بكلب الصيد، والسرجين النجس، ونحو ذلك.
وضل عن ربه، يعني: ضاع عن صاحبه، وإذا قيل: لقطةٌ، فإذا كانت في الحيوان؛ فتسمى ضالةً، فالضالة اسمٌ للحيوان خاصةً دون سائر اللقطة، يعني: ما يضيع من الحيوان يسمى ضالةً، وغيره يسمى لقطةً.
ولما سئل النبي عن لقطة الذهب والوَرِق -يعني الفضة- قال: اعرِف وِكاءها وعِفَاصها، ثم عرِّفها سنةً، سيأتي معنى الوِكَاء والعِفَاص من كلام المؤلف نفسه، فإن لم تُعرَف؛ فاستنفِقْها، ولتكن وديعةً عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر؛ فأدها إليه، وسئل عن ضالة الإبل، فقال: ما لك ولها؟! دعها؛ فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها، وسئل عن الشاة؟ قال: خذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب [1]، هذا الحديث في “الصحيحين”، وهو الأصل في هذا الباب، وسنستدل به كثيرًا في هذا الباب، وسنتكلم أيضًا عن معانيه عندما نتكلم عن كل حكمٍ، ونربطه بهذا الحديث.
أقسام اللقطة
قال:
وهي ثلاثة أقسامٍ:
قسَّم المؤلف اللقطة إلى ثلاثة أقسامٍ:
القسم الأول: ما لا تتبعه همة أوساط الناس
ما لا تتبعه همة أوساط الناس؛ كسوطٍ ورغيفٍ ونحوهما، فهذا يُملك بالالتقاط، ولا يلزم تعريفه.
“ما لا تتبعه همة أوساط الناس” يعني: لحقارته وزهادته لا تتبعه همة أوساط الناس، لكن هل المقصود بأوساط الناس: أوساط الناس مالًا، أو خُلقًا؟ مالًا، يعني: كأن يكون فقيرًا أو غنيًّا، خُلقًا: أن يكون شحيحًا أو كريمًا.
الجواب: الأمران جميعًا، أوساط الناس خُلقًا ومالًا، فأوساط الناس مالًا؛ احترازًا من الغَني، الغني لا تتبع همته الشيء الحقير، يعني غنيٌّ؛ مثلًا وجدت خمسة ريالاتٍ ما يهتم بها، واحترازًا أيضًا من الفقير، الفقير تتبع همته الشيء اليسير في الغالب، الفقير إذا وجد مثلًا خمسة ريالاتٍ يهتم بها.
وخُلقًا؛ احترازًا من الكريم الذي قد لا تتبع همته فقد الشيء الكبير، حتى وإن كان فقيرًا، بعض الناس فقيرٌ، لكنه كريمٌ، ما يهمه الشيء، واحترازًا أيضًا من الشحيح، فقد تتبع همته فقد الشيء اليسير، بعض الناس غنيٌّ، لكن تتبع همته الشيء اليسير، يعني لو ضاع منه ريالٌ يهتم، عنده ملايين، لكن لو ريالٌ واحدٌ يهتم بشأنه؛ بسبب شحه وبخله، هذا موجودٌ في الواقع؛ ولذلك نضبط المسألة بأن نقول: أوساط الناس مالًا وخُلقًا.
مثَّل المؤلف قال: “كسوط ورغيف”، يعني: لو وجد سوطًا أو عصًا أو رغيفًا؛ يأخذه بدون تعريف، ومن أمثلة ذلك في وقتنا الحاضر بالنسبة للريالات: لو وجد في الطريق ريالًا، هل تتبعه همة أوساط الناس؟ لا تتبعه، خمسة ريالاتٍ لا تتبعه، عشرة ريالاتٍ لا تتبعه أيضًا، لكن لو قفزنا، لو قلنا مثلًا: خمسين ريالًا؟ خمسون ريالًا تتبعه همة أوساط الناس، مئة ريالٍ؟ تتبعه، وإن زاد المبلغ أيضًا تتبعه همة أوساط الناس.
فلو وجدت مثلًا في الطريق ريالًا أو ريالين، أو قلمًا بنصف ريالٍ؛ يجوز لك أن تأخذه بدون تعريفٍ، ما دام من الأشياء الحقيرة التي لا تتبعها همة أوساط الناس، وقد جاء في حديث جابرٍ : «رخَّص لنا رسول الله في العصا والسوط والحبل وأشباهه، يلتقطه الرجل ينتفع به» [2]، أخرجه أبو داود، وفي سنده مقالٌ، لكنه مؤيَّدٌ بما جاء في “الصحيحين” أن النبي لما مر بتمرةٍ؛ قال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها [3]، ودلالة هذا ظاهرٌ في أن النبي عليه الصلاة والسلام خشي أن تكون من الصدقة، والصدقة لا تحل لمحمدٍ ولا لآل محمدٍ [4]، فلولا هذا المانع لأكلها؛ هذا دليلٌ على أن التمرة ونحوها يجوز أخذها والتقاطها بدون تعريفٍ، ونقل الموفق بن قدامة الإجماع على ذلك.
قال:
لكن إن وَجد ربَّه؛ دفعه له إن كان باقيًا، وإلا لم يلزمه شيءٌ.
يعني نفترض مثلًا: أنك وجدت في الطريق قلمًا بنصف ريالٍ، وأخذته ثم إن صاحبه بحث قال: سقط مني قلمٌ، فقال: هذا قلمك؟ قال: نعم، يجب عليك أن تسلمه القلم، فإذا وجد ربه؛ وجب عليه أن يدفعه له، لكن لو أنه لم يسأل هذا عن القلم إلا بعد أسبوعٍ مثلًا، وهذا الرجل أخذ القلم وانتفع به؛ لا يلزمه شيءٌ، وإن لم يعلم به، لا يلزمه شيءٌ، فالشيء اليسير إذا أخذه الإنسان؛ الأصل أنه يملكه وحلالٌ له، إلا إذا وجد صاحبه؛ فيلزمه أن يعطيه إياه.
لكن هنا أنبه إلى مسألةٍ هنا ذكرت في “السلسبيل”: وهي أن الشيء اليسير الذي يجوز أخذه إنما هو اللقطة التي صاحبها غير معروفٍ، أما الشيء اليسير الذي صاحبه معروفٌ، لا يجوز أخذه، بل يجب إرجاعه لصاحبه، حتى لو وجدت نصف ريالٍ، ما دام أن صاحبه معروفٌ؛ يجب أن تعطي النصف ريالٍ لصاحبه، لو وجدت قلمًا بنصف ريالٍ يجب أن تسلم هذا القلم لصاحبه، ما دام أن صاحبه معروفٌ، فيجب إرجاعه إليه، وإن كان شيئًا يسيرًا، لا تلتفت له همة أوساط الناس، والدليل لذلك: قول النبي : من اقتطع حق امرئٍ مسلمٍ بيمينه؛ فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا، قال: وإن كان قضيبًا من أراكٍ [5]، ما معنى: قضيبًا من أراكٍ؟ يعني: وإن كان مثل عود السواك، أليس عود السواك من الأشياء التي لا تلتفت لها همة أوساط الناس؟ ومع ذلك ذكر النبي هذا الوعيد الشديد في حق من اقتطع شيئًا، ولو كان شيئًا يسيرًا مثل عود الأراك؛ لأن صاحبه معروفٌ، فإذا كان صاحبه معروفًا؛ يجب أن ترجعه إليه وإن كان شيئًا يسيرًا، وهذه مسألةٌ يقع فيها الخلط من بعض الناس، يقول: هذا شيءٌ يسيرٌ، ويقيسه على ما يجوز التقاطه بدون تعريفٍ، هذا قياسٌ غير صحيحٍ، وهذا فهمٌ خاطئٌ.
الشيء المعروف صاحبه يجب إعادته إليه وإن كان شيئًا يسيرًا، وإن كان قضيبًا من أراكٍ، وإن كان قلمًا بنصف ريالٍ، يجب أن ترجعه لصاحبه.
طيب، المكان المحصور، وجدت مثلًا ريالًا في مكانٍ محصورٍ في مدرسةٍ مثلًا، هل هذا يعتبر لقطةً أو غير لقطةٍ؟
ما دام أن المكان محصورٌ؛ ليس لقطةً؛ لأنه بالإمكان أن يعرف صاحبه، إذا كان يمكن أن يهتدى لصاحبه لا يعتبر لقطةً، ولا يجوز التقاطه، وإنما يؤخذ مثلًا ويوضع عند إدارة المدرسة، ونحو ذلك، لكن لا يجوز التقاطه، إنما اللقطة الشيء الذي يكون في الطريق، ولا يمكن أن يُهتدى لصاحبه.
طيب، هل يصح أن يقاس شحن الجوال في المسجد -خاصةً للمعتكفين- على هذا القسم من أنواع اللقطة، الذي لا تلتفت له همة أوساط الناس، باعتبار أن تكلفة الكهرباء يسيرةٌ جدًّا بالنسبة للشحن؟
القياس لا يستقيم، القياس قياسٌ مع الفارق؛ لأن هذا ليس لقطةً، لكن من حيث الحكم: إذا نظرنا إلى أن الكهرباء تكون من بيت مال المسلمين، وما يستخدم في الشحن شيءٌ يسيرٌ جدًّا، والدولة هيأت للمساجد ما هو أعظم من ذلك، فيظهر أنه بالنسبة لشحن هاتف الجوال يُتسامح فيه، ولا بأس أن يكون من المسجد؛ لأنه شيءٌ يسيرٌ؛ ولأن كهرباء المسجد إنما وضعت لخدمة المصلين، ولراحة المصلين، فإذا كان الإنسان معتكفًا في المسجد، وشحن جواله من كهرباء المسجد؛ فلا بأس بذلك إن شاء الله.
قال:
ومن ترك دابته تَرْك إياسٍ بمَهلكةٍ أو فلاةٍ؛ لانقطاعها، أو لعجزه عن علفها؛ مَلَكها آخذها.
إن ترك إنسانٌ دابته؛ هذا يسمى: تسييب الدابة، ويسميه بعض العامة: تهميلًا، يجعلها هَمَلًا، أو يسيبها، وهذا أمرٌ معروفٌ عند أرباب المواشي، خاصةً عند أرباب الإبل، إذا لم يستطع أن يقوم بعلفها، أو مل منها؛ سيبها، فإذا تركها ترك إياسٍ بمهلكةٍ، يعني بصحراء، ونحو ذلك؛ فمن وجدها؛ يجوز له أن يأخذها؛ لأن صاحبها تركها رغبةً عنها، حتى وإن كان صاحبها معروفًا، إذا عرفت أن فلانًا سيب ناقته؛ يجوز لك أن تأخذها، ورُوي في ذلك حديثٌ لكنه ضعيفٌ، لكن قصة جابرٍ ، جابرٌ كان يسير مع النبي في سفرٍ، وكان جمله ضعيفًا، وكان في آخر الجيش، والنبي عليه الصلاة والسلام من حسن خلقه أنه كان يتفقد الجيش، فوجد جابرًا في آخر الجيش يريد أن يسيب جمله؛ لأن جمله أتعبه، فأراد أن يسيبه، فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام عصاه وضرب هذا الجمل ضربةً واحدةً، فأصبح نشيطًا، وصار في مقدمة الجيش، فساومه النبي عليه الصلاة والسلام عليه، قال: أتبيع جملك؟، قال: لا، قال: بعنيه بأوقيةٍ، قال: نعم، واستثنى جابرٌ حُمْلانه إلى المدينة، فلما وصل جابرٌ إلى المدينة؛ وجد النبي عليه الصلاة والسلام في المسجد، فأعطاه أوقيةً، وقال: خذ جملك [6].
انظر إلى كريم خلق النبي عليه الصلاة والسلام! أعطاه الثمن والجمل جميعًا، وبقي جمل جابرٍ هذا نشيطًا سبحان الله! من أسرع الحيوانات، وبقي عاش مدةً طويلةً، قيل: إنه عاش إلى زمن معاوية، وهو معروفٌ، جمل جابرٍ، جمل جابرٍ، ببركة النبي عليه الصلاة والسلام.
الشاهد من هذه القصة: أن جابرًا أراد أن يسيب جمله، ولم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فيدل على أن تسييب الجمال لا بأس به، ومن وجد هذا الجمل أو الحيوان المسيب؛ فلا بأس أن يأخذه.
لكن المؤلف هنا قال: “تَرْك إياسٍ بمهلكةٍ أو فلاةٍ؛ لانقطاعها، أو لعجزه عن علفها”، يعني: إذا تركها صاحبها عجزًا، وليس لانقطاعه، فيقول المؤلف: إنه يجوز أخذه، وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز، ولا يملكه آخذه، لكن آخذه له أجرة المثل، وهذا هو القول الراجح؛ وذلك لأن الأصل في أموال الناس الحرمة، فلا يجوز أخذ شيءٍ من الأموال إلا ما تركه صاحبه رغبةً عنه، وأما ما تركه صاحبه ليس رغبةً عنه، وإنما عجزًا عنه، فالأصل أنه لا يملكه آخذه، وإنما آخذه يكون له أجرة المثل.
قال:
وكذا ما يُلقى في البحر خوفًا من الغرق.
يعني: يجوز أخذه وإن كان صاحبه معروفًا، يملكه آخذه بمجرد أخذه، ومن ذلك أيضًا ما يُرمى مع النفايات، وما يرمى مع القمائم، وما يرمى مع مخلفات البناء، يجوز أخذه وتَمَلُّكه؛ مثلًا: مررت بمكانٍ للنفايات، ووجدت شيئًا له قيمته ونفاسته مرميًّا يجوز أن تأخذه، لماذا؟ لأن صاحبه رماه رغبةً عنه، فلا بأس بأخذه، والقاعدة في هذا: أن ما تركه صاحبه رغبةً عنه يجوز أخذه، أما إذا تركه ليس رغبةً عنه، وإنما عجزًا؛ فالقول الراجح: أنه لا يملكه آخذه، لكن يكون له أجرة المثل.
الطالب:…
الشيخ: يعني له أجرة أخذه، يعني يرجع لصاحبه، ويكون له أجرة أخذه، كونه أخذه وأتى به لصاحبه.
القسم الثاني: الضوال التي تمتنع من صغار السباع
الثاني: الضوال التي تمتنع من صغار السباع؛ كالإبل والبقر والخيل والبغال والحمير والظباء، فيحرم التقاطها.
هذا هو القسم الثاني من أقسام اللقطة: ما كان يمتنع من صغار السباع، إما لضخامتها؛ كالإبل، وإما لطيرانها؛ كالطيور عمومًا، وإما لسرعة عدوها؛ كالظباء، وإما لدفعها عن نفسها بنابها؛ كالفهود، فكل ما يمتنع من صغار السباع بنفسه لا يجوز التقاطه.
والدليل لذلك حديث زيد بن خالدٍ السابق، قد سئل فيه النبي عن ضالة الإبل، قال: ما لك ولها؟! دعها؛ فإن معها حذاءها وسقاءها، تَرِد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها، والحديث الآخر: من آوى ضالةً؛ فهو ضالٌّ، ما لم يُعرِّفها [7].
ويلحق بهذا: الآلات الثقيلة، والأدوات الكبيرة التي تحتفظ بنفسها، هذه لا يجوز التقاطها، مثلًا سيارةٌ كبيرةٌ، أو حتى سيارةٌ موقفةٌ على الطريق، سيارةٌ أوقفها صاحبها على الطريق وأقفلها، ما يأتي إنسانٌ يقول: هذه لقطةٌ، حتى لو أوقفها في صحراء، سيارةٌ موقفةٌ في صحراء، اتركها، لا تُعتبر لقطةً، كذلك أيضًا مثلًا حراثةٌ موجودةٌ على الطريق أو في الصحراء، لا يجوز التقاطها، كذلك كومةٌ من حديدٍ، أكياس الإسمنت، الأخشاب، مواد البناء، هذه كلها تَحتفظ بنفسها، فلا يأتي إنسانٌ يجد شيئًا على الطريق، ويقول: هذه لقطةٌ وآخذها على أنها لقطةٌ، لا يجوز أخذها؛ لأن هذه تحتفظ بنفسها، هذه كلها تحتفظ بنفسها.
ويدخل في هذا القسم: الطيور التي ترجع عادةً لأصحابها، مثل الحمام المدرب، والصقور المدربة، هذه لا يجوز التقاطها، فلو وُجدت حمامةٌ في الطريق، لكن هذه الحمامة معروفٌ أنها حمامٌ أناسٍ، وترجع لهم، لا يجوز التقاطها، أو صقرٌ معلمٌ ومدربٌ، حتى لو وجده الإنسان في الصحراء، ما يجوز له أن يلتقطه؛ لأنه مدربٌ وسيرجع لصاحبه.
وكذلك أيضًا: الكلب المعلم، الكلب المعلم أيضًا لا يجوز التقاطه؛ لأنه سيرجع لصاحبه، فهذه كلها تحتفظ بنفسها ولا يُخشى عليها، فهذه لا يجوز التقاطها.
قال:
وتضمن كالغصب.
يعني: من التقط شيئًا من الأشياء السابقة؛ فيعتبر كالغاصب، وعليه الضمان، فيده يد غاصبٍ، وليست يد أمانةٍ.
الطالب:…
الشيخ: يقول: إنه أحيانًا تسقط من السيارات الكبيرة بعض البضائع، هل هذه يجوز أخذها بدون تعريفٍ؟
الطالب:…
الشيخ: نعم، صاحبها معروفٌ، الشيء الذي لا يتركه صاحبه رغبةً عنه، الأصل أنه لا يجوز التقاطه، ما دام أن صاحبه معروفٌ، ولم يتركه رغبةً عنه، الأصل أنه لا يجوز التقاطه، فيمكن أن يُرسَل لصاحبه بأي طريقةٍ، إذا لم يهتد إليه؛ يتصدق به أو بقيمته عنه، فلا يدخل في قسم اللقطة.
قال:
ولا يزول الضمان إلا بدفعها للإمام أو نائبه، أو بردها إلى مكانها بإذنه.
يعني: إذا التقط لقطةً من الأمور التي لا يجوز التقاطها، من أمثلة ما ذكرنا؛ فلا تبرأ ذمته، إلا بأن يدفعها للإمام أو نائب الإمام، أو أن يردها إلى مكان اللقطة بإذن الإمام.
ومن كتم شيئًا منها فتلف؛ لزمه قيمته مرتين.
يعني: إذا التقط ما يحرم التقاطه ثم تلف؛ فيغرم قيمته مرتين؛ لقول النبي : ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها [8]، وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا من جهة الإسناد؛ إلا أنه قضى به الصحابة ، وقضى به عمر ، وهذا من باب التعزير.
يعني: مثلًا التقط إنسانٌ جملًا قيمته خمسة آلافٍ، فيُغرَّم بعشرة آلافٍ، يعني: هذا الجمل مثلًا عطب تلف، قيمته خمسة آلافٍ، أو مات هذا الجمل وهو عنده، لما التقطه؛ مات هذا الجمل عنده، قيمته خمسة آلافٍ، يُغرَّم عشرة آلافٍ؛ لهذا الحديث، ولعمل الصحابة بهذا الحديث.
قال:
وإن تبع شيءٌ منها دوابه فطرده، أو دخل داره فأخرجه؛ لم يضمنه حيث لم يأخذه.
يعني: إنسانٌ عنده إبلٌ، وتبع إبله جملٌ أو ناقةٌ فطرده ثم هلك؛ فإنه لا يضمن، وهكذا لو دخل هذا الجمل داره فأخرجه؛ فإنه لا يضمن.
طيب، لو أَدخَل هذا الجمل مع إبله؛ يكون بهذا قد أخطأ، قد أخطأ بهذا، إلا أن يخشى على هذا الجمل من الهلاك، فيدخله وينفق عليه بنية الرجوع، أما إذا كان لا يخشى عليه؛ فلا يجوز له أن يدخل هذا الجمل مع إبله، من آوى ضالةً؛ فهو ضالٌّ [9].
القسم الثالث: الذهب والفضة والمتاع، وما لا يمتنع من صغار السباع
الثالث: كالذهب والفضة والمتاع، وما لا يمتنع من صغار السباع؛ كالغنم والفُصْلان والعَجَاجيل، والإوَزِّ والدجاج، فهذه يجوز التقاطها.
يعني: الثالث -ما عدا القسم الثاني يجوز التقاطه- القسم الأول طبعًا يجوز بالإجماع، ما عدا القسم الثاني يجوز التقاطه، ومن أمثلة ذلك: ما ذكره المؤلف؛ كالذهب والفضة، والأوراق النقدية، والمتاع، والحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع؛ كالغنم مثلًا.
وقوله: “والفُصْلان”، جمع فصيلٍ: وهو ولد الناقة، “والعَجَاجيل” جمع عجلٍ: وهو ولد البقرة.
“والإوَزِّ والدجاج” والطيور، ونحو ذلك، هذه من القسم الثالث، فهذه يجوز التقاطها.
لمن وَثِق من نفسه الأمانة والقدرة على تعريفها، والأفضل مع ذلك تركها.
حكم الالتقاط
وهذا يقودنا إلى مسألة: ما حكم الالتقاط؟
أما من لم يثق من نفسه؛ فلا يجوز له أن يلتقط، من يَعرِف من نفسه أنه قد يخون ويأخذها، ولا يقوم بواجب الالتقاط؛ لا يجوز له أن يلتقط باتفاق العلماء، لكن من وثق بأمانة نفسه، ويعرف من نفسه أنه مؤتمنٌ، وأنه سيقوم بواجب التعريف، فهل الأفضل أن يلتقط، أو الأفضل أن يترك الالتقاط؟
قولان للفقهاء:
- القول الأول: أن الأفضل الالتقاط وهو قول الجمهور؛ الحنفية والمالكية والشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة.
- والقول الثاني: أن الأفضل ترك الالتقاط، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات.
أما الجمهور فقالوا: إن الالتقاط من باب التعاون على البر والتقوى، وفيه حفظٌ لمال أخيه المسلم.
والحنابلة قالوا: السلامة لا يعدلها شيءٌ، فالآخذ للقطة يعرض نفسه للحرام، ويعرض نفسه للإثم، ويعرض نفسه لتضييع واجب التعريف، فالأبرأ لذمته والأسلم: ألا يلتقط.
وقول الحنابلة له وجاهته، لكن أيضًا يَرِد على ذلك: أن هذا مال أخيك المسلم، قد يضيع لو لم تلتقطه؛ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى التفصيل؛ قالوا: إن كان هذا الشيء يُخشى ضياعه لو لم يلتقطه؛ فالأفضل الالتقاط، وأما إذا كان لا يخشى ضياعه؛ فالأفضل ترك الالتقاط، لعل هذا هو القول الراجح في هذه المسألة.
يعني: مثلًا وَجدت شاةً في البر، يغلب على ظنك أنك إذا لم تلتقطها؛ سيأكلها الذئب أو ستهلك، فالأفضل أن تلتقطها، وتقوم بواجب التعريف، لكن إذا غلب على ظنك أن هذه الشاة سيلتقطها غيرك، أو ربما صاحبها يجدها، يعني كأن لا تكون في مهلكةٍ، تكون قريبةً من العمران، أو في العمران، أو نحو ذلك؛ فالأفضل ترك الالتقاط.
فإن أخذها ثم ردها إلى موضعها؛ ضمن.
إن أخذها، ولمَّا أخذها قيل: يا فلان، لا بد أن تعرفها سنةً كاملةً؛ قام وردها إلى موضعها، فيده لم تَعُد يد أمانةٍ، وإنما يكون ضامنًا، إذا ردها إلى موضعها؛ يكون قد فرط في حفظ الأمانة، فتنتقل يده من يد أمانةٍ إلى يد ضمانٍ.
طيب هنا مسألةٌ: بعض الناس يلتقط اللقطة، ويتصدق بها مباشرةً عن صاحبها، فهل هذا التصرف صحيحٌ؟
يجد له مثلًا ألف ريالٍ في الطريق، يأخذ الألف ريالٍ، يقول: أتصدق به عن صاحبه، هل هذا التصرف صحيحٌ؟
الطالب:…
الشيخ: نعم، مباشرةً، يعني بدون تعريفٍ، نقول: هذا التصرف غير صحيحٍ؛ لأن الواجب في اللقطة تعريفها لمدة سنةٍ، فإن أتى صاحبها وإلا فهي له، أما إذا كان ليس قادرًا على التعريف، أو يرى أن التعريف فيه مشقةٌ عليه؛ يتركها، لا يلتقطها، وهذا خطأٌ شائعٌ، بعض الناس يلتقط اللقطة، ولا يقوم بواجب التعريف، ويقوم بالتصدق بها أو بقيمتها مباشرةً، وهذا يأثم؛ لأنه ترك واجبًا شرعيًّا عليه، وهو واجب التعريف، فنقول: هذه اللقطة التي وجدتها، إن كان يغلب على ظنك أنك تعرفها سنةً؛ فخذها وعرفها، فإن أتى صاحبها، وإلا فهي لك، أما إذا كنت غير قادرٍ على التعريف، أو تجد مشقةً في تعريفها؛ فاتركها، أما أن تأخذها وتتصدق بها عن صاحبها، فبهذا تكون قد أخللت بواجب التعريف، وتركت واجبًا شرعيًّا، فيأثم من يفعل ذلك، انتبهوا لهذه المسألة؛ فبعض الناس يجتهد، وبحسن نيةٍ يأخذ اللقطة ويتصدق بها، نقول: لا، اللقطة إذا أخذتها عرفها سنةً، وإلا فاتركها، لا تلتقطها.
هذا التنبيه الذي ذكرته مهمٌّ، ليس مذكورًا في “السلسبيل”..، يضيفه عليه، لعله -إن شاء الله- يضاف في طبعةٍ قادمةٍ بإذن الله.
لقطة الحيوان
طيب، ثم قال المصنف رحمه الله تعالى:
وهذا القسم.
يعني: القسم الأخير.
ثلاثة أنواعٍ: أحدها: ما التقطه من حيوانٍ.
يعني: لقطة الحيوان؛ كالشاة مثلًا.
فيلزمه خير ثلاثة أمورٍ:
طيب، لقطة الحيوان هنا يَرِد عليها إشكالٌ؛ لأن النفقة على الحيوان لمدة سنةٍ قد تفوق قيمة الحيوان نفسه؛ مثلًا: التقطتَ شاةً، نفترض أن قيمة هذه الشاة خمسمئة ريالٍ، وكل يومٍ تشتري لها علفًا بريالين، معنى ذلك تكون أنفقت عليها نهاية السنة كم؟ أكثر من سبعمئة ريالٍ، أكثر من قيمتها، والأعلاف الآن مرتفعةٌ، فتكون أنفقت عليها أكثر من قيمتها، فما هو الحل؟
هذا الإشكال طرحه العلماء قديمًا، ومن أبرز..، من أوائل من طرحه: الموفق بن قدامة، وأثنى ابن القيم رحمه الله على اختياره، وقال: أحسن أبو محمدٍ في اختياره كل الإحسان، هنا الفقهاء قالوا: إنه يخير بين ثلاثة أمورٍ ذكرها المؤلف، قال:
فيلزمه خير ثلاثة أمورٍ: أكله بقيمته.
يعني: يذبح الشاة ويأكلها، ويحفظ قيمتها لصاحبها، مع استمراره في واجب التعريف.
الأمر الثاني:
أو بيعه، وحفظ ثمنه.
يبيع هذه الشاة، ويحفظ ثمنها، مع قيامه بواجب التعريف لمدة سنةٍ.
الثالث:
أو حفظه، وينفق عليه من ماله.
يحفظ هذه الشاة مع أمواله ويعلفها، كما لو كان عنده أغنامٌ، ويجعلها مع أغنامه، ويرى أنه لن تكلفه شيئًا كثيرًا، أو أنه مثلًا الأغنام ترعى في العشب والكلأ، فيجعلها مع أغنامه، فهو إذنْ يلزمه خير هذه الأمور الثلاثة: إما أن يأكلها، أو يبيعها، أو يحفظها لصاحبها.
والتخيير بين هذه الأمور الثلاثة تخيير مصلحةٍ، وليس تخيير تَشَهٍّ، يعني: يلزمه أن يختار الأصلح من هذه الأمور الثلاثة.
وله الرجوع بما أنفق إن نواه.
طيب، إن اختار الأمر الثالث، قال: أنا أجعلها مع أغنامي، لكن سأرجع على صاحبها إذا أتى يبحث عنها، فلما أنفق عليها ستة أشهرٍ يعلفها مع أغنامه؛ أتى صاحبها، فهنا يرجع عليه يقول: يا فلان، قيمة العلف كذا، هذه الشاة لك، لكن قيمة العلف كذا، بشرط أن يكون قد نوى الرجوع، كل من أنفق على مال لغيره بنية الرجوع له الرجوع، أما إذا كان بنية التبرع، فليس له الرجوع، هذه قاعدةٌ مفيدةٌ لطالب العلم في جميع الأبواب.
فمثلًا بعض الناس قد يرمم عقارًا مشتركًا مثلًا بين الورثة، يقوم بترميمه، ثم بعدما ينتهي من ترميمه؛ يقول للورثة: أنا أنفقت عليه مبلغًا قدره كذا، هل له الرجوع، أو ليس له الرجوع؟
نقول: إن أنفق بنية الرجوع؛ فله الرجوع، أما إن كان بنية التبرع؛ فليس له الرجوع.
طيب كيف نعرف أنه أنفق بنية الرجوع أو بنية التبرع؟
هنا عند المنازعة يُحلِّفه القاضي أنك أنفقت بنية الرجوع، أو بنية التبرع؟ هذه مسألةٌ كثيرًا ما يقع فيها الخلاف، يأتي إنسانٌ ويتصرف تصرفاتٍ، ثم بعد مدةٍ يرجع على من معه من الشركاء، يقول: يا جماعة، أنا أنفقت عليه كذا وكذا، فنقول: هل أنفقت بنية الرجوع أو بنية التبرع؟ إن كان بنية الرجوع؛ ترجع، إن كان بنية التبرع؛ ليس لك الرجوع، وبعض الناس ينفق بنية التبرع، ثم بعد ذلك يأخذه الطمع، ويريد أن يرجع على الشركاء معه، ويقول: أعطوني، نقول: لا، إذا أنفقت بنية التبرع؛ لا يجوز لك أن تأخذ منه، أنت تبرعت.
الطالب:…
الشيخ: تبرع، وهذا أكثر ما يحصل أيضًا أحيانًا في عقار الوالدين، عقار الوالد أو الوالدة، يقوم أحد الأولاد من بنين وبناتٍ، ويصلح في هذا العقار، ثم بعد وفاة الوالد أو الوالدة يرجع على الورثة، يقول: أنا صرفت كذا وكذا، هل له أن يرجع عليهم أم لا؟
نقول: هل لمَّا أنفقت؛ أنفقت بنية الرجوع، أو بنية التبرع؟ إن كان بنية التبرع؛ ليس لك أن تأخذ شيئًا على ما أنفقت، أنت تبرعت لله، أجرك على الله، أما إن كان بنية الرجوع؛ فلك أن ترجع، فهذه قاعدةٌ مفيدةٌ لطالب العلم.
فإن استوت الثلاثة؛ خُيِّر.
يعني: استوت الثلاثة التي ذكرها المؤلف: أَكْلُه بقيمته، أو بيعه وحفظ ثمنه، أو حفظه وينفق عليه من ماله، فيختار ما هو الأيسر له.
لقطة ما يخشى فساده
الثاني: ما يخشى فساده، فيلزمه فعل الأصلح من بيعه، أو أكله بقيمته، أو تجفيف ما يجفف.
ما يخشى فساده مثل مثلًا: الفواكه والخضروات، يعني: إنسانٌ وجد في الطريق صندوق برتقالٍ، أو صندوق تفاحٍ، أو صندوق موزٍ، فأخذه، يعني وجده لا يعرف صاحبه، ماذا يفعل به؟ يقول هنا: يختار ما هو الأصلح من بيعه، يبيعه ويحفظ ثمنه ويعرفه، أو أكله، يأكله بقيمته، ينظر كم قيمة هذا الصندوق ويأكله، ويحفظ ثمنه ويعرفه، أو تجفيف ما يجفف، إن كان يمكن تجفيفه فيجففه، وفي وقتنا الحاضر نقول: بدل التجفيف التبريد، إن أمكنه أن يضعه في ثلاجةٍ ويعرفه، فيختار ما هو الأصلح من هذه الأمور الثلاثة.
فإن استوت الثلاثة؛ خير.
ويختار ما هو الأيسر له.
لقطة باقي الأموال
الثالث: باقي الأموال.
“باقي الأموال”: يعني ليس من الحيوانات، وليس مما يخشى فساده، وإنما ما عدا ذلك؛ مثل مثلًا: الأمتعة والحديد والسيارات والإسمنت، ونحو ذلك، فهذه لا بد من تعريفها سنةً كاملةً.
كيفية التعريف باللقطة
قال المؤلف:
ويلزمه التعريف في الجميع فورًا.
فالتعريف واجبٌ، سواءٌ كانت اللقطة حيوانًا، أو ما يخشى فساده، أو ما عدا ذلك؛ ولذلك النبي لما سئل عن لقطة الذهب والورق؛ قال: اعرِف وكاءها وعِفاصها، ثم عرفها سنةً [10].
قال:
نهارًا، أو كل يومٍ مدة أسبوعٍ، ثم عادة مدة حولٍ.
يعني: يكون التعريف مدة سنةٍ، يكون التعريف نهارًا، في الأسبوع الأول كل يومٍ، كل يومٍ في الأسبوع الأول، ثم بعد ذلك بحسب العرف.
وقال بعض العلماء: إنه يعرفها في الأسبوع الأول كل يومٍ، ثم يعرفها مرتين في الأسبوع لمدة شهرٍ، ثم يعرفها كل أسبوع لمدة شهر، ثم يعرفها في الشهر مرةً واحدةً، لكن هذا لا دليل عليه.
والأقرب -والله أعلم- أن المرجع في تعريفها إلى العرف.
وتعريفها: بأن ينادي عليها في الأسواق، وأبواب المساجد: من ضاع منه شيءٌ أو نفقةٌ.
يعني: في أماكن اجتماع الناس، وهنا المؤلف قال: أبواب المساجد، ولم يقل: في المساجد؛ لأنه يحرم نِشدان الضالة في المسجد، والنبي لما سمع من يَنشد ضالته في المسجد؛ دعا عليه وقال: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا [11]، وقال للذي كان ينشد الجمل الأحمر: لا وَجدتَ [12]، فلا يجوز نِشدان الضالة في المسجد، بل يُدعى عليه، والدعاء عليه من باب التعزير.
إذنْ ما الحل؟ الحل في الأشياء التي إما أن تكون داخل المسجد ويراد تعريفها، أو تكون ضالةً أو لقطةً ويريد صاحبها تعريفها لجماعة المسجد، الحل: أنه تكتب لافتةً أو ورقةً على الباب الخارجي للمسجد، أو الأبواب الخارجية للمسجد، يكتب على الأبواب الخارجية: عثر على كذا -بشكلٍ مجمَلٍ، لا يذكر التفاصيل- من وجده مثلًا فليتصل على هذا الرقم مثلًا، أو ليتواصل مع إمام المسجد.
وفي وقتنا الحاضر أصبح تعريف اللقطة سهلًا وميسرًا، في الزمن السابق يأتي لتجمعات الناس، ولأبواب المساجد، هذا ربما يكون فيه مشقةٌ، في وقتنا الحاضر أصبح تعريف اللقطة سهلًا جدًّا، كيف ذلك؟ من يذكر لنا الطريقة؟
الطالب:…
الشيخ: ماذا يفعل؟
الطالب:…
الشيخ: أحسنت، يضع لافتةً في المكان الذي وجد فيه اللقطة، يقول: عثر في هذا المكان على كذا، فمن كانت له فليتصل على هذا الرقم، فإذا اتصل عليك أحدٌ طوال السنة، وإلا فخذها لك.
مثلًا: وجدت محفظةً فيها نقودٌ، وفيها أشياء، فتكتب هذه اللافتة: عثر في هذا المكان على محفظةٍ، من كانت له؛ فليتصل على هذا الرقم، عثر في هذا المكان على مبلغٍ نقديٍّ، لكن لا يذكر كم المبلغ، عثر في هذا المكان على مبلغٍ نقديٍّ، من كان له؛ فليتصل على هذا الرقم، ويبقى سنةً كاملةً، إن لم يتصل عليه أحدٌ، فيكون له.
الطالب:…
الشيخ: يعني: التي فيها ربما لا يستدل به على صاحبه، هذا خارجٌ عن هذا الكلام، الكلام في الشيء الذي لا يمكن أن يهتدى لصاحبه، الشيء الذي لا يهتدى لصاحبه، فيكتب لافتةً في المكان الذي وجد فيه اللقطة، ويُبقي هذه اللافتة سنةً كاملةً، وهذه اللافتة لا بد أن يضع فيها رقم الجوال، فالتعريف في وقتنا الحاضر أصبح سهلًا ويسيرًا.
الطالب:…
الشيخ: وسائل التواصل، لكن قد لا يهتدي إليها صاحب اللقطة، يعني نفترض مثلًا: أعلن على (تويتر)، وصاحب اللقطة إنسانٌ عاميٌّ كبيرٌ في السن، ما يعرف (تويتر) أصلًا، فكيف يصل إليها؟! أو على (سناب)، أو..، ولذلك فالتعريف يكون في المكان الذي وجد فيه اللقطة، هذه الأشياء -وسائل التواصل- هذه أمورٌ إضافيةٌ، لكن الواجب هو التعريف في المكان الذي وجد فيه اللقطة، وأحسن طريقةٍ: أن يكتب لافتةً، ويضع فيها رقم هاتفه الجوال، في المكان الذي عثر فيه على هذه اللقطة؛ لأن صاحبه أصلًا سيرجع إلى هذا المكان.
فإذنْ القول الراجح في التعريف: أن المرجع فيه للعرف.
قال:
وأجرة المنادي على الملتقط.
يعني: لو كان المنادي له أجرةٌ -كما ذكرنا- التعريف فيما سبق له كلفةٌ، فأحيانًا بعض الناس يأتي بمن يُعرِّفها، ويذهب لأبواب المساجد والأسواق، وينادي عليها، فيكون له أجرةٌ، فالأجرة يقول هنا المؤلف: إنها على الملتقط؛ لأن التعريف واجبٌ عليه؛ فالأجرة عليه.
والقول الثاني: أن الأجرة تكون على صاحب اللقطة، وهذا هو مذهب المالكية؛ لأن الملتقط محسنٌ بالتقاطها، ومحسنٌ بالتعريف بها، فلا تكون مؤونة التعريف عليه، وهذا هو القول الراجح: أن أجرة المنادي تكون على صاحب اللقطة، وليست على الملتقط.
فإذا عرَّفها حولًا، ولم تُعرَف؛ دخلت في مِلكه قهرًا عليه، فيتصرف فيها بما شاء، بشرط ضمانها.
يعني مثلًا نفترض: أن رجلًا وجد مبلغًا نقديًّا، وجد مثلًا خمسة آلاف ريالٍ لقطةً، وكتب في المكان الذي وجد فيه هذا المبلغ: عثر في هذا المكان على مبلغٍ نقديٍّ، من كان له؛ فليتصل على هذا الرقم، ومضت سنةٌ كاملةٌ، واللافتة في مكانها، ولم يتصل عليه أحدٌ؛ هنا هذا المبلغ يأخذه له.
ويدخل في مِلكه قهرًا.
ما معنى يدخل في ملكه قهرًا؟
الطالب:…
الشيخ: بغير اختياره؛ مثل الميراث، يصبح ملكًا له؛ فلا يرجع فيه، فلا يقال تريد أو ما تريد، يدخل في ملكه قهرًا بغير اختياره، يعني لو قال: لا أريدها، نقول: هي دخلت في ملكك، تَصدَّق بها، تصرَّف فيها دخلت في ملكك.
بشرط ضمانها.
يعني: لو جاء صاحبها يومًا من الدهر؛ يرجعها إليه، يعني: هذا الرجل الذي وجد خمسة آلافٍ، وعرَّفها سنةً ولم يأتِ صاحبها؛ أخذها، وبعد سنةٍ ونصفٍ أتى صاحبها، فنقول: تغرم وتضمن له هذا المبلغ، يجب عليك.
فإذنْ يملكها، لكن بشرط الضمان، إذا لم يكن عنده قدرةٌ؛ يكون دينًا عليه كسائر الديون.
حكم التصرف في اللقطة
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى:
فصلٌ
ويحرم تصرفه فيها حتى يعرف وعاءها ووكاءها -وهو ما شد به الوعاء- وعفاصها، وهو صفة الشد.
يعني: هذا ذكرنا أن المؤلف سيعرِّف ما ورد في الحديث، وعرَّفه في هذا الموضع، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: اعرف وكاءها وعفاصها [13]، ما معنى: وكاءها؟
الوكاء: هو الخيط الذي تشد به الصرة أو الكيس، أما العفاص فالمؤلف هنا قال: ما شُد به الوعاء، يعني صفة الشد، هل هو عقدةٌ أو عقدتان أو أكثر.
ولكن هذا محل نظرٍ، وأهل اللغة يعرِّفون العفاص بتعريفٍ آخر، يقولون العفاص: هو الوعاء من الجلد أو الخرقة، ونحو ذلك، يعني ما نسميه: الكيس، هذا هو العفاص، الكيس الذي توضع فيه الدراهم أو النقود، كانوا قديمًا يضعونها في كيسٍ من جلدٍ مثلًا، أو نحو ذلك، فكانت الدراهم عندهم تُصَرُّ وتوضع في كيسٍ.
فهذا الكيس أو الوعاء يسمى: عفاصًا، ثم هذا الكيس أيضًا يربط بحبلٍ، هذا الخيط الذي يربط به هذا الكيس يسمى: وكاءً، فهذا هو التعريف الصحيح لهذه المصطلحات.
يعرف قدرها وجنسها وصفتها
قال:
ويَعرِف قدرها وجنسها وصفتها.
يعني: يعرف قدر هذا الشيء الملتقط كم، وجنسه وصفته، والأشياء الدقيقة، والأفضل أن يكتب ذلك، وفي وقتنا الحاضر قد لا يستخدم الناس الوكاء والعفاص، يعرف طبيعة الشيء الذي التقطه، يعني مثلًا إذا كان مبلغًا نقديًّا من فئة ماذا؟ من خمسمئةٍ أو مئتين مثلًا، وهل هي مربوطةٌ أو غير مربوطةٍ؟ هل هي داخل محفظةٍ أو خارج المحفظة؟ يعني: هذه الأمور لا بد أن يضبطها، والأفضل أن يكتبها؛ لأن بعض الناس أيضًا ضعيف الذاكرة، ربما بعد أسبوعٍ نسي كل شيءٍ، فيكتب هذه المعلومات كلها عنده.
متى وصفها طالبها يومًا من الدهر، لزم دفعها إليه
ومتى وصفها طالبها يومًا من الدهر؛ لزم دفعها إليه.
يعني: إذا أتى طالب اللقطة يومًا من الدهر، ووصفها وصفًا صحيحًا؛ يجب عليه أن يعطيه إياها، ولا يطالبه بالبينة؛ لأن النبي لم يأمر بذلك، بل قال: اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنةً، فإن لم تُعرف؛ فاستنفِقها، ولتكن وديعةً عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر؛ فأدها إليه [14].
وقال بعض العلماء: إنَّ وصف اللقطة أصلًا وصفًا صحيحًا هو البينة بالنسبة للقطة، هو البينة نفسها؛ لأن البينة لا تنحصر بشهادة الشهود، وإنما هي اسمٌ لما أبان الحق، كما حقق ذلك ابن القيم، فمجرد الوصف الدقيق الصحيح للقطة، هو بحد ذاته بينةٌ، وهذا يعني هو القول الأقرب والله أعلم، ولا مشاحة في الاصطلاح، المهم أنه يجب أن يعطي صاحب اللقطة هذه اللقطة، سواء قلنا: إن هذا الوصف يعتبر بينةً له، أو لم نقل ذلك، يجب عليه أن يعطي مَن وصف وصفًا صحيحًا أن يعطيه هذه اللقطة.
فإن قال قائل: قد يكون هذا الرجل وصف وصفًا صحيحًا، وهو كاذبٌ، فكيف نلزم الملتقط بأن يدفع اللقطة إليه، فما الجواب؟ يعني ربما أنه مثلًا يصفها مصادفةً، ويكون وصفه صحيحًا، يكون مبلغًا نقديًّا، يقول: المبلغ كذا، يوافق أنه صحيحٌ، فهذا يحتمل الكذب، طيب كيف الحل ونحن قلنا: يجب عليك إذا وصف وصفًا صحيحًا أن تسلمها له؟
الطالب:…
الشيخ: نعم، العبرة بالظاهر وغلبة الظن، ولا يلزم اليقين، أمور العبادات كلها مبنيةٌ على غلبة الظن، حتى الفقير الذي تعطيه الزكاة، قد يكون غنيًّا ويتظاهر بالفقر، فالعبرة بغلبة الظن، والعبرة بالظاهر، ولا يطالب الإنسان باليقين؛ لأن مطالبته باليقين توقع في الحرج.
قال:
لزم دفعها إليه بنمائها المتصل، وأما المنفصل بعد حول التعريف فلواجدها.
النماء معناه: الزيادة، فالنماء المتصل: يمثلون له بسِمَن الحيوان، المنفصل: مثل نتاج الحيوان، فيقول: إن النماء المتصل يكون لصاحب اللقطة، ولو بعد حول التعريف، وأما النماء المنفصل: فإن كان في أثناء الحول؛ فلصاحب اللقطة، وإن كان بعد حول التعريف؛ فللملتقط، هذا هو المذهب.
والراجح: أنه لا فرق بين النماء المتصل والمنفصل، وأنه بعد حول التعريف يكون للملتقط؛ لأننا قلنا: إنها تدخل في ملكه قهرًا، فمعنى ذلك: أن النماء بنوعيه المتصل والمنفصل يكون للملتقط، أما في أثناء الحول يكون لصاحبها.
اللقطة في الحول أمانة في يد الملتقط
وإن تلفت أو نقصت في حول التعريف، ولم يفرط؛ لم يضمن.
لأن يده -يد الملتقط- يد أمانةٍ، فلا يضمن.
وبعد الحول يضمن مطلقًا.
لأنها دخلت في ملكه، نحن قلنا: تدخل في ملكه قهرًا كالميراث، فبعد الحول يضمنها مطلقًا.
وإن أدركها ربها بعد الحول مبيعةً أو موهوبةً؛ لم يكن له إلا البدل.
يعني: إذا عرفها سنةً ولم يأت صاحبها، ثم بعد ذلك تَصرَّف الملتقط وباعها أو وهبها، ثم أتى صاحبها، نقول: ليس لك إلا بدلها، ولا يفسخ البيع فيقال: يبطل البيع وترجع لصاحبها، أو تؤخذ ممن وُهبت له، وإنما يقال لصاحبها: ليس لك إلا البدل.
حكم من وجد في حيوانٍ نقدًا
ومن وجد في حيوانٍ نقدًا أو دُرَّةً، فلقطةٌ لواجده يلزمه تعريفه.
نفترض مثلًا أنه لما ذبح خروفًا، وجد داخل هذا الخروف كيسًا فيه ريالاتٌ، فيه مثلًا ألف ريالٍ، أو وجد فيه قطعةً من ذهبٍ، فما الحكم؟
هنا يقول المؤلف: هذا يعتبر لقطةً، يلزم تعريفه، إلا إذا كان يستطيع أن يهتدي لصاحب هذا الخروف، يذهب ويعطيه إياه، إذا كان لا يستطيع أن يهتدي له، يعتبر هذا لقطةً.
من استيقظ فوجد في ثوبه مالًا لا يدري من صَرَّه
ومن استيقظ فوجد في ثوبه مالًا لا يدري من صَرَّه؛ فهو له.
هذا إنسانٌ استيقظ، لما استيقظ من النوم وجد في يده صرةً فيها دنانير أو دراهم، فهذا يكون له، هذا رزقٌ ساقه الله إليه، لا يلزم تعريفه، ولا يعتبر لقطةً، رزق ساقه الله إليه، ربما أن أحد الناس رآه فقيرًا أو كذا، فلما رآه نائمًا؛ أتى ووضع في يده هذا المبلغ.
الطالب:…
الشيخ: لا، الحوالة على الحساب تختلف؛ تحتمل الخطأ، فالحوالة على الحساب لا بد أن يردها لصاحبها.
الطالب:…
الشيخ: إذا ما عرف صاحبها؛ يذهب للبنك، إذا لم يعرف؛ يتصدق بها عنه؛ لأن المال الذي صاحبه معروفٌ، ولا يمكن الاهتداء له، هذا يُتصدق به عنه، لا يأخذ حكم اللقطة، اللقطة: الشيء الضائع الذي يكون في الطريق.
ولا يبرأ من أخذ من نائمٍ شيئًا، إلا بتسليمه له بعد انتباهه.
من أخذ من النائم شيئًا، فيده هي الضمان، لا يبرأ إلا بأن يسلمه له، لكن ليس وهو نائمٌ، بعد استيقاظه.
طيب هنا مسألةٌ في لقطة الحرم: لا يجوز التقاط لقطة الحرم، إلا لمنشدٍ أبد الدهر؛ لقول النبي : ولا تحل ساقطته إلا لمنشدٍ [15]، لقطة الحرم ليست مثل غيره تعرف سنةً، وإنما تعرف أبد الدهر؛ ولذلك الأحسن إذا وجدت لقطة الحرم؛ اتركها لا تأخذها، أو تأخذها وتسلمها للأمانات التي عند الحرم؛ إذا كنت تخشى عليها، إذا كنت تخشى عليها؛ سلمها للأمانات التي عند الحرم، والأبرأ للذمة أن تتركها؛ لأن لقطة الحرم لا يجوز أصلًا أخذها، ولو بعد التعريف لا يجوز؛ لأن هذا البلد بلدٌ آمنٌ، يأمن فيه الإنسان والحيوان والنبات، ولو أن كل واحدٍ في الحرم وجد لقطةً تركها؛ سيأتي صاحبها ويجد هذه اللقطة، لكن إذا كنت تخشى عليها سلمها لمكتب الأمانات الذي عند الحرم.
الطالب:…
الشيخ: حتى اليسير، نعم.
باب اللقيط
ثم قال المؤلف رحمه الله:
باب اللقيط
تعريف اللقيط
اللقيط عرفه المصنف، قال:
وهو طفلٌ يوجد لا يعرف نسبه ولا رقه.
وعرفه الموفق في “المقنع”، قال: الطفل المنبوذ، وهي تعاريف متقاربةٌ، فالمقصود به الطفل مجهول النسب المنبوذ، فهذا يسمى لقيطًا.
حكم التقاط اللقيط والإنفاق عليه
قال:
والتقاطه والإنفاق عليه فرض كفايةٍ.
فيلزم من علم بحاله من المسلمين التقاطه، والإنفاق عليه، بحيث لو تركوه جميعًا؛ أثموا، فلو مثلًا وجد طفلًا ملقًى في الطريق؛ يجب على أهل الحي أن يلتقطوه، ولو تركوه جميعًا أثموا، فالتقاطه فرض كفايةٍ.
وفي وقتنا الحاضر الآن بلدان العالم الإسلامي تضع دُور الرعاية الاجتماعية لهؤلاء اللقطاء مجهولي النسب.
يحكم بإسلام اللقيط وحريته
ويحكم بإسلامه.
إذا كان في دار الإسلام؛ وعلى هذا: لو مات قبل بلوغه؛ فيعامل معاملة المسلمين؛ يغسل ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، أما إذا وُجد في دار كفرٍ لا مسلم فيها؛ فيحكم بكفره؛ فلا يغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه.
إذا كان في دار كفرٍ فيها مسلمون، فمحل خلافٍ بين العلماء، والأقرب: أنه يحكم بإسلامه؛ لاحتمال أن يكون أحد أبويه مسلمًا، وتغليبًا للإسلام على الكفر؛ لأن الإسلام هو دين الفطرة.
وحريته.
يعني: ويحكم بحريته؛ لأن الأصل في الإنسان الحرية، والرق أمرٌ عارضٌ وطارئٌ.
وينفق عليه مما معه إن كان، فإن لم يكن؛ فمن بيت المال.
إن وُجد مع اللقيط مالٌ؛ ينفق عليه من هذا المال، إن لم يوجد؛ فينفق عليه من بيت مال المسلمين.
فإن تعذر؛ اقترض عليه الحاكم.
يعني: اقترض الحاكم على بيت المال.
فإن تعذر؛ فعلى من علم بحاله.
يعني: من المسلمين، في بعض دول العالم الإسلامي تكون الدولة فقيرةً، لا تقوم برعاية اللقطاء، فهنا يجب على المسلمين أن يقوموا بشأن هذا اللقيط، أن يلتقطوه، وأن ينفقوا عليه، فهذا من فروض الكفاية، وقد رأيت في بعض البلدان، لكن دولةٌ غير إسلاميةٍ: أن اللقطاء يُتركون في الشوارع، وينامون في الطرقات، ويأكلون من النفايات والقمائم، وليس لهم مأوى، ولا أحدٌ يؤويهم، وهذا يبين لنا عظمة الإسلام، أن الإسلام أوجب على المسلمين أن يلتقطوا هذا اللقيط، وأن ينفقوا عليه، فإن كانت الدولة قادرةً، فيجب أن يُنفَق عليه من بيت المال، وهذا ما هو عليه في دول العالم الإسلامي.
لكن لو أن الدولة كانت ضعيفةً مثلًا وفقيرةً، ولم تستطع القيام بهؤلاء، القيام برعاية هؤلاء اللقطاء؛ فيجب على المسلمين، لكن لا يُترك هؤلاء، لا يتركون، يؤوون في الشوارع، ولا يجدون من يعطيهم الأكل والشرب والمأوى والمسكن، فهذا واجبٌ على المسلمين جميعًا؛ ولهذا لا نجد هذا المظهر في البلاد الإسلامية، رأيت هذا في بعض البلدان غير الإسلامية الفقيرة، أن اللقطاء يعيشون في الشوارع، لا مأوى لهم، ولا أحد يعطيهم شيئًا، وكأنهم كالبهائم، أو حتى ربما البهائم تجد من ينفق عليها، وهؤلاء لا تجد من ينفق عليهم، لكن في المجتمعات الإسلامية إذا لم يُنفَق عليهم من بيت المال؛ فيجب على المسلمين رعايتهم، والإنفاق عليهم.
قال:
فإن تعذر؛ فعلى من علم بحاله.
يعني: من المسلمين.
الأحق بحضانة اللقيط
والأحق بحضانته واجده، إن كان حرًّا مكلفًا رشيدًا أمينًا عدلًا، ولو ظاهرًا.
الأحق هو واجده، إن كان يرغب في حضانته بهذه الشروط: أن يكون حرًّا مكلفًا رشيدًا أمينًا عدلًا، وعمر أقر اللقيط في يد أبي جميلة، لكن طلب من يُعرِّف به ويزكيه، فقيل له: إنه رجلٌ صالحٌ، فقال: اذهب فهو حرٌّ، لك ولاؤه، وعلينا نفقته.
ميراث اللقيط وديته
ثم قال المؤلف رحمه الله:
وميراث اللقيط وديته إن قُتل لبيت المال.
يعني: هذا اللقيط إن لم يخلف وارثًا؛ فميراثه لبيت المال، وإن قُتل وكان له ديةٌ؛ فديته لبيت المال.
وإن ادَّعاه من يمكن كونه منه من ذكرٍ أو أنثى؛ ألحق به ولو ميتًا، وثبت نسبه.
إن ادعى نسبَ هذا اللقيط أي أحدٍ، حتى لو نسب لميتٍ، فيلحق به؛ لأن الشريعة تتشوف لحفظ النسب، ولا يطالب بالبينة؛ لأن إلحاقه به فيه مصلحةٌ عظيمةٌ لهذا اللقيط.
لكن يشترط هنا ألا يكون هناك تهمةٌ؛ لأنه أحيانًا هذا اللقيط يكون ثريًّا، فيأتي بعض الناس ويدعي نسبه، حتى إذا مات يرثه، فهنا التهمة قائمةٌ، فلا بد من البينة، أما إذا لم يكن ثمة تهمةٌ، فينسب لمن ادعاه من غير بينةٍ.
حكم استلحاق ولد الزنا
طيب، هنا مسألة: حكم استلحاق ولد الزنا، هذه مسألةٌ مهمةٌ، وعرضت على “المجمع الفقهي”، وأنا كتبت فيها بحثًا نُشر في كتيبٍ صغيرٍ، خلاصته: أن المرأة إذا كانت فراشًا -يعني ذات زوجٍ أو سيدٍ- فقد أجمع العلماء على أن ولد المزني بها لا يلحق بالزاني، وإنما القاعدة في هذا: أن الولد للفراش، يلحق بصاحب الفراش، شاء أم أبى، يعني إنسانٌ مثلًا زوجته زنت، وحملت من الزنا، يلحق ولد الزنا بالزوج، إذا أراد أن ينفيه، ليس له إلا طريقٌ واحدٌ لنفيه، ما هو؟ اللعان، ما من طريقٍ آخر غير اللعان، إذا أردت أن تنفيه فتلاعن، واللعان هنا إذا تأكد من أن المرأة حملت من الزنا، حكم اللعان واجبٌ، يجب عليه أن يلاعن، أما إذا لم تحمل؛ فلا يجب.
أما إذا لم تكن المزني بها فراشًا، يعني غير متزوجةٍ، ليست مرتبطةً بزوجٍ، وزنى بها رجلٌ وأنجبت منه؛ فهذا ولد الزنا، يلحق بأمه بالاتفاق، لكن هل يلحق بأبيه؟ نفترض مثلًا: أن هذا الزاني أراد أن يستلحق هذا الولد، تزوج بهذه المرأة المزني بها، أو لم يتزوج بها، لكن قال: إنه خلق من مائه، وهو أبوه، فهل يلحق به أم لا؟
قولان للعلماء:
- القول الأول: أن ولد الزنا لا يلحق بالزاني، وهذا هو الذي عليه المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
- والقول الثاني: أن ولد الزنا يلحق بالزاني إذا استلحقه، وهذا قال به بعض التابعين، واختاره ابن تيمية وابن القيم، وهذا هو القول الراجح؛ لأنه ليس هناك دليلٌ يدل على عدم الاستلحاق، وأما حديث: الولد للفراش [16]، فكما قال ابن القيم: نحن أول القائلين به إن كان ثم فراشٌ، نحن نشترط للاستلحاق ألا تكون المرأة فراشًا، أما إذا كانت فراشًا، فالولد للفراش، لكن هذه المرأة غير متزوجةٍ، وأيضًا استدل ابن القيم بقصة جُريجٍ بدليلٍ عجيبٍ، تعرفون قصة جريجٍ، جريجٌ كان عابدًا، ومنقطعًا للعبادة في صومعته، فتعجب الناس من عبادته، وكان هناك امرأةٌ بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل يتمثل الناس بحسنها، قالت: والله لأغوينه، قالوا: ما تستطيعين، فذهبت إليه في صومعته، وتعرضت له بعدما تزينت وتهيأت، فلم يلتفت إليها، فذهبت لراعٍ حول الصومعة وأمكنته من نفسها فوقع بها، فحملت فولدت، وقالت: هذا من جريجٍ، وانظر إلى سرعة إساءة الناس الظن، يعني هذا رجلٌ عابدٌ منقطعٌ، فسرعان ما أساءوا به الظن، فهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، وهو لا يدري، قال: ما القصة؟ ما شأنكم؟ قالوا: أنت زنيت بهذه المرأة، وأنجبت هذا الولد، فقام وتوضأ وصلى ركعتين، وقال: ائتوني بهذا الولد، ثم طعن في بطنه، وقال: يا غلام، من أبوك؟ قال: فلانٌ الراعي، فأنطقه الله ، فجعلوا يُقبِّلون جريجًا ويتمسحون به، ويقولون: نعيد بناء صومعتك ذهبًا، قال: لا، بل أعيدوها كما كانت.
وجه الدلالة من هذه القصة، يقول ابن القيم: إن هذا الغلام لما أنطقه الله فقال: إن أباه فلانٌ الراعي، هذا إنطاقٌ من الله لا يجوز فيه الكذب، جعل أباه من؟ الزاني، ومع ذلك قال: إنه أبوه؛ لما قال: يا فلان، من أبوك؟ قال: فلانٌ الراعي، قال: وهذا إنطاقٌ من الله لا يجوز فيه الكذب.
أيضًا من الأدلة: أن ولد الزنا يلحق بأمه بإجماع العلماء، يلحق بأمه وينسب إليها، ويرثها وترثه، مع كونها قد زنت به، وقد وُجد الولد من ماء الزانيين جميعًا، واشتركا فيه، واتفقا على أنه ابنهما، فكيف يلحق بأمه، ولا يلحق بأبيه؟!
فإن قيل: إنه أبوه من الزنا، نقول: طيب هذه أمه من الزنا أيضًا، ما الفرق بين أبيه من الزنا وأمه من الزنا؟ لا فرق؛ ولهذا ابن القيم تعجب من هذا، قال: ما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدعه غيره! إلحاقه بأبيه من الزنا هذا محض القياس، كيف يلحق بأمه ولا يلحق بأبيه، وهذه أمه من الزنا، وهذا أبوه من الزنا؟!
ثم أيضًا إلحاقه بأبيه من الزنا فيه مصلحةٌ عظيمةٌ له، هذا الطفل ينتشل؛ لأن مجهول النسب تبقى هذه العقدة عنده، عقدة أنه مجهول النسب، ويتحطم منها، ويعيش بألمٍ شديدٍ، فكونه يلحق بأبيه فيه مصلحةٌ عظيمةٌ، وليس في ذلك ضررٌ، يعني ما المانع؟ ليس هناك دليلٌ شرعيٌّ يمنع، ولا حتى قياسٌ صحيحٌ، ما المانع من أنه يلحق بأبيه من الزنا؟! ما من شيءٍ يمنع من هذا؛ وعلى هذا: فالقول الراجح: أنه إذا لم تكن المزني بها فراشًا، واستلحقه الزاني أنه يلحق بأبيه، هذا هو القول الراجح الذي عليه جمعٌ من المحققين من أهل العلم.
إن ادعاه اثنان فأكثر معًا
قال:
وإن ادعاه اثنان فأكثر معًا؛ قدم من له بينةٌ.
من له بينةٌ يقدم فيلحق به.
فإن لم تكن؛ عُرض على القافة.
القافة: أناس يَعرفون الأنساب بالشبه، وكان يستعان بهم قديمًا كثيرًا، وأما في الوقت الحاضر، قلت الاستعانة بهم مع وجود البصمة الوراثية والحمض النووي.
فإن ألحَقَته بواحدٍ لحقه، وإن ألحقته بالجميع لحقهم.
يعني: القافة إن ألحقوه بواحدٍ لحقه، لكن إن ألحقوه بأكثر من واحدٍ، قالوا: والله هو يشبه فلانًا وفلانًا، فيلحق بالاثنين جميعًا، فيقال: فلان بن فلانٍ آل فلانٍ، وابن فلانٍ آل فلانٍ، بل جاء في روايةٍ عن الإمام أحمد: أن القافة لو ألحقته بثلاثةٍ ألحق بهم، نقول: فلان بن فلانٍ آل فلانٍ، وابن فلانٍ آل فلانٍ، وابن فلانٍ آل فلانٍ، وهذه من غرائب المسائل، وروي هذا عن عمر ، وكذلك روي عن عليٍّ .
والقول الثاني: أنه لا يمكن أن يلحق إنسانٌ بأكثر من أبٍ، وأن هذا مستحيلٌ، وهذا هو مذهب الشافعية، وهو القول الراجح، ويؤيده الطب الحديث؛ وذلك لأن الإنسان يُخلق من حيوانٍ منويٍّ واحدٍ، يلتصق بالبويضة فيلقحها، فيخلق الإنسان منه، كيف يكون أبوه أكثر من شخصٍ؟! هذا لا يمكن.
وفي وقتنا الحاضر لا نحتاج لهذه المسألة أصلًا؛ لأنه إن استغنى بالحمض النووي أو البصمة الوراثية، فينظر من يُلحِقه الحمض به، يكون هو أبوه، لكن قديمًا كانوا يحتاجون لهذه المسألة، فيظهر أن قول الشافعية أقرب، لا يمكن أن يكون للإنسان أكثر من أبٍ، حتى لو ألحقته القافة، معنى ذلك: أن القافة عندهم خطأٌ، يعني أحيانًا يكون الشبه كبيرًا، فيكون هناك خطأٌ، لكن أن يلحق إنسانٌ بأكثر من أبٍ، هذا بعيدٌ، كما قال الشافعية: بل يكاد يكون محالًا، والطب الحديث يؤيد ذلك.
وإن أشكل أمره؛ ضاع نسبه.
يعني: إن لم يَعرف القافة نسبه؛ يضيع نسبه، وكما ذكرنا أنه في الوقت الحاضر يغني عن ذلك البصمة الوراثية.
ويكفي قائفٌ واحدٌ، وهو كالحاكم؛ فيكفي مجرد خبره.
يعني: قوله ينفذ كالقاضي، بخلاف الشاهد، لا بد من شاهدٍ آخر معه.
بشرط كونه.
يعني: كون القائف.
مكلفًا ذكرًا عدلًا حرًّا، مجرَّبًا في الإصابة.
يعني: القيافة كما ذكرنا كالقضاء، فلا بد أن يكون القائف عدلًا، ويكون عاقلًا بالغًا ذكرًا حرًّا، ويكون معروفًا بالإصابة أيضًا، يعني عنده خبرةٌ في هذا المجال، وفي وقتنا الحاضر لا نحتاج لهذه المسألة؛ لأنه يغني عنها البصمة الوراثية.
كتاب الوقف
طيب نأخذ بعض ما تيسر من الوقف، قال المصنف رحمه الله:
كتاب الوقف
الوقف -أيها الإخوة- هو من أسرار نهضة المسلمين في العصور الماضية، والدولة الإسلامية قديمًا كانت تُعنى بحفظ الأمن الداخلي والخارجي، والتقاضي بين الناس فقط، وأما بقية الأمور فتعتمد اعتمادًا كليًّا على الأوقاف.
فالتعليم كان يعتمد على الأوقاف، الصحة على الأوقاف، بناء الطرق على الأوقاف، جميع ما يَحتاج إليه المجتمع من الخدمات على الأوقاف، الدولة فقط: حفظ الأمن الداخلي والخارجي، والتقاضي بين الناس، فأدى هذا إلى ازدهار الحضارة الإسلامية؛ لأن الأوقاف المسلمون يعتنون بها عنايةً كبيرةً، ويتنافسون عليها.
والوقف هو أفضل ما تبذل فيه الأموال، والدليل لذلك: أن عمر لما استشار النبي في أَنفَس مالٍ أصابه في حياته، أشار عليه النبي بالوقف [17]، قال العلماء: المستشار مؤتمنٌ، لو كان هناك شيءٌ أفضل من الوقف؛ لأشار به النبي على عمر .
تعريف الوقف لغةً واصطلاحًا
والوقف معناه في اللغة: الحبس، مادة الوقف تدور حول معنى الحبس.
واصطلاحًا: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
التحبيس يعني: الإمساك عن التصرفات من البيع والهبة، ونحو ذلك.
والأصل: هو ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه؛ كالعقارات ونحوها.
أما معنى التسبيل: يعني إطلاق المنفعة، يعني: الغلة الخارجة عن ذلك الأصل.
وأعظم الأوقاف: المساجد، كل المساجد تعتبر أوقافًا، أي مسجدٍ يعتبر وقفًا، وأبرز الفروق بين المسجد والمصلى: أن أرض المسجد موقوفةٌ، وأرض المصلى مملوكةٌ.
وكان الصحابة لهم عنايةٌ كبيرةٌ بالأوقاف، وكما ذكرنا عن وقف عمر ، قيل: إنه أول وقف في الإسلام، وأيضًا يعني: معظم الصحابة كانت لهم أوقافٌ؛ ولذلك يقول جابر : “لم يكن أحدٌ من أصحاب النبي ذو مقدرةٍ إلا وقف”.
وهكذا من كان بعدهم من التابعين وتابعيهم بإحسانٍ، وعلى كثرة الأوقاف في المجتمعات الإسلامية؛ إلا أننا عندما ننظر لها في وقتنا الحاضر؛ نجد أن أكثرها قد ضاع، فما السبب في ضياعها؟
المسلمون من عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى وقتنا الحاضر، ونحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري، في كل مصرٍ وعصرٍ لهم أوقافٌ عظيمةٌ، أين هذه الأوقاف، أين ذهبت؟ أكثرها ضاع، واعتَدى عليها من اعتَدى، وأخذها وباعها، فما السبب؟ ما أسباب ضياع الأوقاف؟
الطالب:…
الشيخ: هذا له عدة أسبابٍ، لكن من الأسباب: عدم إحسان النِّظَارة، ما يكون لهذا الوقف ناظرٌ يحميه، الوقف يحتاج إلى ناظرٍ يحميه؛ ولذلك ينبغي لمن أراد أن يوقف أن يحسن نِظَارته، وأن يعطي الناظر أجرةً حتى يتشجع، حتى يحمي هذا الوقف، وحتى يقوم برعايته وصيانته، ولا يعتدي عليه أحدٌ، لو اعتدى عليه أحدٌ؛ هو الذي يدافع عنه، يدافع عنه الناظر، لكن عندما لا يكون هناك ناظرٌ، أو يكون ناظرٌ متبرعٌ، وتنقطع النظارة على الوقف؛ يأتي من يتعدى عليه ويأخذه ويبيعه؛ ولذلك ضاعت أوقاف كثيرٍ من المسلمين لهذا السبب.
الوقف هو الصدقة الجارية المذكورة في قول النبي : إذا مات ابن آدم؛ انقطع عمله، إلا من ثلاثٍ.. وذكر منها: صدقة جارية [18]، جارية يعني: يجري ثوابها ما دام أن الوقف يُنتفع به.
قال:
بماذا يحصل الوقف؟
يحصل بأحد أمرين:
يعني: بالقول أو بالفعل، ابتدأ أولًا بالفعل.
بالفعل مع دليلٍ يدل عليه..
ومثل المؤلف لهذا بمثالين:
المثال الأول:
كأن يبني بنيانًا على هيئة المسجد ويَأذَنَ إذنًا عامًّا بالصلاة فيه.
يعني: يبني مسجدًا، ويأذن للناس بالصلاة فيه، فبمجرد ذلك؛ أصبح هذا المسجد وقفًا، لكن إذنًا عامًّا، أما لو كان إذنًا خاصًّا لا يكون وقفًا؛ كأن يكون مثلًا مصلًّى في قصرٍ، أو في بيتٍ، ويأذن للناس إذنًا خاصًّا، هذا لا يكون مسجدًا، إنما إذا كان الإذن عامًّا، أي أحدٍ يستطيع أن يصلي في هذا المكان، وهو على شكل مسجدٍ، أو مكانٍ يصلى فيه، فيكون وقفًا بمجرد الإذن العام للناس بالصلاة فيه، ولا يحتاج أن يقول: إنني أوقفت هذا المسجد، بمجرد أنه بنى له مسجدًا، وأذن للناس إذنًا عامًّا بالصلاة فيه؛ أصبح وقفًا.
المثال الثاني:
أو يجعل أرضه مقبرةً، ويأذن إذنًا عامًّا بالدفن فيها.
يجعل الأرض مقبرةً، أرضٌ مملوكةٌ له ويجعلها مقبرةً، ويأذن للناس إذنًا عامًّا بالدفن فيها، فتكون وقفًا، أما لو أذن إذنًا خاصًّا لا تكون وقفًا.
وبالقول.
يعني: ينعقد بالصيغة القولية.
وله.
لفظٌ.
صريحٌ وكنايةٌ.
الصريح قال:
صريحه:
ثلاثة ألفاظٍ عند الحنابلة، وهي:
وقفتُ، وحبست، وسبَّلت.
لأن هذه هي التي وردت فيها النصوص.
وأما الكناية: الكناية هي التي تحتمل معنى الوقف وغيره، مثل:
تصدقت، وحرَّمت، وأبَّدت.
فالكناية لا ينعقد الوقف بها، إلا إذا انضم لها واحدٌ من ثلاثة أمورٍ:
- الأمر الأول: النية؛ كأن يقول: تصدقت ببيتي هذا، وينوي أنه وقفٌ، أو يقول: حرمت بيتي هذا، وينوي أنه وقفٌ، أو أبَّدْت بيتي هذا، وينوي أنه وقفٌ.
- الثاني: أن يقترن بلفظ الكناية أحد الألفاظ الأخرى من الصريح أو الكناية؛ كأن يقول: تصدقت صدقةً موقوفةً، أو صدقةً محبَّسةً.
- الثالث: أن يقترن بأحد ألفاظ الكناية حكم الوقف، ما هو حكم الوقف؟ يعني: ألا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، يقول: تصدقت ببيتي هذا على ألا يباع، ولا يوهب، ولا يورث؛ فيكون وقفًا.
قال:
ما لم يقل: على قبيلة كذا، أو طائفة كذا.
يعني: فيكون وقفًا من غير حاجةٍ إلى نيةٍ؛ لأن هذا لا يستعمل في غير الوقف.
طيب، ثم انتقل المؤلف بعدُ إلى شروط الوقف.
طيب في بعض البلدان يسمون الأوقاف أحباسًا، بلدان المغرب العربي عندهم الأوقاف أحباسٌ؛ ولذلك حتى عندهم وزارة الأحباس، إدارة الأحباس، يسمى الوقف: “الحبس”، وهذا أحد الألفاظ الصريحة، عندنا ربما اشتهر كلمة “وقف”، لكن أيضًا عند العامة يستخدمون مصطلح التسبيل والسبالة، سبَّلت، فهذه كلها من الألفاظ الصريحة، أن يقول: وقفت، وحبست، وسبَّلت، هذه كلها ألفاظٌ صريحةٌ، ما عداها كنايةٌ.
ونقف عند شروط صحة الوقف.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ.
الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة:
الأسئلة
السؤال: يسأل عن نِشدان الضالة في المصليات؟
الجواب: إذا لم تكن مساجد؛ الذي يظهر: أنه لا يشمله النهي؛ لأن النهي خاصٌّ بالمساجد؛ ولذلك قال النبي : إنما بنيت لما بنيت له [19]، يعني: بنيت للعبادة، بخلاف المصليات، المصليات تكون مملوكةً، ولم تبن أصلًا للعبادة، وإنما أُذِن للناس بالصلاة فيها.
السؤال: إذا سجد الإمام سجدة تلاوةٍ، ولم ينتبه بعض المصلين، فركعوا ولم يعلموا بسجود الإمام حتى قام، فماذا يفعلون في هذه الحال، وهل يسجدون للتلاوة، وهل عليهم سجود سهوٍ؟
الجواب: إذا سجد الإمام سجود التلاوة، وبعض المصلين ركعوا، ثم لما قام الإمام تابعوا الإمام، فغاية ما فعلوا أنهم أتوا بفعلٍ زائدٍ، وهو هذا الركوع؛ لأنهم زادوا بذلك على صلاة الإمام، وهذا وقع من غير قصدٍ، فلا شيء عليهم، صلاتهم صحيحةٌ؛ لأنها صلاةٌ لم يتخلف فيها تركٌ؛ لأنها صلاةٌ لم يترك فيها شرطٌ، صلاةٌ لم يتخلف فيها شرطٌ ولا واجبٌ ولا ركنٌ، وإنما وقعت فيها أفعالٌ زائدةٌ بطريق الخطأ، فصلاتهم صحيحةٌ، وليس عليهم سجود سهوٍ.
السؤال: وليٌّ على أيتامٍ، وعنده مالٌ لهم، ويريد أن يعطي هذا المال أحد التجار الثقات يستثمر لهم فيه، ويأخذ نسبة (10%) على الربح، ويسأل: هل هذه النسبة تعتبر كبيرةً، وهل يشترط على التاجر بقاء رأس المال؟
الجواب: ولي اليتيم ينبغي له أن يستثمر أموال اليتامى؛ كما قال عمر: اتجروا بأموال اليتامى؛ كي لا تأكلها الصدقة، لكن يستثمر هذه الأموال في مجالاتٍ قليلة المخاطر، ولا يستثمرها في مجالاتٍ عالية المخاطر، فكونه يعطيها تاجرًا ثقةً للاستثمار، لا بأس بذلك.
أما قول الأخ الكريم: (10%) هل هي كبيرةٌ أم قليلةٌ؟
فهذا يُرجع فيه لأهل الخبرة، أهل الخبرة يقال لهم: هل أخذ (10%) يعتبر كثيرًا أم قليلًا؟ إذا قالوا: كثيرٌ؛ فلا يعطيه هذه النسبة، وإذا قالوا: إن هذا هو الذي عليه العمل في السوق؛ فلا بأس، فالمرجع في ذلك لأهل الخبرة.
وأما قول الأخ السائل: هل يشترط على التاجر بقاء رأس المال؟
لا يجوز ضمان رأس المال، ولا ضمان عدم الخسارة، وإنما التجارة المشروعة هي التي تكون قابلة للربح والخسارة، لا يضمن معها رأس المال، ولا يضمن معها تحقيق الربح.
السؤال: أيهما أفضل: رجل يصلي في مسجدٍ في الصف الأول، أم رجل يصلي في مسجدٍ به جنائز؛ لكن لا يلحق الصف الأول؟
الجواب: هنا تعارضت فضيلتان: فضيلة الصف الأول، وفضيلة شهود الجنائز، فأيهما أفضل؟
عندما نتأمل في النصوص الواردة؛ نجد أن شهود الجنائز أعظم أجرًا وفضلًا؛ لأن النبي يقول: من صلى على جنازةٍ؛ فله قيراطٌ [20]، والقيراط مثل جبل أحدٍ حسناتٍ وأجورًا، ثم أيضًا الصلاة على الجنازة فيها قيامٌ بحق أخيه المسلم، فنفعها أعظم من النفع القاصر بأن يصلي في الصف الأول؛ وعلى ذلك: فكونه يصلي في المسجد الذي يصلَّى فيه على الجنائز أفضل ولو لم تحصل له الصلاة في الصف الأول.
السؤال: يقول: لو انقلبت سيارة نقل البضائع، وكان صاحب الشاحنة لن يجمع ما سقط منها، فهل تكون مُسيَّبةً؟
الجواب: إذا وُجدت قرائن تدل على أن صاحب السيارة تركها رغبةً عنها؛ فلا بأس، أما إذا كان سيرجع إليها وسيأخذها، فالأصل أن هذا مالٌ محترمٌ لا يجوز أخذه، وبعض الناس يستغل مثل هذه المواقف، إذا أتى حادث سيارةٍ؛ يأخذون ما يتساقط، وهذا لا يجوز، الأصل أنه لصاحبه، إلا إذا قامت القرينة الدالة على أن صاحبه تركه رغبةً عنه.
السؤال: ما الأصل في الإنفاق: التبرع، أو الرجوع، قد ينفق وهو جاهلٌ، ولم ينو شيئًا؟
الجواب: إذا أنفق ولم ينو شيئًا، فينظر للقرائن؛ مثلًا أنفق لترميم بيت والده أو والدته، الأصل أنه متبرعٌ هذا هو الأصل، إلا إذا قال: إني نويت الرجوع، فإذا قال: نويت الرجوع، فيرجع على الورثة، لكن إذا لم توجد له نيةٌ، فالأصل أن من فعل ذلك لوالديه متبرعٌ، فهنا تُعمل القرائن في ذلك.
وقول الأخ: هل الأصل التبرع أو الرجوع؟
الأصل: هو التبرع، إلا إذا قال: إنني نويت الرجوع.
السؤال: هل تثبت الشفعة في الجدار الذي بينهما سورٌ مشتركٌ؟
الجواب: نحن قلنا فيما سبق: إن الشفعة تثبت بين الجارين فيما إذا كان بينهما حقٌّ مشتركٌ، لكن إذا كان السور مشتركًا، فهل يعتبر هذا من الحق المشترك الذي تثبت به الشفعة أم لا؟ الله أعلم.
السؤال: اشترى رجلان (فلتين دبلكس عظم)، فأكمل أحدهما التشطيب في نصيب جاره بطريق الخطأ، فهل له الرجوع عليه بطلب الأجرة؟
الجواب: نعم، يرجع عليه بطلب الأجرة، ما دام أنه أكمل البناء في ملك صاحبه، وهذا بنيِّة الرجوع؛ لأنه فعل ذلك يظن أن ذلك لنفسه، ولم يفعل ذلك بطريق التبرع، فإنه يرجع عليه.
السؤال: قاطعت أختي بسبب أنها كشفت وجهها، واشترطتُ أني لن أكلمها حتى تعود عن خطئها، ولي ثلاث سنواتٍ؟
الجواب: إذا كانت القطيعة ستؤدي إلى تركها للمعصية، فهنا لا بأس أن تستمر في الهجر والقطيعة؛ ولذلك النبي هجر الثلاثة الذين خُلِّفوا خمسين ليلةً، وأمر الصحابة بهجرهم، وكان لهذا الهجر أثرٌ كبيرٌ، وتابوا توبةً عظيمةً ذكرها الله تعالى في القرآن.
وأما إذا كانت هذه المقاطعة ليس لها أثرٌ، فالأصل أنه لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، لا يجوز لك أن تهجرها، وإنما إذا نصحتها برئت ذمتك، وتستمر في مناصحتها.
لكن لا تقاطعها؛ لأن قطيعتها قطيعة رحمٍ، وقطيعة الرحم من كبائر الذنوب، بل يجب عليك أن تصلها، وأن تستمر في نصحها.
السؤال: هل كاميرات المراقبة في المنازل تعتبر وسيلة إثباتٍ لدفع الصائل؟
الجواب: هي قرينةٌ، لكنها لا تعتبر دليلًا مستقلًّا؛ لأن الصور يعتريها ما يعتريها من التزوير والتلبيس، ونحو ذلك، فليست دليلًا قاطعًا، وإنما هي قرينةٌ.
السؤال: ما حكم التحديات التي تكون بين الأصدقاء، في حال فوز أحدهما يعطي الآخر مبلغًا من المال؟
الجواب: هذا من الرهان المحرم، الرهان لا يجوز إلا فيما ورد فيه النص، في قول النبي : لا سَبَق إلا في خفٍّ أو نصلٍ أو حافرٍ [21]، يعني: في الإبل والخيل والسهام، أما ما عدا ذلك فلا تجوز المراهنات، فكون أحدهما يقول للآخر: أتحداك على كذا، وإذا غلبه في التحدي يلزم صاحبه بدفع مبلغٍ ماليٍّ؛ هذا لا يجوز، هذا من الميسر، أو عشاء مثلًا، أو إقامة وليمةٍ، كل هذا من الميسر، لا يجوز، لكن لو فعل ذلك شخصٌ من جهةٍ خارجيةٍ، أو شخصٌ ليس طرفًا في التحدي، هناك تحدٍّ، شخصٌ قال: من فعل كذا؛ فله كذا، فهذا لا بأس به، ويدخل ذلك في الجعالة، أما أن يكون من الأشخاص أنفسهم الذين وقع بينهم التحدي؛ فهذا لا يجوز.
السؤال: إذا كان والدي يُسَرُّ إذا أخبرته أني أحضر الدروس، فهل إخباره يُعَدُّ رياءً؟
الجواب: لا يعد رياءً، بل يعتبر هذا من بر الوالد، أي شيءٍ تُدخل به السرور على والديك؛ يعتبر من البر بهما، وأي شيءٍ تدخل به الإساءة على والديك؛ يدخل ذلك في العقوق لهما، هذه قاعدةٌ، كلما أدخلت السرور على والديك؛ فهذا من البر، وكلما أدخلت الإساءة على والديك؛ فهذا من العقوق.
السؤال: هل يجوز تسبيل الوقف لك ولأبنائك؟
الجواب: نعم، ترتيب الوقف، تقول: هذا الوقف أوقفته عن نفسي، وعن أبنائي من بعدي مثلًا، أو يسمي من شاء، لا بأس بذلك، فالواقف يَشترط ما شاء، له أن يشترط في وقفه ما شاء، وله أن يستثني ما شاء.
السؤال: كيف يكون قضاء من فاتته ركعتان من صلاة المغرب؟ هل يجلس بينهما للتشهد؟
الجواب: ما أدركه مع الإمام هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته على القول الراجح، فإذا فاتته ركعتان معنى ذلك أنه أدرك ركعةً، وإذا أدرك ركعةً مع الإمام، وسلم الإمام؛ يقوم ويأتي بركعةٍ، فتكون الركعةَ الثانيةَ في حقه؛ فيجلس للتشهد، ثم يقوم ويأتي بالركعة الثالثة، ويجلس للتشهد، ومعنى ذلك أنه جلس كم تشهدًا؟ ثلاث تشهداتٍ، هو أدرك ركعةً مع الإمام، وجلس معه للتشهد، ثم لما سلم الإمام؛ قام وأتى بالركعة الثانية في حقه، وجلس للتشهد، وهو التشهد الأول، ثم قام وأتى بالركعة الثالثة، وجلس للتشهد الأخير، فأتى بثلاث تشهداتٍ: التشهد الأول لأجل المتابعة، والتشهد الثاني هو التشهد الأول في حقه، والتشهد الثالث هو التشهد الأخير، ربما لو أدرك التشهد الأول تكون أربع تشهداتٍ.
السؤال: هل يكون اللقيط مَحرمًا للمرأة الملتقِطة؟
الجواب: لا يكون محرمًا؛ ولذلك ينبغي عند التقاط من كان دون الحولين، أن ترضعه المرأة الملتقطة، أو إحدى قريباتها، حتى يكون ابنًا لهم من الرضاع.
السؤال: ما ضابط معرفة أولياء الله ؟ كيف أعرف أن فلانًا من أولياء الله؟
الجواب: هذه أمور غيبيةٌ لا يعلمها إلا الله، لكن يمكن أن يستدل بالقرائن، إذا كان هذا الإنسان معظمًا لشريعة الله ، محافظًا على الواجبات، عنده ورعٌ، وعنده زهدٌ، وعنده خوفٌ من الله سبحانه، وأيضًا عنده قبولٌ لدى الناس، تجد أن أكثر الناس يحبونه، فهذه قد تكون من أمارات أنه من أولياء الله ، فمن كان مؤمنًا تقيًّا؛ كان لله وليًّا؛ كما قال سبحانه: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29]، يعني: أثر السجود يظهر على الإنسان في سمته، في شخصيته، في مظهره: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، فيمكن أن يعرف ذلك بالقرائن، لكن أيضًا لا يقطع بهذا؛ لأن هذا من الأمور الغيبية.
السؤال: قول النبي عن ضالة الغنم: خذها، أشكل عليَّ، مع قول المذهب: الأفضل تركها.
الجواب: نحن ذكرنا الخلاف في ذلك؛ الجمهور يرون أن الأفضل التقاطها، والمذهب يقولون: الأفضل تركها، والقول الذي رجحناه في “السلسبيل” التفصيل؛
إن كان يخشى عليها؛ فالأفضل أخذها والتقاطها، وإن كان لا يخشى عليها؛ فالأفضل تركها؛ لأن السلامة لا يعدلها شيءٌ.
السؤال: ما رأيكم في الذين يأخذون حذاء الآخرين في الدورات العلمية أو في الجُمَع، يذهب بها لقضاء الحاجة؟
الجواب: هذا لا يجوز، هذا من التعدي، تأتي وتأخذ حذاء الآخرين، وتذهب به لدورة المياه، وربما تقع عليه نجاسةٌ، فهذا لا يجوز، لا يحل مال امرئٍ مسلمٍ إلا بطيبةٍ من نفسه، فالإنسان يستخدم حذاءه الخاص به، ولا يستخدم أحذية الآخرين، وربما أن صاحب الحذاء..، بعض الناس عندهم تحسسٌ شديدٌ من هذه المسألة، ربما أنه يقع في نفسه ويغضب كثيرًا، بعض الناس ربما لا يهتم كثيرًا، لكن هناك أناسٌ عندهم تحسسٌ شديدٌ من هذا الموضوع، أن أحدًا أخذ حذاءه وذهب به إلى دورة المياه، فيتحسس من ذلك تحسسًا شديدًا؛ ولذلك على المسلم أن يحترم الآخرين، ويحترم حقوقهم وأموالهم، ويتأكد هذا في حق طالب العلم، هذا لا يليق بطالب علمٍ، لا يليق بطالب علمٍ أنه يأخذ أحذية الآخرين، ويدخل بها دورة المياه، فأين أثر العلم؟
لا بد أن يظهر أثر العلم على طالب العلم في كل شيءٍ، ومن ذلك في احترامه للآخرين ولخصوصياتهم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 2428، ومسلم: 1722، بنحوه. |
---|---|
^2 | رواه أبو داود: 1717. |
^3 | رواه البخاري: 2431، ومسلم: 1071. |
^4 | رواه مسلم: 1072. |
^5 | رواه مسلم: 137. |
^6 | رواه البخاري: 2097، ومسلم: 715، بنحوه. |
^7 | رواه مسلم: 1725. |
^8 | رواه أبو داود: 1718. |
^9, ^10, ^13, ^14 | سبق تخريجه. |
^11 | رواه مسلم: 568. |
^12, ^19 | رواه مسلم: 569. |
^15 | رواه البخاري: 112، ومسلم: 1355. |
^16 | رواه البخاري: 2053، ومسلم: 1457. |
^17 | رواه البخاري: 2737، ومسلم: 1632. |
^18 | رواه مسلم: 1631. |
^20 | رواه البخاري: 1325، ومسلم: 945. |
^21 | رواه أبو داود: 2574، والترمذي: 1700، والنسائي: 3585، وابن ماجه: 2878، وأحمد: 10138. |