logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(63) باب الوقف- من قوله: “وشروط الوقف سبعة..”

(63) باب الوقف- من قوله: “وشروط الوقف سبعة..”

مشاهدة من الموقع

النبي يقول: مَن يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين[1]، إذا وجدت من نفسك حرصًا على التفقه في الدين، وحرصًا على طلب العلم، ومحبة لذلك، فهذه أمارة إن شاء الله على أنه أريد بك الخير، ومفهوم هذا الحديث: أن من لم يُرَد به الخير لا يُوفَّق للفقه في الدين.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما عملتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا. ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

في هذا اليوم الثالث والعشرين من شهر صفر، من عام ألف وأربعمائة وأربعة وأربعين للهجرة.

تتمة باب الوقف

ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد بدأنا في الدرس السابق بالوقف، ووصلنا إلى شروط صحة الوقف.

شروط صحة الوقف

قال المصنف رحمه الله:

وشروط الوقف سبعة:

وهذه عُرِفَت بالاستقراء.

أحدها: كونه.

يعني: كون الوقف.

من مالِكٍ جائزِ التصرف، أو مَن يقوم مقامه.

وسبق أن مرَّ معنا هذا المصطلح “جائز التصرف”، ما المقصود به؟

الطالب: …

الشيخ: أحسنت، الحر المكلف الرشيد، أو من يقوم مقامه؛ كالوكيل مثلًا، وهذا شرط مُجمَع عليه.

الثاني: كون الموقوف عينًا يصح بيعها، ويُنتفَع بها نفعًا مباحًا مع بقائها.

أي: أن يكون الموقوف مما يُنتفع به انتفاعًا مستمرًّا، مع بقاء عينه؛ كالعقار مثلًا، وكالسيارة، وكالكتب، والأثاث، ونحو ذلك.

أما ما لا ينتفع به إلا بإتلافه، فلا يصح وقفه؛ ولهذا قال المصنف:

فلا يصح وقف مطعوم.

(مطعوم) يعني: هل يصح وقف طعام؟ شيء يؤكل؟ يقول: إنه لا يصح.

ومشروب.

لو أراد أن يوقف عصيرًا مثلًا، يقول: لا يصح.

غير الماء.

الماء استثنوه مع أنه مشروب، قالوا: يصح وقفه.

ولا وَقْفُ دُهْن، وشمع، وأثمان، وقناديلِ نقدٍ على المساجد، ولا على غيرها.

لأن هذه الأشياء لا ينتفع بها إلا بإتلافها، فلا يصح وقفها، فلا بد في الوقف من أن يكون ينتفع به مع بقاء أصله، وهذا هو المذهب عند الحنفية والشافعية والحنابلة.

وعللوا لذلك بأن ما لا ينتفع به إلا بإتلافه، فإنه لا يراد به الدوام، والوقف لا بد أن يراد به الدوام، حتى يكون صدقة جارية.

وذهب بعض العلماء إلى أنه يصح وقف ما لا يُنتفع به إلا بإتلافه، وهذا هو المشهور من مذهب المالكية، واختار هذا القول الإمام ابن تيمية رحمه الله، وقال: تسميته وقفًا بمعنى أنه وقف على تلك الجهة، لا ينتفع به في غيرها، لا تأباه اللغة، وهو جائز في الشرع.

والقول الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني قول المالكية، وهو أنه يصح وقف ما لا ينتفع به إلا بإتلافه، بدليل أن عامة العلماء أجازوا وقف الماء، والماء لا ينتفع به إلا بإتلافه، بشربه، فإذا كان يصح وقف الماء، فما الذي يمنع من صحة غيره؟!

فإن قال قائل: إذا كان هذا الوقف لا ينتفع به إلا بإتلافه، فما الفائدة منه؟ ما الفائدة من هذا الوقف؟

الجواب: أنه له فائدة، وهي تحديد الجهة الموقوف عليها، فإذا قال مثلًا: هذا التمر وقف، أو هذا البَخُور وَقْفٌ على هذا المسجد، أو هذا الماء وقف على هذا المسجد، فهنا يتحدد هذا الشيء لهذا المسجد، فلا يجوز أن يُصرف لغيره، وهذه فائدة كبيرة.

بعض الناس يأتي ببَخُور يقول: هو وقف على هذا المسجد، فعلى قول الجمهور: لا يصح أن يكون وقفًا، وعلى القول الراجح: يصح أن يكون وقفًا.

بعض الناس يأتي بتمر ويضعه في المسجد، يقول: وقف على المسجد، فعلى قول الجمهور لا يصح، وعلى القول الراجح يصح.

الماء عند الجميع يصح وقفه، فإذن ما لا ينتفع به إلا بإتلافه القول الراجح أنه يصح وقفه، وله فائدة، وهي تحديد الجهة التي أُوقِف عليها.

الطالب: …

الشيخ: الجمهور يعتبرونه صدقة، لكن على القول الراجح لا يعتبر صدقة، يعتبر وقفًا.

الطالب: …

الشيخ: إي نعم، هو الفائدة منه تحديد الجهة، يعني لا يجوز أن يُصرَف لغير هذه الجهة، يقال: لهذا المسجد، هو لهذا المسجد، لهذه المدرسة؛ لا يجوز أن يصرف لغيره.

حكم وقف النقود

طيب، عندنا مسألة وقف النقود، كأن يكون عند الإنسان مبلغ مثلًا مائة ألف ريال، يقول: هذه وقف لإقراضها لمن احتاج إليها من المسلمين، فيستلفها فلان ثم يُرجعها، ثم يستلفها فلان، ثم يُرجعها وهكذا، فما حكم وقف النقود؟

قولان للفقهاء:

  • القول الأول: أنه لا يصح، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.
  • والقول الثاني: أنه يصح، وهو مذهب المالكية، لاحِظوا أن المالكية يكونون -يعني- في كثيرٍ من مسائل الوقف مُقابِلين للجمهور، والإمام ابن تيمية ذكر أن مذهب المالكية في المعاملات أجود المذاهب الأربعة، وعلَّل ذلك، من يذكر التعليل؟ نعم، لماذا كان مذهب المالكية أجود المذاهب الأربعة في المعاملات؟ نعم.

الطالب: …

الشيخ: أحسنت؛ لأن الإمام مالكًا أخذه عن سعيد بن المسيب، الذي يقال: إنه أفقه الناس في البيوع.

طيب، الجمهور قالوا: إنه لا يصح وقف النقود، وعللوا بأنه لا يُنتفع بها إلا بإنفاقها، وأن النقود أيضًا لا تتعين بالتعيين.

القول الثاني: أنه يصح وقف النقود، وهو مذهب المالكية، ورواية عند الحنابلة، وهو القول الراجح؛ لأن تحبيس الأصل يكفي فيه معناه، وهذا متحقق في وقف النقود، والنقود أيضًا لا تتعين بالتعيين، خاصة في وقتنا الحاضر، يعني قديمًا كانت النقود والدراهم والدنانير، تأتي مسألة: هل تتعين أو لا تتعين؟

وأما في وقتنا الحاضر أصبحت أوراقًا نقدية متساوية، المائة ريال التي عندي هي مثل المائة الريال التي عندك تمامًا، فيعني في وقتنا الحاضر نقول: النقود لا تتعين بالتعيين؛ لأن التي عندي هي التي عندك، هي التي في البنك، هي نفسها.

فالقول الراجح إذن: أنه يصح وقف النقود، ولا مانع من ذلك، والقول بصحة وقف النقود يمكن أن تؤخذ منه أفكار لنفع المسلمين، من ذلك: أن تُؤسَّس جمعيات خيرية لإقراض المحتاجين، مثلًا هذه الجمعية يكون فيها مبالغ نقدية موقوفة لإقراض المحتاجين، وتوضع آلية لضمان السداد، فهذا المبلغ يُقرَض لفلان ثم يرجعه، ثم يقرض لفلان ثم يرجعه، ويبقى هكذا، ويكون هذا المبلغ وقفًا، أو مثلًا لمساعدة الراغبين في الزواج مثلًا، أو لغير ذلك، المهم أن وقف النقود على القول الراجح أنه يصح.

لو أن رجلًا أيضًا يعني قال: بدل ما أُوقِف عقارًا، أنا أُوقِف مبلغًا نقديًّا، فمثلًا أَوْقف له مائة ألف ريال، قال: هذه وقف لله تعالى.

فينبغي -يعني- أن الناظر يستثمرها، ويصرف ريعها في مصارف الوقف، لكن المائة الألف تبقى، يبقى هذا الأصل يُستثمَر ويُتاجَر به، وما يأتي من أرباحٍ يُصرَف في مصارف الوقف، فعلى القول الراجح أن هذا يصح، ما المانع من هذا؟

فإذن؛ القول الراجح هو صحة وقف النقود.

الطالب: …

الشيخ: جمعية تقوم بإقراض الناس، نعم، هذا -طيب يعني- يمكن أن يُتوسَّع في ذلك في إنشاء جمعيات خيرية من فكرة وقف النقود، ما دمنا رجحنا الآن أن وقف النقود هو القول الراجح، وهو الذي اختاره كثيرٌ من المحققين من أهل العلم، فيمكن أن تبرز أفكار لمنفعة المسلمين من فكرة جواز وقف النقود.

الثالث:

من الشروط:

كونه على جهة بر وقربة: كالمساكين والمساجد، والقناطر والأقارب.

فمِن شروط صحة الوقف: أنه إذا كان على جهة، وليس على فرد، الكلام على الفرد سيأتي. على جهة؛ لا بد أن يكون على جهة بر.

ومثَّل المؤلف لجهة البر: بالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب، يعني جهة من جهات البر، فلا يكون على جهة مُحرَّمة.

ولهذا؛ قال المؤلف:

فلا يصح على الكنائس، ولا على اليهود والنصارى، ولا على جنس الأغنياء أو الفُسَّاق.

ومِثل ذلك الوقف على الأضرحة والقبور ونحو ذلك، فلا يصح أن يكون الوقف على جهة معصية لله ​​​​​​​.

لكن، هنا قول المؤلف (الأغنياء)؛ يعني: المؤلف يعني ذكر مع الكنائس واليهود والنصارى والفُسَّاق، ذكر الأغنياء، فما وجه اعتبار الوقف على الأغنياء ليس جهة بر؟

الطالب:

الشيخ: نعم، الأغنياء ليسوا بحاجة لأن يقف عليهم، بل الأغنياء هم الذين يوقفون على الآخرين، ما الداعي إلى أن توقف على الأغنياء؟! يوقف على الفقراء، يوقف على -مثلًا- طلبة العلم، يوقف على -يعني- جهة بِرٍّ. لكن، ما الداعي إلى أن يوقف على الأغنياء؟

الطالب:

الشيخ: طلبة العلم؛ تشجيعًا لطلب العلم. طيب، أما لو وقف، الآن، الوقف لا بد أن يكون على جهةٍ، جهةِ بِرٍّ، لكن إذا كان الوقف على فرد، انتقل المؤلف للكلام عنه.

هل يصح الوقف على فرد معين؟

أما لو وقف على ذمي، أو فاسق، أو غنيٍّ مُعيَّن؛ يصح.

إذا كان على -يعني- فرد، أو على شخص معين؛ فلا يُشترط البر؛ ولذلك الفقهاء يفرقون بين الوقف على الجهة والوقف على الفرد، الوقف على الجهة لا بد أن يكون على جهة بر، أما على الفرد فلا يشترط أن يكون على بر، فيصح الوقف على الذمي، ويصح الوقف على الفاسق، ويصح الوقف على الغني، كل هذا لا بأس به.

لكن غير المسلم إذا وُقف عليه، لا بد أن يكون غير حربيٍّ؛ إما أن يكون ذِمِّيًّا، أو مستأمنًا، أو معاهدًا، وصَفِيَّة بنت حُيَيٍّ زوجة النبي قالت لأخٍ لها يهوديٍّ: أسلِم ترثني. فأراد أن يُسلم، فقال له قومه: أتبيع دينك بالدنيا؟ فأبى أن يسلم.

سبحان الله! بعض الناس يخشى مِن مَلَامة غيره، ملامة المجتمع، ملامة أصحابه، ملامة أقاربه، وهم لن ينفعوه شيئًا، فتَرَك الإسلام مع أنه يظهر أنه مقتنع، لكن تركه لأجل الناس.

مثل أبي طالب، قال:

ولقد علمتُ بأنَّ دِين محمدٍ من خير أديان البَرية دِينًا

طيب، ما دمتَ علمتَ؛ لماذا لا تُسلِم؟ قال:

لولا المَلَامَة أو حَذَارُ مَسَبَّة لوجدتني سَمْحًا بذاك مُبِينًا

خشي مِن مَلامة الناس، هل نَفَعَه الناس؟ ما نفعه الناس؛ ولذلك كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: له شراكان يَغْلي منهما دماغه، وهو مِن أهون أهل النار عذابًا[2]؛ بشفاعة النبي له، ليس لأنه عمه، عمه أبو لهب سيصلى نارًا ذات لهب، وإنما لدفاعه العظيم عن النبي عليه الصلاة والسلام، وعن الإسلام، دافع دفاعًا عظيمًا، لدرجة أنه يُضحِّي بابنه، يجعل ابنه في فراش النبي عليه الصلاة والسلام.

فمِن تمام عدل الله أنه قَبِل شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام في التخفيف عنه فقط، ومع ذلك عليه شراكان يغلي منهما دماغه، فأبو طالب كان يعرف الحق، لكن ما اتبع الحق خشية ملامة الناس.

وأيضًا هنا أخو صفية أراد أن يُسلِم، فلامَه قومه فلم يُسلِم، لكن يعني هل نفعهم الناس؟ لم ينفعهم الناس؛ لذلك الإنسان إذا اقتنع بالشيء ينبغي أن يُقدِم عليه ولا يخشى ملامة أحد.

فلما أبى أن يُسلِم أوصت له بالثلث، والصحيح في القصة أنها أوصت له، أما ما ذُكر في بعض كتب الفقه أنها وقفت عليه، فهذا لا يثبت، بل ليس له أصل، الوارد في كتب السنة والآثار أنها أوصت له، لكن في “منار السبيل” وفي “الروض” أنها أوقفت على أخ لها، هذا لا أصل له بلفظ الوقف، وإنما بلفظ الوصية.

حكم الوقف على الكافر

ولأن الكافر تجوز الصدقة عليه، إذا جاز الصدقة عليه جاز الوقف عليه.

أو فاسق.

حتى لو وقف على فاسق صح؛ لأنه إذا جاز الوقف على الكافر، فعلى الفاسق من باب أولى.

أو غني.

يصح الوقف على الغني المعين، بخلاف جهة الأغنياء؛ لأنه إذا جاز الوقف على الكافر، فعلى الغني المسلم من باب أولى.

الوقف على النفس

الرابع: كونه على مُعيَّنٍ غير نفسه…

لا بد أن يكون الوقف على معين، فلا يكون مبهمًا؛ ولذلك المؤلف سيبين -يعني- الوقف على المجهول، سيذكر هذا أنه لا يصح، ولا على من لا يملك، لكن استثناء النفس، قال: (غير نفسه).

هذه، مسألة الوقف على النفس، اختلف فيها العلماء، فالجمهور قالوا: إنه لا يصح الوقف على النفس، والقول الثاني: إنه يصح، الجمهور قالوا: لا يصح الوقف على النفس؛ لأن الوقف الوارد في قصة عمر وغيره، إنما هو وقفٌ على الغير، فجميع النصوص الواردة فيها الوقف على الغير؛ ولأنه عقد يقتضي زوال الملك، فكالبيع فلا يصح، كما أنه لا يصح أن يبيع الإنسان لنفسه، ولا أن يهب لنفسه، فكذلك لا يوقف على نفسه.

والقول الثاني: أنه يصح الوقف على النفس، وهو مذهب الحنفية، واختاره ابن تيمية، وجمع من المحققين من أهل العلم، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقالوا يعني استدلوا بأدلة، منها: عثمان لما وقف بئر رُومَة، وجعل دَلْوه مع دِلَاء المسلمين؛ فمعنى ذلك أنه سيكون أحد مصارف هذا الوقف.

والنبي عليه الصلاة والسلام قال: من يشتري بئر رومة، فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة[3] فاشتراها عثمان ، ولا تزال بئر رومة إلى الآن، رأيتها بنفسي موجودة الآن في المدينة، لا تزال معروفة وموجودة إلى الآن؛ ولأن عمر وقف دارًا له سكنها إلى أن مات، والزبير كذلك، فهذا مأثور عن السلف.

طيب، ما الفائدة من الوقف على النفس؟

الفائدة من الوقف على النفس: ألا يبيعها، يقول: أنا أوقف هذا البيت على نفسي، بحيث إنه ما يبيعها ولا يهبها، تبقى، ويذكر مصارفها؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر: للواقف أن يشترط لنفسه جزءًا من ريع الموقوف؛ لأن عمر شرط لمن وقفه أن يأكل منه بالمعروف، ويُستنبط منه صحة الوقف على النفس، فالقول الراجح هو صحة الوقف على النفس.

يعني هذا إنسان عنده سوء تدبير، وقال: أنا أريد أن أُمسك بعض الأموال، هذا البيت سأجعله وقفًا، أوقفته على نفسي، على أن أسكن فيه مثلًا طوال حياتي، أن يكون بعد مماتي يُصرف ريعه في كذا، أو يَسكن فيه ذريتي، وإذا لم يحتَجْ إليه أحدٌ يكون في كذا وكذا، فهذا لا بأس به على القول الراجح، ما المانع من هذا؟

فالقول الراجح إذن صحة الوقف على النفس.

ثم ذكر المؤلف احترازات من هذا الشرط، قال:

فلا يصح الوقف على مجهول؛ كرجل، ومسجد، أو على أحد هذين.

لأنَّ الوقفَ تمليكٌ، وتمليك غير المعين لا يصح، لكن قول المؤلف: (ومسجد)، يقصد مسجدًا غير معين، ولكن هذا التمثيل يعني فيه إشكال؛ لأن الإنسان يمكن أن يوقف وقفًا ويقول: هذا لأي مسجد من المساجد، ما المانع من هذا؟

ولو أن المؤلف مثَّل بغير هذا لكان أحسن، لو قال مثلًا: كرجل من الناس، أو على أحد هذين، أو نحو ذلك.

أما المسجد فيمكن أن يكون مبهمًا، ويصح الوقف، فلو قال: أوقفت هذا الشيء على أي مسجد من المساجد؛ فيصح، ما المانع؟ يصرف لأي مسجد، فهذا التمثيل من المؤلف بذكر المسجد يعني هذا محل نظر.

طيب، كيف يصح الوقف على المساجد وهي لا تملك؟

هذا الإشكال أورده الموفق ابن قدامة في “المغني” وأجاب عنه، وقال: الوقف إنما هو على المسلمين، لكن عيَّن نفعًا خاصًّا لهم، يعني إذا قال: “وَقْف على المسجد”، المقصود على من يرتاد المسجد من المسلمين، فيزول الإشكال.

وقوله:

ولا على نفسه.

تكلمنا على الوقف على النفس، وقلنا: الراجح جوازه وصحته.

ولا على من لا يملك.

لا يصح الوقف على مَن لا يملك. ومثَّل المُؤلِّف له بأمثلةٍ.

كالرقيق ولو مكاتبًا، والملائكة، والجن، والبهائم، والأموات.

هؤلاء لا يَملكون، فلا يصح الوقف عليهم؛ لأن الرقيق وما مَلَك لسيده، لو قال: “هذا وَقْف على الملائكة”، الملائكة ما تملك، كيف توقف عليها؟! أو على الجن؟! يخشى من ضرر الجن فأوقف عليهم وقفًا، أو على البهائم.

يعني لا تتعجبوا، يعني رأينا في الحج عجائب من هذا، رأينا مَن حج عن النبي عليه الصلاة والسلام، ورأينا من حج عن أبي بكر، ومن حج عن عمر، ومن حج.. يعني فقلنا: أنت أولى بأن تحج عن نفسك.

فتجدون مثل هذه -يعني- الافتراضات التي يذكرها الفقهاء، قد تقع من بعض الناس، فيعني ليست مستبعدة.

وقوله:

ولا على الأموات.

يعني المقصود أن الوقف يكون على الميت نفسه، كالوقف على القبر، أو الوقف على الضريح، هذا هو المقصود، وليس المقصود أنه يوقف وقفًا لله ويجعل ثوابه لميت؛ فإن هذا يصح، وهذا ليس هو مقصود المؤلف.

ولا على الحمل استقلالًا، بل تبعًا.

يعني: لا يصح الوقف على الحمل استقلالًا؛ لأن الوقف تمليك، والحمل لا يملك استقلالًا، لكنه يصح على وجه التبع.

حكم الوقف المعلق

الخامس: كون الوقف مُنجَّزًا، فلا يصح تعليقه إلا بموته، فيلزم من حين الوقف، إن خرج من الثلث.

عند الحنابلة أنه لا يصح الوقف المعلق، كأن يقول مثلًا: بيتي هذا وَقْفٌ إذا دخل شهر رمضان، أو بيتي وقف بعد شهر، أو بعد سنة، أو إن شفى الله مريضي فبيتي هذا وقف.

وعللوا لذلك؛ قالوا: لأن الوقف نَقْلٌ للمِلك فيما لم يُبْنَ على التغليب والسِّرَاية، فلم يَجُز تعليقه على شرطٍ في الحياة كالهبة.

لكن هذا التعليل تعليل محل نظر؛ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنه يصح الوقف مع التعليق مطلقًا، وهذا هو القول الراجح، واختاره ابن تيمية وجمع من المحققين من أهل العلم؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على المنع.

وأما قولهم: إنه نقلٌ للمِلك فيما لم يُبْن على التغليب والسراية، نقول: وما الذي يمنع مِن ذلك؟ حتى وإن كان كذلك؛ ولذلك حتى في البيع، في البيع يمنعون من التعليق، تعليق العقود، الجمهور عمومًا -وليس الحنابلة فقط- يمنعون من تعليق العقود، والصحيح جوازه وصحته.

فلو قال مثلًا: بيتي هذا وقف إذا دخل شهر رمضان، فالقول الراجح أنه يصح، وإذا دخل شهر رمضان أصبح وقفًا، لو قال: إن شفى الله مريضي فبيتي هذا وقف، فعلى المذهب لا يصح، لكن على القول الراجح يصح.

الطالب: حتى وإن مات قبل..

الشيخ: حتى وإن مات قبله، نعم.

استثنى الحنابلة من التعليق: صحة التعليق بموته، فلو قال: إن مت فبيتي وقف؛ فهذا يصح، لكن يكون من الثلث، حكمه حكم الوصية.

لكن، هل يكون الوقف المعلق بما بعد الموت لازمًا كالوقف المُنجَّز أو أنه ليس بلازم، أي: لا يلزم إلا بالموت كالوصية؟

الوصية لا تَلزم إلا بالموت، له أن يُلغيها في أيِّ وقتٍ، الوقف المُنجَّز يلزم من حينه، إذا قال: هذا الشيء وَقْف، خرج مِن مِلكه لله .

حكم الوقف المعلق بالموت

طيب، الوقف المعلق بالموت، قال: إن مت فبيتي وقف، هل نقول: حكمه حكم الوصية لا يلزم إلا بعد الموت، أو يلزم من حين التلفظ به؟ هذا محل خلاف.

فمِن العلماء مَن قال: إن حكمه حكم الوصية، فلا يلزم إلا بعد الموت، وهذا قول الجمهور. والقول الثاني: أن حكمه حكم الوصية في كونه من الثلث، إلا أنه يكون لازمًا من حين التلفظ به، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو القول الراجح.

طيب، ثمرة الخلاف في هذه المسألة:

ثمرة الخلاف تظهر لو قال: بيتي هذا وقف بعد موتي، فإذا قلنا: حكمه حكم الوصية، فيجوز أن يتراجع فيه وأن يلغيه، وإذا قلنا: حكمه حكم الوقف، لا يجوز أن يتراجع، نقول: هو لازم من الآن، لكن حكمه حكم الوصية في كونه يُخرَج من الثلث فقط.

طيب، ما الفائدة في أن يقول: بيتي وقف بعد موتي؟ لماذا لا يوقفه الآن؟

بعض الناس ربما أنه لا يريد أن يكون يُصرَف في مصارف الوقف إلا بعد مماته، فيُجريه مجرى الوصية في ذلك، لكن يريد أن يُلزم نفسه، يخشى من التردد، يخشى من العوارض، يريد أن يوقفه من الآن، لكنه لا يصرف في مصارفه إلا بعد وفاته.

إذن، يأخذ حكم الوصية في شيء واحد فقط، وهو كونه من الثلث، ما عدا ذلك فهو وقف.

السادس: ألا يشرط فيه ما ينافيه.

ثم مثَّل المؤلف لذلك:

كقوله: وقفتُ كذا على أن أبيعه أو أهبه متى شئتُ، أو بشرط الخيار لي، أو بشرط أن أُحوِّله من جهة إلى جهة.

إذا شرط ما ينافي الوقف فإنه لا يصح، إذا قال: هذا وقف بشرط أن أبيعه متى ما شئتُ، فلا يصح الوقف بهذا الشرط؛ لأن هذا شرط ينافي مقتضى العقد، مقتضى عقد الوقف أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث.

حكم الوقف المؤقت

السابع: أن يقفه على التأبيد، فلا يصح: وقفته شهرًا، أو إلى سنة، ونحوها.

الوقف المؤقت، هذا رجل يقول: أنا عندي عقار، أريد أن أوقفه لمكتب الدعوة، أو لحلقة التحفيظ، لكن لمدة سنة، أو لمدة خمس سنوات، وَقْفًا في هذه المدة ثم يرجع إليَّ. هذا يسميه العلماء الوقف المؤقت، ما حكمه؟

القول الأول: أنه لا يصح، وهو قول الجمهور، ومنهم الحنابلة، والقول الثاني: أنه يصح الوقف المؤقت، وهذا مذهب المالكية، قالوا: ما المانع من صحته؟ كما أنه يصح الوقف مؤبدًا، فيصح مؤقتًا.

والخلاف في هذه المسألة خلاف قوي، فقول الجمهور له وجاهته؛ لأن ظاهر النصوص يقتضي التأبيد، والتأقيت ينافي التأبيد، وفي قصة عمر: أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وهذا صريح في التأبيد، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه وقف وقفًا مؤقتًا.

لكن أيضًا قول المالكية له وجاهته، المالكية يقولون: تجري عليه أحكام الوقف ما دام في المدة التي وقفها، هو قال: وَقْفٌ لمدة خمس سنوات، فخلال الخمس السنوات لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، حكمه حكم الوقف، إذا انتهت خمس سنوات يرجع لما كان عليه قبل الوقف، ما المانع من هذا؟

وأنا وقت تأليف الكتاب، يعني قلتُ: الأقرب وهو قول الجمهور، لكن بعد يعني الاطلاع على هذه المسألة أكثر، ومناقشتها مع بعض طلبة العلم، الذي يظهر -والله أعلم- أن الأقرب هو قول المالكية؛ لأن الوقف المؤقت فيه منافع عظيمة، وفيه فوائد، وفيه مصالح كبيرة.

بعض الناس إذا قيل له: يصح أن توقف وقفًا مؤقتًا، سيتجشع، يقول: أنا أريد أن أوقف بيتي مثلًا لهذه الجهة مكتب الدعوة؛ لحلقة تحفيظ لمدة مثلًا خمس سنوات، أو عشر سنوات، لكن أريد أن يرجع لي بيتي بعد ذلك؛ ولأنه ليس هناك مانع يمنع من صحة الوقف المؤقت.

وما ذكره الجمهور، يقال: إن هذه الأحكام تنطبق على الوقف مدة كونه وقفًا، وأما بعد انتهاء المدة فلا تنطبق، يعني لا يباع ولا يوهب ولا يورث، نقول: طوال مدة الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث، خلال هذه الخمس السنوات، أو العشر السنوات، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، تنطبق عليه أحكام الوقف تمامًا. لكن، بعد هذه المدة يرجع لصاحبه ويتحرر من الوقف.

فالذي يظهر -والله أعلم- أن قول المالكية أقرب.

الطالب:

الشيخ: وقف نعم، هذا الآن الشيخ محمد يذكر قصة في هذا، يقول: أحد المحسنين أعطانا أربع شقق.

الطالب:

الشيخ: في جمعية البر؟

الطالب:

الشيخ: في جمعية البر، أعطاهم هذه الشقق، وقال: لمدة خمس سنوات، وهي وقف، فعلى قول الجمهور: أنه لا يصح، لكن على قول المالكية يصح. هذه الآن يعني واقعةُ عينٍ أمامنا الآن، فالقول بالصحة فيه تشجيع للمحسنين على أن يوقفوا هذه الأوقاف.

ثم أيضًا الأهم من هذا كله: ما المانع من الصحة؟ كل أحكام الوقف نقول: خلال هذه المدة تجري، خلال خمس سنوات لا يباع ولا يوهب ولا يورث، لكن بعد خمس سنوات ترجع لصاحبها.

فالذي يظهر لي -والله أعلم- هو أن قول المالكية في هذا أنه أقرب، وأنه يصح الوقف المؤقت، ولعلنا إن شاء الله في الطبعة القادمة يعني نعدل في الترجيح بإذن الله تعالى.

مصرف الوقف المنقطع

قال:

ولا يُشترط تعيين الجهة، فلو قال: “وقفتُ كذا” وسكتَ؛ صح، وكان لورثته من النَّسَب على قدر إرثهم.

هذه المسألة يُعبَّر عنها بمَصْرَف الوقف المنقطع، المؤلف يقول: إنه لا يُشترط تعيين الجهة، لو قال: “وقفتُ” وسكتَ؛ يصح، ويكون هذا لورثته الأقارب من النسب، وهذه المسألة يسميها الفقهاء مصرف الوقف المنقطع.

مصرف الوقف المنقطع له عدة صور، منها هذه الصورة التي ذكرها المؤلف: أن يقول: “هذا الشيء وَقْفٌ” ويسكت، فإذا قال: “وقف” وسكت؛ ينصرف على المذهب لأقاربه ولورثته.

ومن صور الوقف المنقطع: أن تزيد غلة الوقف على المصرف الذي عيَّنه الواقف، كأن يقول مثلًا: بيتي هذا وقف، ويُصرف ريعه في أضحيتين أو في ثلاث أضاحٍ.

ثم إن ريع هذا الوقف يزيد على قيمة الأضاحي، طيب المقدار الزائد أين يُصرف؟

فهذه المسألة يسميها العلماء مصرف الوقف المنقطع، وهي مسألة يكثر السؤال عنها؛ لأنه قديمًا كان بعض الناس يوقف وقفًا، ويجعل الوقف في حجة وأضحية، فكثير من الناس يعني على هذه الطريقة، ثم يزيد ريع الوقف، يكون ريع الوقف أكثر بكثير من الأضحية والحجة، فكيف يتصرف بريع الوقف الزائد.

هذه هي مسألة مصرف الوقف المنقطع، وللعلماء فيها قولان:

  • القول الأول: أن مصرف الوقف المنقطع يكون لورثة الواقف من النَّسَب على قدر إرثهم، يعني يُوزَّع توزيع الميراث، فهذا الذي أوقف مثلًا هذا العقار في أضحيتين، الزائد على الأضحيتين يصرف على ورثته بقدر الإرث، وهذا هو مذهب الحنابلة، وقرره المؤلف هنا، قالوا: لأن الوقف مصرفه البر، وأقاربه أولى الناس ببره.
  • القول الثاني: أن مصرف الوقف المنقطع هو الفقراء والمساكين، وهذا القول رواية عند الحنابلة، واختاره الموفق ابن قدامة رحمه الله في “المغني”، وهذا هو القول الراجح؛ وذلك لأن الفقراء والمساكين هم مصرف الصدقات، كما يقول الموفق، هم مصرف حقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها؛ ولأن هذا هو الغالب على مقاصد الواقفين.

فالواقف يريد أن يصرف في وجوه البر، لو كان الواقف يريد أن يرجع ريع هذا الوقف للورثة لَمَا أوقفه أصلًا، كونه أوقفه أراد أن يُخرجه مِن مِلكه لله ويصرف في جهات البر.

وعلى هذا؛ فالقول الراجح أن مصرف الوقف المنقطع يكون للفقراء والمساكين، كما قال الشيخ ابن سعدي: إنه يكون للفقراء والمساكين، لكن إذا كان في أقاربه فقراء فهم أحق من غيرهم.

وعلى هذا نقول: هذا رجل أوقف بيته، وحدد مصارف، قال: يُصرف في أضحيتين لي، وفي صيانته وفي كذا، وسكت، ونفترض أن ريع هذا الوقف عشرون ألفًا، طيب إذا صرف في أضاحٍ وفي حجة وفيما حدده، نفترض مثلًا صرف خمسة آلاف وبقي خمسة عشر ألفًا من ريع هذا الوقف، كيف يتصرف فيها؟

على المذهب: تُصرف لورثته على قَدْر الإرث، وعلى القول الراجح تُصرف للفقراء والمساكين.

هذه المسألة يسميها العلماء مصرف الوقف المنقطع.

متى يلزم الوقف؟

ثم قال المصنف رحمه الله:

فصل: ويلزم الوقف بمجرده، ويملكه الموقوف عليه، فينظر فيه هو.

(يلزم الوقف بمجرده)؛ يعني: بمجرد الصيغة يلزم الوقف، فإذا قال: وقفتُ بيتي هذا، أو سبَّلت بيتي هذا، أو أتى بأية صيغة من صيغ الوقف؛ فيكون قد خرج مِن مِلكه لله ، وأصبح وقفًا بمجرده، ولا يُشترط للزومه إخراجه عن يد الواقف، فلو قال: “بيتي هذا وَقْفٌ”، وهو ساكنٌ في البيت؛ يكون وقفًا حتى وإن كان ساكنًا فيه، ويكون الناظر عليه هو، يكون هو الناظر لهذا الوقف.

أو وليه.

إذا كان الموقوف عليه محجورًا عليه، إذن الناظر يكون بحسب ما يحدده الواقف، فإن لم يحدد الواقف ناظرًا؛ يكون الموقوف عليه هو الناظر، فإن كان محجورًا عليه؛ فيكون وليه هو الناظر.

ما لم يشرط الواقف ناظرًا فيتعيَّن.

إذا سمى الواقف ناظرًا فيتحدَّد ويتعيَّن، وسيأتي الكلام عن النِّظَارة بالتفصيل.

مصرف الوقف

ويتعيَّن صرفه إلى الجهة التي وُقِفَ عليها في الحال.

يتعيَّن صرفه في الشيء الذي وُقِفَ عليه، إذا وُقِفَ على المساجد فلا بد أن يُصرَف في المساجد، لا يصرف لأي جهة أخرى، فلا يصرف مثلًا في مكاتب الدعوة، ولا يصرف في حلقات التحفيظ، ولا يصرف في أي جهة أخرى، إذا حدَّد المسجدَ لا بد أن يكون في المسجد، فيلتزم بشرط الواقف.

ما لم يَستثنِ الواقفُ منفعتَه أو غلتَه، له أو لولده أو لصديقه، مدة حياته أو مدة معلومة؛ فيُعمل بذلك.

هذه مسألة مهمة، وفيها تشجيع للناس على الأوقاف، بعض الناس يريد أن يوقف لكنه يتردد، يقول: أخشى أني أحتاج، فهنا الفقهاء يقولون: لا بأس أن توقف، ويجوز لك أن تستثني منفعة الوقف لك طوال حياتك، تقول: بيتي هذا وقف بشرط: أن منفعته تكون لي طوال حياتي، أتصرف بها كما أشاء؛ فهذا لا بأس به، وهذا يشجع الناس على الأوقاف.

طيب، ماذا يستفيد من هذا الوقف؟ يستفيد من هذا الوقف أنه لا يتصرف فيه، لا يبيعه، لا يهبه، أصبح وقفًا، لكن منفعته وغلته اشترط أن تكون لنفسه، فيقول: هذا البيت وقف، على أن تكون غلته لي في حياتي، أتصرف فيها كما أريد، وبعد مماتي تصرف غلته في كذا وكذا؛ فهذا لا بأس به.

ونص عليه المؤلف هنا، قال: (ما لم يستثن الواقف منفعته أو غلته له) يعني: فيصح ذلك (أو لولده) أو قال: لي ولأولادي (أو لصديقه) قال: لي ولأولادي ولصديقي فلان (مدة حياته أو مدة معلومة؛ فيعمل بذلك).

هذه المسألة ينبغي إشاعتها بين العامة، حتى يتشجعوا على الأوقاف، فإنه إذا قيل للإنسان: يجوز لك أن توقف ما تريد، وأن تستثني الانتفاع بهذا الوقف طوال حياتك فيما تريد، هذا سيكون مشجعًا.

وأذكر أني ذكرتُ هذا لأحد الإخوة، وكان مترددًا، رأيتُ منه التردد، فقلتُ له: ما الذي يمنعك من الوقف؟ قال: الذي يمنعني أنني أخشى أن أحتاج في المستقبل، ولا أدري ما الذي يَعرِض لي. فقلتُ له: أَوْقِف هذا العقار، واشترِط أن منفعته لك طوال حياتك، وبعد مماتك يُصرَف في وجوه البر.

ففعل، فكتب: أنَّ هذا وقف لله ، وعلى أن تكون منفعته لي طوال حياتي، أتصرف فيها كما أريد، وبعد مماتي تُصرَف في كذا وكذا وكذا.

فهذه المسألة فيها يعني تشجيع للناس على الأوقاف.

الطالب:

الشيخ: لا، ما يشترط أن يكون في حدود الثلث بهذه الصورة؛ لأنه أوقف في زمن الصحة، وهو حر في زمن صحته، هو حر، فالإنسان في زمن الصحة حر في ماله، حتى لو أراد أن يتصدق بماله كله، أو يوقف ماله كله، إنما في مرض الموت أو فيما كان بعد الموت هذا الذي يتحدد بالثلث.

الطالب:

الشيخ: لا، الوقف على النفس يقول: أوقفت على نفسي، لكن هذا يقول: أوقفت هذا العقار واستثنيتُ منفعته لنفسي، فالحنابلة يمنعون الوقف على النفس، لكن يجيزون هذه الصورة.

الطالب:

الشيخ: لها فوائد، يعني بعض الناس يقول مثلًا: أنا لا أدري ما الذي يعرض لي، ربما يأتيني الموت مفاجأة، أنا أريد أن أضمن الآن أني أوقفت وقفًا، وأخشى أن أوقف وقفًا وأحتاجه في المستقبل، فأريد أن أوقف وأضمن أني أوقفتُ، لكن أستثني نفسي في الانتفاع بهذا الوقف طوال حياتي.

ففيها منفعة عظيمة، فيقول: أنا أريد الآن أن أحتاط، أنا أريد أن أوقف، وأيضًا أحتاط لنفسي؛ لأنني قد أحتاج، فأستثني نفسي في الاستفادة من الغلة.

فهذه المسألة يعني مسألةٌ فيها التشجيع لكثيرٍ من الناس على الوقف.

إذا قيل: إنه يجوز لك أن تستثني منفعة الوقف لك طوال حياتك، سيتشجع كثيرٌ من الناس؛ لأن الذي يمنع كثيرًا من الناس من الوقف، يقول: إني أخشى أن أحتاج لهذا الشيء في المستقبل.

حكم الوقف إذا انقطعت الجهة الموقوف عليها

قال:

وحيث انقطعت الجهة، والواقف حيٌّ، رَجَع إليه وقفًا.

يعني: لو أوقف على جهة، فانقطعت الجهة ولم يبقَ منها أحدٌ، فالموقوف يرجع إلى الواقف ما دام حيًّا، ويكون وقفًا عليه.

يعني هذا رجل أَوْقَف على -مثلًا- مدرسة تحفيظ، ثم إن هذه المدرسة أُلغيت، ما أصبح فيه مدرسة لأيِّ سببٍ من الأسباب، فيرجع هذا الوقف للواقف ويُصبح وقفًا عليه، ويكون هذا حكمه حكم مصرف الوقف المنقطع، فعلى قول الحنابلة في وصف الوقف المنقطع: أنه يكون لورثة الواقف، وعلى القول الراجح: يكون مصرفه للفقراء والمساكين.

نقول: ما دام أن هذه الجهة أُلغيت، إذن يصرف هذا الوقف للفقراء والمساكين.

ومَن وقف على الفقراء فافتقر؛ تناول منه.

هذا رجل كان غنيًّا، وتغيرت الدنيا، الدنيا سريعة التغير والتقلب، فهو كان أوقف على الفقراء، فأصبح فقيرًا، فيكون له أن يتناول من هذا الوقف ويأخذ منه؛ باعتبار أنه فقير يكون مستحقًّا لهذا الوقف.

ولا يصح عتق الرقيق الموقوف بحال.

إذا كان هذا الرقيق موقوفًا، لا يصح أن يعتق؛ لأن العتق يُبطل الوقف.

لكن لو وطئ الأمَة الموقوفة عليه حَرُم.

لو كان الوقف أمةً فوطئها، يعني رجل مثلًا أعطى آخر أمَةٍ لتخدمه للخدمة فقط، لكنه وطئها؛ فإنه يأثم بذلك، لكنها لا تعتق.

فإن حملت صارت أم ولد تعتق بموته.

إن حملت تكون أم ولد، وأم الأولاد على المذهب أنها تعتق بمجرد كونها أم ولد.

وتجب قيمتها في تركته يشترى بها مثلها.

يعني: ويكون وقفًا.

الشروط في الوقف

ثم انتقل المؤلف للكلام عن الشروط في الوقف، والشروط في الوقف: هي ما يشترطه الواقف في وقفه؛ كأن يشترط شروطًا في بيان مصرف الوقف، ومن ينتفع به، والنِّظَارة في الوقف، ونحو ذلك.

وعندنا شروط الوقف، والشروط في الوقف، نظير ذلك شروط البيع، والشروط في البيع، شروط النكاح، والشروط في النكاح، ما الفرق بين شروط الوقف، والشروط في الوقف؟ ما الفرق بين شروط الوقف والشروط في الوقف؟

الطالب:

الشيخ: إي نعم، أحسنت، شروط الوقف هي الشروط السبعة السابقة، التي ذكرناها في أول الدرس.

الشروط في الوقف: ما يشترطه الواقف: وقفت هذا الوقف بشرط أن يُصرف في كذا، أن الناظر عليه في كذا، أنْ -مثلًا- يكون لي منه كذا، ونحو ذلك؛ يعني ما يشترطه الواقف من شروط.

فإذن؛ شروط الوقف هي الشروط السبعة السابقة، التي إذا تخلف واحدٌ منها لم يصح الوقف. وأما الشروط في الوقف فهي ما يشترطه الواقف في وقفه من النظارة أو الريع أو نحو ذلك.

وأيضًا من الفروق: أن شروط الوقف يتوقف عليها صحة الوقف، لو تخلَّف واحدٌ منها لم يصح الوقف، بينما الشروط في الوقف لا يتوقف عليها صحة الوقف، بل حتى لو وقف وقفًا بدون شروط، بدون أن يشترط فيه شيئًا؛ صح.

وأيضًا من الفروق: أن شروط الوقف كلها صحيحة، أما الشروط في الوقف قد يكون بعضها صحيحًا، وبعضها غير صحيح.

لاحِظ: أن الفروق هي -يعني- قريبة من الفروق بين شروط البيع والشروط في البيع، وشروط النكاح والشروط في النكاح، فهذه المصطلحات ينبغي أن يفهمها طالب العلم، شروط الشيء والشروط في الشيء.

ما ضابط الشروط الصحيحة؟

الشروط الصحيحة: هي ما وافَق مقتضى العقد ولم يُبْطله الشارع أو ينهى عنه.

لاحِظ: نفس الضابط في الشروط الصحيحة في البيع، تذكرون الشروط الصحيحة في البيع، نفس الضابط، ونفس الضابط أيضًا في الشروط الصحيحة في النكاح.

والشروط الفاسدة: ما خالف مقتضى العقد، أو أبطله الشارع، أو نهى عنه.

يعني مثال للشروط الفاسدة: لو قال: “هذا العقار وَقْفٌ، على أن أبيعه متى أشاء، وأهبه متى أشاء”، هذا شرط فاسد؛ لأنه ينافي مقتضى عقد الوقف. أو مثلًا يقول: “هذا وقف على أولادي الذكور دون الإناث”، فهذا شرط فاسد، لا يجوز تخصيص الذكور دون الإناث. أو “وقف على أولادي من هذه الزوجة، دون أولادي من الزوجة الأخرى”، فهذا الشرط شرط فاسد.

ما المرجع في مصرف الوقف؟

ويرجع في مصرف الوقف إلى شرط الواقف.

مصرف الوقف يعني ريع الوقف، يُرجع فيه إلى شرط الواقف، فإذا قال الواقف: يُصرف في كذا وكذا، يُعمل بشرطه كما نص.

فإن جُهل عُمل بالعادة الجارية، فإن لم يكن فبالعرف، فإن لم يكن فالتساوي بين المستحقين.

إن لم يُعرف شرط الواقف يُنظر للعادة، فإن لم يكن فبالعرف، هنا المؤلف ذكر العادة والعرف، فما الفرق بين العادة والعرف؟ هنا العادة تتعلق بالشخص، والعرف يتعلق بجماعة من الناس، بالمجتمع.

فإذن؛ يُرجع أولًا لشرط الواقف، فإن لم يمكن فبالعادة، الشخص نفسه، عادته المستقرة المعروفة عنه، فإن لم تُعرف فبالعرف، يُرجع للعرف، فإن لم يكن فبالتساوي بين المستحقين الموقوف عليهم.

يعني قال: بيتي هذا وقف على أولادي، فيكون بينهم بالتساوي، بين الأولاد الذكور والإناث.

ويُرجَع إلى شرطه في الترتيب بين البطون أو الاشتراك.

يعني لو قال: “على أولادي، ثم أولادهم، ثم أولاد أولادهم”؛ فيُرجع لذلك؛ لأنه رتَّب البطون بهذه الطريقة، يعني البطن الأول ثم الثاني ثم الثالث، أو قال مثلًا: أولادي وأولاد أولادي جميعًا، يعني مشتركين؛ فيصح، المهم أنه يُعمل بشرط الواقف كما أراد.

وفي إيجار الوقف أو عدمه، وفي قدر مدة الإيجار، فلا يُزاد على ما قدَّر.

يعني: ما قاله الواقف يُعمل به، في إيجار الوقف، وفي عدم إيجاره، في المدة، وفي كل ما ذُكر.

معنى “نص الواقف كنص الشارع”

ونص الواقف كنص الشارع، يجب العمل بجميع ما شَرَطَه.

هذه عبارة يذكرها الفقهاء: “نص الواقف كنص الشارع”، يجب العمل بجميع ما شَرَط، لا بد أن تُفهم على الوجه الصحيح:

“نص الواقف كنص الشارع”، إذا قيل في وجوب العمل، فهذا كما قال ابن تيمية وابن القيم هذا كلام خطير، أن يجعل كلام البشر مثل كلام الله في وجوب العمل. وهذا ربما يؤثر حتى على عقيدة القائل.

لكن الفقهاء لا يريدون ذلك، إنما يريدون نص الواقف كنص الشارع في الفهم والدلالة، في تقييد المطلق، وتخصيص العام، ونحو ذلك، وليس في وجوب العمل، لا يجوز أن تجعل نصوص البشر كنصوص الشارع، ولا يجوز أن تُعطَى نصوص البشر قدسية كنصوص الشارع، هذا لا يجوز، وهذا خلل في المعتقد، وهذا حتى في غير الوقف.

يعني بعض الناس يُعطي الأنظمة قدسية مثلما يعطي القرآن والسنة، وهذا لا يجوز، هذا خلل كبير، فالقرآن والسنة لهما قدسية، وهي من عند الله ، ومن عند رسول الله ، وما قاله الله وما قاله رسوله حقٌّ قطعًا، سواء عرفنا الحكمة أو لم نعرفها: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]؛ لأننا عِبَادٌ لله ، وعلى يقين بأن الله أحكم الحاكمين.

أما نصوص البشر فلا تُجعل كنصوص الشارع في القدسية وفي وجوب العمل.

وعلى هذا نقول: إن مقصود الفقهاء بقولهم: “نص الواقف كنص الشارع”، أي: في الفهم والدلالة؛ كتخصيص العام، وتقييد المطلق، ونحو ذلك، وليس في وجوب العمل. وابن تيمية وابن القيم لهما كلام طويل في -يعني- التعليق على هذه الجملة، لكن ينبغي أن تُحمل المَحْمل الحسن، وهو أن المقصود في الفهم والدلالة، وليس في وجوب العمل.

 ما لم يُفضِ إلى الإخلال بالمقصود.

يعني: ما لم يؤدِّ اتباعُ شرط الواقف إلى الإخلال بالمقصود الشرعي من الوقف، فلا يُعمل بشرطه، كما مثَّلنا، كما لو قال: هذا وقف بشرط أن أبيعه متى ما شئت، فهذا شرط غير صحيح.

فيُعمل به فيما إذا شَرَط: ألا يَنزل في الوقف فاسقٌ، ولا شرير، ولا ذو جاه.

يعني: هذا مثال: لو شرط ألا ينزل في هذا الوقف فاسق، قال: هذا وقف للفقراء والمساكين، لكن بشرط أنه ما يدخل فيه فاسق، أو شرير، أو ذو جاه، يعني يريده للفقراء، ما يريد ذوو الجاه والثراء أن يدخلوه؛ فله شرطه.

وإن خَصَّص مقبرة، أو مدرسة، أو إمامتها، بأهل مذهب، أو بلد، أو قبيلة؛ تخصصت.

عملًا بشرطه، قال: “هذه المقبرة لأهل البلد الفلاني، مقبرة مثلًا لأهل الدرعية”؛ يصح هذا الشرط، فلا يُدفن فيها إلا مَن كان مِن أهل الدرعية مثلًا. أو مدرسة خصَّصها ببلد معين، أو بقبيلة معينة؛ فله شرطه، أو خصَّصها مثلًا بالحنابلة، أو بالشافعية والمالكية؛ فله شرطه.

لا المُصلِّين بها.

لو قال: هذا المسجد لا يُصلي فيه إلا آل فلان؛ هذا شرط غير صحيح، أو لا يصلي فيه إلا من كان حنبليًّا؛ هذا شرط غير صحيح؛ لأن المسلمين كلهم سواء، فكلهم يصلون في المساجد، من أي مذهب، ومن أي قبيلة، ومن أي ملة.

ولا إن شرط عدم استحقاق مَن ارتكب طريق الصَّلاح.

كأن يقول: “أوقفت هذا الوقف إلا على الصالحين”، فهذا الشرط شرط غير صحيح، أو “أوقفتُ هذا الوقف إلا على من كان ملتحيًا”، يعني هذه قد تقع من بعض الناس، هذه مسائل مفترضة، لكن قد تقع، فالفقهاء يوردونها على سبيل الافتراض.

ثم انتقل المؤلف للكلام عن النِّظَارةِ، والنظارةُ أمر مهم في الوقف، ونحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري، والمسلمون في كل عصرٍ ومصرٍ يتسابقون على الأوقاف، وفي عصر الصحابة يقول جابر: “لم يكن أحدٌ من أصحاب النبي ذا مقدرة إلا وقف”.

أين أوقاف المسلمين اليوم؟

لكن عندما ننظر للواقع: أين أوقاف المسلمين اليوم؟ أين ذهبت؟ والوقف معروف أنه لا يُباع، ولا يوهب، ولا يورث، حبيس ما دامت السماوات والأرض، فأين أوقاف المسلمين؟ ضاع كثير من أوقاف المسلمين. ما السبب في ضياعها؟

الطالب:

الشيخ: السبب أنه تُعُدِّيَ عليها، أتى أناس وتعدوا عليها، وأخذوها وتملَّكوها، وباعوها ووهبوها، ووُرثت عنهم، فلم يكن لهذه الأوقاف مَن يحميها.

ولذلك؛ ينبغي لمن أوقف وقفًا أن يُرتِّب النظارة؛ لأجل حماية الوقف؛ ولأجل إصلاح الوقف أيضًا، فما لم يجعل له ناظرًا، والأحسن أن يكون ناظرًا بأجر حتى يتشجع، وإلا فإن هذا الوقف ستمتد إليه الأيادي وتأخذه، والإنسان مجبول على حب المال: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، فأين أوقاف المسلمين الآن؟

يعني في القرن الخامس عشر الهجري، ضاعت أكثر أوقاف المسلمين، والسبب كما ذكرنا: هو التعدي عليها.

ولذلك؛ ينبغي لمن أوقف وقفًا أن يرتب أمر النظارة، ويجعل أجرة للناظر حتى يتشجع على القيام على هذا الوقف، وعلى حمايته أيضًا، فلا أحد يتعدى عليه.

وينبغي أن يرفع حتى الأجرة والمكافأة حتى يتشجع؛ لأن الآن الملاحظ أن -يعني- بعض مَن يُوقِف يقول: الناظر مثلًا الأصلح مِن أولادي أو كذا، ويتدافعون كلٌّ لا يريد النظارة؛ لأنه يرى أنها عبء ومسؤولية، لكن لو جَعل فيها أجرة، لو قال: “على أن يكون للناظر عشرة في المائة”؛ سيكون هذا فيه تشجيع على تَوَلِّي النِّظَارة، وعلى القيام بشؤون الوقف، وعلى حمايته أيضًا، وهذا هو الأهم، أن يحمي الوقف مِن أن يتعدَّى عليه أحدٌ.

أحكام النظارة في الوقف

طيب، الفقهاء يذكرون أحكام النظارة لأهميتها، قال:

ويُرجع في شرطه إلى الناظر.

يعني: هذه عبارة غير واضحة بهذا الإطلاق؛ ولذلك في كُتُب الحنابلة يعني كما في “الإقناع” يذكرون عبارة أوضح من هذا، قالوا: ويُرجَع إلى شرطه أيضًا في الناظر فيه، يعني: في تعيين الناظر، يُرجَع في شرط الواقف في الناظر. لعل هذا هو مقصود المؤلف، أو ربما يكون فيها تصحيفٌ، فتحتاج مقارنةً بين النسخ.

لكن، نرجع لكتب الحنابلة الأخرى، يذكرون هذه العبارة: ويُرجع إلى شرطه أيضًا في الناظر فيه، يعني أن الواقف هو الذي يُعيِّن الناظرَ، فالناظر هو الذي يقوم على شؤون الوقف، ويتولى حِفظه وصَرْف غلَّته، ويقوم بحمايته.

شروط الناظر في الوقف

ويُشترط في الناظر خمسةُ أشياء:

أولًا:

الإسلام.

هذا شرطٌ لا بد منه، إذا كان الوقف على مسلم أو على جهة، أما إذا كان الوقف على كافر معين، فيجوز أن يجعل الناظر فيه لكافر.

الشرط الثاني:

التكليف.

 لأن غير المكلف غير مؤهل للنظر في حاله وفي نفسه، ففي حال غيره مِن بابٍ أولى.

والشرط الثالث:

الكفاية للتصرف، والخبرة به، والقوة عليه، فإن كان ضعيفًا ضُم إليه قويٌّ أمين.

يعني: يكون عند الناظر قدرة وكفاية وخبرة، فإن كان الناظر ضعيفًا لا يُحسن إدارة الوقف، يُضم إليه قوي أمين، والقوة والأمانة هما رُكْنَا الولاية والإدارة، وجميع نظريات الإدارة قديمًا وحديثًا ترجع إلى قول الله تعالى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26].

القوة والأمانة هما ركنا الإدارة، فإذا وُجد قوي أمين، هذا هو الذي ينفع الله به، يكون أمينًا ويكون قويًّا في المجال الذي وُلِّي فيه، أما إذا لم يكن قويًّا؛ بأن كان ضعيفًا، ينبغي أن يَعتذر، لا يقبل ولاية أي شيء حتى الوقف.

ولهذا؛ قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أُحِب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يتيمٍ[4].

طيب، أبو ذر، عندما نقرأ في ترجمته، عنده شدة، كان إذا قال رأيًا ما يقبل رأيًا آخر، وإذا قال للصحابة: لا يجوز لأحد أن يكنز فوق ثلاثة أيام، وينكر على مَن كنز فوق ثلاثة أيام، كيف قال النبي عليه الصلاة والسلام له: إني أراك ضعيفًا؛ يعني: معروف أن عنده حِدَّةً في الرأي.

الطالب:

الشيخ: الإصرار على الرأي ضعف، القوة في المرونة، أن الإنسان ما يصر على رأيه، يجعل فيه مجالًا، مجالًا للمشاورة، يأخذ ويتراجع عن رأيه، ويأخذ برأي فلان، هذه هي القوة، أما كونه سيُصر على رأيه فهذا ضعف.

ولهذا؛ قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر: إني أراك ضعيفًا؛ لأن هذا معروف عن أبي ذر، أنه يتمسك برأيه ، هذه شخصيته، يعني الإنسان خُلِق هكذا، فرضي الله عنه، النبي عليه الصلاة والسلام أوصاه بألا يتأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تولَّيَنَّ مالَ يتيم.

الطالب:

الشيخ: القوة أن الإنسان يكون عنده قدرة على أن يأخذ برأي غيره، بالنسبة لقصة أبي ذر، يكون عنده مرونة، لكن بالنسبة يعني عندما قلنا: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26]، القوة: يعني أن يقوم بعمله بكفاءة، هذا معنى القوة.

الطالب:

الشيخ: نعم، قُلْ: قدرة وأمانة، قوة وأمانة، فيكون أمينًا ويقوم بعمله على أكمل وجه، فيكون عنده كفاءة، المقصود بالقوة الكفاءة.

هل يشترط الذكورة والعدالة في الناظر؟

قال:

ولا تُشترط الذكورة.

لا يُشترط في الناظر أن يكون ذكرًا، يصح أن يكون الناظرُ امرأةً؛ ولهذا عمر جعل نِظَارةَ وقفه لحفصة ابنته، ثم للأكابر من آل عمر.

ولا العدالة، حيث كان بجَعْلِ الواقف له، فإن كان من غيره فلا بد فيه من العدالة.

لا تُشترط العدالة ولا الأمانة في ناظر الوقف، إذا كان الواقف هو الذي عيَّنه، فإذا كان الواقف عيَّن ناظرًا، لكن هذا الناظر فاسق، فيقول الفقهاء: إنه يُضم لهذا الفاسق أمينٌ لحِفظ الوقف، لكن لا يُنزَع الوقفُ مِن يده.

أما إذا لم يُعيِّنه الواقف، وإنما الذي عيَّنه مثلًا الحاكم، فلا بد من العدالة في الناظر.

حكم الواقف إذا لم يُسَمِّ ناظرًا

فإن لم يشرط الواقف ناظرًا، فالنظر للموقوف عليه مطلقًا حيث كان محصورًا.

طيب، الواقف لم يُسَمِّ ناظرًا، إذن يكون الناظر هو الموقوف عليه، بشرط أن يكون محصورًا، كأن يقول: بيتي هذا وقفٌ على فلان، ففلان هو الناظر.

وإلا فللحاكم.

إذا كان الوقف على غير المحصور، كأن يقول: بيتي على الفقراء والمساكين، كأن يقول: بيتي وقفٌ على الفقراء والمساكين، فتكون النِّظارة للحاكم، الحاكم له الولاية العامة على الأوقاف.

ولا نظر لحاكمٍ مع ناظرٍ خاصٍّ.

يعني: ليس للقاضي ولاية على الوقف مع وجود ناظر خاص، فالناظر الخاص أولى من نظر الحاكم، وهذا هو الذي عليه العمل: أن الوقف إذا كان له ناظرٌ خاص، لا تتولى المحكمة النظارة، ولا هيئةُ الأوقاف النظارةَ، إنما الناظر الخاص مُقدَّم.

لكن له أن يعترض عليه إن فَعَل ما لا يَسُوغ.

لو كان الناظر الخاص مثلًا يعني سفيهًا أو مُبذِّرًا، فيَعترض عليه مَن له الولاية العامة مثل الحاكم.

ما هي وظيفة الناظر؟

وظيفة الناظر.

باختصار: أن يفعل ما فيه مصلحة الوقف. ومثَّل المؤلف له بأمثلة:

حفظ الوقف، وعمارته، وإيجاره، وزرعه، والمخاصمة فيه، وتحصيل رِيعِه، والاجتهاد في تنميته، وصرف الريع في جهاته من: عمارةٍ، وإصلاح، وإعطاء المستحقين.

يعني: يعمل كلَّ ما فيه مصلحةُ الوقف.

وإن آجَرَه بأنقَصَ؛ صحَّ وضَمِنَ النقص.

يعني: إن فرَّط الناظر، وأجَّر الوقفَ بأقلَّ مِن أجرة المثل، فتصح الإجارة ويضمن النقص؛ مثلًا هذا البيت وقفٌ، أجرة المثل ثلاثون ألفًا، أجَّره بعشرين، يضمن عشرة آلاف؛ لأنه فرَّط.

حكم أكل الناظر من الوقف

طيب قال:

وله الأكل بالمعروف، ولو لم يكن محتاجًا.

لناظر الوقف أن يأكل من الوقف بالمعروف؛ لأن الناظر يَبذُل جهدًا كبيرًا في نِظارة الوقف، حتى لو لم يكن محتاجًا، لكن يأخذ أجرة المِثل، والأولى أن الواقف يُسمِّي له أجرةً، فإن لم يُسَمِّ الواقفُ له أجرةً، فيكون له أجرة المثل.

وله التقرير في وظائفه.

يعني: لِناظِرِ الوقف تعيينُ مَن يقوم بوظائفِ الوقف، مثل -مثلًا- المسجد، المسجد وقف، فناظر الوقف له أن يُعيِّن مَن يريد إمامًا للمسجد، أو مثلًا مؤذنًا للمسجد، وهذا هو الذي عليه العمل.

الآن، إذا بنى شخصٌ مسجدًا، تجد أن الذي بنى المسجد يكون رأيه معتبرًا لدى الوزارة، لدى وزارة الشؤون الإسلامية، في تعيين الإمام، وتعيين المؤذن، فله الحق في ترشيح مَن يراه مناسبًا، ما دام أنه هو الواقف أو الناظر للوقف.

ومَن قُرِّر في وظيفةٍ على وَفْق الشرع، حَرُم إخراجه منها بلا مُوجِب شرعي.

كأن يختار فلانًا من الناس إمامًا لهذا المسجد، فليس لمن بنى المسجد أو الناظر عليه أن يستبعده ويأتي بآخر إلا بموجب شرعي، بسبب شرعي.

ومن نزل عن وظيفة بيده لمن هو أهلٌ لها؛ صح وكان أحقَّ بها.

مَن نزل عن وظيفةٍ من وظائف الأوقاف، كإمامة المسجد مثلًا، لمن هو له أهل، فيصح ذلك، ويكون هذا المتنازَل له هو الأحق لهذه الوظيفة من غيره.

وما يأخذه الفقهاء من الوقف، فكالرزق من بيت المال.

لاحِظ: المُؤلِّف يتكلم عن شيءٍ موجودٍ في زمنه، كان الفقهاء وطلبة العلم يتفرَّغون للعلم، ويُكْفَون مؤونة المعيشة بالأوقاف، فيقول المؤلف هنا: ما يأخذه الفقهاء -يعني: طلبة العلم- مِن الوقف، فهذا كالرزق من بيت المال، أنه لا بأس به، وأنه جائز.

فهذا يُبيِّن لنا يعني كيف كانت الأوقاف تقوم بدور عظيم فيما سبق، كانت فقط الدولة تُعنى بحفظ الأمن الخارجي والداخلي، والتقاضي بين الناس قديمًا، كان هذا هو دور الدولة قديمًا.

أما الخدمات كلها فعلى الأوقاف، التعليم على الأوقاف، الصحة على الأوقاف، بناء الطرق على الأوقاف، كل شيء على الأوقاف، فكان طلبة العلم يتفرغون في المسجد مع شيخهم، ويُكفَون مؤونة كسب المعيشة، يقال: لكم -يعني- معيشتكم من هذه الأوقاف، بشرط أن تتفرَّغوا للعلم.

فهنا، يقول المؤلف: إن ما يأخذه هؤلاء الفقهاء، أو طلبة العلم، من الوقف، إنه لا بأس به، وإنه كالرزق من بيت المال.

لا كجُعْل، ولا كأجرة.

يعني: إذا كان جَعَالةً أو أجرة فيها خلاف كثير، فالذي يُؤخذ من الأوقاف هو ليس كالجعالة، وليس كالإجارة، وإنما هو كالرزقِ من بيت المال، والرزقُ من بيت المال يجوز أَخْذه لمن يستحقه بالإجماع من غير شبهة.

مثل -مثلًا- إمامٍ المسجد، يجوز له أن يأخذ مكافأة المسجد؛ لأنها رزق من بيت المال بالإجماع، والمؤذن يجوز له ذلك، وكذلك أيضًا ما يُصرَف من الأوقاف كذلك هو كالرزق من بيت المال.

الطالب:

الشيخ: يُعطى مِمَّ؟ من الوقف؟ إذا كان من الوقف فلا بأس، يعتبر كالرزق من بيت المال.

الوقف على الأولاد

طيب، ثم قال المصنف رحمه الله:

ومَن وقف على ولده.

هنا، تكلم عن الوقف على الأولاد من بنينَ وبناتٍ، فالوقف على الأولاد يجوز، لكن يجب العدل.

والفائدة من الوقف على الأولاد، مع أنه أصلًا لو لم يوقف لكان لهم هذا المال تركة، يعني بالإرث، لكن بعض الناس قد يوقف على أولاده، يريد بذلك ألا يُباع الموقوف، يقول مثلًا: أنا أعرف أولادي، أنني لو لم أوقف عليهم سيبيعون العقارات كلها، وسيُبذِّرون الأموال، ثم بعد ذلك يفتقرون، فأنا أريد أن أوقف هذه العقارات لهم.

فهذا لا بأس به، لكن بشرط أن يكون ذلك بالعدل، فلا يجوز أن يخص بعضَهم بالوقف دون بعض، فلا يخص الذكور دون الإناث، ولا يخص أولاد زوجة دون أولاد الزوجة الأخرى.

الشيخ محمد بن عبدالوهاب له رسالة سماها “إبطال وقف الجنف والإثم”، وشنَّع فيه على مَن يظلم في الوقف على الأولاد والذرية، وأن هذا لا يجوز، وسماه “وقف الجنف والإثم”.

قال:

ومَن وقف على ولده، أو ولد غيره، دخل الموجودون فقط من ذكور وإناث، بالسوية من غير تفضيل.

إذا وقف على الأولاد، يدخل الموجودون حال الوقف، وبالسوية من غير تفضيل، يعني يستوي الذكر والأنثى في غلة الوقف؛ لأنه ليس تمليكًا تامًّا، وإنما هو تمليكُ استحقاقٍ.

مثال ذلك: رجل قال: “هذا العقار وَقْفٌ على أولادي”، ثم هذا العقار له غلة، فإذا أردنا توزيعها، فإذا أريد توزيع هذه الغلة على الأولاد يُوزع بينهم الذكور والإناث سواء، وليس على قسمة الميراث، لا يكون للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لماذا؟

لأن هذا تمليكُ استحقاقٍ، فيستوي فيه الذكر والأنثى، والشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله يقول: إنني لم أجد مَن خالف في هذه المسألة. فيظهر -والله أعلم- أن هذه المسألة محلُّ اتفاق بين العلماء.

ودخل أولادُ الذكور خاصة.

لو قال: هذا بيتي وقفٌ على أولادي، يدخل أولاد الذكور دون أولاد الإناث، وقال بعض العلماء: إنه لا يدخل أولاد الذكور مع وجود آبائهم، وهذا هو الأقرب، فإذا قال: “وقفٌ على أولادي”؛ يدخل أبناؤه وبناته فقط، ولا يدخل أولاد أبنائه. هذا هو القول الراجح في المسألة.

ولكن هنا مسألة مهمة، وهي: هل الترتيب بين الأولاد وأولادهم يكون بطنًا بعد بطن، أو يكون فردًا بعد فرد؟

هذه مسألة مهمة ويكثر السؤال عنها، يعني نوضحها بمثال:

هذا رجل قال: “هذا البيت وقف على أولادي وأولاد أولادي وإن نزلوا”، طيب أولاده: محمد، وزيد، وعمر، وفاطمة مثلًا، مات محمد، محمد له أولاد، هل أولاد محمد يقومون مقامه، أو نقول: لا يقومون مقامه حتى ينقرض هذا البطن، حتى يموت زيد وعمر وفاطمة؟

هذه مسألتنا، المذهب عند الحنابلة يقولون: الترتيب يكون بطنًا عن بطن، ومعنى ذلك في مثالنا السابق: لا يرث أولاد محمد حتى ينقرض جميع البطن الأول.

القول الثاني في المسألة: أن الترتيب يكون فردًا عن فرد، وعلى هذا ففي مثالنا السابق أولاد محمد يقومون مقام أبيهم، أولاد زيد يقومون مقام أبيهم، أولاد فاطمة يقومون مقام أمهم، وهكذا. فالمذهب هو القول الأول أنه بطن عن بطن، والقول الثاني أنه فرد عن فرد.

طيب، حتى يعني نرجح في هذه المسألة، الله تعالى يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59].

طيب، الأقرب للنصوص نقول في مثل هذه المسائل: هو الأقرب لمقصود الواقف، الأقرب في هذا هو أن نرد هذه المسألة لمقصود الواقف؛ لأن النصوص تدل على أن الواقف يُعمَل بشرطه وبمقصوده وبما أراد.

طيب، أيهما أقرب لمقصود الواقف: أن يكون بطنًا عن بطن، أو فردًا عن فرد؟

الواقع أن الأقرب لمقصود الواقف فردًا عن فرد، فلو مات محمد فالأقرب لمقصود الواقف أن أولاده يقومون مقام أبيهم؛ لأنه يرى أن هؤلاء أيتام، فهم أولى بنصيب والدهم. فالأقرب لمقصود الواقف أن يكون فردًا عن فرد، وليس بطنًا عن بطن.

واضح، الفكرة، إي نعم، وهذا هو القول الراجح، واختاره ابن تيمية وجمع من المحققين؛ لأنه أقرب لمقصود الواقف، فردًا عن فرد أقرب لمقصود الواقف.

وعلى هذا؛ في مثالنا السابق: إذا مات محمدٌ، أولادُه يقومون مقامه، يحلون محل أبيهم، لكن على المذهب ما يحلون محل أبيهم حتى ينقرض البطن كله.

فانتبه لهذه المسألة! هي مسألة مهمة ويكثر السؤال عنها.

الطالب:

الشيخ: الراجحُ القولُ الثاني: أنه فرد عن فرد، وليس بطنًا عن بطن.

قال:

وإن قال: “على ولدي”؛ دخل أولادُه الموجودون ومَن يولد لهم، لا الحادثون.

يعني لو قال: “هذا البيت وقفٌ على أولادي”، يختص بالموجود، فلو رُزق أولادًا حادثين لا يدخلون، يعني قال مثلًا هذا العام: هذا البيت وقفٌ على أولادي، وفي العام المقبل رُزق بابن، يقول: الابن هذا لا يدخل.

القول الثاني: أنهم يدخلون، وهذا هو القول الراجح؛ لأن هذا أقرب لمقصود الواقف، عندما يقول: وقف على أولادي، يقصد أولادي الموجودين ومَن سيولد. فهذا هو القول الراجح.

وعلى ولدي، ومَن يُولَد لي”؛ دخل الموجودون، والحادثون تبعًا.

يعني: إذا صرح؛ يدخل الموجودون والحادثون.

هل أولاد البنات يدخلون في مسمى الأولاد؟

ومَن وَقَف على عَقِبِه، أو نسله، أو ولدِ ولده، أو ذريته؛ دخل الذكور والإناث، لا أولاد الإناث، إلا بقرينة.

هذه مسألة، أولاد البنات هل يدخلون في مسمى الأولاد أو لا يدخلون؟

أولًا: ينبغي للواقف أن يوضح، يقول مثلًا: “أولادي وأولادهم، ولا يدخل في ذلك أولاد البنات”، هذا أحسن؛ خروجًا من الخلاف. لكن، إن لم يوضح، إن قال مثلًا: “هذا وقف على أولادي وأولادهم وإن نزلوا”، هل يدخل في ذلك أولاد البنات؟

أولاد الذكور يدخلون بالاتفاق، لكن أولاد البنات، قولان للعلماء:

  • القول الأول: أنهم لا يدخلون، وهذا قول الجماهير.
  • والقول الثاني: أنهم يدخلون، وهو مذهب الشافعية.

الجمهور قالوا: إن الله تعالى يقول: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11]، ودخل في الآية ولدُ البنين دون ولد البنات؛ ولأن أولاد البنات لا يدخلون في العاقلة، ولا مدخل لهم في ولاية النكاح، ولا يُعتبرون في ذوي الأرحام في الإرث؛ ولأنهم قد ينتسبون لقبيلة أخرى، يعني ولد بنتك يمكن أن ينتسب لأبيه، وأبوه من قبيلة أخرى، فكيف يدخل في الميراث؟

أما الشافعية؛ فاستدلوا بقول الله تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ يعني إبراهيم إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إلى قوله وَعِيسَى [الأنعام:84]؛ قالوا: فجعل اللهُ تعالى عيسى مِن ذريته مع أنه ولدُ بنتٍ.

واستدلوا أيضًا بقول النبي عن الحسن: إن ابني هذا سيد[5]؛ قالوا: فاعتبرَه ابنًا مع أنه ابنُ بنتٍ. والراجح هو قول الجمهور، وهو أن أولاد البنات لا يدخلون؛ لأن هذا أقرب لمقصود الواقفين.

أما ما استدل به الشافعية من دخول عيسى؛ فلأن عيسى لم يكن له أب، فنُسب إلى أمه.

وأما قول النبي عليه الصلاة والسلام عن الحسن: إن ابني هذا سيد، هذا من باب التَّجوُّز في العبارة؛ ولهذا يعني الإنسانُ يقول: إن هذا ابني، حتى لو لم يكن ابنَه، لو كان مثلًا ابنَ صديقِه، يعتبره ابنَه من باب التجوز في العبارة، ونحو ذلك، هذا أمر سائغ في اللغة العربية، الإنسان يُسمِّي الكبير عَمًّا، ويسمي هذا الصغير ابنًا، فهذا من باب التجوز في العبارة، خاصة إذا كان ابن ابنته.

الطالب:

الشيخ: نعم، ابنُ أختِ القومِ منهم.

ومَن وَقَف على بنيه أو بني فلان، فللذكور خاصة.

لأن لفظ “ابن” المقصود به الذَّكَر، بينما “الولد”: الذكر والأنثى، إذا قيل “ولد” عند العامة، إذا قالوا “ولد” يقصدون الذكر، لكن في اللغة العربية وفي الشرع “الولد” يشمل الذكر والأنثى، و”الابن” الذكر، فإذا قال: “وقْفٌ على بَنِيَّ، أو بني فلان” فللذكور خاصة.

لكن الفقهاء قالوا: إذا كانت قبيلة؛ كبني هاشم وبني تميم، فيشمل الذكور والإناث؛ لأن هذا أمرٌ دارج أن يقال للقبيلة بأكملها بنو فلان.

ويُكره هنا أن يُفضِّل بعضَ أولاده على بعضٍ لغير سبب.

والمؤلف عبَّر بالكراهة، والقول الراجح أنه يَحرُم؛ لقول النبي لبشير بن سالم لما أتى بابنه النعمان، وقال: إني أعطيتُ ابني عطية، أريد أن أشهدك يا رسول الله. قال: أكلَّ أولادِك أعطيتَه هكذا؟. قال: لا. قال: اتقوا الله، واعدِلوا بين أولادكم[6]، وفي رواية: فلا تُشهدني على جَوْر[7].

فسماه النبي جَوْرًا، وهذا دليل على تحريم التفضيل بين الأولاد بغير سبب، فالصواب أنه يحرم وليس مجرد الكراهة.

والسنة ألا يُزاد ذَكَرٌ على أنثى.

يعني: عند الوقف يستوي الذكر والأنثى، كما سبق، قال:

فإن كان لبعضهم عيال، أو به حاجة، أو عاجزٌ عن التكسب، أو خَصَّ المشتغلين بالعلم، أو خصَّ ذا الدِّين والصلاح؛ فلا بأس.

إذا خصَّ بعض أولاده بوصفٍ يمكن أن يدخل فيه أيُّ واحدٍ منهم؛ فلا بأس، لكن لا يخصه بالعين، لا يقول: هذا وقف على ابني فلان، أو ابني فلان وفلان، أو الذكور فقط.

لكن، إذا خصه بوصف؛ قال: “بيتي هذا وقف على المحتاج مِن أولادي”؛ فيصح؛ لأن كل واحد منهم يمكن أن يكون محتاجًا.

لو قال: “وقف على العاجز عن التكسب”؛ يصح، “على المطلقة من بناتي”؛ يصح، “على المشتغلين بالعلم”؛ يصح، “على المتدينين من أولادي”؛ يصح، أو لا يصح؟ يصح أيضًا؛ لأنه قال: (أو خص ذا الدين)؛ لأنه يريد أن يشجعهم على ذلك.

الوقف يقتضي التأبيد

طيب، آخر فصل معنا يعني لعلنا نختم به، قال:

والوقف عقد لازم، لا يُفسخ بإقالة ولا غيرها، ولا يُوهَب، ولا يُرهَن، ولا يورث، ولا يُباع.

هذا هو حكم الوقف: أنه عقد يقتضي التأبيد، لا يباع ولا يوهب، ولا يورث، وهذا بإجماع العلماء؛ ولهذا قال الترمذي: لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافًا.

حكم الوقف إذا تعطلت منافعه

لكن يُستثنى من ذلك، قال:

إلا أن تتعطل منافعه بخرابٍ أو غيره، أو لم يوجد ما يُعمَّر به، فيباع ويُصرف ثمنه في مِثله أو بعض مثله، فبمجرد شراء البدل يصير وقفًا.

إذا تعطَّلت منافع الوقف بالكلية جاز بيعه ونقله، لكن بشرط تعطُّل جميع منافعه، هذا عقارٌ وأصبح يعني غير صالح للتأجير ولا للسكنى، أصبح خَرِبَةً؛ يُباع ويُنقل في مكانٍ ثانٍ آخر، يوضع ثمنه في مكان آخر.

الطالب: في وقفٍ آخر؟

الشيخ: في وقفٍ آخر، نعم، لكن إذا تعطلت بعض منافعه أو كان غيرُه أصلح.

مثال ذلك: هذا العقار إيجاره مثلًا عشرون ألفًا، لكن لو أنه بيع واشتُري في بلد آخر بثمنه عقارٌ لأصبح الإيجار ثلاثين ألفًا، هل يجوز؟

في هذا قولان: القول الأول: أنه لا يجوز نقله، وهذا قول الجمهور.

والقول الثاني: أنه يجوز، وهذا هو القول الراجح، بشرط أن يكون النقل لِمَا هو أصلح.

أما الجمهور فقالوا: إنه وقف، وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث[8].

وأما القائلون بالجواز؛ فاستدلوا بما جاء عند الإمام أحمد بسند صحيح: أن رجلًا أتى النبي يوم الفتح، فقال: يا رسول الله، إني نذرتُ إنْ فَتَح الله عليك مكة أن أُصلِّي في بيت المقدس. قال: صَلِّ هاهنا. فأعادها عليه، قال: صَلِّ هاهنا. فأعادها عليه، قال: صل هاهنا. فأعادها عليه، قال: شأنك إذن[9].

فوجه الدلالة: أن النبي أرشد هذا الذي قد نَذَر بأن يصلي في بيت المقدس، أن يصلي في المسجد الحرام؛ لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل.

فإذا جاز ذلك في نَذْر الطاعة، مع أنه يجب الوفاء به وهو أشد من الوقف، فلأَنْ يجوز في الوقف من بابٍ أولى. وهذا هو الذي عليه العمل، لكن يكون ذلك عن طريق الحاكم؛ يعني يُستحسن أن يكون عن طريق الحاكم وعن طريق المحكمة، حتى تنظر في الغبطة في نقله إلى مكان آخر.

وكذا حكم المسجد لو ضاق على أهله، أو خَرِبَتْ محلته، أو استُقذر موضعه.

يعني: أصبح هذا المسجد يضيق على أهله؛ فيجوز نقله، أو أنه خَرِب، يعني كان في محلٍّ ثم هَجَر الناسُ هذا الحيَّ؛ فيجوز نقله، (أو استُقذر موضعه) لأي سبب؛ فيجوز نقله.

ويجوز نَقْلُ آلته وحجارته لمسجدٍ آخر احتاج إليها، وذلك أولى من بيعه.

آلة المسجد قديمًا يعني تختلف عن آلته حديثًا، مثل آلة المسجد حديثًا، مثل ماذا؟ مثل المكيفات، مثل الفرش، مثل مكبرات الصوت.

هنا، إذا استغنى عنها جماعة المسجد تُنقل لمسجد آخر، لكن هل يجوز بيعها وصرف ثمنها في مصلحة المسجد؟ المؤلف يقول: إنه يجوز، لكن الأولى أن تُنقل لمسجد آخر.

يعني هذه المكيفات، اشتُري لهذا المسجد مُكيِّفاتٌ جديدة، وفيه مكيفات مستعملة، تُنقل لمسجد آخر.

طيب، لو قال إمام المسجد: أريد أن أبيع هذه المكيفات، وأجعل الثمن في مصلحة المسجد؟ يجوز، لكن المؤلف يقول: إن الأولى النقل دون البيع.

والذي يظهر -والله أعلم- أنه يفعل ما هو الأصلح، فإذا كان المسجد بحاجة لأن تباع هذه المكيفات ويُجعل الثمن في مصلحة المسجد؛ فهو أولى من أن تُنقل هذه المكيفات إلى مسجد آخر.

فيُراعى في ذلك ما هو الأصلح، لكن في بعض المساجد مثلًا، هناك بعض المحسنين يقومون عليها، أو الذي بنى المسجد يقوم عليه، يكون أصلًا يعني مستغنيًا، فهنا يُنقل إلى مسجد آخر.

الطالب:

الشيخ: إي نعم. طيب، قال:

ويجوز نَقْض منارة المسجد، وجَعْلها في حائطه لتحصينه.

يعني: هذا قديمًا، كانت منارة المسجد تُبنى خارج المسجد، يقولون: يجوز نَقْضها، يعني هدمها، وأن تُجعل في حائطه؛ لتحصين المسجد من الكلاب ونحوها.

المؤلف يتكلم عما هو موجود في زمنه في ذلك الحين، فمِثل هذه المسائل لا نحتاج لها في الوقت الحاضر.

ومَن وَقَف على ثَغْرٍ فاختلَّ، صُرِف في ثغرٍ مِثْلِه، وعلى قياسِه مسجدٌ، ورِبَاطٌ، ونحوهما.

القاعدة: أن الوقف إذا تعطَّلت منافعه، فيُنقل لما هو من جنسه، فإذا كان الوقف في مسجدٍ ينقل لمسجد، لا ينقل لمدرسة ولا لشيء آخر. ولذلك مثلًا؛ بعض المصاحف يُستغنى عنها في بعض المساجد، تُنقل لمساجد أخرى ولا تنقل لمدارس، ولا يجوز لأحدٍ أن يأخذها لبيته، وإنما تُنقل لمساجد أخرى. فإذن تُنقل لما هو مِن جنسها.

ويَحرُم حفر البئر وغَرْسُ الشجر في المساجد.

لأن البقعةَ مُستحَقةٌ للصلاة.

ولعل هذا حيث لم يكن فيه مصلحة.

يعني: هذا استدراك من المؤلف، يقول: إذا لم يكن في حفر البئر مصلحة، أما إذا كان فيه مصلحة لأجل استخراج الماء لكي يتوضأ الناس منه؛ فلا بأس. كان هذا -يعني- موجودًا قديمًا.

وبهذا نكون انتهينا من الكلام عن مسائل وأحكام الوقف، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الأسئلة

السؤال: لماذا يجوز نشدان الضالة في المصلى دون المسجد؟ وما الفرق بينهما؟

الجواب: المصلى ليس مسجدًا، المصلى أرضه مملوكة، وأما المسجد أرضه موقوفة، والنص إنما ورد في النهي عن نِشْدان الضالة في المسجد[10]، وأما المصلى يبقى كسائر الأمكنة، فالأصل أنه يجوز في المصلى دون المسجد.

السؤال: ما حكم الاغتسال من الجنابة بماء الفلاتر المخلوطة بالروائح العطرية؟

الجواب: ما دام يسمى ماء فلا بأس بذلك على القول الراجح، ما دام أنه يسمى ماء، واختلط بشيء طاهر، فالقول الراجح أنه يجوز التطهر به، وأن الماء ينقسم إلى طَهُور ونَجِس، أما تقسيم الماء إلى طهور وطاهِرٍ ونَجِسٍ، فهذا قول مرجوح، فهذا الماء إذا اختلط بشيء طاهر ولا يزال يسمى ماء؛ فيجوز التطهر به.

السؤال: هل تبرأ الذمة بتسليم اللقطة؛ كمحفظة مثلًا فيها مال وبطاقات، للشرطة؟ أو تُسلَّم البطاقات للشرطة والمال يُعرَّف؟

الجواب: اللقطة عمومًا تُعرَّف مدة سنة، فإن أتى صاحبها وإلا فهي لك، إلا إذا كانت لا تَلتفت لها همة أوساط الناس، إذا كنت غير قادر على التعريف فلا تلتقطها، اتركها، أما الذي يلتقط اللقطة فيجب عليه أن يُعرِّفها.

والتعريف في وقتنا الحاضر أصبح سهلًا، بإمكانك أن تضع لافتة: عُثر في هذا المكان على محفظة، أو عثر في هذا المكان على مبلغ نقدي، من كان له فليتصل على هذا الرقم. وتبقي هذه اللافتة مدة سنة، فإن اتصل عليك أحد، وإلا فهي لك.

السؤال: بعض الناس يجد لقطة، ويعطيها إمام المسجد، وإمام المسجد يُبتلى بها؟

الجواب: إمام المسجد لا يقبلها إلا إذا كان عنده قدرة على التعريف، يعرفها خارج المسجد أيضًا، أما داخل المسجد فلا يجوز؛ ولذلك مر معنا في الدرس السابق أن الأفضل ترك الالتقاط؛ لأن الإنسان يُعرض نفسه لمسؤولية، ومدة سنة ليست سهلة يعني، لكن إذا غلب على ظنه أنه سيُعرِّفها؛ يلتقطها.

السؤال: هل أسمي من أدعو لهم بأسمائهم في الصلاة، فريضة كانت أم نافلة؟

الجواب: أما النافلة فلا بأس، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ما من عبد يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا ومَلَكٌ قائم على رأسه يقول: آمين ولك بمثله[11].

أما الفريضة، فالفريضة لا يُتوسع فيها، الفريضة أضيق من النافلة؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل أفعالًا في النافلة دون الفريضة، كان إذا مرَّ بآية فيها تسبيحٌ سبَّح في النافلة، وإذا مر بآية فيها تعوُّذ استعاذ في النافلة، لكن لم يكن يفعل هذا في الفريضة، في الفريضة ينبغي ألا يسمي فيها أشخاصًا، أما النافلة فأمرها أوسع.

السؤال: ما حكم الفيزا من بنك الإنماء؟

الجواب: لا بأس بها، من البنوك الإسلامية لا بأس، مثل الراجحي والإنماء والبلاد، لا بأس بذلك، والجزيرة، هذه بنوك إسلامية ومنضبطة بالضوابط الشرعية، فلا بأس بأخذ البطاقات الائتمانية عمومًا من هذه البنوك؛ لأن عندها مستوى الرقابة مستوى رفيع.

السؤال: هل للرجل أن يصلي مع امرأته قيام الليل جماعة؟

الجواب: لا بأس بذلك، لكن لا يكون هذا بصفة مستمرة، بل لا بأس أن تُصلَّى صلاة الليل جماعة بصفة عارضة، وليس بصفة مستمرة.

مثلًا؛ شباب طلعوا للبَرِّيَّة، أو في سفرٍ، قالوا: نريد أن يشجع بعضُنا بعضًا، فنقوم الليل جماعة؛ لا بأس بذلك، لكن يكون هذا بصفة عارضة، ولا يكون طوال السنة.

ولهذا؛ النبي صلى معه صلاة الليل بعض أصحابه، صلى معه حذيفة، وصلى معه ابن عباس، وصلى معه ابن مسعود، وقصة أبي الدرداء وسلمان الفارسي في صلاة الليل معروفة.

فإذا كان هذا بصفة عارضة فلا بأس، وفيه تشجيع؛ يعني بعض الناس يشجع بعضهم بعضًا، يكون مثلًا في وقت إجازة، يقول: يا فلان، ما رأيك أن نصلي صلاة الليل جماعة؟ فيصليان جماعة؛ هذا لا بأس به، لكن لا يكون ذلك طوال السنة، إنما يكون بصفة عارضة.

السؤال: هل كتاب “السلسبيل” يمكن أن يُرجِّح من خلاله طالبُ العلم؟

الجواب: في الجملة يعني هو في الغالب يذكر الخلاف، خاصة إذا كان الراجحُ خلافَ ما ذكره المؤلف، لكنه لا يُغني طالب العلم عن غيره، هو كسائر الكتب يحتاج أن يَضُم معه غيره من الكتب.

السؤال: ما حكم شراء الذهب بالبطاقة الائتمانية؟

الجواب: شراء الذهب ببطاقة الصراف “مدى” لا بأس به؛ لأن التقابض متحقق.

أما شراؤه بالبطاقة الائتمانية؛ مثل بطاقة الفيزا وماستر كارد ونحو ذلك، ففيها خلاف قوي:

فمِن العلماء المعاصرين مَن أجاز ذلك، وقال: إنها في قوة المصارفة يدًا بيد؛ لأن البائع ضامنٌ الحصولَ على حقه.

ومن العلماء من قال: إن فيها تأجيلًا، وما دام أن فيها تأجيلًا، فلا يجوز شراء الذهب والفضة عن طريقها؛ بسبب هذا التأجيل.

والخلاف فيها قوي، والأحوط ألا يكون بالبطاقة الائتمانية، المجمع الفقهي منع منه، مجمع الفقه الدولي منع من شراء الذهب بالبطاقة الائتمانية لهذا التأجيل، لكن من العلماء المعاصرين من أجاز ذلك، والخلاف فيها قوي.

السؤال: هل خروج القدم في الصلاة بالنسبة للمرأة يُبطل الصلاة؟

الجواب: لا يبطل الصلاة، تغطية القدمين والكفين للمرأة في الصلاة مستحب وليس واجبًا على القول الراجح، وهذا اختيار الإمام ابن تيمية وجمع من المحققين من أهل العلم؛ لأن هذا هو الظاهر من حال نساء الصحابة، أنه قد تنكشف أقدامهن أو تنكشف أَكُفُّهُنَّ؛ ولأن هذا لو كان شرطًا لصحة الصلاة لبيَّن ذلك النبي للأمة.

فالقول الراجح أنه لا يجب تغطية الكفين والقدمين في الصلاة للمرأة، وإنما يستحب.

السؤال: هل يوجد كتاب تنصحون به لأحكام السفر؟

الجواب: أحكام السفر مبثوثة في كلام الفقهاء، يتكلمون عنها، هناك بعض الرسائل العلمية أيضًا في مسائل السفر وأحكام السفر، لكن لا يحضرني الآن الكلام عن كتاب مناسب مُركَّز في أحكام السفر، فلا يحضرني الآن كتاب معين، لكن هناك أحد، يعني بعض الإخوة يجمع الفتاوى التي في السفر، لعلها تُجمع وتخرج في كتاب بإذن الله تعالى فيما يحتاج إليه المسافر من مسائل وأحكام.

لعل بقية الأسئلة نجيب عنها في درس غدٍ إن شاء الله تعالى.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037.
^2 رواه البخاري: 6562، ومسلم: 211.
^3 رواه الترمذي: 3703، والنسائي: 3608.
^4 رواه مسلم: 1826.
^5 رواه البخاري: 2704.
^6 رواه البخاري: 2587
^7 رواه البخاري: 2650، ومسلم: 1623.
^8 رواه البخاري: 2737، ومسلم: 1632.
^9 رواه أحمد: 14919، وأبو داود: 3305.
^10 رواه مسلم: 568.
^11 رواه مسلم: 2732.
zh