logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(59) باب المسابقة- من وقوله: “وهي جائزة في السفن والمزاريق..”

(59) باب المسابقة- من وقوله: “وهي جائزة في السفن والمزاريق..”

مشاهدة من الموقع

النبي يقول: مَن يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين[1]، إذا وجدت من نفسك حرصًا على التفقه في الدين، وحرصًا على طلب العلم، ومحبة لذلك، فهذه أمارة إن شاء الله على أنه أريد بك الخير، ومفهوم هذا الحديث: أن من لم يُرَد به الخير لا يُوفَّق للفقه في الدين.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

حياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي، وهو الدرس الخامس والعشرون، في هذا اليوم الإثنين الخامس والعشرين من شهر شعبان، من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وأربعين للهجرة.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، اللهم أنت عَضُدي ونصيري، بك أصول، وبك أحول، وإياك أستعين، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

باب المسابقة

ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى (باب المسابقة).

تعريف المسابقة

أولًا: نعرف المسابقة، المسابقة في اللغة: مصدر سابق، أي: سابق يسابق مسابقةً، سابق يعني: جارى وبارى إلى غاية، والسَّبَق بفتح الباء: هو العِوَض والجُعل الذي يتراهن عليه المتسابقون.

والسبق والمسابقة في وقتنا الحاضر، يعني أصبح هذا الباب من أهم الأبواب الفقهية؛ نظرًا لكثرة المسابقات والألعاب والمغالبات التي تكون على عوض، بل إنها أصبحت وسيلة من وسائل الربح والاستثمار والدعاية والإعلان.

فمهم لطالب العلم أن يضبط أصول وقواعد هذا الباب، ويعرف ما الذي يجوز من المسابقات، وما الذي لا يجوز؟ وما الذي يجوز من المغالبات وما الذي لا يجوز؟ وما الذي يجوز من الألعاب وما الذي لا يجوز؟

هذا مهم لطالب العلم، ومن هنا تأتي أهمية ضبط مسائل وأحكام هذا الباب.

حكم المسابقة

المسابقة جائزة بالسنة والإجماع، فقد أجرى النبي المسابقة بين الخيل في زمنه، وسابق بين الخيل التي لم تُضمَّر، والخيل التي ضُمِّرت. والخيل التي لم تُضمَّر؛ يعني لم تَجُع؛ لأنهم كانوا يُجوِّعون الخيل حتى تكون أسرع في المشي.

وأجمع المسلمون على جواز المسابقة في الجملة.

أقسام المسابقات

قسم العلماء المسابقات والمغالبات إلى ثلاثة أقسام:

  • أولًا: القسم الأول: ما يجوز بعوض وبدون عوض، وهو المسابقة في الإبل والخيل والسهام، المذكورة في قول النبي : لا سبق يعني: لا عوض إلا في خف يعني: في إبل أو نصل يعني: سهام أو حافر يعني: خيل[2].
  • القسم الثاني: ما لا تجوز فيه المسابقة مطلقًا، سواء بعوض أو بغير عوض، وهو كل ما ألهى عن واجب أو أدخل في مُحرَّم.
  • القسم الثالث: ما تجوز فيه المسابقة بدون عوض، ولا تجوز بعوض، وهو كل ما كان فيه منفعة مباحة، وليس فيه مضرة. هذه ثلاثة أقسام.

ألحق بعض الفقهاء بالقسم الأول الذي يجوز بعوض وبدون عوض، ألحقوا به ما كان فيه ظهورٌ لأعلام الإسلام وأدلته وبراهينه، ومن ذلك: المناظرات التي تُعقَد في الوسائل الإعلامية؛ كالمناظرة بين المسلمين والكفار، أو بين أهل السنة والمبتدعة، ونحو ذلك.

واستدلوا بقصة مراهنة أبي بكر الصديق لكفار قريش، فإنه لما نزل أول سورة (الروم): الم ۝ غُلِبَتِ الرُّومُ ۝ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ۝ فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم:1-4] صاح بها أبو بكر الصديق في الناس، فقالوا لأبي بكر: زعم صاحبك أن الروم ستَغلب فارسًا في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ لأن فارس في ذلك الوقت كانت أقوى من الروم، فقالوا: كيف تقول: إن الروم ستغلب فارسًا في بضع سنين؟ إذا كنت صادقًا راهِنَّا.

أبو بكر كان على يقين بأن ما قاله الله حق، فراهنهم أبو بكر الصديق ، قال أبو بكر: أراهنكم على أن الروم ستغلب فارسًا في بضع سنين. فقالوا: كم تجعل بضع سنين؟ قال أبو بكر: ست سنين.

فلما ذهب للنبي وأخبره، قال: يا أبا بكر، هلا احتطت؛ لأن البضع من ثلاثٍ إلى تِسع، فأنت لا تدري ربما تمضي ست سنين ولا تغلب الروم فارسًا، فكان الأولى أن تحتاط وتجعل البضع تسع سنين، تأخذ بالأعلى. قال: هلا احتطت.

فلما مضت ست سنين لم تغلب الروم فارسًا، فأخذوا من أبي بكر الصديق الرهان، فقال لهم أبو بكر: أنا أراهنكم على أن الروم ستغلب فارسًا في ثلاث سنين، فطمعوا في أن يأخذوا رهانًا آخر.

أبو بكر على يقين بأن ما قاله الله حق، وأنه لا بد أن تغلب الروم فارسًا في الثلاث السنين المتبقية، فطمعوا في أن يظفروا برهان آخر، فراهنوه، ففي السنة السابعة غلبت الروم فارسًا، فأخذ أبو بكر منهم الرهان[3].

فاستدل بعض أهل العلم، ومنهم ابن القيم، على أن ما كان فيه ظهورٌ لأعلام الإسلام وأدلته وبراهينه يجوز أَخْذ العوض فيه؛ لأن النبي أقر أبا بكر على هذا.

فهذا هو الأقرب والله أعلم: أن ما كان فيه إظهارٌ لأعلام الإسلام وأدلته وبراهينه يجوز بذل العوض فيه مطلقًا، ويجوز الرهان فيه.

أما الرهان على غير الإبل والخيل والسهام وما كان فيه ظهور لأعلام الإسلام وأدلته وبراهينه، فهذا لا يجوز، هذا يدخل في الميسر؛ ولذلك ما يوجد عند بعض العامة، يقول: راهني على كذا، أراهنك على كذا، فيراهنه على عوض، هذا لا يجوز، هذا من أعمال أهل الجاهلية التي أبطلها الإسلام، فلا يجوز بذل الرهان إلا فيما ورد به النص.

حكم الرهان على العلوم الشرعية

طيب، هنا مسألة: العلوم الشرعية هل تدخل في القسم الأول، تقاس على الإبل والخيل والسهام؟

بعض الفقهاء قاسوها، وقالوا: إن الإسلام قام بالسيف وبالدعوة، فيجوز أن يكون الرهان على العلوم الشرعية، وقال جمهور الفقهاء: إنها لا تقاس، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقالوا: نقتصر على ما ورد به النص.

والقول بإدخال العلوم الشرعية في القسم الأول، هو اختيار ابن تيمية، ولم أقف عليه في كتبه، لكن نقله عنه بعض تلامذته، فنقله عنه تلميذه ابن القيم، ونقله عنه المَرْداوي في “الإنصاف”، وخاصةً نَقْل ابن القيم، فهو من أبرز تلامذة ابن تيمية، وهذا النقل يدل على أنه هو رأيه.

والأقرب -والله أعلم- هو ما عليه جمهور الفقهاء، من الاقتصار على ما ورد به النص؛ إذ إنه ليس هناك دليل ظاهر على دخول العلوم الشرعية، خاصة أن الحديث جاء بلفظ: لا سبق و(لا) نافية للجنس، وسبق نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم.

ثم إن القول بدخول العلوم الشرعية لا ينضبط، ما ضابط العلوم الشرعية؟ يعني: لو كانت مسابقة ثقافية وفيها سؤال عن آية، أو سؤال عن حديث، هل تُعتبر هذه من العلوم الشرعية التي تجوز المسابقة فيها بعوض.

وأذكر أن بعض الناس استغلوا هذا الرأي، وأتوا بمسابقات ثقافية، ومسابقات فكرية، وأدخلوا فيها أسئلة قليلة من القرآن والسنة، وقالوا: نحن على رأي ابن تيمية في جواز الرهان في العلوم الشرعية.

ولذلك؛ فالأقرب -والله أعلم- هو ما عليه الجمهور من الاقتصار على النص، الاقتصار على ما ورد به النص؛ ولهذا فالأقرب هو ما عليه جمهور الفقهاء من الاقتصار على ما ورد به النص.

حكم مسابقات القرآن والسنة

أما مسابقات القرآن والسنة، وكذلك المسابقات الثقافية، فإذا كان بَذْل العوض من غير المتسابقين، وهذا هو الغالب، فهذه لا بأس بها؛ لأنها تكون جَعَالةً، فالجَعَالةُ هي أن يقول: مَن فعل كذا فله كذا.

فهذه المسابقة، الذي وضع هذه الجوائز يقول: مَن حفظ كذا فله كذا، مَن أجاب عن أسئلة هذه المسابقة فله كذا، هذه تُعتبر جَعَالةً، وهذه لا بأس بها.

لكن، إذا كان المتسابقون هم الذين يبذلون العوض، هنا يَرِد الإشكال، أما إذا كانت الجوائز مِن أناس ليسوا من المتسابقين، فهذا لا بأس به، ويدخل ذلك في الجَعَالةِ.

هل تجوز المسابقة على الإبل والخيل والسهام في وقتنا المعاصر؟

فهنا مسألة: هل تجوز المسابقة على الإبل والخيل والسهام في وقتنا المعاصر؛ يعني بعوض؟

هذه المسألة عندي محل توقف؛ لأن الإبل والخيل والسهام لم تعد في وقتنا الحاضر آلة جهاد، بل أصبحت المسابقة عليها للمباهاة، وأيضًا للمتاجرة.

لكن قد ورد بها النص، فهل نقول: إنه ورد بها النص، فتبقى على عموم النص، ويجوز أخذ العوض في مسابقاتها، أو نقول: إن العبرة بالمعنى، والمعنى الذي لأجله استثنى النصُّ الإبلَ والخيل والسهام هو أنها آلاتُ الجهاد في عهد النبي .

هذه المسألة عندي محل توقف، ولم يتبين لي فيها القول الراجح.

نعود لعبارة المصنف رحمه الله، قال:

وهي جائزة في السُّفُن والمزاريق، والطيور وغيرها، وعلى الأقدام، وبكل الحيوانات.

مراد المصنف إذا كانت المسابقة بدون عوض، فتجوز المسابقة في السفن، وتجوز في المزاريق.

والمزاريقُ جمع مِزْراق، وهو رمح قصير يتسابقون به.

وتجوز في الطيور، وتجوز بكل الحيوانات، وتجوز كذلك على الرمي بالأحجار.

قال:

وعلى الأقدام.

تجوز المسابقة على الأقدام كذلك بدون عوض، وقد سابق النبي عائشة مرتين، في المرة الأولى سبقته لأنها كانت خفيفة لم تسمن بعد، خفيفة اللحم، ثم سابقها مرة ثانية وقد أصبحت سمينة وأصبحت ثقيلة، فلما سابقها النبي عليه الصلاة والسلام سبقها المرة الثانية، فضحك عليه الصلاة والسلام، المرة الأولى سبقته، والمرة الثانية سبقها[4]، وهذا من حسن معاشرته عليه الصلاة والسلام لأهله.

يعني: هذا أعظم الأنبياء، أعظم البشر، ومع ذلك يسابق زوجته، هذا غاية في اللطف، وغاية المعاشرة الحسنة، وغاية التواضع، فانظر كيف أنه عليه الصلاة والسلام يسابق زوجته لإدخال السرور والأنس؛ ولذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي[5].

كذلك تجوز المسابقة أيضًا على جميع الحيوانات إذا كانت بدون عوض.

حكم المسابقات الرياضية

طيب الألعاب الرياضية؛ مثلًا ككرة القدم ونحوها، إذا كانت بدون عوض فإنها تجوز إذا كانت منضبطة بالضوابط الشرعية، وأما إذا كان العوض فيها من اللاعبين أنفسهم، فتدخل في القِسم الممنوع.

لكن إذا كان العوض من غير اللاعبين، وهذا هو الغالب، الآن المسابقات الرياضية يعني الغالب أن العوض والجوائز تكون من غير المتسابقين، فهذه جَعَالةٌ؛ هذه لا بأس بها، هذه جَعَالةٌ، لكن الكلام إذا كانت الجوائز من اللاعبين أنفسهم، فتكون على التفصيل السابق.

إذا كان العوض من اللاعبين لا تجوز، إذا كانت بدون عوض فتجوز، إذا كانت منضبطة بالضوابط الشرعية.

شروط جواز أخذ العوض في مسابقة الخيل والإبل والسهام

قال:

لكن لا يجوز أخذ العوض إلا في مسابقة الخيل والإبل والسهام، بشروط خمسة.

انتقل المؤلف للكلام عن شروط جواز أخذ العوض في مسابقة الخيل والإبل والسهام، يعني قلنا: إنها تجوز بعوض وبدون بعوض، المؤلف يقول: إنها لا تجوز بعوض إلا بشروط خمسة، الشرط الأول قال:

أحدها: تعيين المركوبَين، أو الرامِيَيْن، بالرؤية.

تعيين المركوبين، كأن يقول: أسابقك على هذا الجمل، أو على هذا الفرس، وكذلك الراميين إذا كانت بالسهام، ولا يُشترط على المذهب تعيين الراكبين، وقالوا: إنما يشترط تعيين المركوبين لا الراكبين؛ لأن القصد جوهرهما.

والقول الثاني: إنه يشترط تعيين الراكبين؛ لأن الفوز بالمسابقة يكون من جودة الفرس أو الجمل، ويكون كذلك من حَذَقِ الراكب، وهذا هو الأقرب -والله أعلم- هو مذهب الشافعية.

فعلى هذا؛ يكون الشرط الأول: تعيين المركوبين أو الراميين، وكذلك تعيين الراكبين.

الشرط الثاني، قال:

الثاني: اتحاد المركوبين، أو القوسين بالنوع.

يعني: فيكون مثلًا فرس عربي وفرس عربي، لا يكون فرس عربي وهجين، لا بد من اتحادهما بالنوع.

الشرط الثالث:

تحديد المسافة بما جرت به العادة.

ابتداءً وانتهاءً؛ ولذلك النبي لما سابَق بين الخيل، جعل أَمَدَها ثنيَّةَ الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تُضمَّر إلى مسجد بني زُرَيْق، من الثنية إلى مسجد بني زُرَيق، فلا بد من تحديد المسافة بما جرت به العادة.

الشرط الرابع:

عِلْمُ العوض وإباحته.

لا بد أن يكون العوض الذي يُسابِق عليه معلوم القدر ومباحًا، فلا يكون محرمًا؛ كالخنزير مثلًا، والخمر.

الشرط الخامس:

الخروج عن شبهة القمار.

كيف الخروج عن شبهة القمار؟ قال:

بأن يكون العوض من واحدٍ.

فلا يكون منهما جميعًا.

فإن أخرجا معًا، لم يجز إلا بمُحلِّل لا يُخرِج شيئًا.

يعني: لا بد أن يكون العوض من واحد، ولا يكون من اثنين، إذا كان العوض من اثنين فلا بد من دخولِ ثالثٍ يسمى المُحلِّل، وهذا المحلل لا يُخرج شيئًا.

فإذن؛ العوض يكون من شخص واحد، كالإمام أو نائبه، أو من أحد المتسابقين، خروجًا عن شبهة القمار، وإذا أخرج كل منهما عوضًا، فلا بد من دخول مُحلِّل لا يُخرج شيئًا.

ثم تكلم المؤلف عن هذا المُحلِّل، قال:

ولا يجوز أكثر من واحد يكافئ مركوبُه مَرْكوبَيْهما.

يعني: يكافئ مركوب المُحلِّل مَرْكوبَيِ المتسابقين.

أو رميُه رَمْيَهما، فإن سَبَقا معًا.

يعني: إن سبق المتسابقان ولم يَسْبق المحلل.

أحرزا سَبَقَيْهما ولم يأخذا من المحلل شيئًا، وإن سبق أحدهما أو سبق المحلل؛ أحرز السَّبَقين.

واستدلوا لذلك بحديث أبي هريرة: أن النبي قال: مَن أدخل فرسًا بين فرسين، وهو لا يأمن أن يسبق، فلا بأس به، ومن أدخل فرسًا بين فرسين، وقد أمن أن يَسبِق، فهو قمار. وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم[6]، وهذا الحديث حديث ضعيف، وحتى متنه ليس عليه نور النبوة: مَن أدخل فرسًا وهو لا يأمن أن يَسبِق فلا بأس؛ يعني: في متنه، يعني حتى فيه شيء من الركاكة، ليس هذا من كلام النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك هو حديث ضعيف، لا يثبت من جهة الصناعة الحديثية.

ولهذا؛ ذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط المُحلِّل، وقالوا: إن قول النبي : لا سَبَق إلا في خفٍّ، أو نصل، أو حافر[7] عام؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: ما علمتُ بين الصحابة خلافًا في عدم اشتراط المحلل.

بل إن القول بالمحلل أصلًا ما عرفوه في زمن الصحابة؛ ولهذا قال ابن القيم: إن القول بالمحلل مذهبٌ تلقَّاه الناسُ عن سعيدِ بن المُسيَّبِ، وسعيدٌ من التابعين، وأما الصحابة فلم يُحفظ عن أحد منهم قط أنه اشترَط المُحلِّل، بل المحفوظ عنهم خلافه.

وتجد سبحان الله! بعض المسائل يقولها عالم بارز، ثم يتتابع العلماء مِن بعده في الأخذ بقوله، هذا في عددٍ من المسائل، منها هذه المسألة.

سعيد بن المسيب قال بالمُحلِّل، ثم تتابع الفقهاء ومنهم فقهاء المذاهب على الأخذ بقوله، وهذا لم يَرِد فيها شيء، لا من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله ، ولا عن الصحابة، ولا حتى عن التابعين، وإنما قال بها هذا التابعي فقط سعيد بن المسيب.

ومثل ذلك مثلًا: مسألة المَخِيط، تسمية أحد محظورات الإحرام -يعني لُبْس القميص- ولُبْس المُفصَّل من الثياب للمُحرِم بالمَخِيط، وهذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا عن الصحابة، إنما قال به إبراهيم النَّخَعي من باب التوضيح، سمى هذا المُفصَّل على البدن أو على العضو للمحرم مَخِيطًا، وتلقَّفه الناس مِن بعده، وأصبح هو المصطلح السائد في كتب الفقه؛ ولهذا سبَّب إشكالًا لبعض العامة يظنون أن ما فيه خيوطٌ هو المَخِيط.

وكذلك أيضًا المسافر إذا أقام، تحديد المدة بأربعة أيام، أنه إذا أقام أربعة أيام فأقل، فإنه يترخص برخص السفر، وإذا زاد على أربعة أيام فإنه لا يترخص، يعني لم نجد عن الصحابة في ذلك شيئًا، لا يعرف هذا القول عن أحدٍ من الصحابة، لكنه وُجد في زمن التابعين، يظهر أنه قال به أحد العلماء المُبرَّزين، وتابعه على ذلك كثير من أهل العلم، بل جمهور أهل العلم.

فهذه سبحان الله! يعني: هذه المسألة وجدتها في كثير من المسائل، يقول عالم بارز قولًا، ثم يتتابع العلماء مِن بعده على هذا القول، وهذا يبين أهمية كلام العالم المُبرَّزِ المُؤثِّرِ، أن كلامه يُتناقل ويُتداول مِن بعده، بل حتى في تسمية المصطلحات.

ولذلك؛ ينبغي لطالب العلم أن يكون محققًا، محقق القول، ويبحث عن أصل هذا القول ومَن قال به من الصحابة والتابعين.

إذن؛ الصواب في هذه المسألة هو عدم القول بالمحلل أصلًا، فلا نحتاج للتفريعات التي ذكرها المصنف.

قال:

والمسابقة جَعَالةٌ لا يؤخذ بعوضِها رهنٌ ولا كفيلٌ.

المسابقة جُعالة، ويقال: جِعالة وجَعالة، فهي مثلثة الجيم.

(لا يُؤخذ بعوضها رهنٌ ولا كفيل)، يعني لا يؤخذ بالسبق رهن ولا كفيل؛ لأنه عقدٌ على ما لم تُعلَم القدرة على تسليمه، فأشبه الجُعْلَ في ردِّ الآبِقِ، ففيه جهالة وغرر.

نوع عقد المسابقة

ثم بيَّن المصنف نوع عقد المسابقة، قال:

ولكلٍّ فَسْخُها، ما لم يَظْهَر الفضلُ لصاحبه.

يريد المصنف أن عقد المسابقة عقد جائز وليس لازمًا، إلا في حالة واحدة، إذا ظهر الفضل لصاحبه، فإنه يكون عقدًا لازمًا، فللفاضلِ الفسخُ دون المفضول؛ لماذا؟ لأننا لو قلنا: بأن لكلٍّ من المتسابقين الفسخَ، فإن المفضول سيفسخ عقد المسابقة، وبذلك يفوت غرض المسابقة.

وعلى هذا نقول: إن المسابقة في حق المفضول عقد لازم، وفي حق الفاضل عقد جائز.

انتهت عبارة المصنف في المسابقة، لكن في “السلسبيل” ذُكرت بعض المسائل المعاصرة.

بعض المسائل المعاصرة في المسابقات

أولًا: القاعدة في المسابقات الداخلة في الميسر، هذه قاعدة مفيدة لطالب العلم، القاعدة: هي أن كل مسابقة أو مغالبة أو لعبة، يَبذل فيها المتسابقان أو الداخل فيها عِوَضًا، وهو مُتردِّد بين الربح والخسارة، ويُعبِّر عن هذا بعضهم: وهو متردد بين الغُرْم والغنم، فهي من الميسر، لماذا؟ لأن الداخل فيها إما غانم وإما غارم، إلا المسابقات التي استثناها الشارع، سبق الكلام عنها.

أما مَن دخل في مسابقة أو لعبة أو مغالبة، وهو متردد بين الغُنْم والسلامة، يعني إما غانم وإما سالم، فهذه ليست من الميسر.

مسابقات المحلات التجارية التي يكون فيها سحب، ولا يستطيع الراغب الدخول فيها إلا ببذل عوض؛ وذلك بشراء قسيمة، ونحو ذلك، هذه داخلة في الميسر، يعني مسابقات محرمة؛ لأن من يدخل فيها متردد بين الغنم والغرم، بين الربح والخسارة، فيدخل في قاعدة الميسر.

لكن، لو كانت هذه المسابقات لا يُشترط للدخول فيها بَذْل عوض، والمحل التجاري يبيع بسعر السوق؛ فلا بأس، مثلما تفعل بعض المحلات التجارية، يُعلنون عن مسابقات، ويقولون: فيها سحب، إما سحب أو إجابة عن أسئلة، ولا يبذل المتسابق عوضًا، والمحل التجاري يبيع بسعر السوق؛ هذه لا بأس بها؛ لأن الداخل فيها إما غانم وإما سالم، فلا يدخل في قاعدة الميسر.

المسابقات التي يشترط للدخول فيها الاتصال برقم مُسعَّر، كرقم سبعمائة مثلًا، هذا يعتبر من الميسر؛ لماذا؟ لأن الداخل فيها يبذل عوضًا، وهو قيمة هذا الاتصال المرتفع التكلفة، وهو قد يربح وقد يخسر، متردد بين الغنم والغرم، فيدخل في الميسر.

أما إذا كانت المسابقات تكون بالاتصال غير المُسعَّر، يعني الاتصال العادي، فهذه يظهر أنه لا بأس بها؛ لأن المتسابق لا يبذل عوضًا، وهو متردد بين أن يكون غانمًا أو سالمًا، أما الاتصال العادي فهذا قيمته وتكلفته يسيرة يُتسامح فيها.

المسابقات عن طريق رسائل الجوال، أيضًا هذه داخلة في الميسر؛ لأن المتسابق يبذل عوضًا، فهو مُتردِّدٌ بين الغُنْم والغُرْم.

مسابقات الصُّحُف، هذه فيها تفصيل: إن كان الداخل فيها يشتري الصحيفة لأجل المسابقة، فهذه داخلةٌ في الميسر، وإن كان يشتريها ليس لأجل الدخول في المسابقة، وإنما مِن عادته أنه يشتري هذه الصحيفة، أو أنها تُهدَى إليه، ودخل في المسابقة؛ فلا بأس.

بطاقات الفنادق، ونقاط الطيران، هذه إذا كانت بعوض فإنها داخلة في الميسر، وأما إذا كانت مجانية فلا بأس.

جميع الألعاب التي يُدفع فيها عوض، والدافع فيها متردد بين الربح والخسارة، هذه من الميسر، ومن ذلك: لعبة البالوت، أو ما يسمى بالورق، لعبة الورق أو البالوت، فهذه إذا كانت بعوض فإنها محرمة، وأما إذا لم تكن بعوض ولم تُلْه عن واجب ولم تُوقِع في مُحرَّم؛ فلا بأس.

النرد، لعبة النرد محرمة، وقد ورد فيها قول النبي : من لعب بالنردشير، فكأنما صبغ يده في لحمِ خنزيرٍ ودمِه. رواه مسلم[8]، ولعب النرد حرام وإن لم يكن بعوض، فإن كان بعوض فهو حرام بالإجماع.

لكن ما المقصود بالنَّرْد؟ ليس المقصود بالنرد لعبةَ السُّلَّم والثعبان التي يُسميها بعض الناس نردًا، أو لعبة الزهر الذي له: المكعب الذي له ستة أوجه، هذه ليست هي النرد المقصود في الحديث، وإنما المقصود بالنرد أو النردشير: لعبة شبيهة بلعبة الطاولة، ما يسمى بلعبة الطاولة، هذا هو النرد المحرم.

صور معاصرة لمسابقات ليست داخلة في الميسر

طيب، ننتقل لصورٍ معاصرة لمسابقات ليست داخلةً في الميسر، مثل مسابقات القرآن والسنة، والمسابقات الثقافية التي لا يَبذل المتسابقون فيها عوضًا، وإنما تكون الجوائز من جهة خارجية؛ هذه لا بأس بها؛ لأنها تكون من قبيل الجَعالة.

هدايا بعض المحلات التجارية، التي تكون مع بعض السلع، هذه أيضًا لا بأس بها، يُوضع مع السلعة هدية، هذه لا بأس بها إذا كانت تباع بسعر السوق؛ لأنها في الحقيقة تخفيضٌ بطريقٍ غير مباشر.

ما تمنحه بعض محطات الوقود من هدايا، مثلًا عندما تريد أن تُعبِّئ الوقود، وتضع البنزين في السيارة، بعض محطات الوقود تعطيك هدية، تعطيك مثلًا علبة مناديل، ونحوها؛ فهذه لا بأس بها؛ لأنها تخفيض بطريق غير مباشر، يقول: أنا أريد أن أخفض عنك قيمة البنزين، لكن بطريق غير مباشر، لا أخفض عنك مباشرًا، إنما أعطيك هدية، وأنت إما غانم وإما سالم.

وإن كان بعض العلماء المعاصرين ذهبوا إلى تحريمها، وقالوا: لأن ذلك يُلحق الضرر بمحطات الوقود الأخرى. ولكن هذا محل نظر؛ فإن أمور التجارة قائمة على المنافسة من قديم الزمان، حتى في عهد النبي ، فتنافُسُ التجار ليس مبررًا للقول بمنع تلك التجارة، وإذا حصل غلاء فاحش فإن ولي الأمر هو الذي يتدخل ويُسعِّر ويمنع من الزيادة، هذه مسؤولية ولي الأمر، أو ما يسمى عند الفقهاء بالتسعير.

وعلى ذلك نقول: إن ما تمنحه بعض محطات الوقود من هدايا؛ لا بأس بها، وهكذا ما تمنحه بعض المحلات التجارية من هدايا، كل ذلك لا بأس به؛ لأنه تخفيض بطريق غير مباشر.

ومن ذلك أيضًا ما يُسمى بنقاطٍ مجانية لدى بعض شركات الاتصالات، مثلًا “اتصالات السعودية”، عندهم برنامج “قِطَاف”، وهذا لا بأس به؛ لأن هذا البرنامج يمنح نقاطًا مجانية من باب تشجيع العملاء وجذب الزبائن والعملاء، فهي مجانية، يعني كلما استهلكت دقائق أكثر، كلما مُنحت نقاطًا أكثر، وهذه النقاط يكون لها مكافآت.

وهكذا أيضًا مثلًا في بعض الشركات، يعني برنامج “قطاف” أو برنامج نقاطي، أو بغير ذلك من البرامج، المهم أنها إذا كانت هذه النقاط تُمنح مجانًا فلا بأس بها؛ لأنها تخفيضٌ بطريقٍ غير مباشر.

المهم، أنت، اضبِطِ القاعدةَ: إذا كنتَ تدخل في هذه المسابقة، أو في هذا البرنامج، أو في هذه اللعبة، أو في هذه المغالبة، وأنت إما غانم وإما سالم، فهذا لا بأس به ولا يدخل في الميسر، أما إذا كنت تدخل فيها وأنت إما غانم وإما غارم، إما رابح وإما خاسر، فهذا يدخل في الميسر.

إذا ضبطت هذه القاعدة تستطيع معرفة حكم أي مسابقة، أو مغالبة، أو لعبة.

وخَتْمُ هذا الباب بقرار المجمع الفقهي الإسلامي في المسابقات، وبهذا نكون قد انتهينا من المجلد الخامس من “السلسبيل”، ونريد أيضًا أن نأخذ باب العارية من المجلد السادس، ما زال معنا وقت في الدرس.

كتاب العارية

قال المصنف رحمه الله تعالى:

كتاب العارية.

تعريف العارية

العارِيَّة في اللغة، يقال: عَارِيَّة بتشديد الياء، وبتخفيفها عَارِيَة، والتشديد أفصح، مأخوذة مِن “عار الشيء”: إذا ذهب وجاء، وسُمِّيت عارية لأنها تذهب للمستعير ثم ترجع للمعير.

ولذلك يقال للبَطَّال الذي يُضحك الناس، يقال له: عيَّار؛ لِتردُّدِه في بِطَالتِه، وهذا ما زال مستعملًا لدى العامة، إذا رأوا من يُضحِك الناس ويُكثر من النُّكتة، يقال له: عَيَّار.

وقيل: إن العارية مأخوذة مِن العُرْي، وهو التجرُّد؛ لكونها مُتجرِّدةً عن العِوَض، قال الجوهري في “الصحاح”، قال: كأنها منسوبة إلى العار؛ لأنَّ طلبَها عارٌ وعيب، لكن هذا محلُّ نظرٍ؛ إذ إنه لو كان طلبها عارًا لما فعل ذلك النبي ، وهو قد استعار أدراعًا من صفوان بن أمية، واستعار فرسًا[9]. فكان عليه الصلاة والسلام يستعير، فلو كان طلبها عارًا لما فعل ذلك النبي .

ثم إن هذا القول الذي ذكره الجوهري لم يذكره بقية علماء اللغة، فالأقرب أن هذا لا يصح.

أما معنى العارية اصطلاحًا، أحسن ما قيل في تعريفها: إنها إباحةُ نفعِ عينٍ يَحِل الانتفاعُ بها مع بقاء عينها.

ولاحِظ قولَنا في التعريف: “إباحة نفع”، وليس “تمليك نفع”، تمليك النفع هذه إجارة، لكن هنا مجرد إذنٍ في الانتفاع وإباحة نفع، هذا هو الفرق بين الإجارة والعارية.

فالمعير يأذن للمستعير في الانتفاع بهذه العين؛ ولذلك المستأجر يملك المنفعة، المستعير لا يملك المنفعة، وإنما فقط أذن له في التصرف فيها.

حكم العارية

أصلها الكتاب والسنة والإجماع، من الكتاب قول الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، وفسر بإنه إعارة الدَّلْو والقِدْر ونحوهما، وأيضًا: النبي عليه الصلاة والسلام استعار أدراعًا من صفوان بن أمية يوم حنين، وقال: العارية مؤداة[10]. وأجمع المسلمون على جوازها.

قال:

وهي مستحبة.

يعني: بالنسبة للمعير مستحبة، وهذا هو قول جمهور الفقهاء؛ لأنها تدخل في الإحسان، والله تعالى يقول: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]. لكنها غير واجبة؛ واستدلوا لعدم الوجوب بقول النبي : إذا أَدَّيْتَ زكاةَ مالِكَ فقد قضيتَ ما عليك[11]؛ هذا يدل على أنها غير واجبة.

لكن ذهبت طائفة من أهل العلم إلى وجوبها في حال غَنَاء المالك وحاجة المستعير، قالوا: إن العارية واجبة في حال غَنَاء المالك وحاجة المستعير. وهذا رواية عن الإمام أحمد، واختارها ابن تيمية رحمه الله.

واستدل أصحاب هذا القول بقول الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، وقد فسر منع الماعون بمنع الزكاة، وبمنع العارية، والصحيح أن منع الماعون يشمل الأمرين جميعًا؛ يشمل منع الزكاة، ومنع العارية، كما اختار ذلك ابن جرير وابن كثير، رحمهما الله تعالى.

وأيضًا استدلوا لوجوب العارية بقول النبي : ما من صاحب إبل ولا بقر، ولا غنم، لا يؤدي حقها، إلا أُقعِد لها يومَ القيامةِ بقاعٍ قَرْقَرٍ، تَطُؤه ذات الظِّلْف بظِلْفِها، وتَنطَحُه ذاتُ القَرْنِ بقَرْنِها، ليس فيها يومئذ جَمَّاءُ، ولا مكسورة القرن. قالوا: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: إِطْرَاقُ فَحْلِها، وإعارةُ دَلْوها هذا موضع الشاهد ومَنِيحَتُها، وحَلْبُها على الماء، وحَمْلٌ عليها في سبيل الله[12] إلخ الحديث.

وهذا الحديث ظاهر في إثبات الوعيد في حق مَن منع العارية، حيث استهل الحديث بوعيدٍ شديد: ما من صاحب إبل، ولا بقر، ولا غنم، لا يؤدي حقها، إلا أُقعِدَ لها يوم القيامة بقاعٍ قرقرٍ، تطؤه ذات الظِّلْف بظِلْفِها، ثم فسَّر النبيُّ المقصودَ بالحق، ومِن ذلك: إعارة دلوها، فالوعيد الشديد لا يكون على تَرْكِ مستحبٍّ، وإنما يكون على ترك واجب.

فلو كانت العارية مستحبة لَمَا ورد هذا الوعيد في حقِّ مَن منع إعارةَ الدلو، والمقصود إعارة العارية عمومًا؛ مَن مَنَع العارية عمومًا، وهذا القول كما ترى هو ظاهر الدلالة، وهو القول الراجح.

فإن الآية ظاهرة في الوجوب، ما دام أننا فسرنا منع الماعون بمنع الزكاة ومنع العارية، فهذه ظاهرة في الوجوب؛ لأنه ورد الوعيد: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ۝ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ۝ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ۝ فَوَيْلٌ [الماعون:1-4].

توعَّد اللهُ بالويل لِمَنْ؟ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، هذه الصفة الأولى، والصفة الثانية: الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤونَ [الماعون:6]، والصفة الثالثة: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، توعدهم الله بالويل وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ؛ يعني: يمنعون الزكاة، ويمنعون العارية، هذا ظاهرٌ في وجوب العارية.

كذلك هذا الحديث، وهو في “صحيح مسلم”، ورد فيه الوعيد الشديد في حقِّ مَن منع العارية، وهذا يؤيد القول بأن الراجح هو وجوب العارية مع غَنَاء المالك وحاجة المستعير.

بم تنعقد العارية؟

قال المصنف رحمه الله:

منعقدة بكلِّ قولٍ أو فعل يدل عليها.

تنعقد العارية بكل قول أو فعل يدل عليها، وليت أن المؤلف والفقهاء عمَّموا هذا في جميع العقود، يعني هنا في العارية قالوا: إن العارية منعقدة بكل قول أو فعل يدل عليها.

طيب، لماذا لا نقول ذلك في جميع العقود، كما قرَّر ذلك ابن تيمية رحمه الله؟ قال: إن جميع العقود تنعقد بكل قول أو فعل يدل عليها، لكن الفقهاء في العقود الأخرى مثل البيع لهم فيها مصطلحات، الإجارة لهم فيها مصطلحات، النكاح كذلك، الوقف كذلك.

لكن هنا في العارية، قالوا: منعقدة بكل قول أو فعل يدل عليها، والصواب أن العقود كلها تنعقد بكل قول أو فعل يدل عليها، كما قرر ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله.

شروط العارية

قال:

بشروط ثلاثة:

الشرط الأول:

كون العين مُنتفَعًا بها، مع بقائها.

يعني: مع بقاء العين، إن كانت العين لا يُنتفع بها إلا بإتلافها فهذه ليست عارية، هذه تكون هبة أو صدقة.

الشرط الثاني:

وكون النفع مباحًا.

فلا تكون العارية فيما نَفْعُه مُحرَّم، ولا تصح ولا تجوز، لكن هنا أُنبِّه إلى مسألة: وهي أنه لا تلازم بين عدم جواز البيع والإعارة، فقد نقول: إن البيع لا يجوز، لكن الإعارة تجوز وتصح.

مثلًا: كلب الصيد أو الحرث أو الماشية لا يجوز بيعه، وتجوز إعارته، الفحل للضِّرَاب لا يجوز أخذ العوض عنه، وتجوز إعارته.

الشرط الثالث، قال:

وكون المُعِير أهلًا للتبرُّع.

لأنها نوعُ تبرُّع، هي إباحةُ نفعٍ، فلا بد أن يكون المُعِير أهلًا للتبرُّع، يعني: جائز التصرف، وهو الحر المكلف الرشيد.

حكم رجوع المعير في عاريته

قال:

وللمُعِيرِ الرجوعُ في عارِيَّتِه أيَّ وقتٍ شاء، ما لم يَضُرَّ بالمستعير.

يعني: هل العارية عقدٌ جائز أو لازم؟

المؤلف يقول: إنها عقد جائز، للمعير أن يرجع في عاريته، لكن تكون عقدًا لازمًا إذا كان في ذلك ضررٌ بالمستعير، مثلما قلنا في المسابقة، المسابقة عقد جائز إلا في حق المفضول، فإنها في حقِّه عقدٌ لازم.

هنا أيضًا في العارية نقول: العارية عقد جائز، إلا إذا كان في رجوع المعير ضررٌ على المستعير، فتكون عقدًا لازمًا في حقه.

وإنما قلنا: العارية عقد جائز؛ لأن المنافع المستقبلية لم تحصل في يد المستعير، فجاز له الرجوع كالهبة قبل القبض؛ لأن الهبة قبل القبض ليست لازمة، لكن بعد القبض لازمة.

قال:

ما لم يضر بالمستعير.

لقول النبي : لا ضرر ولا ضرار[13]، لو أعاره سيارةً ليذهب بها إلى بلدٍ، وهم في منتصف الطريق، قال: رجعتُ عن عارِيَّتي؛ لا يصح الرجوع؛ لأن المستعير يتضرَّر بذلك.

وذكر المؤلف مثالًا في زمنه في حصول الضرر، قال:

فمَن أعار سفينةً لحَمْلٍ.

يعني: ليس له الرجوعُ؛ لِلُحُوقِ الضرر بالمستعير.

أو أعار أرضًا لدَفْنٍ.

كذلك ليس له الرجوع، نعم، أو كذلك أعار أرضًا لزرع؛ ليس له الرجوع؛ ولهذا قال:

لم يرجع حتى تُرْسَى السفينة ويَبْلى الميت.

فمن أعار سفينةً لحَمْلٍ، يقول: حتى إن السفينةَ تُرسَى على ساحل البحر، لا يُعيِّره سفينة ثم في وسط البحر يقول: أنا رجعت. طيب، ماذا يفعل هذا المستعير؟! يُلقيه في البحر؟ فليس له الرجوع حتى ترسو السفينة على الشاطئ.

أعار أرضًا للدفن، دُفِنَ فيها الميت، قال: هذه الأرض عارِيَّة، فدُفِن فيها الميت، قال: لا، أنا رجعت عن عاريَّتي. هل يُنبش هذا الميت ويُخرَج إلى أرض أخرى؟ نقول: لا، إنما تكون العارية لازمة، حتى يبلى هذا الميت.

أو أعار أرضًا لزرعٍ…

بعدما زَرَع هذا الزرع ونبت، قال: أنا رجعت في العارية. نقول: ليس لك ذلك:

حتى.. يُحصَد الزرع.

الضابط في هذا: أن المعير ليس له الرجوع في حالٍ يضر الرجوع معها المستعير.

قال:

ولا أُجرةَ منذ رجع إلا في الزرع.

يعني: لا أجرة للمالك إذا رجع إلا في مسألة الزرع، يكون له أجرة المثل مِن وقت رجوعه إلى وقت الحصاد.

هل للمستعير أن يستوفي المنفعة بغيره؟

ثم قال المصنف رحمه الله:

والمستعير في استيفاء النفع كالمستأجر.

المستعير كالمستأجر، بمعنى: أن له أن يستوفي المنفعة بنفسه، أو أن يستوفيها بغير من يقوم مقامه.

إلا أنه لا يُعِير ولا يُؤجِّر إلا بإذن المالك.

يعني: المستأجر له أن يُؤجِّر: “استأجرتُ بيتًا”؛ فيجوز لك أن تُؤجِّره، لكن لمن هو مثلك أو دونك في الضرر. وتكلمنا عن هذا في (كتاب الإجارة) في درس سابق.

لكن، إذا استعرتَ عارية فليس لك أن تعيرها إلا بإذن المالك، وليس لك أن تُؤجِّرها إلا بإذن المالك؛ لأن المستأجر يملك المنفعة، فيتصرف فيها ويبيعها على مستأجِرٍ آخر، بينما المستعير لا يملك المنفعة، وإنما أُذن له في الانتفاع بها، أُذن له في التصرف في هذه المنفعة، فلا بد من الرجوع إلى المالك إذا أراد أن يُعِير أو أراد أن يؤجر.

وعلى هذا؛ نستفيد من هذا التأصيل الذي ذكره المصنف: أنه إذا خالف المستعير وأعار وأجَّر بدون إذن المالك فتَلِفَتِ العينُ، فإنه يضمن، لكن للمالك مطالبة مَن شاء: مِن المستعير، أو المستعير منه.

هل العارية مضمونة؟

قال:

وإذا قبض المستعيرُ العاريةَ فهي مضمونةٌ عليه بمِثْلِ مِثْلِيٍّ وقيمةِ مُتقوَّمٍ يومَ تَلِفَ، فرَّط أو لا.

انتقل المؤلف للكلام عن مسألة مهمة في باب العارية، وهي: هل العارية مضمونة مطلقًا، أو أنها لا تُضمن إلا في حالة التعدي أو التفريط؟

فالمؤلف يقول: إن العارية مضمونة؛ لأنها أمانة في يد صاحبها، والله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، فإذا تلفت العارية بتعدٍّ أو تفريطٍ فهي مضمونة عند جميع الفقهاء.

لكن إذا تلفت العارية في يد المستعير من غير تعدٍّ منه ولا تفريط، فهل يضمن المستعير أو لا يضمن؟ في ذلك ثلاثة أقوال للفقهاء:

  • القول الأول: وهو المذهب عند الحنابلة: أنها مضمونةٌ على المستعير؛ يعني يضمنها المستعير، حتى لو كان التلف بغير تعدٍّ ولا تفريطٍ، إلا في أربع مسائل سيذكرها المؤلف بعد قليل.
  • والقول الثاني في هذه المسألة: أن العارِيَّةَ مضمونةٌ مطلقًا؛ يعني مِن غير استثناءٍ. وهذا هو مذهب الشافعية.
  • والقول الثالث: أن العارِيَّة أمانةٌ لا تُضمن إلا بالتعدي أو التفريط. وهذا مذهب الحنفية والمالكية.

أما أصحاب القول الأول، وهم الحنابلة، قالوا: بأنها مضمونة إلا في أربع مسائل؛ فاستدلوا لذلك بعموم الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، قالوا: ومنها العارية. وأيضًا حديث: العارِيَّة مُؤَدَّاة[14] وما جاء في معناه.

وقالوا: إن الضمان كما قال المصنف: إذا كانت العارية مثلية فالضمان يكون بمِثْلِيٍّ، وإذا كانت مُتقوَّمةً يكون بمُتقوَّمٍ، وهذه المصطلحات -مصطلح المِثلي والمُتقوَّم- سبق أن بينَّا معناها في دروس سابقة، وقلنا: إن المثلي عند الحنابلة: هو كلُّ مَكِيل أو موزون لا يصح فيه السَّلَم، وليس فيه صناعة مباحة، هذا هو المثلي.

والقول الراجح: أن المِثلي ما له مِثل أو شبيه، سواء أكان مكيلًا أو موزونًا، مصنوعًا أو غير مصنوع؛ ولذلك النبي لما كَسرت عائشةُ الإناءَ الذي فيه الطعام، قال: طعامٌ بطعام، وإناء بإناء[15] مع أنه لا يعتبر يعني مثليًّا؛ لأنه لا يختص بمكيل ولا موزون.

فالصواب الذي عليه المحققون: أن المثلي هو ما له مِثل أو شبيه، ولا يختص ذلك بالمكيل أو الموزون.

طيب، استثنى الحنابلة أربع مسائل، ما هي المسائل الأربع التي قالوا: لا ضمان فيها إلا بالتعدي أو التفريط؟

مسائل العارية التي لا ضمان فيها إلا بالتفريط

وضَّح المؤلف هذه المسائل الأربع:

المسألة الأولى، قال:

لكن لا ضمان في أربع مسائل إلا بالتفريط.

الأولى:

فيما إذا كانت العارية وقفًا؛ ككتب علم، وسلاح.

لماذا؟ قالوا: لأنه يُعتبر من جملة المستحقين لهذا الوقف.

المسألة الثانية، قال:

وفيما إذا أعارها المستأجر.

لماذا؟ لقيام المستعير مقام المستأجر في استيفاء المنفعة، فيكون حكمُه حكمَه في عدم الضمان.

المسألة الثالثة، قال:

أو بَلِيَتْ فيما أُعِيرت له.

لأن الإذن في الاستعمال قد تضمَّن الإذنَ في الإتلاف.

المسألة الرابعة، قال:

أو أركب دابَّتَه منقطعًا لله تعالى، فتَلِفَتْ تحته.

إنسانٌ منقطعٌ في الطريق، وإنسان يسير على دابته، فأركب هذا المُنقطِعَ، فالدابَّةُ تَلِفَتْ تحت هذا المنقطع، فإنه لا يَضمن التلف؛ لأنها بيد صاحبها، وهذا الراكب المنقطع لم ينفرد بقيادتها وبحِفظها؛ ولأن المالك هو الذي طلب منه أن يركب.

فقالوا: إن العارية مضمونة على كل حال إلا في هذه المسائل الأربع.

أما الشافعية الذين قالوا: إن العارية مضمونة مطلقًا بدون استثناء؛ فاستدلوا بأدلة الحنابلة نفسها: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، وأيضًا حديث: العارية مؤداة[16].

وأيضًا حديث صفوان بن أمية؛ لما استعار النبي منه أدراعًا يوم حنين، فقال: أغصبًا يا محمد؟ قال: لا، بل عارية مضمونة[17]، قالوا: فـمضمونة صفةٌ كاشفةٌ لحقيقة العارية؛ يعني كأن النبي يقول: لا، بل عارية، والعارية مِن شأنها الضمان، فجعلوا المضمون صفةً كاشفة.

وأيضًا، حديث سَمُرة: على اليد ما أخذت حتى تؤديها[18].

القول الثالث: قالوا: إن العارية أمانة، فهي كسائر الأمانات، كالوديعة وكسائر الأمانات؛ لا تُضمن إلا بالتعدي أو التفريط. هذا مذهب الحنفية والمالكية؛ واستدلوا بحديث صفوان السابق[19].

وقالوا: إن قول النبي : بل عارية مضمونة قالوا: إن مضمونها ليست صفة كاشفة، بل صفة مقيدة، يعني: أستعير منك هذه العارية متصفة بكونها مضمونة، وإلا فالأصل أن العارية غير مضمونة.

وقالوا: إن العارية أمانة وقعت في يد المستعير برضا صاحبها، فتكون أمانة كسائر الأمانات، لا تُضمَن إلا بالتعدي أو التفريط.

طيب، عند الموازنة بين هذه الأقوال، يظهر أن القول الراجح -والله أعلم- هو القول الثالث: وهو أن العارية أمانة كسائر الأمانات، لا تُضمن إلا بالتعدي أو التفريط.

لو رجعنا يعني للحديث الذي استدلَّ به جميعُ الفقهاء، يعني: أصحاب الأقوال الثلاثة استدلوا بهذا الحديث، لكنْ كلٌّ له فهمٌ، وهو حديث صفوان في قول النبي : بل عارية مضمونة.

القائلون بأن العارية مضمونة، كالشافعية، والحنابلة إلا في أربع مسائل، قالوا: إن قول النبي : مضمونة صفة كاشفة، يعني أن هذه عارية، والأصل في العارية الضمان.

أصحاب القول الثاني: الحنفية والمالكية، قالوا: لا، إن صفة مضمونة في قول النبي : بل عارية مضمونة ليست صفةً كاشفة، وإنما هي صفةٌ مُقيَّدة، فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: بل عارية، والعارية ليس من شأنها الضمان، لكنني أشترط على نفسي الضمان؛ تشجيعًا لصفوان على إعارة هذه الأدرع، وتطييبًا وجبرًا لخاطره.

وهذا المعنى الثاني، هذا الفهم الثاني هو الأقرب، هو الأقرب لسياق الحديث.

وعلى تقدير التعارض بين كونها صفة كاشفة أو مقيدة، فيُرجَع للأصل: هل الأصل في الصفة أنها كاشفة، أو أنها مُقيَّدة؟ انتبِه لهذا المبحث الدقيق.

نقول: الأصل أنها مقيدة وليست كاشفة؛ لماذا؟ لأن الكاشفة لو حُذفت لاستقام الكلام بدونها، بينما المُقيَّدة لا يتم الكلام إلا بها، والأصل أن المذكورَ واجبُ الذكر. وعلى ذلك؛ فتكون الصفة مقيدة.

وهذا مما يرجح القول الثالث، وهو أن العارية لا تُضمن إلا بالتعدي أو التفريط. فالقول الراجح عند كثيرٍ من المحققين من أهل العلم: أن العاريةَ أمانةٌ كسائر الأمانات لا تُضمَن إلا بالتعدي أو التفريط.

ورجَّحنا هذا، تذكرون في ضمان الأجير المشترك، الأجير الخاص، قلنا: إن يده يد أمانة، لا يَضمن إلا بالتعدي أو التفريط، لكن الأجير المشترك كان الحنابلة وبعض الفقهاء، بل الجمهور، يقولون: إن الأجير المشترك يضمن بكلِّ حالٍ، حتى لو لم يتعدَّ ولم يُفرِّط، ويقولون: لا يَصلُح الناس إلا على هذا. ويستدلون بأثرٍ عن عليٍّ.

وقلنا: إن القول الراجح أن الأجير المشترك كالأجير الخاص، وأن يده يد أمانة، ما الذي يُخرجه من كونه يده يد أمانة؟ فمَن أعطَى ماله برضاه لغيره، فهذا الذي قد أُعطي يدُه يدُ أمانةٍ. فقلنا: إن القول الراجح: أن الأجير المشترك يده يد أمانة.

وعلى ذلك تكون القاعدة مُطَّردة، الأجير الخاص أمين، لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، الأجير المشترك على القول الراجح أمين، لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، المستعير أمين، لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، المُودَع أمين، لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط.

لاحظ أن القاعدة مطردة، لكن مَن فرَّق هذا هو الذي يكون قوله فيه اضطراب؛ فمَن قال: الأجير المشترك لا يُعتبر أمينًا، يكون قوله فيه اضطراب، أو المستعير لا يكون أمينًا. طيب، لماذا أخرجت هؤلاء؟ المعنى الذي لأجله جَعَلتَ المُودَع أمينًا هذا متحقق في المستعير، ومتحقق في الأجير المشترك.

فالصواب إذن أن العارية أمانة، لا تُضمن إلا بالتعدي أو التفريط.

قال:

ومَن استعار ليرهن، فالمُرتهِن أمينٌ، ويضمن المستعيرُ.

من استعار شيئًا ليرهنه، جاز ذلك، والمرتهن يكون أمينًا، فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، حتى وإن كانت العينُ المرهونة عاريَّةً.

أما المستعير فإنه ضامنٌ مطلقًا، سواء تلفت تحت يديه، أو تحت يد المرتهن، هذا طبعًا بناء على المذهب. وأما على القول الراجح: فالمستعير أمين كالمرتهن في هذه الصورة، وعلى هذا لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط.

حكم الدابة المشتركة إذا سُلمت لأحد الشريكين فتلفت

آخر مسألة معنا في (باب العارية)، قال المصنف:

ومَن سلَّم لشريكِه الدابةَ ولم يستعملها، أو استعملها في مقابلةِ عَلْفها بإذن شريكه، وتلفت بلا تفريط، لم يضمن.

يعني: هناك دابة -حيوان، نفترض مثلًا جملًا- مشتركة، هذه الدابة بين اثنين، سلَّم أحدُهما الدابةَ المشتركة لصاحبه، لشريكه، ولم يستعملها، فتلفت بغير تعدٍّ منه ولا تفريط، يقول المصنف: إنه لا يضمن، ما دام أنه قد سلَّمها لشريكه ولم يستعملها، وتلفت بغير تعدٍّ ولا تفريط، لا يضمن.

وكذلك لو استعملها، لكن في مقابلة عَلْفها بإذن شريكه وتلفت، فلا يضمن أيضًا، إذا كان ذلك بغير تعدٍّ ولا تفريط.

ويعني هذا التفريع بناء على قولهم بأن العارية مضمونة، لكن على القول الذي رجَّحناه، وهو أن العاريةَ أمانةٌ لا تُضمن إلا بالتعدي أو التفريط، لا نحتاج لهذه التفريعات؛ لأننا نقول: الأصل أن المستعيرَ يدُه يدُ أمانةٍ، فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط في جميع الصور وجميع المسائل.

وبهذا نكون قد انتهينا من (كتاب العارية)، ونتوقف عند هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

طيب، إذن نتوقف عند (كتاب الغصب).

وكما ذكرت أن هذا الدرس سيتوقف فترة رمضان وما بعده إلى استئناف الدراسة، وهي في آواخر شهر محرم إن شاء الله، كالعادة، فالعادة أننا نتوقف فترة رمضان وما بعد رمضان إلى حين استئناف الدراسة.

فإن شاء الله عندما يُستأنف الدرس، سيكون حضوريًّا إن شاء الله كما كان سابقًا، وقد كان عن بُعد بسبب ظروف جائحة كورونا، والحمد لله، نحن الآن إن شاء الله في آواخر هذه الجائحة وهذا الوباء.

والدرس القادم بإذن الله تعالى سيكون حضوريًّا في الجامع بإذن الله ، وسيُعلن عن ذلك في حينه.

الأسئلة

الآن نجيب عما تيسَّر من الأسئلة.

السؤال: مسافر دخل مسجدَ حي بعد الأذان، وكان مُرهَقًا يُريد النوم، فصلَّى مع صاحبه في آخر المسجد، فهل فِعلهما صحيحٌ؟

الجواب: نعم، ما دام مسافرًا فالأمر واسع، ما دام مسافرًا لا يلزمه أن يبقى في المسجد وينتظر أن تقام الصلاة في المسجد ويصلي مع الجماعة؛ لأن الجماعة في المسجد في حقه غير واجبة، فهذا فعله صحيح، له أن يصلي هو وصاحبه في آخر المسجد، ويسيران في سفرهما.

السؤال: هل الذي يأتيه مال ولا يسدد دَينه، سواء لظروف أو تقصير، يكون ظالمًا؟

الجواب: نعم، إذا كان أتاه مال ولم يُسدِّد دَينه لغير عذرٍ فإنه يأثم بذلك؛ لقول النبي : مَطْلُ الغني ظلم[20]؛ لأنه قادر على السداد؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: مَن أخذ أموال الناس يُريد إتلافها أتلفه الله[21]، فهذا يدل على سوء مقصده وعلى مماطلته، وهذا لا يحل له، وقد يكون هذا سببًا لمَحْق بركة أمواله، أو بركة صحته، أو محقًا لبركات أخرى.

ولهذا؛ فعلى المَدِين متى ما تيسَّر عنده المال أن يُبادر بسداد الدَّين الواجب عليه، أما إذا كان تأخُّره لعذرٍ؛ لأن الأخ السائل قال: لظروف، إذا كان لعذر فننظر لهذا العذر: إن كان مقبولًا شرعًا فيكون معذورًا بهذا، كأن يكون مثلًا مُعسِرًا وليس عنده من المال إلا بقدر نفقته ونفقة مَن تلزمه نفقته، فإن هذا يكون معذورًا.

السؤال: أنا أعمل في مكان يخدم العلم الشرعي، هل أخذي للراتب يُذهب أجري أو ينقص منه؟

الجواب: أما كونه يُذهب أجرك فلا يُذهب أجرك؛ لأن هذا يدخل في مسألة التشريك في النية، بين أن يريد بعمله وجه الله، ويريد أمرًا دنيويًّا، والقول الراجح أن التشريك في النية لا يُبطل الأجر.

ولهذا؛ لما أراد أناس من الصحابة أن يَحُجُّوا ويتاجروا تحرَّجوا، فأنزل الله قوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198]، فرفع الله تعالى الجُنَاح والحَرَج، لكنه ينقص الأجر؛ لقول النبي فيمن غنموا غنيمةً: أنهم قد تعجَّلوا ثلثي أجرهم[22]؛ وهذا يدل على أنه ينقص من أجره بمقدار ما حصل في الدنيا، لكن هذا لا يُبطل أجره.

يعني: لو أنه مثلًا جعل العمل كله خالصًا لله تعالى، لا شك أنه أعظم أجرًا، لكن إذا أراد وجه الله وأراد أمرًا دنيويًّا، فذلك جائز، لكنه أقلُّ في الأجر ممن جعل العمل كله خالصًا لوجه الله.

السؤال: هل يوجد دليل على عدم الجمع والقصر إذا نَوَيْتُ أن أبقى في البلدِ أكثرَ من أربعة أيام؟

الجواب: القول الراجح في هذه المسألة هو التحديد بتسعة عشر يومًا، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، جاء في “صحيح البخاري” عن ابن عباس، قال: أقام النبي في مكة تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة، فنحن إذا أقمنا تسعة عشر يومًا قصرنا، فإذا زدنا على ذلك أتممنا[23].

هذا هو قول ابن عباس، ومال إليه البخاريُّ وجمعٌ مِن أهل العلم، وهو الأقرب؛ لأنه يستند فيه على فِعل الصحابة؛ فِعل ابن عباس ومَن معه من الصحابة، كانوا يرون هذا التحديد، بينما التحديد بأربعةِ أيامٍ لم يُؤثَر عن أحدٍ مِن الصحابة.

ثم إن تسعة عشر يومًا هي مُقارِبةٌ للعرف والإقامة القصيرة؛ لأن الإقامة الطويلة: الأصل أن المسافِرَ إذا أقام إقامةً طويلة يجب عليه الإتمام، لكن إذا أقام إقامةً قصيرة فلا يجب؛ لأن الأصل في السفر هو الإسفار، يعني البروز عن الصحراء، لكن خُولف هذا الأصل فيما ورد من الآثار والنصوص، ولا أعلم أن هناك نصًّا في تحديد المدة، لكن هذا الأثر عن الصحابة، يعني هو أقرب ما قيل في هذه المسألة.

فعلى هذا؛ المسافر إذا أقام تسعة عشر يومًا فأقل، فإنه يترخَّص برُخَص السفر، إذا زاد على ذلك: أقام عشرين يومًا فأكثر، فإنه لا يترخَّص برُخَص السفر.

السؤال: هل القطرات التي تتطاير من الماء الذي تُغسَل فيه الثياب النَّجِسة في الغسالة، نَجِسَة ويجب التحرُّز منها؟

الجواب: الأصل هو الطهارة، فلا يقال: بأن هذا الشيءَ نجِسٌ إلا بغلبة الظن على نجاسته، وأما مجرد الشك فلا يُلتفت إليه، فمِثل هذه القطرات التي يذكرها الأخ السائل -يعني- الأصل أنها لا تُؤثِّر على الإنسان، هي قطرات أصلًا في محيط الغسالة، وإذا تطايرت ستكون في المنطقة القريبة منها.

وغالب مَن يطرح مثل هذه الأسئلة عندهم وساوس، عندهم وساوس في هذا.

فنقول: ابْنِ الأمرَ على الأصل، وهو الأصل الطهارة؛ ولذلك حتى لو كنتَ في دورة المياه أو ما يسمى بالمرحاض أو الحمام، وسقط منك بعض ملابسك على الأرض، فالأصل هو الطهارة، ما لم تعلم نجاستها، فالأصل في الأشياء الطهارة. خُذْ هذا الأصل وطبِّقه في جميع الأمور.

نقول: الأصل الطهارة، إلا إذا علمتَ بأن هذا المكان نجِس، هكذا أيضًا نقول فيما ذكره الأخ السائل، نقول: الأصل الطهارة إلا إذا علمت وتحقَّقتَ من النجاسة.

السؤال: هل المَذْيُ نَجَسٌ؟

الجواب: المذي بالذال هو سائل لزج يخرج عن اشتداد الشهوة، يخرج من الرجل ومن المرأة، وهو نَجَسٌ، لكن نجاسته مُخفَّفة، يعني يكفي فيه النَّضْح، والمقصود بالنضح يعني: غَمْر الماء مِن غير عصر، لكنه ينقض الوضوء.

ولهذا؛ لما سُئل النبي عن المذي قال: اغسل ذَكَرَكَ وتوضأ[24]، هو ينقض الوضوء، ونَجَسٌ إلا أن نجاسته مخففة.

السؤال: ما حكم تقديم الهدايا بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك؟

الجواب: لا بأس بذلك؛ لأن هذا من العادات، فالأصل في العادات الحِل والإباحة، إلا ما ورد الدليل بمَنْعه، ولا أعلم أن هناك دليلًا يمنع من تقديم الهدايا بمناسبة رمضان، أو مناسبة العيد، أو بأي مناسبة من المناسبات المعتادة للناس؛ يعني مناسبة زواج، بمناسبة مولود، بمناسبة العيد، بمناسبة رمضان، كل هذه من العادات، والأصل في العادات الحِل والإباحة.

السؤال: إذا نزل دَمُ الحيض قبل أذان المغرب بفترةٍ قليلة، فهل تقضي ذلك اليوم؟

الجواب: نعم، إذا نزل دم الحيض، ولو قبل أذان المغرب بدقيقةٍ واحدة، ينتقض صومها ويلزمها القضاء، لكنها مأجورة على ما مضى مِن صيامها، وإن كان لا يُعتبر صيامًا بالمعنى الشرعي، لكنها أمسكت بأمر الشارع فهي مأجورة على ذلك، فلا تتحسَّر المرأة وتقول: إنه انتقض صومها في آخرِ دقيقةٍ من النهار، نقول: أنت مأجورة لا تتحسَّري، فالله تعالى لا يَضيع عنده عملُ عاملٍ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8].

فهذا الإمساك الطويل، أمسكتِ جميعَ اليوم، وفي الدقيقة الأخيرة نزل دم الحيض، فأنتِ مأجورة على ذلك، فينبغي أن تتقبَّلي هذا برِضًا، ولا تتحسري على هذا، ويلزمك القضاء.

السؤال: ما حكم اعتكاف المرأة؟

الجواب: المرأة كالرجل في الاعتكاف، وأزواج النبي كُنَّ يعتكفن معه في مسجده، لكن لا يصح اعتكافُ الرجلِ والمرأة إلا في المسجد.

والمرأةُ إذا أرادت أن تعتكف في المسجد فلا بد أن يكون ذلك في مكانٍ تأمن معه الفتنة، فلا يجوز أن تعتكف في مكانٍ تُعرِّض نفسها فيه للفتنة، تعرض نفسها لأن يُفتتن بها، وربما تقع الفتنة منها أيضًا، فلا بد أن تكون في مكان مأمون تأمن معه الفتنة.

السؤال: هل يجوز تأخير غسل الجنابة إلى ما بعد طلوع الفجر؟

الجواب: نعم، يجوز، وهذا قد كان يفعله النبي أحيانًا، فلو قُدِّر أن الجِماع امتدَّ مثلًا إلى طلوع الفجر، ولم يغتسل الرجل والمرأة إلا بعد طلوع الفجر؛ فلا بأس بذلك، وقد كان هذا يحصل أحيانًا من النبي .

السؤال: ما حكم مَن يصوم رمضان ويتساهل في الصلاة؟

الجواب: هذا على خطرٍ عظيم، وقد حرص على المحافظة على الصوم، مع أنه الركن الرابع، وأخلَّ بالصلاة التي هي الركن الثاني، وهي آكَدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، وعمود دين الإسلام، محافظته على الصوم هذا شيء طيب ويُشكَر عليه، لكن ينبغي أيضًا أن يتبع ذلك المحافظة على الصلاة، وإذا أراد أن يحافظ على الصلاة، يرفع مستوى الاهتمام بها، الإنسان إذا اهتم بشيء حافظ عليه، تجد أن الأشياء المهمة في حياتك تحافظ عليها، ما تُخِل بها، لكن عندما يضعف الاهتمام يكون الإخلال.

ولهذا؛ طيب، كيف يأتي الاهتمام؟ الله تعالى يقول: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]، إذا كان الإنسان خاشعًا تقيًّا، إيمانه قويًّا، يكون اهتمامه بالصلاة كبيرًا، أما إذا كان عنده ضعف في الإيمان، يكون الاهتمام قليلًا.

ولذلك؛ ينبغي أن يحرص المسلم على أن يؤدي الصلوات الخمس مع الجماعة في المساجد، خاصة في شهر رمضان، حتى يكون أجره تامًّا.

فينبغي أن يحرص على أن يؤدي الصلاة في وقتها مع الجماعة في المسجد، إذا وجد عنده الاهتمام الكبير، سيجد من الوسائل ما يُعينه على الاستيقاظ من النوم، وعلى أن يؤدي الصلاة في وقتها مع الجماعة في المسجد، المهم أن يرفع مستوى الاهتمام لديه.

السؤال: كيف يستقبل المسلم شهر رمضان؟

الجواب: يستقبل المسلم شهر رمضان بالفرح والاستبشار، يفرح بنعمة الله عليه؛ لأن الله تعالى بلَّغه هذا الشهر، الذي هو مِن مواسم التجارة مع الله بالأعمال الصالحة، وقد حُرم بعضُ الناس ذلك بأن اخترمتهم المَنِيَّةُ وماتوا قبل أن يُدركوا هذا الموسم، فيفرح بنعمة الله عليه بأن بلَّغه هذا الشهر، فيستقبل رمضان بالفرح والاستبشار، وبالتشمير في الطاعات، وبذل المزيد من الجهد في العبادات وفي الطاعات، وفيما يُقرِّب إلى الله ، وفي الكف عن الذنوب والمعاصي.

وينبغي أن تكون حال المسلم إذا دخل رمضان خيرًا من حاله قبل دخول رمضان، وقد كان النبي أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

ينبغي إذا دخل رمضان أن يَظهر عليك مظهرُ الجِد والاجتهاد في العبادة، والتشمير والمحافظة على الواجبات والفرائض، والاستكثار من النوافل، والبُعد عن المعاصي والمحرمات.

السؤال: ما حكم تزيين البيوت ابتهاجًا بقدوم شهر رمضان؟

الجواب: لا بأس بذلك، وهذا يدخل في العادات، فتزيين البيوت عند قدوم شهر رمضان أو عند الأعياد أو عند -مثلًا- مناسبة الزواج، كل هذا لا بأس به، هذا كله يدخل في باب العادات التي الأصل فيها الحِل والإباحة.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وإن شاء الله الدرس القادم يكون حضوريًّا في الجامع، فنلتقي بكم على خير إن شاء الله تعالى في شهر رمضان.

سيكون هناك أكثر ما يكون برامج الفتيا في إذاعة القرآن الكريم، وسيكون عندي إن شاء الله ثلاثة أيام، وكذلك أيضًا في قناة المجد وقناة الرسالة، وكذلك أيضًا في إذاعة ألف ألف، عندهم برنامج أيضًا في الفتوى.

وأيضًا هناك كلمات في بعض المساجد، وأيضًا في العشر الأواخر من رمضان، ستكون هناك دروس في المسجد الحرام كالمعتاد، تقريبًا من عشر سنوات أو تزيد كانت هذه الطريقة، أنه في العشر الأواخر من رمضان تُقام دروس في المسجد الحرام، كل هذا إن شاء الله سيُعلن عنه في حينه.

نسأل الله تعالى أن يستعملنا جميعًا في طاعته، وأن يُبلِّغنا شهر رمضان، وأن يوفقنا فيه للصيام والقيام وصالح الأعمال.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037.
^2 رواه أحمد: 10138، وأبو داود: 2574، والترمذي: 1700، والنسائي: 3585، وابن ماجه: 2878
^3 رواه أحمد: 2495، والترمذي: 3193.
^4 رواه أحمد: 26277، وأبو داود: 2578.
^5 رواه الترمذي: 3895، وابن ماجه: 1977.
^6 رواه أحمد: 10557، وأبو داود: 2579، وابن ماجه: 2876، والحاكم في “المستدرك”: 2536.
^7, ^14, ^16, ^17, ^19 سبق تخريجه.
^8 رواه مسلم: 2260.
^9 رواه أحمد: 15302، وأبو داود: 3562.
^10 رواه أحمد: 22294، والترمذي: 1265، وابن ماجه: 2398.
^11 رواه الترمذي: 618، وابن ماجه: 1788.
^12 رواه مسلم: 988.
^13 رواه مالك: 31، وأحمد: 2865، وابن ماجه: 2341.
^15 رواه الترمذي: 1359.
^18 رواه أحمد: 20086، وأبو داود: 3561، والترمذي: 1266، وابن ماجه: 2400.
^20 رواه البخاري: 2287، ومسلم: 1564.
^21 رواه البخاري: 2387.
^22 رواه مسلم: 1906.
^23 رواه البخاري: 1080.
^24 رواه البخاري: 269، ومسلم: 306.
zh