logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(58) باب الإجارة- من قوله: “شروطها ثلاثة..”

(58) باب الإجارة- من قوله: “شروطها ثلاثة..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

حياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي، وهو الدرس الرابع والعشرون من هذا العام الهجري، في هذا اليوم الاثنين، الثامن عشر من شهر شعبان من عام (1443 هـ).

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.

ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول، وبك أحول، وإياك أستعين.

باب الإجارة

الآن ننتقل للتعليق على “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى باب الإجارة.

الإجارة أولًا: هي نوعٌ من البيع، فهي بيع منافع، والبيع المعروف هو بيع أعيانٍ، يبيعك هذه السلعة، يبيعك هذه العين، لكن إذا باعك منفعةً، هذه تسمى إجارةً؛ وعلى هذا: فالإجارة بيع منافع.

تعريف الإجارة لغةً واصطلاحًا

ومعناها في اللغة: اسمٌ من أَجَرَه يأجُره، مشتقةٌ من الأجر، وهو العوض والجزاء على العمل، والجمع أجورٌ، قال الله تعالى عن موسى : قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا [الكهف:77].

وفي اصطلاح الفقهاء، عرِّفت بعدة تعريفاتٍ، ومن أحسنها تعريف البهوتي في “الروض المربع”، قال في تعريف الإجارة: عقدٌ على منفعةٍ مباحةٍ معلومةٍ من عينٍ معينةٍ أو موصوفةٍ في الذمة مدةً معلومةً، أو على عملٍ معلومٍ بعوضٍ معلومٍ.

ربما يؤخذ عن هذا التعريف الطُّول، لكنه يشمل معظم شروط الإجارة.
وقوله: “عقدٌ على منفعةٍ”، خرج به العقد على العين؛ لأنه بيعٌ، بينما العقد على المنفعة هو الإجارة.

وقوله: “منفعةٍ مباحةٍ”، خرج به المحرمة؛ لأنها ليست إجارةً شرعًا، قوله: “معلومةٍ”، خرج به المجهولة، وقوله: “من عينٍ معينةٍ، أو موصوفةٍ في الذمة”، “أو على عملٍ معلومٍ، هذا يدل على أن الإجارة على قسمين:

  • الأول: أن تكون على منفعةٍ، سواءٌ أكانت المنفعة من عينٍ معينةٍ، أو موصوفةٍ في الذمة.
  • والثاني: أن تكون على عملٍ معلومٍ على منفعةٍ؛ كأن يقول: آجرتك داري هذه، أو موصوفةٍ: آجرتك سيارةً صفتها كذا، أو على عملٍ معلومٍ؛ كأن يستأجر مثلًا سيارةً لحمل سلعةٍ معينةٍ إلى مكانٍ معينٍ.

وقوله في التعريف: “مدةً معلومةً”، لا بد أن تكون المدة معلومةً؛ كيومٍ وشهرٍ وسنةٍ، وهذا إنما يكون في النوع الأول، وهو الإجارة على المنفعة.

وبعوضٍ معلومٍ، يعني: لا بد أن يكون أيضًا مقدار الأجرة معلومًا، إلا إذا كان هناك عرفٌ، فيستغنى به، وحتى أيضًا لو لم تُسَمَّ الأجرة كما سيأتي، يكون له أجرة المثل، سنوضح هذا إن شاء الله أكثر، وسنذكر له أمثلةً.

مشروعية الإجارة

دل على جواز الإجارة الكتاب والسنة والإجماع، من الكتاب الأدلة كثيرةٌ؛ منها: قول الله تعالى عن المرأتين في قصة موسى : قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26]، وهاتان البنتان، بنتا الرجل الصالح، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما أتى إلى مدين؛ أتى وما معه إلا ثوبه، وهو بحاجةٍ للأكل والشرب، وللراحة وللمسكن، فسبحان الله! أتى بهذا العمل التطوعي: سقى لهاتين الفتاتين، ورأتا منه عجبًا:

أولًا: رأتا منه القوة، قويٌّ، ذهب وسقى لهما بقوةٍ ونشاطٍ عجيبٍ، ثم الأمانة والعفة، ما نظر إليهما قط، فأعجبتا به، فأخبرتا أباهما، فأرسل إحداهما إليه تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَاءٍ قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص:25]، فجاء وقال: كوني خلفي وأنا أمامك، فإذا أردتِ أن أسير يمينًا؛ فاحذفي حصاةً من اليمين، أو يسارًا من اليسار، يعني عفة لهذه الدرجة، لا يريد أن تمشي أمامه! فأعجبت به، يعني هذا الرجل بهذه المواصفات، هذه أخلاق الأنبياء، ليست أخلاقًا عاديةً، عفةٌ وأمانةٌ وشهامةٌ، وكل شيءٍ، يعني صفاتٌ غير عاديةٍ، فأعجبت به إعجابًا شديدًا.

فلما ذهب إلى أبيها وقص عليه القصص؛ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص:25]، قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26]، فانظر كيف وصفت موسى بالقوة وبالأمانة، وبالفعل صدقت فراستها، فكان قويًّا أمينًا عظيمًا، من أعظم الأنبياء والرسل عليه الصلاة والسلام، وقص الله تعالى لنا قصص موسى في القرآن الكريم، وكما يقول ابن تيمية رحمه الله: إن قصص موسى  أعظم حتى من قصة يوسف ؛ لأن فيها عبرًا وفوائد ودروسًا بليغةً.

الشاهد: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26].

ومن السنة أحاديث كثيرةٌ؛ منها: أن النبي في رحلته من مكة إلى المدينة في الهجرة استأجر رجلًا، ويقول الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة..، وذكر منهم: رجلٌ استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره [1].

وأجمع العلماء على جواز الإجارة، وعلى ذلك مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، والحنفية عندهم أن الإجارة بيع منافع، والمنفعة ليست مالًا، عندهم أن المنفعة ليست مالًا، فمقتضى قواعد مذهبهم: أن الإجارة لا تصح، لكنهم أجازوها استحسانًا، وإلا فمقتضى قواعد المذهب: أنها لا تصح؛ لأنهم لا يعتبرون المنافع مالًا، وإذا لم تكن مالًا؛ لم يصح بيعها، لم يصح بيع غير المال، لكنهم أجازوها استحسانًا؛ للحاجة إليها؛ فعلى هذا: تكون المذاهب الأربعة كلها على جواز الإجارة، بل عامة أهل العلم على جواز الإجارة.

شروط صحة الإجارة

شروطها ثلاثةٌ:

الأول:

معرفة المنفعة.

يعني: تكون المنفعة معلومةً؛ لأنها هي المعقود عليها؛ فمثلًا: عند البناء لا بد أن يُعرف الطول والعرض والمساحة، كذلك عند استئجار سيارةٍ يعرف مواصفات هذه السيارة، عند استئجار بيتٍ يعرف مساحة هذا البيت، والأمور المؤثرة في مقدار الأجرة.

الشرط الثاني:

ومعرفة الأجرة.

يعني: لا بد أن تكون الأجرة معلومةً؛ كقول عامة أهل العلم، هي كالثمن في البيع، فلا بد من العلم بها، وكما جاء في الحديث: من استأجر أجيرًا؛ فليُعلِمه أجره [2].

ولكن في كثيرٍ من الأحيان يستأجر الإنسان الأجير من غير أن يتفق معه على أجرةٍ؛ كأن يوقف سيارة أجرةٍ، ويقول مثلًا: أوصلني للمطار، من غير أن يتفق معه على أجرةٍ، هل نقول: العقد باطلٌ؟ وما الحكم في مثل هذه الصورة؟

أو يأتي مثلًا بعاملٍ سباكٍ أو كهربائيٍّ يصلح له شيئًا في المنزل، ولا يتفق معه على شيءٍ، حتى إذا فرغ من الإصلاح، سأله كم الأجرة؟ فهنا اختل أحد شروط صحة الإجارة، فعلى كلام المؤلف: أن الإجارة هنا لا تصح، والقول الثاني: أنها تصح، ويكون للأجير أجرة المثل، وهذا هو القول الراجح، أنها تصح، ويكون للأجير أجرة المثل، والمؤلف أشار لهذا في آخر باب الإجارة.

فالقول الراجح إذنْ أنه إذا لم تُعلم الأجرة فتصح الإجارة، ويكون للأجير مثل أجرة المثل، ففي مثالنا السابق: ركبت مع سيارة أجرةٍ، ولم تتفق معه على أجرةٍ معينةٍ، فإذا لم تختلف معه، واتفقتما على أجرةٍ فيما بعد؛ صح العقد، لكن إذا اختلفت أنت وإياه، هو يقول: الأجرة مئةٌ، وأنت تقول: لا، بل الأجرة ثمانون، فيرجح قول من؟ نقول: نرجع لأجرة المثل، إذا كانت أجرة المثل ثمانين؛ فتعطيه ثمانين، لا يستحق إلا ثمانين، إذا كانت أجرة المثل مئةً؛ فيلزمك أن تعطيه مئةً.

طيب كيف نعرف أجرة المثل؟

نرجع لأرباب الصنعة، تأتي مثلًا لمن عنده سيارات تأجيرٍ تقول: كم أجرة السيارة من مكان كذا إلى مكان كذا؟ وهكذا أيضًا بالنسبة للعامل الذي استأجرته لإصلاح شيءٍ في المنزل، فإذا اختلفت أنت وإياه في مقدار الأجرة، فالمرجع إلى أجرة المثل.

الشرط الثالث:

قال:

وكون النفع مباحًا.

فلا تجوز الإجارة على منافع محرمةٍ.

يستوفى دون الأجزاء.

يعني: تستوفى المنفعة من العين مع بقاء عينها، فلا تصح على ما تَذهب أجزاؤه بالانتفاع؛ كالمأكول والمشروب، وهذا لا يمكن أن يؤجر؛ لأن عينه تذهب.

فتصح إجارة كل ما أمكن الانتفاع به مع بقاء عينه.

هذا من باب التوكيد والتوضيح للشرط السابق، وأيضًا التفريع، ففرع المؤلف عليه، قال:

إذا قدرت منفعته بالعمل؛ كركوب الدابة لمحلٍّ معينٍ، أو قدرت بالأمد وإن طال، حيث كان يغلب على الظن بقاء العين.

يعني: يصح تأجير كل ما يمكن الانتفاع به من الأعيان مع بقاء العين، سواءٌ قدرت منفعة العين المؤجرة بالعمل أو قدرت بالزمن؛ قدرت بالعمل؛ كأن يؤجر السيارة للركوب عليها إلى مكانٍ معينٍ، قدرت بالزمن يعني مدةً معينةً يغلب على الظن بقاء العين معها.

أقسام الإجارة

ثم انتقل المؤلف إلى تقسيم الإجارة إلى إجارة عينٍ معينةٍ، أو موصوفةٍ في الذمة، وإلى إجارة منفعةٍ في الذمة، قال:

والإجارة ضربان:

الأول: على عين.

تكون الإجارة على عينٍ، وليست على منفعةٍ.

فإن كانت موصوفةً.

في الذمة.

فإن كانت موصوفةً اشترط فيها استقصاء صفات السَّلَم.

إن كانت العين إجارة عينٍ موصوفةٍ في الذمة؛ فلا بد من استقصاء الصفات التي يختلف بها قدر الأجرة، كالسَّلَم؛ فمثلًا يقول: آجرتك سيارةً (موديلها) من نوع كذا، (موديلها) كذا، ولونها كذا، ويذكر الصفات التي يختلف بها مقدار الأجرة.

وذكر المؤلف أمثلةً لما هو موجودٌ في زمنه، قال:

وكيفية السير.

فيما لو كانت العين المؤجرة دابةً، هل هي سريعةٌ أو بطيئةٌ؟

من هِملاجٍ وغيره.

الهِملاج: نوعٌ من سير الدواب، يقولون: هو السير السريع، مع نوعٍ من التبختر.

لا الذكورة والأنوثة والنوع.

يعني: لا يشترط أن يذكر كون المركوب -يعني الدابة- ذكرًا أو أنثى، أو نوع الفرس، يقول: لأن هذه لا تؤثر في مقدار الأجرة، لكن هذا في زمن المؤلف، ويكفينا أن نعرف الضابط.

الضابط: ذكر الأوصاف المؤثرة في مقدار الأجرة من غير حاجةٍ للأمثلة التي ذكرها المؤلف.

شروط صحة العين المؤجرة

وإن كانت معينةً.

يعني: إن كانت العين المؤجرة ليست موصوفةً في الذمة، وإنما معينةٌ؛ كأن يقول: أجرتك هذه الدار لتسكنها، فيشترط خمسة شروطٍ:

الشرط الأول:

اشتراط معرفتها.

لا بد من معرفة العين المؤجرة؛ لأنه كما ذكرنا: أن الإجارة هي بيع منافع، فكما أنه يشترط في المبيع أن يكون معلومًا؛ فكذلك أيضًا لا بد من العلم بالعين المؤجرة.

الشرط الثاني:

القدرة على التسليم.

وهذا أيضًا من شروط صحة البيع، وهو من شروط صحة الإجارة.

الثالث:

كون المؤجر يملك نفعها.

وهذا أيضًا من شروط صحة البيع: أن تكون العين مملوكةً للبائع، فلا يجوز أن يبيع ما لا يملك، هكذا أيضًا بالنسبة للإجارة، لا بد أن يشترط أن يكون المؤجر يملك نفع العين المؤجرة، أو حتى يملك منفعتها.

من كان يملك منفعتها بأن يكون مستأجرًا؛ فله أن يؤجرها لغيره، إلا إذا شرط عليه المؤجر ألا يؤجر إلا بإذنه.

وصحة بيعها.

يعني: يشترط في العين المؤجرة أن تكون مما يصح بيعه، فإن كانت مما يصح بيعه؛ فلا يصح تأجيره، لكن المؤلف استثنى من هذا الشرط أمورًا:

الأمر الأول:

قال:

سوى حُرٍّ.

فالحر لا يجوز بيعه، ولكن تصح إجارته، وكذلك أيضًا تصح إجارة الحر، سواءٌ كان أجيرًا خاصًّا أو أجيرًا مشتركًا، لكن استثنى العلماء من ذلك: إجارة المسلم نفسه لخدمة الكافر، قالوا: إن هذه لا تجوز، لما في ذلك من إذلال المسلم وحبسه عند الكافر، والله تعالى يقول: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، المسلم أعلى من غيره، فليس له أن يؤجر نفسه لخدمة كافرٍ.

أما إجارة المسلم للكافر لغير الخدمة فلا بأس؛ كأن تكون لعمل شيءٍ ما، أو لعملٍ في الذمة، فلا بأس بذلك، وقد روي عن عليٍّ  أنه آجر نفسه من يهوديٍّ يستقي له كل دلوٍ بتمرةٍ، فإذا كان مثلًا المسلم يعمل في شركةٍ غير مسلمةٍ، فلا بأس، عمل المسلم عند الكافر لا بأس به، إلا العمل للخدمة فقط، هذا هو الذي منع منه العلماء، لما فيه من إذلال المسلم.

ووقفٍ.

هذا الأمر الثالث من المستثنى مما لا يصح بيعه وتصح إجارته: الوقف، لا يصح بيعه لكن تصح إجارته.

الأمر الرابع:

وأم ولدٍ.

وأم الولد أيضًا لا يصح بيع أم الولد، ويصح إجارتها في قول الجمهور.

الشرط الخامس من شروط صحة العين المؤجرة:

واشتمالها على النفع المقصود منها.

لأن الإجارة -كما ذكرنا- هي بيعٌ، بيع منفعةٍ، فلا يصح تأجير ما لا نفع فيه، ومثل المؤلف بأمثلةٍ لما هو موجودٌ في زمنه، لما لا نفع فيه:

فلا تصح في زَمِنَةٍ لحملٍ.

يعني: تأجير دابةٍ زَمِنَةٍ، يعني: فيها عاهاتٌ أو مريضةٌ؛ لأنها لا تصح للحمل عليها، كيف يؤجرها للحمل؟!

وسبخةٍ لزرعٍ.

يعني: لا يصح تأجير الأرض السبخة -التي لا تُنبت- للزرع، يعني مثل وقتنا الحاضر: سيارةٌ لا تمشي، يؤجرها لإنسان يريدها للتنقل، طيب السيارة لا تمشي، عاطلةٌ، فلا بد إذنْ أن تكون العين المؤجرة فيها نفعٌ مقصودٌ.

شروط الإجارة على العمل

الضرب الثاني من ضربي الإجارة، قال:

الثاني: على منفعةٍ في الذمة.

يعني: أن يقع عقد الإجارة على منفعةٍ في الذمة، وهي الإجارة على العمل.

ويشترط لصحتها ثلاثة شروطٍ:

الشرط الأول:

فيشترط ضبطها بما لا يختلف؛ كخياطة ثوبٍ بصفة كذا.

يعني: تضبط المنفعة بصفاتٍ لا يختلف به الأمر عندما توجد؛ كأن يخيط الثوب على صفةٍ معينةٍ؛ وذلك بأن يأتي له بالقماش، ويقول: فَصِّل لي هذا الثوب.

أما لو كان القماش من عند الخياط، فهذا لا يسمى إجارةً، وإنما هو استصناعٌ، وسبق الكلام عنه، وقلنا: إنه عقدٌ صحيحٌ، وأن عليه الإجماع العملي من المسلمين، وإن كان الحنفية والمالكية والشافعية يرونه نوعًا من السَّلَم، لكن الحنفية يرونه عقدًا مستقلًّا، وهذا هو القول الراجح: أن عقد الاستصناع عقدٌ مستقلٌّ، وأنه لا يشترط معه تسليم رأس المال في مجلس العقد، فيصح تأجيله أو تأجيل بعضه، وأن هذا عليه الإجماع العملي للمسلمين من قديم الزمان.

وبناء حائطٍ.

يعني: هذا أيضًا مثالٌ للإجارة على منفعةٍ في الذمة.

بناء حائطٍ يذكر طوله وعرضه، وسمكه وآلته.

يعني: جميع ما ينضبط به صفات الحائط.

وألا يجمع بين تقدير المدة والعمل؛ كتخييطه في يومٍ.

وألا يجمع بين تقدير المدة والعمل؛ كأن تقول أنت للخياط: تخيطه في يومٍ، هذا المذهب عند الحنابلة، يشترطون في الإجارة على منفعةٍ في الذمة -إذا كان عملًا- ألا يجمع بين تقدير المدة والعمل؛ فلو ذهبت بقماشٍ للخياط، وقلت: استأجرتك على أن تخيط لي هذا الثوب في خمسة أيامٍ، فيقول: لا يصح هذا، لماذا؟ قالوا: لأنه جمع بين تقدير المدة والعمل، طيب ما هو الإشكال في الجمع بين تقدير المدة والعمل؟ قالوا: الجهالة والغرر؛ لأنه قد يفرغ منه قبل انقضاء المدة، فيكون فيه جهالةٌ وغررٌ، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو أيضًا قول المالكية والشافعية.

القول الثاني في المسألة: أنه يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل؛ لأن الإجارة معقودةٌ أصلًا على العمل، أما المدة فذكرت من باب التعجيل فقط، وهذا قولٌ عند الحنفية، وروايةٌ عند الحنابلة، وهو القول الراجح؛ وعلى هذا: إذا أتم العملَ قبل انقضاء المدة؛ لم يلزمه العمل في بقية المدة، أشبه ما لو قضى الدين قبل أجله، هذا هو القول الراجح، وعليه عمل المسلمين من قديم الزمان، ويشبه أن يكون إجماعًا عمليًّا.

فعندما تقول للخياط: خِط لي هذا الثوب في خمسة أيامٍ، ما المانع من هذا؟ الأصل في المعاملات الحل والإباحة، فإن قالوا: الجهالة والغرر، أين الجهالة والغرر؟! هو خاط هذا الثوب، خاطه في خمسة أيامٍ، في أربعة أيامٍ، في ثلاثة أيامٍ، أين الجهالة والغرر؟! ما من جهالةٍ ولا غررٍ، الغرر من المدة فقط هو حثه على التعجيل، وعدم التأخر، وعلى هذا عمل المسلمين من قديم الزمان، ولو قُدِّر أن فيه غررًا؛ فهو غررٌ يسيرٌ، وليس كل غررٍ ممنوعًا شرعًا، بل بعض العقود فيها غررٌ أحيانًا يكون كثيرًا؛ مثل الجعالة، ومع ذلك تجوز.

من رد ضالتي فله كذا، ربما يجد الضالة مباشرةً فيحصل على الجعل، ربما يبقى شهرًا وهو يبحث عنها، ففيه جهالةٌ، ومع ذلك تجوز.

عقد السَّلَم، عقدٌ على موصوفٍ في الذمة معدومٍ، ومع ذلك يجوز، فليس كل غررٍ ممنوعًا شرعًا، هذا على تقدير وجود الغرر.

فإذن الجمع بين تقدير المدة والعمل، القول الراجح: أنه لا بأس به.

الشرط الثالث:

قال:

وكون العمل لا يُشترط أن يكون فاعله مسلمًا.

يعني: أن يكون العمل معقودًا عليه في الإجارة، لا يختص فعله بالمسلم؛ لأن من الأعمال ما يُشترط أن يكون فاعلها مسلمًا.

الإجارة على أعمال القُرَب

ووضَّح المؤلف مراده بأمثلة:

قال:

فلا تصح الإجارة لأذانٍ وإقامةٍ وإمامةٍ، وتعليم قرآنٍ وفقهٍ وحديثٍ، ونيابةٍ في حجٍّ وقضاءٍ، ولا يقع إلا قربةً لفاعله.

فالمؤلف يرى أنه لا تصح الإجارة على أعمال القُرَب، ومثَّل بهذه الأمثلة؛ كالأذان، لا تصح الإجارة عليه، ولا الإقامة، ولا الإمامة، ولا أيضًا تعليم العلوم الشرعية، وعلى رأسها تعليم القرآن والفقه والحديث، وكذلك النيابة في الحج، وكذلك أيضًا الإجارة على تولي القضاء، يقول: كل هذه لا تصح الإجارة عليها، وهذا قال به بعض السلف، وهو قول أبي حنيفة، واستدلوا أولًا بقول الله : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ [هود:15]، قالوا: فهذا دليلٌ على أن ما سبيله ألا يُفعل إلا على وجه القربة لا يجوز أخذ الأجرة عليه؛ لأن الأجرة تُعتبر من حظوظ الدنيا، متى أخذ الأجر عليه؛ خرج من أن يكون قربةً، واستدلوا كذلك بحديث عثمان بن أبي العاص  لما أتى النبي فقال: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا [3]، وهذا الحديث أخرجه أصحاب السنن وأحمد، وقال أبو عيسى الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرًا.

واستدلوا أيضًا بحديث عبادة ، لكنه ضعيفٌ، قال: علَّمت ناسًا من أهل الصفة الكتابة والقرآن، فأهدى إليَّ رجلٌ قوسًا، فقلت: ليس بمالٍ، وأرمي عنها في سبيل الله، لآتين رسول الله فلأسألنه، فأتيته، فقال: إن كنت تحب أن تطوق طوقًا من نارٍ فاقبلها [4]، يعني: اقبل هذه الهدية، أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، لكنه حديثٌ ضعيفٌ، وفي متنه نكارةٌ، يعني: الوعيد شديدٌ، على ماذا؟ على هديةٍ أهداها رجلٌ علَّمه القرآن؟! يعني المتن فيه نكارةٌ، علَّم رجلًا القرآن، فأهدى إليه قوسًا، فهذا الوعيد الشديد: إن كنت تحب أن تطوق طوقًا من نارٍ فاقبلها، هذا لا يكون على مثل هذه الأعمال، ومن علامة الحديث الضعيف: أن يكون الوعيد الشديد على عملٍ ليس فيه نكارةٌ كبيرةٌ، أو يكون العكس يكون الأجر العظيم على عملٍ يسيرٍ، هذه قرينةٌ، قد لا تكون مطردةً، لكنها قرينةٌ.

فكونه علَّم رجلًا القرآن، ثم أهدى إليه قوسًا، ويقال له: إن كنت تحب أن تطوق طوقًا من نارٍ فاقبلها، هذا أيضًا فيه نكارةٌ في المتن، مع أيضًا نكارةٍ في السند، فالحديث هذا لا يثبت.

وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يجوز الاستئجار على أعمال القرب؛ كالأذان والإمامة والقضاء وتعليم القرآن، ونحو ذلك، وبه قال الجمهور من المالكية والشافعية، وهو روايةٌ عند الحنابلة، واستدلوا بأن النبي زوَّج رجلًا بما معه من القرآن، فإذا جاز جَعل تعليم القرآن عوضًا في باب النكاح، وقام مقام المهر؛ جاز أخذ الأجرة.

وكذلك أيضًا في قصة النفر من الصحابة الذين لُدغ سيدهم، واشترطوا ألا يرقيهم أحدٌ إلا بعد أن يجعلوا جُعْلًا، فجعلوا جعلًا، فرقاه بسورة الفاتحة فشُفي، فقال النبي : إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله [5]، فأباح أخذ الجعل على الرقية؛ فكذلك الإجارة.

وأيضًا -وهذا من أقوى الأدلة- أنه لا دليل على المنع، ما الدليل على أنه لا يجوز الاستئجار على أعمال القرب؟ ما الدليل؟ ما من دليلٍ واضحٍ، وأما الأدلة التي استدلوا بها -استدل بها أصحاب القول الأول- فإما أن تكون صحيحةً غير صريحةٍ، أو صريحةً غير صحيحةٍ؛ فمثلًا: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [هود:15]، لا تنطبق على الاستئجار على أعمال القُرَب، لا تنطبق، وإنما هذه تتكلم عمن يريد بأعمال الطاعات يريد بها الدنيا، لا يريد بها وجه الله، يصلي الصلاة لأجل الدنيا، يحج لأجل الدنيا، يصوم لأجل الدنيا، فهذا هو الذي ورد في حقه الوعيد، وهذا الدليل لا يتناول هذه المسألة، فهو خارجٌ عن محل الخلاف.

وكذلك حديث عثمان بن أبي العاص : اتخِذْ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا [6]، يعني: هذا ليس بصريحٍ في منع الاستئجار على أعمال القُرَب، إنما إرشادٌ من النبي عليه الصلاة والسلام إلى أنك إذا اتخذت مؤذنًا؛ فينبغي أن تتخذ المؤذن الذي لا يأخذ أجرًا، فهو أولى من المؤذن الذي يأخذ أجرًا.

كذلك أيضًا حديث عبادة بن الصامت صريحٌ، لكنه ضعيفٌ، ما من دليلٌ يدل على عدم جواز الاستئجار على أعمال القُرَب؛ ولهذا بوَّب ابن حبان في “صحيحه” قال: ذِكْر الأخبار عن إباحة أخذ المرء الأجرة على كتاب الله ، وقال البيهقي: هو عامٌّ في جواز أخذ الأجرة على كتاب الله بالتعليم وغيره، وإذا جاز أخذ الأجرة عليه؛ جاز أن يكون مهرًا، وقال ابن بطَّالٍ: لا فرق بين الأجرة على الرقى، وعلى تعليم القرآن؛ لأن ذلك كله منفعةٌ.

فالقول الراجح -والله أعلم- هو أنه يجوز الاستئجار على أعمال القرب؛ لأنه ليس هناك دليلٌ صريحٌ صحيحٌ يدل على المنع، والقول بالمنع يُلحِق الحرج بكثيرٍ من المسلمين.

قال:

ويحرم أخذ الأجرة عليه، وتجوز الجعالة.

يعني: يحرم أخذ الأجرة على أعمال القُرَب، ونحن قلنا: الراجح هو الجواز، لكن المؤلف يقول حتى مع القول بالتحريم: تجوز الجعالة؛ قالوا: لأن الجعالة أوسع من الإجارة، والحقيقة: أن هذا مما يُضعف قولهم بتحريم أخذ الأجرة على أعمال القُرَب؛ لأنه إذا جازت الجعالة؛ جازت الإجارة، بابهما واحدٌ، والقول بأن الجعالة أوسع، لا يقوى للقول بجواز الجعالة وتحريم الإجارة على أعمال القُرَب، فإما أن تجيزوا الجميع، أو تمنعوا الجميع، أما أن تمنعوا الإجارة على أعمال القُرَب، وتجيزوا الجعالة على أعمال القُرَب؛ فهذا ليس بظاهرٍ.

وأما أخذ الرزق من بيت المال على أعمال القُرَب، مثل مكافأة الإمام والمؤذن مثلًا، والمكافأة التي يأخذها القضاة، وعلى تعليم العلم الشرعي، فهذه جائزةٌ بالإجماع، هذه ليست داخلةً في الخلاف السابق، جائزةٌ بالإجماع؛ وذلك لأن بيت المسلمين تُصرف مصارفه في مصالح المسلمين، ومن أعظم المصالح أن تصرف مكافأةٌ للإمام والمؤذن، حتى ينتظم أمر المسجد؛ لأن المسجد الذي ليس له إمامٌ راتبٌ، أو مؤذنٌ راتبٌ لا ينتظم أمره، فصرف مكافأةٍ للإمام والمؤذن هذه من أعظم المصالح.

هكذا أيضًا صرف المكافأة للقاضي؛ لأن الناس يحتاجون إلى القضاء، فهذا من أعظم مصالح المسلمين، هكذا أيضًا في تعليم العلوم الشرعية، فأخذ الرزق من بيت المال لأعمال القرب جائزٌ بالإجماع.

وعلى ذلك نقول: إن الأحوال بالنسبة لأخذ المال على أعمال القُرَب على ثلاث حالاتٍ:

  • الحالة الأولى: أن يكون الأخذ من باب الرزق من بيت المال، فهذا يجوز بالإجماع.
  • الحالة الثانية: أن يكون من باب الجعالة، فيجوز في قول أكثر الفقهاء.
  • الحال الثالثة: أن يكون من باب الإجارة على أعمال القُرَب، وهذا محل خلافٍ بين الفقهاء، والقول الراجح أيضًا هو الجواز.

لكن ينبغي حتى في الحالات التي قلنا فيها بالجواز، ينبغي عدم المشارطة على ذلك، فإذا أراد جماعة مسجدٍ إمامًا؛ فلا يشارطهم يقول: لا أصلي لكم إلا بكذا، فإذا شارطهم فتكره الصلاة خلفه.

وقد سئل الإمام أحمد عن إمامٍ قال لقومٍ: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهمًا، قال الإمام أحمد: أسأل الله العافية، من يصلي خلف هذا؟! ولأنه يغلب على الظن أن من هذه حاله أنه إنما يريد بعمله الدنيا وحدها، فينبغي ألا يكون هناك مشارطةٌ، لكن لو أتوا بإمامٍ وأعطوه مكافأةً، إما على سبيل الأجرة، أو على سبيل الجعالة؛ فلا بأس، أو أعطي مكافأةً من بيت المال فلا بأس.

شرط المؤجر على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه

ننتقل بعد ذلك إلى قول المصنف رحمه الله:

فصلٌ

وللمستأجر استيفاء النفع بنفسه وبمن يقوم مقامه.

من استأجر شيئًا؛ فله أن يستوفي المنفعة بنفسه، أو أن يؤجر هذه العين التي استأجرها لغيره؛ مثال ذلك: استأجرتَ بيتًا، فتسكن أنت هذا البيت، ويجوز أن تؤجر هذا البيت لغيرك، حتى لو كان بأجرةٍ أعلى، أنا استأجرت هذا البيت بعشرة آلافٍ، يجوز لي أن أؤجره لغيري بخمسة عشر ألفًا مثلًا؛ لأنني لما استأجرته؛ ملكت المنفعة، فأنا حرٌّ فيها، أتصرف كما أشاء، إن أردت أن أستوفي المنفعة بنفسي؛ فلي ذلك، إن أردت أن أبيع هذه المنفعة لغيري؛ فلا بأس.

لكن إذا أردت أن تؤجر العين المستأجرة لغيرك؛ فيشترط لذلك:

قال المصنف:

لكن بشرط كونه مثله في الضرر أو دونه.

يعني بشرط أن يكون الذي تؤجره في الانتفاع بهذه العين مثلك في الضرر، أو دونك في الضرر، فمثلًا: لو أنك استأجرت بيتًا للسكنى، ليس لك أن تؤجر هذا البيت للحدادة أو للنجارة، أو لأمر يكون فيه إزعاجٌ، أو ضررٌ أكثر، بل إذا أردت أن تؤجره؛ فتؤجره لمن كان مثلك أو دونك في الضرر.

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك لمسؤولية المؤجر والمستأجر، وذكر أمثلةً لما هو موجودٌ في زمنه، نحن نذكرها ثم نذكر أمثلةً من واقعنا المعاصر.

مسؤولية المؤجر

بدأ المؤلف بمسؤولية المؤجر، قال:

وعلى المؤجر كل ما جرت به العادة؛ من آلة المركوب والقود والسوق، والشيل والحط، وترميم الدار بإصلاح المنكسر، وإقامة المائل، وتطيين السطح، وتنظيفه من الثلج، ونحوه.

يعني على المؤجر أن يقوم بكل ما جرت العادة بعمله، ومثَّل المؤلف بأمثلةٍ لما هو موجودٌ في زمنه، لكن الضابط أن على المؤجر أن يقوم بكل ما جرى به العرف والعادة بتوفيره للمستأجر، قال مثل: “آلة المركوب”، يعني: المركوب المستأجر، المقصود بآلته مثلًا: حزامه، ورحله، وزمامه، ونحو ذلك.

“والقود” يعني: قود الدابة، “والسوق، والشيل، والحط”، كذلك “الشيل والحط”، هذه مستعملةٌ عند العامة: شل هذا، حط هذا، هذه كلماتٌ فصيحةٌ، بعض الناس يعتقد أنها عاميةٌ، لكنها فصيحةٌ، الشيل والحط من الكلمات الفصيحة، عندما أقول: شل هذا، حط هذا، فالشيل والحط من مسؤولية المؤجر.

وكذلك “ترميم الدار بإصلاح المنكسر”، يعني: إذا كانت هذه الدار فيها مثلًا بابٌ منكسرٌ، فيها أشياء منكسرةٌ، بلاطٌ منكسرٌ مثلًا، فيرممها.

“وإقامة المائل، وتطيين السطح وتنظيفه من الثلج، ونحوه”، يعني: يقوم المؤجر بكل ما من شأنه أن يوفر المنفعة للمستأجر.

مثلًا من واقعنا المعاصر: إذا أردت أن تؤجر بيتًا؛ عليك أن تُهيِّئ هذا البيت من جهة الكهرباء والماء، فتصفي فاتورة الكهرباء، وتصفي فاتورة الماء، وتُهيِّئ سبل الانتفاع بهذا البيت للمستأجر.

مسؤولية المستأجر

طيب ننتقل لمسؤولية المستأجر، قال:

وعلى المستأجر المَحمل والمظلة، وتفريغ البالوعة والكَنيف، وكنس الدار من الزِّبْل، ونحوه إن حصل بفعله.

يعني: على المستأجر أن يقوم بكل ما هو وسيلةٌ لحفظ العين المؤجرة مما جرى به العرف والعادة، وذكر المؤلف أمثلةً لما هو موجودٌ في زمنه، من المحمل، “المحمل”: هو العِدْلان على جانبي الدابة.

“والمظلة” يعني: ما يستظل به الراكب من الشمس، “وتفريغ البالوعة”: البالوعة لا زالت تستخدم يعني بهذا المصطلح في وقتنا الحاضر، إذا لم يكن هناك مثلًا مياهٌ للمجاري، وكان هناك بالوعةٌ، وهو ما تسمى (بَيَّارةً)، فيفرغها إذا كانت ممتلئةً.

“والكنيف”: وهو ما يسمى بالحمَّام يهيئه، “وكنس الدار من الزِّبْل ونحوه”: يعني أيضًا إذا كانت العين التي يريد تأجيرها غير نظيفةٍ، فيها زبالةٌ وقمامةٌ، فيخرج الزبالة والقمامة؛ حتى تتهيأ، إذا أراد أن يسلم المستأجر العين المؤجرة؛ لا بد أن يسلمها نظيفةً كما استأجرها، فإذا كانت مثلًا البالوعة ممتلئةً؛ يفرغ البالوعة، حتى يسلم العين كما استأجرها، كذلك بالنسبة للحمام أو دورة المياه، يسميها الناس (الحمام)، والأحسن أن يسمى: المرحاض أو الكنيف، كما عبر المصنف، إذا كان فيه أمورٌ قد أحدثها المستأجر؛ يزيلها، كذلك مثلًا القمامة والزبالة، يخرجها من البيت إذا أراد تسليم البيت، لا يسلم البيت وفيه أكياسٌ من القمامة، ونحو ذلك، قال: “إن حصل بفعله”: يعني كانت هذه الأمور بفعل المستأجر، أما إذا لم تكن بفعله؛ فلا يلزمه.

كذلك أيضًا في وقتنا الحاضر المستأجر مثلًا: مصابيح الإنارة عليه أن يصلحها، إذا أراد أن يسلم العين المستأجرة، وأدوات السباكة، ونحو ذلك، والمرجع في ذلك للعرف، أن يقوم المستأجر بما جرى به العرف والعادة.

الإجارة من العقود اللازمة

ثم قال المصنف رحمه الله:

والإجارة عقدٌ لازمٌ لا تنفسخ بموت المتعاقدين.

الإجارة من العقود اللازمة، العقود تنقسم إلى ثلاثة أقسامٍ:

  1. عقودٌ لازمةٌ.
  2. وعقودٌ جائزةٌ.
  3. وعقودٌ جائزةٌ من وجهٍ، وجائزةٌ من وجهٍ آخر.

العقود اللازمة: مثل البيع والإجارة، العقود الجائزة: مثل الوكالة مثلًا، العقود اللازمة من وجهٍ، الجائزة من وجهٍ آخر: مثل الرهن، لازمٌ في حق الراهن، جائزٌ في حق المرتهن.

طيب، إذنْ نوع عقد الإجارة: أنه عقدٌ لازمٌ، ما معنى كونه عقدًا لازمًا؟

قال المؤلف:

لا تنفسخ.

لا تنفسخ إلا برضا الطرفين، فلا تنفسخ.

بموت المتعاقدين.

ولا بأحدهما، يعني: لو مات المؤجر لا ينفسخ عقد الإجارة، لو مات المستأجر لا ينفسخ عقد الإجارة؛ لأنها -كما ذكرنا- هي بيع منافع، هي نوعٌ من البيع.

ولا بتلف المحمول.

يعني: لو كانت العين المؤجرة تحمل سلعةً، وهذه السلعة تلفت؛ فلا تنفسخ الإجارة؛ فمثلًا: هناك سلعةٌ محمولةٌ على سيارةٍ مؤجرةٍ، وتلفت هذه السلعة، لا تنفسخ الإجارة.

وكذا لو تلفت السيارة نفسها؛ فلا تنفسخ الإجارة، وإنما يوفر المؤجر سيارةً أخرى؛ مثلًا: اتفقت مع شخصٍ يوصلك إلى مكانٍ بسيارة أجرةٍ، ثم تعطلت سيارة الأجرة، فالإجارة لا تنفسخ، وإنما المؤجر نقول: يأتي بسيارةٍ أخرى توصلك إلى هذا المكان، هكذا لو استأجرت سيارةً لحمل بضاعةٍ، أو تلفت البضاعة في الطريق، لا ينفسخ عقد الإجارة، وإنما يمكنك أن تأتي ببضاعةٍ أخرى، وتضعها في السيارة.

ولا بوقف العين المؤجرة.

يعني: لو كانت العين المؤجرة بيتًا، ثم إن المالك أوقف هذا البيت، فلا ينفسخ عقد الإجارة، أنت تستأجر بيتًا، ثم تفاجأت، قالوا: يا فلان، البيت الذي أنت تسكنه أوقفه صاحبه، نقول: عقد الإجارة سالمٌ لا ينفسخ.

ولا بانتقال المِلك فيها بنحو هبةٍ وبيعٍ.

يعني: لو أن المالك باع العين المؤجرة، فعقد الإجارة لا ينفسخ، يبقى، وهكذا أيضًا لو وهبها لغيره، مثلًا لو أنك استأجرت بيتًا سنتين، ثم بعد مضي سنةٍ، قيل لك: إن صاحب البيت باع البيت، لا ينفسخ عقد الإجارة، وإنما لك أن تبقى السنة الأخرى، ويستمر عقد الإجار معه.

ولمشترٍ لم يعلم الفسخ أو الإمضاء، والأجرة له.

يعني: لو كان البيت الذي باعه المالك مؤجرًا على آخر، فالمشتري الذي اشترى هذا البيت لا يخلو: إما أن يكون يعلم بأن البيت مؤجرٌ، أو لا يعلم؛ فإن كان يعلم؛ فهو قد دخل على بصيرةٍ، فلا ينفسخ عقد الإجارة، ولا ينفسخ عقد البيع، أما إذا كان لا يعلم بأن البيت مؤجرٌ؛ فهذا يعتبر عيبًا، فهو مخيرٌ بين أن يفسخ عقد البيع، أو أن يمضي في العقد وتكون له الأجرة.

متى تنفسخ الإجارة؟

وتنفسخ بتلف العين المؤجرة المعينة.

تنفسخ الإجارة إذا تلفت العين المؤجرة المعينة؛ مثلًا دار، استأجرت بيتًا، ثم انهدم هذا البيت بأي سببٍ من الأسباب، فينفسخ عقد الإجارة، استأجرت سيارةً، ثم تعطلت بغير تعدٍّ منك ولا تفريطٍ، ينفسخ عقد الإجارة.

طيب، لو استأجرت بيتًا، ثم تعذر الانتفاع بهذا البيت؛ كأن يكون مثلًا تعطل الكهرباء، أو تعطل الماء، أصبح ما يصل إليك الماء، أو فاضت المجاري، فهنا إذا لم يمكن المؤجرَ أن يصلح لك هذا البيت، وأن يهيئه للسكنى، وإلا فلك أن تطلب فسخ عقد الإجارة؛ لأن العين المؤجرة أصبحت غير قابلةٍ للانتفاع بها.

وبموت المرتضِع.

يعني: استأجر امرأةً لترضع طفله، ثم مات هذا الطفل، ينفسخ عقد الإجارة.

وهدم الدار.

وهذا تكلمنا عنه.

تعذُّر استيفاء المنفعة من العين المستأجرة

ومتى تعذر استيفاء النفع، ولو بعضه من جهة المؤجر؛ فلا شيء له.

إذا تعذر استيفاء المنفعة من جهة المؤجر المالك؛ فلا شيء له إذا انفسخ العقد، وأما من جهة المستأجر، قال:

ومن جهة المستأجر فعليه جميع الأجرة.

إذا كان التعذر من جهة المستأجر، فيجب عليه جميع الأجرة؛ مثلًا: استأجرت بيتًا مدة سنةٍ، ثم حصلت لك ظروفٌ معينةٌ، لم تستطع أن تسكن في هذا البيت، فيجب عليك أن تسلم الأجرة، سواءٌ سكنت في البيت أو لم تسكن، فالأجرة مستحقةٌ عليك.

قال:

وإن تعذر بغير فعل أحدهما؛ كشرود المؤجرة، وهدم الدار؛ وجب منها الأجرة بقدر ما استوفى.

إن تعذر الانتفاع بالعين المؤجرة بسببٍ ليس بسبب المستأجر ولا المؤجر، وإنما بأمرٍ خارجٍ عن الإرادة؛ كما لو انهدمت الدار، وشردت العين المؤجرة، فينفسخ عقد الإجارة، وتجب الأجرة بقدر ما استوفى المستأجر فقط.

طيب، هنا نازلةٌ وقعت في السنة الأولى من (كورونا)، لمَّا كان هناك الحَجْر العام، وأقفلت أكثر المحلات، فأصبح كثيرٌ من المستأجرين لا ينتفعون بمحلاتهم؛ لأن المحلات مقفلةٌ، فهنا ليس للمؤجر أن يطلب الأجرة من المستأجر في تلك المدة التي كانت المحلات فيها مقفلةً، بل يجب عليه أن يخصم من مقدار الأجرة بقدر تلك الأيام التي كان فيها الحجر، والتي لم يتمكن المستأجر فيها من فتح المحل.

وإن هرب المؤجر وترك بهائمه، وأنفق عليها المستأجر بنية الرجوع؛ رجع؛ لأن النفقة على المؤجِّر؛ كالمعير.

لو أن المؤجر هرب بما يجب عليه نحو العين المستأجرة، فقام المستأجر بذلك الأمر، بنية الرجوع على مالك العين المؤجرة، فإنه يرجع بما أنفق، مثال ذلك: استأجر رجلٌ آخرَ على أن يقوم برعي الغنم، ثم إن المؤجِّر هرب وترك هذه الأغنام بدون علفٍ، وبدون سقيٍ، فقام المستأجر واشترى لها العلف، واشترى لها الماء مثلًا، بنية الرجوع على المؤجِّر، فإن له أن يرجع على المؤجر، ويطلب منه ما أنفق، أنفق مثلًا على شراء العلف والسقي خمسة آلاف ريالٍ، يرجع المستأجر على المؤجر، يقول: أنا أنفقت على أغنامك خمسة آلاف ريالٍ، أعطني خمسة آلافٍ.

طيب، القاعدة في هذا الباب: أن من أنفق على غيره بنية الرجوع؛ فإن له أن يرجع عليه، ومن أنفق متبرعًا بغير نية الرجوع؛ فليس له شيءٌ.

ولذلك لو أن مثلًا أحد الورثة قام بترميم دارٍ مشتركةٍ بينه وبين الورثة، ثم بعد ذلك عند القسمة قال: أريد أن أخصم المصاريف التي قمت بها لأجل ترميم هذه الدار، نقول: هل أنت لما قمت بالترميم؛ فعلت ذلك بنية الرجوع على الورثة؟ إن كان بنية الرجوع على الورثة؛ فلك ذلك، تخصم مقدار ما أنفقت على الورثة بحصصهم، أما إذا كنت فعلت ذلك متبرعًا، ثم عند القسمة قلت: أريد أن تعطوني بمقدار ما أنفقت؛ ليس لك ذلك؛ لأنك فعلت ذلك على سبيل التبرع، وعند الخصومة فالنية محلها القلب؛ فلذلك يُحَلِّف القاضي هذا الشخص: هل أنفق بنية الرجوع، أو أنفق بنية التبرع؟ فإذا نكل عن اليمين؛ ليس له الرجوع.

أقسام الأجير

ثم انتقل المؤلف للكلام عن أقسام الأجير:

الأجير الخاص

قال:

والأجير قسمان: خاصٌّ.

الأجير الخاص عرَّفه المصنف، قال:

وهو من قُدِّر نفعه بالزمن.

هذا تعريف الأجير الخاص: من قُدِّر نفعه بالزمن؛ كأن يُستأجر مثلًا لخدمةٍ أو عملٍ مدةً معينةً؛ مثل السائق مثلًا والخادمة، هذا يعتبر أجيرًا خاصًّا، قُدِّر نفعه بالزمن، ومثل ذلك أيضًا: الموظف، الموظف الذي يطلب منه الدوام مثلًا سبع ساعاتٍ أو أقل أو أكثر، فهذا يعتبر أجيرًا خاصًّا، قُدِّر نفعه بالزمن، يقال: تداوم في المحل في الدائرة مثلًا كذا من الساعة كذا إلى الساعة كذا، كل يومٍ مثلًا ست ساعاتٍ، سبع ساعاتٍ، ثماني ساعاتٍ، هذا يعتبر أجيرًا خاصًّا.

الأجير المشترك

أما الأجير المشترك، قال:

ومشتركٌ، وهو: من قُدِّر نفعه بالعمل.

يعني: من لا يختص بشخصٍ معينٍ، بل يتقبل أعمالًا لجماعةٍ واحدةٍ في وقتٍ واحدٍ؛ مثل الغسال، يغسل ثيابك، ويغسل ثياب غيرك، يعتبر أجيرًا مشتركًا، وليس أجيرًا خاصًّا.

ومثل سائق الأجرة ينقلك وينقل غيرك، ومثل الطباخ الذي فتح له محلًّا للطبخ، يطبخ لك ويطبخ لغيرك، بخلاف الطباخ الخاص الذي يكون في البيت، هذا يعتبر أجيرًا خاصًّا.

الفرق بين الأجير الخاص والمشترك

طيب قال:

فالخاص لا يضمن ما تلف في يده إلا إن فرط.

الأجير الخاص لا يضمن ما تلف إلا إذا تعدى أو فرط، في قول عامة أهل العلم؛ لأنه أمينٌ، والأمين نائبٌ عن المالك، فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط؛ وبناءً على ذلك: ما يقع مثلًا من الخادم أو من السائق من غير تعدٍّ منه ولا تفريطٍ، لا يضمنه.

مثلًا سائقٌ خاصٌّ أخذ السيارة، وحصل له حادثٌ من غير تعدٍّ منه ولا تفريطٍ، لا يضمن التلف الذي بسبب الحادث، وبعض الناس يضمن السائق، مع أن الحادث حصل بغير تعدٍّ ولا تفريطٍ، وهذا لا يجوز، فلو حصل حادثٌ لهذا السائق، ولم يقع من هذا السائق تعدٍّ ولا تفريطٌ؛ فإنه لا يضمن، ولا يجوز تضمينه التلف الحاصل للسيارة.

إذا الأجير خاصٌّ؛ قلنا: لا يضمن إلا بتعدٍّ أو تفريطٍ.

والأجير المشترَك قال:

والمشترك يضمن ما تلف بفعله؛ من تخريقٍ، وغلطٍ في تفصيل، وبزَلَقِه وبسقوطٍ عن دابته، وبانقطاع حبله، لا ما تلف بحِرزه، أو بغير فعله، إن لم يفرط.

المؤلف يقول: إن الأجير المشترك، وعرَّفناه: أنه هو الذي قُدِّر نفعه بالعمل، يقول: ما تلف بفعله يضمن، وما تلف بحرزه أو بغير فعله لا يضمن، إلا إذا تعدى أو فرط، وهذه المسألة محل خلافٍ بين الفقهاء على قولين:

  • القول الأول: أن الأجير المشترك يضمن ما تلف بفعله، سواءٌ تعدى أو فرط، أو لم يتعد ولم يفرط، وقال به الحنابلة، وهو أيضًا قول الحنفية في روايةٍ، والمالكية، وقول عند الشافعية.
  • والقول الثاني: أن الأجير المشترك كالأجير الخاص، لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط.

أما أصحاب القول الأول -القائلون بأن الأجير المشترك يضمن ما تلف بفعله حتى وإن لم يتعد ولم يفرط- فاستدلوا بحديث سمرة : على اليد ما أخذت حتى تؤديه [7]، قالوا: فهذا يدل على أن الأجير المشترك يجب عليه رد العين المستأجرة، فإن عجز عن الرد؛ فيجب عليه رد القيمة.

وأيضًا استدلوا بأثرٍ مشهورٍ عن عليٍّ : أنه كان يُضَمِّن القصَّار والصوَّاف، ويقول: لا يصلح الناس إلا على ذلك.

القول الثاني: أن الأجير المشترك كالأجير الخاص، وأنه أمينٌ لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، وهذا القول روايةٌ عند الحنفية، وهو المذهب عند الشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة، وهو القول الراجح؛ وقالوا: لأن الأجير -سواءٌ أكان خاصًّا أو مشتركًا- أمينٌ، والأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، وقال المرداوي في “الإنصاف”: والنفس تميل إلى هذا القول، مع أنه خلاف المذهب، وهذا من إنصاف صاحب “الإنصاف”.

وبناءً على ذلك: لو أنك أعطيت ثوبك غسالًا، ثم تلف هذا الثوب بغير تعدٍّ ولا تفريطٍ من الغسال؛ فعلى القول الأول أن الغسال يضمن، وعلى القول الثاني -وهو الراجح- لا يضمن.

قال المصنف:

ولا يضمن حجّامٌ، وختّانٌ، وبَيْطارٌ خاصًّا كان أو مشتركًا، إن كان حاذقًا، ولم تَجنِ يده، وأَذِن فيه مكلفٌ أو وليه.

رجع المؤلف واستثنى هؤلاء، وقال: إنهم لا يضمنون إلا بالتعدي أو التفريط، وهذا مما يضعف القول بتضمين الأجير المشترك بغير تعدٍّ منه ولا تفريطٍ، حيث استثنى المؤلف الحجام، والختَّان، والبيطار، وهو الذي يعالج البهائم، فقال: إن هؤلاء لا يضمنون، بشرط أن يكون كل واحدٍ منهم حاذقًا في صنعته، ولم يكن منه تعدٍّ ولا تفريطٌ، وأذن المكلف بذلك أو وليه.

وعلى القول الراجح نقول: أصلًا هؤلاء لا يضمنون إلا بتعدٍ أو تفريطٍ.

قال:

ولا راعٍ لم يتعد أو يفرط بنومٍ أو غيبتها عنه.

يعني: راعي الماشية إذا لم يتعد ولم يفرط؛ فلا يضمن، سواءٌ كان ذلك بنومٍ، أو بغيبة الأغنام عنه، والراعي هل هو أجيرٌ خاصٌّ أو مشتركٌ؟

قد يكون أجيرًا خاصًّا إذا قُدِّر نفعه بالزمن، وقد يكون أجيرًا مشتركًا إذا قُدِّر نفعه بالعمل، الذي يرعى، يرعي أغنامك وأغنام غيرك، هذا أجيرٌ مشتركٌ، لكن راعٍ خاصٌّ بك تعطيه راتبًا نهاية كل شهرٍ، هذا يعتبر أجيرًا خاصًّا.

والراجح في هؤلاء الأجراء كلهم: أنهم أمناء لا يضمنون إلا بتعدٍ أو تفريطٍ، سواءٌ أكان الأجير خاصًّا، أو أكان مشتركًا، أو أنه كان طبيبًا، أو بيطارًا، أو ختَّانًا، أو راعيًا، أو غير ذلك، هؤلاء كلهم أمناء، فالقاعدة الشرعية: أن الأمين لا يضمن، إلا إذا تعدى أو فرط، أما التفريق الذي ذكره المؤلف فهذا لا دليل عليه.

متى تستقر الأجرة؟

قال المصنف رحمه الله:

وتستقر الأجرة بفراغ العمل وبانتهاء المدة.

تستقر الأجرة، وتثبت هذه الأجرة دينًا في ذمة المؤجر، إما بفراغ العمل، أو بانتهاء المدة، وقال عليه الصلاة والسلام: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه [8]، وأيضًا في الحديث القدسي يقول الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة، فمن كنت خصمه، فقد خسر..، وذكر منهم رجلًا استأجر أجيرًا فاستوفى منه ثم لم يعطه أجره [9]، أخرجه البخاري في “صحيحه”؛ فهذا يدل على أن الأجرة تستحق وتستقر باستيفاء وإكمال العمل المستأجر لأجله، وأيضًا بانتهاء المدة.

وكذا ببذل تسليم العين، إذا مضت مدةٌ يمكن استيفاء المنفعة فيها ولم تُستوف.

يعني: إذا سلم المؤجر العين، ومضت مدة يمكن أن يَستوفي المستأجر فيها المنفعة؛ فالأجرة تلزمه وتستقر في ذمته، سواءٌ استوفى هذه الأجرة أو تركها؛ لأن المنافع قد ذهبت بدون استيفاءٍ باختيارٍ منه؛ كما لو مثلًا استأجر بيتًا وسلمه المؤجر المفاتيح، ولكن المستأجر لم يسكن هذا البيت، فتُستحق الأجرة عليه، سواءٌ سكن أو لم يسكن.

فإذنْ الأجرة تستقر بأحد ثلاثة أمورٍ: إما بالفراغ من العمل، أو بانتهاء المدة، أو ببذل العين المؤجرة ومضي مدةٌ يمكن للمستأجر استيفاء المنفعة فيها.

يصح شرط تعجيل الأجرة وتأخيرها

ويصح شرط تعجيل الأجرة وتأخيرها.

يعني: إذا اشترط المؤجر على المستأجر تعجيل الأجرة؛ صح ذلك، وإذا اشترط المستأجر على المؤجر تأخير الأجرة؛ صح ذلك؛ يعني مثلًا: العرف عندنا هنا في المملكة العربية السعودية: هو اشتراط تعجيل الأجرة، إذا استأجرت بيتًا؛ لا بد أن تسلم الأجرة لستة أشهرٍ قادمةٍ مقدمًا، فإذا كان هذا عرفًا؛ فالمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.

لكن لو أن المستأجر قال: أنا لن أسلم الأجرة في أول المدة، سأسلمها في آخر المدة، وتَرَاضَيَا على ذلك؛ فلا بأس.

اختلاف المؤجر والمستأجر في مقدار الأجرة

وإن اختلفا في قدرها؛ تحالفا وتفاسخا.

يعني: إذا اختلف المؤجر والمستأجر في مقدار الأجرة؛ فإن كان لأحدهما بينة؛ فالقول قول صاحب البينة، إن لم يكن لأحدهما بينةٌ؛ تحالفا وفسخا عقد الإجارة؛ كالبيع.

وإن كان قد استوفى ما له أجرةٌ؛ فأجرة المثل.

يعني: إذا كان قد اختلفا في قدر الأجرة، وكان المستأجِر قد استوفى المنفعة، فعليه أجرة المثل؛ مثلًا: استأجرتَ سيارة أجرةٍ على أن يوصلك للمطار، ثم اختلفت أنت وإياه في مقدار الأجرة، فتعطيه أجرة المثل.

المستأجِر أمينٌ لا يضمن إلا بالتفريط

والمستأجِر أمينٌ لا يضمن -ولو شرط على نفسه الضمان- إلا بالتفريط، ويُقبل قوله في أنه لم يفرط، أو أن ما استأجره أَبَقَ أو شرد أو مرض أو مات.

القاعدة في المستأجر أنه أمينٌ، مثل المضارب أمين، مثل المودع أمينٌ، ومعنى كونه أمينًا: أنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، يقول المؤلف: “حتى لو شرط على نفسه الضمان”، فإن هذا الشرط شرطٌ غير صحيحٍ، وإذا لم يكن هناك بينةٌ يقدَّم قوله على المؤجر فيما يذكر من تلف العين، أو في مثلًا مرض الدابة، أو موتها، أو نحو ذلك.

متى يضمن المستأجِر؟

وإن شرط عليه ألا يسير بها في الليل، أو وقت القائلة، أو ألا يتأخر بها عن القافلة، ونحو ذلك مما فيه غرضٌ صحيحٌ، فخالف؛ ضمن.

يعني: إذا اشترط المؤجر على المستأجر شروطًا له فيها غرضٌ صحيحٌ، وخالف المستأجر هذه الشروط، وحصل التلف؛ فإن هذا المستأجر يضمن، سواءٌ تعدى أو فرط، أو لم يتعد ولم يفرط.

مثَّل المؤلف مثالًا لِمَا هو موجودٌ في زمنه، ونحن سنمثل بمثالٍ من واقعنا:

قال المؤلف: كما لو شرط المؤجر على المستأجر للدابة، هذا رجلٌ استأجر مثلًا جملًا للركوب عليه، فشرط المؤجر ألا يسير بهذا الجمل في الليل، أو ألا يسير به وقت القائلة، أو ألا يتأخر به عن القافلة، ثم إن المستأجر خالف فتلفت العين المؤجرة، عطب هذا الجمل، مات؛ فإن المستأجر يضمن مطلقًا، سواءٌ كان التلف بتعدٍّ منه أو تفريطٍ، أو بغير تعدٍّ منه ولا تفريطٍ؛ لمخالفته لشرط المؤجر.

من أمثلة واقعنا المعاصر: أن مثلًا شركة تأجير السيارات عندما تَستأجر منها سيارةً؛ يشترطون عليك أن يكون سيرك مثلًا داخل المدينة، داخل مثلًا مدينة الرياض، فلو أنك خالفت وذهبت بها إلى خارج المدينة، وحصل حادثٌ بغير تعدٍّ منك ولا تفريطٍ، فإنك تضمن، تضمن مطلقًا التلف، سواءٌ كان بتعدٍّ أو تفريطٍ، أو بغير تعدٍّ ولا تفريطٍ؛ لأنك خالفت شرطهم عليك في ألا تخرج بها خارج حدود المدينة.

أو أنهم شرطوا عليك ألا تسير بالسيارة أكثر من كذا كيلو، مثلًا قالوا: ألا تسير بها في اليوم أكثر من ألف كيلو، لكنك خالفت وسرت بها أكثر من ألفٍ مثلًا أو أقل أو أكثر، فحصل حادثٌ، وحصل تلفياتٌ للسيارة؛ فإنك تضمن مطلقًا.

قال:

ومتى انفسخت الإجارة؛ رفع المستأجر يده، ولم يلزمه الرد ولا مؤونته؛ كالمُودِع.

فإذا انقضت الإجارة؛ فالمستأجر فقط يرفع يده عن العين المؤجرة، وأما مؤونة الرد فلا تلزمه، إلا إذا شرط عليه المؤجر ذلك، أو كان هناك عرفٌ بأن يتحمل المستأجر مؤونة الرد، وإلا فالأصل أن المستأجر يرفع يده عن العين المؤجرة.

وبهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن مسائل وأحكام الإجارة.

الأسئلة

السؤال: في الحديث: الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه [10]، هل مَن غيَّر مكانه للحاجة؛ كصلاة الراتبة، ينال هذا الفضل؟

الجواب: نعم، ينال هذا الفضل؛ لأن المقصود من الحديث: أن الصلاة تحبسه، وهو لا زال في المسجد ينتظر الصلاة، فالملائكة تدعو له، بغض النظر عن جلوسه في هذا المكان، أو تغييره له إلى مكان آخر، فمقصود الشارع أنه يأتي للمسجد، وينتظر الصلاة، ما دام منتظرًا للصلاة، فإن الملائكة تدعو له، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يُحدِث، أو يفرغ من الصلاة، وهذا فضلٌ عظيمٌ، هذا فضلٌ عظيمٌ.

ولذلك ينبغي أن يحرص المسلم على التبكير في الذهاب للمسجد؛ فإنه يستفيد بذلك فوائد:

  • الفائدة الأولى: أنه ينال دعوة الملائكة له، تدعو لك الملائكة، حتى تفرغ من الصلاة، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، طوال الوقت والملائكة تدعو لك، يعني لو قيل لك: إن أتقى أهل الأرض إذا ذهبت للمسجد مبكرًا سيدعو لك بالمغفرة والرحمة؛ ستجد أنك تبادر وتذهب للمسجد مبكرًا، كيف بدعاء الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون؟! فالملائكة تدعو لمن يأتي للمسجد وينتظر الصلاة، حتى تقضى، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث، أو تنقضي الصلاة، وإذا غيرت المكان إلى مكانٍ آخر في المسجد؛ فلا يؤثر هذا على هذا الفضل.
  • كذلك أيضًا عندما تأتي للمسجد مبكرًا؛ تستفيد فائدةً أخرى: وهي أنك تنشغل بأعمالٍ صالحةٍ؛ من صلاةٍ، ومن تلاوة قرآنٍ، ومن دعاءٍ، ومن ذكرٍ.
  • كذلك أيضًا من يأتي للمسجد مبكرًا يكون هذا عونًا له على الخشوع في الصلاة؛ لأن ما في ذهنه يزول عندما يأتي لصلاة الفريضة، بخلاف من يأتي متأخرًا، فيكون ذهنه منشغلًا بما كان قبل الصلاة.

ولهذا يقول النبي : لو يعلم الناس ما في التهجير -يعني التبكير- لاستبقوا إليه [11].

السؤال: هل إقامة السنة الراتبة في المسجد أفضل أو في البيت؟

الجواب: الأفضل في البيت؛ لقول النبي : أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة [12]، فالأفضل أن تؤدي السنة الراتبة القبلية والبعدية في البيت ما أمكن، هذا هو الأفضل؛ فمثلًا: إذا أتيت لصلاة الظهر، يعني بعد أذان الظهر، تأتي بالسنة الراتبة في البيت، ثم تأتي للمسجد، وإذا صليت الفريضة ترجع للبيت، وتأتي بالسنة الراتبة البعدية، فهذا هو الأفضل.

القاعدة في هذا الباب: هي قول النبي : أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة.

السؤال: هل الجماع في صوم القضاء عليه كفارةٌ؟

الجواب: ليس عليه كفارةٌ، الكفارة إنما تجب في الجماع في نهار رمضان، أما في الجماع في صيام القضاء، فيترتب على ذلك الإثم، وعليه التوبة إلى الله ، ويترتب على ذلك فساد صوم ذلك اليوم، ويلزمه قضاؤه، هذا فقط هو المترتب على ذلك، بخلاف الجماع في نهار رمضان، فإنه يترتب على ذلك الإثم العظيم، فعليه التوبة، ويترتب على ذلك الكفارة المغلظة، وهي عتق رقبةٍ، ولا يوجد رقابٌ الآن، فعليه أن يصوم شهرين متتابعين، فإن عجز؛ فيطعم ستين مسكينًا، وعليه أيضًا قضاء ذلك اليوم.

السؤال: ما حكم من يجمع بين الصلاتين من غير عذرٍ؟

الجواب: الجمع بين الصلاتين من غير عذرٍ من كبائر الذنوب، لا يجوز الجمع بين الصلاتين من غير عذرٍ، وآكد شروط الصلاة الوقت، وقد تسقط كثيرٌ من الشروط والأركان والواجبات مراعاةً لشرط الوقت.

أرأيت رجلًا في المستشفى عاجزًا عن شروط الصلاة، وعاجزًا عن أركانها، على سريره، عقله معه فقط، لكنه عاجزٌ عن الحركة؟ فنقول: صل ولو بقلبك، وتسقط عنك جميع الشروط والأركان والواجبات؛ مراعاة لشرط الوقت، ولو أن تصلي بقلبك، لكن لا تترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وهذا يدل على أن شرط الوقت هو آكد شروط الصلاة.

ولذلك لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذرٍ، والله تعالى يقول: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:3-5]، قال ابن عباسٍ: أي يؤخرونها عن وقتها، توعدهم الله تعالى بالويل مع أنهم مصلون، هم يصلون لكنهم يؤخرونها عن وقتها، ساهون عن الصلاة، فتُوُعِّدوا بالويل.

فعلى المسلم أن يرفع من مستوى الاهتمام بهذه العبادة، الصلاة هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، هي عمود دين الإسلام، هي الصلة بين العبد وبين ربه، من حافظ على الصلاة وحفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ارفع مستوى الاهتمام بهذه العبادة ولن تفوتك أبدًا، لكن عندما تكون الصلاة هي آخر اهتماماتك؛ فإنك تجد ثقلًا وكسلًا وترددًا، وتؤخرها عن وقتها؛ ولهذا قال سبحانه: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]، فالجمع بين الصلاتين من غير عذرٍ معدودٌ عند أهل العلم من الكبائر.

السؤال: ما الحركة التي تبطل الصلاة؟

الجواب: الحركة التي تبطل الصلاة: هي الحركة المتوالية الكثيرة لغير حاجةٍ، هذا هو ضابطها، فلا بد أن تكون حركةً كثيرةً، فإن كانت يسيرةً؛ فلا تبطل الصلاة، وما يعتقده بعض العامة من أن ثلاث حركاتٍ أو أكثر تبطل الصلاة، هذا غير صحيحٍ.

الأمر الثاني: أن تكون متواليةً، فإن كانت كثيرةً، لكنها غير متواليةٍ؛ فلا تبطل الصلاة.

الأمر الثالث: أن تكون لغير حاجةٍ، فإن كانت لحاجةٍ؛ فلا تبطل الصلاة.

ولذلك النبي كان يحمل بنت بنته أمامة بنت أبي العاص، يحملها في صلاة العصر، إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها، وهذه حركةٌ، كان يفتح الباب لعائشة رضي الله عنها في صلاة الكسوف، تقدم فتقدمت الصفوف، وتأخر فتأخرت الصفوف، فليس كل حركةٍ تبطل الصلاة، إنما الذي تبطل الصلاة هي الحركة الكثيرة المتوالية من غير حاجةٍ.

لكن الحركة -حتى وإن لم تكن كثيرةً- إذا كانت لغير حاجةٍ؛ فهي مكروهةٌ؛ لأنها من العبث، فبعض الناس تجد أنه يتحرك في الصلاة كثيرًا من غير حاجةٍ، تارةً يحرك شماغه، وتارةً ينظر في ساعته، وتارةً في جواله، وتارةً يتمايل، فهذا هذا من العبث، وهذا مكروهٌ، أنت في مقام المناجاة لله ، فينبغي أن تسكن أعضاؤك وجوارحك، وأن تستحضر أنك تناجي الرب ، تناجي ربك وخالقك وخالق كل شيءٍ؛ ولهذا لما رأى أحد السلف رجلًا يعبث في صلاته، قال: لو خشع قلب هذا؛ لخشعت جوارحه.

السؤال: بطاقات الراجحي، يوجد نسبةٌ أقل من 1، وبعضها أكثر، هل هي شرعيةٌ؟

الجواب: لا أدري ماذا يقصد الأخ السائل بالبطاقات، يعني البطاقات كثيرةٌ، هل المقصود بطاقات الصراف الآلي، أو بطاقات الائتمان، أو بطاقاتٌ مسبقة الدفع، أو.. يعني ماذا يقصد؟

لكن القاعدة: أن ما تأخذه البنوك مقابل مصاريف فعليةٍ حقيقيةٍ، أو رسوم إداريةٍ، لا بأس به؛ لأن البنوك مؤسساتٌ ربحيةٌ، وليست جمعياتٍ خيريةً، لا نستطيع أن نقول للبنوك: اخدموا الناس مجانًا، تقول البنوك: لسنا مؤسساتٍ خيريةً، لسنا جمعياتٍ خيريةً، نحن مؤسساتٌ ربحيةٌ، يعني نريد أن نربح.

فما تصرفه البنوك مقابل خدماتٍ فعليةٍ حقيقيةٍ، ورسومٍ إداريةٍ، لا بأس بأن تتقاضاه البنوك في جميع أنواع البطاقات.

السؤال: إذا وضعت المرأة الحامل قبيل شهر رمضان، فهل يجوز لها أن تأخذ حبوب منع دم النفاس؛ حتى تصوم وتصلي مع الناس؟

الجواب: المرجع في ذلك لرأي الطبيب، إذا كان ذلك لا يُلحق الضرر بها؛ فلا باس، أما إذا كان يلحق الضرر بها؛ فلا يجوز؛ لأن بدن الإنسان ليست ملكًا له، إنما هو ملكٌ لله ، فليس له أن يتصرف في بدنه بما يضره، والغالب أن هذه العقاقير التي تمنع الدم الطبيعي تضر بالصحة، العقاقير والحبوب التي تأخذها المرأة لمنع الحيض أو لمنع دم النفاس، هذه تلحق الضرر في الغالب، لكن لو قرر طبيبٌ مختصٌّ أن فعلها مرةً واحدةً أو عارضةً لا يضر؛ فلا بأس، فالحكم الشرعي مرتبطٌ برأي الطبيب المختص.

السؤال: ما حكم أخذ تأمينٍ على المستأجر لإصلاح الضرر إذا وقع منه بعد الخروج؟

الجواب: لا بأس في ذلك، فإذا أخذ منه مبلغًا، ويقول: هذا المبلغ أضعه كتأمينٍ، إذا حصل منك ضررٌ؛ فيخصم من هذا المبلغ بمقدار الضرر، وإن لم يحصل منك ضررٌ، فيرجع لك هذا المبلغ، وتراضيا على ذلك؛ فلا بأس، والمسلمون على شروطهم.

السؤال: ما هي مواضع رفع اليدين في الصلاة؟

الجواب: مواضع رفع اليدين في الصلاة أربعة مواضع:

  • الموضع الأول: عند تكبيرة الإحرام.
  • الموضع الثاني: عند الركوع.
  • الموضع الثالث: عند الرفع منه، يعني عند الرفع من الركوع.
  • الموضع الرابع: عند القيام من التشهد الأول.

السؤال: بالنسبة للثوم والبصل جاءت الأدلة بالنهي عن أكل هاتين الشجرتين والذهاب للمسجد، وبعضهم يقول: أنا أستعمل معجون الأسنان، أو آكل الهيل وتذهب الرائحة؟

الجواب: النهي في حق من أكل بصلًا أو ثومًا أن يصلي في المسجد، هذا على الكراهة وليس على التحريم؛ ولهذا لمَّا نهى النبي من أكل بصلًا أو ثومًا أن يصلي في المسجد، وقال: من أكل بصلًا أو ثومًا، فلا يقربن مسجدنا، قال الناس: حرمت، حرمت، فقال النبي : إني لا أحرم ما أحل الله، ولكنهما شجرتان خبيثتان [13]، وهذا في “صحيح مسلمٍ”، وهذا نصٌّ صريحٌ في أن النهي للكراهة وليس للتحريم، فيكره في حق من أكل بصلًا أو ثومًا أن يأتي للمسجد فيؤذي المصلين بالرائحة الكريهة، لكن لو استخدم ما يقطع الرائحة الكريهة تزول الكراهة، ومن ذلك: ما ذكره الأخ السائل من استعمال بعض معاجين الأسنان، هذه ربما تقطع الرائحة الكريهة، أو نحو ذلك، ومن ذلك: ما يوجد في الصيدليات من أشياء توضع في الفم وتقطع الرائحة الكريهة، فإذا وجد ما يقطع الرائحة الكريهة؛ زالت الكراهة.

أما أن يأكل البصل والثوم ويأتي للمسجد ويؤذي المصلين برائحته الكريهة، بل حتى يؤذي الملائكة، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فهذا مكروهٌ.

السؤال: حديث: البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطانٌ [14]، هل يشمل ذلك ما إذا كانت قراءة السورة عبر المسجل؟

الجواب: نعم، ظاهر الأدلة: أن ذلك يتحقق؛ لأن النبي قال: البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة..، وأطلق، سواءٌ قرأها صاحب البيت، أو أحد أفراد البيت، أو شخصٌ آخر، أو حتى عن طريق المسجل.

فإذا قرئت سورة البقرة في البيت؛ فلا يقربه شيطانٌ، والشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، وهذه سورة عظيمةٌ، وهي أطول سور القرآن.

ويقول النبي : أخذُها بركةٌ، وتركُها حسرةٌ، ولا تستطيعها البطلة [15]، يعني: السحرة، فهي بإذن الله تعالى تحصن البيت من هذه الشرور، تحصنه من السحر، وكذلك أيضًا من الشياطين، تنفر الشياطين من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة؛ ولهذا ينبغي أن يكون البيت عامرًا بذكر الله من أهل البيت، وكذلك أيضًا بالإفادة من وسائل التقنية الحديثة، بأن مثلًا توضع سورة البقرة في المسجل، أو تقرأ في البيت عبر المسجل، أو مثلًا وضع إذاعة القرآن الكريم مثلًا، إذاعةٌ عظيمةٌ، كان شيخنا ابن بازٍ رحمه الله يقول عنها: إنها جامعةٌ، وكذلك أيضًا القنوات النافعة المفيدة؛ مثل قنوات القرآن الكريم، قناة القرآن، وقناة السنة، ونحو ذلك.

نكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^9 رواه البخاري: 2227.
^2 رواه النسائي: 3859، بنحوه.
^3 رواه أبو داود: 531، والترمذي: 209، والنسائي: 672، وأحمد: 16270، وقال الترمذي: حديث حسن.
^4 رواه أبو داود: 3416، وابن ماجه: 2157، وأحمد: 22689.
^5 رواه البخاري: 5737.
^6 سبق تخريجه.
^7 رواه أبو داود: 3561، والترمذي: 1266، وابن ماجه: 2400، وقال الترمذي: حديث حسن.
^8 رواه ابن ماجه: 2443.
^10 رواه البخاري: 445، ومسلم: 649.
^11 رواه البخاري: 615، ومسلم: 437، بنحوه.
^12 رواه البخاري: 731، ومسلم: 781.
^13 رواه مسلم: 565.
^14 رواه مسلم: 780.
^15 رواه مسلم: 804.
zh