logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(54) باب الحوالة- من قوله “وشروطها خمسة.”

(54) باب الحوالة- من قوله “وشروطها خمسة.”

مشاهدة من الموقع

النبي يقول: مَن يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين[1]؛ إذا وجدت من نفسك حرصًا على التفقه في الدين، وحرصًا على طلب العلم، ومحبة لذلك، فهذه أمارة إن شاء الله على أنه أريد بك الخير، ومفهوم هذا الحديث: أن من لم يُرَد به الخير، لا يُوفَّق للفقه في الدين.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

حياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي، في هذا اليوم الإثنين، العشرين من شهر رجب، من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وأربعين للهجرة.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا. اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول، وبك أحول، وبك أستعين.

باب الحوالة

ننتقل بعد ذلك إلى “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى باب الحوالة.

قال المصنف رحمه الله:

باب الحوالة.

تعريف الحوالة

هذه المادة، مادة الحوالة في اللغة العربية، مشتقة من التحول، وهو الانتقال من موضع إلى موضع، كما قال الله تعالى: لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:108]؛ يعني: لا يبغون عن الجنة حِوَلًا، يعني: تَحَوُّلًا وانتقالًا؛ وذلك أن نعيمَ الجنة نعيمٌ عظيم، لا يَمَلُّه الإنسان ولا يسأم منه، ولا يبغي عنه حِوَلًا، أي: انتقالًا وتحوُّلًا.

بخلاف نعيم الدنيا، فإن الإنسان يمل منه، أما نعيم الجنة فلا يمل منه، نعيم الجنة فوق مستوى تخيل العقل البشري، يعني حتى ما يستطيع العقل البشري أن يتخيله مجرد تخيل؛ ولذلك لا يسأم الإنسان منه يوم القيامة، لا يسأم أهل الجنة من نعيم الجنة يوم القيامة.

ومعنى الحوالة اصطلاحًا: نقل الدَّين وتحويله مِن ذمة المُحِيل إلى ذمة المُحَال عليه، كأن يطلبك شخص دينًا، فتحيل الدائن على مدين لك، تقول: اذهب إلى فلان، فأنا أطلبه هذا الدين، خذه منه.

وقد دلَّ لجوازها السنة والإجماع: في السنة عدةُ أحاديث، منها: قول النبي : مَطْلُ الغني ظلمٌ، ومَن أُحيل إلى مليء فَلْيَحْتَلْ وفي لفظ: إذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبعه[2].

وأجمع العلماء على مشروعية الحوالة في الجملة.

هنا مسألة: الحوالة هل هي عقد إرفاق مستقل، أو أنها بيع؟ قولان للفقهاء:

فمنهم من قال: إنها بيع، ويشترط لها ما يشترط للبيع.

ومنهم من قال: إنها عقد إرفاق مستقل بنفسه، وهذا هو القول الراجح.

ولهذا قال الموفق: الصحيح أنها عقد إرفاق منفرد بنفسه، ليس بمحول على غيره؛ لأنها لو كانت بيعًا لما جازت؛ لكونها بيع دين بدين، ولَمَا جاز التفرُّق قبل القبض.. إلخ.

فالصواب أنها عقدُ إرفاقٍ مستقل بذاته، وأيضًا ابن القيم له كلام، قال: إن الحوالة من جنس إيفاء الحق، لا من جنس البيع.

فالقول الراجح عند المحققين: أن الحوالة من عقود الإرفاق والإحسان، وليست بيعًا.

شروط الحوالة

وشروطها خمسة.

وبعضهم جعلها ثلاثة، والمؤلف أضاف شرطين من باب التنبيه عليهما، وإلا فهما معلومان:

الأول، قال:

أحدها: اتفاق الدَّينين في الجنس، والصفة، والحلول، والأجل.

اتفاق الدَّينين، يعني: الدَّين المحال به، والدين المحال عليه، فلا بد من اتفاقهما، يعني تماثلهما في الجنس بأن يكون الجنس واحدًا، يحيل ذهبًا بذهب، نقدًا بنقد، دراهم بدراهم، ريالات بريالات، وهكذا.

لأنه لو اختلف الجنس، فإنها لا تكون حوالة، وإنما تكون بيعًا، لو -مثلًا- أحال بُرًّا بتمر، فتكون بيعًا وما تكون حوالة.

والصفة، يعني: لا تصح الحوالة مع اختلاف الصفة في الدَّين المُحالِ به، ومرادهم بالصفة، يعني: صفة الدراهم والدنانير.

وهذا بناء على زمن المؤلف لمَّا كانت الدراهم والدنانير مضروبة وبعضها غير مضروب، فيقولون: لا يصح أن يُحيل دراهم مضروبة بدراهم، على دراهم غير مضروبة، لا نحتاج لهذه المسألة في وقتنا الحاضر؛ لأن تعامل الناس الآن أصبح بالأوراق النقدية.

والحلول والأجل، يعني: لا بد من التماثل في الوقت، فلو كان أحد الدينين حالًّا والآخر مؤجلًا؛ لم تصح الحوالة.

وقال بعض أهل العلم: إنه إذا رضي المحال بذلك فلا بأس؛ لأن الحوالة كما ذكرنا أنها ليست بيعًا، وإنما هي عقد إرفاق واستيفاء للحق، فإذا كان الإنسان يطلب آخر دينًا، وقال: نحيلك على فلان، لكنْ، فلان ما يَحِلُّ الدَّين الذي أطلبه إلا بعد -مثلًا- شهرين، ورضي بذلك المحال؛ فلا بأس؛ لأن الحق له وقد أسقطه.

ويُشترط أيضًا: اتِّفاق الجنسين في القَدْر، هذا لم يذكره المُؤلِّف، فلا يصح أن يُحيل عشرة آلاف على تسعة آلاف؛ لأن الحوالة عقد إرفاق، فلا يجوز التفاضل فيها، إلا إذا أبرأه من القدر الزائد.

الثاني: عِلمُ قَدْرِ كلٍّ مِن الدَّيْنين.

لا بد من معرفة المحال به، والمحال عليه، يعني يعتبر فيهما التسليم والتماثل، فلا بد من معرفة القدر.

الثالث: استقرار المال المحال عليه، لا المحال به.

والفرق بين المال المحال عليه، والمحال به: أن المحال عليه هو الذي على الشخص المحال عليه، حوَّلتك على فلان؛ لكوني أطلبه دينًا، هذا الدين هو المحال عليه، والمحال به هو الدين الذي على المحيل، أنت تطلبني دينًا، هذا هو المحال به.

وقوله: (استقرار المال المحال عليه)، يعني: أن تكون الحوالة على دين مستقر ثابت في ذمة المحال عليه، فإن لم يكن كذلك بأن كانت على دين غير مستقر، كما يمثل لذلك بالصداق قبل الدخول مثلًا، أو دين كتابة، أو ثمن سلعة في الخيار، فلا تصح الحوالة.

وقوله: (لا المحال به)، يعني: لا يُشترط استقرار الدَّين المُحال به، فلو أن شخصًا اشترى سيارةً، وأحال البائع بثمن المبيع في زمن الخيار، في زمن خيار الشرط، على دَين له مستقرٍّ في ذمة شخص آخر، فتصح الحوالة.

الرابع: كونه يصح السَّلَم فيه.

وهذا الشرط لم يذكره كثير من الفقهاء؛ لأنه تحصيل حاصل، فإن الحوالة إنما تثبت في الذمة، وما يثبت في الذمة يصح السلم فيه.

الخامس: رضا المحيل لا المحتال.

رضا المحيل؛ لأن الحق أو الدين في ذمته، لا يلزمه أن يسدد هذا الدين عن طريق الحوالة، يمكن أن يسلم للمدينِ الدَّيْنَ مباشرةً، فلا بد من رضاه، وهذا باتفاق العلماء.

أما المحال عليه فلا يعتبر رضاه؛ لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه، أو يستوفي الحق عن طريق وكيله، وقد أقام المحال مقام نفسه في القبض، فلزم المحال عليه أن يدفع لهذا المحال.

أما المحال، ففيه تفصيل: إن كان المحال عليه مليئًا باذلًا، فلا يُشترط رضاه، أما إذا كان المحال عليه معسرًا أو مماطلًا، فيشترط رضاه.

وقوله: (إن كان المحال عليه مليئًا)، ثم فسَّر المصنف معنى المليء فقال:

وهو مَن له القدرة على الوفاء، وليس مماطلًا، ويمكن حضوره لمجلس الحكم.

فذكر ثلاثة قيود:

القيد الأول: أن يكون قادرًا على الوفاء، والقيد الثاني: أن يكون غير مماطل، والثالث: أن يمكن إحضاره لمجلس الحكم، وقد فسر الإمام أحمد المليء، قال: أن يكون مليئًا بماله وقوله وبدنه.

“بماله”؛ يعني: قادرًا على الوفاء.

“بقوله”: غير مماطل.

“ببدنه”: يمكن إحضاره لمجلس الحكم.

فإذن، هذه العبارة التي ذكرها المصنف هي تفريعٌ على مقولة الإمام أحمد، الإمام أحمد قال: المليء أن يكون مليئًا بماله. وهو ما أشار إليه المصنف بقوله: (من له القدرة على الوفاء)، وقوله، يعني: (ليس مماطلًا).

“وبدنه”؛ يعني: يمكن إحضاره لمجلس الحكم.

وقولنا: ليس مماطلًا، ضابط المماطلة هو العرف، مَن عده الناس في عرفهم مماطلًا فهو مماطل، وإلا فلا، يعني الناس تعرف المماطلة، إذا كنت تطلب إنسانًا شيئًا، وكلَّ يوم يأتي لك بعذر، كل يوم له عذر، فتارة يقول: ما عندي شيء، أَنظِرْني، وتارة يقول: غدًا، وتارة.. يعني كل يوم له عذر، هذا يسمى مماطلًا.

والمماطلة -إذا كان المماطل غنيًّا قادرًا على الوفاء- محرمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: مطل الغني ظلم[3].

وقوله: (ويمكن إحضاره لمجلس الحكم)؛ لأن هناك أناسًا لا يمكن إحضارهم لمجلس الحكم لوجاهتهم، كالأمراء ونحوهم مثلًا، فلو أحال إنسان جاء يطلب آخر دينًا، وهذا المَدِين أحال الدائن على إنسانٍ لا يمكن إحضاره لمجلس الحكم، فلا يلزمه أن يقبل هذه الحوالة.

إذا توفرت الشروط؛ برئ المحيل من الدين بمجرد الحوالة

قال:

فمتى توفرت الشروط؛ برئ المُحِيل مِن الدَّين بمجرد الحوالة، أفلس المحال عليه بعد ذلك، أو مات.

إذا توفرت هذه الشروط الخمسة، وقَبِل المحال بالحوالة، برئت ذمة المحيل، وهذا المحال يُطالِب المُحالَ عليه بحقه، وإنْ شَرَط المحال ملاءة المحال عليه فبان معسرًا، فإنه يرجع للمحيل؛ لقول النبي : المسلمون على شروطهم[4].

لكن، إذا لم يشترط المحال ملاءة المحال عليه، ورضي بالحوالة ظنًّا منه أن المحال عليه مليء باذل، فتبين أن المحال عليه أنه مفلس، أو أنه مماطل، أو مات بعد ذلك، فهل يبرأ المحيل، ونقول: أنت أيها المحال فرَّطْتَ في كونك لم تشترط؟ قولان للفقهاء:

  • القول الأول: أن المحيل يبرأ، وهذا هو الذي نصَّ عليه المصنف، يبرأ المحيل وليس للمحال عليه الرجوع على المحيل؛ وذلك لأنه قد فرَّط بعدم اشتراط ملاءة المحال عليه، فيتحمل ما يترتب على ذلك التفريط. وهذا هو القول الذي أقره المصنف، وهو المذهب عند الحنابلة.
  • القول الثاني: أن للمحال الرجوع على المحيل، وهذا القول رواية عن أحمد؛ لأن إفلاس المحال عليه أو مماطلته يعتبر عيبًا، أشبه ما لو اشترى سلعة يظنها سليمة فبانت معيبة؛ ولأن المحيل قد غر المحال بتلك الحوالة، وهذا هو القول الراجح: أن المحال له الرجوع على المحيل.

هذا إنسان تطلبه دينًا، أتيت يا فلان، سدِّد لي الدين. قال: اذهب وخذه من فلان، أنا أطلبه، حوَّلتك على فلان. وأنت ذهبت لفلان تعتقد أنه مليء باذل، فتبين أن فلانًا معسر، أو أن فلانًا مماطل، فالصواب أنك ترجع للمحيل وتطالب بحقك، تقول: أنت أحلتني على فلان، ما سدد لي.

وهذا هو الذي عليه العمل؛ لأن عدم ملاءة المحال عليه، هذا يعتبر عيبًا، أشبه ما لو اشترى سلعة يظنها سليمة فبانت معيبة.

إذا لم تتوفر الشروط؛ لم تصح الحوالة، وإنما تكون وكالة

ومتى لم تتوفر الشروط؛ لم تصح الحوالة، وإنما تكون وكالة.

يعني: إذا تخلَّف شرط من الشروط الخمسة السابقة؛ لا تصح حوالةً، لكن تنقلب إلى وكالة، وكالة اقتراض، يُشترط فيها رضا الوكيل.

الحوالات البنكية

من التطبيقات المعاصرة: ما يُسمى بالحوالات البنكية، تذهب للبنك وتعطيهم مثلًا عشرة آلاف ريال، وتقول: حولوها لفلان في بلد كذا، إما عشرة آلاف ريال، أو ما يعادلها من عملات أخرى. هذه، الناس يُسمونها حوالة، لكن هل هي بالمعنى الفقهي حوالة؟

الواقع أنها ليست حوالة بالمعنى الفقهي؛ لماذا؟ لأن العميل عندما يأتي للبنك، البنك ليس مدينًا للعميل، والعميل ليس دائنًا له، وإنما العميل يأتي للبنك ويعطيه مبلغًا، ويطلب منه نقل هذا المبلغ إلى فلان في البلد الثاني، ويطلب منه نقل هذا المبلغ إلى فلان في بلد آخر.

فالأقرب في التكييف الفقهي لها والله أعلم: أنها وكالة بأجرة على نقل النقود؛ فأنا وكلتك أيها البنك بأن تنقل لي هذا النقد، وكالة بأجرة. وهذه الأجرة هي العمولة التي تقاضاها البنك.

فالبنك ينقل هذه النقود منك إلى فلان في البلد الآخر، وتُوكِّله على ذلك بأجرة، فهي وكالة بأجرة على نقل النقود، وليست حوالة بالمعنى الفقهي، وإن كان الناس يسمونها حوالة، والبنوك تسميها حوالة، لكنها في حقيقة الأمر ليست حوالة بالمعنى الفقهي، هذا هو الأقرب -والله أعلم- في تكييفها الفقهي.

وعلى هذا؛ فلا بأس أن يأخذ البنك عمولة على هذه الحوالة، أو عمولة على نقل النقود، يعني بالمعنى الأدق، لا بأس أن يأخذ البنك عمولة على نقل النقود؛ لأن البنك يعتبر وكيلًا بأجرة.

طيب، عندما يطلب الإنسان نقل نقد إلى بلد آخر، مع اختلاف العملة، فهنا اجتمع صرف، واجتمع أيضًا نقل النقد الذي يسمى حوالة، فلا بد من المصارفة أولًا، ثم بعد ذلك تحويل المبلغ.

فالمصارفة، لو أردنا المصارفة الحسية، تأتي للبنك بريالات، وتقول: أعطني دولارات، معك عشرة آلاف ريال، تقول: اصرفها لي دولارات، فإذا صرفها لك دولارات تُرجع الدولارات مرة أخرى، وتقول: حوِّلها للبلد الفلاني.

لكن هذا فيه صعوبة، وفيه أيضًا عسر وحرج؛ لماذا؟

لأن سعر الشراء عند البنوك يختلف عن سعر البيع، فأنت عندما تشتري الآن هذه العملة، تعطيهم ريالات، وتشتري منهم دولارات، يبيعونها عليك بسعر، إذا أردت أن تبيع الدولارات عليهم مرة أخرى، يشترونها منك بسعر أقل، ففيه حرج.

ولهذا يعني أكثر العلماء المعاصرين أو عامة العلماء المعاصرين، ذهبوا إلى أن القبض الحكمي يقوم مقام القبض الحقيقي، وأن القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض، يعني يعتبر قبضًا حكميًّا.

فعندما تأتي للبنك، وتريد أن تحول هذه الريالات إلى دولارات، البنك، موظف البنك ينظر إلى سعر الريال بالدولار، ويقول: هذه عشرة آلاف ريال تعادل كذا دولارًا، ويسجلها لك في ورقة، ويعطيك هذا الإيصال.

هذا يعتبر قبضًا حكميًّا، وحصلت المصارفة بينك وبين البنك، حولت الآن الريالات إلى دولارات، وأعطاك موظف البنك إيصالًا بهذا التحويل، يعني صارفت الآن الريالات بدولارات، وأعطاك موظف البنك سندًا بهذا الصرف. بعد ذلك تقول للبنك: انقلوا لي هذا المبلغ من الدولارات إلى البلد الفلاني، فتكون وكالة بأجر على نقل النقود.

فاجتمع في هذه العملية أمران:

الأمر الأول: المصارفة.

والأمر الثاني: الوكالة بأجرة في نقل النقود، وهذه لا بأس بها.

لكن، هنا أنبه إلى يعني مسألة مهمة، وهي أنه عند المصارفة لا بد أن البنك يملك العملة التي يُراد الصرف إليها، يملك هذه العملة إما في صندوقه المحلي، أو في صندوقه المركزي؛ لأنه لا يجوز للبنك أن يصارف بما لا يملك.

فمثلًا: عندما تأتي للبنك وتقول: أريد أن تصرفوا لي هذه، عشرة آلاف ريال، بعملة من العملات ليست مشهورة، ربما تكون هذه العملة غير موجودة عند البنك أصلًا، فلا يجوز للبنك أن يصارف بعملة لا يملكها وليست موجودة عنده.

ولذلك؛ عند المصارفة، ينبغي أن تختار عملة يغلب على الظن وجودها لدى المصرف، مثل مثلًا الدولار، مثل اليورو مثلًا، ونحو ذلك.

أما العملات غير المشهورة التي ربما لا تكون موجودة أصلًا عند البنك، فهنا لا بد من التأكد من وجودها عند البنك، وإلا لا يجوز؛ لأن البنك يكون قد صارف بما لا يملك، وهذا لا يجوز.

فإذن، عندما يذهب الإنسان للبنك، ويريد ما يسمى بالتحويل، وهو في الحقيقة نقل نقد، فأولًا: يكون هناك مصارفة بينه وبين البنك، فيعطيهم هذا المبلغ ويقول: أريد أن تنقلوا هذا المبلغ بالجنيهات، بالدولارات، باليورو، فموظف البنك ينظر إلى سعر الصرف، ويسجل له سندًا بأن هذا المبلغ قد تم مصارفته بالعملة الفلانية، وأن سعرها بالعملة الفلانية كذا، ويعطيه إيصالًا.

ثم بعد ذلك يوكل عميل البنك في نقل هذا النقد إلى بلد آخر بأجرة، فهذا لا بأس به، فهذه العملية لا بأس بها، يجتمع هنا مصارفة، ويجتمع وكالة بأجرة على نقل هذا النقد.

الشيكات التجارية

وأيضًا من التطبيقات المعاصرة للحوالة: الشيكات التجارية، وهي أحد أنواع الأوراق التجارية، والأوراق التجارية ثلاثة أنواع: الشيكات، والكمبيالات، والسندات لأمر.

فالشيكات أشهرها وتكييفها الفقهي أنها حوالة، المحيل فيها هو المحرر للشيك، والمحال عليه البنك، والمحال هو المستفيد الذي يكتب اسمه في الشيك، فيلزم المستفيد قبول الشيك؛ لأنه قد أحاله على مليء، والمحال لا يشترط رضاه إذا كان المحال عليه مليئًا.

والملاءة بالنسبة للمصرف أن يكون لهذا الشيك رصيد عند هذا البنك، فإذا كان له رصيد فيلزم المحال قبول الشيك، أو أن يكون مثلًا الشيك شيكًا مصرفيًّا، أو ما يسمى بالشيك المصدق، أعطاه شيكًا مصدقًا، هنا يلزمه قبول هذا الشيك.

فإذن، التكييف الفقهي للشيك: أنه حوالة.

باب الصلح

ننتقل بعد ذلك إلى:

باب: الصلح.

معنى الصلح ومشروعيته

الصلح: معناه في اللغة: قطع المنازعة، ويقال: صلح الشيء، وصَلَح وصَلُح، بفتح اللام وضمها: إذا كمل، واصطلاحًا: معاقدة يتوصل بها إلى إصلاحٍ بين مختلفين أو متنازعين.

والصلح من أعظم الأعمال الصالحة التي وعد الله تعالى مَن أتى بها بالأجر العظيم، فقال سبحانه: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114].​​​​​​​

فتأمل قول الله تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا، هذا يدل على عظيم الثواب والأجر المترتب على الإصلاح بين الناس.

وجاء في حديث أبي الدرداء ، وهو عند أحمد، والترمذي بسند صحيح، يقول النبي : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين[5].

إصلاح ذات البين، سبحان الله! إصلاح ذات البين هذا العمل الصالح أعظم درجة من الصلاة ومن الصيام ومن الصدقة.

فالأجر المترتب على إصلاح ذات البين أجر عظيم، وثوابه جزيل: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114].

والنبي يقول: ألا أخبركم بما هو أعظم درجة، أو أفضل درجة، من الصلاة، والصيام، والصدقة؟ إصلاح ذات البين، فإصلاح ذات البين من أفضل الأعمال الصالحة التي رتب عليها الأجر العظيم، والثواب الجزيل: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114].

والنبي كان يُصلح بين الناس، أولًا: أمر الله تعالى بالإصلاح، فقال: وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1]، كان عليه الصلاة والسلام يُصلح كما في قصة إصلاحه بين بني عمرو بن عوف[6]، وأيضًا لما أراد أن يصلح بين بريرة وزوجها مُغِيثٍ[7].

فكان عليه الصلاة والسلام يسعى للإصلاح بين الناس، وقد أجاز النبي الكذب لأجل الإصلاح بين الناس، كما في حديث أم كلثوم بنت عقبة: أن النبي قال: ليس الكذاب: الذي يصلح بين الناس فيَنْمي خيرًا، أو يقول خيرًا[8]؛ وذلك لأن الكذب إنما حُرِّم لما يترتب عليه من المفسدة، فإذا كان يترتب عليه مصلحة، كما في الإصلاح بين الناس، كان جائزًا.

والصُّلح إنما يكون في حقوق الآدميين مما يقبل الإسقاط أو المعاوضة، أما حقوق الله تعالى فإنها لا مدخل للصلح فيها؛ كالزكاة مثلًا، والحدود.

أقسام الصلح

قسَّم الفقهاء الصلح إلى خمسة أقسام:

  • الأول: الصلح بين المسلمين وأهل الحرب، وهذا له أحكامه التي يذكرها الفقهاء في كتاب الجهاد.
  • الثاني: الصلح بين أهل العدل وأهل البغي من المسلمين، وأهل البغي الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الحجرات: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].
    وتكلم عنهم الفقهاء بالتفصيل في باب قتال أهل البغي، وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله بالتفصيل.
  • الثالث: الصلح بين الزوجين إذا خِيف الشِّقاق بينهما، كما قال اللهُ تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128]؛ يعني: إذا خشيت المرأة أن يطلقها زوجها، إما لمرضها، أو لكِبَر سِنِّها، أو لغير ذلك، فاصطلحت هي وإياه على أن تُسقط بعض حقوقها وتبقى في عصمته، فهذا خير، هذا صلحُ خيرٍ، وكما حصل لسَودة؛ فإنها خشيت أن يطلقها النبي ، فوهبت ليلتها لعائشة.
  • الرابع: الصلح بين المتخاصمين في غير المال: كأن يكون بينهما شحناء، أو هِجران، أو قطيعة، فهذا مندوب إليه كما سبق.
  • الخامس: الصلح بين المتخاصمين في المال: وهذا هو المقصود بهذا الباب، فمقصود المؤلف بقوله: باب الصلح، يعني: الصلح بين المتخاصمين في الأموال.

أقسام الصلح في الأموال

وقسَّم الفقهاءُ الصُّلحَ في الأموال إلى قسمين: صلح على إقرار، وصلح على إنكار.

وبدأ المؤلف، وأشار إلى هذا المصنف، قال:

يصح ممن يصح تبرعه، مع الإقرار، والإنكار.

والذي يصح تبرُّعه هو الحر المكلف الرشيد، أما من لا يصح تبرعه فلا يصح الصلح منه، كولي اليتيم والمجنون مثلًا، فليس له أن يصالح المدين بإسقاط بعضه؛ لأن هذا الإسقاط يعتبر تبرعًا.

وولي اليتيم لا يملك التبرع من ماله، وإنما يجب على ولي اليتيم في حال عدم السداد، أن يرفع أمر هذا المدين للحاكم، حتى يُجبَر على السداد. إلا إذا كان لليتيم أو المجنون مصلحة في هذا الصلح، كأن يكون له حق ينكره مَن عليه الحق، ولا بينة لليتيم أو المجنون، فلا بأس أن يصالح ولي اليتيم أو المجنون عن هذا الحق بإسقاط بعضه؛ لأن المصلحة في ذلك.

والقاعدة في ولي اليتيم والمجنون، ومَن يلي مالًا لغيره: أنه لا يقرب هذا المال ولا يتصرف فيه، إلا بالتي هي أحسن، والله يعلم المفسد من المصلح.

هذه قاعدة: والله يعلم المفسد من المصلح، الله يعلم هذا ولي اليتيم، أو ولي المجنون، أو الذي يلي مالًا لغيره، هل هو مصلح أو مفسد؟ وهذا يبين يعني أثر النية في ذلك.

الصلح على إقرار

وابتدأ المؤلف الكلام عن القسم الأول: الصلح على إقرار، قال:

فإذا أقر للمدعي بدين أو عين، ثم صالحه على بعض الدين، أو بعض العين المدعاة، فهو هبة يصح بلفظها، لا بلفظ الصلح.

يعني: إنسان ادَّعى على آخر دينًا أو عينًا، فأقر المدعى عليه بالدين، فصالحه على بعض الدين، كنصفه مثلًا، يقول المؤلف: إنه يصح ذلك بغير لفظ الصلح، يصح بلفظ الهبة، بلفظ الإسقاط، بلفظ الإبراء، بأي لفظ إلا لفظ الصلح.

قالوا: بلفظ الصلح لا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يصالح عن ماله ببعضه.

والقول الثاني في المسألة: أنه يصح بلفظ الصلح؛ لأن العبرة بالمعنى، وهو إسقاط بعض الدين، سواء سُمي صلحًا، أو هبة، أو إبراء، أو سَمِّه ما شئتَ.

وهذا هو القول الراجح، لا فرق بين أن يكون ذلك بلفظ الصلح أو بلفظ الهبة أو بلفظ الإبراء، فهو يبقى في الأخير أنه أسقط جزءًا من الدين مقابل أن يعطيه باقيه.

وقد جاء في الصحيحين عن كعب بن مالك : أنه تقاضى دينًا من ابن أبي حَدْرَدٍ في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله وهو في بيته، فخرج عليه الصلاة والسلام ونادى: يا كعب قال: قلت: لبيك يا رسول الله. قال: ضَعْ مِن دَينك الشَّطْرَ قلت: قد فعلت. قال: قم فاقضه[9]. هذه القصة في الصحيحين، وهي قصة عجيبة!

أولًا: يدل على عظيم توقير الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام، يعني كعب بن مالك كان يتخاصم مع هذا الرجل، لدرجة ارتفاع الأصوات، مجرد كلمة من النبي عليه الصلاة والسلام: يا كعب، ضع نصف مالك، شطر مالك، قال: قد فعلت. مباشرة من غير تردد “قد فعلت”.

سبحان الله! انظر إلى سرعة الاستجابة لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، يعني وضع نصف ماله؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قد أمره، لم يتردد، قال: “قد فعلت” يعني: الموضوع انتهى وتم.

وفي قوله: في المسجد، يدل على جواز تقاضي الدين في المسجد؛ لأن النبي أقرهما على ذلك، إنما الممنوع البيع والشراء والدعاية، ونِشْدان الضالَّة، أما تقاضي الدين فلا بأس.

وعلى ذلك؛ مثلًا: المعتكف عندما يشتري طعامًا مِن مطعم مثلًا، ويأتي مندوب التوصيل ويقاضيه المبلغ داخل المسجد؛ لا بأس؛ لأن تقاضي الدين داخل المسجد لا بأس به، كما في هذه القصة، وإنما الممنوع البيع والشراء والدعاية، ونِشْدان الضالة، أما قضاء الدين في المسجد، فلا بأس به؛ لأن النبي أقر كعبًا وابن أبي حَدْرَدٍ على ذلك[10].

قوله:

وإن صالحه على عين غير المدعاة، فهو بيع يصح بلفظ الصلح، وتثبت فيه أحكام البيع.

يعني: كان الصلح ليس على العين المدعاة، وإنما على العين الأخرى؛ يكون بيعًا، وحكمه حكم البيع. وهذا يسميه الفقهاء المصالحة عن الحق بغير جنسه.

مثال ذلك: اعترف له بدين أو عين، ثم صالحه على أن يأخذ عن ذلك المُقَرِّ به شيئًا من غير جنسه، كأن يقول: أنت تطلبني مثلًا مائة ألف، أنا أعطيك بدلًا منها سيارة مثلًا. فهذا يكون بيعًا، وتترتب عليه أحكام البيع.

قال:

فلو صالحه عن الدين بعين، واتفقا في علة الربا، اشتُرط قبض العِوَض في المجلس.

يعني: لو اتفقا: الدين، والعين المُصالح عليها، في علة الربا، فيُشترط التقابض.

مثال ذلك: أقرَّ له بدَين مقداره مثلًا مائة ألف، ثم صالحه عن ذلك بأن يُعطيه عن هذا الدين ذهبًا، فهنا يجب التقابض في المجلس؛ لأن الصلح عن الحق بغير جنسه يعتبرونه بيعًا، فلا بد من التقابض في المجلس.

وبشيء في الذمة يبطل بالتفرق قبل القبض.

يعني: لو اصطلحا على أن يعطيه شيئًا في الذمة، أو التزم له بشيء في الذمة، فذلك الصلح يبطل بالتفرق قبل التقابض؛ لأنه يكون مِن قبيل بيع الدَّين بالدَّين، وهذا مَنْهيٌّ عنه.

وإن صالح عن عيب في المبيع صح.

يعني: إنسان اشترى سلعة، فوجد فيها عيبًا، فاتفق مع البائع على أن يصطلحا بأن يعوضه بشيء؛ لا بأس، كأن يعطيه مبلغًا من المال، أو يعطيه منفعة، أو نحو ذلك، فلا بأس بهذا، المهم أن يتراضيا على ذلك، يُعتبر هذا صلحًا.

فلو زال العيب سريعًا، أو لم يكن، رجع بما دفعه.

يعني: لو كان المشتري يظن أنه عيب ثم تبين أنه ليس بعيب، بأن زال العيب بسرعة، فعلى هذا الذي قد أخذ المال المُصطلَحَ عليه أن يُرْجِعَه لصاحبه؛ لأنه تبيَّن عدم استحقاقه له.

الصلح عن المجهول

ويصح الصلح عما تعذَّر عِلمه مِن دَين أو عَين.

هذه المسألة يُسميها الفقهاءُ: الصلح عن المجهول، وهذه تحصل أحيانًا بين الشريكين أو الشُّرَكاء، يكون بينهم معاملات كثيرة، ثم يختلفان في الحسابات ولا يتوصلان لنتيجة، يعني ما عندهم ضبط، ما يتوصلون لنتيجة، فالحل هو الصلح بينهما، ويُحْلِلُ كلٌّ منهما الآخر، يعني ليس هناك حل آخر.

يعني: هذان اثنان بينهما حسابات مشتركة، أو مجموعة بينهم حسابات مشتركة، ولم يضبطوا هذه الحسابات، فلم يعرف كلٌّ منهم أو كلٌّ منهما قدره الذي يستحقه، فليس هناك حلٌّ إلا الصلح، يتحريان ويصطلحان، ويُحْلِلُ كل منهما الآخر.

ولهذا؛ جاء رجلان من الأنصار للنبي في مواريث دَرَسَتْ بينهما، وليس لهما بينة، فقال عليه الصلاة والسلام: إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعضٍ، فأقضي على نحو ما أسمع، فمَن قضيتُ له بحقِّ أخيه، فإنما أقطع له قطعةً مِن نار، فليأخذها أو لِيَدَعْها[11]. فتأثر الرجلان وبكيا، وأصبح كل منهما يقول: حقي لأخي، حقي لأخي. وقال عليه الصلاة والسلام: أما إذا فعلتما فاذهبا واقتسما، وتوخَّيَا الحقَّ، ثم لِيُحْلِلْ كلٌّ منكما صاحبه. أخرجه أحمد بسند جيد[12].

لكن يتحرَّيان، يتحرَّى كلٌّ منهما ماله، أو حقه الذي له، لكن لو افترضنا أنهما لم يصلا إلى نتيجة في التحري، يعني الأمور كلها ملتبسة، فيقتسمانها بالنصف، ويُحْلِل كل منهما الآخر.

وقوله: ثم لِيُحْلِلْ كلُّ واحدٍ منكما صاحبه هذا يدل على مشروعية تحليل كلٍّ منهما صاحبه لأجل براءة الذمة.

أما صفة ذلك، يعني قال الموفق: إنه يقول: إن كان لي عليك حقٌّ، فأنتَ في حِلٍّ منه، ويقول الآخر: إن كنت أخذت مني أكثر من حقك، فأنت في حِلٍّ. أو بأية عبارة، فيقول: اللهُ يحللك ويبيحك، ونحو ذلك.

وذلك لأن حقوق العباد أمرها عند الله ​​​​​​​ عظيم جدًّا، حتى وإن كان في الشيء اليسير؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة. قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإن كان قضيبًا من أراك[13]؛ حتى وإن كان مِثل عُودِ السواك، ليس لك أن تأخذه، فهذا يدل على تشديد الشارع في حقوق العباد.

فإذا كان أحدٌ يطلبك شيئًا، ولو مِثل عود السواك، فأَرْجِعه له، وإلا فإن موقفك عند الله سيكون عسيرًا، فحقوق العباد أمرها عند الله عظيم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: مَن اقتطع حقَّ امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة. قالوا: وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإن كان قضيبًا من أراك.

وأخبر عليه الصلاة والسلام بأن الشهيد يُغفر له كل شيء إلا الدَّين[14]؛ وهذا يدل على خطورة الدَّين، وخطورة ما كان متعلقًا بحقوق العباد.

قال:

وأَقِرَّ لي بدَيْني وأعطيك منه كذا. فأَقَرَّ؛ لزمه الدَّين، ولم يلزمه أن يُعطيه.

يعني: هذا إنسان أراد دينًا من آخر، وهذا الرجل لم يقر له، قال: أصلًا ما لك عندي شيء. حاول معه، قال: ما لك عندي شيء، ثم قال: يا فلان، أقر لي بالدَّين، وإذا أقررت سأعطيك ربعه، أو أعطيك نصفه. فأقر له بشهادةِ شهودٍ، فهذا الإقرار يثبت، ولا يلزمه أن يعطيه.

وهذا يُعتبر من الحيل المشروعة، يعني: الحيل الصحيحة؛ لأنه يُريد أن يُثبت حقَّه، فأتى بشاهدين وقال: أَقِرَّ لي وأعطيك. فأقر له؛ لزمه الدين، ولم يلزمه أن يعطيه؛ ولذلك يعتبرون هذه من الحيل الصحيحة.

أحيانًا الحيلة قد تكون صحيحة وقد تكون مشروعة، كما قال الله تعالى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء:98]؛ هذا فيه إشارة إلى أنه إذا كان لهم حيلة في أن يهاجروا فينبغي أن يحتالوا، فالحيلة أحيانًا قد تكون صحيحة، وقد تكون غير صحيحة.

ثم انتقل المؤلف للقسم الثاني من أقسام الصلح، وهو الصلح على الإنكار، ومعناه: أن يدعي شخص على آخر دَينًا أو عينًا، فيُنكر المدعى عليه أو يسكت، ثم يصالحه بمبلغ، بمال، لإسقاط الدعوى.

الصلح على إنكار

قال المصنف:

وإذا أنكر دعوى المدعي، أو سكت وهو يجهله، ثم صالحه؛ صحَّ الصُّلح.

يعني: إذا أنكر المُدَّعى عليه دعوى المدعي، أو سكت وهو يجهل المُدَّعى به، فصالحه بمالٍ؛ صحَّ الصُّلح.

مثال ذلك: رجلٌ أتى إليك وقال: يا فلان، أنا أطلبك خمسين ألفًا. قلت: والله ما أذكر ما تطلبني، عندك إثبات؟ قال: لا، ما عندي، لكن أطلبك، إذا لم تسدد لي سوف أشتكيك. وأنت تريد أن تَسْلم مِن شرِّه؛ لأن هذا الرجل يُجَرْجِرُك للمحكمة، ويذهب بك، ويُتعبك، وتقول: خذ هذه خمسة آلاف ريال، واسحب شكواك. هذه صورة الصلح على إنكار.

فعند الجمهور: أن هذا الصلح صحيح، ويسمونه صلحًا على إنكار، الشافعية خالفوا في ذلك وقالوا: إنه لا يصح الصلح على إنكار؛ لأن هذا الذي يأخذ مالًا، قد يأخذه بغير حق، كيف تعطيه خمسة آلاف ريال بمجرد أنه قال: إني أطلبك!

والصواب هو قول الجمهور؛ لأن هذا الصلح على إنكار فيه فوائد:

ففيه قطعٌ للخصومة، وفيه صيانةٌ لنفسه من التَّبذُّل في المخاصمات، فإنَّ ذوي النفوس الشريفة يأنَفون مِن الذهاب للمحكمة والجلوس بين يدي القاضي، وأيضًا فيه افتداءٌ لليمين؛ لأن هذا لو رُفع فيه شكاية عند القاضي.

فالقاعدة الشرعية: أن البينة على المدعي واليمين على مَن أنكر، فإذا كان هذا المُدَّعي ليس له بيِّنة، سيطلب القاضي مِن المُدَّعى عليه أن يحلف، وهو لا يريد أن يحلف، حتى وإن كان صادقًا، يعني بعض الصالحين لا يُحب الحَلِف، حتى وإن كان صادقًا؛ لأنه يرى أن الدنيا كلها لا تستحق أن يحلف لأجلها، فهو يريد أن يفتدي.

فيقول يعني هذا الذي قد ابتُلي به، قال: أنا أطلبك خمسين ألف ريال. قال: ما عندك شيء، ليس لك عندي شيء. قال: سأرفع فيك شكاية. قال: خذ هذه خمسة آلاف ريال مقابل أنك ما ترفع بي شكاية، أو مقابل أنك تسحب شكواك. يريد بذلك أن يفتدي ليمينه، ويصون نفسه عن التبذُّل، لا يريد أن يذهب لمجلس الحكم، ولا يريد أن يُحلَّف مِن قِبَل القاضي.

وفيه قطعٌ للخصومة، ففيه فوائد كثيرة له.

ولهذا؛ فالصواب هو صحة الصلح على الإنكار، هذا الرجل، ربما بعض الناس مُؤذٍ بطَبْعه، وربما يكون عنده فراغ، رجل مؤذٍ وفارغ وتسلَّط على آخر، وسيُجَرْجِرُه كلَّ يوم للمحاكم ويُتعبه، فيقول: أُعطيك مبلغًا من المال، مقابل أنك تسحب شكواك، وأصون نفسي عن التبذل، وأفتدي ليميني؛ فهذا لا بأس به.

قال:

وكان إبراء في حقه، وبيعًا في حق المُدَّعِي.

يعني: التكييف الفقهي للصلح على الإنكار أنه إبراءٌ في حقِّ المُدَّعَى عليه؛ لأنه بَذَل مالًا مقابل دَفْع الخصومة عن نفسه، وليس مقابل حقٍّ ثبت في ذمته، أما المُدَّعي فيكون بيعًا في حقه. لكن؛ قال:

ومَن علم بكذب نفسه، فالصلح باطل في حقه، وما أخذ فحرام.

مَن كان منهما كاذبًا فالصلح باطل في حقه باطنًا، وظاهرًا هو صحيح، لكن باطنًا الصلح باطل في حقه.

ففي مثالنا السابق: لو أنَّ هذا الرجل يعرف أصلًا أنه ما يطلب فلانًا خمسين ألف، لكن يريد أن يحصل منه أي شيء، فأعطاه خمسة آلاف، هذه الخمسة آلاف حرام عليه، لا تحل له، والصلح في حقه باطل.

لو كانت المسألة بالعكس، أنه فعلًا يطلبه خمسين ألفًا، لكن هذا المدعى عليه، قال: أنا أعطيك خمسة آلاف ريال. ورضي المُدَّعِي بذلك، لأنه ربما لا يُحسن الترافع، أو نحو ذلك، وأيضًا ربما يكون في بعض الدول التقاضي يكون بأجرة، وهذا أيضًا نظام سيُطبَّق عندنا في المملكة قريبًا، فربما له الحق، لكن لا يرافع لأجل الحصول عليه، فأيضًا الصلح باطل في حقه، الصلح في حق هذا المدعى عليه باطل، فالواجب أن يعطيه حقه كاملًا.

فمَن كان كاذبًا منهما، فالصلح في حقه باطل باطنًا، والفرق بين “باطنًا” و”ظاهرًا”: هو أنه يبطل الصلح باطنًا فيما بينه وبين الله فلا تبرأ ذمته، وأما ظاهرًا أمام القاضي فهو صلح صحيح مُعتبَر.

قال:

ومَن قال: صالِحني عن المِلك الذي تدعيه؛ لم يكن مُقِرًّا.

يعني: هذه العبارة: (صالحني عن الملك الذي تدعيه)، لا تتضمن الإقرار، فلا يكون مُقِرًّا؛ لأنه ربما أراد بقوله: صالحني، صيانة نفسه عن التبذل، والافتداء ليمينه، ولم يُرِد بذلك أن يُقِرَّ له بهذا المال، فلا يُعتبر إقرارًا.

وإن صالح أجنبيٌّ عن مُنكِر للدعوى، صح الصلح، أَذِنَ له أو لا.

يعني: لو حصل بين اثنين خصومة في مبلغ مالي، وأتى أحدُ المُحسنين، وقال: كم المبلغ؟ قال: المبلغ عشرة آلاف. قال: أنا أتكفل بها. فيصح الصلح، وهذا مأجور ومثاب على ذلك.

يقول: (أَذِنَ له أو لا)؛ يعني: سواءٌ أذن المُدَّعَى عليه للأجنبي المُحسِن أو لم يأذن، فإن الصُّلح يصح، كما في قضاء أبي قتادة الدَّيْنَ عن الميت من غير رجوعٍ لورثته[15]؛ فدلَّ هذا على أنه لو أراد إنسان أن يُصلِح بين اثنين فلا يشترط إذْنُ المدعَى عليه أو المنكر للدعوى.

لكن لا يرجع عليه بدون إذنه.

يعني: لا يرجع المُصالِح بما دفعه على المُدعَى عليه إذا كان قد دفع بغير إذنه؛ لأنه لما أدى عنه ما لا يلزمه، يكون بذلك متبرعًا، أما إذا كان قضاءُ هذا المُصلِح بينهما الأجنبيِّ بإذن المُدعَى عليه، فهذا فيه تفصيل: إن كان قد نوى الرجوع عليه فإنه يرجع، وإن كان تبرَّع ولم ينوِ الرجوع عليه فليس له الرجوع.

طيب، كيف نعرف أنه أراد الرجوع أو لم يُرِدِ الرجوعَ؟ يُحلِّفه القاضي، يُحلَّف بالله العظيم أنه نوى الرجوع أو أنه لم ينوِ الرجوع.

وسبق معنا في الدرس السابق: أن مَن دفع مالًا عن غيره بنية الرجوع فإنه يرجع عليه، وأما إذا دفع عن غيره بغير نية الرجوع فإنه لا يرجع.

قال:

ومَن صالح عن دارٍ أو نحوها، فبان العِوَض مُستحَقًّا، رجع بالدار مع الإقرار، وبالدعوى مع الإنكار.

يعني: رجلٌ ادَّعَى على آخر دارًا، فصالحه المُدَّعى عليه عن الدار بعِوَضٍ، مثلًا سيارة، ثم تبيَّن أن السيارة مُستحَقة لغيره؛ كأن تكون السيارة أصلًا ليست مِلكًا له، فإن المُدعَى عليه يرجع عليه بالدار، ويأخذها إذا كان الصلح مع الإقرار؛ لأن الصلح حينئذٍ يكون بيعًا، وبيع ما لا يملكه الإنسان فاسد، فيبطل الصلح، ويَرجع المُدَّعِي إلى دعواه قبل الصُّلح، هذا إذا كان الصلح على إقرار.

أما إذا كان على إنكار، فإن الدعوى ترجع إلى ما كانت عليه قبل الصلح مباشرة، كأن شيئًا لم يكن.

لا يصح الصلح عن خيار أو شفعة، أو حد قذف

قال:

ولا يصح الصلح عن خيارٍ، أو شفعة، أو حدِّ قذفٍ، وتسقط جميعها.

لا يصح الصلح عن الخيار، سواء كان خيار مجلس، أو خيار شرط، أو أيَّ نوعٍ من أنواع الخيار، يقول المؤلف: إنه لا يصح الصلح.

يعني: لو أتى إنسانٌ لآخر، وقال: “أريد أن أعطيك عوضًا عن حقك في الخيار وأُسقِطَه”، فإن الصلح باطل؛ لأن الخيار -يقولون يعني- لم يُشرَع لأجل التربُّح، وإنما لأجل النَّظَر في الأَحَظِّ، فلم يَجُز الاعتياضُ عنه، وهكذا الشفعة أيضًا شُرعت لأجل إزالة الضرر عن الشريك، فلم يجز أخذ العِوَض عنها.

وهكذا أيضًا حدُّ القذف: إنسان قذف آخر، فأتى القاذف وأعطاه مبلغًا من المال، مقابل أنه ما يشتكيه، فيقولون: إن هذا الصلح لا يصح.

والقول الثاني في المسألة: إنه يصح الصلح عن الخيار، وعن الشفعة، وعن حد القذف. وهذا هو القول الراجح؛ لأنه ليس هناك ما يمنع من صحته، والنبي يقول: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا[16].

والصلح عن الخيار، أو الشفعة، أو حد القذف، لم يُحِلَّ حرامًا ولم يحرم حلالًا؛ ولأنه له الحق في الخيار، وفي الشفعة، وفي المطالبة بحقِّ حِفْظ عِرْضه بالحدِّ في القذف، وصاحب الحق قد رضي بإسقاط حقه مقابل عوض مالي، فما المانع من صحته؟

فالقول الراجح أنه يصح الصلح عن هذه الأمور، يصح الصلح عن الخيار، ويصح الصلح عن الشفعة، ويصح الصلح عن حد القذف، وعمل المسلمين بالنسبة لحد القذف على هذا؛ يعني يُشبه أن يكون إجماعًا عمليًّا، عمل المسلمين على هذا من قديم الزمان.

فإنه أحيانًا الإنسان يتلفَّظ على آخر، يقذفه إما بالزنا أو بغيره، وهذا المقذوف يريد أن يرفع فيه شكاية، أو يرفع شكاية بالفعل، فيتدخل أناس ويطلبون من القاذف أن يَجبُر خاطر هذا المقذوف بمالٍ، فيأتيه ويعرض عليه مالًا، فيقبل، ويكون هذا بمثابة الصلح.

فهذا يشبه أن يكون إجماعًا عمليًّا من المسلمين على صحة الصلح عن القذف، إجماع عملي من المسلمين جيلًا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، عليه عمل المسلمين من قديم الزمان، فما المانع من هذا؟

حد القذف حقٌّ لآدمي، فإذا رضي بإسقاط حقه مقابل عوض، فلا مانع من ذلك، وهكذا أيضًا حق الشفعة، وهكذا حق الخيار.

وأما الحدود التي يعني فيها مال، إذا بلغت السلطان، فلا تجوز الشفاعة فيها، كالسرقة، يعني إذا بلغت السلطانَ لعن اللهُ الشافع والمُشفَّع؛ ولما شفع أسامة في المرأة المخزومية غضب النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: أتشفع في حد من حدود الله ثم قال: إنما هلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها[17].

قوله:

ولا شاربًا أو سارقًا لِيُطْلِقَه.

يعني: لا يجوز أن يصالح شارب الخمر الذي قُبض عليه، أن يعطيه شاربُ الخمر مبلغًا من المال مقابل أن يُطْلِقَه، أو السارق يعطيه مبلغًا من المال من أجل أن يطلقه، لا يجوز هذا الصلح، فهذا يُعتبر رشوة، وليس صلحًا.

أما مسألة الستر، الستر على مرتكب المعصية، فهذه مسألة أخرى، يعني ستر مِن غير عوضٍ، الستر إذا كان هذا الإنسان يستحق الستر فيستر عليه: ومَن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة[18]؛ كأن تكون مثلًا أول مرة تقع منه، وطَلَب منه أن يستر عليه، فالأولى هو السِّتر.

لكن، إن كان إنسانًا مجاهرًا، ويتكرر منه ارتكاب هذه الموبقات، فهنا لا يُشرع الستر عليه، فالستر إنما يكون في حق من يشرع الستر عليه.

أو شاهدًا لِيَكْتُم شهادته.

يعني: لا يجوز للشاهد أن يأخذ عوضًا لأجل كتم الشهادة؛ لأن هذا يُعتبر رشوة وليس صلحًا، ولا يجوز كتمان الشهادة، والله تعالى يقول: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283].

وهكذا لو صالح على ألا يشهد عليه، لا يصح الصلح، سواءٌ أراد ألا يشهد عليه بالحق أو بالزور، لا يصح الصلح.

حكم المصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حالًّا

هذه لم يذكرها المؤلف، وأُضيفت في “السلسبيل”، وتُسمى مسألة الحَطِيطة، وتُسمى مسألة “ضع وتعجَّل”، وتُسمى مسألة المصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حالًّا.

مثال ذلك: تطلب شخصًا دَينًا مُؤجَّلًا بعد سنةٍ، نفترض أن هذا الدينَ مائةُ ألف ريال، لما مضت ستة أشهر، احتجتَ لسيولة، فأتيت لهذا الشخص المدين، وقلت: يا فلان، أنا أطلبك مائة ألف، وتحل بعد ستة أشهر، أريد منك أن تُسدِّدها لي الآن تسعين ألفًا، أسامح في عشرة آلاف مقابل أنك تُعجِّل تسديدها لي الآن، أنا الآن محتاج لسيولة، لست أطلبك مائة ألف، لا تعط مائة ألف، أعطني تسعين ألفًا، لكن أعطني الآن.

فهذه تُسمَّى مسألة “ضع وتعجل”، أو الحطيطة، أو المصالحة عن الدين المؤجل ببعضه حالًّا. وفيها قولان للفقهاء:

المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على عدم الجواز، والقول الثاني: أنها جائزة، وهو رُوي عن بعض الصحابة، وهي رواية عند الحنابلة.

واستدل الجمهور بعدم الجواز بحديث المقداد، قال: أسلفتُ رجلًا مائة دينار، ثم خرج سهمي في بعثٍ بعثَه، فقلت له: عجِّل لي تسعين دينارًا، وأَحُطُّ عشرة دنانير. قال: نعم. فذكرتُ ذلك للنبي ، فقال: أكلتَ ربًا يا مقداد، وأطعمته[19]، وهذا الحديث كما ترون صريح في التحريم، لو كان صحيحًا، لكنه حديث ضعيف لا يصح.

وجاء عن ابن عمر: أنه سُئل عن رجلٍ يكون له الدَّين على رجلٍ إلى أجَلٍ، فيضع عنه صاحبه ويُعجِّل له الآخر، فكره ذلك ابن عمر ونهى عنه.

وقالوا من جهة النظر: أنه تعجَّل البعض وأسقط الباقي، كأنه باع الأجل بالقدر الذي أسقطه، ونظير ذلك: كما لو أجَّل الدَّين وزاد في مقداره، فإنه ربًا بالإجماع، وكذلك لو أسقط الدين مقابل إسقاط بعض الأجل، فيكون محرمًا. هذه وجهة الجمهور.

أصحاب القول الثاني القائلون بالجواز استدلوا بحديث ابن عباس لما أراد رسول الله أن يُخرج يهود بني النضير، قالوا: يا محمد، إن لنا ديونًا لم تَحِلَّ، قال: ضعوا وتعجلوا. وهذا الحديث أخرجه البيهقي، والطحاوي في “مشكل الآثار”[20]، وقال ابن القيم: إنه على شرط السنن، وضعفه البيهقي بمسلم بن خالد الزنجي، وهو ثقة فقيه، روى عنه الشافعي واحتج له، وقال ابن القيم: إن إسناده حسن، وله شاهد عند البيهقي، فهو يعني ثابت بمجموع طرقه.

وأيضًا من جهة النظر، ذكر ابن القيم قال: إنَّ ضع وتعجل، إنها ضد الربا، فإن ذلك يتضمن -يعني الربا- زِدْ لي وأَنظُر لك، أو إما أن تقضي وإما أن تُربي، هذا يتضمن الزيادة في الأجَل والدَّين، وهذا فيه إضرار محض بالمدين.

أما مسألة ضع وتعجل ففيها براءة ذمة المدين من الدين، وانتفاع الدائن بما يتعجل، فكل منهما انتفع، انتفع بـ”ضع وتعجل” من غير ضرر، بخلاف: إما أن تقضي وإما أن تُربي، فإن الضرر على المدين، والنفع مختص بالدائن.

أما مسألة “ضع وتعجل” فكلاهما منتفع، الدائن منتفع والمدين منتفع، الدائن ينتفع بتعجيل الدين، والمدين ينتفع بإسقاط بعض الدين عنه، فكلاهما منتفع، بخلاف مسألة: إما أن تقضي وإما أن تُربي، أو زد لي وأنظر لك، فالضرر كله على المدين، والنفع كله للدائن، ففيه فرقٌ بين المسألتين.

ولهذا؛ قال ابن القيم: ولأن مقابلة الأجل بالزيادة في الربا ذريعة إلى أعظم الضرر، وهو أن يصير الدرهم الواحد ألوفًا مؤلفة، فتشتغل الذمة بغير فائدة، وفي الوضع والتعجيل تتخلص ذمة هذا من الدين، وينتفع ذاك بالتعجيل؛ ولأن الشارع له تطلع إلى براءة الذمم من الديون، فهذا فيه -ضع وتعجل، فيه- تخليصٌ للذمة من الدين.

وهذا القول هو القول الراجح في مسألة ضع وتعجل، القول بجوازه هو القول الراجح، واختاره ابن تيمية، وابن القيم، وعامة مشايخنا يفتون به.

وأما ما استدلَّ به الجمهور، كحديث المقداد فضعيف، وأيضًا قياسهم على “إما أن تقضي وإما أن تُربي” أو “زد لي وأنظر لك”، قياس مع الفارق؛ لأن الربا في الأصل هو الزيادة، زيادة الدَّين مقابل الأجل، ففيه إضرارٌ محض بالمدين، ونفع محض للدائن، بخلاف “ضع وتعجل” ففيها مصلحة للطرفين: مصلحة للدائن بتعجيل الدين له، ومصلحة للمدين بإسقاط بعض الدين عنه. وما كان فيه مصلحة للطرفين فالشريعة لا تُحرِّمه.

وعلى هذا؛ فالقول الراجح هو الذي عليه فتوى عامة العلماء المعاصرين في الوقت الحاضر، أو أكثر العلماء المعاصرين في الوقت الحاضر، هو جواز مسألة ضع وتعجل.

يعني لاحِظ هنا: يعني بعض الأقوال يكون اتجاه المتقدمين على قول، واتجاه المعاصرين بخلافه، مثل هذه المسألة، يعني المذاهب الأربعة كلها تُحرِّم مسألة “ضَعْ وتَعَجَّل”، والآن اتجاه أكثر العلماء، أو عامة العلماء المعاصرين على الجواز.

فأحيانًا بعض المسائل يكون اتجاه المتقدمين بخلاف اتجاه المتأخرين؛ مثل مثلًا مسألة الطلاق المعلق، إذا قال مثلًا لزوجته: “عليَّ الطلاق إن فعلتِ كذا، إن ذهبت للسوق، إن فعلتِ كذا”، فالمذاهب الأربعة على وقوع الطلاق.

القول الثاني: رأي ابن تيمية: أنه إذا لم ينوِ الطلاق، وإنما نوى الحثَّ أو المنع أو التصديق أو التكذيب، فلا يقع طلاقًا، وإنما فيه كفارة يمين.

الآن، الفتوى ليس في المملكة فقط، في العالم الإسلامي كله على رأي ابن تيمية، وليس على قول الجمهور.

فأحيانًا يعني يكون الراجح خلاف قول الجمهور، أحيانًا يكون خلافَ قولِ المذاهب الأربعة، كما في هذه المسألة، فالعبرة بالدليل من الكتاب والسنة، إذا لم تكن المسألة محل إجماع فيُنظر للأقوى دليلًا، أما إذا كانت المسألة محلَّ إجماعٍ، فالإجماع لا تجوز مخالفتُه.

ونكتفي بهذا القدر، نقف عند أحكام الجوار، نفتتح به درسنا إن شاء الله تعالى.

والآن، نُجيب عما تيسَّر من الأسئلة.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

السؤال: ما حكم رَدِّ الدَّيْن بعملةٍ أخرى، لكن ليس بسعر يومها، برضا الطرفين؟

الجواب: لا يجوز، إلا أن يكون بسعر يومها، أما إذا كان ليس بسعر يومها، فهذا لا يجوز.

مثال ذلك: تطلب زيدًا عشرة آلاف ريال، وهذا الدَّين يَحِل بعد شهر، وبعد شهر قلت: يا فلان، سدِّد لي عشرة آلاف، قال: أنا أعطيك بدل عشرة آلاف ريال ما يعادلها من الجنيهات المصرية، فلا بأس، بشرط أن يكون بسعر يومها، يعني بسعر الجنيهات المصرية في وقت السداد.

ولا تقول: سأُعطيك جنيهات مصرية بعد أسبوع، بعد شهر؛ لأن هذا يكون من قبيل بيع الدَّين بالدين، وهذا لا يجوز؛ لأنه دين، فإذا جعلته في دين آخر أصبح دَينًا بدينٍ، وهذا لا يجوز.

أما إذا كان بسعر يومها فلا بأس، يعني بدل ما تعطيه عشرة آلاف ريال، تعطيه ما يقابلها من الجنيهات المصرية، أو من الدولارات، أو بأية عملة أخرى، فلا بأس أن يكون بسعر يومها، ويفترقا وليس بينهما شيء.

السؤال: ما صحة حديث: من غسل واغتسل، وبكر وابتكر؟

الجواب: هذا الحديث فيه خلاف في ثبوته، حديث أوس بن أوس: مَن غسَّل واغتسل، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، كان له بكل خَطْوة أجرُ سنةٍ؛ صيامها وقيامها[21].

يعني بعض أهل العلم قال: إنَّ ظاهر إسنادِها الصحة، لكن هناك من ضعفه، وأيضًا مع الإشكال في متنه، يعني كيف يكون بكل خطوة أجر سنة، صيامها وقيامها؟!

معنى ذلك: أنه لو مشى مائة خطوة كان أفضل من ليلة القدر؛ لأن ليلة القدر تعادل ألف شهر، ثلاثًا وثمانين سنة.

والأقرب -والله أعلم- هو عدم ثبوته، هذا هو الأقرب والله أعلم.

وهناك أحاديث صحيحة في فضل التبكير للجمعة تُغني عن هذا الحديث، كحديث أبي هريرة في الصحيحين: أن النبي قال: من أتى الجمعة في الساعة الأولى، فكأنما قرَّب بَدَنة، ومَن أتى الجمعة في الساعة الثانية، فكأنما قرَّب بقرة، ومَن أتى الجمعة في الساعة الثالثة، فكأنما قرَّب كبشًا أقرن، ومن أتى الجمعة في الساعة الرابعة، فكأنما قرَّب دجاجة، ومن أتى الجمعة في الساعة الخامسة، فكأنما قرَّب بيضة، فإذا دخل الإمام طُويت الصحف، وأقبلت الملائكة تستمع الذكر[22].

وقول النبي عليه الصلاة والسلام: لو يعلم الناس ما في التهجير يعني: التبكير لاستبقوا إليه، وأيضًا هو في الصحيحين[23].

ففي الأحاديث الصحيحة غُنية عما لم يصح، أو عما في سنده مقال أو اختلاف في ثبوته، كهذا الحديث، هذا الحديث مُختلَف في ثبوته.

السؤال: هل يجوز الرجوع في الهبة بعد تسليمها؟ وهل تشمل هبة الأب لابنه؟

الجواب: لا يجوز الرجوع في الهبة بعد أن يقبضها مَن وُهبت له؛ لقول النبي : العائد في هبته، كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه[24]. قال الشافعي: ليس لنا مَثَلُ السَّوء.

وهذا يدل على التحريم؛ لأن هذا فيه ذمٌّ شديد لمن يعود في هبته، تشبيه له بالكلب، فلا يجوز الرجوع في الهبة بعد قبضها.

لكن يستثنى من ذلك هبة الوالد لولده؛ لأنه قد جاء في بعض الروايات: إلا الوالد فيما يهب لولده[25]؛ يعني: يجوز له الرجوع، فهبة الوالد لولده، يجوز له الرجوع فيها، وأما ما عدا الوالد فلا يجوز له الرجوع في الهبة بعد قبضها.

السؤال: مر رجل أمامي وأنا مأموم، فهل أمنعه، أو أتركه؟

الجواب: تتركه؛ لأن سُتْرة الإمام سترة للمأموم، سترة الإمام سترة لمن خلفه، ولا بأس بأن يمر الإنسان بين يدي المأمومين، وإنما هو ممنوع أن يمر بين يدي الإمام، يعني بين الإمام والسترة، أو بين المصلي المنفرد وسترته، أما بين يدي المأموم فلا بأس بذلك، كما فعل ابن عباس رضي الله عنهما لمَّا أقبل راكبًا على حمارٍ أَتَانٍ، وأتى يمشي بين الصفوف ولم يُنكِر عليه مُنكِرٌ[26]؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه.

السؤال: ما مواضع الدعاء في الصلاة؟

الجواب: مواضع الدعاء في الصلاة: السجود؛ لقول النبي : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يُستجاب لكم[27].

خاصة في صلاة النافلة، أما في صلاة الفريضة فينبغي للإمام ألا يُطيل السجود، حتى لا يَشُق على المأمومين.

لكن لو افترضنا أن الإمام أطال في السجود، ودعا المأمومُ في السجود في الفريضة فلا بأس؛ لأن السجود موضع دعاء.

وكذلك أيضًا في التشهد الأخير قبيل السلام، هذا موضع دعاء؛ لقول النبي : ثم ليتخيَّرْ من الدعاء أعجبه[28]، يدعو الله تعالى بما يحضره من خَيْرَيِ الدنيا والآخرة.

فهذان الموضعانِ الدعاءُ فيهما مُطلَق.

هناك موضع ثالث، لكن الدعاء فيه مقيد، وهو في الجلسة بين السجدتين، فإنه قد ورد أنه يدعو ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي يكررها كما في حديث حذيفة[29].

وجاء في حديث ابن عباس: أنه يقول: رب اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، واجبرني، وعافني[30]، لكن هذا الحديث لا يثبت، حديث ضعيف، والمحفوظ هو حديث حذيفة أنه يقول: رب اغفر لي يكررها.

لو زاد دعاءً آخر غير “رب اغفر لي” فلا بأس، لكن الأفضل أن يتقيد بما ورد، وهو أن يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي. يكررها، هذه هي مواضع الدعاء في الصلاة.

السؤال: هل التوبة تُسقط حق الآدمي الذي ظلمته في الكلام في عِرضه وغِيبته والكذب عليه؟

الجواب: لا تُسقط التوبةُ حقَّ الآدمي، الآدمي حقه باقٍ، إلا أن تتحلَّل منه، أما إذا لم تتحلل منه، فحقه باقٍ له يوم القيامة، فالقصاص يوم القيامة يكون بالحسنات والسيئات، فهذا يدل على خطورة المسألة.

فالذي يقع في أعراض الناس، أو يأخذ أموالهم، أو يظلمهم بأية صورة من صور الظلم والتعدي، ما أَعظمَ مصيبتَه عند الله ! سيقتص هؤلاء المظلومون منه يوم القيامة، يقتصون، يأخذون حسناته، حتى إن فَنِيَتْ حسناته أُخِذ مِن سيئاتهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار. وهذا هو المُفْلِس حقيقةً.

ولهذا؛ قال عليه الصلاة والسلام: مَن كان عنده مظلمة لأخيه مِن عِرض أو مال، فَلْيتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم[31]؛ فمَن تحلَّل مِن هذا الإنسان في الدنيا فحلَّله، صحت التوبة، وسقط حق هذا الآدمي؛ لأنه أسقط حقَّه، أما إذا لم يتحلل منه، فحقه باقٍ له يوم القيامة.

السؤال: هل يُشرع قراءة سورة المُلك يوميًّا؟

الجواب: لا أعلم أنه ثبت في ذلك شيء عن النبي ، والحديث المَرْويُّ في ذلك حديث ضعيف، في قراءة سورة الملك كلَّ ليلة، الحديث المروي في ذلك حديثٌ ضعيف، وإن كانت سورة الملك قد ورد لها فضل، وأنها شفعت لصاحبها، لكن قراءتها كل ليلة لا أعلم أنه ثبت فيها شيء عن النبي .

السؤال يقول: هناك من يطعن في بعض العلماء المتقدمين، فما توجيهكم؟

الجواب: الطعن في العلماء أو في الأئمة الأعلام، دليلٌ على الزَّيغ وعلى الضَّلَال، الطعن في هؤلاء الأئمة، الطعن في الصحابة، أو الطعن في التابعين، أو الطعن في الأئمة الأعلام، هذا دليل على النفاق وعلى الزيغ وعلى الضلال، كما قال عليه الصلاة والسلام عن الأنصار: لا يُحبهم إلا مؤمن، ولا يُبغضهم إلا منافق[32].

فالطعن في الصحابة، أو الطعن في التابعين، أو تابعيهم، أو الأئمة الأعلام، فهذا دليل على الضلال، ودليل على الزيغ، والواجب هو توقير هؤلاء السلف وتعظيمهم، والذب عن أعراضهم، والطعن في أعراضهم علامة على الزيغ، وعلامة على الضلال، نسأل الله السلامة والعافية.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037.
^2 رواه مسلم: 1564.
^3, ^10 سبق تخريجه.
^4 رواه أبو داود: 3594، والترمذي: 1352.
^5 رواه أحمد: 27508، وأبو داود: 4919.
^6 رواه البخاري: 2690.
^7 رواه البخاري: 5283.
^8 رواه البخاري: 2692.
^9 رواه البخاري: 471، ومسلم: 1558.
^11 رواه البخاري: 7185، ومسلم: 1713.
^12 رواه أحمد: 26717، وأبو داود: 3584.
^13 رواه مسلم: 137.
^14 رواه مسلم: 1886.
^15 رواه البخاري: 2289.
^16 رواه أبو داود: 3594، والترمذي: 1352، وابن ماجه: 2353.
^17 رواه البخاري: 3475، ومسلم: 1688.
^18 رواه البخاري: 2442، ومسلم: 2580.
^19 رواه البيهقي في “الكبرى”: 11141.
^20 رواه الطحاوي في “شرح المشكل”: 4277، والطبراني في “الأوسط”: 817، والدارقطني في “السنن”: 2980، والحاكم في “المستدرك”: 2325، والبيهقي في “الكبرى”: 11137.
^21 رواه أحمد: 16173، والترمذي: 496، وابن ماجه: 1087.
^22 رواه البخاري: 881، ومسلم: 850.
^23 رواه البخاري: 615، ومسلم: 437.
^24 رواه البخاري: 2589، ومسلم: 1622.
^25 رواه أحمد: 2119، وأبو داود: 3539، والترمذي: 1299، والنسائي: 3690، وابن ماجه: 2377.
^26 رواه البخاري: 76، ومسلم: 504.
^27 رواه مسلم: 479.
^28 رواه البخاري: 835.
^29 رواه أحمد: 23375، وأبو داود: 874، والنسائي: 1145، وابن ماجه: 897.
^30 رواه أحمد: 2895، وأبو داود: 850، والترمذي: 284، وابن ماجه: 898.
^31 رواه البخاري: 2449.
^32 رواه البخاري: 3783، ومسلم: 75.
zh