logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(53) باب الرهن- من قوله “يصح بشروط خمسة..”

(53) باب الرهن- من قوله “يصح بشروط خمسة..”

مشاهدة من الموقع

النبي   يقول: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين[1]، إذا وجدتَ مِن نفسك حرصًا على التفقه في الدين، وحرصًا على طلب العلم ومحبة لذلك، فهذه أمارة إن شاء الله على أنه أريد بك الخير، ومفهوم هذا الحديث: أن من لم يُرَد به الخير، لا يُوفَّق للفقه في الدين.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

حياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي، وهو الدرس التاسع عشر من هذا العام الهجري، في يوم الإثنين الثالث عشر من شهر رجب، من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وأربعين للهجرة.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا، ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول، وبك أحول، وبك أستعين.

ننتقل بعد ذلك لـ”السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى باب الرهن في أبواب المعاملات.

باب الرهن

قال المصنف رحمه الله:

باب: الرهن.

تعريف الرهن

الرهن في اللغة: مادة الراء والهاء والنون، يدور معناها على الثبات والدوام، يقال: ماء راهن، يعني: راكد، نعمة راهنة، يعني دائمة مستمرة، وكذلك يُطلق على الحبس، ومنه قول الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] يعني: محبوسة، كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21].

واصطلاحًا، تعريف “الرهن” اصطلاحًا: توثقة دَينٍ بعَينٍ يمكن استيفاؤه منها أو مِن ثمنها. هذا أجود التعاريف للرهن.

يعني: نأخذ ونوضح فكرة الرهن بمثال بسيط:

ذُكر هنا في “السلسبيل”: لو ذهبتَ إلى محطة وقود، وطلبت من عامل المحطة أن يملأ خزان الوقود مثلًا بمائة ريال، فلما ملأه لم تجد شيئًا، لم تجد نقدًا معك في المحفظة، ولم تجد مثلًا بطاقة صراف، أو لم يوجد عند العامل جهاز شبكة، فماذا تعمل؟ هو الآن ملأ خزان الوقود بالبنزين، وليس معك الآن نقد، وهو يريد أن يضمن حقه، ترهنه شيئًا، إما أن ترهنه مثلًا الساعة، أو ترهنه الهاتف الجوال، أو نحو ذلك، وتقول: أنا سأذهب وآتي لك بالمبلغ.

سواءٌ ذهبت للبيت، أو ذهبت مثلًا للصراف، أو نحو ذلك، فإن أتيتَ وسلَّمْتَ له المبلغ، أَرْجَعَ لك الرهن، أعطاك الساعة، أعطاك الجوال، الشيء الذي رهنه، وإن لم تأتِ بالمبلغ باع هذا الشيء المرهون وأخذ حقه، باع الساعة مثلًا وأخذ حقه، باع الجوال وأخذ حقه واستوفاه، والمتبقي من الثمن إن كان تبقى شيء يُرجعه لك.

هذه -يعني- فكرة مبسطة عن الرهن.

“توثقة دَين”؛ الدَّيْنُ تعريفه: كلُّ ما ثبت في الذمة يُعتبر دَينًا.

“بعَيْنٍ”، يعني: يُوثِّق هذا الدَّيْنَ بعينٍ، كأنه يوثقه بعقار، أو يوثقه بسيارة، أو نحو ذلك.

“يمكن استيفاؤه منها”، يعني: لو لم يأتِ المَدين بالدَّين، فيمكن للمرتهن الدائنِ أن يستوفي حقَّه مِن هذه العين المرهونة.

حكم الرهن

الرهن جائز في الكتاب والسُّنة والإجماع، ورد ذِكره في القرآن في الآية التي تعقب آية الدين: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283].

وجاء في الصحيحين: أن النبي اشترى من يهوديٍّ طعامًا إلى أَجَلٍ، ورهنه دِرْعَه[2]. وهذا يدلُّ على أن النبيَّ حين مات، مات وليس عنده شيء، وإلا لو كان عنده نقد لاشترى هذا الشعير من اليهودي بنقد، لكنه اشتراه بثمن مؤجل.

وجاء في بعض الروايات: بثلاثين صاعًا من شعير، ورهنه دِرْعه[3].

وهذا اليهودي عنده لؤم، وإلا فالنبي عليه الصلاة والسلام هو خيرُ الناس، وهذا اليهودي نفسه يعرف بأنه لا يمكن أن يبخسه حقه، لكن يعني عنده لؤم؛ ولذلك طلب من النبي عليه الصلاة والسلام رهنًا فرهنه درعه.

وأجمع العلماء على أن الرهن في السفر والحضر جائز، كما ذكر ذلك ابن المنذر، ما نوع عقد الرهن؟

العقود إما أن تكون لازمة، أو تكون جائزة، فهل الرهن عقد جائز، أو أنه لازم؟ ما معنى جائز؟ جائز يعني: يجوز فسخه للطرفين، لازم: لا يجوز فسخه للطرفين.

مثلًا البيع عقد لازم، إذا حصل التفرق من مكان التبايع بالأبدان، لزم في حق البائع والمشتري، والإجارة عقد لازم كذلك، والوكالة جائز للموكل والوكيل، لكل منهما أن يفسخ الوكالة ولو بغير رضا الطرف الآخر.

فما نوع عقد الرهن، هل هو جائز أو لازم؟

نقول: الرهن جائز من وجه، ولازم من وجه آخر، فهو جائز في حق المرتهن الدائن الذي له الحق، ولازم في حق الراهن المدين الذي عليه الحق، فإذن الرهن جائز من وجه، لازم من وجه آخر؛ جائز في حق المرتهن، ولازم في حق الراهن.

شروط صحة الرهن

قال:

يصح بشروط خمسة:

الشرط الأول:

كونه مُنجَّزًا.

فلا يصح مُعلَّقًا كالبيع.

وهذه المسألة مسألة تعليق العقود فيها خلاف بين العلماء، سبق أن تكلمنا عنها بالتفصيل، وذكرنا أن الجمهور يمنعون من تعليق العقود، وأن القول الراجح هو القول بصحة تعليق العقود، وليس هناك دليل يمنع من تعليق العقود، سبق أن ذكرنا أن القول الراجح صحة تعليق العقود.

وعلى هذا؛ فالصواب هو صحة تعليق الرهن، وأنه لا يشترط هذا الشرط الذي ذكره المؤلف.

الشرط الثاني: قال:

وكونه مع الحق أو بعده.

يعني: يكون الرهن مقارنًا للدين أو بعده، فيقترن الرهن مثلًا بالبيع، يقول: بعتك هذه السيارة بثمن مؤجل، وجعلت سيارتي هذه رهنًا مثلًا، أو بِعتك هذه السيارة، ثم بعد ذلك يقول: أنا أريد رهنًا، فيقول: رهنتك كذا.

يعني: هذا باعه شيئًا بثمن مؤجل، ثم ندم، قال: ربما أنه ما يسدد، فطلب منه رهنًا، فرهنه سلعة؛ فيصح. إذن؛ يصح أن يكون الرهن مع الحق، يعني: مقارنًا للحق وبعده.

لكن هل يصح أن يكون قبله، كأن يقول مثلًا: خذ سيارتي هذه رهنًا، على أن تبيعني غدًا هذه السلعة بكذا؟ المذهب أنه لا يصح، وهو مذهب الشافعية، والقول الثاني: أنه يصح، وهو مذهب الحنفية والمالكية.

القائلون بعدم الصحة قالوا: لأن الرهن وثيقة بحق، فلم يجز قبل ثبوته؛ ولأنه تابع للحق فلا يسبقه. يعني: علَّلوا بتعليلاتٍ عقلية.

أما القائلون بالجواز، فقالوا: القرض وثيقة بالحق، وما دام أنه وثيقة، ومن عقود التوثيق، والغرض منه التوثيق، فيجوز قبل وجوبه كالضمان.

وهذا هو القول الراجح؛ لأن الأصل في باب المعاملات الحِل والإباحة، إلا ما ورد الدليل بمنعه، وليس هناك دليل ظاهر يدل على منع كون الرهن قبل الحق.

وأما التعليل الذي ذكره أصحاب القول الأول فلا يُسلَّم بما ذكروا، لا يسلم، أحيانًا يعني في المناظرات وفي يعني الاعتراضات يكفي عدم التسليم، تقول: لا أُسلِّم بما تذكر، ما ذكرته هو يعني كلام أو تعليل عقلي، أنا لا أسلم بما تذكره أصلًا، يكفينا عدم التسليم.

الشرط الثالث:

كونه ممن يصح بيعه.

والذي يصح بيعه هو جائز التصرف، الحر المكلف الرشيد؛ وذلك لأن الرهن نوع من التصرف في المال.

الشرط الرابع:

كونه ملكه، أو مأذونًا له في رهنه.

فلا بد أن يكون المَرْهون مِلكًا للراهن، أو مأذونًا له فيه.

وبعضهم يقول: إن الأفصح بكسر الميم “مِلْكه”، ويقولون: بضم الميم يعني هذه تُطلق على مُلْك الله ، أما البشر يقال: مِلْك.

فلا يصح أن يرهنه ما لا يملك، أو لم يُؤذَن له فيه، كأن يرهنه مثلًا عقارًا مرهونًا، فهذا لا يصح، أو يرهنه شيئًا لا يملكه؛ لا يصح.

الشرط الخامس:

وكونه معلومًا جنسُه وقَدْرُه، وصفته.

لا بد من العلم بالقدر والجنس والصفة؛ وذلك لأن الرهنَ عقدٌ مالي، فلا بد من العلم بهذه الأمور، كالبيع؛ ولأنه وثيقة، ولا تحصل التوثقة بدون معرفة القدر والجنس والنوع.

ضابط ما يصح رهنه

ثم ذكر المؤلف ضابطًا في هذا الباب فيما يصح رَهْنه، قال:

وكلُّ ما صحَّ بيعُه صح رهنه، إلا المصحف.

هذا ضابط، سبق أن ذكرنا الفرق بين الضابط والقاعدة، قلنا: القاعدة تكون في جميع الأبواب أو في أغلبها، وأما الضابط فيكون في باب واحد، فهذا يصح أن يكون ضابطًا، (كل ما صح بيعه صح رهنه إلا المصحف)، فكل ما صح بيعه صح رهنه، أي شيء يصح بيعه، يصح رهنه.

استثنى المؤلف من ذلك (المصحف)، فالمصحف يصح بيعه ولا يصح رهنه في رواية عند الحنابلة، وإن كانت الرواية المعتمدة في المذهب أنه لا يصح بيع المصحف، كما سبق معنا، وذكر ذلك المَرْداوي.

وسبق ترجيح القول بأنه يصح بيع المصحف، وعلى ذلك فيجوز رهنه، بشرط: ألا يكون في رهنه امتهان أو ابتذال له.

قال:

وما لا يصح بيعه لا يصح رهنه.

يعني: هذا مفهوم المخالفة للضابط السابق، ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه، مثلًا: الخمر، المجهول، العين الموقوفة، هذه كلها لا يصح بيعها، فلا يصح رهنها.

هل يصح رهن الأوراق الثبوتية؛ كبطاقة الأحوال، جواز السفر؟

طيب، بطاقة الأحوال مثلًا، وجواز السفر، ونحو ذلك، هل يصح رهنها؟ نطبق الضابط، هل يصح بيعها؟

الجواب: لا، لا يصح بيعها. طيب إذا كان لا يصح بيعها فلا يصح رهنها؛ وعلى ذلك فالأوراق الثبوتية: من بطاقة الأحوال، ومن جواز السفر، ونحو ذلك، لا يصح رهنها؛ لأمرين:

الأمر الأول: أنه لا يصح بيعها. الأمر الثاني أيضًا: أن فيها مخالفةً لتعليمات ولي الأمر بالنسبة للناس هنا في المملكة العربية السعودية؛ لأن تعليمات ولي الأمر تمنع من رهن هذه الأوراق وهذه البطاقات.

رهن المَشَاع، ما معنى مشاع؟ المشاع: هو الشيء المُشترَك الذي يَملك الإنسانُ جزءًا منه؛ كالربع والنصف والثلث، ونحو ذلك، أو خمسة في المائة، عشرة في المائة. فنطبق الضابط السابق: ما صح بيعه صح رهنه، هل يصح بيع المشاع؟ الجواب: نعم، إذن يصح رهنه.

طيب عندنا رهن الأسهم، هل يصح رهن الأسهم؟ أيضًا نطبق الضابط: ما صح بيعه صح رهنه، هل يصح بيع الأسهم؟ الجواب: نعم، إذن يصح رهن الأسهم.

فخذ هذا الضابط، وينطبق على ما تريد من أمثلة، أي مثال يَرِدُ عليك، هل يصح رهن كذا؟ طبِّق عليه الضابط: هل يصح بيعه؟ إن كان الجواب نعم، إذن يصح رهنه، إن كان الجواب أنه لا يصح بيعه، إذن لا يصح رهنه.

ما يصح رهنه ولا يصح بيعه

المصنف رحمه الله استثنى مما لا يصح بيعه ومع ذلك يصح رهنه مسألتين، قال:

إلا الثمرةَ قبل بُدُوِّ صلاحها، والزرعَ قبل اشتداده، والقِنَّ دون رَحِمه المُحرَّم.

إلا الثمرة قبل بدو صلاحها، فالثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها لا يصح بيعها، وقد ورد النهي عن ذلك، والزرع قبل اشتداد حَبِّه لا يصح بيعه، ومع ذلك يصح رهنه؛ وذلك لأن عدم صحة بيعه لعدم أمن العاهة.

وأما بالنسبة للرهن فالرهن مجرد توثيق وليس بيعًا، فيقل الغرر فيه، وعلى تقدير تلف الثمرة أو الزرع، لا يفوت حق المرتهن؛ لتعلقه في ذمة الراهن، فهو مجرد توثقة.

وأما قوله: (والقِنَّ دون رَحِمِه)، يصح رهن القن؛ يعني: الرقيق (دون رحمه المُحرَّم)، وكرهن الولد المملوك دون أمه، مع أنه لا يصح بيعه دونها، مَن ملك ذا رحم محرم عتق عليه[4]، لكن في الرهن يصح؛ لأن الرهن لا يُزيل الملك، فلا يحصل به التفريط.

حكم رهن مال اليتيم

ولا يصح رهن مال اليتيم للفاسق.

لا يصح ولا يجوز أن يرهن مال اليتيم للفاسق؛ لأنه تعريضٌ به للهلاك، فقد يُفرِّط فيه هذا الفاسق فيَضيع، وقد يجحده، وقد يأكله، لكن هل يصح رهن مال اليتيم للعدل؟

نعم، يصح ذلك بشرط: أن يكون في ذلك مصلحة لليتيم، أما إذا لم يكن فيه مصلحة لليتيم فلا يصح رهنه. القاعدة في التعامل مع أموال اليتامى هي قول الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]، لا يجوز لولي اليتيم أن يقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.

وعلى ذلك؛ ولي اليتيم لا يجوز أن يقترض من مال اليتيم، أو أن يُقرض من مال اليتيم؛ لأن هذا ليس من التصرف بالتي هي أحسن.

وهكذا أيضًا كل مَن يلي مالًا لغيره، حكمه حكم ولي اليتيم، لا يجوز أن يقربه إلا بالتي هي أحسن.

من يلي مالًا لوقف، أو يكون ناظرًا على وقف، أو يكون مثلًا يلي مالًا لجمعية أو لمؤسسة، أو لأية جهة، هو كولي اليتيم، لا يجوز أن يقربه إلا بالتي هي أحسن. ولا يجوز أن يتوسع في التصرف، ولا يجوز أن يُقرض من هذا المال، إذا لم يكن فيه مصلحة. ولا أن يحابي أحدًا في هذا المال، فإذا كان مالًا لجمعية، أو مالًا لمؤسسة، ونحو ذلك، لا تجوز المحاباة. ولا يجوز أيضًا عندما يبيع أن ينقص من الثمن، بل يستوفي كامل الثمن.

فالذي يلي مالًا لغيره هو كولي اليتيم، لا يقرب هذا المال إلا بالتي هي أحسن.

فهذه المسألة مسألة عظيمة، من يلي مالًا لغيره فهو على خطر عظيم، عليه أن يتقي الله ، وأن يبذل غاية وُسْعه في ألا يقرب هذا المال، إلا بالتي هي أحسن.

المال الذي هو مِلك للإنسان، الإنسان حر فيه، يهب منه ما يشاء، يخفض السعر لمن شاء، يتسامح عن بعض الموظفين فيما شاء، لكن المال الذي ليس له وإنما لغيره، هو وليٌّ عليه، حكمه حكم ولي اليتيم تمامًا، لا يقرب هذا المال إلا بالتي هي أحسن، ولا يجوز أن يحابي فيه أحدًا، ولا يجوز أن يتصرف فيه تصرفًا إلا بالتي هي أحسن.

ننتقل بعد ذلك إلى بعض المسائل المتعلقة بالرهن.

حكم الرجوع في الرهن

قال المصنف رحمه الله:

فصل: وللراهنِ الرجوعُ في الرهن ما لم يقبضه المرتهن، فإن قبَضَه لَزِم.

يعني: هنا فقط نريد أن نضبط بعض المصطلحات: راهِنٌ، مُرتهن.

الراهن: هو المَدين الذي عليه الحق. المرتهن: هو الدائن الذي له الحق.

هنا يقول المصنف: (للراهن الرجوع في الرهن)؛ يعني: له أن يرجع في الرهن، هو رَهَن شيئًا، لكن له أن يتراجع (ما لم يقبضه المرتهن)، فإذا قبضه المرتهن ليس له الرجوع، (فإن قبضه لزم).

هل يشترط للزوم الرهن القبض؟

هذا يشير إلى مسألة، وهي مسألة لزوم الرهن بالقبض: هل يشترط لِلُزُوم الرهنِ القبضُ، أو أن الرهن يلزم بمجرد العقد، ولا يشترط للزومه القبض؟ قولان للفقهاء.

مثلًا: أردتَ أن تشتري سلعة، وطلب البائع منك رهنًا؛ لأنك تريد أن تشتريها بثمن مؤجل، فقلتَ: أرهنكم سيارتي. هل يُشترط للزوم هذا الرهن، أن هذا البائع يقبض السيارة، وتكون السيارة عنده، أو أنه يصح الرهن والسيارة تبقى معك؛ لكنها مرهونة للبائع؟ هذه هي صورة المسألة.

القول الأول: أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض، ولا يلزم بمجرد العقد، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بظاهر الآية: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283].

قالوا: وصف الله تعالى الرِّهان -الرِّهان جمع رهن- بأنها مقبوضة، فدل هذا على اشتراط القبض للزوم الرهن؛ ولأن الرهن عقد إرفاق يفتقر للقبول، فافتقَر لزومُه للقبض؛ كالقرض.

وذهب المالكية إلى أنه لا يشترط للزوم الرهنِ القبضُ، وإنما يلزم بمجرد العقد، وهو أيضًا رواية عند الحنابلة.

واستدلوا بعموم الأدلة التي تدل على وجوب الوفاء بالعقود، كقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، فقالوا: الرهن عقدٌ يجب الوفاء به.

وهذا هو القول الراجح: أنه لا يشترط للزوم الرهنِ القبضُ، وعليه عمل الناس من قديم الزمان، كما ذكر ذلك صاحب “الإنصاف” أيضًا، ذكر أن عمل الناس عليه من قديم الزمان؛ لأن القول بأنه يشترط للزوم الرهنِ القبضُ فيه عسر وفيه حرج على الناس.

وأما استدلال الجمهور بالآية الكريمة فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، فالآية ليست صريحة في اشتراط القبض للزوم الرهن؛ لأن الله تعالى في آية الدَّين أرشد إلى كمال التوثقة للديون، فأرشد إلى شهادة رجلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، لكن لو تمَّ البيع بدون شهود، صح البيع بالإجماع.

كذلك الحال في الرهن، غاية ما تدل عليه الآية: أن فيها إرشادًا إلى أن كمال الرهن يكون بقبض المرهون، لكن ليس فيها دلالة على اشتراط القبض للزوم الرهن.

بل يمكن أن نعكس المسألة في الاستدلال، فنقول: إن الآية تدل على أن القبض ليس شرطًا لِلُزوم الرهن؛ لماذا؟ لأن الله تعالى جعل القبض وصفًا للرهن، قال: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، فدل ذلك على أن ماهية الرهن قد تحققت بدون القبض، فالحقيقة أن الآية يمكن أن يستدل بها على القول الثاني وليس على القول الأول، وهو أنه لا يُشترط للزوم الرهنِ القبضُ.

فالقول الراجح، وهو الذي عليه عمل الناس من قديم الزمان في كل عصر ومصر، هو أنه لا يشترط القبض للزوم الرهن، هذا الذي رهن سيارته، نقول: انتفِع بسيارتك، استخدمها، استعملها، لكنها مرهونة، ليس لك أن تبيعها أو تتصرف فيها حتى تسدد الدَّين الذي في ذمتك، هذا فيه توسعة على الناس.

بخلاف ما لو على قول الجمهور: أن الرهن لا يلزم إلا أن تُسلِّم السيارةَ للمرتهن وتبقى السيارة عنده، حتى تُسدِّد كامل الرهن.

طيب، ممكن تبقى سنتين ثلاث سنين أو أربع سنين، وربما أكثر، تبقى السيارة مركونة عند المرتهن حتى يسدد كامل الدين، فهذا فيه حرج كبير على الناس.

ولهذا؛ نجد أنه من حيث الاتجاه العملي للمسلمين أنهم عملوا بقول المالكية في هذه المسألة، وكما ذكر صاحب “الإنصاف” المَرْداويُّ قال: هذا هو الذي.. لا يَسَعُ الناس إلا هذا القول.

يعني: بعض المسائل تجد -سبحان الله!- أنها من الناحية العملية، بعض الأقوال يكون فيها عسر في التطبيق، فيتجه الناس إلى القول الأيسر، الذي يكون فيه مرونة، ويكون عمليًّا أقرب للجانب العملي، مثل هذه المسألة.

يعني: الناس مِن قديم الزمان اتَّجهوا لقول المالكية، وهو عدم اشتراط القبض للزوم الرهن؛ مثل مسألة -مثلًا- الاستصناع، في الاستصناعِ عَمَلُ المسلمين من زمن الصحابة إلى وقتنا الحاضر على مذهب الحنفية، يعني من قبل -حتى- مذهب الحنفية، من قبل أن ينشأ هذا المذهب والاستصناعُ قائمٌ، وإن كان الجمهور يعتبرون الاستصناع سَلَفًا، ويشترطون تسليم رأس المال في مجلس العقد.

لكن مذهب الحنفية أن الاستصناع عقد مستقل بذاته، ولا يشترط له تسليم رأس المال في مجلس العقد، وعَمِلَ الناس من قديم الزمان على مذهب الحنفية، ولا يَسَعُ الناسَ أصلًا إلا هذا القول.

فتجد في بعض الآراء الفقهية أن المسلمين وأن الأمة الإسلامية كلها اتجهت لقولٍ من الأقوال؛ بسبب أن القول الآخر فيه عسر، مع أن القول الآخر قد يكون قول الجمهور، لكن فيه عسر في التطبيق، مثل هذه المسألة، مسألة لزوم الرهن، مثل مسألة الاستصناع، وغيرها من المسائل.

هل يصح التصرف في الرهن بلا إذن المرتهن؟

قال المصنف رحمه الله:

ولم يصح تصرفه فيه بلا إذن المرتهن.

يعني: لا يصح تصرُّف الراهن في العين المرهونة إلا بإذن الدائن الذي هو المرتهن، فلو باع شخص سلعة على آخر بمبلغ معين، على أن يرهنه سيارته، فقبض المرتهن السيارة، ثم إن المدين الذي هو الراهن باع السيارة، فهذا البيع لا يصح؛ لأنها عين مرهونة، هذا معنى كلام المؤلف، لكن لو أذن المرتهن له في بيع السيارة صح.

إلا بالعتق، وعليه قيمته تكون رهنًا مكانه.

استثنى المؤلفُ العتق، وقال: إنه لا يشترط فيه إذْن المرتهن، فلو أنَّ المَدين رَهَن رقيقًا عند المرتهن، فقبضه المرتهن، ثم إن الراهن الذي هو المدين أعتق هذا العبد، فيقولون: يُنفَّذ العتق ويسري؛ لأن الشريعة لها تَشَوُّفٌ للعتق ولو بغير إذن المرتهن.

والقول الثاني: إنه لا يصح عتق الرقيق المرهون؛ لأن فيه إسقاطًا لحق المرتهن حتى وإن كان عتقًا، وإن كانت الشريعة تتشوف إلا أن حق المرتهن باقٍ، فكيف نبطل حق المرتهن؟!

ويدل لذلك حديث جابر: أعتَق رجلٌ عبدًا له عن دُبُرٍ -الدُّبُر والتدبير يعني: تعليق العتق بالموت- فبلغ ذلك رسولَ الله ، فقال: ألك مالٌ غيره؟ قال: لا. فباعه النبي عليه الصلاة والسلام، قال: من يشتريه مني؟ فاشتراه رجل من الصحابة بثمانمائة درهم، وأعطاه النبيُّ عليه الصلاة والسلام الثَّمَنَ، وقال: ابدأ بنفسك وتصدَّق عليها،  فإن فَضَلَ شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا الحديث في الصحيحين[5].

فهنا، النبي عليه الصلاة والسلام أبطل هذا العتق، وأيضًا جاء في حديث عِمْران بن حصين: أن رجلًا أعتق ستة أعبد عند موته، فدعا بهم النبي ، وجزأهم ثلاثًا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولًا شديدًا[6]فأعتق اثنين؛ لأنه له أن يتصرف في الثلث، فالنبي عليه الصلاة والسلام في هاتين القصتين أبطل العتق لمَّا كان في غير محله.

وعلى ذلك؛ فالراجح أنه لا يصح عتق الرقيق المرهون؛ لأن فيه إسقاطًا لحق المرتهن، والراجح عدم استثناء هذه المسألة.

حكم كسب الرهن ونمائه

قال المصنف رحمه الله:

وكسب الرهن ونماؤه رهن.

يعني: إذا كان للرهن كسبٌ أو نماء، فإنه يضاف للرهن، لو افترضنا مثلًا أن العين المرهونة لها غلة، هذه الغلة تضاف للرهن.

حكم الضمان في الرهن

وهو أمانة بيد المرتهن، لا يضمنه إلا بالتفريط.

يعني: بناء على القول باشتراط القبض للزوم الرهن، العين المرهونة ستكون بيد المرتهن، طيب بيد المرتهن، كيف نَصِفُ هذه العَيْنَ؟ هي أمانة، وهو أمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط.

ويُقبل قوله بيمينه في تلفه، وأنه لم يفرط.

لأنه أمينٌ، وإذا كان أمينًا يُقبل قوله في التلف والقول بأنه لم يُفرِّط، لكن بيمينه، هذا عند عدم وجود البينة، وإلا إذا وُجدت بينة فالقول قول صاحب البينة.

وإن تَلِفَ بعضُ الرهن، فباقيه رهنٌ بجميع الحقِّ.

لو تلف بعض الرهن وبقي البعض، فيكون الباقي رهنًا بجميع الحق، يكون الباقي رهنًا بجميع الحق.

ولا ينفك منه شيء، حتى يقضي الدَّين كله.

لا ينفك من الرهن شيء حتى يقضي جميع الدين، فلا ينفك جزء من الرهن لسداد بعض الدَّين، لا، لا بد من سداد جميع الدين؛ لانفكاك الرهن، حتى لو لم يتبقَّ في الدَّين إلا ريال واحد فقط، لا ينفك الرهن؛ لأن التوثقة تتعلق بجميع الرهن، فيبقى مرهونًا بكل جزء من الرهن.

حكم إغلاق الرهن

وإذا حلَّ أجل الدَّين، وكان الراهن قد شرط للمرتهن: أنه إذا لم يأتِه بحقه عند حلول الأجل وإلا فالرهن له؛ لم يصح الشرط.

لأن هذه من صور إغلاق الرهن، يقولون: إذا حلَّ الدين، وشرط المرتهن أنه إذا لم يأته بحق عند حلول الأجل، وإلا فالرهن له، فيقولون: إن هذا الشرط شرط غير صحيح؛ لأنه نوعٌ من إغلاق الرهن، والنبي يقول: لا يَغْلَق الرَّهْنُ مِن صاحبه الذي رهنه، له غُنْمه، وعليه غُرْمه[7].

وإغلاق الرهن كان موجودًا في الجاهلية، وأبطله الإسلام، وإنما إذا حل الدين يُطالَب المدين بالسداد، وإن امتنع فإنه يُجبر إما على السداد، وإما على بيع الرهن، أما هذا الشرط فيقولون: إنه شرط غير صحيح.

بل يلزمه الوفاء.

يعني: يلزم الراهنَ الوفاءُ بالدين.

أو يأذن للمرتهن في بيع الرهن، أو يبيعه هو بنفسه ليوفيه حقه.

يعني: يأخذ منه العين المرهونة هو ويبيعها، ويعطي المرتهن حقه، أو يأذن للمرتهن في بيع العين المرهونة ويأخذ حقه.

فإن أبى حُبس أو عُزِّر.

يعني: إن أبى الراهن وفاء الدين، أو بيع العين المرهونة، “يا فلان سدِّد”، فرفض، “طيب يا فلان بع العين المرهونة”، فرفض، “اسمح للمرتهن أن يبيعها”، فرفض، يقول المصنف: إنه يُحبس عن طريق الحاكم، ويُعزَّر بالتعزير الذي يراه مناسبًا.

فإن أَبَى: هذا رجلٌ مستميت؛ “يا فلان سدد” فرفض، “طيب بِعِ العين المرهونة” فرفض، “اسمح للمرتهن أن يبيع” فرفض، وحُبس وعنده صبر على الحبس وكذلك التعزير، ماذا نعمل مع هذا الرجل؟

يقول المصنف:

فإن أصرَّ باعه الحاكم.

هنا القاضي يبيع العين المرهونة بلا إذنه جبرًا.

وعلى هذا؛ فالمرتهن ليس له أن يتصرف في العين المرهونة إلا بإذنٍ من الراهن، والإذن السابق لا يكفي.

وكانوا في الجاهلية، إذا حل الأجل استولى المرتهن على العين المرهونة وأخذها كلها، حتى لو كان الرهن أكثر من الدَّين، فأبطل الإسلام ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يَغْلَق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غُنْمه وعليه غرمه[8].

وغَلِقَ الرهنُ معناه: أن يستولي على الرهن فيأخذه كله، ولو كان أكثر من الدين، وهذا أبطله الإسلام.

لكن يحتمل أن يقال: إنه إذا أذِن الراهن في بيع الرهن عند حلول الأجل وعدم السداد، وكانت قيمة الرهن تعادل الدين، أو أن الرهن أقل من الدين، فللمرتهن أن يبيع العين مباشرة بالإذن السابق، فهذا مُتَّجَهٌ وعليه العمل.

الآن، بعض الشركات وبعض البنوك يأخذون هذا الإذن، ويبيعون السلعة مباشرة، وإن كان الأحسن أن يكون ذلك عن طريق الحاكم؛ لأن تقدير كون قيمة الرهن بقدر الدين عند حلول الأجل، يحتاج إلى مزيد من الضبط والعناية.

أحكام الانتفاع بالرهن

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك لأحكام الانتفاع بالرهن، قال:

فصل: وللمرتهن ركوب الرهن وحَلْبه بقدر نفقته، بلا إذن الراهن.

يعني: إذا كان الرهن حيوانًا يُركب، فللمرتهن الذي عنده العين المرهونة، الذي هو الدائن، له أن يركب هذا الحيوان المرهون، كأن يكون جملًا أو فرسًا، ونحو ذلك، وإذا كان مما يُحلب فله أن يحلبه بقدر نفقته، يعني: يركب ويشرب الحليب، مقابل الإنفاق عليه، مقابل عَلْفِه وسَقْيِه، فهو يقوم بعَلْفه وسَقْيه مقابل ركوبه وحلبه.

ويدل لذلك قول النبي في الحديث الذي أخرجه البخاري في “صحيحه”: الرهن يُركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدَّرِّ يُشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يَركب ويشرب النفقة[9]. وهذا الحديث نصٌّ في المسألة.

ولو حاضرًا.

يعني: حتى لو الراهن الذي هو المَدين، حتى لو كان الراهن حاضرًا؛ لأن الانتفاع بالركوب والحلب مقابل النفقة، لكن ماذا لو كانت العين المرهونة ليست حيوانًا، يعني كأن تكون مثلًا عقارًا، أو ساعة، أو نحو ذلك، فهنا ليس للمرتهن الانتفاع بالعين المرهونة إلا بإذن الراهن.

طيب هل تقاس السيارة على الحيوان، فللمرتهن الذي عنده العين المرهونة أن ينتفع بها، ويمشي عليها، ويقضي حوائجه، مقابل أن يضع فيها الوقود والزيت، أن يضع فيها البنزين والزيت؟ الجواب: لا، لا تقاس، ولا يجوز للمرتهن أن ينتفع بهذه العين -السيارة المرهونة- إلا بإذن صاحبها.

طيب لماذا؟ لماذا فرقنا بين السيارة وبين الحيوان المركوب؟ فرقنا بينهما لأن الحيوانَ نفسٌ، إذا لم تُعلَف ماتت، إذا لم تعلف وتسقى ماتت، بخلاف السيارة، السيارة إذا تركها وأوقفها وبقيت بدون وقود وبدون زيت لا يضرها، يوقفها ولا يحركها، ولا يضرها، بخلاف الحيوان. هذا هو وجه التفريق بينهما.

حكم الانتفاع بالرهن بدون مقابل

وله الانتفاع به مجانًا بإذن الراهن.

يعني: يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن بدون مقابل، مجانًا يعني بدون مقابل، لكن بإذن الراهن، يعني لو كانت مثلًا العين المرهونة سيارة، وقال: أنا أريد أن -يعني- أقضي عليها حوائجي، فأَذِن له صاحب السيارة الراهن؛ لا بأس.

لكن هنا انتبه، يُستثنى من جواز انتفاع المرتهن بالعين المرهونة بإذن صاحبها مسألة، وهي: ما إذا كان الرهن في قرض، إذا كان الدَّين في الرهن قرضًا، فلا يجوز للمرتهن الانتفاع بالعين المرهونة، حتى لو أذن له الراهن؛ لماذا؟ لأنه حينئذٍ يكون من القرض الذي جرَّ نفعًا.

مثال ذلك: أتى رجل لآخر، وقال: سلِّفني خمسين ألفًا. قال: أنا أسلفك، لكن بشرط: أنك ترهنني سيارتك. فأتى بسيارته عنده، وجعلها رهنًا، فقام هذا المرتهن ينتفع بالسيارة، يقضي عليها حوائجه، يذهب بها، هذا لا يجوز؛ لأن هذا قرض جر نفعًا؛ لأنه ما أقرضه إلا لأجل أن ينتفع بالسيارة، حتى لو كانت السيارة مرهونة.

فالتصرف الصحيح، نقول: لا بأس أن يرهن السيارة مقابل هذا القرض، لكن لا ينتفع بالسيارة، لا ينتفع بها حتى لا يكون هذا من قبيل القرض الذي جر نفعًا.

فانتبه لهذه المسألة الدقيقة، هذه يعني ربما لا تُذكر في كثيرٍ من كتب الفقه في هذا الموضع، تُذكر في مواضع أخرى، لكن في هذا الموضع لا تذكر. فانتبه لها.

فإذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع بالعين المرهونة يجوز، إلا إذا كان الدين قرضًا، يعني سلفًا، فهنا لا يجوز، حتى لو أذن له الراهن؛ لماذا؟ لأن هذا الانتفاع يكون من قبيل الانتفاع بالقرض، وكل قرض جر نفعًا فهو رِبًا.

ولذلك؛ لو أن المصنف استثنى هذه المسألة وقال: إلا القرض؛ لكان هذا أحسن، وإن كان الفقهاء ينصون على هذا في باب القرض، لكن لا بد من التنبه لهذه المسألة في هذا الموضع.

لكن يصير مضمونًا عليه بالانتفاع.

يعني: إذا انتفع المرتهن بالعين بدون مقابل مجانًا، ما تلف منها بسبب الانتفاع يكون مضمونًا عليه؛ لأنه عارية، والعارية مضمونة عند الحنابلة.

ومؤونة الرهن، وأجرة مخزنه، وأجرة رَدِّه من إباقه، على مالكه.

يعني: جميع ما تحتاج إليه العين المرهونة على المالك، فإذا كان الرهن مما يحتاج إلى مؤونة؛ فعلى الراهن، إلا إذا كان فقط المسألة الأولى التي ذكرناها: أن يكون مركوبًا أو محلوبًا، فنفقته على المرتهن.

وإن أنفق المرتهن على الرهن بلا إذن الراهن، مع قدرته على استئذانه، فمُتبرِّع.

إذا أنفق المرتهن على الرهن، يعني عنده عين مرهونة، وأنفق عليها من غير أن يستأذن صاحب العين الذي هو الراهن، فنعتبره متبرعًا، سواء نوى الرجوع أو لم ينو الرجوع؛ لماذا؟ لأنه مفرط بترك الاستئذان.

وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا أنفق على الرهن بنية الرجوع، فإنه يرجع عليه بما أنفق. وهذا هو القول الراجح، وهذه قاعدة في باب التبرعات.

انتبه لهذه المسألة، هذه المسألة مفيدة لطالب العلم: مَن تبرع لغيره بنية الرجوع فإنه يرجع، ومَن تبرع لغيره بغير نية الرجوع فإنه لا يرجع.

مثال ذلك: بيت مشترك بين ورثة، قام أحد الورثة بإصلاح هذا البيت وترميمه، ثم بعد ذلك عند قسمة الميراث، قال هذا الرجل: أنا صرفت على هذا البيت مبلغًا قدره كذا، فأريد أن أخصمه من الميراث، هذا حقي، أنا صرفته على هذا البيت في ترميمه وفي إصلاحه. فهل له ذلك؟

نقول: إن كان لمَّا صرف هذا المبلغ بنية الرجوع على الورثة؛ فله ذلك، وإن كان تبرعًا من نفسه ولم ينو الرجوع؛ فليس له ذلك.

طيب، هذا أمر يرجع للنية، كيف نعرف أنه نوى أو لم ينو؟ يكون ذلك بتحليفه عند القاضي، يُحلِّفه، يحلف بالله العظيم أنه نوى الرجوع فيرجع، يرجع على الورثة بما أنفق، وإذا كان لم ينو الرجوع وإنما تبرع؛ فليس له الرجوع عليهم.

وهكذا كل من فعل شيئًا لغيره على سبيل التبرع، إن كان قد نوى الرجوع رجع عليه، وإن كان لم ينو الرجوع لم يملك الرجوع عليه، وإذا اختلف مع غيره: هل نوى الرجوع أو لم ينو الرجوع؟ فإنه يحلف: هل نوى الرجوع أو لم ينو الرجوع؟

طيب، آخر فصل معنا في باب الرهن:

فصل: مَن قبض العين لِحَظِّ نفسه؛ كمرتهن، وأجيرٍ، ومستأجِر، ومشترٍ، وبائعٍ، وغاصبٍ، وملتقط، ومقترض، ومضارِب، وادعى الردَّ للمالك فأنكره؛ لم يُقبَل قوله إلا ببينة، وكذا مُودَعٌ، ووكيلٌ، ووصيٌّ، ودَلَّالٌ بجُعلٍ إذا ادعى الرد، وبلا جُعل، فيُقبل قوله بيمينه.

ما معنى كلام المؤلف؟ معنى كلام المؤلف: أن من قبض العين لحظ غيره، كالمودَع والوكيل بدون أجرة، فإن هذا أمينٌ يُقبل قوله في الرد، وفي دعوى التلف.

أما إذا قَبَض العين لِحَظِّ نفسه، مثلما مثَّل المؤلف؛ كالمرتهن، والأجير، والمستأجِر، والمشتري، والبائع، والملتقط، وكل من ذكره المؤلف، فلا يُقبل قوله في الرد إلا ببينة؛ لأنه قبض لحظ نفسه، والأصل عدم الرد.

وذهب بعض العلماء إلى أن من كان يوصف مِن هؤلاء بأنه أمين، فيُقبل قوله، فمثلًا: المرتهن أمين، الأجير أمين، المستأجِر أمين، المضارب أمين، فعند عدم وجود البينة يُقبل قوله في الرد وفي دعوى التلف. وهذا هو القول الراجح.

بخلاف مَن لم يوصف بأنه أمينٌ، فلا يُقبل قوله في الرد إلا ببينة؛ كالمشتري، والبائع، والغاصب، هؤلاء لا يوصفون بأنهم أمناء، فلا يُقبل قولهم في الرد وفي دعوى التلف إلا ببينة؛ لأن الأصل عدم الرد.

هذا هو الأقرب -والله أعلم- للأصول والقواعد الشرعية؛ ما دمنا وصفنا هذا بأنه أمين، فلا بد أن نقبل قوله، طبعًا الكلام عند عدم وجود البينة، أما عند وجود البينة فالقول قول صاحب البينة، لكن عند عدم وجود البينة: مَن كان يوصف بأنه أمين يُقبل قوله، أما من كان لا يوصف بأنه أمين فلا يُقبل قوله إلا ببينة.

فمِثل البائع والمشتري هذا لا يوصف بأنه أمين، الغاصب لا يوصف بأنه أمين، هؤلاء لا يُقبل قولهم إلا ببينة، لكن مِثل المرتهن، والمستأجِر، والمودَع، والوكيل، والمضارِب، هؤلاء كلهم أمناء، فيُقبل قولهم عند عدم البينة في الرد وفي دعوى التلف؛ لأنه لا معنى لوصفهم بالأمناء إلا لأجل قبول قولهم، وأن ذلك يُعتبر مُرجِّحًا لقولهم عند عدم وجود البينة.

رهن المبيع بثمنه

طيب، هنا مسألة مهمة، وهي رهن المبيع بثمنه، مثال ذلك: رجل باع سيارة على آخر بخمسين ألف ريال مقسطة، ثم إنه خشي أن المشتري لا يسدد، فجعل السيارة نفسها التي باعها رهنًا لهذا الدين، قال: أنا أبيعك هذه السيارة بخمسين ألفًا، على أن هذه السيارة تبقى رهنًا، حتى تسدد كامل المبلغ، فهل يصح؟

الجواب: نعم، يصح ذلك، وهذا فيه توسعة على الناس، وفيه مخرج لمن يبيع بالدين، أو يبيع بالتقسيط، فتقول: هذه السيارة التي بعتك إياها هي رهن. فلا يملك المشتري أن يبيعها، أو يتصرف فيها، حتى يسدد كامل الثمن.

فهذه من المخارج لمن يبيع بالدين، أو يبيع بالتقسيط، أن يرهن المبيع بثمنه، فلا بأس بذلك.

أراد أن يبيع بيتًا بالتقسيط، يرهن البائع، يرهن البيت بثمنه، فلا يستطيع المشتري أن يبيعه ويتصرف فيه إلا بعدما يسدد كامل الأسقاط.

فهذه من المخارج لمن يبيع بالتقسيط، أو لمن يبيع بالأجل، أن يرهن السلعة التي يبيعها بثمنها.

باب الضمان والكفالة

ننتقل بعد ذلك إلى:

باب: الضمان والكفالة.

الكلام عنه ليس طويلًا:

تعريف الضمان

الضمان معناه في اللغة: مصدر ضمن يضمن، أي: التزم، وهو مشتق؛ قيل: من الضِّمن، فتصير ذمة الضامن في ضمن ذمة المضمون عنه، وقيل: من التضمن؛ لأن ذمة الضامن تتضمن الحق.

وهناك قول ثالث يعني هو محل نظر، قيل: إن الضمان مشتق من الضم؛ لأن ذمة الضامن تنضم إلى ذمة المضمون عنه. لكن هذا محل نظر، قال الفيومي: إنه غلط من جهة الاشتقاق؛ لأن نون الضمان أصلية، والضَّمُّ ليس فيه نون، فهما مادتان مختلفتان.

فعلى ذلك؛ إما أن يكون مشتقًّا من الضِّمن، أو من التضمُّن، ومن معاني الضمان عند العرب: الرعاية للشيء والمحافظة عليه؛ ولهذا يقولون في الدعاء للمسافر: في حفظ الله وضمانه.

أما تعريف الضمان في اصطلاح الفقهاء: فهو ضمُّ ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فيثبت في ذمتهما جميعًا.

هذا من أحسن التعريفات للضمان، والمقصود من الضمان استيفاء الدين من الضامن إذا عجز عن أدائه المضمون عنه أو ماطل.

طيب، هناك مصطلح الكفالة:

بعض الفقهاء يطلق الضمان على الكفالة، والكفالة على الضمان، ولكن أكثر الفقهاء يفرقون بينهما، يريدون بالضمان: التزام المال، ويريدون بالكفالة: الالتزام بإحضار البدن.

وكثير من الناس يسمون الضمان اليوم بالكفالة الغرامية، ويسمون الكفالة بالكفالة الحضورية، يقول: تريد كفالة حضورية، أو كفالة غرامية. وهذا هو المتعارف عليه عند الناس، ولا مشاحة في الاصطلاح.

حكم الضمان

الضمان جائز في الكتاب والسنة والإجماع، من الكتاب قول الله تعالى في قصة يوسف: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72]؛ كفيل وضامن. هذا في قصة يوسف.

يوسف عليه الصلاة والسلام قصته من أعجب القصص؛ ولذلك قصها الله تعالى علينا في سورة كاملة من القرآن، يوسف نبي، أبوه نبي، جده نبي، أبو جده نبي وأبو الأنبياء، يعني هل هناك شيء أشرف من هذا؟ ومع ذلك باعه إخوته رقيقًا، وهذا يدل على حقارة الدنيا، باعه إخوته عبدًا رقيقًا، باعوه بثمن بخس دراهم معدودة، وكانوا فيه من الزاهدين.

وأصبح في قصرِ عزيز مصر رقيقًا، وحصل له ما حصل إلى أن أصبح ملكًا؛ لما رأى الرؤيا، وقال له الملك: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ [يوسف:54] قال: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ [يوسف:55] فجعله على خزائن الأرض، وأصبح هو المتصرف، وله الكلمة في الدولة في ذلك الوقت، فأصبح هو الملك الفعلي لمصر في ذلك الوقت، سبحان الله!

لما جاء إخوة يوسف عرفهم وهم له منكرون، وجعل السقاية في رحل أخيه حتى يبقى أخوه بنيامين؛ لأنه كان شقيقه، وكان أيضًا ينقم إخوته عليه، ليس فقط على يوسف: إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ يعني: بنيامين أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا [يوسف:8].

عقوب كان يعطف عليهما؛ لأن أمهما كانت ميتة، أما بقية أبنائه أمهم موجودة، فكان يعطيهم مزيدًا من العطف والحنان والمحبة، لكن بقية أبنائه لم يعذروه: إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [يوسف:8].

فالشاهد: أن يوسف عليه الصلاة والسلام أراد أن يُبقي أخاه معه: جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ۝ قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ ۝ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ [يوسف:70- 72].

يقول هذا القائل الذي هو من فتية يوسف من العمال الذين عند يوسف: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ يعني: من جاَء بصواع الملك حِمْلُ بَعِيرٍ نعطيه هدية، نعطيه جُعلًا حِمْلَ بعيرٍ من الطعام. يقول هذا القائل: وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ يعني: أنا كفيل وضامن، ضامن أن نعطيه حمل بعير. هذا هو موضع الشاهد من هذه القصة.

قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ ۝ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ [يوسف:74-75]؛ لأنه كان في شريعتهم أن السارق يسترقُّه مَن سرق منه، فقالوا: جزاؤه أن يكون رقيقًا عندكم، فاستطاع يوسف أن يأخذ أخاه عنده: مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [يوسف:76].

فالشاهد قوله: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72] يعني: كفيل وضامن.

أما من السنة، فقول النبي عليه الصلاة والسلام: الزعيم غارم[10]، وأيضًا في قصة حديث سلمة لما أُتي بجنازة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أعليه دَيْن؟ قالوا: نعم. قال: صلوا على صاحبكم، حتى تحمل أبو قتادة هذا الدين، فصلى عليه[11].

وأجمع المسلمون على جواز الضمان في الجملة، والضمان من عقود الإرفاق والإحسان، فلا يؤخذ عليه عوض، وعلى هذا عامة الفقهاء.

مسألة خطاب الضمان أو الضمان البنكي

ومن هنا ترد مسألة خطاب الضمان أو الضمان البنكي، البنوك ليست جمعيات خيرية، البنوك مؤسسات ربحية، فعندما تتعامل البنوك بالضمان، تريد أن تأخذ عمولة على هذا الضمان، هل يجوز؟

نقول: الأصل أنه لا يجوز أخذ أجرة على الضمان، وعلى هذا اتفقت المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وقالوا: لأن أخذ الأجرة على الضمان يؤول إلى القرض الذي جر نفعًا؛ لماذا؟

لأنه في حال أداء الضامن على المضمون عنه، فهذا بمثابة قرض في ذمة المضمون عنه، يعني الضامن إذا دفع عن المضمون عنه كأنه أقرضه، فإذا أعطاه المضمون عنه أكثر مما دفع، كأنه أصبح قرضًا بفائدة.

ولهذا؛ هل يجوز للبنوك أن تأخذ أجرة على الضمان؟

كثير من الفقهاء المعاصرين قالوا: إنه لا يجوز، وصدر بهذا قرار من المجمع الفقهي الدولي، والتزمت بهذا بعض المصارف الإسلامية مثل مصرف الراجحي، لكن بعض الهيئات الشرعية لبعض المصارف، مثل مصرف الإنماء، ومصرف البلاد، وبعض المصارف الإسلامية ذهبوا إلى قول آخر، قول ثالث في المسألة، عندنا ثلاثة أقوال:

قول بأنه لا يجوز أخذ أجرة على الضمان مطلقًا.

هنا قول لبعض المعاصرين بأنه يجوز مطلقًا، وقالوا: إن هذه مسألة جديدة تختلف عن الضمان الذي ذكره الفقهاء.

وهناك قول ثالث اتجهت له بعض الهيئات الشرعية مثل: الهيئة الشرعية في مصرف الإنماء والبلاد، قالوا: بأنه يجوز أخذ الأجرة على الضمان بشرط: ألا يؤول إلى القرض، فإن آل إلى القرض، فليس للمصرف إلا العمولة التي يأخذها مقابل المصاريف الفعلية فقط.

وقالوا: إن الحالات التي -أصلًا- يؤول فيها الضمان إلى القرض، حالات قليلة جدًّا أو نادرة عند البنوك؛ لأن -أصلًا- البنك يدرس حالة من يريد الضمان عنه، فلا يعطون الضمان لأي أحد، فكون الضمان يؤول للقرض، يقولون: هذه حالات نادرة.

فأجازوا للبنك أن يأخذ أجرة على الضمان إلا إذا آل الضمان للقرض، فإذا آل الضمان للقرض، فيقولون للبنك: لا يجوز لك أن تأخذ أجرة على الضمان، إنما تأخذ فقط عمولة مقابل المصاريف الإدارية الفعلية الحقيقية، هذا اتجاه لبعض المصارف الإسلامية، وهو قول قوي، وإن كان قول الجمهور أحوط.

فالمصارف الإسلامية على اتجاهين:

اتجاه يقول: لا يجوز أخذ أجرة على الضمان إلا مقابل المصاريف الإدارية الفعلية الحقيقية. ومن ذهب إلى هذا مصرف الراجحي.

اتجاه آخر: يجوز أخذ الأجرة على الضمان إلا إذا آل الضمان للقرض، فإذا آل الضمان للقرض لم يجز للبنك أن يأخذ أجرة على الضمان، إلا ما كان مقابل المصاريف الفعلية الحقيقية. وإلى هذا ذهب مصرف الإنماء والبلاد، ونحوهما.

فقول الجمهور لا شك أنه أحوط، لكن أيضًا القول الآخر، وهو أنه يجوز إلا إذا آل الضمان إلى القرض، قول له قوته وله وجاهته؛ لأن المعنى الذي لأجله منع الفقهاء من أخذ الأجرة على الضمان؛ لكون هذا الضمان يؤول للقرض، فيكون من قبيل القرض الذي جر نفعًا.

فيقول أصحاب هذا الاتجاه: نحن نُجوِّز أَخْذ الأجرة على الضمان، إلا إذا آل هذا الضمان للقرض، فإذا آل للقرض نقول للبنك: لا تأخذ أجرة على الضمان، وإنما تأخذ فقط مقابل المصاريف الفعلية الحقيقية.

ويقولون: الحالات أصلًا التي يؤول فيها الضمان للقرض حالات قليلة جدًّا أو نادرة.

قال:

يصحان.

يعني: الضمان والكفالة.

تنجيزًا وتعليقًا وتوقيتًا.

(تنجيزًا) يقول: أنا ضامنٌ لما عليه الآن، أو كفيل له الآن.

(تعليقًا) يقول مثلًا: إن أعطيته كذا، فأنا ضامن له، أو أنا ضامن له إن كان مثلًا المبلغ لا يزيد على كذا.

(توقيتًا): إن جاء رأس الشهر فأنا ضامن، أو أنا كفيل، أو إن دخل رمضان فأنا ضامن أو كفيل.

وجمهور الفقهاء يمنعون من تعليق العقود، لكن تعليق الكفالة والضمان يجيزونه؛ لأنهم يقولون: هذا من باب عقود الإرفاق والإحسان.

ممن يصح الضمان؟

قال المصنف:

ممن يصح تبرعه.

يعني: يصح الضمان مِن جائز التصرف الذي يجوز تبرعه، وهو الحر المكلف الرشيد، والكفالة كالضمان؛ لأن الكفالة تنقلب إلى ضمان إذا تعذر إحضار بدن المكفول.

ولرب الحق مطالبة الضامن والمضمون معًا، أو أيهما شاء.

يعني: الدائن له أن يطالب الضامن أو يطالب المضمون عنه، أو يطالبهما جميعًا، هو بالخيار، أما إذا عجز المضمون عنه عن السداد أو ماطل، فهنا له أن يطالب الضامن مباشرة؛ لأن هذه هي الفائدة من الضمان.

يعني إنسان يطلب من آخر دينًا، وطلب منه سداد الدين، ولم يتيسر، إما لعجزه وإفلاسه، وإما لمماطلته، فهنا الدائن يرجع للكفيل، للضامن مباشرة، ويطلب منه سداد الدين.

هل للدائن مطالبة الضامن مباشرة دون المضمون عليه؟

لكن، هل للدائن أن يذهب للضامن مباشرة من غير أن يطالب المدين المضمون عنه؟

هذه المسألة محل خلاف، ظاهر كلام المؤلف أن له ذلك، ولو مع عدم تعذر مطالبة المضمون عنه. وهذا هو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بحديث: الزعيم غارم[12]؛ قالوا: ما دام أنه غارم فهو ضامن، وقالوا أيضًا: الحق قد ثبت في ذمة المضمون عنه في مقتضى الدين، وفي ذمة الضامن في مقتضى الضمان، فللدائن أن يطالب من شاء منهما.

والقول الثاني في المسألة وهو مذهب المالكية، يقولون: ليس للدائن أن يطالب الضامن إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه، إذا تعذر مطالبة المدين المضمون عنه؛ لموته، أو لغيابه، أو لإفلاسه، أو لأي سبب، فهنا يرجع الدائن على الضامن، أما أنه يطالب الضامن مباشرة ولم يطالب المدين أصلًا، فليس له ذلك، هذا هو مذهب المالكية.

وقالوا: لأن الضامن فرع، والمضمون عنه أصل، ولا يصار للفرع إلا عند تعذر الأصل؛ ولأن الكفالة توثقة وحفظ للحق، فهي جارية مجرى الرهن، والرهن لا يستوفى منه إلا عند تعذر الاستيفاء من الراهن.

وهذا القول -أعني مذهب المالكية- هو القول الراجح، ولكن الذي عليه العمل هو القول الأول قول الجمهور.

وأعرف رجلًا كفل آخر، يعني ضمن عنه دينًا، ثم إن الدائن أتى وطالب الضامن مباشرة، وترك المضمونَ عنه المَدِينَ، فحُبس هذا الضامن، حبس مدة طويلة، وطوي قيده من وظيفته، وتسبب في مشكلات كبيرة، وهذا المدين متروك حر طليق.

فالأقرب لأصول وقواعد الشريعة أن يطالب هذا المدين المضمون عنه، وإن تعذرت مطالبة هذا المدين المضمون، فهنا يرجع للضامن، أما أن يطالب هذا الضامن المحسن، ويترك هذا المضمون عنه المدين! فهذا يعني قول بعيد.

ولهذا؛ ابن القيم رحمه الله له كلام جيد في هذا، يقول رحمه الله: الناس يستقبحون هذا -يعني: مطالبة الضامن، وعدم مطالبة المضمون عنه الذي هو المدين- الناس يستقبحون هذا ويعدون فاعله متعديًا، ولا يعذرونه بالمطالبة، حتى إذا تعذر عليهم مطالبة الأصيل، عذروه بمطالبة الضامن.

يعني: لو تعذرت مطالبة هذا المدين، صحيح يعذرون هذا الدائن: “اذهب للضامن”، وكانوا عونًا له عليه، وهذا أمر مستقر في فِطَر الناس ومعاملاتهم، بحيث لو طالب الضامنَ والمضمونَ عنه إلى جانبه، والدراهم في كُمِّه، وهو متمكن من مطالبته، لَاستقبحوا ذلك غايةَ الاستقباح.

على قول الجمهور: لو كان الضامنُ بجوار المضمونِ عنه، المَدِينِ، والمضمونُ عنه الدراهمُ بيده، يقولون: أنت أيها الدائن لك أن تطالب الضامن وتترك هذا المضمون عنه، المَدِين، يقول ابن القيم: إن هذا أمر مستقبح في فِطَر الناس، ولا تأتي بمثلِ هذا الشريعةُ.

ثم أيضًا قول المالكية فيه تشجيعُ الناس على الخير؛ لأننا إذا قلنا للدائن: له أن يطالب الضامن، ولو مع عدم تعذُّر مطالبة المضمون عنه، هذا يؤدي إلى إحجام الناس عن الضمان وعن الكفالة، وينسد هذا الباب من أبواب الإحسان.

وأما حديث: الزعيم غارم[13] فهذا محمول على تعذر سداد الدَّين من المضمون عنه.

قال المصنف رحمه الله:

لكن لو ضمن دينًا حالًّا إلى أجل معلوم صح، ولم يُطالِب الضامنَ قبل مُضِيِّه.

يعني: لو كان لشخصٍ دَين حلَّ على رجلٍ، وعجز المَدِين عن السداد، وقال الدائن: لا بد من الضامن، فأتى الضامن، وقال: أنا أضمنه، بشرط أن يكون الضمان مؤجلًا، يعني: إلى أجلٍ، بعد سنة مثلًا، فيصح إذا وافق الدائنُ على ذلك. وعلى هذا؛ ليس له أن يطالب الضامن قبل حلول الأجل.

وجاء في هذا حديثٍ عن النبي عليه الصلاة والسلام: أن رجلًا لَزِمَ غريمًا له بعشرة دنانير على عهد النبي ، فقال: ما عندي شيء، قال: والله لا أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحَمِيلٍ، يعني: بضَمِينٍ، يعني كانوا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ما كان فيه سجن، وكان الدائن يلازم المدين، يعني يمشي معه في كل مكان يتبعه، كلما خرج من بيته لحقه، ذهب إلى المسجد صلى بجواره، فيقول: لا أفارقك، هذا الذي عليه العمل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ما فيه سجن، ماذا يعمل به؟

فلزمه، وأصبح لا يفارقه، وقال: والله لا أفارقك، إما أن تسدد، أو تأتي لي بضامن، بكفيل، فجرَّه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: كم تستنظره؟ يعني: كم تمهله؟ قال: شهرًا. قال النبي عليه الصلاة والسلام: أنا أحمله[14] يعني: أنا ضامن عنه. فهذا دليل على جواز أن يكون الضمان بعد أجَلٍ.

ضمان عهدة الثمن والمُثْمَن

ويصح ضمان عهدة الثمن والمثمن.

العهدة معناها عند الفقهاء في الأصل: الكتاب الذي تُكتب فيه وثيقة البيع، ويُذكر فيها الثمن، ثم أصبح يُعبَّر به عن الثمن، فيكون معنى قوله: (ضمان عهدة الثمن والمثمن)؛ يعني: يصح ضمان الثمن للبائع، وضمان المُثْمَن للمشتري إن ظهر فيه عيب.

من التطبيقات المعاصرة: لو كتب المشتري للبائع شيكًا، فقال البائع: أخشى أن يكون بدون رصيد، فيأتي شخص ويقول: إذا كان بدون رصيد فأنا ضامن، أو يعطيه نقودًا، ويخشى البائع أن تكون مزوَّرة، فيأتي شخص ويقول: أنا ضامن، هذا الضمان يصح، وليس فيه جهالة.

هل يصح ضمان السلعة المقبوضة للسَّوْم؟

والمقبوضِ على وجه السَّوْم.

يعني: يصح ضمان السلعة المقبوضة للسوم، كأن يساوم المشتري البائعَ في سلعة، ويتفقا على ثمنها، لكن المشتري يريد أن يذهب بهذه السلعة للبيت، ويُري أهله هذه السلعة، فيقول البائع: أخشى أنك تأخذها ولا تردها، فيأتي شخص ويقول: أنا ضامن. هنا، هذا الضمان صحيح.

والعين المضمونة، كالغصب والعارية.

يعني: يصح ضمان العين المضمونة، كالعين المغصوبة أو العارية، فلو أن شخصًا غصب سلعة، ثم أراد المغصوب أن يرفع عليه شكاية، فأتى رجل وقال: لا تشتكه، أنا ضامن. فيصح هذا الضمان، وهكذا العارية، بناء على أن العارية مضمونة.

قال:

ولا يصح ضمان غير المضمونة، كالوديعة.

يعني: الوديعة الأصل أنها غير مضمونة؛ لأنها أمانة بيد المُودَع، فإذا تلفت من غير تعدٍّ ولا تفريط، فإنها لا تُضمن، فلا يصح ضمانها؛ لأن الأصل أنها لا تُضمن إلا بتعدٍّ أو تفريط.

ونحوها.

كالعين المؤجرة، والمضاربة، والشركة، هذه غير مضمونة على صاحب اليد؛ لأن يده يد أمانة، فهكذا على ضامنه.

ولا دَين الكتابة.

يعني: لا يصح ضمان دين الكتابة؛ لأنه ليس بلازمٍ ولا آيِلٍ للزوم؛ لأن المُكاتَب يملك تعجيز نفسه، والمكاتب عبدٌ ما بقي عليه درهم.

ولا بعضِ دَينٍ لم يُقدَّر.

يعني: لا يصح ضمان بعض الدين الذي لم يُقدر ولم يعرف؛ للجهالة والغرر.

والقول الثاني: أنه يصح ضمان بعضِ دَينٍ غير مُقدَّر، لكن يفسره، يطلب منه تفسيره، فإذا قال: أنا أضمن لك بعض الدين، ثم فسره بالربع ونحوه، فلا بأس.

وهذا هو الأظهر -والله أعلم-؛ لأن الأصل هو الصحة، وفي قصة يوسف قال: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ حِمْل بعيرٍ غيرُ مُقدَّر، ثم قال: وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72].

وإذا قضى الضامن ما على المديون، ونوى الرجوع عليه رجع، ولو لم يأذن له المدين في الضمان والقضاء.

هذه المسألة أشرنا لها قبل قليل: إذا قضى الضامنُ الدَّينَ عن المَدِين، كأن يَحِل الدَّين على المَدِين، ويقضي الضامن ما على المدين بنية الرجوع، فإنه يرجع عليه، حتى لو لم يأذن له المدين في ذلك؛ لأنه سدَّد بنية الرجوع، قضى عنه بنية الرجوع، وسبق أن قلنا: إن مَن قضى عن غيره بنية الرجوع فإنه يرجع عليه، أما إذا قضى عن غيره بغير نية الرجوع فإنه لا يرجع.

وكذا كفيلٌ.

ثم عمَّم المصنف المسألة، والمسألة أشرنا لها قبل قليل، لكن هنا أكدها المؤلف بعبارة أوضح، قال:

وكل من أدى عن غيره دينًا واجبًا.

يعني: الكفيل، ومَن أدى عن غيره دينًا واجبًا، إن كان بنية الرجوع رجع، وإن كان بغير نية الرجوع فليس له الرجوع.

يعني مثلًا: إنسان وجد مَن يطالب فلانًا بدين، قال: ترى إن لم تسدد الدين الآن، أنا أشتكيك. فأتى أحد الحاضرين وقال: كم الدين؟ قال: الدين خمسة آلاف. قال: خذ هذه خمسة آلاف.

ثم إنه بعد مدة، هذا الذي قال: خذ خمسة آلاف، رجع لهذا الرجل، وقال: أنا سددت عنك خمسة آلاف، أعطني. هل له الحق؟

نقول: ننظر لنية هذا الذي دفع الخمسة آلاف، إن كان دفعها بنية الرجوع على صاحبه فله الرجوع، وإن كان دفعها بنية التبرع فليس له الرجوع.

طيب، لو كان دفعها بنية التبرع، ثم ندم، وذهب وقال: سدِّد لي، أنا دفعت عنك، فليس له الرجوع؛ لأنه دفع بنية التبرع، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ليس لنا مَثَلُ السَّوْء، الذي يعود في هبته، كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه[15].

قال:

وإن برئ المديون، برئ ضامنه.

لأن المدين أصل والضامن فرع، فإذا برئ الأصل برئ الفرع.

ولا عكس.

يعني: لا يبرأ المديون ببراءة الضامن؛ لأن الضامن فرع، فإذا أبرئ الفرع لا يبرأ الأصل.

ولو ضمن اثنان واحدًا، وقال..

إذا ضمن اثنان واحدًا، لهذا صورتان:

الصورة الأولى:

وقال كل واحد: ضمنت لك الدين، كان لربه طلبُ كلِّ واحدٍ بالدَّين كلِّه.

إذا قال كل واحد: أنا ضامن لك الدين كله، جميع الدين، فالدائن له أن يطالب كلًّا منهما بجميع الدين، له أن يطالبهما جميعًا، أو يطالب من شاء منهما.

الصورة الثانية:

وإن قالا: ضمنا لك الدين.

يعني: بينهما.

فبينهما بالحصص.

إن كانا اثنين، فعلى هذا النصف وعلى ذاك النصف، وإن كانوا ثلاثة: على كل منهما الثلث.

طيب، هنا مسألة: هل يصح تقييد الضمان بعمل معين؟

الجواب: نعم، يصح، كأن يقول: ما حصل على فلان من ديون في بناء منزله فأنا له ضامن، فيصح ذلك؛ ولهذا قال الله تعالى في قصة يوسف: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72]. وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ يعني: بهذا الشيء فقط، والضمان في صُوَاع الملك فقط حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72] ضامن لذلك فقط، فيصح تقييد الضمان بعمل معين.

ويصح الضمان مؤقتًا، كأن يقول: أنا ضامن أو كفيل لفلان لمدة شهر، أو لمدة سنة، فيصح ذلك.

آخر فصل معنا في باب الضمان والكفالة: في أحكام الكفالة، قال المصنف رحمه الله:

تعريف الكفالة

والكفالة.

يعني: تعريف الكفالة.

هي أن يلتزم بإحضار بدنِ مَن عليه حقٌّ مالي إلى ربِّه.

الكفالة في اللغة: مصدر “كفل”، بمعنى: التزم. واصطلاحًا: عرَّفها المؤلف بهذا التعريف.

وسبق أن قلنا: إن بعض الفقهاء يطلق الضمان على الكفالة، والكفالة على الضمان، وإن الجمهور يريدون بالضمان: الالتزام بالمال، وبالكفالة: الالتزام بإحضار البدن، وإن الناس يسمون الضمان كفالة غُرْميَّة أو غَرَاميَّة، ويسمون الكفالة بالكفالة الحضورية.

شروط صحة الكفالة

والكفالة تقع على بدن المكفول، إلا في الحدود والقصاص، فلا يصح فيها الكفالة، إنما تكون الكفالة في الأمور المالية.

ويعتبر رضا الكفيل.

لا بد من رضا الكفيل؛ لأنه لا يلزمه الحق ابتداء، إلا برضاه، وهذا بالإجماع.

لا المكفول.

يعني: لا يشترط لصحة الكفالة رضا المكفول، فللإنسان أن يكفل غيره بغير إذنه، هذا هو المذهب عند الحنابلة.

والقول الثاني: أنه يشترط رضا المكفول، وهذا هو مذهب الشافعية، ووجه عند الحنابلة، قالوا: لأن المقصود من الكفالة إحضاره، فلا بد من رضاه بذلك، والكفالة معروف وإحسان، فإذا كانت بغير رضاه لم تعتبر معروفًا ولا إحسانًا. وهذا هو القول الراجح.

مثال ذلك: رجل سُجن بسبب دَين، وطُلب لإطلاق سراحه كفالةٌ حضورية، فأتى أحد الناس وتبرع بالكفالة، فقال السجين: أنا لا أرضى بكفالة فلان، ويمكن أن أبقى في السجن، ولا يكفلني فلان بن فلان؛ لأنه يعرف أن فلانًا مثلًا كثير المنة وسيؤذيه بالمنة.

فالمؤلف يقول: إنه لا يعتبر رضا هذا المكفول، يعني هذا السجين، أو الذي يراد كفالته.

والقول الراجح أنه يعتبر رضاه؛ لأن هذا الذي يُراد كفالته هو حُرٌّ، إذا قال: أنا لا أقبل كفالة فلان، هو حر؛ ولأنه ربما يعلم أن فلانًا سيؤذيه بالمنة، يعرف أنه إنسان منان سيؤذيه، والمنة أذى نفسي شديد ربما يكون أشد من أذى السجن، وبعض الناس عنده عزة نفس، يقول: لا أريد أن يكفلني فلان.

فالقول الراجح أنه يشترط رضا المكفول.

قال:

ولا المكفول له.

يعني: لا يُشترط في صحة الكفالة رضا المكفول له، الذي هو الدائن، إذا قال الدائن: أنا لا أرضى بالكفالة، فلا يعتبر رضاه، هذه المسألة ترجع إلى اجتهاد القاضي، فإذا رأى أن المصلحة في اعتبار رضاه اعتبر، وإذا رأى أن المصلحة بعدم اعتبار رضاه لم يعتبر.

متى تنتهي الكفالة؟

ثم ذكر المؤلف متى تنتهي الوكالة، ذكر لها ثلاثة أمور:

الأمر الأول، قال:

متى سلَّم الكفيلُ المكفولَ لرب الحق بمحل العقد.

إذا سلم المكفولَ لصاحب الحق، سلَّم الكفيلُ، إذا سلم الكفيلُ المكفولَ؛ هنا برئت ذمته، سواء حل الأجل أو لم يحل.

الصورة الثانية:

أو سلم المكفول نفسه، برئ الكفيل.

الصورة الثالثة:

أو مات.

يعني: مات المكفول.

برئ الكفيل.

حكم الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول

وإن تعذر على الكفيل إحضار المكفول، ضمن جميع ما عليه.

تعذر على الكفيل أن يُحضر المكفول: يا فلان، أنت كفلت فلانًا كفالة حضورية. قال: والله ما وجدته، بحثتُ عنه وما وجدته، جواله مقفل، وبحثت عنه وما وجدته. هنا تنقلب هذه الكفالة الحضورية إلى كفالة غُرْمية، فيتحمل الدين الذي عليه. وهذا معنى قول المصنف:

وإن تعذر على الكفيل إحضار المكفول، ضمن جميع ما عليه.

فيَغْرَم الكفيلُ جميعَ ما على المَدِين من الدَّين؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: الزعيم غارم[16].

لكن لو أن الكفيل اشترط البراءة من الدَّين عند تعذُّر إحضار المكفول، فلا يلزمه الضمان عملًا بشرطه.

ولهذا؛ مَن أراد أن يكفل غيره، فينبغي أن يُنبَّه على أن الكفالة قد تنقلب إلى ضمان، لكن إذا اشترط عدم ضمان المال في حال تعذر إحضار المكفول، فله شرطه.

قال:

ومن كفله اثنان، فسلَّمه أحدهما، لم يبرأ الآخر، وإن سلم نفسه بَرِئَا.

لو كفل اثنان رجلًا، فسلَّمه أحد الكفيلين للدائن، أو مثلًا للشرطة، أو نحو ذلك، يبقى الكفيل الثاني لا يبرأ، كما لو فكَّ أحدَ الرهنين، فالرهن الثاني باقٍ حتى يقضى جميع الدين.

لكن لو سلم المكفول نفسه، برئ الكفيلان جميعًا؛ لأن الأصيل أدى ما هو واجب عليه، فيبرآن جميعًا.

هنا مسألة ذُكرت في آخر باب الضمان: هل الضمان عقد لازم أو عقد جائز؟

ذكرنا أن العقود تتنوع: منها ما هو لازم كالبيع، ومنها ما هو جائز كالوكالة، ومنها ما هو لازم مِن وجه جائز من وجه كالرهن، لازم في حق الراهن جائز في حق المرتهن.

طيب، الضمان والكفالة، هل هو عقد جائز أو لازم؟

الجواب: الضمان عقد لازم، فليس للضامن أن يرجع في ضمانه، والدليل لذلك: قصة الرجل الذي أُتي به ليصلي عليه النبي ، فقال: هل عليه دَين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم فقال أبو ذر: الدَّين عليَّ يا رسول الله، فصلى عليه النبي [17].

بوَّب على هذا البخاري، والبخاري كما يقال: فقه البخاري في تراجمه، قال: “باب من تكفل عن ميت دينًا فليس له أن يرجع”، يشير البخاري إلى أن الضمان عقد لازم.

قوله: ليس له أن يرجع، يشير إلى أن الضمان عقد لازم؛ وذلك لأن الضمان لو كان غير لازم لَمَا صلَّى النبي على هذا المَدِينِ حتى يُوفِّي أبو قتادة الدَّينَ؛ لأنه يحتمل أن أبا قتادة يرجع.

فدل هذا على أن الضمان لازم، كونُ النبي عليه الصلاة والسلام صلى عليه بمجرد ضمان أبي قتادة، فهذا يدل على أن الضمان عقد لازم، وليس عقدًا جائزًا، وإنما هو عقد لازم.

هذه من المسائل الدقيقة، لم يذكرها المؤلف، وأضيفت هنا في “السلسبيل”، وأشار إليها البخاري في “صحيحه”، ونقف عند باب الحوالة.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة:

السؤال: ما حكم من صلى العصر خلف من يصلي المغرب؟

الجواب: أولًا: إن كان تأخير صلاة العصر بدون عذر، فعليه التوبة إلى الله ، لا يجوز للمسلم أن يؤخر الصلاة عن وقتها بدون عذر، وتأخير الصلاة عن وقتها بدون عذر من كبائر الذنوب.

لكن لو كان معذورًا بأي عذر من الأعذار، وأراد أن يصلي العصر خلف من يصلي المغرب، فله ذلك على القول الراجح، وحينئذٍ إذا سلَّم الإمامُ يقوم ويأتي بالركعة الرابعة، فاختلاف النية بين الإمام والمأموم لا يضر، إنما الممنوع اختلاف الأفعال.

ولهذا؛ كان معاذ يصلي مع النبي صلاة العشاء، ثم يرجع ويصلي بقومه، وهي في حقه نافلة، وفي حقهم فريضة[18]. فهنا النية اختلفت بين الإمام والمأموم بين نافلة وفريضة، أشد من كونها فريضة وفريضة، ومع ذلك أقره النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك.

ثم أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام: إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه[19]، ثم فسر النبي هذا الاختلاف بأفعال، قال: فإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد[20]. ففسر الاختلاف بالأفعال، فالممنوع هو الاختلاف على الإمام بالأفعال، أما اختلاف النية بين الإمام والمأموم فلا يضر، والصلاة معه صحيحة.

السؤال: ما حكم لبس النقاب، وتغطية الوجه للمرأة؟

الجواب: يجب على المرأة أن تُغطي وجهها عن الرجال الأجانب، ويجوز لها أن تلبس النقاب بأن تُظهر العينين من غير زينة.

وقولنا: إنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، هذا هو القول الذي يدل له الكتاب والسنة، والذي عليه عمل الناس في زمن النبي .

والله تعالى يقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، ويقول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59]، وحتى إن الله تعالى قال: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31].

فكيف تُنهى المرأة عن أن تَضرب برِجلها فيُسمع صوت الخَلْخال، ويُسمح لها بكشف وجهها الذي هو مَجْمع الزينة؟ هذا لا يمكن، لا يمكن للمرأة أن يُؤذن لها بكشف الوجه الذي هو مجمع الزينة، وتُنهى عن مجرد ضرب الرِّجل لأجل صوت سماع الخلخال.

ثم إن الله قال في شأن العجائز: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتي بلغن مرحلة أنهن لا يَرْجِين النكاح، لا ترجو المرأة أن أحدًا يتزوجها؛ لأنها عجوز، ومع ذلك يقول ربنا سبحانه: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ انظر ماذا قال ربنا بعد ذلك؟ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وهن عجائز، ثم قال سبحانه: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60].

يعني: كون هذه العجوز تتحجب خيرًا لها؛ هذا يدل على عناية الشريعة بهذه القضية وهذه المسألة.

وفي الصحيحين، في صحيح البخاري ومسلم، وهما أصح كتابين بعد كتاب الله : عن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، قالت: لما رأيت صفوان بن المُعطَّل: “فخمرت وجهي”[21] يعني: غطيت وجهي. هل هناك شيء أصرح من هذا؟!

هذا يدل على أن الذي كان عليه العمل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام هو تغطية الوجه، لكن يجوز للمرأة أن تلبس النقاب، وتُبدي عينيها من غير زينةٍ لكي ترى الطريق، هذا لا بأس به.

ولهذا؛ قال عليه الصلاة والسلام: ولا تنتقب المرأة المُحرِمة[22]، وهذا دليل على أن غير المُحرِمة يجوز لها أن تلبس النقاب.

السؤال: ما حكم خروج المرأة من بيتها، والذهاب للمسجد للصلاة على الجنائز؟

الجواب: لا بأس بذلك، وقد ورد أن بعض أزواج النبي صلَّيْن صلاة الجنازة على سعد بن أبي وقاص، والنبي يقول: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله[23].

فلا بأس أن تذهب المرأة للمسجد وتصلي الصلوات الخمس مع الناس، إذا كان هناك مصلى مهيأ للنساء، وكذلك تصلي على الجنائز، لا بأس بهذا: ولا تمنعوا إماء الله مساجد الله.

وصلاتها على الجنائز عمل صالح، إنما هي ممنوعة من اتباع الجنائز، النساء ممنوعات من اتباع الجنائز، وأما الصلاة على الجنائز فهن كالرجال لا بأس بذلك.

وكما ذكرنا: أن هذا وَرَد عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام في صلاتهن على سعد بن أبي وقاص، وعلى هذا فالنساء في الصلاة على الجنائز كالرجال.

السؤال: إذا انتقض وضوء الشخص في المسجد، ووجد دورات مياه المسجد مغلقة، وأقيمت الصلاة، هل يتيمم في الشارع، أو يرجع لبيته وتفوته الجماعة؟

الجواب: ليس له أن يتيمم والماء موجود، والله تعالى يقول: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، فيذهب لبيته ويتوضأ، فإن تيسر له أن يصلي مع الجماعة وإلا فهو معذور في ترك الجماعة.

أما أنه يتيمم والماء موجود فليس له ذلك، لا يجوز التيمم مع وجود الماء، والقدرة على استعماله.

السؤال: هل النوم عن الصلاة متعمدًا، كفر مخرج عن الملة؟

الجواب: إذا كان يترك الصلاة بالكلية لا يركع لله ركعة، لا جمعة ولا جماعة، ولا يعرف الله طرفة عين، فهذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة[24]، وقال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر [25]، وقد نُقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة، ولا يعلم عن الصحابة خلاف في ذلك.

ويقول عبدالله بن شقيق التابعي الجليل: لم يكن أصحاب النبي يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.

ونقل إسحاق بن راهويه الإجماعَ مِن زمن الصحابة إلى زمنه على كفر تارك الصلاة.

لكن، إن كان يصلي أحيانًا ويترك الصلاة أحيانًا، فعلى القول الراجح أنه لا يكفر، وإنما يكون من الساهين الذين توعدهم الله في قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]؛ لأن النبيَّ قال: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ولم يقل: ترك صلاة.

ولأنه جاء في حديث عُبادة بن الصامت: خمسُ صلواتٍ، مَن حافظ عليهن كانت له نورًا ونجاةً وبرهانًا يومَ القيامة ثم قال: ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهدٌ عند الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه[26].

وهذا دليل على أنَّ مَن لم يحافظ على الصلوات؛ يعني يصلي أحيانًا ويترك الصلاة أحيانًا، أنه لا يخرج عن دائرة الإسلام، ولا يكون كافرًا، لكنه على خطر عظيم، يكون من الساهين، الذين توعدهم الله بالويل: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5].

السؤال: رجل يستطيع السجود والجلوس، لكن القيام يجد صعوبة فيه، هل يصلي على الكرسي، أو على الأرض ليدرك السجود؟

الجواب: السجود آكَد مِن القيام، بل إن القيام والركوع والرفع منه، كما يقول ابن القيم وجماعة من أهل العلم، يقول: هذه كالمقدمات للسجود، السجود هو آكد أركان الصلاة، كما أن آكد أركان الحج الوقوف بعرفة، آكد أركان الصيام النية، آكد أركان الصلاة السجود.

فعلى هذا نقول: ما دام أنه يستطيع أن يسجد، فيصلي جالسًا ويسجد، هذا خير من أن يصلي قائمًا ولا يسجد، أو يومئ بالسجود.

السؤال: ما حكم نجاسة أو طهارة دم الحشرات؟

الجواب: إذا كانت الحشرات ليس لها دم يسيل، مثل: الذباب، ومثل البعوض الصغير الذي ليس دم يسيل، ونحو ذلك، فهذه طاهرة ليست نجسة، ما لا نفس له من حشرات فهو طاهر، ذكر الفقهاء أنه طاهر.

وعلى ذلك يدل حديث الذباب: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه…[27]، لو كان نجسًا لَمَا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بغمسه في الشراب.

أما إذا كان له دم يسيل، فهذا إذا مات فإنه يكون نجسًا، إذا مات فإنه يكون نجسًا، ودمه يكون نجسًا إذا كان له دم يسيل، أما إذا كان ليس له دم يسيل، فتكون هذه الحشرة طاهرة.

السؤال: ما حكم الاحتفال بعيد الحب؟

الجواب: الاحتفال بعيد الحب بدعة، الأعياد كلها غير عيد الفطر وعيد الأضحى، الاحتفال بها من البدع، ليس للمسلمين سوى عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع الذي هو يوم الجمعة، وما عدا ذلك فاتخاذه عيدًا من البدع المحدثة.

السؤال: ما أفضل عمل بعد أداء الفرائض؟

الجواب: سُئل ابن تيمية رحمه الله هذا السؤال، فقال: إن هذا مما يختلف به أحوال الناس، ولكن مما هو كالإجماع عليه بين العلماء أن دوام ذكر العبد ربه هو أفضل ما شغل به الإنسان نفسه، يعني الإكثار من ذكر الله .

ولهذا؛ جاء رجل للنبي ، وقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فمُرْني بشيءٍ أتشبَّث به، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله [28].

فالإكثار من ذكر الله سبحانه هو من أفضل وأجل الأعمال الصالحة بعد الفرائض.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037.
^2 رواه البخاري: 2068، ومسلم: 1603.
^3 رواه البخاري: 2069.
^4 رواه أحمد: 20227، وأبو داود: 3949، والترمذي: 1365.
^5 رواه البخاري: 7186، ومسلم: 997.
^6 رواه مسلم: 1668.
^7 رواه ابن حبان: 5934.
^8, ^12, ^13, ^16, ^17 سبق تخريجه.
^9 رواه البخاري: 2512.
^10 رواه أحمد: 22294، وأبو داود: 3565، والترمذي: 1265.
^11 رواه البخاري: 2295، ومسلم: 1619.
^14 رواه أبو داود: 3328، وابن ماجه: 2406.
^15 رواه البخاري: 2622.
^18 رواه البخاري: 6106، ومسلم: 465.
^19 رواه البخاري: 722، ومسلم: 414.
^20 رواه أحمد: 8502، وأبو داود: 603.
^21 رواه البخاري: 4141، ومسلم: 2770.
^22 رواه البخاري: 1838.
^23 رواه البخاري: 900، ومسلم: 442.
^24 رواه مسلم: 82.
^25 رواه أحمد: 22937، والترمذي: 2621، والنسائي: 463، وابن ماجه: 1079.
^26 رواه أحمد: 6576، وأبو داود: 430، والنسائي: 461، وابن ماجه: 1401، والدارمي: 2763.
^27 رواه البخاري: 5782.
^28 رواه أحمد: 17698، والترمذي: 3375، وابن ماجه: 3793.
zh