عناصر المادة
- أحكام العقيقة
- معنى العقيقة
- حكم العقيقة
- الاستدانة من أجل العقيقة
- يُعق عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ
- حكم العقيقة بغير الغنم
- وقت العقيقة
- ذبح العقيقة بعد فوات السابع
- حكم لطخ المولود من دم العقيقة
- الأذان في أذن المولود
- حلق رأس الغلام والتصدق بوزنه فضة
- تسمية المولود في اليوم السابع
- كيفية التصرف في لحم العقيقة
- أحب الأسماء إلى الله: عبدالله، وعبدالرحمن
- تحرم التسمية بعبد غير الله
- يكره التسمية بأسماءٍ فيها تزكيةٌ أو قبحٌ
- حكم التسمية بأسماء الملائكة والأنبياء
- الجمع بين الأضحية والعقيقة في ذبيحةٍ واحدةٍ
- كتاب الجهاد
- معنى الجهاد وأقسامه
- الجهاد فرض كفاية
- متى يكون الجهاد فرض عينٍ؟
- يسن الجهاد مع قيام من يكفي به
- الفرق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب
- شروط وجوب الجهاد
- يسن تشييع الغازي لا تَلَقِّيه
- الجهاد أفضل متطوَّعٍ به
- غزو البحر أفضل من البر
- فضل الشهادة في سبيل الله
- لا يتطوع بالجهاد مدينٌ لا وفاء له
- استئذان الوالدين في الجهاد
- فضل الرباط
- متى يحرم الفرار من الزحف؟
- متى تجب الهجرة، ومتى تستحب؟
- الأسئلة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
حياكم الله تعالى في هذا الدرس العلمي في هذا اليوم الاثنين، الثالث من شهر ربيع الآخر من عام (1443 هـ).
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، ونسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
اللهم ارزقنا الفقه في الدين، وآتنا مِن لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ننتقل بعد ذلك للتعليق على “السلسبيل شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى العقيقة.
أحكام العقيقة
قال المصنف رحمه الله تعالى:
فصلٌ في العقيقة
معنى العقيقة
العقيقة: هي الذبيحة عن المولود، وبعض الناس يسمونها تميمةً، وهذه التسمية صحيحةٌ؛ لأنها تُتمم أخلاق المولود؛ أخذًا من قول النبي عليه الصلاة والسلام: كل غلامٍ مرتهنٌ بعقيقته [1]، فمعنى كل غلامٍ مرتهن..، “مرتهنٌ” يعني: محبوسٌ.
طيب، محبوسٌ عن ماذا؟
اختلف العلماء في المراد بهذا الشيء المحبوس عنه؛ قيل: محبوسٌ عن الشفاعة لوالديه، وقيل غير ذلك، وليس هناك دليلٌ يحدد المراد بهذا الحبس؛ ولهذا فالأرجح أن نقول في معنى الحديث: محبوسٌ عن خيرٍ يراد به، الله أعلم به.
حكم العقيقة
وهي سُنةٌ.
وذلك لدلالة السنة عليها؛ كما في قول النبي عليه الصلاة والسلام: كل غلامٍ مرتهَنٌ بعقيقته [2]، عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاةٌ [3]، وقد عق النبي عليه الصلاة والسلام عن الحسن والحسين رضي الله عنهما [4]، وأجمع العلماء على مشروعيتها.
الاستدانة من أجل العقيقة
في حق الأب ولو معسرًا.
يعني: أن الأب هو المسؤول عن العقيقة وليست الأم، حتى لو كان الأب فقيرًا واضطر للاستقراض، أن يقترض من غيره أو يستدين لشراء العقيقة؛ فلا بأس.
قال الإمام أحمد: إني أرجو إن استقرض أن يعجل الله له الخلف؛ لأنه أحيا سنةً من سنن النبي ، وعلق على هذا ابن المنذر، قال: صدق أحمد، إحياء السنن واتباعها أفضل.
لكن يُقيَّد ذلك بما ذكره الإمام ابن تيمية رحمه الله، قال: إن هذا لمن له وفاءٌ، أما إذا لم يكن له وفاءٌ؛ فلا يستقرض لأجل أن يعق عن ولده، يعني: من كان له دخلٌ مستمرٌّ؛ كراتبٍ شهريٍّ مثلًا؛ فلا بأس أن يستقرض أو يستدين لأجل أن يعق عن ولده، لكن مَن ليس له دخلٌ؛ فينبغي له ألا يعق حتى يجد ما يعق به عن ولده؛ ولهذا كلام الإمام أحمد مقيَّدٌ بما إذا كان له دخلٌ مستمرٌّ؛ كراتبٍ شهريٍّ ونحو ذلك، يعني: إنسانٌ موظفٌ، عنده راتبٌ شهريٌّ، وأراد أن يقترض لأجل أن يعق عن ابنه أو ابنته، فلا بأس، لكن إذا كان عاطلًا وما عنده وظيفةٌ ولا عنده شيءٌ؛ فلا يقترض لأجل أن يعق عن ولده.
يُعق عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ
فعن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ.
“عن الغلام” يعني: عن الذكر “شاتان”، “وعن الجارية” يعني: عن الأنثى “شاةٌ”.
وهذا قد ورد في الحديث الصحيح عن النبي : عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاةٌ [5]، وقوله عليه الصلاة والسلام: مكافئتان، قال الإمام أحمد: يعني متماثلتان.
ويجوز الذكر والأنثى، لكن الذكر أفضل؛ لأن النبي لما عق عن الحسين ؛ عق بكبشين عن الحسن، وكبشين عن الحسين، وضحَّى أيضًا بكبشين أقرنين [6]، فالذكر أفضل، سواءٌ في الأضحية، أو في الهدي، أو في العقيقة.
حكم العقيقة بغير الغنم
ولا تجزئ بَدَنةٌ وبقرةٌ إلا كاملةً.
هذه المسألة محل خلافٍ بين الفقهاء: هل العقيقة تختص بالغنم، أو أنه يجزئ أن تكون في الإبل والبقر؟
- المؤلف يقول: إنها تصح أن تكون في الإبل والبقر، لكن تكون كاملةً، فلا تكون سُبعًا، واستدلوا بحديث أنسٍ : من وُلد له غلامٌ؛ فليعُقَّ عنه من الإبل أو البقر أو الغنم [7]، وهذا الحديث لو كان صحيحًا؛ لكان حجةً في هذا، لكنه حديثٌ ضعيفٌ، أخرجه الطبراني، وضعف إسناده جمعٌ من المحدثين؛ لأن ضعفه شديدٌ، حتى قيل: إنه موضوعٌ.
- القول الثاني في المسألة: أن العقيقة مختصةٌ بالغنم؛ لأن جميع ما ورد في العقيقة إنما هو في الغنم، ولم يرد شيءٌ من الأحاديث الصحيحة في الإبل ولا في البقر، وهذا هو القول الراجح؛ لأن الأصل في العبادات التوقيف، ولم يرد ما يدل على أن العقيقة تكون في الإبل والبقر.
فالقول الراجح: أن العقيقة إنما تكون في الغنم خاصةً.
وقت العقيقة
والسُّنة ذبحها في سابع يوم ولادته.
السنة: أن تذبح العقيقة في اليوم السابع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: تذبح عنه في اليوم السابع، ويحلق رأسه، ويسمى [8].
طيب، كيف نعرف اليوم السابع؟ اليوم السابع هو اليوم الذي يسبق يوم ولادته من الأسبوع الذي بعده، فلو افترضنا مثلًا أنه وُلد يوم السبت؛ فاليوم السابع يكون يوم الجمعة المقبلة، ولو افترضنا أنه ولد يوم الأحد؛ فيوم السابع يكون يوم السبت المقبل، ولو افترضنا أنه ولد يوم الخميس؛ فيوم السابع هو يوم الأربعاء من الأسبوع الذي بعده؛ يعني قبله بيومٍ فهذا هو الضابط.
ذبح العقيقة بعد فوات السابع
فإن فات؛ ففي أربعة عشر، فإن فات؛ ففي إحدى وعشرين، ولا تعتبر الأسابيع بعد ذلك.
“السابع” ورد به النص عن النبي عليه الصلاة والسلام، أما ما زاد على ذلك؛ فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها من قولها أنها قالت: “سبعة أيامٍ، وأربع عشرة، وإحدى وعشرين”، وهو من قول عائشة رضي الله عنها، وليس من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، لكن قال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم، أنهم يستحبون أن تذبح العقيقة في اليوم السابع، فإن لم يتهيأ؛ ففي اليوم الرابع عشر، فإن لم يتهيأ؛ ففي اليوم الحادي والعشرين.
الترمذي نقل أن العمل على هذا عند أهل العلم؛ ولذلك نقول: إن السنة أن يُذبح في اليوم السابع، أما القول بأنه سنةٌ في اليوم الرابع عشر أو الحادي والعشرين، هذا يحتاج إلى دليلٍ، ولم يرد في ذلك إلا قول عائشة رضي الله عنها، فنقول: إن تيسر هذا؛ وإلا فتذبح العقيقة في أي وقتٍ.
طيب، ما الحكمة؟ لماذا يسن ذبح العقيقة في اليوم السابع؟ لماذا لم يسن مثلًا في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس أو السادس أو الثامن؟ لماذا؟ ما معنى اليوم السابع؟
قيل في الحكمة: إن الطفل حين يولد يكون مترددًا بين السلامة والعطب، إلى أن تمر عليه أيام الأسبوع، فإذا مرت عليه أيام الأسبوع السبعة؛ فالغالب أنه يعيش، وذكر ابن القيم رحمه الله نكتةً في هذا، قال: إن الله سبحانه أجرى حكمته بتغير حال العبد كل سبعة أيامٍ، وانتقاله من حالٍ إلى حالٍ، فكانت السبعة طورًا من أطواره، وطبقًا من أطباقه؛ ولهذا تجد المريض تتغير أحواله في اليوم السابع ولا بد، إما إلى قوةٍ، وإما إلى ضعفٍ.
سبحان الله! يعني الإنسان المريض راقب حاله بعد سبعة أيامٍ، لا بد أن تتغير حاله، إما أن تتغير حاله إلى قوةٍ ويبدأ يصح من المرض، وإما إلى ضعفٍ وانحطاطٍ، فأحوال الإنسان تتغير كل سبعة أيامٍ، يعني السبعة الأيام هذه طورٌ من أطوار الإنسان؛ ولذلك المولود إذا بقي سبعة أيامٍ؛ فالغالب عليه السلامة؛ فتشرع العقيقة في اليوم السابع، ولهذا شُرعت صلاة الجمعة كل سبعة أيامٍ مرةً في يوم الجمعة، صلاة الجمعة وخطبة الجمعة، فهذا من حكمة الله .
حكم لطخ المولود من دم العقيقة
وكره لطخه من دمها.
لأن ذلك يشبه فعل أهل الجاهلية.
الأذان في أذن المولود
ويُسن الأذان في أذن المولود اليمنى حين يولد، والإقامة في اليسرى.
الحديث الوارد في ذلك: هو حديث أبي رافعٍ قال: رأيت النبي أذَّن في أُذن الحسين بن عليٍّ حين ولدته أمه فاطمة، أذَّن في أذنه بالصلاة [9]، وهذا الحديث رواه الترمذي، وفي سنده مقالٌ، لكن له طرقٌ متعددةٌ يُقوِّي بعضها بعضًا، وترتقي بمجموعها لدرجة الحَسَن لغيره على الأقل؛ ولهذا قال الإمام الترمذي عنه: إنه حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وكذلك شيخنا عبدالعزيز ابن بازٍ أيضًا صححه؛ وعلى هذا: فالأقرب -والله أعلم- أنه يستحب أن يؤذَّن في أذن المولود اليمنى، والحديث الوارد في الإقامة لم يثبت، لكن إن أقام في أذنه اليسرى فلا بأس؛ لأنه أيضًا عليه عمل المسلمين من قديم الزمان جيلًا بعد جيلٍ، وقرنًا بعد قرنٍ، وهذا مشتهِرٌ مستفيضٌ عند المسلمين، وكما قال الترمذي: إن عليه العمل.
فعلى هذا؛ لا بأس بأن يؤذَّن في أذن المولود اليمنى، ويقام في أذنه اليسرى، والأمر في هذا واسعٌ.
حلق رأس الغلام والتصدق بوزنه فضة
ويُسن أن يُحلق رأس الغلام في اليوم السابع.
للحديث السابق: كل غلام مرتهَنٌ بعقيقته؛ تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه، ويسمى، فالسنة حلق رأسه في اليوم السابع إن تيسر.
ويُتصدق بوزنه فضةً.
الحديث المروي في الصدقة بوزن الشعر فضةً، حديثٌ ضعيفٌ لا يصح عن النبي ، ثم أيضًا متنه فيه نكارةٌ؛ كم يساوي وزن الشعر؟! يعني: إذا أردت أن تزن هذا الشعر كم يساوي؟! فمتنه فيه نكارةٌ؛ ولهذا فالأقرب -والله أعلم- أنه لا يسن أن يوزن شعر المولود.
تسمية المولود في اليوم السابع
ويُسمَّى فيه.
يعني في اليوم السابع؛ للحديث السابق: تذبح عنه يوم السابع، ويُحلق رأسه، ويُسمَّى.
وإن سماه قبل السابع فلا بأس؛ فإن امرأة عِمران قالت: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36]، وكان هذا بعد ولادتها مباشرةً، والنبي عليه الصلاة والسلام سمى ابنه إبراهيم في اليوم الذي وُلد فيه، قال: وُلِد لي الليلةَ غلامٌ فسمَّيته باسم أبي إبراهيم [10].
وأيضًا في قصة ابن أم سُليمٍ وأبي طلحة رضي الله عنهما -القصة المشهورة- لما كان عند أم سليمٍ ابنٌ مريضٌ، وكان أبو طلحة قد سافر، ثم رجع في اليوم الذي مات فيه هذا الابن، فأولَ ما دخل؛ سأل عن هذا الابن، فقالت: هو أسكَنُ ما يكون، وهي تريد أنه قد مات، وأبو طلحة فهم أنه بخيرٍ وصحةٍ، وقرَّبت له عشاءه، فتعشَّى، ثم تزيَّنت له وتهيأت له حتى وطئها، فلمَّا قضى حاجته أخبرته فغضب، قال: لماذا لم تخبريني من البداية؟ وذهب للنبي عليه الصلاة والسلام، وقال عليه الصلاة والسلام: بارك الله لكما في ليلتكما، فحملت من تلك الليلة، وأنجبت هذا الابن، وسماه النبي عليه الصلاة والسلام عبدالله في نفس اليوم الذي وُلد فيه [11]؛ ولهذا بوَّب البخاري بقوله: “باب: تسمية المولود غداةَ يولد”.
وقال ابن القيم: إن التسمية لما كانت حقيقتها تعريف الشيء المسمى؛ لأنه إذا وُجد وهو مجهولُ الاسم؛ لم يكن له ما يقع تعريفه به، فجاز تعريفه يوم وجوده، وجاز تأخير التعريف إلى ثلاثة أيامٍ، وجاز إلى يوم العقيقة عنه، ويجوز قبل ذلك وبعده، والأمر فيه واسعٌ، كما قال ابن القيم: الأمر واسعٌ؛ إن سماه في اليوم الأول؛ فلا بأس، إن سماه في اليوم السابع؛ فلا بأس، إن سماه في غير ذلك؛ فالأمر في هذا واسعٌ.
والتسمية واجبةٌ؛ لا بد من تسمية المولود، وهي حقٌّ للأب، الأب هو الذي يسمي، يعني عند التنازع بينه وبين الأم، الحق للأب، وإلا فالذي ينبغي هو التفاهم بين الأب والأم على تسمية المولود.
كيفية التصرف في لحم العقيقة
طيب، ثم انتقل المؤلف إلى الكلام عن الأسماء، قبل ذلك هنا مسألةٌ لم يذكرها صاحب “الدليل”، ونحتاج أن نشير إليها، وهي: كيف توزع؟ يعني ماذا يفعل بلحم العقيقة؟
المسألة هي: ماذا يُفعل بلحم العقيقة بعد ذبحها؟
بعض أهل العلم قال: إنها توزع كما توزع الأضحية؛ يعني يؤكل منها ويُتصدَّق ويُهدَى.
وقال ابن سيرين: اصنع بلحمها كيف شئتَ، وسئل الإمام أحمد عنها فحكى قول ابن سيرين، قال الموفق بن قدامة: وهذا يدل على أنه ذهب إليه، وهذا هو الأقرب -والله أعلم- في هذه المسألة: أنك تفعل بالعقيقة كيف شئت مما ترى فيه المصلحة؛ لأنه لم يَرِد في توزيع لحمها شيءٌ؛ فإن شئت أكلت لحمها كله، وإن شئت تصدقت به كله، وإن شئت أكلت وتصدقت، وإن شئت أكلت وتصدقت وأهديت، وإن شئت صنعت وليمةً ودعوت عليها من تشاء، الأمر فيها واسعٌ، فافعل ما تراه مناسبًا، وما ترى أن فيه المصلحة؛ لأنه لم يَرد في ذلك شيءٌ.
ما قاله ابن سيرين، وأيضًا ذهب إليه الإمام أحمد، وهو اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن باز: أن العقيقة تفعل بها ما تشاء مما ترى فيه المصلحة.
مداخلة:…
الشيخ: لا، ما تباع الأضحية والهَدْي والعقيقة، لا تباع.
طيب، نعود لعبارة المؤلف، قال:
أحب الأسماء إلى الله: عبدالله، وعبدالرحمن
وأحب الأسماء: عبدالله، وعبدالرحمن.
لقول النبي : إن أحب أسمائكم إلى الله: عبدالله، وعبدالرحمن [12]، رواه مسلمٌ.
والحِكمة في ذلك: أن اسمي “الله” و”الرحمن” لا تطلق إلا على الله، لكن غيرها من الأسماء قد تطلق على الله، وقد تطلق على المخلوقين؛ فمثلًا: “العزيز” قد يطلق على الله، وقد يطلق على المخلوق أنه عزيزٌ: قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ [يوسف:51]، “الرحيم” يطلق على الله، وقد يطلق على المخلوق؛ كما قال الله تعالى عن نبيه محمد عليه الصلاة والسلام: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، وهكذا، أما “الله” و”الرحمن” فلا يطلقان إلا على الله تعالى وحده.
تحرم التسمية بعبد غير الله
وتَحرم التسمية بعبدِ غيرِ الله؛ كعبد النبي وعبد المسيح.
وهذا بإجماع العلماء.
يكره التسمية بأسماءٍ فيها تزكيةٌ أو قبحٌ
وتُكره بـ”حربٍ”.
لما فيه من المعاني المكروهة والسيئة، كما يقال: لكل مُسمًّى مِن اسمه نصيبٌ، إلا أن يقصد بذلك العَلَم المجرد، فلا بأس؛ مثلًا: “مُتعِب”، بعض الناس يسميه “متعبًا”، لكنهم لا يقصدون معناه، لا يقصدون أن يكون متعبًا، وإنما يقصدون العَلَم المجرد، فلا بأس.
طيب، التسمية بـ”وليد”، كره بعض العلماء ذلك وقالوا: الوليد اسمٌ للجبابرة، وأن فرعون كان اسمه الوليد، والوليد بن عبدالملك، وذكروا عددًا ممن كان عندهم بطشٌ كان اسمهم الوليد، لكن هذا ليس عليه دليلٌ، وكون الوليد اسمًا لبعض الجبابرة، لا يكون هذا الاسم ممنوعًا؛ لأن الجبابرة قد يتسمون أيضًا بأسماءٍ أخرى؛ ولهذا فالراجح أنه لا تُكره التسمية بالوليد.
ويسارٍ.
يعني: يكره بأن يسمى “يسارًا”.
ومباركٍ ومفلحٍ وخيرٍ وسرورٍ.
لما فيها من التزكية؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام غير اسم “برَّة” إلى “زينب” [13].
لكن إذا كانت التزكية غير مقصودةٍ، وإنما المقصود مجرد العَلَم؛ فلا بأس؛ مثل: “صالح”، “صالح” التزكية غير مقصودةٍ، “مبارك” أيضًا إذا كان يُقصَد به مجرد العَلَم فلا بأس، لكن “بَرَّة” فالتزكية مقصودةٌ وظاهرةٌ؛ ولذلك غير النبي عليه الصلاة والسلام اسم امرأةٍ اسمها بَرَّة إلى زينب.
حكم التسمية بأسماء الملائكة والأنبياء
لا بأسماء الملائكة والأنبياء.
يعني: لا يكره التسمية بأسماء الأنبياء، بل إنه يستحب؛ كأن يسمي باسم محمد أو إبراهيم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: وُلد لي الليلة مولودٌ، وإني سميته على أبي إبراهيم [14].
أما التسمية بأسماء الملائكة: المؤلف يقول: إنه لا يكره، وقال بعض أهل العلم: إنه يكره أن يسمي ابنه جبريل، أو ميكائيل، أو إسرافيل، أو يسميه عزرائيل، أو نحو ذلك، والأقرب: أنه مكروهٌ، وكذلك التسمية بأسماء السور، يعني الأقرب كراهة ذلك.
الجمع بين الأضحية والعقيقة في ذبيحةٍ واحدةٍ
وإن اتفق وقت عقيقةٍ وأضحيةٍ؛ أجزأت إحداهما عن الأخرى.
يعني: هذا رجلٌ عنده مولودٌ لم يَعُقَّ عنه، فأراد أن يجمع بين الأضحية والعقيقة، فلا بأس بذلك، وقد رُوي هذا عن الإمام أحمد؛ كما في رواية حنبلٍ.
وكما لو اتفق يومُ عيدٍ مع يوم جمعةٍ، فاغتسل لأحدهما فإنه يجزئ، وكما لو دخل المسجد بعد أذان الظهر، فصلى ركعتين ناويًا بهما تحية المسجد والسُّنة الراتبة، فلا بأس بذلك، وإن كانت المسألة فيها خلافٌ؛ مِن أهل العلم من قال: إنها لا تجزئ؛ لأن العقيقة مقصودةٌ والأضحية مقصودةٌ، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى، لكن الأقرب هو أنها تجزئ؛ كما قال الإمام أحمد.
فإذا وافق أن العقيقة وافقت يوم عيد الأضحى، فنواها أضحيةً وعقيقةً، فلا بأس، إلا إذا كان يَسَارٌ وغِنًى، فالأفضل أن يَفصل الأضحية عن العقيقة، هذا هو الأفضل، أما إذا كانت أموره ليست ميسورةً، وأراد أن يجمع بين الأضحية والعقيقة في وقت الأضحية؛ فلا بأس.
بهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن أحكام العقيقة.
كتاب الجهاد
ننتقل بعد ذلك إلى:
كتاب الجهاد
نأخذ منه ما تيسر بحسب الوقت، وبقية الأحكام -إن شاء الله- نكملها الدرس القادم.
معنى الجهاد وأقسامه
الجهاد: هو ذِروة سَنَام الإسلام، وعدَّه بعض أهل العلم الركن السادس، وانحراف بعض الفرق والطوائف في فهمه لا يمنع من كونه ذا منزلةٍ عظيمةٍ رفيعةٍ، وأنه ذروة سنام الإسلام.
ومعناه في اللغة: مصدر “جاهد”، وهو بَذْل الجهد في قتال العدو، وإذا أُطلق شرعًا؛ فالمقصود به: قتال الكفار.
وقسَّم بعض العلماء الجهاد إلى خمسة أقسامٍ، ذكر هذا ابن القيم وغيره:
- الأول: جهاد النفس، الذي هو أصل الجهاد، بل إن قتال الكفار فرعٌ عنه، الجهاد الذي هو قتال الكفار فرعٌ عن جهاد النفس؛ لأن الإنسان إذا لم يجاهد نفسه؛ لا يستطيع جهاد الكفار، فلو قاتل مثلًا رياءً أو سمعةً، أو لغرضٍ دنيويٍّ؛ فلا يعد جهادًا في سبيل الله، بل يكون وبالًا عليه، ومِن أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة، والنبي لما سئل عن الرجل يقاتل للمغنم، ويقاتل للذكر، ويقاتل حَميَّةً، ويقاتل شجاعةً، ويقاتل ليُرى مكانه، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا؛ فهو في سبيل الله [15].
فإذنْ قتال الكفارِ فرعٌ عن جهاد النفس، فجهاد النفس هو الأصل في الجهاد.
- القسم الثاني: جهاد الشيطان؛ وذلك بدفع ما يزينه من الشهوات، وما يأتي به من الشبهات، ومن حكمة الله أن قيَّض لكل إنسانٍ قرينًا من الشياطين متفرغًا لإضلال الإنسان، قرينٌ متفرغٌ، إلا قرين النبي عليه الصلاة والسلام، أسلم فلا يأمره إلا بخيرٍ [16]، وإلا فكل إنسانٍ معه شيطانٌ مُلازمٌ له، يأمره بالشر ويثبطه عن الخير، لكن الله من رحمته بالمؤمنين جعل الاستعاذة بالله كافيةً لطرد هذا الشيطان: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36]، مجرد أنك تقول: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، مباشرةً تطرده ويذهب عنك، وتَسْلم من وسوسته ومن شره.
ولذلك ينبغي أن تكون الاستعاذة حاضرةً، لا تذهَلْ عنها، لا تغفُل عنها، كلما أتت إليك وساوس؛ قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو قل: رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك ربي أن يحضرون، والاستعاذة نوعٌ من مجاهدة هذا الشيطان.
- القسم الثالث: جهاد الفُسَّاق، وهذا يكون كما ورد في الحديث: مَن رأى منكم منكرًا؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان [17]، أما باليد: فهذا لا يكون إلا لولي الأمر أو من يُنيبه، أو يكون مثلًا للإنسان في بيته.
- القسم الرابع: جهاد المنافقين، وقد ذكره الله تعالى في القرآن في عدة مواضع؛ كما في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:73]، جهاد المنافقين لا يكون بالسلاح؛ لأنهم تحت قهر أهل الإسلام، لكن يكون بالعلم والحجة والبيان، وهو من أصعب ما يكون؛ ولهذا قال ابن القيم: جهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل، والقائمون به أفرادٌ في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلِّين عددًا فهم الأعظم عند الله قدرًا؛ وذلك لأن المنافقين ضررهم عظيمٌ على الإسلام والمسلمين: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون:4]، ويَلبسون لباس الإصلاح، لكنهم يُفسدون: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ [البقرة:11-12].
- القسم الخامس: جهاد الكفار، وهو المقصود بهذا الباب.
الجهاد فرض كفاية
وهو فرض كفايةٍ.
الأصل في الجهاد أنه فرض كفايةٍ؛ كما قال الله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]، هذه الآية نصٌّ صريحٌ في أن الأصل في الجهاد أنه فرض كفايةٍ؛ لأن الله أرشد إلى تقسيم المؤمنين طائفتين: فرقة تذهب تقاتل، وفرقة تبقى تتفقَّه في الدين، فإذا رجعت الفرقة التي تقاتل؛ بيَّنت لها الفرقة التي تفقهت في الدين ما تعلمته من أحكام الدين؛ فدل هذا على الأصل في الجهاد أنه فرض كفايةٍ.
متى يكون الجهاد فرض عينٍ؟
وهنا لم يذكر المؤلف.. لمَّا قال: “فرض كفايةٍ”؛ كان ينبغي أن يذكر الحالات التي يكون فيها فرض عينٍ، وهذه ذكرها عامة الفقهاء، وهي أربع حالاتٍ:
- الحالة الأولى: إذا حضر القتال، يعني حضر الصف؛ كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَوَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:15-16]، فتوعَّد الله مَن حضر الصف ثم ولَّى مدبرًا بهذا الوعيد الشديد، وعدَّ النبي التولي عن الزحف من السبع الموبقات [18].
- الحالة الثانية: إذا حاصر العدو بلد المسلمين، فيصبح الجهاد فرض عينٍ في حق أهل ذلك البلد؛ دفاعًا عن أنفسهم وعن بلادهم وعمن معهم من المسلمين.
- الحالة الثالثة: إذا استنفره الإمام؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38]، وقال: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:41].
- الحالة الرابعة: إذا احتاج إليه المسلمون في القتال والمدافعة؛ كأن يكون مثلًا هناك أسلحةٌ لا يحسنها إلا هو، لا يحسن تشغيلها إلا هو، مثلًا أسلحةٌ متطورةٌ أو دباباتٌ، أو نحو ذلك، ولا يحسن تشغيلها أو قيادتها إلا هو؛ فيصبح القتال في حقه فرض عينٍ.
يسن الجهاد مع قيام من يكفي به
ويُسَن مع قيامِ مَن يكفي به.
يعني: إذا قام به من يكفي؛ يبقى في حق الآخرين سُنةً.
الفرق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب
وهو قد يكون جهادَ دفعٍ، وقد يكون جهاد طلبٍ.
أما قول بعض الناس: إن الجهاد هو جهاد دفعٍ فقط، وأنه ليس هناك جهاد طلبٍ، هذا غير صحيحٍ، ومخالفٌ للنصوص؛ فجهاد الدفع عندما يهاجم الكفار بلاد المسلمين، يكون جهاد دفعٍ، أما جهاد الطلب فهذا لا يكون إلا عند قوة المسلمين؛ كما حصل ذلك من المسلمين الأوائل في عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم ، لمَّا نشروا دين الله في الأرض.
وقد ذكر بعض العلماء: أن للمسلمين ثلاثة أحوالٍ:
- حال القوة.
- وحال الضعف الشديد.
- والحال الوسطى بينهما.
حال القوة: يقوم المسلمون بالجهاد دفعًا وبدءًا؛ مثال ذلك: حال النبي وأصحابه في المدينة؛ فإن المسلمين قد أصبح لهم قوةٌ؛ ولهذا قام النبي عليه الصلاة والسلام بالجهاد، لا تكاد تمر سنةٌ إلا وفيها غزوةٌ.
الحال الثانية: حال الضعف الشديد؛ مثالها: حال النبي وأصحابه في مكة، فهذه لا يجوز فيها القتال، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه يرون الأصنام تُعلَّق على الكعبة، وكانوا ممنوعين من القتال؛ وذلك لما يترتب عليه من المفاسد التي هي أكبر من المصالح، وكان يأمر بالصبر، وكان يمر على آل ياسر يقول: اصبروا -آل ياسرٍ- فإن موعدكم الجنة [19]، ويمر على بلالٍ وهو يُعذَّب، ويمر على المسلمين وهم يُعذَّبون ويأمرهم بالصبر، ويعدهم بالجنة، ولم يأمر المسلمين بالجهاد، لكن لما هاجروا إلى المدينة؛ أَذِن لهم بالجهاد، أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج:39].
الحال الثالثة: الحال الوسطى، وهذه يجب فيها جهاد الدفع دون جهاد الطلب، وسمعت شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله يقول: الأقرب -والله أعلم- أننا في هذا الزمن في الحال الوسطى، والحمد لله أننا في الحال الوسطى، ولسنا في حال الضعف الشديد، فيجب علينا -إذا قاتَلَنا- الكفار أن نقاتلهم، لكن في وقتنا الحاضر لا يكون جهاد الطلب، لكن المسلم مطلوبٌ منه أن يدعو لإخوانه المسلمين، الدعاء نوعٌ من النصرة، الدعاء للمسلمين نوعٌ من النصرة لهم؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يوصي آل ياسرٍ بالصبر ويعدهم الجنة، وكان يدعو النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه.
شروط وجوب الجهاد
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن شروط وجوب الجهاد:
- الشرط الأول: الذكورية، فلا يجب الجهاد على النساء؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام لمَّا قالت عائشة رضي الله عنها: استأذنت النبي في الجهاد، فقال: جهادكن الحج [20]، وقال لمَّا سئل: هل على النساء من جهادٍ؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة [21].
فالمرأة ليست من أهل القتال؛ لضعفها، ولأنه مطلوبٌ منها الستر وعدم مخالطة الرجال؛ فلذلك الجهاد غير واجبٍ عليها.
- الشرط الثاني: الحرية، فلا يجب الجهاد على الرقيق؛ وذلك لأنه مشغولٌ بخدمة سيده.
- الشرط الثالث: الإسلام، فالكافر لا يجب عليه الجهاد، فالنبي خرج إلى بدرٍ وتبعه رجلٌ يُذكَر منه شجاعةٌ وجرأةٌ ونجدةٌ، فقال: جئت لأتبعك، وأصيب معك، فقال له النبي : تؤمن بالله ورسوله؟، قال: لا، قال: ارجع، فلن أستعين بمشركٍ [22]، رواه مسلمٌ.
- الشرط الرابع: التكليف، يعني أن يكون بالغًا عاقلًا؛ ولذلك جاء في “الصحيحين” عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “عُرِضْتُ على النبي يوم أحدٍ في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنةً فلم يُجِزْني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنةً فأجازني” [23]؛ ولذلك استدل العلماء بهذه القصة على أن مِن علامات البلوغ: بلوغ تمام خمس عشرة سنةً.
وهذا الحديث استشكله بعض العلماء؛ لأن ما بين أُحُدٍ والخندق سنتين؛ أُحُدٌ في السنة الثالثة، والخندق في السنة الخامسة، هنا ابن عمر رضي الله عنهما يقول: “عُرضت على النبي عليه الصلاة والسلام يوم أحدٍ وأنا ابن أربع عشر سنةً، فلم يُجِزْني، وعُرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنةً فأجازني”، كيف نجيب عن هذا الإشكال؟ أحسن ما قيل: إنه عُرض على النبي عليه الصلاة والسلام وهو في آخر أربع عشرة سنةً، يوم أحدٍ، وعُرض عليه في أول خمس عشرة سنةً في يوم الخندق؛ فيكون الفاصل قريبًا، وكذلك يقول: التكليف، أن يكون بالغًا، وأن يكون أيضًا عاقلًا؛ لأن المجنون لا يتحقق به المقصود من القتال.
- الشرط الخامس: الاستطاعة، وعبَّر عنه المؤلف بقوله:
شرط الاستطاعة
الصحيح.
يعني: الصحيح في بدنه؛ لقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [الفتح:17]، يعني: في ترك الجهاد.
ويدخل في الاستطاعة: قال المؤلف:
واجدٍ من المال ما يكفيه ويكفي أهله في غَيبته.
وأيضًا يدخل في الاستطاعة: أن يكون عنده قدرةٌ ماليةٌ؛ لقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:91].
قال:
ويجد مع مسافةِ قصرٍ ما يحمله.
يعني: مركوبًا يركب عليه، فإذا لم يجد مركوبًا؛ لم يجب عليه القتال؛ ولهذا قال الله تعالى: وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ [التوبة:92].
هؤلاء نفرٌ من الصحابة الصادقين ، أتوا النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة تبوك، وكانوا فقراء، فقال: ما عندي ما أحملكم عليه [24]، فبكوا وتأثَّروا ورجعوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون، فقام أحدهم واسمه عُلْبة بن زيدٍ فصلى من الليل وبكى، وقال: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد، وليس عندي ما أتقوى به مع رسولك، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملنا عليه، اللهم إني أتصدق على كل مسلمٍ بكل مظلمةٍ أصابني فيها؛ من مالٍ أو جسدٍ أو عرضٍ، ثم أصبح مع الناس، فقال النبي : أين المتصدق الليلة؟، ما قام أَحَدٌ، ثم كرر: أين المتصدق الليلة؟، ثم قال: أين المتصدق الليلة؟، فقام فأخبره، فقال النبي : أبشر! فوالذي نفس محمدٍ بيده، لقد كُتِبَتْ في الزكاة المتقبلة [25].
الله أكبر! فانظر إلى هذا الموقف من هذا الصحابي الجليل، الذي كان فقيرًا لم يجد مركوبًا، ولم يكن مع النبي عليه الصلاة والسلام ما يحمله عليه، فقام وتصدق على كل مسلمٍ بكل مظلمةٍ أصابه فيها؛ من مالٍ أو جسدٍ أو عرضٍ، فأخبر النبيُّ عليه الصلاة والسلام بأن الله قد كتبها في الزكاة المتقبلة.
يسن تشييع الغازي لا تَلَقِّيه
قال المصنف رحمه الله:
وسُن تشييع الغازي لا تَلَقِّيه.
“تشييعه” يعني: توديعه، كما يُشيَّع المسافر؛ ولأن عليًّا شيَّع النبي في غزوة تبوك، حتى إذا بلغ ثنية الوداع بكى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يغزو؛ لا بد أن يستخلف على المدينة من يقوم عليها، فهذا من حكمته عليه الصلاة والسلام، فأقام عليًّا على المدينة، فلما وصل عليٌّ ؛ شيَّع النبي عليه الصلاة والسلام، ولما بلغ ثنية الوداع؛ بكى وقال: يا رسول الله، تُخلِّفُني في النساء والصِّبيان؟! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أما ترضى -يا علي- أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي؟ [26]، فطيَّب خاطر عليٍّ بهذا الثناء العظيم، وكان عليه الصلاة والسلام يطلق الألقاب على أصحابه، ويجبر خواطر أصحابه، ويراعي مشاعرهم، فانظر إلى مراعاته لمشاعر عليٍّ ! وقال له هذه المقولة العظيمة: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي؟.
وقول المصنف: “لا تَلَقِّيه”، يعني: لا استقباله، لا يستقبل الغازي؛ لأن عليًّا شيَّع النبي ولم يَتَلَقَّه، وقال بعض العلماء: إنه يُشرع تَلَقِّي الغازي -يعني استقباله- لأن النبي لما قَدِم من غزوة تبوك تلقَّاه الناس، وأنشدوا النشيد المعروف:
طلع البدر علينا | من ثَنِيَّات الوداع |
وهذا كما حقق ابن القيم وجماعةٌ: أنه كان حين قدوم النبي من غزوة تبوك، وليس حين قدومه من مكة مهاجرًا؛ لأن ثنيات الوداع في طريق تبوك، وليست في طريق مكة.
وعلى هذا: فالأقرب -والله أعلم- أنه يُسن تشييع الغازي وتَلَقِّيه؛ يعني: توديعه واستقباله.
الجهاد أفضل متطوَّعٍ به
ثم انتقل المؤلف للكلام عن أفضل متطوَّعٍ به، قال:
وأفضل متطوَّعٍ به: الجهاد.
هذا هو المذهب عند الحنابلة: أن أفضل متطوَّعٍ به: الجهاد في سبيل الله؛ وذلك للنصوص الواردة في فضله؛ لهذا قال الإمام أحمد: لا أعلم شيئًا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد.
وقد ورد في فضله نصوصٌ كثيرةٌ من الكتاب والسنة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ [التوبة:111].
وأيضًا في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ما أحدٌ يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيءٍ، إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مراتٍ؛ لِمَا يرى من الكرامة [27]، يعني: ما من أحدٍ يدخل الجنة يتمنى أن يرجع إلى الأرض إلا إنسانٌ، شخصٌ واحدٌ، من هو؟ الشهيد الذي قُتل في سبيل الله، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مراتٍ؛ لما يرى من إكرام الله تعالى للشهيد.
وأيضًا أحاديث أخرى ذُكرت هنا في “السلسبيل” تدل على فضل الجهاد؛ ولهذا عند الحنابلة: أن أفضل متطوَّعٍ به: هو الجهاد في سبيل الله تعالى.
وقد جاء في الحديث الصحيح: من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه [28]، رواه مسلمٌ.
وهنا تنبيهٌ: كيف نجمع بين كون الجهاد أفضل متطوَّعٍ به، وبين ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في فضل عشر ذي الحجة، قال: ما من أيامٍ العمل فيهن أفضل مِن هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيءٍ [29]؟
فنقول: في الجواب: إن قولنا: “أفضل متطوعٍ به: الجهاد”، يعني: في الجملة والعموم، أما العمل الصالح في عشر ذي الحجة؛ فهذا له فضلٌ، لكن ليس على سبيل العموم والإطلاق.
غزو البحر أفضل من البر
وغزو البحر أفضل.
يعني: من غزو البر؛ لحديث: المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيدٍ، والغَرِق له أجر شهيدين [30]، أخرجه أبو داود، وله طرقٌ متعددةٌ يشد بعضها بعضًا.
والمائد: الذي يدور رأسه؛ بسبب اضطراب السفينة بالأمواج ونحو ذلك.
وجاء في حديث أبي أُمامة : شهيد البحر مثل شهيدي البر [31]، رواه ابن ماجه، وفي سنده ضعفٌ؛ ولأن البحر أعظم خطرًا ومشقةً؛ ولهذا يذكر الإخوة الذين في القوات البحرية، الذين يكونون في البحر: أنهم يصيبهم هذا الدوار وهذا القيء، وأنهم يعانون من ذلك، فلا شك أن من يكون في البحر يعاني أكثر مما يعاني من كان في البر؛ ولهذا غزو البحر أفضل من البر، وكما جاء في الحديث أن: المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيدٍ، والغَرِق له أجر شهيدين.
فضل الشهادة في سبيل الله
قال:
وتُكفِّر الشهادة جميع الذنوب سوى الدَّين.
لقول النبي : يُغفر للشهيد كل شيءٍ إلا الدَّين [32]، ولهذا لمَّا جاء رجلٌ للنبي عليه الصلاة والسلام، قال: أرأيت -يا رسول الله- إن قُتلت في سبيل الله، أأدخل الجنة؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: نعم، ثم ناداه فقال: ماذا قلت؟، فأعاد عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: يغفر للشهيد كل ذنبٍ إلا الدَّين؛ فإن جبريل قال لي ذلك [33]؛ وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يجتهد، وأحيانًا قد ينزل جبريل فيستدرك، وهذا يدل على أن اجتهاد النبي عليه الصلاة والسلام كله وحيٌ؛ لأنه إما أن يُقَرَّ على ذلك، وإما أن يأتي جبريل فيخبره، كما أخبره في هذا، قال: إلا الدَّين؛ وهذا يدل على أن الدَّين لا يُكفَّر عن الشهيد، وإذا كان الدين لا يكفر عن الشهيد الذي باع نفسه لله تعالى، فمِن باب أولى أنه لا يكفَّر عن غيره؛ وذلك لأن حقوق العباد مبناها على المُشاحَّة، وأمرها عظيمٌ جدًّا؛ ولهذا عظَّم النبي أمرها في أعظم مَجمَعٍ في عهده عليه الصلاة والسلام، في خطبة عرفاتٍ، قال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا [34].
طيب، هل عدم تكفير الشهيد مختصٌّ بالدَّين، أو يشمل جميع حقوق العباد؟
الظاهر: أنه يشمل جميع حقوق العباد، وليس الدَّين؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: مظالم العباد لا تُكفَّر عن الشهيد.
إذنْ حقوق العباد لا يُكفِّرها شيءٌ، حتى لو قُتل الإنسان في سبيل الله؛ تبقى حقوق العباد لأصحابها؛ لأن حقوق العباد مبناها على المُشاحَّة، وهذا يدل على خطورتها وعظيم شأنها؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، فحرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم كحرمة اليوم الحرام، في الشهر الحرام، في البلد الحرام، لا يكفرها شيءٌ، حتى لو قُتل الإنسان في سبيل الله؛ لا يكفَّر عنه ما يتعلق بحقوق العباد، تبقى لأصحابها يوم القيامة حتى يكون القصاص بين الناس يوم القيامة بالحسنات والسيئات؛ وذلك بأن يؤخذ من حسنات الظالم وتعطى المظلوم، فإن فنيت حسناته؛ أُخذ من سيئات المظلوم، فطُرحت على الظالم، ثم طرح في النار، وهذا هو المفلس حقيقةً؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: إن المفلس مِن أمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يَقضي ما عليه؛ أُخذ من خطاياهم، وطُرحت عليه، ثم طُرح في النار [35].
وأعظم الحسرات: أن يجد الإنسان الثواب والأجر على أعمالٍ صالحةٍ عملها في الدنيا؛ من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وصدقاتٍ وحجٍّ، تذهب هذه الأجور لغيره؛ بسبب ظلمه وبغيه وتعديه على الآخرين، الذي يتعدى على الآخرين يؤخذ من حسناته، وتُعطى لهؤلاء الذين تعدَّى عليهم، فأعظم ما يكون من حسراتٍ: أن يَرى الإنسان هذه الأجور وهذه الحسنات تتطاير أمامه وتذهب للناس، تذهب لهذا قد ظلمه، وهذا قد شتمه، وهذا قد قذفه، وهذا قد فعل به كذا، فتذهب حسناته للناس وهو ينظر، هذا والله هو المفلس حقيقة!
لا يتطوع بالجهاد مدينٌ لا وفاء له
ولا يتطوَّع به مدينٌ لا وفاء له إلا بإذن غريمه.
وذلك لأن سداد الدين واجبٌ، والجهاد تطوعٌ، فالمَدين الذي ليس عنده ما يسدد به الدين، ليس له أن يتطوع بالجهاد إلا بإذن الدائن.
وهكذا الحج أيضًا، الحج إذا كان على الإنسان دَينٌ حالٌّ؛ فليس له أن يحج إلا إذا سدد الدَّين، أو أذن له الدائن.
استئذان الوالدين في الجهاد
ولا مَن أحد أبويه حرٌّ مسلمٌ إلا بإذنه.
يعني: لا يتطوع بالجهاد مَن أحد أبويه حرٌّ مسلمٌ إلا بعد أن يأذن له؛ فدل ذلك على أن الوالد إذا لم يأذن له بالجهاد؛ فلا يجوز له أن يذهب للجهاد.
وقد جاء في “الصحيحين” عن ابن مسعودٍ قال: سألت النبي : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله [36].
فقدَّم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله، فلا بد من إذن الوالدين في الجهاد، وإلا لم يجز.
وجاء في “الصحيحين” عن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبي فأستأذنه في الجهاد، فقال: أَحَيٌّ والداك؟، قال: نعم، قال: ففيهما فجاهِد [37].
وقد ذكر الحافظ ابن عبدالبر إجماع العلماء على أن الرجل لا يجوز له الغزو ووالداه أو أحدهما كارهٌ.
طيب، هل يلزم استئذان الوالدين لكل تطوعٍ، أو أن هذا خاصٌّ بالجهاد؟ هذا خاصٌّ بالجهاد، أما بقية التطوعات؛ من الصلاة والصيام ونحو ذلك؛ فلا يلزم استئذان الوالدين.
طيب لماذا الجهاد خاصةً يلزم استئذان الوالدين؟ لأن الجهاد فيه خطرٌ على النفس، وتتعلق أنفس الوالدين بولدهما الذاهب للجهاد، ويحصل لهما قلقٌ عظيمٌ بخلاف غيره، أحيانًا تألُّم الوالد مِن أبٍ أو أمٍّ أعظم من تألم الولد من ابنٍ أو بنتٍ.
وفي قصة يوسف عِبرةٌ؛ فيوسف عليه الصلاة والسلام تنقَّل مِن حالٍ إلى حالٍ إلى أن أصبح يعيش عيشة الملوك، أما أبوه يعقوب : وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم [يوسف:84]، يعني: بلغ به الحزن إلى أن عَمِي؛ ولذلك لمَّا طلب إخوة يوسف من يوسف أن يستغفر لهم؛ قال: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ [يوسف:92]، قالها في الحال، بينما يعقوب قال: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [يوسف:98]؛ لأن الجُرح ما زال عميقًا يحتاج إلى وقتٍ، ثم يستغفر لهم فيما بعد.
الضابط في طاعة الوالدين
طيب، ما الضابط في طاعة الوالدين؟
أجوَدُ ما قيل في ذلك: هو الضابط الذي ذكره ابن تيمية رحمه الله تعالى: وهو أنه تجب طاعة الوالدين فيما فيه نفعٌ لهما ولا ضرر فيه على الولد مِن ابنٍ أو بنت، هذا هو الضابط.
أما إذا لم يكن في هذا الشيء الذي يطلبانه، لم يكن فيه نفعٌ لهما؛ فلا تجب طاعتهما فيه؛ مثلًا يعني: الأب أو الأم تَعنَّت وقال لولده: لا تَصُم صيام نافلةٍ، مِن غير سببٍ، أو “لا تُصَلِّ في المسجد”، أو نحو ذلك؛ فلا تجب طاعته، أو قالت الأم لابنها: طلِّق امرأتك، من غير سببٍ شرعيٍّ، وإنما من باب التعنُّت؛ فلا يلزم طاعتها في ذلك؛ لأن طاعة الوالدين إنما هي في المعروف، ليست طاعةً مطلقةً.
وهكذا أيضًا: لو كان على الولدِ ضررٌ فيما أَمَرَاه به؛ فلا تلزم طاعتهما في ذلك، فهذا ضابطٌ مهمٌّ في طاعة الوالدين: أنه تجب طاعة الوالدين فيما فيه منفعةٌ لهما ولا ضرر فيه على الولد.
طيب، إذْنُ الإمام في التطوع لا بد منه، وقد نص الفقهاء على ذلك قالوا: إن أمر الجهاد موكولٌ إلى الإمام واجتهاده، ويَلزم الرعيةَ طاعته في ذلك؛ ولهذا فأهل السنة والجماعة يرون الجهاد مع كل برٍّ وفاجرٍ، ولا يُشترط فيه الصلاح والاستقامة.
فضل الرباط
ويُسن الرباط.
ثم وضَّح المؤلف المقصود به:
وهو لزوم الثَّغْر للجهاد.
الثغر: هو المكان الذي يُخشى منه دخول العدو، وهو ما يسمى في الوقت الحاضر بـ”الحدود”، فلزوم الحدود هذا هو الرباط، أن يرابط في الحد، هذا هو الرباط، وذكره الله تعالى بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا [آل عمران:200].
وقد جاء في فضل الرباط أحاديث عن النبي ؛ منها: قوله عليه الصلاة والسلام: رباط يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها [38]، رواه البخاري، وفي حديث سلمان : رباط يومٍ وليلةٍ خيرٌ مِن صيام شهرٍ وقيامه، وإن مات؛ جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجري عليه رزقه، وأَمِن الفَتَّان [39]، رواه مسلمٌ؛ فهذا يدل على فضل الرباط، يعني: الإقامة على الحدود لحراسة بلاد المسلمين، هذا فيه فضلٌ عظيمٌ.
قال:
وأقله: ساعةٌ.
كما قال الإمام أحمد، قال: ساعةٌ رباطٌ.
وتمامه: أربعون يومًا.
ورُوي في ذلك حديث: تمام الرباط: أربعون يومًا [40]، لكنه ضعيفٌ؛ ولهذا فالأقرب: أن الرباط لا يتقيد بمدةٍ معينةٍ، وإنما يكون بحسب الحاجة.
وهو أفضل من المُقَام بمكة.
وهذا بالإجماع؛ لأن المُقَام بالرباط أنفع للمسلمين.
وأفضله: ما كان أشد خوفًا.
لشدة الحاجة إليه.
متى يحرم الفرار من الزحف؟
ولا يجوز للمسلمين الفرار من مثليهم، ولو واحدًا من اثنين، فإن زادوا على مثليهم؛ جاز.
كان في أول الأمر لا يجوز للمسلمين الفرار من عشرة أمثالهم؛ كما قال الله تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا [الأنفال:65]، عشرون نسبتها إلى مئتين كم؟ عشرةٌ، فالنسبة واحدٌ من عشرةٍ، فكان في أول الأمر لا يجوز للمسلم أن يفر؛ إن كان الكفار أكثر منه إلى عشر مراتٍ، فإن كانوا أكثر منه عشر مراتٍ؛ جاز الفرار، فشق ذلك على المسلمين، فنُسخت هذه الآية بقول الله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ [الأنفال:66]؛ فدل هذا على أنه إذا كان الكفار مِثْلَي المسلمين؛ فلا يجوز لهم الفرار، أما إن زادوا على مثليهم؛ جاز لهم الفرار بنص الآية؛ فمثلًا: إذا كان عدد المسلمين ألفًا، وعدد الكفار ألفين؛ لم يجز الفرار، لكن لو كان عدد المسلمين ألفًا، وعدد الكفار ثلاثة آلافٍ؛ جاز الفرار.
فهذا هو الضابط في المسألة، وهو الذي استقر عليه الأمر بعد النسخ.
متى تجب الهجرة، ومتى تستحب؟
والهجرة واجبةٌ على كل مَن عجز عن إظهار دينه بمَحَلٍّ يغلب فيه حكم الكفر والبدع المُضِلة.
“الهجرة” معناها: الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وتجب بشرطين:
- الأول: أن يكون عاجزًا عن إظهار شعائر دينه، وهو ما عبَّر عنه المؤلف بقوله: “على كل مَن عجز عن إظهار دينه”؛ لأن القيام بالدين أمرٌ واجبٌ، والهجرة من ضرورة هذا، وما لا يتم الواجب إلا به؛ فهو واجبٌ.
- الشرط الثاني: أن يكون قادرًا على الهجرة، فأحيانًا قد يكون عاجزًا عن إظهار شعائر دينه، لكن لا يجد بلدًا يستقبله أو يؤويه، فيكون عاجزًا عن الهجرة، فإذا كان عاجزًا؛ لم تجب عليه؛ كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:97]؛ وهذا يدل على وجوب الهجرة، قال الله : إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء:98-99].
فإن قَدَر على إظهار دِينه؛ فمسنونةٌ.
يعني: إن كان في بلدٍ يتمكَّن فيه من إظهار شعائر الإسلام فتُسن الهجرة، هذا الآن حال عامة البلدان في وقتنا الحاضر، المسلمون يستطيعون إظهار شعائر دينهم.
يعني لا يوجد الآن بلدٌ من بلدان العالم لا يستطيع المسلم أن يُظهر فيه شعائر دينه والحمد لله، لكن قد يكون في أيام الشيوعية، كان هذا موجودًا، كان المسلمون في تلك البلدان لا يستطيعون إظهار شعائر دينهم.
في الوقت الحاضر أصبح جميع المسلمين في جميع بلدان العالم يستطيعون إظهار شعائر دينهم، فتبقى الهجرة مسنونةً، لماذا؟ ليتمكن المسلم من تكثير المسلمين والقيام بواجب الأخوة، وأيضًا يتخلص مما يراه من مظاهر الكفر ونحو ذلك، وأيضًا حتى يقوم بتربية أولاده على الإسلام وعلى الخير والصلاح والاستقامة.
وأما الضابط في كونه عاجزًا عن إظهار شعائر دينه: فأن يُمنَع من فِعل الواجبات؛ كأن يُمنع مثلًا من الصلاة مع الجماعة في المسجد، أو يمنع من الأذان، أو يمنع من شعيرةٍ.
وضابط بلد الكفر والإسلام: أَجْوَدُ ما قيل في ذلك: أن البلدان التي أكثرُ سكانها مسلمون، أو تحكم بالإسلام، فهي بلد إسلامٍ، أما إذا كان أكثر أهلها كفارًا؛ فهي ليست بلد إسلامٍ؛ فتكون دار كفر.
والهجرة باقيةٌ إلى قيام الساعة، حكى الحافظ ابن كثيرٍ الإجماع على ذلك، إلا الهجرة إلى مكة؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن مكة ستبقى دار إسلام إلى قيام الساعة، بقوله عليه الصلاة والسلام: لا هجرة بعد الفتح [41]؛ معنى ذلك: أن مكة ستبقى دار إسلام إلى قيام الساعة.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة:
الأسئلة
السؤال: هل تُشرع الاستعاذة بالله من الشيطان عند التثاؤب؟
الجواب: لا أعلم أنه ورد في ذلك شيءٌ، وإن كان التثاؤب من الشيطان؛ كما أخبر بذلك النبي [42]، لكن لم يرد الأمر بالاستعاذة عند التثاؤب؛ ولذلك فالأقرب: أنها لا تُشرع الاستعاذة، وإنما المشروع ما أرشد إليه النبي من الكظم: أن الإنسان إذا تثاءب يكظم ويضع يده على فيه، ولا يصدر أصواتًا؛ كما جاء في الحديث: لا يقول: هاه -لا يصدر أصواتًا- فإنه إذا قال ذلك؛ ضحك منه الشيطان [43]، إنما يكظم ما استطاع ويضع يده على فيه.
السؤال: كيف تُربِّي الأم أبناءها على المحافظة على الصلاة؟
الجواب: تجتهد في ذلك، في تعظيم شأن الصلاة عند هؤلاء الأولاد من صغرهم، ويؤمر الولد من ابنٍ أو بنتٍ بالصلاة لسبعٍ، منذ أن يبلغ سبع سنين يؤمر بالصلاة، وتُحبَّب إليه هذه العبادة، مع دعاء الوالدين لأولادهما بالصلاح والهداية؛ لأن الهداية تنقسم إلى قسمين:
- هداية إلهامٍ وتوفيقٍ.
- وهداية دلالةٍ وإرشادٍ.
هداية الدلالة والإرشاد: هذه يملكها الوالدان مع أولادهما، يعني: يدلان أولادهما على الخير، ويحذرانهم من الشر، ويملكها المعلم مع طلابه، ويملكها الأنبياء وأتباع الأنبياء، والدعاة إلى الله تعالى والمرشدون، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
أما هداية الإلهام والتوفيق: فهذه لا يملكها إلا الله وحده، حتى الأنبياء لا يملكونها؛ ولهذا كان النبي يحب هداية عمِّه أبي طالبٍ، واجتهد في دعوته للإسلام، وسلك معه جميع الطرق والأساليب، حتى على فراش الموت، أتاه النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا عم، قل كلمةً أُحاجُّ لك بها عند الله، يا عم، قل: لا إلا الله [44]، لكن الله لم يُرِد هدايته؛ فمات على الكفر، وإبراهيم لم يستطع أن يهدي أباه، ونوحٌ لم يستطع أن يهدي ابنه، فهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يستطيعوا أن يهدوا أقاربهم هداية الإلهام والتوفيق؛ لأنها لا يملكها إلا الله وحده؛ ولذلك مطلوبٌ من الوالدين بذل أسباب هداية الدلالة والإرشاد، وأن يسألا اللهَ تعالى لأولادهما هداية الإلهام والتوفيق.
السؤال: ما ضوابط التجميل للمرأة التي يجب أن تراعيها؟
الجواب: الضوابط أنها تجتنب من التجميل ما كان محرمًا، الضوابط ترجع إلى هذا: أن تجتنب الأمور المحرمة في التجميل؛ ومن ذلك:
- تغيير خلق الله تعالى.
- ومن ذلك: النمص، لعن النبي عليه الصلاة والسلام النامصة والمتنمصة [45].
- والوشم أيضًا من كبائر الذنوب.
- وتفليج الأسنان -يعني تفريقها- طلبًا للتجمل، هذا أيضًا لا يجوز.
فتجتنب ما كان من التجميل مُحرمًا، مما فيه تغييرٌ لخلق الله تعالى، أو فيه وصلٌ أيضًا: لعن الله الواصلة والموصولة [46].
فالوصل والنمص والتغيير لخلق الله تعالى، هذه كلها محرمةٌ.
وإذا أشكل على المرأة في أمرٍ من أمور التجميل شيءٌ؛ تسأل عنه أهل العلم، وما أباحه الله تعالى أوسع بكثيرٍ مما حرمه، فالأصل الإباحة: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [الأعراف:32]، لكن هناك أمورٌ محرمةٌ تجتنبها المرأة.
السؤال: كيف تدعو المرأة إلى الله تعالى؟
الجواب: تدعو إلى الله بما تستطيع، المرأة كالرجل، والنساء شقائق الرجال [47]؛ ولهذا قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، فمع أن اللهَ لو قال: “المؤمنون”؛ لدخل فيهم المؤمنات، لكن هذا من باب التأكيد على مسؤولية المؤمنات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى، فالنساء شقائق الرجال، فعليهن مسؤوليةٌ؛ كما أن على الرجال مسؤوليةً في ذلك.
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تحمل رضيعها وهي تصلي؟
الجواب: إذا احتاجت لذلك فلا بأس، النبي في صلاة العصر حمل حفيدته أُمامة بنت بنته زينب رضي الله عنهما، حملها في الصلاة، فكان إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها [48]؛ فهذا يدل أنه لا بأس بذلك، خاصةً عند الحاجة، فإذا كان مثلًا هذا الطفل يبكي إلا إذا حُمل؛ فلا بأس بحمله في الصلاة.
السؤال: هل ورد في السنة قراءة سورتي الإخلاص والكافرون في السُّنة الراتبة بعد المغرب؟
الجواب: لم يثبت ذلك عن النبي ، إنما الثابت قراءتها في السنة الراتبة لصلاة الفجر [49]، وفي ركعتي الطواف [50].
السؤال: هل الأفضل للمرأة أن تصلي جهرًا إذا صلت لوحدها في البيت؟
الجواب: في الصلوات الجهرية: الأفضل أن تجهر؛ كصلاة المغرب والعشاء والفجر، أما الصلوات السرية: فإنها تسر.
وأما بالنسبة لصلاة الليل: فالرجل والمرأة يفعلان ما هو الأصلح لقلبيهما، فإذا كان الأصلح الجهر جهر، وإذا كان الأصلح الإسرار أسرَّ.
السؤال: هل مرور المرأة أمام المصلي يقطع الصلاة؟ وكيف نجمع بينه وبين حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت معترضةً أمام النبي عليه الصلاة والسلام وهو يصلي؟
الجواب: نعم مرور المرأة يقطع الصلاة؛ لقول النبيِّ : يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل مُؤخَّرة الرَّحْل: المرأة والحمار والكلب الأسود [51]، رواه مسلمٌ، فهذا نصٌّ صحيحٌ صريحٌ في أن مرور المرأة يقطع الصلاة.
وأما كون عائشة رضي الله عنها تكون معترضةً بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام؛ فهذا ليس مرورًا، هذا اعتراضٌ، الاعتراض لا يسمى مرورًا؛ ولذلك عائشة رضي الله عنها لمَّا بلغها هذا الحديث؛ قالت: “بئسما شبهتمونا بالحمير والكلاب، لقد كنت أكون معترضةً بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام..” [52]، لكن خالفها الصحابة الآخرون، قالوا: هذا اجتهادٌ منها رضي الله عنها، وهذا ليس فيه انتقاصٌ للمرأة، وليس فيه حتى تشبيه المرأة بالحمير والكلاب، إنما هذا إخبارٌ من النبي عليه الصلاة والسلام بأن مرور المرأة يقطع الصلاة، فأين انتقاص المرأة؟! ليس في هذا أي انتقاصٍ للمرأة.
وأما اجتهاد عائشة رضي الله عنها؛ فهذا اجتهادٌ خاصٌّ بها رضي الله عنها، خالفها بقية الصحابة.
وقول الصحابي لا يكون حجةً إذا خالفه صحابيٌّ آخر، والعبرة بالنص، والنص الصحيح الصريح هو قول النبي عليه الصلاة والسلام: يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل مُؤْخِرة الرَّحْل: المرأة والحمار والكلب الأسود.
هذا الحديث فيه النصُّ الصريح في أن مرور المرأة يقطع الصلاة، وهذا اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن بازٍ، والشيخ محمد ابن عثيمين، رحمهما الله تعالى، في أن الحديث على ظاهره، وأن مرور المرأة يقطع الصلاة.
السؤال: ما حكم استعمال زيت الحشيش للشعر؟
الجواب: لا بأس بذلك؛ لأن هذا الزيت ليس من الحشيش الذي هو من المخدرات، وإنما فقط يُسمَّى زيت الحشيش، ولو كان كذلك؛ لم يُبَع في الصيدليات، وبهذا السعر الزهيد، فهو ليس من الحشيش الذي هو من المخدرات، لكنه يسمى “زيت الحشيش”، ويبقى على الأصل وهو الإباحة.
السؤال: ما حكم شك الموسوس؛ لأنه أحيانًا توجد نجاسةٌ ويُزيلها شخصٌ غير موسوسٍ، ويشك فيما إذا أزالها غيره؟
الجواب: شك الموسوس لا يُلتفت إليه، بل حتى يقين الموسوس يعتبر شكًّا، فالموسوس يعامل معاملةً خاصةً، ويفتى له فتاوى خاصةً؛ لأن الموسوس عنده تهيؤاتٌ، وعنده تخيلاتٌ، وعنده أشياء غير صحيحةٍ، فلا يعامل معاملة غيره؛ ولذلك عند الفتوى؛ يفتى فتاوى خاصةً به.
وإذا كان الوسواس في أول الأمر يمكن أن يتغلب مَن ابتُلي به بالتبصر والتفقه في المسألة التي وسوس فيها، وبالتوجيه والإرشاد ونحو ذلك، لكن إذا وصل إلى درجة الوسواس القهري؛ فهنا لا بد من أن يذهب للطبيب المختص، هنا لا تنفع التوجيهات ولا الإرشادات؛ لأن الوسواس أحيانًا إذا استفحل؛ سببُه مشكلةٌ في الدماغ؛ ولذلك فالموسوس لو قال: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”؛ ما ذهب عنه الوسواس؛ لأنه ليست مشكلته الآن وساوس من الشيطان، لا، هي مشكلةٌ في الدماغ عنده هي التي تسبب له هذا الوسواس؛ ولهذا إذا ذهب للطبيب؛ يعطيه عقاقير، ويجلس معه جلساتٍ، وإذا واصل معه -بإذن الله تعالى- يكون هذا من أسباب الشفاء.
وأذكر أن رجلًا ابتُلي بالوسواس فقدَّمت له هذه النصيحة في أحد برامج الإفتاء، ثم اتصل بعد عامٍ وقال: أحببت أن أشكرك؛ لأنني استفدت من نصيحتك، والآن أنا قد شُفيت من الوسواس تمامًا.
يعني مَن ابتُلي بالوسواس؛ يعاني معاناةً كبيرةً؛ ولذلك ينبغي له أن يتعاطى أسباب الشفاء، ومِن ذلك أن يذهب للطبيب المختص.
السؤال: ما حكم جلسة الاستراحة؟
الجواب: جلسة الاستراحة محلُّ خلافٍ بين الفقهاء:
- منهم من قال: تستحب مطلقًا.
- ومنهم من قال: لا تستحب مطلقًا.
- ومنهم من فصَّل؛ قال: إنها تستحب في حق من احتاج إليها، ولا تستحب في حق من لم يحتج إليها، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو القول الراجح؛ وذلك لأن النبي لم يكن يجلس جلسة الاستراحة في أول أمره، إنما جلس في آخر حياته جلسة الاستراحة؛ لأنها لم تَرِد إلا في فيمن أدرك النبي في آخر حياته؛ كمالك بن الحويرث [53].
فالأقرب والله أعلم، وكما اختاره الموفق بن قدامة وجمعٌ من المحققين: أن جلسة الاستراحة إنما تُشرع في حق من احتاج إليها، كإنسانٍ كبيرٍ في السن مثلًا أو مريضٍ، فتُشرع في حقه الاستراحة، أما من لم يحتج إليها؛ فليست بسنةٍ في حقه.
السؤال: هل يُشرع الدعاء عند بداية كل شوطٍ في الطواف والسعي أو في نهايته؟
الجواب: الذي ورد في الحديث: أن النبي كلما حاذى الحجر كبَّر [54]؛ فدل ذلك على أن العبرة بمحاذاة الحجر، بغض النظر عن كونه في أول الشوط أو في آخره؛ ولذلك هو في أول الطواف سوف يُكبِّر، ثم يُكبِّر في نهاية الشوط الأول، ثم الثاني، ثم في نهاية الشوط السابع أيضًا يُشرع له أن يكبر؛ لأنه قد حاذى الحجر الأسود، معنى ذلك: أنه سيكبر كم تكبيرةً؟ ثماني تكبيراتٍ وليست سبع تكبيراتٍ، وكذلك أيضًا الدعاء عند الصفا وعند المروة، الذي ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: أنه كلما أتى الصفا وأتى المروة دعا [55].
فعلى ذلك: الدعاء ليس في أول الشوط أو في نهايته، وإنما كلما أتى الصفا وكلما أتى المروة؛ وعلى ذلك أيضًا: سيدعو ثماني مراتٍ: في بداية الصفا، ثم في نهاية المروة في نهاية الشوط السابع سيكون الدعاء ثماني مراتٍ، هذا هو ظاهر الأدلة الواردة في هذه المسألة.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 2837، والترمذي: 1522، وقال: حسن صحيح. |
---|---|
^2, ^5, ^14 | سبق تخريجه. |
^3 | رواه أبو داود: 2842، وأحمد: 6713. |
^4 | رواه وأبو داود: 2842، وأحمد: 23001. |
^6 | رواه النسائي: 4219. |
^7 | رواه الطبراني: 229. |
^8 | رواه وأبو داود: 2837، والترمذي: 1522، أحمد: 20139، وقال الترمذي: حسن صحيح. |
^9 | رواه أبو داود: 5105، والترمذي: 1514. |
^10 | رواه مسلم: 2315. |
^11 | رواه مسلم: 2144. |
^12 | رواه مسلم: 2132. |
^13 | رواه البخاري: 6192، ومسلم: 2141. |
^15 | رواه البخاري: 123، 1904. |
^16 | رواه مسلم: 2814. |
^17 | رواه مسلم: 49. |
^18 | رواه البخاري: 2766، ومسلم: 89. |
^19 | رواه الطبراني: 769، والحاكم: 5646. |
^20 | رواه البخاري: 2875. |
^21 | رواه ابن ماجه: 2901، وأحمد: 25322. |
^22 | رواه مسلم: 1817. |
^23 | رواه البخاري: 2664، ومسلم: 1868. |
^24 | رواه البخاري: 6623، ومسلم: 1649. |
^25 | رواه ابن أبي الدنيا في الإشراف: 1، وأبو نعيم في معرفة الصحابة: 5590، والبيهقي في شعب الإيمان: 8084. |
^26 | رواه مسلم: 2404. |
^27 | رواه البخاري: 2817، ومسلم: 1877. |
^28 | رواه مسلم: 1877. |
^29 | رواه أحمد: 1968، وابن ماجه: 1727. |
^30 | رواه أبو داود: 2493. |
^31 | رواه ابن ماجه: 2778. |
^32 | رواه مسلم: 1886. |
^33 | رواه مسلم: 1885. |
^34 | رواه البخاري: 67، ومسلم: 1679. |
^35 | مسلم: 2581. |
^36 | رواه البخاري: 527، ومسلم: 782. |
^37 | رواه البخاري: 3004، ومسلم: 2549. |
^38 | رواه البخاري: 2892. |
^39 | رواه مسلم: 1913. |
^40 | رواه ابن أبي شيبة: 20608، والطبراني في مسند الشاميين: 3440. |
^41 | رواه البخاري: 2783، ومسلم: 1864. |
^42 | رواه البخاري: 3289، ومسلم: 2994. |
^43 | رواه البخاري: 6223. |
^44 | رواه البخاري: 3884. |
^45 | رواه أبو داود: 4170، والنسائي: 5101. |
^46 | رواه البخاري: 5933، ومسلم: 2122. |
^47 | رواه أبو داود: 236، والترمذي: 113. |
^48 | رواه البخاري: 516، ومسلم: 22651. |
^49 | رواه مسلم: 726. |
^50 | رواه مسلم: 1218. |
^51 | رواه مسلم: 510. |
^52 | رواه البخاري: 511، ومسلم: 512 |
^53 | رواه البخاري: 818. |
^54 | رواه البخاري: 1613. |
^55 | رواه مالك: 127، وأحمد: 15171. |