logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(32) ‌‌باب زكاة الخارج من الأرض- من قوله: “ويجب فيما يسقى بلا..”

(32) ‌‌باب زكاة الخارج من الأرض- من قوله: “ويجب فيما يسقى بلا..”

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين، حياكم الله تعالى في هذا الدرس الثاني من هذا العام في هذا اليوم الاثنين التاسع والعشرين من شهر محرم من عام 1443 للهجرة.

ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى قول المصنف رحمه الله:

ويجب فيما يُسقَى بلا كُلفة العُشْر، وفيما يسقى بكلفة نصف العشر.

المقدار الواجب إخراجه في زكاة الزروع والثمار

قوله: (ويجب فيما يُسقَى بلا كُلْفةٍ العُشْرُ) يعني: ما سُقي بلا مؤونة وبلا كُلْفةٍ؛ كالذي يُسقَى بمياه الأمطار والأنهار والعيون، أو الذي يَشْرَبُ بعُرُوقِه، وهو ما يُسمَّى بالعَثَرِ، وجاءت تسميتُه بالعَثَرِ في بعض الأحاديث كما في الصحيحين، كما في قول النبي عليه الصلاة والسلام: فيما سَقَتِ السماء والعُيُون أو كان عَثَريًّا[1]؛ يعني: يشرب بعروقه.

فبعض الأشجار تَشْرب بعروقها، فهذه تُسقَى بلا مؤونة، فهذا يجب فيه العشر، يعني: عشرة في المائة من ثمرتها.

(وفيما يُسقى بكُلْفة نصف العشر)، يسقى بكلفة: إما بكلفة بدنية، أو بكلفة مالية.

  • الكلفة البدنية: كالذي كان في الزمن السابق، يُسقى بالنَّواضِح والسَّوَانِي ونحو ذلك.
  • والكلفة المالية: كالذي في وقتنا الحاضر، بالمكائن الرافعة للماء، ومثل الدينامو مثلًا أو الغَطَّاس أو نحو ذلك.

فهذا: الواجبُ فيه نصف العشر؛ أي خمسة بالمائة، الواجب فيه خمسة بالمائة؛ يعني: من ثمرتِه بعد تصفيته وتيبيسه.

والحِكمة من التفريق في مقدار الزكاة فيما سُقي بمؤونة وفيما سقي بغير مؤونة: أن ما يُسقى بلا مؤونة لم يتعب فيه الإنسان، فكان الواجب فيه أكثر مما سُقي بمؤونة والإنسان قد تعب فيه وتكلف. فراعى الشارعُ التخفيفَ عليه، فكانت الزكاةُ عليه نصفَ العشر.

ونظير هذا أن الشارع أوجب الزكاة في السائمة التي ترعى العشب والكلأ أكثرَ السَّنَةِ، ولم يوجبها في المعلوفة غيرِ السائمة، وهذا من باب مراعاة حال المُكلَّف.

أما ما يسقى بمؤونة وبغير مؤونة، يعني يكون مناصفة: نصف العام بمؤونة ونصف العام بغير مؤونة، فهذا فيه ثلاثة أرباع العشر، وإن تفاوتت المدة ولم يمكن ضبطها بحيث يسقى تارة بمؤونة وتارة بغير مؤونة؛ فالعبرة بأكثرها نفعًا للزرع والشجر، فإن جهل ذلك فالموفق ابن قدامة يقول: “غلَّبْنا إيجاب العشر احتياطًا؛ لأن الأصل وجوب العشر، وإنما يسقط بوجوب الكُلفة”.

قال الموفق: “ولأن الأصل عدم الكلفة، في الأكثر”. وهذا سنناقشه؛ يقول الموفق ابن قدامة: “ولأن الأصل عدم الكلفة في الأكثر، فلا يثبت وجودها مع الشك”.

فقوله رحمه الله: “إن الأصل في الزروع والثمار عدم الكلفة” يعني: بحيث يسقى بمياه الأمطار والأنهار والعيون ونحوها، هذا إنما كان في زمن الموفق ابن قدامة وفي بيئته، أما زمنه هو وقد توفي سنة 620 للهجرة، يعني في بداية القرن السابع، وأما بيئته فبلاد الشام، وفي تلك الأزمنة كانت فيها مياه الأمطار والأنهار والعيون.

فالمؤلف تكلم عن بيئته وعن زمنه، فقال: الأصل عدم الكلفة.

أما في وقتنا الحاضر، فانعكست الأمور، ففي الغالب الآن في كثير من البلدان الأصل هو الكلفة؛ ولذلك يعني ربما نقول: إنه يتجه القول بوجوب نصف العشر، والاحتياط هو العشر.

هناك أيضًا قول قوي لبعض العلماء، وهو أنه في هذه الحال عندما تتفاوت المدة ولم يعرف أيهما أكثر نفعًا للزرع والشجر: أن الواجب فيه ثلاثة أرباع العشر. هذا القول لم يذكر في “السلسبيل” وهو قول جيد، أن الواجب فيه ثلاثة أرباع العشر؛ لأنه لا مَزِيَّة لأحدهما على الآخر.

وهذا القول الثالثُ قولٌ وسط ومُتَّجِه، فإما أن نقول: إن الواجب هو نصفُ العشرِ، والعُشْرُ احتياطٌ، أو العُشْرُ احتياطًا. أو نقول: الواجب ثلاثة أرباع العشر.

أما القول بأن الواجب هو العشر، فهذا محل نظر، هذا ربما مناسب للموفق ابن قدامة في زمنه وفي بيئته، أما في بيئتنا فأصبح الأصل هو المؤونة، وهو السقيا بمؤونة وبكلفة.

الزكاة تجب في التمر لا الرطب، وفي الزبيب لا العنب

قال المصنف رحمه الله:

ويجب إخراجُ زكاةِ الحَبِّ مُصفًّى، والثَّمَرِ يابسًا.

وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وحُكي الإجماع على هذا أيضًا.

يعني: لا بد من (إخراج.. الحب مصفى)، يعني: مُنقًّى من القِشْر والتِّبْن ونحو ذلك.

(والثمر يابسًا) أيضًا، فيُخرَج -مثلًا- ثَمَرُ النخل، ولا يُخرَج رُطَبًا في الزكاة، الرُّطَب لا يُخرَج رُطَبًا في الزكاة، وإنما يُخرَج تَمْرًا بعد تَيْبِيسِه.

والدليل لذلك: حديث عَتَّاب بن أُسَيدٍ قال: أَمَر رسول الله أن يُخرَص العِنَب كما يُخرَص النَّخل، وتُخرَج زكاتُه زَبِيبًا كما تُؤخَذ زكاة النَّخْل تمرًا. أخرجه أبو داود والترمذي[2]، وهو حديث ضعيف، ولكن العمل عليه عند أهل العلم كما قال الترمذي.

فعلى هذا؛ نقول: إنه يُخرَج الحَبُّ مُصفًّى، ويُخرَج الثمر عمومًا -سواء كان تمرًا أو غير تمرٍ- يابسًا؛ ولأن هذا أوان الكمال وحال الادخار.

طيب، لو أن أحدًا خالف وأخرج زكاةَ نخلِه رُطَبًا؛ قال: أنا أريد أن أنفع هذا الفقير وأعطيه الزكاة رُطَبًا؟

هنا، لا بأس بذلك، لكن لا بد من أن يَحسِب الفرق بين إخراجه رُطَبًا وإخراجه يابسًا، فيأتي بإنسان من أهل الخبرة، فيقول: هذا الرُّطَب الذي أُعطي الفقيرَ لو خُرِص كم سيكون إذا كان تَمْرًا؟ وطبعًا ستقل قيمتُه، وزنُه سيقل؛ لأن هذا الرُّطَب إذا يَبَس يختلف وزنه.

فلا بد إذن من إخراج الفرق؛ لو أراد أن يُخرِج ثمر النخل رُطَبًا لكون ذلك أنفع للفقير، لا بأس بذلك بشرط أن يُخرِج الفرق بينه وبين كونه يابسًا؛ وذلك بأن يأتي بخارِصٍ عنده خبرة، ويقول: هذا الرُّطَب إذا يَبَس كم يكون مقداره، ثم بعد ذلك يُخرِج الفرق الذي نقص بسبب إخراجه لهذا التَّمْر رُطَبًا.

ولهذا قال المصنف رحمه الله:

فلو خالف وأخرج رُطَبًا لم يجزئه ووقع نَفْلًا.

يعني: هذا بناء على كلام المؤلف رحمه الله.

والقول الثاني الذي أشرتُ إليه: أنه يجزئ، لكن بعد إخراج الفارق.

وهذا هو الأقرب والله أعلم: أنه يجزئ بعد إخراج الفرق بين كونه رُطَبًا وكونه تَمْرًا؛ لأن -أحيانًا- الفقير يرغب في أن يُعطَى رُطَبًا، يقول: هذا أنفع لي وأحسن لي مِن أن أُعطَى تَمْرًا.

فإذا كان هذا هو الأنفع للفقير، فما المانع من هذا، ثم أيضًا نحن اشترطنا شرطًا، وهو: أن يدفع هذا المُزكِّي الفرقَ، فيزول الإشكال الذي يُخشى من كونه ينقص إذا دُفعت الزكاةُ رُطَبًا.

فقول المؤلف: إنه (لم يجزئه ووقع نفلًا)، يعني هذا هو المذهب. والقول الثاني: هو أنه يجزئه بشرط أن يدفع الفرق بين كونه رُطَبًا وكونه تمرًا.

خَرْصُ ثَمَرةِ النخل والكَرْم إذا بدا صلاحها

قال:

وسُنَّ للإمام بَعْثُ خارِصٍ لثمرة النخل والكرم إذا بدا صلاحها.

الكَرْم: هو العِنَب.

فالسنة للإمام: أن يبعث مَن يَخرُص الثمرة إذا بدا الصلاح.

والخَرْص: معناه التقدير، وحَزَرُ ما على النَّخْل مِن الرُّطَب تمرًا؛ يعني: يُقدِّر، يأتي للمزرعة ويُقدر هذا الرُّطَب الذي على النخل: كم مقداره إذا أصبح تمرًا؟ طبعًا على سبيل التقريب، فأهل الخبرة يقدرون، يقول: هذه الآن مثلًا عشر نخلات فيها رُطَبٌ، كم مقدارها إذا أصبحت تمرًا؟ فيقدرها تقديرًا.

قال الترمذيُّ: “والخَرْص إذا أَدْرَكَتِ الثمارُ من الرُّطَب والعِنَب مما فيه الزكاة، بعث السلطان خارصًا فخَرَص عليهم، والخرص: أن ينظر من يُبصِر ذلك، فيقول: يَخرُج من هذا الزبيب كذا” أو يخرج من هذا العنب إذا كان زَبِيبًا كذا وكذا “ومن التمر كذا وكذا”>

فهو تقدير الرطب في نخله، كم يكون كيله إذا أصبح رُطَبًا، هذا هو المقصود.
وقد كان عليه العمل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ كما جاء في “صحيح البخاري”[3] عن أبي حُمَيد السَّاعِدي قال: غزونا مع النبي غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى، إذ امرأةٌ في حديقة لها، فقال النبي لأصحابه: اخْرُصُوا يعني: يريد أن يطرح عليهم سؤالًا، فهو في سفر ويريد أن يختبرهم: قدَّروا كم في هذه المزرعة؟ “اخْرُصُوها وأنا سأخرص” يقولها النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه.

فالصحابة خرصوا، والنبي عليه الصلاة والسلام خرص أنها عشَرة أَوْسُق، ثم سار النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه إلى تبوك، وقالوا للمرأة: أَحْصِي ما يخرج منها إحصاءً.

ثم في العودة من تبوك مرَّ النبي عليه الصلاة والسلام على هذه المرأة، وقال لها: كم جاءت حديقتك؟ قالت: عشرة أوسق. يعني: خَرْصَ النبي عليه الصلاة والسلام.

فتبين أنَّ خَرْصَ النبي عليه الصلاة والسلام كان أدقَّ مِن خَرْصِ غيره، وهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان عنده دقة وعنده حسن نظر ومعرفة للأمور، حتى في أمور الدنيا.

فانظر كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام خَرَص هذه المزرعة، ثم لما أحصَتْها هذه المرأة كان الإحصاء كما خَرَص.

وهذا من الكمالات التي أعطاها الله ​​​​​​​ لنبيه ، أعطاه الله تعالى كمالات في بدنه، وفي نظرته للأمور، وفي ذكائه، وفي حفظه، وفي عقله؛ فكان عليه الصلاة والسلام من أعظم الناس فِراسة، ومن أَحَدِّهم ذكاءً ونظرًا.

فيعني هذه القصة، النبي عليه الصلاة والسلام هو والصحابة قال “كلُّ واحدٍ منكم يَخرُص”، ثم قال للمرأة: “أحصي إحصاءً، عُدِّي عَدًّا”، فلما رجعوا من تبوك قال: كم بلغت حديقتك؟ فقالت: عشرة أوسق. فوافق ذلك صحةُ خَرْصِّ النبي عليه الصلاة والسلام لهذا الثمر.

وكان عليه الصلاة والسلام يبعث عبدالله بن رواحة لليهود في خيبر فيخرص النخل حين يَطِيبُ قبل أن يؤكل منه[4].

طيب، هل الخَرْصُ خاصٌّ بالتمر أو يشمل جميع الثمار؟ وهل يشمل الحبوب؟

الجواب: أن الخرص ليس خاصًّا بثمر النخل، بل يُشرع الخرص لجميع الثمار التي تُزكَّى، فيُشرع الخرص لثمر النخيل وللعنب وللتين ونحو ذلك.

وأما الحبوب فإنها لا تُخرَص؛ لكون ذلك لم يَرِد؛ ولأن الحَبَّ يكون في سُنْبُلِه فيصعب خَرْصُه ولا يكون دقيقًا. فالخَرْصُ إذن مختصٌّ بالثمار، ولا يكون في الحبوب.

فائدةُ الخَرْصِ التوسعةُ لأرباب الأموال في البيع، ولو أرادوا في التناول منها؛ لأن في مَنْعهم من التصرف فيها حتى تُخرَج منها الزكاة، في ذلك تضييقًا عليهم.

والقول بالخرص هو قول جماهير أهل العلم؛ قال به عمر وسَهْلُ بن أبي حَثْمةَ وأكثر أهل العلم؛ لأنه عَمَلُ النبي عليه الصلاة والسلام وعمل الخلفاء الراشدين مِن بعده.

وخالف في ذلك الحنفيةُ، وقالوا: إنَّ الخَرْصَ ظَنٌّ وتخمينٌ وليس معيارًا شرعيًّا. وقولهم قول مرجوح؛ لأن السُّنة قد وردت بالخرص، فهو اجتهاد في معرفة قدر الثمر وإدراكها به، وهو نوع من المقادير والمعايير.

جاء في حديث سهل بن أبي حَثْمَةَ: أن رسول الله قال: إذا خرصتم فخذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تَدَعوا الثلث فدَعُوا الرُّبُع[5]، ما معنى هذا الحديث؟

بعض الناس يفهم هذا الحديث فهمًا غير صحيح، أولًا هذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وهو من مجموع طرقه ثابت، قال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم في الخرص.

أما المقصود به فقيل: إن المقصودَ إسقاطُ الزكاة في هذا القَدْر من الثمر، يعني: يَترُك الثُّلُثَ أو الرُّبُع قبل أن يُعشَّر، فإذا خَرَص وقدَّر يُسقِط الثلث أو الربع من هذا التقدير، إذا قدَّره بألف كيلو يُسقط الرُّبُع، فيكون سبعَمائة وخمسين. وهذا القول قول ضعيف.

القول الثاني، وهو القول الراجح: أنَّ المعنى أن يجعل الثُّلُث أو الربع من الزكاة للمالك كي يتصرف فيه، فلا يأخذ الساعي الزكاةَ كلَّها، وإنما يترك للمالك الثُّلُثَ أو الربع لكي يوزعه.

فهذا هو القول الراجح في المسألة؛ لأن القولَ بإسقاط جزءٍ من الزكاة هذا مُصادِمٌ للنصوص، يخالف قول النبي عليه الصلاة والسلام: فيما سقت السماء.. العشر، وسُقي بالنضح نصف العشر[6].

فإذا أسقطنا الثلث أو الربع من الزكاة لم يصبح لدينا عشرٌ.

فإذن يكون المعنى الصحيح: أن هذا الثلث أو الربع يُترَك من عُشْر الزكاة، يُترَك للمالك؛ لكي يتصرَّف فيه؛ لأن هذا المالك يكون له جيران، يكون له أقارب، يكون له أرحام، يكون له معارف، يريدون أن يعطيهم من الزكاة.

فيُعطَى ثُلُثَ هذا العُشْر أو رُبُعَ هذا العشر؛ لكي يُعطِيَ هؤلاء: يعطي جيرانه، يعطي أرحامه، يعطي أقاربه، يعطي معارفه، يعطي الفقراء، يعطي السائلين، فلا يؤخذ منه العشر كاملًا، وإنما يُترَك له بقدر ثلث العشر أو ربع العشر. هذا هو المعنى الصحيح لهذا الحديث.

طيب، هل الخَرْصُ خاصٌّ بزكاة الثِّمار أو يكون لجميع أنواع الزكاة؟

الذي ورد به النص إنما هو في الثمار فقط، لكن يبقى النظر في غيرها: هل تقاس عليها؟ هذا مُحتمَل، والقول به مُتَّجِه، خاصة أن الإنسان الذي له أموالٌ ظاهرة يكون مَحَطَّ أنظارِ وتَطَلُّعِ المحتاجين من أقاربه ومعارفه.

فلذلك؛ ينبغي أن يُترَك له جزءٌ من الزكاة لكي يتولى توزيعها بنفسه، فيُحقِّق المقاصد الشرعية، وفيه تطييبٌ لنفوس المحتاجين.

قال:

ويكفي واحدٌ.

يعني: يجزئ خارصٌ واحد؛ لأن النبي كان يكتفي بخارص واحد، كان يكتفي بعبدالله بن رواحة، فإذا كان هذا الخارص ثقة حاذقًا فيكفي في الخرص.

وشُرِطَ كونُه مسلمًا أمينًا خبيرًا.

ليس كلُّ إنسانٍ مُؤهَّلًا للخَرْص، وإنما لا بد من أن يكون مسلمًا أمينًا عدلًا، ويكون ذا خبرة وحاذقًا.

وأجرته على رب الثمرة.

يعني: أجرة الخارص على رب الثمرة، إلا إذا رأى ولي الأمر أن يعطيه الأجرة من عنده.

هذا هو الذي عليه العمل عندنا في المملكة: أن الأجرة على وليِّ الأمر، وليست على رب الثمرة.

لكن لو -مثلًا- رأى وليُّ الأمر أن تكون الأجرة على رب الثمرة فيُسوَّغ ذلك، يعني يجب على الإمام.

ويجب عليه بَعْثُ السُّعاة قُرْبَ الوجوب لقبض زكاة المال الظاهر.

هذه من مسؤولية الإمام: أنه يبعث السعاة لقبض الزكوات من أرباب الأموال. وكان هذا هو الذي عليه عمل النبي عليه الصلاة والسلام.

وعندنا أيضًا في المملكة العربية السعودية، هذا هو الذي عليه العمل، أنه يبعث السعاة لقبض زكوات الأموال الظاهرة.

الأرض العَشْرية والأرض الخَرَاجيَّة

ويجتمع العُشْر والخراج في الأرض الخراجية، وهي ما فُتحت عَنْوةً ولم تُقسَم بين الغانمين، كمصر والشام والعراق.

الأرض إما أن تكون: فُتحت صلحًا، أو فتحت عنوة.

فإن كان فتحت صلحًا، فيُضرب عليهم الخراج حتى يُسلِمَ أهلها فيُرفع عنهم الخراج.

أما إذا فُتحت عَنْوةً كما مثَّل المؤلف بأرض مصر والشام والعراق، فهذه قد أوقفها عمر على المسلمين، وضرب عليها الخراج.

فيقول المؤلف: إنه يجتمع في هذه الأراضي التي فُتحت عَنْوةً العُشْرُ والخراج، العشر في غلتها، والخراج في رقبتها، فيجتمع فيها عُشْران.

طبعًا، هذه المسألة في وقتنا الحاضر هي مسألة نظرية أكثر من كونها عملية، إنما تُقرَأ في الكتب، وليس لها وجود في الواقع العملي.

قال:

وتضمين أموال العشر والأرض الخراجية باطل.

المؤلف أيضًا تكلم عن أمرٍ موجود في زمنه، كان بعضهم يُضمَّن أموالَ العشر والأراضي الخراجية من غير تقدير، فيكون فيه نوعٌ من عدم الدقة في الاقتصار في تَمَلُّك ما زاد وتغريم أصحاب هذه الأراضي ما نَقَص فيما إذا حصل نقص.

فقالوا: إن هذا التضمين باطل، وعللوا ذلك بأن ضمانَها بقدرٍ معلوم يقتضي الاقتصارَ عليه في تملُّك ما زاد على القَدْر المضمون به وغُرْمِ ما نقص عنه، وهذا يعني مُنافٍ للأمانة.

زكاة العسل

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى الكلام عن حكم زكاة العسل، فقال:

وفي العسلِ العُشْرُ.

اختلف العلماء في زكاة العسل على قولين:

القول الأول: أنه تجب الزكاة في العسل.

طبعًا، قبل أن أُبيِّن خلافَ العلماء في هذه المسألة، إنما نَقصِد بذلك أصحابَ المناحل الذين لهم مناحل، إما في مزارِعَ أو في جبالٍ أو نحو ذلك، ولا يمارسون التجارة.

أما مَن كان عنده عسلٌ يتاجر فيه فهذا يُزكِّي زكاةَ عُرُوض التجارة قولًا واحدًا، فأصحاب محلات العسل يُزكون العسل زكاة عروض التجارة.

لكن هذا إنسان لا يتاجر بالعسل، وإنما عنده مناحل في مزرعته، فهل يجب عليه أن يزكي هذا العسل، أو لا يجب؟

القول الأول: أنه تجب الزكاة في العسل. وهذا هو المذهب عند الحنفية والحنابلة، وقيل: إنه قول عند الحنفية وليس هو المذهب عند الحنفية، وهو المذهب عند الحنابلة، وهو قول عند الحنفية وهذا الأدق؛ لأنهم يعتبرون هذا القول من مفردات الحنابلة.

فعلى هذا؛ يكون مشهورُ مذهبِ الحنفيةِ عدمَ وجوب زكاة العسل.

وقد رُوي في زكاة العسل عدةُ أحاديث عن النبي ، كلها ضعيفة، منها حديث عبدالله بن عمر[7]، وحديث أبي سَيَّارة المُتَعيِّ[8].

وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء؛ ولهذا قال البخاري: “ليس في زكاة العسل شيء يصح”، وقال الترمذي: “ولا يصح عن النبي في هذا الباب كبير شيء”، وقال ابن المنذر: “ليس في وجوب صدقة العسل حديث يثبت عن النبي “.

جميع الأحاديث المروية في زكاة العسل كلها ضعيفة؛ ولهذا قال ابن الملقن: “وقد صرح جماعات من الحُفَّاظ بأنه لا يصح شيء في إيجاب زكاته”.

وعلى ذلك نقول: إن القول الراجح هو القول الثاني، وهو أنه لا تجب الزكاة في العسل؛ وذلك لعدم الدليل الدال على إيجاب الزكاة في العسل.

والأصل براءة ذمة المكلف، فجميع الأحاديث المروية عن النبي في زكاة العسل كلها ضعيفة.

وعلى ذلك؛ فالقول الراجح هو القول الثاني، وهو أنه لا تجب الزكاة في العسل. وهذا اختيار شيخنا عبدالعزيز ابن باز، وكذلك الشيخ محمد ابن عثيمين، رحمهما الله تعالى.

لكن عند أصحاب القول الأول:

ونصابه.

عند الحنابلة الذين يرون وجوب الزكاة فيه.

مائة وستون رِطْلًا عراقيًّا.

وتعادل اثنين وستين كيلو جرامًا تقريبًا. والواجب فيه عندهم العشر.

زكاة الركاز

قال:

وفي الرِّكَاز -وهو الكَنْز، ولو قليلًا- الخُمُس.

الركاز: ما وُجد من دَفْنِ الجاهلية؛ يعني قبل الإسلام، كأن يجد رجل كنزًا مدفونًا وعليه علامات تدل على أنه قبل الإسلام.

ونحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري، فوجود هذا الكنز الذي عليه علامات الجاهلية هذا يكاد يكون معدومًا، أو أندر من النادر، يعني لم نسمع يومًا من الأيام أن أحدًا وجد كنزًا عليه علامات الجاهلية، هذا يعني أندر من النادر.

فالغالب أن ما يجده الإنسان من كنزٍ توجد عليه علامات الإسلام، أو لا توجد عليه علامات.

طيب، هذا الركاز الذي عليه علامات الجاهلية، الواجب فيه الخمس؛ لقول النبي : وفي الركاز الخمس[9].

طيب، هل الخمس هنا إخراجه على سبيل الزكاة أو على سبيل الفيء؟

قولان لأهل العلم، القول بأنه على سبيل الزكاة تَرِد عليه إشكالات؛ لأنه لا يُشترط في الرِّكاز النِّصاب ولا حَوَلان الحول؛ ولهذا فالمؤلف قال: (ولو قليلًا). ثم إن الخمس قَدْرٌ كبير، عشرون في المائة، الخمس هذا لا نظير له في الزكاة.

ولهذا؛ فالقول الراجح: أن إخراج الخمس في الركاز أنه على سبيل الفيء وليس على سبيل الزكاة؛ ولهذا مصرفه مصرف الفيء.

قال:

ولا يمنع من وجوبه الدَّين.

يعني: لا يمنع الدَّينُ خُمُسَ الركاز، وهذا يؤيد القولَ بأن إخراجه إنما هو على سبيل الفيء، وليس على سبيل الزكاة؛ لأنه لو كان على سبيل الزكاة لكان للدَّين أثرٌ عليه.

بهذا نكون قد انتهينا من (باب: زكاة الزروع والثمار)، أو من (باب: زكاة الخارج من الأرض).

زكاة الأثمان

ننتقل بعد ذلك إلى (باب: زكاة الأثمان)، قال المصنف رحمه الله:

باب: زكاة الأثمان.

وفسَّرها فقال:

وهي الذهب والفضة.

سُمِّيَت أثمانًا لأنها وما يقوم مقامها هي ثمن الأشياء، فالذهب والفضة من المعادن النفيسة من قديم الزمان، أودع الله فيهما من الخصائص ما لا يوجد في غيرهما.

وقد ورد ذكر الذهب والفضة في القرآن الكريم في عدة مواضع، كما في سورة التوبة، في قول الله : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34].

والذَّهَب أنفس من الفضة، وقد ذكر ابن منظور في “لسان العرب” عن ثعلب، قال: “كنت أحسَب أن قول الأصمعي أن الفضة لا تُنْتن صحيحًا، حتى أخبرني بعض أهل الخبرة أن الذهب لا يُبْليه الثَّرى ولا يُصْدِئه النَّدى، ولا تنقصه الأرض، ولا تأكله النار. أما الفضة فإنها تَبْلى وتصدأ ويعلوها السواد وتُنْتن”.

لا شك أن الذهب أنفس من الفضة من قديم الزمان وإلى الآن، يعني الآن كم سعر الجرام من الذهب وكم سعر الجرام من الفضة؟ بينهما فرق كبير.

والعرب كانوا يتعاملون بالدنانير والدراهم، فالدنانير من الذهب، والدراهم من الفضة، لكن كانت الدراهم مختلفة الأوزان ما بين صِغَارٍ وكبار، وخِفَاف وثقال؛ ولهذا لم يكن أهل مكة يتعاملون بالدراهم عَدًّا، وإنما كانوا يتعاملون بها وَزْنًا، يعني: كأنها قطعة وسبائك غير مضروبة.

ولهذا؛ جاء في الحديث: الوزن وزن أهل مكة[10]. أما أهل المدينة فكانوا يتعاملون بها عَدًّا؛ لحديث جابر: فأمر بلالًا أن يزن لي أوقية فوزن لي بلال فأرجح في الميزان[11].

وقد أجمع العلماء على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، وورد الوعيد الشديد في حقِّ مَن بَخِل بزكاة الذهب والفضة، كما في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34].

الكنز: هو المال الذي لم تُؤَدَّ زكاته، وأما ما أُدِّيَتْ زكاته فليس بكنز، كما قال السلف.

وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35].

وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ما مِن صاحبِ ذهبٍ ولا فضة لا يُؤدِّي منها حقَّها، إلا إذا كان يومُ القيامة صُفِّحَت له صفائح من نارٍ فأُحْمِيَ عليها في نار جهنم، فيُكوى به جَنْبُه وجبينه وظهره، كلما بَرَدَتْ أُعيدت له. في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضَى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار[12].

عقوبة مَن بَخِل بالزكاة أنه يُعذَّب بهذا المال الذي بخل به في الموقف قبل أن يُقضَى بين الناس، في الموقف يُعذَّب به، يُحمَى على هذا المال الذي بخل به في نار جهنم، ثم بعد ذلك يُعذَّب به، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأُحْمِيَ عليها في نار جهنم؛ يعني: هذا المال الذي بخل به، يُحمَى عليه في نار جهنم ويُكوَى به -بهذا المال- جبينه وجنبه وظهره.

كلما بَرَدَتْ أعيدت له. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضَى بين العباد؛ يعني: هذا قبل أن يُفصَل بين العباد، فيُعذَّب في الموقفِ يومَ القيامة بسبب بُخْله بالزكاة.

وهذا يدل على العقوبة الشديدة والعظيمة في حق من بخل بزكاته فلم يخرجها؛ أنه يُعذَّب بهذا المال الذي بخل به في الموقف يوم القيامة قبل أن يُفصَل بين الناس وقبل أن يُقضَى بينهم.

زكاة الأوراق النقدية

طيب، في الوقت الحاضر أصبح الناس يتعاملون بالأوراق النقدية، والأوراق النقدية أوَّلَ ما برزت كانت مُغطَّاة بالذهب والفضة تغطيةً كاملة.

فمثلًا، عندنا في المملكة العربية السعودية، كان الريال يُكتَب عليه قديمًا: تتعهد مؤسسة النقد العربي السعودي، بأن تدفع لحامل هذا السند قيمته.

لكن فيما بعدُ أصبحتِ التغطيةُ غير كاملة للأوراق النقدية، بل ربما الجزء الأكبر غير مُغطًّى، وأصبحت الأوراق النقدية تخضع لاقتصاد الدولة، وحيازة العملات الصعبة، والأمور المتعلقة بالاقتصاد العالمي واستقرار الدولة، ونحو ذلك. فأصبحت ليست مرتبطة بغطاء الذهب والفضة ارتباطًا كاملًا.

وبَحَث العلماء المعاصرون التكييفَ الفقهي للأوراق النقدية، وفي أول الأمر اختلف العلماء اختلافًا كثيرًا، حتى إن بعضهم كالشيخ ابن السعدي اعتبرها كالفُلُوس، وهذا لو فُتح لترتَّب عليه أمور عظيمة.

لكن استقر رأي أكثر العلماء المعاصرين والمجامع الفقهية والهيئات العلمية على أن الأوراق النقدية نقدٌ قائم بذاته، كقيام النقدية في الذهب والفضة، وأن الورق النقدي أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار، فالريال السعودي جنس، والدولار جنس، واليورو جنس، والجنيه جنس، والليرة جنس، وهكذا.

وعلى هذا؛ تجب الزكاة في الأوراق النقدية كما تجب في الذهب والفضة.

لكن يبقى النظر الآن في نصاب الأوراق النقدية، وللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:

  • القول الأول: أن نصاب الأوراق النقدية، هو نصاب الذهب.
  • القول الثاني: أن نصاب الأوراق النقدية، هو نصاب الفضة.
  • القول الثالث: أن نصاب الأوراق النقدية هو أدنى النصابين من الذهب والفضة.

القول بأن نصاب الأوراق النقدية هو الذهب، قالوا: إن الذهب هو وحدة التقدير في كل العصور، وقيمته أكثر ثباتًا من الفضة. والأصل هو براءة ذمة المكلف.

وأما من قال: بأن نصاب الأوراق النقدية هو الفضة، قال: إن الغالب في التعامل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام هو التعامل بالفضة؛ ولأن هذا هو الأحَظُّ للفقراء والمساكين.

وأما القول الثالث: فنصاب الأوراق النقدية هو أدنى النصابين من الذهب والفضة، وحاصله أن نصاب الأوراق النقدية هو نصاب الفضة؛ لأن الفضة أرخص من الذهب بكثير.

هذا القول هو القول الراجح، فالقول الراجح إذن: أن نصاب الأوراق النقدية هو نصاب الفضة.

وهذا هو الذي أقره المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، وأيضًا هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وأكثر الهيئات العلمية، وأكثر العلماء المعاصرين على هذا القول، وهو: أن نصاب الأوراق النقدية أدنى النصابين من الذهب أو الفضة، والفضة الآن أرخص من الذهب بكثير، فيكون في وقتنا الحاضر نصاب الأوراق النقدية هو نصاب الفضة.

نصاب زكاة الأثمان

قال:

وفيها.

أي: الأثمان من الذهب والفضة.

رُبُعُ العُشْر.

وذلك لما جاء في “صحيح البخاري” من حديث أنس، في كتاب أبي بكر الذي كتبه إليه لما وجهه إلى البحرين[13]. وهذا تكلمنا عنه في الدرس السابق.

وكان عمدة الحديث في الدرس السابق على هذا الكتاب، وقلنا: إن فيه مقاديرَ وأنصبةَ الزكاة، وقد أخرجه البخاري في “صحيحه”[14].

وهنا فقط أنبه إلى أن صاحب “منار السبيل” ذكر أن هذا الحديث متفق عليه، والواقع أن مسلمًا لم يُخرِجه، وإنما أخرجه البخاري فقط.

وأيضًا، جاء عن عائشة وابن عمر: أن النبي كان يخرج من كل عشرين دينارًا نصفَ دينار، ومن أربعين دينارًا دينارًا[15].

هذا يعادل رُبُعَ العشر، يعادل بالنسبة المئوية 2.5%، يعني: واحد من أربعين.

ولهذا؛ أَذْكر قاعدةً مفيدة لطالب العلم: إذا أردت أن تعرف زكاةَ أيِّ مبلغ نقدي فاقسِمه على أربعين، يخرج لك ربع العشر، يخرج لك مقدار الزكاة.

عندك عشرة آلاف ريال، تريد معرفة زكاتها، اقسمه على أربعين، خمسون ألف أقسمه على أربعين، مائة ألف اقسمه على أربعين.

أي مبلغ نقدي تريد معرفة زكاته اقسمه على أربعين، يخرج لك مقدار الزكاة. فهذه قاعدة مفيدة في هذا الباب.

قال:

إذا بلغَتْ نصابًا.

ثم بيَّن النصاب.

فنصاب الذهب بالمَثَاقِيلِ: عشرون مثقالًا.

لحديث علي : وليس عليك شيء في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا، وحال عليها الحول؛ ففيها نصف دينار[16]. وهذا الحديث حديث حسن أو صحيح.

الدينار: هو المِثْقال، الدينار لم يتغير في الجاهلية ولا الإسلام.

وقد وُجد الدينار الإسلامي مَصْكوكًا في عهد عبدالملك بن مروان، ووُجد في أحد المتاحف في إسبانيا، ووُجد في متاحف أخرى أيضًا. واتفقت جميعها على أن دينار عبدالملك يزن أَرْبَعة جرامات ورُبُعًا، وهذا يكاد يكون محلَّ اتفاق بين العلماء المعاصرين.

طيب، أربعة جرامات وربع نضربها في عشرين، ما دام أن الآن سعر المثقال، ما دام أن زِنَةَ المثقال أربعةُ جراماتٍ ورُبُعٌ، ونصاب الذهب عشرون مثقالًا، معنى ذلك نضرب عشرين في أربعةٍ وربعٍ، فالناتج خمسة وثمانون جرامًا، فيكون إذن نصاب الذهب خمسة وثمانين جرامًا.

وبالدنانير: خمسةٌ وعشرون وسُبُعَا دينارٍ وتُسْعُ دينارٍ.

طبعًا، هذا المؤلف يتكلم عما هو موجود في زمنه، عن الدينار الموجود في زمنه، لكن الدينار الذي ورد عليه الحديث يعادل المثقال، وبكل حال الذي يهمنا هنا هو الموازين المعاصرة، ونحن قلنا: إن نصاب الذهب هو خمسة وثمانون جرامًا.

ونصاب الفضة: مائتا درهم.

لحديث عليٍّ السابق، فإذا كان لك مائة درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم.

طيب، إذن نصاب الفضة مائتا درهم، ابن خلدون قال: إن الإجماع منعقد على “أن الدرهم الشرعي هو الذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذهب، والأوقية منه أربعين درهمًا”.

على هذا؛ تكون النسبة بين الدراهم والدنانير: كل سبعة دنانير تعادل عشرة دراهم، كل سبعة دنانير تعادل عشرة دراهم، والدينار أربعة جرامات وربع، فنضرب هذا الرقم في سبعة، ثم نقسم الناتج على عشرة، سنجد أن المجموع يعادل جرامين وتسعمائة وخمسة وسبعين من الألف من الجرام، وهو مقدار الدرهم بالجرامات. فإذا ضربنا هذا الرقم في نصاب الفضة مائتا درهم، يكون الناتج: خمسمائة وخمسة وتسعين جرامًا.

وعلى هذا؛ يكون نصاب الفضة: خمسمائة وخمسة وتسعين جرامًا.

إذن، احفظ هذين الرقمين، نصاب الذهب: خمسة وثمانون جرامًا، ونصاب الفضة: خمسمائة وخمسة وتسعون جرامًا.

ثم ذكر المؤلف تقديرات في زمنه، فقال:

والدِّرْهم اثنتا عشرة حَبَّةَ خَرُّوب.

الخروب: نبات شامي حُلْو يؤكل، أنا لا أعرفه، لكن هكذا قال الشُّرَّاح، وكان معروفًا في زمن المؤلف، ولا أدري الآن هل هو معروف؟

والمِثْقال دِرْهمٌ وثلاثة أسباع درهم.

وهذا على تقدير المؤلف، نحن نُقدِّرها بالجرامات؛ لأنها هي المستعملة الآن.

طيب، بعدما عرفنا الآن نصاب الذهب والفضة، ورجَّحنا أن نصاب الأوراق النقدية هو نصاب الفضة، فنريد الآن أن نعرف مقدار نصاب الأوراق النقدية.

نصاب الأوراق النقدية: نضرب نصاب الفضة خمسمائة وخمسة وتسعين جرامًا في سعر الجرام بالريال، إذا أردنا أن نعرفها بالريالات السعودية، فنضرب خمسمائة وخمسة وتسعين في سعر الجرام بالريال.

فمثلًا، في هذا اليوم الاثنين التاسع والعشرين من شهر محرم من عام 1443 للهجرة، والذي يوافقه السادس من سبتمبر 2021 ميلاديًّا، سعر الجرام من الفضة 2.97، نضربه في 595، الناتج 1776 ريالًا، هذا هو نصاب الأوراق النقدية لهذا اليوم، 1776 ريالًا.

وهذا الرقم ليس ثابتًا، قد يتغير زيادة أو نقصًا تبعًا لسعر الفضة، حَسَبْناه في شهر رمضان وكان أقل من هذا الرقم، والآن وصل إلى هذا الرقم.

فإذن، قد يرتفع هذا الرقم وقد ينخفض تبعًا لأسعار الفضة، لكن المهم هو أن تعرف القاعدة، القاعدة: هي أن تضرب سعر الجرام من الفضة في خمسمائة وخمسة وتسعين يخرج لك نصاب الأوراق النقدية.

طيب، كيف تعرف سعر الجرام من الفضة؟ موجود هذا في الشبكة العالمية للإنترنت، موجود في عدة مواقع، وليس موقعًا واحدًا، عدة مواقع تحسِب لك سعر الجرام من الفضة، إن أردته بالريال أو أردته بأي عملة أخرى.

فنحن نحسِبها الآن بالريالات، والإخوة الذي يتابعون هذا الدرس من بُلْدان أخرى يُحوِّلونها إلى العُمْلات في بلدانهم.

فإذن، سعر الجرام من الفضة أنا حسَبتُه اليوم ووجدته 2.97، نضربها في 595، يكون نصاب الأوراق النقدية 1776 ريالًا بالريالات السعودية، أو ما يعادلها بالعملات الأخرى.

مَن ملك هذا المبلغ: 1776 ريالًا، وحال عليه الحول، وجب عليه أن يُزكِّيَه.

طالب: العيار يا شيخ؟

الشيخ: نعم؟

طالب: العيار؟

الشيخ: المقصود العيار هو عيار 24.

ضم أحد النقدين إلى الآخر في تكميل النصاب

ويُضَم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، ويُخرِج من أيهما شاء.

هذه المسألة خلافية بين أهل العلم: هل الذهب والفضة جنسان فلا يُضم أحدهما إلى الآخر، أو أنهما جنس واحد فيضم أحدهما إلى الآخر؟

  • المؤلف أو المذهب عند الحنابلة أنه يضم أحدهما إلى الآخر، وأنهما كالجنس الواحد. والقول الثاني.. وهذا أيضًا هو مذهب الحنفية والمالكية، قالوا: لأنهما نقدان تُقوَّم بهما الأشياء والمقصود منهما واحد وهو الشراء؛ فيُضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب.

لو كان عند رجلٍ عشَرة مثاقيل ذهبًا، ومائة درهم من الفضة، فيُضم أحدهما إلى الآخر، نقول: تجب عليك الزكاة بناء على هذا القول.

  • القول الثاني: أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر، بل هما جنسان مختلفان. وهذا هو مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة؛ وذلك لعموم الأدلة المُفرِّقة بين الذهب والفضة، واعتبار أن الذهب والفضة كجنسين وليسا جنسًا واحدًا.

فمثلًا، في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة[17].

هذا يشمل ما إذا كان عنده من الذهب ما يُكمل به خمسَ أواقٍ أم لا؛ ولأن الشعير لا يُضم إلى البر في تكميل النصاب بالإجماع، مع أن المقصود منهما في عهد النبي عليه الصلاة والسلام واحد، وهو أنهما قوت. وكذلك الذهب والفضة؛ ولأن الأدلة دلت باعتبار كل منهما جنسًا مستقلًّا وليس جنسًا مكملًا للآخر.

فمثلًا، في باب الربا: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة[18].

ولذلك؛ عند بيع الذهب بالفضة لا يشترط التساوي، ولو كان جنسًا واحدًا لاشترط التساوي عند بيعهما، إنما يشترط التقابض فقط. وهذا يدل على أنهما جنسان مختلفان، وليسا جنسًا واحدًا.

وهذا القول هو القول الراجح، وهو أن الذهب والفضة جنسان مختلفان، وأنه لا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب.

طيب، هل الأوراق النقدية تضم إلى الفضة؟

نحن إذا قلنا: إن الفضة لا تضم إلى الذهب في تكميل النصاب، فمن باب أولى أن الأوراق النقدية لا تضم لا للذهب ولا للفضة في تكميل النصاب، لكن مقتضى المذهب عند الحنابلة: أن الأوراق النقدية تضم للذهب وللفضة. فيجري فيها الخلاف الذي ذكره المؤلف.

زكاة الحلي المعد للاستعمال

ثم بعد ذلك، بعدما تكلم المؤلف عن زكاة الأثمان، انتقل أو استطرد إلى بعض المسائل الأخرى فقال:

ولا زكاة في حُلِيٍّ مباحٍ مُعَدٍّ لاستعمالٍ أو إعارة.

هذه المسألةُ الخلاف فيها مشهور: حكم الزكاة في الحلي المعد للاستعمال، للعلماء في ذلك قولان:

القول الأول: أن الزكاة لا تجب في الحلي المعد للاستعمال أو المعد للإعارة. وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، وقد رُوي عن خمسة من الصحابة، روي عن جابر وابن عمر وأنس وعائشة وأسماء.

وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بما جاء في الصحيحين عن زينب امرأة ابن مسعود: أن النبي خطب، وقال: يا مَعْشَرَ النساء، تَصَدَّقْنَ ولو مِن حُلِيِّكُنَّ[19].

قالوا: لو كانت الزكاةُ واجبةً في الحُلِيِّ لَمَا ضَرَب النبي بها المَثَلَ في صدقة التطوع، فإنه لا يَحسُن أن يقال لمن عنده بهيمة الأنعام: “تَصَدَّقْ ولو من سائمة بهيمة الأنعام”؛ لأن السائمة من بهيمة الأنعام تجب فيها الزكاة أصلًا، فلا يُضرَب المَثَلُ إلا فيما لا تجب فيه الزكاة.

فقول النبي عليه الصلاة والسلام: تصدَّقْنَ ولو مِن حُلِيِّكُنَّ يدل على أن الحُلِيَّ لا زكاة فيه، وإلا لَمَا ضَرَب به المثل؛ لَمَا قال: تصدقن ولو من حليكن؛ ولأن قاعدة الشريعة: أن ما كان مُعدًّا للاستعمال والقُنْية لا تجب فيه الزكاة، كما في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ليس على المسلم في عبده ولا فَرَسِه صدقة[20].

فبيت الإنسان الذي يسكنه لا زكاة عليه فيه، سيارة الإنسان لا زكاة عليه فيها، أثاث البيت لا زكاة عليه فيه، كل ما كان مُعدًّا للاستعمال والقُنْية لا زكاة على الإنسان فيه، هكذا أيضًا الحلي المعد للاستعمال.
وقد روى مالك في “الموطأ” بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تلي بناتَ أخيها، يتامى في حَجْرِها، لَهُنَّ حُلِيٌّ، فلا تُخرِجُ مِن حُلِيِّهِنَّ الزكاة[21].

وهذا الأثر مهم؛ لأنه يتعارض مع ما استدل به أصحاب القول الثاني من وجوبه للزكاة، من حديث: فَتَخَاتٍ من الوَرِق[22].

ولم يُعرَف عن غير هؤلاء الصحابة خلافٌ، فهؤلاء الصحابة الخمسة رُوي عنهم أنهم قالوا: بأنه ليس في الحلي زكاة. ولم يُعرَف عن غيرهم خلاف.

وقول الصحابي -إذا لم يُعرَف عن غيره خلافٌ واشتُهر- يكون حجةً؛ لأنه يكون كالإجماع السُّكُوتي.

ولهذا؛ قال الحسن: لا نعلم أحدًا من الخلفاء قال: في الحُلِيِّ زكاةٌ. وعن يحيى بن سعيد قال: سألت عمر عن زكاة الحُلِيِّ؟ فقال: ما رأيتُ أحدًا يُزَكِّيه.

القول الثاني في المسألة: هو وجوب الزكاة في الحلي المُعدِّ للاستعمال. هذا مذهب الحنفية والظاهرية، ورواية عند الحنابلة، وقد كان هذا القول مهجورًا إلى أن تبناه سماحة شيخنا عبدالعزيز ابن باز رحمه الله، فتبعه على ذلك كثير من العلماء في تبني هذا القول.

واستدل أصحاب هذا القول بعموم الأدلة الدالة على إيجاب الزكاة في الذهب والفضة، من غير تفريق بين ما كان مُعدًّا للاستعمال أو غيره.

واستدلوا أيضًا بعدة أحاديث، منها حديث عمرو بن شُعَيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي ومعها بنت وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان يعني سواران غليظان من ذهب فقال: أتعطين زكاة هذه؟  قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار فألقتهما، وقالت: هما لله ورسوله. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي[23].

وهذا الحديث أولًا من جهة السند لا يثبت، ضعيف؛ ولهذا قال أبو عُبَيدٍ: “هذا الحديث لا نعلمه يروى إلا من وجهٍ واحد بإسناد قد تكلم فيه الناس قديمًا وحديثًا”.

وكذلك أيضًا من جهة المتن فيه إشكال، يعني كيف امرأة في يد ابنتها سواران، ثم لم يسألها النبي عليه الصلاة والسلام: هل مضى عليها حول أو لا؟ ثم أيضًا واجبٌ فيه ربع العشر، كيف تُلْقي السِّوَارَيْن وتقول: هما لله ولرسوله؟! ففي متنه إشكال أيضًا.

وكذلك أيضًا استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها: دخل عليَّ رسول الله ، فرأى في يديَّ فَتَخَاتٍ مِن وَرِقٍ، قال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: صنعتهن أتزيَّن لك بهن. قال: أُتُؤدِّين زكاتهن؟ قالت: لا. قال: هو حَسْبُكِ من النار[24].

هذا الحديث أخرجه أبو داود، وهو أيضًا ضعيف من جهة السند، وأيضًا من جهة المتن فيه إشكالات:

أولًا يتعارض مع ما ذكرناه قبل قليل من أنه قد ثبت عن عائشة بسند صحيح، كما عند مالك في “الموطأ”: أنها كانت تلي بناتَ أخيها يتامى لَهُنَّ الحلي لا تُخرِجُ زكاته[25].

فلو كانت هذه القصةُ ثابتةً فبعيدٌ جدًّا أن عائشة لا تُخرج زكاة بنات أخيها، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول لها: هو حَسْبُكِ من النار، يعني: هو حسبك من النارِ وعيدٌ شديد. والأثر الذي رواه مالك أصحُّ إسنادًا من هذا الحديث.

ثم أيضًا “الفَتَخَاتُ” التي في يد عائشة، هل يُعقَل أنها تعادل خمسَمائةٍ وخمسةً وتسعين جرامًا؟ وعائشة تقول: كان يمر علينا الشهر والشهران والثلاثة وما أُوقِدَ في بيت رسول الله نار[26].

ثم أيضًا عائشة هي زوجة النبي عليه الصلاة والسلام، وظاهر الحال أنه رآها لأوَّل مرة، فما مضى عليها حولٌ، زوجتُه تَلْبَسُ فَتَخَاتٍ رآها لأول مرة، ما سألها: هل مضى عليها حول أو لا؟ فيعني حتى المتن فيه إشكال، فالمتن فيه إشكال.

وأيضًا استدلوا بحديث أم سلمة قالت: كنتُ ألبس أَوْضَاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله، أَكَنْزٌ هو؟ قال: ما بلغ أن تُؤدَّى زكاتُه، فزَكِّي فليس بكنزٍ. أخرجه أبو داود[27].

وهذا الحديث من جهة السند ضعيف، وأيضًا فيه إشكال في متنه، قالت: أَوْضَاحٌ من ذهب، والأوضاح لا تكون من الذهب، الأوضاح تكون من الفضة.
ثم على تقدير صحة هذه الأحاديث، فكما قال الإمام أحمد: خمسة من أصحاب النبي يقولون: ليس في الحلي زكاةٌ. ويقولون: زكاتُه عارِيَّتُه.

فيُحمل لفظ الزكاة الوارد في هذه الأحاديث لو صحت على أن المقصود بها العارِيَّة، كما حكى الإمام أحمد ذلك عن خمسة من أصحاب النبي .

وعلى هذا؛ فالقول الراجح هو القول الأول، وهو قول الجمهور، وهو: أنه لا تجب الزكاة في الحُلِيِّ المُعَدِّ للاستعمال؛ وذلك لعدم ورود الدليل الصحيح الدال على إيجاب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال.

وجميع ما استدل به أصحاب القول الثاني مِن أحاديثَ تدل على وجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال، كلها لا تثبت من جهة الصناعة الحديثية؛ ولهذا قال الترمذي: “لا يثبت في هذا الباب شيء”.

فالقول الراجح إذن: أن الحلي المعد للاستعمال لا زكاة فيه.

زكاة الحلي المُحرَّم أو المُعدِّ للكراء

قال:

وتجب في الحُلِيِّ المُحرَّم.

الحلي المحرم تجب فيه الزكاة، وحُكي الإجماع على هذا.

وكذا في المباح المُعدِّ للكِرَاء أو النفقة.

يعني للتأجير، فتجب فيه الزكاة؛ لأن الزكاة إنما سقطت عما أُعِد للاستعمال لعدم النَّماء، وفيما عداه يبقى على الأصل.

لكن، إذا كان الحلي مُعدًّا للادخار أو للنفقة فتجب فيه الزكاة.

فإن بعض النساء يكون عندها ذهبٌ ولا تريد بهذا الذهب أن تَلْبسه، وإنما تَعدُّه للادخار، تقول: “أريد أن أَدَّخِره وأبيعه متى ما احتجت”، أو للنفقة، يعني “أريد أنني إذا احتجت للنفقة بِعْتُه أو بعت جزءًا منه”؛ فهذا تجب فيه الزكاة.

فهنا، النية مُؤثِّرة في زكاة الحلي المعد للاستعمال، هذه المرأة التي عندها حلي نسألها: ما غرضك من هذا الحلي؟ فإن قالت: الغرض هو التزيُّن به ولُبْسُه في المناسبات ونحو ذلك، فنقول: لا زكاة فيه على القول الراجح، وإن قالت: الغرض ليس لُبْسَه، وإنما الغرض الادخار وأنني أبيعه إذا احتجت إلى بيعه؛ فهذا تجب فيه الزكاة.

طيب، أحيانًا يوجد عند المرأة حُلِيٌّ تَعُدُّه المرأة لِلُبْسِه في المناسبات، لكن ربما تمر عليها سنتان أو ثلاثٌ أو أربعٌ ولم تَلْبسه، فهل فيه زكاة؟ الجواب: ليس فيه زكاة، ما دام أن الغرض هو لُبْسه في المناسبات؛ فلا زكاة فيه.

إذا بلغ نصابًا وزنًا.

يعني: هذا الذهب المعد للكراء أو النفقة، إذا بلغ نصابًا وزنًا، يعني 85 جرامًا بالنسبة للذهب، وخمسمائة وخمسة وتسعين بالنسبة للفضة.

ويخرج عن قيمته إن زادت.

يعني: الحلي المحرم أو المعد للكراء إذا زادت قيمته بصناعته عن وزنه، فإن زكاته تُخرَج عن قيمته لا باعتبار وزنه.

فمثلًا؛ إذا كان وزن الحلي تسعين جرامًا، وقيمته باعتبار الوزن 13500، وقيمته مع اعتبار الصنعة 15000، فيُزكَّى باعتبار قيمته؛ لأن ذلك حظٌّ للفقراء والمساكين.

ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى الكلام عن بعض المسائل المتعلقة بالتحلي بالذهب والفضة، ويعني هي استطراد، لكن المؤلف والحنابلة يذكرون هذه الأحكام في هذا الموضع، وبعضهم يجعلها في موضع آخر.

والقَدْرُ المُقرَّر حسب الخطة للتعليق على “السلسبيل” هو إلى هذا القدر؛ فنكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة:

الآن نجيب عما تيسر من الأسئلة الواردة.

السؤال: امرأة تُكثر من اللعن على أتفه الأسباب، وتلعن أولادها، وإذا نصحتُها تَزيد من اللعن، فهل عليَّ إثمٌ في ترك النصيحة؟

الجواب: أولًا: كثرة اللعن من أسباب دخول النار، النبي قال لجَمْعٍ من النساء يومًا: تصدَّقْنَ، فإني رأيتُكُنَّ أكثرَ أهل النار قُلْنَ: لماذا يا رسول الله؟ قال: تُكثِرْنَ اللعن، وتَكفُرْنَ العَشِير[28].

فذكر عليه الصلاة والسلام أن من أسباب دخول النار كثرة اللعن، فاللعن من كبائر الذنوب، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: لَعْنُ المؤمن كقتله[29].

فاللعن من الكبائر، فهذه المرأة التي تُكثِر من اللعن عليها أن تتوب إلى الله ، وأن يبين لها خطورة هذه المسألة، وأن كثرة اللعن من كبائر الذنوب، وأنها من أسباب دخول النار.

وعليك الأخ السائل الكريم، أن تستمر في نصيحتها، وأن تصبر، والله تعالى يقول: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17].

السؤال: بدأتُ حِفظ القرآن ونيتي خالصة لله، لكن تأتيني شكوك أني أريد الرياء، فما العمل مع هذه الشكوك؟

الجواب: أَعرِض عن هذه الشكوك، هذه الشكوك من الشيطان، أنت أردت بهذا العمل وجه الله ، فاستمر في ذلك، وأعرض عن هذه الشكوك، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.

وعند السلف مقولة، وهي: أن العمل لأجل الناس شرك، وأنَّ تَرْك العمل لأجل الناس رياء، لا تَعْمَلْ لأجل الناس، ولا تترك العمل لأجل الناس، اعمل لله .

هذه الشكوك التي تأتيك لا تُلقي لها بالًا، إذا رآك الشيطان أنك لا تهتم بها ولا تُلقي لها بالًا أَعرَض عنها، لكن إذا رآك الشيطان أنك تتفاعل معها وتهتم بها فإنه يتسلط عليك، وتزيد معك هذه الشكوك.

فنقول للأخ الكريم: أعرض عن هذه الشكوك، واستمر في هذا العمل الصالح، فأنت على خير، فإنَّ حفظ القرآن من المقامات العلية، والنبي يقول: الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكِرَام البَرَرة[30].

السؤال: هل يجب على الجَدِّ أن يَصِلَ أحفاده، أو أن الوجوب على الأحفاد؟

الجواب: يجب على الطرفين: يجب على الأحفاد أن يصلوا جَدَّهم، ويجب على الجد أن يصل أحفاده. لكنْ كلٌّ بما يناسبه.

فمثلًا بالنسبة للزيارة، الأحفاد يجب عليهم أن يقوموا بزيارة جدهم، وبالنسبة للمساعدة المالية إذا كان الجد عنده قدرة مالية والأحفاد فقراء، فيجب على الجد أن يصلهم بالمال.

فإذن، يجب على كل منهما أن يصل الآخر لكن في المجال الذي يناسبه.

السؤال: رجَّحتم بأن الرُّمَّان لا تجب فيه الزكاة لأنه لا يُدَّخر، ولكن الآن نجد حَبَّ الرمان يُدَّخَر، فإذا قلنا بإيجاب الزكاة فيه استقام؛ استدلالًا بالآية: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ [الأنعام:99] ولا نحتاج إلى التفريق بينهما؟

الجواب: الرُّمَّان معدودٌ من الفواكه؛ ولهذا فعامة أهل العلم على أنه لا تجب الزكاة فيه إلا فقط عند الحنفية، وأما بقية الفقهاء على أنه لا تجب الزكاة فيه؛ لكونه من الفواكه، والفواكه والخضراوات ليس فيها زكاة.

وأما ذِكره في الآية الكريمة، فهذا الذكر لا يستلزم وجوبَ الزكاة فيه؛ لأنها آية مكية، وذِكر ذلك على سبيل الامتنان.

فأكثر أهل العلم على أنه لا تجب الزكاة في الرمان.

وأما بالنسبة لحب الرمان أيضًا فلا تجب الزكاة فيه، حتى لو كان يُدَّخر، إلا ما كان مُعدًّا على سبيل التجارة فيُزكَّى زكاة عروض التجارة.

السؤال: ما حكم مَن ينفث وينفخ على نفسه أثناء صلاة النافلة بغرض الرقية؟

الجواب: هذا العمل لا ينبغي، هذه حركة في الصلاة لا داعي لها ولا حاجة إليها، إذا أراد أن يَنفُثَ ينفث بعد الصلاة، يرقي نفسه بعد الصلاة، أما داخل الصلاة فليس له أن يتحرك هذه الحركة بقصد الرقية، فالرقية إنما تكون خارج الصلاة، وليست داخل الصلاة.

السؤال: أنا أسكن في قرية، ويبعد عني الجامع ثلاثة كيلومتر تقريبًا، وأغلب الصلوات أصليها في البيت إلا الجمعة أصليها في الجامع، وأنا ممن يتابع دروسكم، وأقوم بتأخير صلاة العشاء حتى ما يقارب الحادية عشرة، فهل فِعلي صحيح؟

الجواب: ما دام أن المسجد بعيد عنك هذه المسافة، وأنك لا تسمع النداء لو أذن المؤذن من غير مكبر الصوت، فإنه لا تجب عليك صلاة الجماعة، ولكن يُندَب لك أن تصليها مع الجماعة.

لو ذهبت ولو بالسيارة، وصليت مع الجماعة في المسجد، فهذا أفضل وأعظم أجرًا وثوابًا، وهذا يدخل في باب المسابقة بالخيرات.

فالذي ننصحك به: أن تصلي مع الجماعة في المسجد، وإن كان هذا ليس واجبًا عليك، لكن من باب النصيحة ننصحك بذلك.

كن دائمًا يا أخي الكريم مسابقًا مسارعًا للخيرات، فكونك تذهب وتصلي مع الجماعة في المسجد هذا أعظم أجرًا، وأعظم ثوابًا.

فلماذا تأخذ بالرخصة ولديك القدرة على أن تأتي بالكمال.

فالذي ننصحك به أن تصلي مع الجماعة في المسجد، وحتى بالنسبة لصلاة العشاء يوم الاثنين، صَلِّ مع الجماعة في المسجد، ثم بعد ذلك تلتحق بالدرس، وما يفوتك من أول الدرس يمكن أن تستدركه في التسجيل، هو يسجل الآن على اليوتيوب وعلى سائر المنصات، يمكنك أن تستدرك ما فاتك من الدرس في التسجيل.

السؤال: …

الجواب: نعم، وأيضًا تأخيرك للصلاة إلى الحادية عشرة فيه خطورة، ربما أنها تزيد على منتصف الليل، الحادية عشرة والربع، وربما تصبح أقل، فيعني هذا أيضًا تأخير زائد.

فإذا أردت أن تحتاط تصلي العاشرة والنصف.

لكن، الذي ننصحك به وهو خير من ذلك كله: أن تصلي مع الجماعة في المسجد، ولو كنت معذورًا في ترك الجماعة.

السؤال: هل تُصلَّى ركعتا الوضوء في وقت النهي؟

الجواب: لا تُصلى ركعتا الوضوء في وقت النهي؛ وذلك لأن النبي نهى عن الصلاة في هذه الأوقات، ويجوز أن تُفعَل ذوات الأسباب، ركعتا الوضوء ليس بظاهر أنها من ذوات الأسباب؛ لأنك تقوم وتتعمد أن تتوضأ لكي تصلي، ذوات الأسباب هي التي تأتي من غير قصد.

يعني مثلًا؛ إن دخلتَ المسجد فتأتي بتحية المسجد، طُفْتَ طوافًا تأتي بركعتي الطواف، حصل كسوف في هذا الوقت تصلي صلاة الكسوف.

لكن، تذهب وتتعمد أن تتوضأ لكي تصلي وتأتي بركعتين، فليس بظاهر أنها من ذوات الأسباب.

ولهذا نقول: إن ركعتي الوضوء تكون في غير أوقات النهي. هذا هو الأقرب والله أعلم بهذه المسألة.

السؤال: الأثر عن عمر: “إن أهم أموركم عندي الصلاة”، يقول: ما صحة هذا؟

الجواب: هذا عند الإمام مالك في “الموطأ” بسندٍ صحيح[31].

السؤال: هل ينالني أجر بزيارة المريض عبر الهاتف، علمًا بأن الزيارة في المستشفيات ممنوعة في ظل وباء كورونا؟

الجواب: نعم، إذا اتصلت على المريض عبر الهاتف، فأنت مأجور على ذلك، ويرجى أن تنال أجر زيارة المريض؛ لأنه لو كانت الزيارة متاحة لذهبت إليه وزرته.

فأنت على خير بهذا الاتصال، وعلى عمل صالح؛ فاستمر عليه.

السؤال: بيتي يقع بعد ميقات ذي الحُلَيفة من طريق الهجرة، بعد ثلاثة عشر كيلومترًا، وعند العمرة أُحرِم بالتلبية من بيتي، فهل فِعلي صحيح أو يلزمني الرجوع إلى الميقات؟

الجواب: ما دام أن بيتك يقع بعد الميقات، فإنك تُحرم من بيتك، فإذا كان بيتك بعد الميقات، جميع البلدان التي تكون بعد المواقيت -يعني بين المواقيت وبين مكة- أهلها يُحرِمون من بيوتهم؛ لقول النبي : ومَن كان دون ذلك فمِن حيث أنشأ[32].

السؤال: الوتر إذا فات هل يُقضَى؟

الجواب: نعم، الوتر إذا فات يُقضَى شَفْعًا، وقد كان النبي إذا فاتته صلاة الوتر صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة؛ لأن غالب هَدْيه عليه الصلاة والسلام أنه كان يوتر بإحدى عشرة ركعة، فكان إذا فاته الوتر قضاه شفعًا[33].

فالسنة إذا فاتتك صلاة الوتر أن تقضيها شفعًا، إذا كان من عادتك أنك تصلي إحدى عشرة ركعة تقضي ثنتي عشرة ركعة ركعتين ركعتين، إذا كان من عادتك أنك توتر بثلاث تقضي أربعًا ركعتين ثم ركعتين، وهكذا.

فالسنة لمن فاتته صلاة الوتر أن يقضيها من النهار شفعًا.

السؤال: ما حكم البيع والشراء في الذهب عن طريق محفظة الذهب من مصرف الراجحي؟

الجواب: لا بأس بذلك؛ لأن هذه منضبطة بالضوابط الشرعية، وتُشرف عليها الهيئة الشرعية، والرقابة الشرعية في هذا المصرف.

السؤال: في مسجدنا يوم الجمعة، عند دخول الخطيب وبعد الأذان، يقوم أغلب من في المسجد بأداء صلاة نافلة، وبعدها يبدأ الخطيب بالخطبة، فهل فِعْلهم صحيح؟ وهل يجوز لو جلست وقرأت القرآن أو تحدثت مع من بجانبي؟

الجواب: إذا كان هذا هو الأذان الثاني، فليس لهم أن يقوموا ويأتوا بركعتين، وإنما يستمعون للخطبة؛ لأنه بعد الأذان الثاني يخطب الخطيب.

وأما إذا كان الأذان الأول، فلا بأس أن يأتوا بركعتين؛ لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: بين كل أذانين صلاة[34].

والأذان الأول وإن كان قد زاده عثمان إلا أن عثمان من الخلفاء الراشدين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي[35].

فإذا كانت هاتان الركعتان بعد الأذان الأول فلا بأس، وأما بعد الأذان الثاني فلا يشرع ذلك؛ لأن المشروع هو الاستماع للخطيب.

السؤال: بعض المصلين يدخل المسجد والأذان الثاني لصلاة الجمعة يؤذن، فيقف ويردد خلف المؤذن، وإذا انتهى صلى ركعتين، فهل فِعله صحيح؟

الجواب: الأفضل أن يأتي بركعتين ولا يتابع المؤذن، وإنما يغتنم الوقت في الإتيان بركعتين؛ لأن كونه يأتي بركعتين يُعينه ذلك على التفرغ للاستماع للخطبة، والاستماع للخطبة واجب، وأما متابعة المؤذن ليست واجبة، وإنما هي مستحبة.

فينبغي أن يُقدِّم الواجب على المستحب؛ ولذلك نجد كثيرًا من الناس يأتون والمؤذن يؤذن الأذان الثاني لخطبة الجمعة، فيقف يتابع المؤذن، فإذا فرغ المؤذن أتى بركعتين، ولو كان الخطيب يخطب.

والأولى هو أنه من حين يدخل المسجد يأتي بركعتين، ولو كان المؤذن يؤذن، ثم يتفرغ لاستماع خطبة الجمعة، فاستماع الخطبة واجب، ومتابعة المؤذن مستحبة، فالذي ينبغي أن يقدم الواجب على المستحب.

السؤال: بعض المصلين يفوته الركوع الثاني من صلاة الجمعة، ثم يصلي ركعتين، هل فِعله صحيح؟

الجواب: إذا فات الركوع من الركعة الثانية من صلاة الجمعة، فقد فاتته الجمعة، ويلزمه أن يقضيها ظهرًا أربع ركعات، وليس ركعتين، وأما لو أدرك ركعة من صلاة الجمعة فإنه يكون قد أدرك الجمعة، ويقضي ركعة واحدة، لكن إذا فاته الركوع من الركعة الثانية من صلاة الجمعة، فهذا فاتته الجمعة، وعليه أن يقضيها ظهرًا أربع ركعات.

السؤال: هل الأفضل صَبْغ الشَّيْب أو تركه؟

الجواب: هذا السؤال سألتُه شيخنا عبدالعزيز ابن باز رحمه الله، قلت: هل الأفضل الخِضَاب بغير السواد خروجًا من الخلاف في المسألة أو الأفضل ترك الشيب؟

فقال: إن الأفضل هو الخضاب؛ لقول النبي : إن اليهود والنصارى لا يَخضِبُون؛ فخَالِفُوهم. وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم[36].

فهو يدل على أن الأفضل هو الخضاب بغير السواد، وأما الخضاب بالسواد فمحل خلاف بين العلماء، فالخلاف فيه راجع للخلاف في ثبوت النهي في قول النبي عليه الصلاة والسلام: وجنِّبوه السَّوَاد[37].

والأرجح عند كثيرٍ من المحدثين أن هذه الزيادة غير محفوظة، وأن المحفوظ هو رواية مسلم: غيروا شعر هذا[38]، من غير زيادة: وجنِّبوه السواد.

وأيضًا، لم يثبت ذلك في الأحاديث الأخرى، كحديث: يكون في آخر الزمان أناس يَخضِبون لحاهم، كحواصل الطير، لا يجدون رائحة الجنة. هذا الحديث رواه أحمد[39]، وهو حديث ضعيف، بل إن ابن الجوزي عده في الموضوعات.

فالأقرب والله أعلم: أن الخِضاب بالسواد أنه لا يحرم، بل إن بعض أهل العلم حكى ذلك إجماعًا كأبي العباس القرطبي في “المفهم” وغيره، عدوا ذلك إجماعًا، وإن كانت المسألة خلافية.

لكن أكثر أهل العلم على أن الخضاب بالسواد لا يحرم، ومما يدل لذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله عن تسعةٍ من أصحاب النبي : أنهم كانوا يخضبون بالسواد.

فإذن، الخضاب بغير السواد سنة، وأما الخضاب بالسواد ففيه الخلاف، والأقرب والله أعلم أنه غير محرم.

السؤال: هل السنن الرواتب تَسقُط في السفر؟

الجواب: نعم، السنن الرواتب تسقط في السفر، ما عدا سنة الفجر، فسنة الفجر كان النبي يحافظ عليها ولا يدعها لا سفرًا ولا حضرًا[40]، وأما غيرها من السنن الرواتب وهي سنة الظهر القبلية، وسنة الظهر البعدية، والسنة الراتبة بعد صلاة المغرب، والسنة الراتبة بعد صلاة العشاء، فهذه السنة تركها في السفر.

فجميع السنن الرواتب السنة تركها في السفر، ما عدا سنة الفجر.

السؤال: أرى بعض المصلين إذا أقيمت الصلاة وهو يصلي النافلة يقطعها؛ وذلك بالسلام عن يمينه؟

الجواب: إذا كان في الركعة الأولى فيقطعها ولا حاجة للسلام، يقطعها بالنية، ولا حاجة لأن يُسلِّم، وأما إذا كان في الركعة الثانية فالأفضل أن يُتِمَّها خفيفةً ولا يقطعها.

السؤال: هل للصلاة الأولى على الجنازة مزية على الصلاة الثانية؟ كما لو صُلي على الجنازة في المسجد، ثم صَلَّى عليها آخَرون في المقبرة، هل أجرهم سواء؟

الجواب: هذا محل خلاف، والأقرب والله أعلم أن الأجر واحد؛ لعموم الدليل، فالنبي يقول: مَن صلى على جنازة فله قيراط[41]، ولم يقل: صلى عليها الصلاة الأولى، وهذا يشمل الصلاة الأولى والثانية.

وأما قول من قال: إن الصلاة الأولى يسقط بها فرض الكفاية، هذا غير ظاهر، وعموم الحديث يدل على أن الأجر واحد؛ لأن “مَن” مِن صيغ العموم، والنبي قال: من صلى على جنازة فله قيراط، فهذا يشمل من صلى عليها في المسجد ومن صلى عليها في المقبرة.

ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^6 رواه البخاري: 1483.
^2 رواه أبو داود: 1603، والترمذي: 644، والنسائي: 2618.
^3 رواه البخاري: 1481.
^4 رواه أبو داود: 1603، والترمذي: 644.
^5 رواه أحمد: 15713، وأبو داود: 1605، والترمذي: 643، والنسائي: 2491.
^7 رواه الترمذي: 629.
^8 رواه أحمد: 18069، وابن ماجه: 1823.
^9 رواه البخاري: 1499، ومسلم: 1710.
^10 رواه أبو داود: 3340، والنسائي: 2520.
^11 رواه البخاري: 2097، ومسلم: 715.
^12 رواه مسلم: 987.
^13 رواه البخاري: 1454.
^14, ^24, ^25 سبق تخريجه.
^15 رواه ابن ماجه: 1791.
^16 رواه أبو داود: 1573.
^17 رواه البخاري: 1405، ومسلم: 979.
^18 رواه البخاري: 2175، ومسلم: 1590.
^19 رواه البخاري: 1466، ومسلم: 1000.
^20 رواه البخاري: 1464، ومسلم: 982.
^21 رواه مالك: 10.
^22 رواه أبو داود: 1565.
^23 رواه أحمد: 6901، وأبو داود: 1563، والترمذي: 637، والنسائي: 2479.
^26 رواه مسلم: 2972.
^27 رواه أبو داود: 1564.
^28 رواه البخاري: 304، ومسلم: 79.
^29 رواه البخاري: 6652، ومسلم: 110.
^30 رواه البخاري: 4937، ومسلم: 798.
^31 رواه مالك: 6.
^32 رواه البخاري: 1524، ومسلم: 1181.
^33 رواه مسلم: 746.
^34 رواه البخاري: 624، ومسلم: 838.
^35 رواه أحمد: 17142، وأبو داود: 4607، والترمذي: 2676، وابن ماجه: 42.
^36 رواه البخاري: 3462، ومسلم: 2103.
^37, ^38 رواه مسلم: 2102.
^39 رواه أحمد: 2470، وأبو داود: 4212، والنسائي: 5075.
^40 رواه أحمد: 27481، وأبو داود: 1432.
^41 رواه البخاري: 1323، ومسلم: 945.
zh