عناصر المادة
تتمة باب الغسل
ثم بعد ذلك ننتقل إلى “السلسبيل في شرح الدليل”، وكنا قد وصلنا إلى (شروط الغسل)، من (ص329).
شروط الغسل:
قال المؤلف رحمه الله:
فصلٌ: وشروط الغسل سبعة.
بعدما ذكر المؤلف مُوجِبات الغسل، انتقل للكلام عن شروطه، ثم واجباته، ثم فروضه، ثم سننه، ولم يذكر صفة الغسل المُجزئة والكاملة، ولو أنه ذكرها لكان هذا أحسن، كما فعل صاحب “زاد المستقنع”، لكنه أشار إليها في (سنن الغسل).
ولذلك؛ سنتكلم عنها عندما نصل إلى ذلك الموضع في (سنن الغسل).
والمؤلف عُني في كتابه هذا بجمع الشروط والسنن والآداب والموجبات والنواقض، هذا مما تميز به هذا الكتاب.
قال:
الأول:
انقطاع ما يُوجِبه.
هذا هو الشرط الأول: انقطاع ما يوجب الغسل، فمثلًا الحيض لا يصح الغسل منه إلا بعد انقطاع الدم، فلو أن المرأة اغتسلت والدم لا يزال يخرج منها، لم يصح هذا الغسل، كما قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ يعني: اغتسلن فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222].
والشرط الثاني قال:
والنية.
والنية شرطٌ للعبادات كلها، كما هو معلوم؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى[1].
الشرط الثالث: قال:
والإسلام.
فلا يصح الاغتسال من الكافر؛ لأن الاغتسال عبادة يُشترط له النية، والنية لا تصح من الكافر.
الرابع:
العقل.
فالمجنون لا يصح الاغتسال منه؛ لأنه لا يعقل النية.
الخامس:
التمييز.
وحَدُّ التمييز سبع سنوات، ولم يقل المؤلف: والبلوغ؛ لأنه لا يُشترط البلوغ لصحة الاغتسال، وإنما يُشترط التمييز، كالوضوء.
والسادس:
والماء الطهور المُباح.
فلا بد من أن يكون الماء المُغتسَل به طهورًا ولا يكون نجسًا، ومُباحًا فلا يكون محرمًا كالمغصوب.
أما النَّجِس فلا يصح الاغتسال به بالإجماع، وأما الماء المُحرَّم كالمغصوب فمحل خلاف، والمذهب عن الحنابلة أنه لا يصح الاغتسال به، ومن أهل العلم من قال: إنه يصح الاغتسال به مع الإثم؛ لأن الجهة منفكة، وهذا هو القول الراجح. وهذا نظيره الصلاة في الدار المغصوبة ونحوها، وسبق أن تكلمنا عن هذه المسائل.
والسابع:
وإزالة ما يمنع وصوله.
أي: إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، وهذا كما أنه مُشترطٌ في الوضوء، فهو مشترطٌ أيضًا في الغسل، فلو كان مثلًا على الإنسان جَبِيرةٌ أو لَصْقَةٌ أو نحو ذلك، فلا يصح اغتساله إلا أن يمسح عليها أو يُزيلها.
هذه إذن هي شروط الغسل.
واجب الغسل
قال:
وواجبه: التسمية.
يعني: واجب الغسل التسمية مع الذِّكْر، كما قالوا في الوضوء، تذكرون؟ في الوضوء قالوا: واجبه التسمية مع الذِّكر، هكذا أيضًا في الغسل.
وهذه المسألة شبيهة بمسألة التسمية عند الوضوء، وقد ذكرنا فيها خلاف العلماء، وأن القول الراجح في حكم التسمية عند الوضوء؛ ماذا؟ أنه مستحب وليس واجبًا.
وهكذا أيضًا نقول هنا في التسمية عند الغسل: أنها مستحبة وليست واجبة.
وقد بسطنا الكلام عن هذه المسألة في أول (كتاب: الوضوء)، وذكرنا الأدلة، ورجَّحنا القول بعدم وجوب التسمية عند الوضوء، والتسميةُ عند الغُسل فرعٌ عن تلك المسألة.
فرض الغسل
وفرضه:
يعني: فرض الغسل.
أن يَعُمَّ بالماءِ جميعَ بدنه.
يعني: مقدارُ الواجب أن يَعُمَّ بالماء جميع البدن، فلو بقيت بُقعةٌ لم يُصِبها الماء لم يصح.
وقد جاء في حديث عمر: أن رجلًا توضأ وترك موضع ظُفْرٍ على قَدَمِه، فقال له النبي : ارجع فأحسِن وضوءك. فرجع وصلى، وهذا في “صحيح مسلم”[2].
وجاء عند أبي داود: أنه في ظَهْرِ قَدَمِه لَمْعةٌ كقَدْرِ الدِّرْهم، فأمره أن يُعيد الوضوء والصلاة[3].
وهذا يدل على أهمية العناية بوصول الماء لجميع أعضاء الوضوء، وفي الغسل لجميع البدن، فلا يتساهل الإنسان في هذا، وبعض الناس يُفرِّط في هذا، فتجد أنه عند الوضوء يترك مواضع لم يُصِبها الماء، كالمرفق مثلًا، أو كالعقب، وهذا لا يصح وضوؤه، وفي الاغتسال أيضًا بعض الناس يُسرع، فربما يكون هناك أجزاء من البدن لم يصبها الماء، فلا يصح اغتساله، وفي المقابل هناك من يُبالغ في هذا إلى حَدِّ الوسوسة، وكلا الطرفين مذموم، والمطلوب هو الاعتدال.
وفَرْضه: أن يعم بالماء جميع بدنه.
الثاني: داخل فمه وأنفه.
يعني: أن يصل الماء إلى داخل فمه وأنفه، وهذا بناءً على أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل، وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
وقد سبق ذكر الخلاف في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء، ورجَّحنا أيَّ قول؟ أنهما واجبان.
أما الغسل، فالغسل يختلف عن الوضوء، وبالنسبة للمضمضة والاستنشاق فلم يرد دليلٌ ظاهر يدل على إيجاب المضمضة والاستنشاق في الغسل، فظاهر الأدلة يدل على عدم الوجوب، كما في قول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، قال: فَاطَّهَّرُوا وأطلق.
والنبي قال للرجل الذي أصابته جنابة، وليس عنده ماء: خذ هذا فأفرغه على نفسك[4]، ولم يأمره بالمضمضة ولا بالاستنشاق.
وحديث أم سلمة: إنما يكفيك أن تَحْثِي على رأسِكِ ثلاثَ حَثَيَاتٍ، ثم تُفيضين عليكِ الماء فتطهرين[5]، ولم يذكر المضمضة ولا الاستنشاق.
ولا يصح قياس الغسل على الوضوء؛ للفارق بينهما، فإن الوضوء مثلًا يجب فيه الترتيب والموالاة، والغسل ليس كذلك.
وبهذا يتبين أن القول الراجح: أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين في الغسل، وفي الوضوء أصلًا لم يقل بوجوبهما إلا من؟ الحنابلة فقط، وأما في الغسل فلم يقل بوجوبهما أحدٌ أصلًا من المذاهب الأربعة.
فالقول الراجح عدم وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل؛ وعلى هذا لو انغمس الإنسان في مَسْبح ناويًا رَفْعَ الحدث، أو في بركة ناويًا رفع الحدث، انغمس ثم خرج، هل يُجزئ؟ نعم يُجزئ، ولا يجب عليه أن يتمضمض ويستنشق إلا على المذهب فيجب ذلك، ولكن على القول الراجح لا يجب.
السائل: حتى ولو أنه سيصلي؟
الشيخ: حتى ولو سيصلي، نعم.
حتى ما يظهر من فرج المرأة عند القعود لحاجتها وحتى باطن شعرها.
يعني: أن الجنب يلزمه أن يُعمِّم جميعَ بدنه بالماء، حتى ما يظهر من فرج المرأة عند قضاء الحاجة، لا بد من أن يغسله الماء، وأيضًا باطن الشعر يجب تعميمه بالماء، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يُخلِّل شعر رأسه بالماء[6].
فمراد المؤلف أنه لا بد من أن يصيب الماءُ جميعَ البدن، حتى هذه الأمور.
ويجب نقضه.
يعني: يجب على المرأة أن تنقض شعر رأسها عند غسل الحيض.
حكم نقض الشعر للغسل من الحيض والنفاس
قال:
يجب نقضه في الحيض والنفاس لا الجنابة.
يعني: يجب على المرأة أن تنقض شعر رأسها عند غسل الحيض والنفاس، ولا يجب ذلك في غسل الجنابة.
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء على أقوال:
- القول الأول: أنه لا يجب، لا في الحيض، ولا في الجنابة، ما دام أن الماء يصل إلى أصول الشعر من غير نقض، وبهذا قال جمهور الفقهاء.
واستدلوا بحديث أم سلمة، قالت: يا رسول الله، إني امرأةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ شعر رأسي، أفأنقضه لغُسل الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تَحْثِي على رأسِكِ ثلاثَ حَثَيات، ثم تُفيضين عليك الماء فتطهرين. هذا أخرجه مسلم[7]، وجاء في روايةٍ أخرى عند مسلم: قالت: أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ قال: لا[8]. قالوا: هذا الحديث في “صحيح مسلم”، صريح في عدم وجوب النقض في الحيض والجنابة.
وأيضًا استدلوا بحديث عائشة: أن أسماء سألت النبي عن غسل المحيض، فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسِدْرتها، فتَطَّهَّر فتُحسن الطُّهور، ثم تصب على رأسها فتَدْلُكه دَلْكًا شديدًا، إلى أن قالت: وسألته عن غسل الجنابة؟ قال: تأخذ ماءً، فتَطَّهَّر فتُحسن الطُّهور، أو تُبلِغُ الطُّهور، ثم تصب على رأسها فتَدْلُكه حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تُفيض عليها الماء. رواه مسلم[9]، قالوا: ولم يذكر النبي نقض شعر الرأس، ولو كان واجبًا لذكره، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
- القول الثاني: عكس القول الأول: أنه يجب نَقْضُ المرأةِ شعرَ رأسِها في غسل الجنابة والحيض، وقد رُوي هذا عند عبدالله بن عمرو، والنخعي، واجتهادٌ من ابن عمرو، وقد أنكرت عائشة على عبدالله بن عمرو بن العاص، أنكرت عليه ذلك، قالت: “عجبًا لابن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟”[10]. هذا من باب التشنيع في الإنكار، ولا شك في أن عائشة أعلم بهذه الأمور الخاصة من عبدالله بن عمرو.
- القول الثالث: هو القول الذي أقره المؤلف، وهو المذهب عند الحنابلة: التفريق بين غسل الجنابة وغسل الحيض والنفاس، فلا يلزمها أن تنقضه لغسل الجنابة، ويلزمها أن تنقضه لغسل الحيض والنفاس.
وهذا القول هو المشهور من المذهب، وهو قول بعض المالكية، ونصره ابن القيم في “تهذيب السنن”، وهو القول الراجح: التفريق بين غسل الجنابة وغسل الحيض والنفاس.
أما غسل الجنابة فيدل لذلك حديث أم سلمة وهو صريح، وهو في “صحيح مسلم”، قالت: “أفأنقضه للجنابة؟” قال: لا[11].
وأما كونها تنقضه لغسل الحيض والنفاس، فقد جاء في حديث عائشة في قصة الوداع: أن النبي قال لها: انقضي رأسك وامتشطي، وأمسكي عن عمرتك[12]، فأمرها بالنقض، وهذا وإن كان للإحرام، وغير رافع للحدث، إلا أن فيه تنبيهًا على وجوب نقضه إذا كان رافعًا للحدث من باب أولى.
وأيضًا استدلوا بحديث عائشة: أن “أسماء…” الحديث السابق، سؤال أسماء النبي عن غُسل المَحِيض، وذِكر النبي عليه الصلاة والسلام الدَّلْك، قال: ثم تصب على رأسها، فتَدْلُكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها[13]. وهذا فيه إشارة للنقض، وأنه لا يُكتفى بمجرد الإفاضة كغُسل الجنابة.
فالقول الراجح إذن: أن المرأة لا يجب عليها أن تنقض شعر رأسها لغسل الجنابة، ويجب عليها أن تنقض شعر رأسها لغسل الحيض والنفاس.
أما استدلال أصحاب القول الأول بحديث أم سلمة، وأنه قد جاء في رواية مسلم: أفأنقضه للجنابة والحيض؟ فزيادة: والحيض غير محفوظة، إنما المحفوظ من الرواية: أفأنقضه للجنابة؟ فقط، وأما زيادة والحيض فغير محفوظة.
والإمام مسلم، سبق أن نبَّهنا إلى أن الإمام مسلم يذكر الرواية الصحيحة، ثم يذكر بعدها الرواية الضعيفة من باب التنبيه على ضعفها، وقد أشار إلى هذا في مقدمته. وذكرنا لهذا نظائر، من ذلك مثلًا في قصة الذي وَقَصَتْه راحلته، قال: ولا تُخمروا رأسه[14]، ساق مسلمٌ الحديثَ بهذه الرواية، ثم ساقه بروايةٍ أخرى: ولا تخمروا رأسه ولا وجهه[15]، ولا وجهه هذه غير محفوظة.
ومن ذلك: غيِّروا هذا بشيء[16] في قصة أبي قحافة، ثم رواه بروايةٍ أخرى: غيروا شعر هذا وجنِّبوه السَّواد[17]، فـجَنِّبوه السواد غير محفوظة.
فهذا هو منهج الإمام مسلم رحمه الله، خذ هذه الفائدة الحديثية النفيسة، أن الإمام مسلم رحمه الله يسوق الرواية الصحيحة ثم يسوق بعدها الرواية الضعيفة، من باب التنبيه على ضعفها.
فإذن؛ زيادة: والحيضة ضعيفة، غير محفوظة، ثم إن الأصل هو نقض الشعر؛ لتيقن وصول الماء إلى ما تحته، لكن عُفي عن ذلك بالنسبة للجنابة لتكررها، ووقوع المشقة في نقض المرأة لشعر رأسها.
ويكفي الظن في الإسباغ.
يعني: يكفي غلبة الظن في أنه أَسْبَغ، وأن الماء وصل إلى جميع البدن.
ويدل لذلك حديث عائشة لما ذكرت صفة غسل النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: “حتى إذا ظن أنه قد أروى بَشَرَته، أفاض عليه الماء”[18]، حتى إذا ظن.
فيكفي الظن في ذلك، والعبادات عمومًا يكفي فيها الظن، يكفي فيها غلبة الظن، إذا قلنا: الظن، يعني المقصود: غلبة الظن، حتى في الصيام، وفي الفطر عند غروب الشمس يكفي غلبة الظن بغروب الشمس؛ ولهذا قالت أسماء: “أفطرنا على عهد النبي في يومِ غيمٍ ثم طلعت الشمس”[19]. هذا يدل على غلبة الظن؛ ولذلك طلعت الشمس.
سنن الغسل
وسننه:
انتقل المؤلف للكلام عن (سنن الغسل).
الوضوء قبله، وإزالة ما لَوَّثه.
هنا أشار المؤلف إلى صفة الغسل، ولو أنه أفردها بالكلام لكان أحسن، فعندنا صفتان:
صفة كاملة، وصفة مجزئة، الصفة المُجزئة: أن يعم جميع البدن بالماء، مع المضمضة والاستنشاق عند من يُوجبهما، وسبق أن قلنا: إنهما غير واجبين، فلو أن رجلًا أو امرأةً دخل دورة المياه وفتح على رأسه صنبور الماء وعم جميع بدنه بالماء، أجزأ وارتفعت الجنابة، ولو أنه دخل بركةً أو دخل مسبحًا وانغمس فيه ثم خرج أجزأ.
هذه هي الصفة المُجزئة، وأما الصفة الكاملة، فقد أشار إليها المؤلف رحمه الله، قال: إزالة ما لوَّثه.
أولًا: أن ينوي، ثم يسمي. ينوي، ثم يقول: بسم الله.
ثانيًا: أن يغسل يديه كما في حديث عائشة[20] وميمونة[21].
ثالثًا: أن يغسل فرجه وما لوَّثه كما أشار هنا المؤلف، إزالة ما لوَّثه من أذًى، يعني يغسل الفرج وما حصل من تلويث في البدن، كما جاء في حديث عائشة[22].
رابعًا: أن يتوضَّأ وضوءه للصلاة، ولم يُشِر المؤلف لهذا، ما أشار المؤلف لهذا.
ولو أنه قدَّم إزالة ما لوَّثه على الوضوء لكان أحسن؛ لأن إزالة ما لوَّثه مُقدَّمة على الوضوء، كما في حديث عائشة، فيكون رابعًا إذن: ثم يتوضأ، كما في حديث عائشة وميمونة.
خامسًا: وإفراغه الماء على رأسه ثلاثًا.
يغسل رأسه ثلاثًا.
وعلى ذلك؛ فغَسل الرأس في غُسل الجنابة مُقدَّمٌ على غَسْل الجسد، غَسْل الرأس يكون قبل غَسْل الجسد، وهناك بعض الناس تجد أنه يُقدِّم غَسل الجسد على غَسل الرأس، هذا خلاف السنة في غُسل الجنابة، السنة أن تُقدِّم غَسل الرأس ثلاثَ مرات ثم تغسل الجسد.
سادسًا: ثم يغسل بقية بدنه، مبتدئًا بالشق الأيمن، ثم الشق الأيسر؛ ولهذا قال:
وعلى بقية جسده ثلاثًا.
وهنا، المؤلف قال: (ثلاثًا)، أما بالنسبة للرأس فثلاثًا، جاء في هذا الأحاديثُ.
لكن، قول المؤلف (وعلى بقية جسده ثلاثًا)، المؤلف يُشير إلى أنه يُشرع التثليث في غسل البدن.
والقول الثاني: أنه لا تثليث في غَسل البدن؛ لعدم صحة ذلك عن النبي . وهذا وجهٌ عند الحنابلة، وهو القول الراجح.
فالقول الراجح: أنه لا يُشرع تثليث الغَسل في البدن، إنما التثليث في غَسل الرأس، يعني ثلاث مرات.
السائل: …
الشيخ: يعني يغسل رأسه ثلاث مرات، والبدن مرة واحدة.
السائل: …
الشيخ: الغسل مع الدَّلْك.
السائل: …
الشيخ: … لكن مع الدلك.
سابعًا: جاء في حديث ميمونة، ويعني المؤلف أشار بهذا، جاء في حديث ميمونة: أن النبي أخَّر غَسْل القدمين إلى أن انتهى[23]، يعني: عندما توضأ لم يَغسل قدميه، وإنما أخر غسل قدميه إلى أن انتهى من الغُسل.
ولكن جاء في حديث عائشة: أن النبي توضأ وضوءًا كاملًا، والجمع بينهما: أن المكان إذا كان نظيفًا، فيتوضأ وضوءًا كاملًا، أما إذا كان المكان غير نظيف فالسنة أن يؤخر غسل القدمين؛ لحديث ميمونة. وهذا هو مذهب المالكية، وهو القول الراجح.
فإذا كان المكان غير نظيف مثلًا، به طين وتراب وكذا، يؤخر غسل قدميه إلى آخر الغسل، لكن إذا كان المكان نظيفًا كما هو حال الناس الآن، يغتسلون في دورات المياه، ودورات المياه مبلطة، فالأماكن نظيفة، فهنا لا حاجة لتأخير غسل القدمين، يتوضأ في أول الغسل وضوءًا كاملًا.
هذه هي الصفة الكاملة، نعيدها مرةً أخرى، هي سبع خطوات:
أولًا: أن ينوي ثم يُسمي.
ثانيًا: يغسل يديه.
ثالثًا: يغسل فرجه.
رابعًا: يتوضأ.
خامسًا: يغسل رأسه ثلاثًا.
سادسًا: يغسل بقية بدنه مبتدئًا بالشق الأيمن ثم الشق الأيسر.
سابعًا: إذا كان المكان غير نظيف يغسل قدميه، أما إذا كان المكان نظيفًا فلا حاجة لذلك، والناس الآن يغتسلون في دورات المياه النظيفة.
والتيامن.
يعني: التيامن سنة، وهذا أشرنا إليه، أشرنا للتيامن أنه يبتدئ بالشق الأيمن ثم الشق الأيسر.
والموالاة.
هنا المؤلف اعتبر الموالاة في الغسل من سنن الوضوء، ما معنى الموالاة في الغسل؟
الطالب: الترتيب.
الشيخ: لا، غير الترتيب.
الطالب: …
الشيخ: أيْ نعم، أحسنت، ألا يؤخر غَسْل عضوٍ حتى يَجِفَّ الذي قبله، يعني لو أنه مثلًا غسل رأسه في غسل الجنابة، ثم بعد ربع ساعة غسل بقية البدن، هل تحققت الموالاة؟ لا.
لكن هنا المؤلف يقول: الموالاة أصلًا في الغُسل ليست واجبة، اعتبرها من السنن. وفي هذا، يقولون لبحث هذه المسألة: لأنها مسألة مهمة، تظهر هذه المسألة أحيانًا عندما يغتسل الإنسان ويكون عليه لَصْقةُ جروحٍ مثلًا، ولا ينتبه إلا بعد ساعة أو ساعتين، إذا قلنا: إن الموالاة واجبة، يلزمه أن يُعيد الاغتسال، وإذا قلنا: إنها ليست واجبة، مجرد أنه يمسح على اللصقة أو أنه ينزع اللصقة ويغسل مكانها. وهذه مسألة يكثر السؤال عنها.
حكم الموالاة في الغسل
هذا يقودنا للبحث في مسألة “حكم الموالاة في الغسل”؟
أولًا: الترتيب، معلوم أن الترتيب لا يجب في الغسل؛ لأن الغسل تعميمٌ لعضوٍ واحد وهو الجسد، ولا يوجد ترتيبٌ إلا بين المتعددات، يعني مثال الإخلال بالترتيب: لو بدأ بغسل الجزء الأسفل من البدن مثلًا، أو بالجزء الأعلى من البدن لا يضر، فالترتيب في الغسل هذا لا يجب بالإجماع.
الموالاة في الغسل، اختلف فيها العلماء:
- فالقول الأول: أن الموالاة ليست واجبة، وإنما هي من سنن الغسل. وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وأيضًا هو مذهب الحنفية والشافعية، وهو قول الجمهور.
- والقول الثاني: أن الموالاة واجبة، وهو مذهب المالكية، ووجهٌ عند الحنابلة، القائلون بأنها ليست واجبة يقولون: ليس هناك دليل يدل على وجوبها.
وأما كونها واجبةً في الوضوء: فليس ما وجب في الوضوء يكون واجبًا في الغسل، أرأيت الترتيب واجبٌ في الوضوء ومن فروض الوضوء وليس واجبًا في الغسل بالإجماع، ولم يرد ما يدل على وجوب الموالاة في الغسل. هذه وجهتهم.
وأيضًا الإمام أحمد رحمه الله ذكر دليلًا، قال: “فرقٌ بين الوضوء والغسل، فإن الوضوءَ ذَكَر الله فيه أعضاءً مترتبةً متوالية، فلزم فيه الترتيب والموالاة، بينما ذكر في الغسل أن يتطهر، فكيفما تطهر أجزأه”.
وهذا استنباط دقيق من الإمام أحمد، يقول: “إن الله تعالى ذكر في الوضوء الترتيب والموالاة” ذكر أعضاءً مترتبة ومتوالية، فلزم فيه الترتيب والموالاة، أما في الغسل فلم يذكر إلا هذا، إنما أمر بالتطهر: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6].
والنبي عليه الصلاة والسلام قال: خذ هذا فأفرغه على نفسك[24]، فهذا يدل على أنه إذا تطهر بأية كيفيةٍ أجزأه.
والقائلون بوجوب الموالاة، الذين هم المالكية، قاسوها على الوضوء، وهو قياسٌ مع الفارق.
وعلى هذا؛ فالقول الراجح: أن الموالاة مستحبةٌ في الغسل، وليست واجبة.
وعلى ذلك نعود للإجابة عن السؤال الذي طرحناه قبل قليل: رجل أو امرأة اغتسل وعليه لَصْقةٌ، ولم ينتبه لها إلا بعد ساعتين؟ فعلى قول الجمهور: يمسح على هذه اللصقة، أو ينزع اللصقة ويغسل مكانها. وعلى القول الثاني: يلزمه إعادة الغسل.
والقول الراجح هو قول الجمهور، وعلى ذلك فالترتيب والموالاة غير واجبين في الغسل، وأيضًا المضمضة والاستنشاق غير واجبين في الغسل.
لاحِظ هنا أن أحكام الغُسل تختلف عن أحكام الوضوء.
وإمرار اليد على الجسد.
إمرار اليد على الجسد، هذا.. السؤال، إمرار اليد على الجسد يعني: التدليك، أن يدلك الأعضاء، فهذا من سنن الغسل.
فمعنى ذلك: أنه لو -مثلًا- دخل دورة المياه، لا يترك الصنبور يصب على بدنه من غير تدليك، وإن كان هذا يُجزئ، لكن الأفضل أنه يُدلك رأسه ويدلك جسده، فتدليك الجسد في الغسل مستحب، كما أن تدليك أعضاء الوضوء أيضًا مستحب.
وإعادة غسل رجليه بمكانٍ آخر.
هذا تكلمنا عنه، وقلنا: إن القول الراجح أنه يُستحب غسل الرجلين بمكانٍ آخر إذا كان المكان غير نظيف، أما إذا كان نظيفًا فلا يُستحب ذلك، وليس من سنن الغسل؛ لحديث عائشة.
إجزاء الغسل الواجب عن الغسل المسنون
ومن نوى غُسلًا مسنونًا أو واجبًا أجزأ عن الآخر.
إذا نوى غسلًا واجبًا كغسل الجنابة، أجزأ عن الغسل المسنون كغسل الجمعة.
فلو أنه مثلًا كان عليه جنابة، واغتسل ونوى بذلك غسل الجنابة، أجزأ عن غسل الجمعة، والأفضل أن ينويهما جميعًا: ينوي للجنابة وينوي أيضًا للجمعة. طيب لو كان العكس: نواه غسل جمعة، ناسيًا أن عليه جنابة، فهل هذا يُجزئ؟
هذا محل خلاف، فمِن العلماء مَن قال: إنه لا يُجزئ؛ لأنه لم ينوِ الجنابة، وقال بعض أهل العلم: إنه يُجزئ، وهو القول الراجح.
القول الراجح: أنه يُجزئ؛ وذلك لأنه أتى بغسلٍ مسنونٍ مشروع، كما لو توضأ ناويًا بذلك مس المصحف، فهل له أن يصلي؟ نعم، مع أنه وضوء مستحب، وهكذا أيضًا بالنسبة للغسل: لو اغتسل غسلًا مسنونًا أجزأ عن الغسل الواجب.
إجزاء الغسل الواجب عن الوضوء
طيب، هذا بالنسبة لإجزاء غُسلٍ عن غُسل، انتبِه! الفرق بينه وبين مسألة إجزاء الغسل عن الوضوء، هذه مسألة أخرى، إجزاء الغسل عن الوضوء، هذه نتكلم عنها الآن.
إذا اغتسل غسلًا واجبًا، فهل يُجزئه عن الوضوء؟ جمهور الفقهاء يقولون: إنه يُجزئه عن الوضوء، وعند الحنابلة: أنه يُجزئه بشرط أن يتمضمض ويستنشق، إذا نوى الطهارتين جميعًا.
ولهذا؛ لما سُئل الإمام أحمد: هل إذا اغتسل للجنابة يُجزئه عن الوضوء؟ قال: نعم، إذا نواه. فلا بد من أن ينوي بذلك الغسلِ أنه عن الوضوء.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يُجزئه؛ لأن الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، وهذا لم يتوضأ وإنما اغتسل.
فالقول الراجح: أنه يُجزئه إذا نوى الوضوء وتمضمض واستنشق؛ لأن المضمضة والاستنشاق في الوضوء واجبة، فالغسل الواجب يُجزئ عن الوضوء إذا تمضمض واستنشق ونوى ذلك عن الوضوء؛ وذلك لأنهما طهارتان صغرى وكبرى، فدخلت الصغرى في الكبرى.
وعلى كل حال، من أراد الغسل الواجب، فالأفضل أن يأتي بالصفة الكاملة، وذكرنا في الصفة الكاملة أنه يتوضأ في أولها، وعلى ذلك هو سيتوضأ، ويُجزئه ذلك الغسل عن الوضوء.
السائل: …
الشيخ: مَسُّ الذَّكَر، نعم، على قول مَن يقول: إن مس الذكر ولو بغير شهوة ينقض الوضوء، هذا فيه إشكال، ونحن رجحنا في الدرس السابق أن مس الذكر لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة، وعلى ذلك لا يَرِد هذا.
عدم إجزاء الغسل المسنون عن الوضوء
طيب، الغسل المستحب، هل يُجزئ عن الوضوء؟ مثل غسل الجمعة؛ إنسان اغتسل للجمعة ثم ذهب للمسجد الجامع، هل يُجزئه؟
هذا محلُّ خلاف، والقول الراجح أنه لا يُجزئ؛ لأن هذا غسلٌ مستحب، فلا يُجزئ عن وضوءٍ واجب. والأصل أن الإنسان مطلوبٌ منه الوضوء، لكن لو كان الغسل واجبًا فنقول: طهارتان صغرى وكبرى، دخلت الصغرى في الكبرى، هذا التعليل لا ينطبق على الغسل المستحب.
وعلى ذلك؛ فغسل الجمعة لا يُجزئ عن الوضوء. هذه مسألة يجهلها كثيرٌ من الناس.
ولهذا؛ فمن يغتسل غسل الجمعة فعليه أن يتوضأ، والأفضل أن يغتسل غسلة الجمعة، على الصفة الكاملة لغسل الجنابة، وإذا فعل ذلك فسيتوضأ في أول هذا الغسل.
إذن، خلاصة الكلام: أنه إذا نوى غسلًا واجبًا، أجزأ عن الغسل المسنون، وإذا نوى غسلًا مسنونًا أجزأ عن الغسل الواجب على القول الراجح، وإذا نوى غسلًا واجبًا أجزأ عن الوضوء على القول الراجح، أما إذا نوى غسلًا مسنونًا فلم يُجزئ عن الوضوء.
وأشار المؤلف لهذه المسألة، قال:
وإن نوى رفع الحدثين أو الحدث وأطلق… أجزأ.
إذا نوى رفع الحدثين، يعني أن الصورة الأولى اغتسل للجنابة ونوى بذلك الإجزاء عن الوضوء، فيُجزئ هذا، ولو نوى طهارةً صغرى وكبرى، فتدخل الصغرى في الكبرى.
لكن قال:
أو أمرًا لا يُباح إلا بوضوءٍ وغسلٍ، أجزأ عنهما.
يعني: إذا نوى بغسلٍ لا يُباح إلا بوضوءٍ وغسلٍ كمس المصحف، فيُجزئ هذا الغسل عن الوضوء.
الاقتصاد في ماء الوضوء والغسل
ثم قال المؤلف رحمه الله:
ويُسن الوضوء بمُدٍّ… والاغتسال بصاع.
المد إذا قيل، “المد”، ما معنى المد؟
“المد”، قال أهل اللغة كما في “القاموس المحيط” وغيره، قالوا: المد: هو مِلْءُ كَفَّيِ الإنسان المُعتدِلِ الخِلقة إذا مَدَّهما، هذا هو المد. و”الصاع”: أربعة أمداد، يعني: مقدار هذا أربع مرات، والنبي كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع[25]. بقدر هذا أربع مرات.
هذا -كما ترون- ماء قليل، لكنه عليه الصلاة والسلام كان يقتصد في ماء الوضوء، والسنةُ الوضوءُ بالمُد، ووضَّح المُؤلِّفُ المقصودَ بالمُدِّ، قال:
وهو رِطلٌ وثُلُثٌ بالعراقي، وأُوقِيَتَانِ وأربعةُ أسباعٍ بالقُدْسيِّ. والاغتسال بصاعٍ هو خمسة أرطال وثلثٌ بالعراقي، وعَشْرُ أواقٍ وسُبُعان بالقدسي.
الصاع يعادل لترين ونصفًا تقريبًا. والمد ربع هذا الرقم.
وقد قال رجلٌ -لما قال جابر: النبي عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع[26]، قال رجلٌ: ما يكفيني؟ فقال جابر: قد كان يكفي مَن هو خيرٌ منك وأوفر شعرًا[27]؛ يعني: النبي ، كان النبي عليه الصلاة والسلام شعره طويلًا، ومع ذلك يكفيه في الغسل صاع، أربعة أمداد.
فإذن؛ السُّنة الاقتصاد في ماء الوضوء؛ ولهذا فالمؤلف قال:
ويُكره الإسراف.
الإسراف خلاف السنة، الإسراف في ماء الوضوء، المقصود بالإسراف: كثرة صَبِّ الماء في الوضوء وفي الغسل.
ولهذا قال الإمام أحمد: “مِن فقه الرجل قلة وُلُوعِه بالماء”؛ يعني: قلة تعلقه بالماء، واقتصاده في استعماله.
وقد نقل أحد تلامذة الإمام أحمد عن الإمام: أن الإمام أحمد كان يتوضأ، قال: فسترتُه عن الناس، عن العامة؛ لئلا يقولوا: إنه لا يُحسن الوضوء؛ من قلة ولوعه بالماء. يعني: الإمام أحمد كان يتوضأ، ومن اقتصاده وقلة ولوعه بالماء فأحد طلابه ستره عن العامة حتى لا يقول العامة: إن الإمام أحمد لا يُحسن الوضوء. والإمام أحمد صاحب سنة وأثر.
وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام توضَّأ بثلثي مُد، وأشار المؤلف لهذا، قال:
يعني: إذا حصل الإسباغ بدون ما ذُكِر أجزأ ولم يُكرَه، هذا جاء في حديث عبدالله بن زيد[28] .
لكن أيضًا أنبه في هذه المسألة أيضًا إلى أن بعض الإخوة صار عنده ردة فعل لمَّا سمعوا هذا الكلام، فنُقل لي عن بعضهم أنه توضأ بماء أقل من مُد، فقلت: هذا ليس وضوءًا، هذا مجرد تمسيح، أخذ ماء قليلًا في حجم هذا الكوب أو أقل، وتوضَّأ به.
فقلت: هذا مجرد تمسيح، الغسل لا بد فيه من جريان الماء على الوضوء، فبعض الناس -يعني- صار عنده ردة فعل، فأصبح يمسح أعضاء الوضوء، ويقول: أنا قد توضأت بماء قليل، أقل من المد.
فهذا أيضًا فيه إشكال، لا إفراط ولا تفريط، فالإسراف في ماء الوضوء مكروه، وأيضًا الاقتصاد الشديد كهذا أن يتوضأ بأقل من المد، أقل حتى من ثُلثي المد، ويمسح أعضاء الوضوء مسحًا، فالظاهر أن هذا لا يُجزئ؛ لأنه لا بد من جريان الماء على أعضاء الوضوء.
فبعض الناس عنده ردة فعل، لكن ردة فعل تكون غير موزونة، مثل أيضًا خطبة الجمعة، تقصير خطبة الجمعة، السنة عدم التطويل، والسنة التقصير، لكن أصبح عند بعض الناس ردة فعل، فأصبحت خطبته أربع دقائق.
يعني هذا اختصارٌ مُخِل، أربع دقائق ماذا سيقول فيها؟!
فهذه، ردة الفعل هذه ينبغي أن تكون موزونة، خطبة النبي عليه الصلاة والسلام في حدود قراءة سورة (ق)، يعني لا تقِلُّ عن عشر دقائق[29]، قراءة سورة (ق) مرتلة لا تقل عن عشر دقائق.
فبعض الإخوة عنده ردة فعل، تكون ردة فعل غير موزونة، فإذا سمعوا هذا الكلام، تجد أنه يمسح أعضاءه مسحًا، ويقول: أنا أريد أن أطبق السنة. هذه ليست السنة، لا بد من جريان الماء على أعضاء الوضوء.
مواضع الغسل
ويُباح الغسل في المسجد ما لم يؤذِ به.
كان الناس قديمًا يضعون الساقيات في المساجد، فبعض الناس يريد أن يتوضأ، والبعض يريد أن يغتسل، المؤلف يقول: لا بأس بهذا، بشرط ألا يتأذى بذلك الناسُ.
وفي الحَمَّام إن أمن الوقوع في المُحرَّم.
طبعًا الحمام ليس المقصود به دورة المياه المعروفة الآن، بعض العامة يسميها “حَمَّامًا”، وهي ليست حَمَّامًا بالمعنى المعروف عند الفقهاء، هذه تُسمَّى “خَلَاءً”، و”كَنِيفًا”، و”مِرْحاضًا”، أما الحمام فهو المكان المُعد للاغتسال، هذا أكثر ما يوجد في البلاد الباردة كبلاد الشام.
وهنا المؤلف يقول: إنه يُباح الاغتسال في الحمام إن أمن الوقوع في المحرم، وهو انكشاف العورة والاختلاط؛ لأنه كان الإشكال فيها أنه تنكشف في هذه الحماماتِ العوراتُ، ويكون فيه اختلاط بين الرجال والنساء، فإذا أُمن ذلك بأن كانت الحمامات مُرتَّبة ليس فيها اختلاط، وأُمن انكشاف العورة، فلا بأس بالاغتسال فيها.
من الوقوع في المحرم.
في المُحرَّم.
ذلك؛ لأنه ذريعة إلى المحرم.
الأغسال المستحبة
ثم انتقل المؤلف رحمه الله للكلام عن الأغسال المستحبة، قال:
فصل: في الأغسال المستحبة، وهي ستة عشر.
وسنناقش المؤلف في هذه الأغسال الستة عشر، ربما لا نوافقه في أكثرها، يعني سنناقشها بحسب الدليل، يعني ما قام عليه الدليل نُقِرُّه، وما لم يقم عليه الدليل سنبين القول الآخر في المسألة.
آكَدُها: لصلاةِ جمعةٍ في يومها، لِذَكَرٍ حَضَرها.
يعني: غسل الجمعة، (لذَكَرٍ) احترازًا من الأنثى، (حَضَرها) لكن لو أن الأنثى هي التي حضرت الجمعة، فحكمها حكم الرجل، لكن هذا بناءً على الغالب، فآكَدُها لصلاة الجمعة؛ غسل الجمعة مُتأكَّدُ الاستحباب.
غسل الجمعة
وقد اختلف العلماء في حكم غسل الجمعة على أقوال:
- القول الأول: وجوب غسل يوم الجمعة، وهذا رواية عن الإمام أحمد، وقال به ابن حزم.
- والقول الثاني: أنه مستحب استحبابًا مؤكدًا، وهذا هو الذي عليه المذاهب الأربعة، وحكي إجماعًا، حكاه ابن عبدالبر وغيره إجماعًا.
القائلون بالوجوب استدلوا بظاهر حديث أبي سعيد: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم[30]، وحديث: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل[31]، وحديث: حقٌّ لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيامٍ يغسل رأسه وجسده[32]، وما جاء في معناها.
قالوا: هذه أدلة ظاهرها الوجوب، وأيضًا قصة عمر لما كان يخطب على المنبر، فدخل عثمان فناداه، فقال: يا عثمان، أي ساعةٍ هذه؟ قال: إني شُغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت. قال: والوضوء أيضًا وقد علمتَ أن رسول الله يأمر بالغسل[33]. فقالوا: كون عمر يقطع خطبته، ويعاتب عثمان، هذا دليلٌ على وجوب غسل الجمعة.
أما القائلون بالاستحباب، فقالوا: إن هذا الأمر قد ورد ما يصرفه من الوجوب إلى الاستحباب، ومن ذلك حديث أبي هريرة في “صحيح مسلم”: أن النبي قال: من توضأ ولم يذكر الغسل، من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غُفِرَ له ما بين الجمعة والجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام[34].
وأيضًا لحديث سَمُرة من توضأ يوم الجمعة فبها ونِعْمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل[35] وفي سنده مقال، وأيضًا حديث أبي سعيد: الغسل يوم الجمعة واجبٌ على كل محتلم، وأن يَسْتَنَّ، وأن يَمَسَّ طِيبًا إن وُجِد[36]، فقرَن الغُسل بالاستنان والطِّيب، وهما غير واجبين.
وأيضًا استدلوا بقصة عمر مع عثمان، قالوا: كون عثمان لم يغتسل، دليلٌ على عدم الوجوب، فلو كان واجبًا لاغتسل، وكون عمر والصحابة يُقِرُّونه على ذلك، هذا دليلٌ على عدم وجوب الاغتسال.
هناك بعض العلماء قالوا: إن غُسل الجمعة واجبٌ على أصحاب الروائح الكريهة، مَن كان به رائحة كريهة يتأذى بها غيره فيجب، وإلا فلا. هذا قولٌ عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية رحمه الله.
واستدلوا بحديث عائشة: كان الناس يَنْتَابُون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغُبَار، يصيبهم الغبار والعَرَق، فيَخرج منهم العرَق، فأتى رسولَ الله إنسانٌ منهم وهو عندي، فقال: لو أنكم تطهَّرتم ليومكم هذا[37]. لكن يُشكل على هذا أنه وردت أحاديث أخرى فيها العموم، أنها عامة.
والقول الراجح هو قول الجمهور، وهو أن غسل الجمعة مستحبٌّ استحبابًا مؤكدًا، وأنه لا يصل إلى درجة الوجوب، وقد حُكي إجماعًا، ولم يقل أحدٌ أصلًا بوجوبه، إلا الظاهرية، وكثيرٌ من العلماء لا يعتبرون خلاف الظاهرية.
لكن هنا في قوله: “عند الحنابلة” ربما ينقل حكاية الإجماع، والحافظ ابن رجب رحمه الله قال: إن الواجب على نوعين: واجب حتمٍ، وواجب سنةٍ وفضيلة، وأن الوجوب بالنسبة لغسل الجمعة من القسم الثاني، واجب السنة والفضيلة.
فقوله عليه الصلاة والسلام: غسل يوم الجمعة واجبٌ على كل محتلم لم يُعهد أن النبي عليه الصلاة والسلام يُعبِّر عن الوجوب بالوجوب الاصطلاحي، فتُحمل إذن كلمة “واجب” على الوجوب عند العرب، وكلمة “واجب” عند العرب المقصود بها الحق المتأكد؛ ولذلك يقولون: حقك عليَّ واجبٌ.
وعلى ذلك؛ فالقول الراجح: أن غسل الجمعة مستحبٌّ استحبابًا مؤكدًا، وليس واجبًا، وهذا ما عليه المذاهب الأربعة وأكثر أهل العلم، وحُكي إجماعًا.
طيب، السؤال الآن: هل الغسل لصلاة الجمعة أو ليوم الجمعة؟
الطالب: للصلاة.
الشيخ: الغسل للصلاة، أحسنت، ويترتب على هذا أنَّ النساء في البيوت هل يُستحب لهن غسل الجمعة؟ لا، لا يُستحب، وأيضًا من لا تجب عليه الجمعة؛ كالمريض والمسافر والصبي أيضًا لا يُقال في حقهم باستحباب غسل الجمعة، إنما غسل الجمعة مستحبٌّ في حقِّ مَن أتى الجمعة: إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل[38].
الغُسل من غُسل الميت
ثم لغسل ميتٍ.
يعني: يُستحب الاغتسال من تغسيل الميت، وإلى هذا ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بحديث أبي هريرة: من غسل ميتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ[39]. لكن هذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ.
القول الثاني: أنه لا يُستحب لمن غسَّل ميتًا أن يغتسل، وإنما ذلك مباحٌ له. وقال بهذا المالكية، قالوا: لأن القول بالاستحباب يحتاج إلى دليل، ولم يثبت في هذا شيء، وحديث أبي هريرة ضعيف.
ويؤيده أيضًا أنهم استدلوا كذلك بما جاء في “الموطأ”: أن أسماء بنت عُمَيس غسَّلت زوجها، مَن هو؟ من زوج أسماء؟ أبو بكر الصديق ، غسَّلت زوجها أبا بكر الصديق، فلما فرغت قالت لمن حضرها من المهاجرين: إني صائمة، وهذا يومٌ شديد البرد، فهل عليَّ مِن غُسلٍ؟ قالوا: لا[40] لكن في سنده مقال، في سنده انقطاع.
والقول الراجح هو القول الثاني: أنه لا يُستحب لمن غسَّل ميتًا أن يغتسل؛ إذ إن القول بالاستحباب يحتاج إلى دليل، ولم يثبت في هذه المسألة شيء.
غُسْل العِيد
ثم لِعِيدٍ في يومه.
يعني: يُستحب الاغتسال لصلاة عيد الفطر، وصلاة عيد الأضحى؛ لحديث ابن عباس: كان رسول الله يغتسل يوم الفطر، ويوم الأضحى. أخرجه ابن ماجه[41]، لكن هذا الحديث ضعيفٌ.
ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يُستحب الاغتسال لصلاة العيد، وهذا هو القول الراجح: أنه مُباح، وليس مستحبًّا، وأفتى به شيخنا عبدالعزيز ابن باز رحمه الله.
ولعل من الحكمة في هذا أن صلاة العيد تكون في أول النهار، وربما يكون الجو باردًا فيشق الاغتسال على بعض الناس.
فالاغتسال إذن لصلاة العيد مباح، وليس مستحبًّا كالغسل للجمعة.
غُسْل الكسوف
ولكسوفٍ.
يعني: يُستحب الاغتسال لصلاة الكسوف قياسًا على الجمعة، لكن هذا قياسٌ مع الفارق؛ لأن الجمعة قد ورد فيها النص، ولم يرد مثل هذا في الكسوف؛ ولأن الكسوف يقع فجأةً، فلا يستقيم القياس.
وعلى هذا؛ فالأقرب أنه لا يُستحب الاغتسال لصلاة الكسوف.
غُسْل الاستسقاء
واستسقاء.
يعني: يُستحب الاغتسال لصلاة الاستسقاء قياسًا على الجمعة، ولكن أيضًا نقول في هذا القياس ما قلناه في قياس صلاة الكسوف على الجمعة، من أنه قياسٌ مع الفارق.
وعلى هذا أيضًا؛ فالراجح أنه لا يُستحب الاغتسال لصلاة الاستسقاء.
الغُسْل من الجنون
وجنونٍ.
يعني: لو جُن ثم أفاق استحب له أن يغتسل، وهذا أيضًا ليس عليه دليلٌ ظاهر، والأقرب أنه لا يُستحب، وإنما هو مُباح.
الغُسْل من الإغماء
وإغماءٍ.
وهذا قد جاء فيه حديث عائشة رضي الله عنها: ثقل النبي في آخر حياته، فقال: أصلى الناس؟ قالوا: لا، هم ينتظرونك. قال: ضعوا لي ماءً في المِخْضَب قالوا: ففعلنا، فاغتسل، فذهب فأُغمي عليه، ثم أفاق ثلاث مرات، ثم قال: مروا أبا بكرٍ، فليصلِ بالناس[42].
الشاهد من هذا أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أُغمي عليه اغتسل، وهذا يدل على شدة المرض عند النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا كان يقول: إني أُوعَك كما يوعك رجلان منكم[43].
فالنبي عليه الصلاة والسلام من أشد الناس بلاءً، كما قال: أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل[44] وهو أفضل الأنبياء، فابتُلي عليه الصلاة والسلام بهذا، وأيضًا فقد جميع أبنائه وبناته إلا فاطمة، كلهم ماتوا في حياته إلا فاطمة، فابتلي عليه الصلاة والسلام بلاءً عظيمًا، لكنه صبر، فكانت العاقبة له، وكان سيد البشر عليه الصلاة والسلام.
فإذن، هذا قام عليه الدليل، يُستحب لمن حصل له إغماء أن يغتسل.
وسبق أن ذكرنا أثر هذا على الوضوء، هل الإغماء ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟
ينقض الوضوء، إذا كان النوم الذي هو مظنة خروج شيء ينقض الوضوء، فما بالك بالإغماء! لكن بالنسبة للغسل يُستحب ولا يجب على هذا فيما سبق.
لاحِظ أنَّا وافقنا المؤلف في الأول، في غسل الجمعة، وكذلك في الإغماء فقط، وما عدا ذلك لم نوافقه في الاستحباب.
غُسل الاستحاضة
ولاستحاضةٍ لكل صلاة.
يعني: يُستحب للمرأة أن تغتسل لكل صلاة؛ لحديث عائشة: أن أم حبيبة استحيضت في عهد النبي ، فأمرها بالغسل لكل صلاة[45]. لكن هذا الحديث ضعيفٌ لا يثبت.
والمحفوظ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لها: دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي يعني: بعد الطهر وصلي ولم يأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، لكنها اجتهدت وفعلت هذا من نفسها[46].
ولهذا نقول: إن الاغتسال للمستحاضة مُباح، وليس مستحبًّا؛ إذ لا دليل على الاستحباب.
حكم وضوء صاحب الحدث الدائم لكل صلاة
لكن المستحاضة، وصاحب الحدث الدائم عمومًا، كصاحب سلس البول، ومن يخرج منه الريح بصورة مستمرة، يعني هؤلاء، هل يجب عليهم أن يتوضؤوا لوقت كل صلاة، أو لا يجب ذلك؟
المسألة فيها ثلاثة أقوال:
- القول الأول: أنه يجب عليهم أن يتوضؤوا لوقت كل صلاة، وهو مذهب الحنفية والحنابلة.
- القول الثاني: أنه يجب عليهم أن يتوضؤوا لكل صلاة، وهو مذهب الشافعية، ما الفرق بين الأول والثاني؟
الطالب: وقت الصلاة، أي: وقت دخولها، مثل وقت دخول وقت صلاة الظهر.
الشيخ: ولكل صلاة؟
الطالب: إذا أتى أراد…
الشيخ: نعم، القول الثاني أضيق، لكل صلاة أضيق، معنى ذلك لو جمع بين الظهر والعصر، يجب عليه أن يتوضأ للظهر، ويتوضأ للعصر، على قول الشافعية، وعلى القول الأول، لا يجب، يكفي أن يتوضأ في الوقت مرة واحدة.
إذن؛ القول الأول: يتوضأ لوقت كل صلاة، والقول الثاني: يتوضأ لكل صلاة، والقول الثالث: يُستحب ولا يجب.
وسبب الخلاف هو الخلاف في: ثم توضئي لكل صلاة في حديث عائشة، في قصة فاطمة بنت أبي حبيش السابقة، قال: ثم توضئي لكل صلاة[47].
قال: قال أَبِي، والحديث رواه البخاري عن هشام بن عروة، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، عائشة هي خالة عروة، قال: قال أبي، يعني: القائل هشام، قال أبي، يعني: عروة: “ثم توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت”.
طيب، من القائل: ثم توضئي لكل صلاة؟
هنا بعض العلماء قالوا: إن القائل هو النبي عليه الصلاة والسلام، ومن ذهب إلى هذا الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”.
وقال آخرون: إن القائل هو عروة بن الزبير، وهذا هو القول الراجح، ورجح هذا الحافظ ابن رجب في “فتح الباري”، وأيضًا الإمام مسلم في “صحيحه” أشار لهذا، أخرج هذا الحديث[48]، وقال.. ولم يُخرج هذه الزيادة، قال: “وفيها زيادة حرفٍ تركناه عمدًا” يُشير لضعف هذه الزيادة: ثم توضئي لكل صلاة.
وعلى ذلك؛ فهذه الزيادة ثم توضئي لكل صلاة غير محفوظة، وإنما هي من قول عروة، ولم يرد في المسألة حديثٌ يدل على وجوب أن يتوضأ صاحب الحدث الدائم لكل صلاة.
وعلى هذا؛ ليس لنا أن نلزم الناس بما لم يلزمهم به الله، خاصةً أنه يشق عليهم مشقة كبيرة في بعض الأماكن.
يعني مثلًا: صاحب الحدث الدائم في المسجد الحرام، إذا صلى صلاة المغرب، على القول بأنه يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة، يلزمه أن يخرج ويتوضأ لصلاة العشاء، وهذا حرج عظيم.
لكن على القول الذي رجحناه، وهو قول المالكية: أنه يُستحب ولا يجب، لا يلزمه. نقول: ما دام أنك توضأت، فلا ينتقض وضوؤك إلا بناقضٍ آخر غير الحدث الدائم.
يعني: إذا كان معك سلس بول، فلا ينتقض إلا مثلًا بالغائط، لا ينتقض إلا بالريح، ولا ينتقض بالبول. هذا هو مذهب المالكية، وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله، واختيار الشيخ ابن عثيمين، رحمة الله تعالى على الجميع.
السائل: إمامته تصح؟
الشيخ: نعم، إمامته تصح، القول بأنه تُكره إمامته، أو لا تصح إمامة صاحب السلس، قولٌ ضعيف، سيأتينا إن شاء الله في (كتاب: الصلاة).
الغُسل للإحرام
ولإحرامٍ.
يعني: يُستحب لمن أراد أن يحرم أن يغتسل، وهذا مجمعٌ عليه؛ لحديث زيد بن ثابت أنه رأى النبي تجرَّد لإهلاله واغتسل[49]، وهذه المسألة محل اتفاقٍ بين أهل العلم.
غُسل دخول مكة وحرمها
ولدخول مكة.
لقول نافع: كان ابن عمر إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية واغتسل بذي طوى، ويحدث أن النبي كان يفعل ذلك. متفقٌ عليه[50].
إن تيسَّر هذا.
وحرمها.
يعني: يُستحب الاغتسال عند دخول حرم مكة.
غُسل الوقوف بعرفة
يعني: يُستحب الاغتسال عند الوقوف بعرفة، وهذا قد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال ابن عبدالبر: “إن أهل العلم يستحبونه”.
غُسل الطواف ومزدلفة ورمي الجمار
وطوافِ زيارةٍ، وطوافِ وداعٍ، ومبيتِ بمزدلفة، ورَمْيِ جِمَارٍ.
أنه يُستحب أن يغتسل لكلٍّ منها، ولكن هذا لا دليل عليه، وإنما هو استحسانٌ من بعض الفقهاء.
والقول الراجح: أنه لا يُستحب الاغتسال لهذه الأمور المذكورة، وإنما يُباح ذلك.
ويتيمم للكل لحاجةٍ.
يعني: إذا لم يتيسر الاغتسال، فيتيمم، كأن يكون الماء يسيرًا، والقول الراجح: أنه لا يُشرع التيمم عن الأغسال المسنونة؛ لعدم الدليل الدال على ذلك.
ولما يُسن له الوضوء إن تعذر.
يعني: يُستحب التيمم لما يُسن له الوضوء، كقراءة القرآن والذكر إن تعذر الماء في هذه الحال.
باب التيمم
طيب، حسب الخطة نأخذ أول التيمم:
قال المؤلف رحمه الله:
باب: التيمم.
تعريف التيمم
التيمم لغةً: القصد، ومنه قول الله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ [البقرة:267]؛ معنى لا تيمموا يعني: لا تَقْصِدوا.
وشرعًا: التعبد لله تعالى بمسح الوجه واليدين بالصعيد، على صفةٍ مخصوصة.
حكم التيمم
وقد أجمع العلماء على مشروعيته، وقد نزلت آية التيمم في قصةٍ، وهي: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما خرج في بعض أسفاره، لما قام الجيش، فقدت عائشة عِقدًا لها، فلما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يرتحل بالجيش، أخبرته عائشة بأن عقدها ضاع، فقام النبي عليه الصلاة والسلام وانتظرها حتى تبحث عنه، وقام الجيش معه.
هذا يدل على احترام الإسلام للمرأة، أقام جيشًا كاملًا مراعاةً لمشاعر امرأة؛ انظر إلى عناية الإسلام بالمرأة، أقام جيشًا كاملًا مراعاةً لمشاعر امرأة.
فجعلت عائشة تبحث عنه، وأتى الناس إلى أبيها، أبي بكر، قالوا: ألا ترى ما فعلت ابنتك؟ أقامت النبي عليه الصلاة والسلام والجيش لأجل عقد؟!
فأتى أبو بكر والنبي عليه الصلاة والسلام كان نائمًا، ووضع رأسه على فَخِذَيْ عائشة، فقال: حَبَسْتِ النبيَّ والناسُ ليس معهم ماء! وجعل يطعنها في مِخْصَرَتِها، وهي لا تتحرك خشية أن يستيقظ النبي عليه الصلاة والسلام، لكن من شدة غضب أبي بكر جعل يطعنها، وهي ابنته، يطعنها: كيف تحبسين النبي عليه الصلاة والسلام، وتحبسين جيشًا كاملًا لأجل عقدٍ ضاع؟! فجعلت لا تتحرك[51].
وأيضًا، جاء في بعض الروايات: أنها جعلت تبكي.
لكن انظر ماذا حصل بعد ذلك، بعد هذا اشتدت حاجة الناس إلى الماء، فأنزل الله آية التيمم، ففرح الناس بذلك، وقال أسيد بن حضير: “ما هي بأول بركاتكم يا آل أبي بكر” قالت: “فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدوا العقد تحته”.
وجدوا العِقد تحت البعير، لكن لحكمةٍ أرادها الله ، حتى تنزل آية التيمم، فنزلت آية التيمم في ذلك الحين، التيمم من خصائص هذه الأمة، ولم يكن معروفًا في الأمم السابقة، وهو بدلٌ عن الماء؛ لقول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].
شروط صحة التيمم
يصح بشروطٍ ثمانية:
من الأول إلى الخامس، هذه مرت معنا في أول (الوضوء).
النية، والإسلام، والعقل، والتمييز، والاستنجاء أو الاستجمار.
هذه كلها مرت في أول الوضوء، وتكلمنا عنها بالتفصيل، وذكرنا أنها شرطٌ لصحة الوضوء، فهي شرطٌ أيضًا لصحة التيمم.
هل التيمم رافعٌ للحدث أو مُبيح
السادس: دخول وقت الصلاة، فلا يصح التيمم قبل وقتها، ولا لنافلةٍ وقت نهيٍ.
وهذه المسألة فرعٌ عن مسألةٍ كبيرة في باب التيمم، تنبني عليها مسائل كثيرة، ومنها هذه المسألة، وهي هل التيمم رافعٌ للحدث أو مُبيح؟
يعني: هل التيمم كالماء تمامًا، يرفع الحدث أو أنه مجرد يستبيح به الإنسان الصلاة فقط، قولان للفقهاء:
- القول الأول: أنه مُبيح، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وعلى ذلك يشترطون دخول الوقت؛ ولهذا قال المؤلف: “دخول وقت الصلاة” لا يصح أن يتيمم مثلًا لصلاة العصر قبل دخول وقتها؛ لأنهم يرون أنه مبيح.
- القول الثاني: أنه رافع، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد.
القائلون بأنه مبيح، وهم الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بحديث: الصعيد الطيب طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وَلْيُمِسَّه بَشَرَته[52].
قالوا: فقوله: فليمسه بشرته، لو كان الحدث ارتفع لم يجب عليه أن يستعمل الماء.
والقائلون بأنه رافع للحدث كالماء، استدلوا بقول الله : فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، فجعل الله التيمم بدلًا عن الماء؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجلٍ مِن أمتي أدركته الصلاة، فليصلِ[53].
وصف الأرض بأنها طهور؛ ولأن البدل يأخذ حكم المُبدل، ونحن قلنا: إن التيمم بدلٌ عن الماء.
والقول الراجح: هو أن التيمم رافعٌ للحدث كالماء، وهذا هو القول المرجح عند كثيرٍ من المحققين، واختاره ابن تيمية وابن القيم، ومن مشايخنا ابن باز وابن عثيمين رحمة الله تعالى على الجميع.
فإذن، القول الراجح: أن التيمم رافعٌ وليس مبيحًا. يترتب على هذا الخلاف عدة مسائل:
هل يُشترط دخول الوقت لصحة التيمم؟
منها المسألة التي ذكرها المؤلف، هل يُشترط دخول الوقت لصحة التيمم أو لا؟
من قال بأنه مبيح اشترط دخول الوقت، ومن قال: بأنه رافع لم يشترط. وأيضًا إذا قلنا: إنه مبيح إذا نوى التيمم لعبادة؛ لم يستبِح به ما فوقها، فإذا تيمم لنافلة لم يُصَلِّ به فريضة، وإذا تيمم لمَسِّ المصحف لم يُصَلِّ به نافلة.
أما إذا قلنا: إنه رافع للحدث؛ فيجوز ذلك كله.
وأيضًا إذا قلنا: إنه مبيح، يُشترط أن ينوي استباحة ما تيمم له، فلو نوى رفع الحدث فقط لم يصح؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث، فيجب أن ينوي استباحة الصلاة. وأما القول بأنه رافع فلا يُشترط فيه ذلك.
لاحِظ: حتى القول بأنه مُبيح، يعني فيه صعوبة في فهمه وتفريعاته: كيف ينوي استباحة الصلاة ولا ينوي رفع الحدث؟ كيف تريد أن..؟ لو أردت أن تشرح للعامة، فكيف يفهمونها؟
ففيه صعوبة حتى في الفهم والتطبيق، بينما القول بأنه رافع، تقول: التيمم كالماء إلا إذا وُجد الماء، فتبطل طهارة التيمم، التيمم كالماء، لكن طهارته طهارة مؤقتة، إلى أن يوجد الماء.
فهذا سهلٌ في الفهم والتطبيق، تقول: التيمم حكمه كالماء تمامًا. هذا هو القول الراجح عند المحققين، أما إذا قلت: مبيح، فلا بد أن تفرع هذه المسائل التي ذكرناها على القول بأنه مُبيح.
الشرط:
السابع: تعذُّر استعمال الماء، إما لعدمه..
بألا يوجد الماء.
أو لخوفِه باستعمالِه..
كأن يخشى.
إما أن يزيد المرض أو يتأخر البُرء، أو أيضًا يخشى العطش لو استعمل الماء، بأن كان الماء قليلًا، يخشى على نفسه أو على رفقته، أو على حيوانٍ محترم، وأيضًا لو كان الجو باردًا واحتاج لغسل الجنابة، فله أن يتيمم، بشرط، ما هو هذا الشرط؟
الطالب: يخشى على نفسه الهلاك.
الشيخ: هو يخشى على نفسه الهلاك الآن، بشرط ألا يجد ما يسخن به الماء.
إذن، إذا كان الجو باردًا، وخشي على نفسه لو اغتسل لهلك أو تضرر، فيجوز له أن يَعدِل إلى التيمم، لكن بشرط -انتبه لهذا الشرط- ألا يجد ما يُسخن به الماء.
فإذَا اشترطنا هذا الشرط.
ومع ذلك، في كثير من الأحيان في الوقت الحاضر، يعني الناسُ يجدون ما يُسخنون به الماء، حتى لو كان في البر، فلا بد من هذا الشرط.
أقول هذا لأن بعض الناس يتساهلون، تجد أنه مثلًا يَخرج الإنسان في البرية ومثلًا يحتلم ويتيمم مباشرة، وهذا لا يصح، هذا التيمم؛ لماذا؟ بإمكانه أن يغتسل، حتى لو كان الجو باردًا يسخن الماء.
طيب، خروج الوقت سيأتي الكلام عنه.
طيب، وأيضًا بعض الناس يتيمم والماء موجود، وهذا يكثر في البوادي، الماء موجود ولكن يريدون توفير الماء لأنفسهم ولدوابهم، ويقولون: نتيمم، وهذا أيضًا لا يصح ولا يجوز، فلا يجوز التيمم إلا عند فقد الماء، أو عند العجز عن استعماله.
ويجب بَذْلُه لعَطْشان من آدميٍّ أو بهيمةٍ محترَمَيْن.
يعني: لو كان الماء قليلًا، ووُجد عطشانُ آدميٌّ، فيُقدم هذا الآدمي على التوضؤ أو الاغتسال، فيجب بذله له، وهكذا أيضًا لو وُجد حيوان، حتى لو وُجِد حيوان فيقدم على استعمال هذا الماء، ويَعدِل المسلم للتيمم.
ومَن وجد ماءً لا يكفي لطهارته استعمله فيما يكفي وجوبًا، ثم تيمم.
يعني: لو كان الماء قليلًا، لا يكفي مثلًا لغسل الوجه واليدين، يستعمله ويتيمم عن الباقي، حتى يصدق عليه أنه اتقى الله ما استطاع.
وإن وصل المسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت، أو علم أن النَّوْبة لا تصل إليه إلا بعد خروجه، عَدَل للتيمم…
مسافر يبحث عن الماء، وصل إلى الماء وقد ضاق الوقت، وصل مثلًا قبيل طلوع الشمس، ولو توضأ لخرج الوقت، أو علِم أن النوبة -يعني حصته من الماء- لن تأتيه إلا بعد خروج الوقت؛ لكونه مثلًا هذا الماء عليه زحام. فهنا يعدل للتيمم، محافظةً على الوقت.
وقال أكثر أهل العلم: ليس له العدول للتيمم مع وجود الماء، بل يجب عليه الوضوء بالماء ولو خرج الوقت.
ونظير هذه المسألة: ما لو كان في الحَضَر، واستيقظ قبيل طلوع الشمس مثلًا بدقيقتين أو ثلاث دقائق، ولو توضأ لخرج الوقت، هل يعدل للتيمم؟
يعني الآن الشمس تطلع الخامسة أو السادسة وأربع عشرة دقيقة، هذا رجل استيقظ السادسة وإحدى عشرة دقيقة، يقول: لو توضأت لخرج الوقت، فأريد أن أتيمم وأصلي صلاة الفجر في وقتها.
هذه المسألة محل خلاف، فالجمهور يقولون: ليس له التيمم مع وجود الماء حتى لو خرج الوقت، وذهب ابن تيمية رحمه الله إلى أن له أن يعدل للتيمم بهذه الصورة؛ وذلك لأنه تعارض عندنا شرط الطهارة وشرط الوقت، وأيهما آكَد؟
شرط الوقت، هذه وجهة ابن تيمية ومن وافقه، بل إن ابن تيمية ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث قال: إذا خشي أن تفوته صلاة الجنازة أو العيد أو الجمعة فإنه يتيمم.
والمؤلف خصَّ هذا بهاتين الصورتين فقط، والخلاف في هذه المسألة -الحقيقة- هو خلافٌ قوي، إذا نظرت إلى تعارضِ شَرْطَيِ الطهارة والوقت.
قول ابن تيمية قولٌ قوي، لكن يُشكل على هذا: كيف يتيمم والماء موجود، والله تعالى يقول: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]؟ هذا أيضًا مُشكل.
ولذلك؛ فالأقرب -والله أعلم- هو قول الجمهور: أنه ليس له العدول للتيمم مع وجود الماء في هذه الصور كلها، حتى في الصورتين اللتين ذكرهما المؤلف، ما دام أن الماء موجود فليس له أن يتيمم، والله تعالى إنما أباح التيمم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله، والماء موجود الآن.
فنقول: إذا خرج الوقت؛ فإن كان معذورًا فلا إثم عليه، وإن كان غير معذور فعليه التوبة، لكن ليس له أن يتيمم والماء موجود.
هذا هو الأقرب للأصول والقواعد الشرعية.
ومَن في الوقت أراق الماء، أو مرَّ به وأمكنه الوضوءُ، ويعلم أنه لا يجد غيرَه؛ حَرُم.
يعني: هذا رجلٌ عنده شيء من العبث، عنده ماء ويريد أن يتوضأ به، وليس عنده غيره، قام وأراق الماء، فما حكم إراقته للماء؟ محرمة؛ لأنه سيُلجئه هذا إلى التيمم.
أو مر بماء يمكنه أن يتوضأ، ويعلم أنه لا يجد غيره، قيل: يا فلان، ترى إذا تجاوزتَ هذا المكان لن تجد ماء. فتساهل؛ فيأثم بذلك، لكن هل تصح صلاته لو تيمم أو لا تصح؟
يقول المؤلف:
ثم إن تيمم وصلى لم يُعد.
يعني: أن صلاته صحيحة، وقال بعض أهل العلم: إنه يعيد، والقول الراجح ما ذهب إليه المؤلف، أن صلاته صحيحةٌ لكن مع الإثم.
وإن وجد محدثٌ ببدنه، وثوبه نجاسةٌ، ماءً لا يكفي، وجب غسل ثوبه…
يعني: هذا رجل اجتمع عليه نجاسةٌ وحَدَثٌ، ومعه ماءٌ يكفي لأحدهما، هل يقدم غسل النجاسة، أو يقدم الوضوء؟
المؤلف يقول: إنه يقدم غسل نجاسة ثوبه، وهذا هو الصواب في هذه المسألة، بل قال ابن قدامة: “لا نعلم فيه خلافًا”.
إذن؛ يُقدِّم تطهيرَ ثوبه من النجاسة بالماء، ويتيمم للحدث، ثم إن فضل شيءٌ غسل بدنه، وبعد ذلك إن فضل شيء يغسل بدنه، ثم إن فضل شيء تطهر به وإلا تيمم.
يُفهم من هذا: أنه إذا تعارضت نجاسةُ البدن والثوب، فأيُّهما يُقدَّم؟
نجاسة الثوب مقدمة على نجاسة البدن؛ لأن نجاسة البدن لها مدخل في التيمم، بينما نجاسة الثوب ليس لها مدخل، فنجاسة الثوب إذن تقدم، ثم نجاسة البدن، ثم التطهر من الحدث.
ويصح التيمم لكل حدثٍ، وللنجاسة على البدن بعد تخفيفها ما أمكن، فإن تيمم لها قبل تخفيفها لم يصح.
أما التيمم للحدث فظاهر، لكن التيمم للنجاسة؟ هذا رجل أصاب ثوبه نجاسة، ولم يجد ماءً يُزيل به النجاسة، هل يتيمم؟
المؤلف يرى أنه يتيمم. وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقال الجمهور: ليس له التيمم في هذه الحال، وإن التيمم إنما يُشرع عن الحدث فقط. قالوا: لأن هذا هو الذي ورد به النص.
وهذا هو القول الراجح: أن النجاسة على الثوب لا يُتيمم لها، بل حتى إن النجاسة على البدن لا يُتيمم لها، وإنما الذي يُتيمم له نجاسة الحدث فقط، رفع الحدث فقط.
لكن المؤلف -على القول الذي قرره، وهو أنه يتيمم عن النجاسة- يقول: لا بد من تخفيفها، فإن تيمم لها قبل تخفيفها لا يصح.
وعلى هذا القول؛ إذا رجحنا أصلًا أنه لا يُشرع التيمم لأجل النجاسة على البدن والثوب، لا نحتاج لهذا التفريع.
الثامن: أن يكون بترابٍ.
خرج بهذا التيممُ بغيرِ التراب، كالحجارة والحصى والرمل ونحو ذلك، واستدلوا لهذا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: جُعلت لي الأرض كلها مسجدًا، وجُعلت تربتها لنا طهورًا[54]. قالوا: فخص تربتها بجواز التيمم.
القول الثاني: أن التيمم لا يختص بذلك، وإنما يجوز بكل ما تصاعد على الأرض، من ترابٍ أو رملٍ أو غيره. وهذا قول الحنفية والمالكية، ورواية عن الإمام أحمد، واختاره ابن تيمية وابن القيم، وهو الراجح.
وعلى ذلك؛ يجوز التيمم بالرملِ، وابنُ القيم يقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام لمَّا ذهب إلى تبوك في غزوة تبوك، كان يواجههم صحاري ليس فيها إلا رمال، ولم يكونوا يحملون معهم التراب، ويُقطع معهم بأنهم كانوا يتيممون على الرمل.
وعلى ذلك؛ فالقول الراجح أن التيمم بكل ما تصاعد على الأرض، ولو كان رملًا، ولا يُشترط أن يكون ترابًا، الرمل غير التراب، التراب يكون له غبار، أما الرمل فمعروف.
طهورٍ.
يعني: يُشترط أن يكون التراب طهورًا، فلا يصح التيمم بالتراب النجِس.
مُباحٍ.
لا بد أن يكون التراب مباحًا، فخرج بذلك التراب المغصوب، ويجري في ذلك الخلاف، والقول الراجح قول الجمهور: أنه يصح التيمم بالتراب المغصوب مع الإثم؛ لأن الجهة منفكة.
غير مُحترِقٍ.
يعني: اشترط المؤلف أن يكون التراب غير محترق، فإن كان محترقًا كالذي يُعمل منه الطين ويصير فَخَّارًا، وكالإسمنت، فهذا خرج عن مسمى التراب.
والقول الراجح: أن كل ما على وجه الأرض من ترابٍ أو طينٍ أو رملٍ، أو نحو ذلك، فإنه يصح التيمم به.
له غُبَارٌ يَعْلق باليد.
اشترط المؤلف في التراب أن يكون له غبار يعلق باليد، واستدلوا بقول الله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، قالوا: منه للتبعيض، ولا تتحقق البعضية إلا بغبارٍ يعلق باليد ويمسح به الوجه.
القول الثاني: أنه لا يُشترط في التراب أن يكون له غبار، قالوا: لأن الله قال: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة:6]، والصعيد الطيب يشمل التراب الذي له غبار والتراب الذي ليس له غبار. وهذا هو القول الراجح.
ويؤيد هذا أنه في سورة (النساء)، قال الله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43]، ولم يقل: “منه”، وهذه -“منه”- إنما وردت في سورةِ (المائدة)، وسورةُ (النساء) سابقةٌ لسورة (المائدة).
ويدل لذلك أيضًا حديث عمَّار: إنما يكفيك هكذا وضرب النبي عليه الصلاة والسلام بكَفَّيْه الأرض، ثم نفخ فيهما، ثم مسح وجهه ويديه[55].
وهذا دليلٌ على أن الغبار غير مُشترَط، فلو كان مشترط لَمَا نفخ فيهما، وهذا في “صحيح البخاري”.
فالقول الراجح إذن أنه لا يُشترط في التراب أن يكون له غبار.
فإن لم يجد ذلك.
يعني: إن لم يجد الماء والتراب.
يعني: هذا رجل مثلًا أسير، ما وجد ماءً ولا ترابًا، سجين مثلًا، ما وجد الماء ولا التراب، نقول: صلِّ على حسب حالك. أو أنه مريض في المستشفى لم يستطع أن يتوضأ، ولم يكن عنده تراب، ولم يوجد أيضًا من يأتِي له بالتراب، وخشي خروج الوقت، نقول: صلِّ ولو بدون وضوء وبدون تيمم: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، صلِّ على حسب حالك.
لكن المؤلف قيد هذا، فقال:
ولا يزيد في صلاته على ما يُجزئ، ولا إعادة.
يعني: يكتفي بما يُجزئ في الصلاة، لا يقرأ دعاء الاستفتاح، ولا يقرأ ما زاد على الفاتحة، ولا يسبح أكثر من مرة، وهذا التقييد لا دليل عليه، هم علَّلوا ذلك، قالوا: لأن صلاته للضرورة، فتتقيد بالواجب.
لكن هذا محل نظر، والصواب أنه يأتي بالصلاة على وجهها الأكمل، بجميع أركانها وواجباتها وشروطها وسننها؛ لأنه اتقى الله ما استطاع، فلا وجه للقول بأنه يأتي بأقل ما يُجزئ.
قال: (ولا إعادة)؛ أي: لا يلزمه أن يعيد هذه الصلاة إذا وجد الماء والتراب؛ لأنه قد اتقى الله ما استطاع؛ ولأن الله تعالى لا يأمر الإنسان بأن يصلي الصلاة مرتين، وهو قد صلى في المرة الأولى، واتقى الله تعالى فيها ما استطاع.
ونقف عند (واجب التيمم)، ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة
السائل: …؟
الشيخ: يعني يفعل الخطوات الست التي ذكرناها، كلها ممكنة، يبدأ بغسل رأسه، ثم الشق الأيمن، ثم الشق الأيسر، ثم يعمم الماء لجميع بدنه، يعني: متيسر هذا.
نجيب عما تيسر من الأسئلة، نبدأ أولًا بالمكتوبة.
السؤال: شخصٌ على غير وضوء، ولا يجد الماء، وأراد أن يلبس الشراب، ولم يدخل وقت الصلاة، هل يجوز له أن يتيمم؟
الجواب: نعم، يجوز له أن يتيمم، ولو عليه الشَّراب، لا يضر ذلك؛ لأن التيمم هو تعبد لله برفع الحدث؛ ولذلك لا يشمل جميع الأعضاء، إنما هو للوجه والكفين.
السؤال: إذا تمضمض الإنسان ثم استنشق، ثم نوى بغسله رفع الحدث الأصغر، فهل يُجزئه ذلك؟
الجواب: إذا كان الغسل واجبًا فيجزئه، أما إذا كان مستحبًّا فلا يجزئ، أو مُباحًا فلا يجزئ.
السؤال: متى يبدأ غسل الجمعة؟ وهل لو اغتسل بعد أذان الفجر أجزأ؟
الجواب: يبدأ غسل الجمعة من طلوع الفجر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: من اغتسل يوم الجمعة…[56]، واليوم يبدأ بطلوع الفجر، لكن الأفضل أن يؤخر اغتساله إلى قبيل خروجه للمسجد الجامع؛ لأنه هو الذي يحقق المقصود من الغسل.
السؤال: ذكرتم أن رطوبة فرج المرأة طاهرة توجب الوضوء، ورطوبة فرج المرأة أشبه ما تكون بالحدث الدائم؟
الجواب: هذا صحيح؛ ولذلك قلنا: إنها تنقض الوضوء، وحكم هذه المرأة حكم صاحب الحدث الدائم في جميع ما ذكرنا.
السؤال: قلتم: إنه لا يُتقيَّد بقراءة القرآن في المصاحف، بل يُقرأ بما يتيسر، إما في الجوالات أو غيرها، واستدللت بأنها كان تُكتب على الجلود والرقاع، والصحابة اتفقوا على كتابة المصحف، والنبي قال: عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين[57]، فهل هذا -يعني كتابة المصحف- سنة؟ كيف نخرج من هذا الإشكال؟
الجواب: المقصود هو قراءة القرآن، سواءٌ قرأته عن ظهر قلب، أو قرأته من المصحف الورقي، أو قرأته من المصحف الذي في الجوال، أو قرأته بأي طريقة، أو قرأته من ألواح بأي طريقة.
المهم أنك تقرأ القرآن؛ لأن القرآن ما أُنزل إلينا مكتوبًا، التوراة مكتوبة كتبها الله بيده، وأعطاها موسى، فالتوراة كانت مكتوبة، وما زالت مكتوبة. القرآن لا، أخذه النبي عليه الصلاة والسلام بالتلقي، تلقاه جبريل من الرب ، وتلقاه نبينا عليه الصلاة والسلام من جبريل، والصحابة تلقوه من النبي عليه الصلاة والسلام، ووصل إلينا هكذا. فالعبرة بقراءة القرآن.
ولهذا؛ هل المصحف الآن المطبوع هو المصحف الموجود في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؟ ليس هو المصحف الموجود في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، حتى في عهد عثمان، ليس هو الموجود في عهد عثمان، كان غير منقط.
فالعبرة إذن بقراءة القرآن، المهم أنك تقرأ القرآن بأية طريقة، بل إن المصحف الموجود في الجوال، هو أصلًا مصور لهذا المصحف الورقي، فلا فرق بينه وبينه في الأجر ولا في الثواب.
وبعض الناس يستنكر هذا؛ لأجل أنه جديد، ومَن جهل شيئًا أنكره، لكن لا بد من أن ننزل عليه الأصول والقواعد والأدلة، فلا فرق في الأجر بين أن تقرأ القرآن من المصحف الذي في الجوال أو من المصحف الورقي، بل إن وجود المصحف في الجوالات، نعمة من الله ؛ نعمة لأنك تستطيع أن تقرأ في أي مكان، وفي أي زمان، فهي من نِعَم الله تعالى علينا في هذا الوقت.
السؤال: جدتي كبيرة في السن، وأُصيبت بنزول البول بدون إرادتها، فتركت الصلاة لأجل ذلك، فما حكم فعلها؟
الجواب: حكم فعلها هذا محرم، ومن الكبائر، ما دام أن عقلها معها، يجب عليها أن تصلي، أما كون البول يخرج معها هذا له حل، أنها تصلي ولو كان البول يخرج معها، فحكمها حكم صاحب السلس، فلا بد أن توجهها وأن ترشدها.
الأخ السائل عليه أن يوجه جدته وأن يُرشدها، وأن يُبين لها خطورة المسألة؛ لأن بعض العامة يعتقد ذلك.
ولذلك؛ تجد أنهم في المستشفيات إذا كان على ملابسِه نجاسة لا يصلي، يقول: حتى أخرج من المستشفى، وهذا جهلٌ كبير. الواجب عليه أن يصلي ولو كان عليه نجاسة: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. المهم، لا تترك الصلاة حتى يخرج وقتها.
فنقول للأخ السائل الكريم: يجب عليك أن تبين حكم هذه المسألة لجدتك، وأنه يجب عليها أن تصلي بحسب حالها، وتتقي الله تعالى ما استطاعت، ولو كان يخرج منها البول، لا يضر، ولو كان البول أيضًا على ملابسها لا يضر، تتقي الله تعالى ما استطاعت، لكن لا تترك الصلاة حتى يخرج وقتها.
السؤال: ما وجه جواز المسح على ما يكون في المستشفيات من قماش؟
الجواب: القماش هذا فيه تراب، هو قماش، لكن أسفله تراب، فمن يضربه في الحقيقة يضرب هذا التراب، لكن وُضع على هذا التراب قماش لكي يُثبِّته؛ ولذلك ينبغي أن يُتنبه متى ما انتهى هذا التراب أن يُجدَّد.
السؤال: شخصٌ يخرج منه ريح باستمرار، فيصلي جالسًا لكيلا يُحْرَج؟
الجواب: لاحِظوا كثرة الأسئلة في الحدث الدائم، الحقيقة المسألة مشكلة، هذا الشخص الذي يَخرج منه الريح باستمرار، حكمه حكم صاحب سلس البول تمامًا.
أما كونه يصلي جالسًا، فننظر؛ لماذا يصلي جالسًا؟ إذا كان خروج ريح لا يضره، فلا فرق بين أن يصلي قائمًا أو يصلي جالسًا، لكن إذا كان سيخرج منه صوت وينحرج، فيكون هذا عذرًا له إذا صلى مع الجماعة، أنه يصلي جالسًا.
السؤال: هل يجوز التيمم بالسيراميك والبلاط إذا كان عليه غبار خفيف؟
الجواب: هذا محل نظر، إذا كان الغبار خفيفًا، فالظاهر أنه لا يُجزئ؛ لأنه لا بد من أن يكون التيمم بما تصاعد عن الأرض، إما تراب، وإما رمل، وما كان في معناهما؛ ولذلك ذكروا أن الطين والذي يُصنع على شكل خزف، أنه لا يُتيمم به.
السائل: إذا كان الحجر ليس عليه غبار، يصح؟
الشيخ: الحجر الذي ليس عليه غبار لا يصح، الحجر لا يصح أن يُتيمَّم عليه.
السؤال: مَن لم يذكر التسمية في الغسل إلا في آخر الغسل، هل يُعيد الغسل على المذهب مثل الوضوء؟
الجواب: نعم، عندهم أن التسمية مع الذِّكْر، فإذا لم يذكر إلا في آخره لا يضر؛ لأنهم قالوا: التسمية مع الذِّكر في الوضوء وفي الغسل. فعلى ذلك؛ لا يلزمه أن يُعيد الغسل من أوله.
السؤال: إذا كان عدم زواج النبي عليه الصلاة والسلام على خديجة إكرامًا لها، هل يُفهم عكس ذلك؟
الجواب: خديجة لها وضعٌ خاص، خديجة فعلت أشياء كثيرة، وأيضًا النبي عليه الصلاة والسلام كان هناك أسباب أخرى، ليس هذا هو السبب الوحيد، النبي عليه الصلاة والسلام في الفترة المكية، كان منشغلًا بدعوة الناس إلى تحقيق التوحيد، فركز على التوحيد فقط، قضية واحدة.
ولما هاجر إلى المدينة أراد أن يتزوج بأكثر من امرأة؛ لعدة أسباب: من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام بدأ يأمر الناس ببقية شرائع الإسلام، ومن ذلك مثلًا الأمور التي لا تنقلها إلا أزواجه، وأيضًا حتى يؤلف القبائل، وأيضًا يكون من باب التأليف؛ لأنه إذا صاهر القبيلة ففيه تأليف لقلوبهم.
لكن، خديجة؛ فلعدة أسباب، ليس هذا هو السبب الوحيد لعدم كون النبي عليه الصلاة والسلام لم يعدد عليها.
وأما قول الأخ: هل يُفهم عكس ذلك؟ يعني أنه عندما يتزوج على امرأته، أن هذا لم يكرمها. هذا غير صحيح، يعني التعدد ليس فيه قضية أنه إذا عدد لم يُكرم امرأته، لكن لو رأى مثلًا رجلٌ من امرأته تضحيةً كبيرةً، وأراد أن يُكرمها بذلك لأجل تضحيتها، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام مع خديجة؛ فهذا لا بأس به.
السؤال: هل امتناع عليٍّ عن الزواج على فاطمة من خصوصية الرسول؟
الجواب: هذا الذي يظهر؛ لأن عليًّا أراد أن يعدد على فاطمة بنت النبي عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: إن فاطمةَ بَضْعةٌ مني، وإنه يؤذيني ما آذاها[58].
فخشي على عليٍّ؛ لأنه إذا تزوج عليها تأذت فاطمة، فتأذى النبي عليه الصلاة والسلام، وأذية النبي عليه الصلاة والسلام مُحرَّمة، فهنا خشي النبي عليه الصلاة والسلام على عليٍّ؛ فلذلك منعه من التعدد لأجل ذلك.
فيظهر أن هذا خاص، هذا من خصوصية النبي عليه الصلاة والسلام.
السؤال: ما دليل التيامن في الغسل؟
الجواب: الدليل حديث عائشة: كان يُعجبه التيامن في تنعله وفي ترجله، وفي طُهُوره[59]. طُهُوره يشمل الغُسل، ويشمل الوُضوء، وفي شأنه كلِّه.
السؤال: هل يجوز التيمم على فرشة المسجد؟
الجواب: الأصل أنه لا يتيمم عليها، لا بد من التيمم على تراب أو على رمل، ما تصاعد عن الأرض؛ لأن هذه الفرشة هي مصنوعة من غير ما تصاعد عن الأرض، هي مصنوعة إما من وبر أو بلاستيك، أو مصنوعة من مادة أخرى.
لكن، لو لم يجد وكان لها غبار، فيمكن أن يُقال بذلك، باعتبار أنه ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام تيمم على الجدار، لكن كانت جدرانهم مبنية من طين، فيكون لها نوع من الغبار.
فالأصل أنه لا يتيمم على فرشة المسجد، إلا إذا لم يجد وكان لها غبار، فيمكن أن يُقال بالجواز في هذه الحال.
السائل: … المضمضة والاستنشاق؟
الشيخ: لا، ليست هذه علة.. الوضوء؛ لأنه ورد الأمر، قال: إذا توضأت فمَضْمِض وبالِغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا. عند أبي داود[60]، ولم يرد أمر بالمضمضة والاستنشاق في الغسل.
السائل: …؟
الشيخ: لا، الأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب، ما الصارف؟ ما عندنا صارف؛ فلذلك قلنا: إنه في الوضوء يجب؛ لأنه ليس هناك صارف، بينما لم يرد الأمر بالمضمضة والاستنشاق في الغسل: خُذْ هذا فأفرغه على نفسك[61]، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6].
هذا هو سبب التفريق؛ ولذلك فإيجاب المضمضة والاستنشاق في الوضوء، يعني رجحانه ليس ظاهرًا بينًا، لكن هو الأقرب.
فعلى هذا، لا نَطرُد المسألة في الغسل، هذه من دقائق المسائل، يعني بعض المسائل تجد أن رجحانها بيِّن واضح، لكن إيجاب المضمضة والاستنشاق يعني هو على سبيل أنه أقرب أو أرجح قليلًا، قول الجمهور بالاستحباب قولٌ قوي، لكن ينبغي ألا نتوسع في المسألة.
إذا أتينا الغسل، ما عندنا أصلًا دليل يدل على إيجاب المضمضة والاستنشاق، فهذا يؤكد رجحان قول الجمهور في عدم إيجاب المضمضة والاستنشاق في الغسل.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907. |
---|---|
^2 | رواه مسلم: 243. |
^3 | رواه أحمد: 15495، وأبو داود: 175. |
^4, ^61 | رواه البخاري: 344. |
^5, ^7, ^8 | رواه مسلم: 330. |
^6 | رواه البخاري: 248. |
^9 | رواه مسلم: 332. |
^10 | رواه مسلم: 331. |
^11, ^13, ^22, ^24, ^38 | سبق تخريجه. |
^12 | رواه البخاري: 316. |
^14 | رواه البخاري: 1265، ومسلم: 1206. |
^15 | رواه مسلم: 1206. |
^16, ^17 | رواه مسلم: 2102. |
^18 | رواه البخاري: 272. |
^19 | رواه البخاري: 1959. |
^20 | رواه البخاري: 248، ومسلم: 316. |
^21 | رواه البخاري: 257، ومسلم: 317. |
^23 | سبق تخريجه |
^25 | رواه البخاري: 201، ومسلم: 326. |
^26 | رواه أحمد: 14250، وأبو داود: 93، والترمذي: 56، وابن ماجه: 269. |
^27 | رواه البخاري: 252، ومسلم: 329. |
^28 | رواه البخاري: 185، ومسلم: 235. |
^29 | رواه مسلم: 873. |
^30 | رواه البخاري: 858، ومسلم: 846. |
^31 | رواه البخاري: 877، ومسلم: 844. |
^32 | رواه البخاري: 896، ومسلم: 849. |
^33 | رواه البخاري: 878، ومسلم: 845. |
^34 | رواه مسلم: 857. |
^35 | رواه أحمد: 20089، وأبو داود: 354، والترمذي: 497، والنسائي: 1380، وابن ماجه: 1091. |
^36 | رواه البخاري: 880، ومسلم: 846. |
^37 | رواه البخاري: 902، ومسلم: 847. |
^39 | رواه أحمد: 7770، وأبو داود: 3161. |
^40 | رواه مالك: 3. |
^41 | رواه ابن ماجه: 1315. |
^42 | رواه البخاري: 687، ومسلم: 418. |
^43 | رواه البخاري: 5648، ومسلم: 2571. |
^44 | رواه أحمد: 1481، والترمذي: 2398، وابن ماجه: 4023. |
^45 | رواه أبو داود: 292. |
^46 | رواه البخاري: 325. |
^47 | رواه البخاري: 228. |
^48 | رواه مسلم: 333 |
^49 | رواه الترمذي: 830، والدارمي: 1835. |
^50 | رواه البخاري: 1573، ومسلم: 1259. |
^51 | رواه البخاري: 334، ومسلم: 367. |
^52 | رواه الترمذي: 124. |
^53 | رواه البخاري: 335، ومسلم: 521. |
^54 | رواه البخاري: 438، ومسلم: 522. |
^55 | رواه البخاري: 338، ومسلم: 368. |
^56 | رواه البخاري: 881، ومسلم: 850. |
^57 | رواه أحمد: 17144، والترمذي: 2676، وابن ماجه: 42. |
^58 | رواه البخاري: 3729، ومسلم: 2449. |
^59 | رواه أحمد: 25664، والنسائي: 112. |
^60 | رواه أحمد: 16380، وأبو داود: 142، والترمذي: 788، وابن ماجه: 407. |