عناصر المادة
- باب الوضوء
- تعريف الوضوء
- هل الوضوء من خصائص هذه الأمة؟
- حكم التسمية عند الوضوء
- فروض الوضوء
- حكم المضمضة والاستنشاق
- شروط الوضوء
- صفة الوضوء
- سنن الوضوء:
- السنة الأولى: استقبال القبلة
- الثاني: السواك
- الثالث: غسل الكفين ثلاثًا
- الرابع: البُداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة والاستنشاق
- الخامس: المبالغة في المضمضة والاستنشاق
- السادس: المبالغة في سائر الأعضاء مطلقًا
- حكم الزيادة على ثلاث غسلات
- السابع: الزيادة في ماء الوجه
- الثامن: تخليل اللحية الكثيفة
- التاسع: تخليل الأصابع
- العاشر: أخذ ماء جديدٍ للأذنين
- الحادي عشر: تقديم اليمنى على اليسرى
- الثاني عشر: مجاوزة محل الفرض
- الثالث عشر: الغسلة الثانية والثالثة
- الرابع عشر: استصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء
- الخامس عشر: النطق بالنية سرًّا
- السادس عشر: قول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
- السابع عشر: رفع البصر عند قول الذكر الوارد
- الثامن عشر: أن يتولى وضوءه بنفسه
- حكم تنشيف الأعضاء عند الوضوء
- الأسئلة
ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على السلسبيل في شرح الدليل، وفي هذا الدرس إن شاء الله سنشرح باب الوضوء كاملًا إلى باب المسح على الخفين بإذن الله تعالى، حسب الخطة المرسومة في هذا.
باب الوضوء
قال المؤلف رحمه الله:
باب: الوضوء:
تعريف الوضوء
الوضوء: مأخوذٌ من الوضاءة، وهي النظافة والحسن.
وتعريفه شرعًا: التعبد لله بغسل أعضاء مخصوصة، على صفةٍ مخصوصة، وهنا أُضيف التعبد لله ؛ لأنه لا بد من هذا القيد، فلو أنه غسل أعضاءه بغير نية التعبد، لم يكن وضوءً شرعًا، فلا بد من إضافة هذا القيد، التعبد لله ، بغسل أعضاء مخصوصة، هي أعضاء الوضوء، سنتكلم عنها، على صفةٍ مخصوصة، أيضًا سنُبينها.
ويُقال: الوضُوء، بضم الواو، وبفتحها، فبالضم الفعل، وبالفتح اسم لما يُتوضأ به، وهذه قاعدة مطردة، فيما كان كذلك، أنه بالضم الفعل، وبالفتح اسمٌ لذلك الشيء؛ ولهذا يُقال: الطَهُور والطُهور، فالطَهور: اسمٌ لما يُتطهر به، والطُهور: التطهر نفسه، فعل التطهر، يُقال: السَحور، والسُحور، السَحور: اسمٌ لما يُتسحر به، والسُحور: هو التسحر نفسه، وأكل الطعام آخر الليل نفسه، وهكذا.
هل الوضوء من خصائص هذه الأمة؟
هنا مسألة هل الوضوء من خصائص هذه الأمة؟
الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، وقد كان معروفًا، وكذا الصلاة، كانا معروفين لدى الأمم السابقة، ومما يدل لذلك قصة إبراهيم عليه السلام؛ لما هاجر بزوجه سارة، وقابل ملكًا جبّارًا، وكانت زوجته جميلةً، من أجمل النساء، وكان يتعدى هذا الملك، من شريعته أنه يتعدى على الزوجة، ولا يتعدى على الأخت، فقال إبراهيم لها: إذا قيل لك: ما علاقتك به، قولي: إنك أختي، وأنتِ تقصدين أنك أختي في الله، ففعلت ذلك، فقامت تتوضأ وتصلي، هذا موضع الشاهد، توضأت وصلت، إلى آخر القصة المعروفة، يعني ما استطاع أن يقربها، ونجّاها الله ، الشاهد أنها قامت وتوضأت، وصلت ركعتين، وهذا يدل أيضًا على أن الصلاة تُشرع عندما يحزب الإنسان أمرٌ، إذا حزبك أي أمر، صلِ ركعتين، حصلت لك مشكلة، صلِ ركعتين، واسأل الله تعالى التيسير، أمرٌ أقلقك، صلِ ركعتين، واسأل الله التيسير، هكذا من هدي النبي عليه الصلاة والسلام، أنه إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة [1] فإذا حزبك أي أمر، صلِ ركعتين، واسأل الله التيسير، تجد العجب العجاب، فسبحان الله، الصلاة لها شأنٌ عجيب؛ ولهذا هنا سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، قامت توضأت وصلت ركعتين.
أيضًا قصة جريج العابد، جريج كان في بني إسرائيل، وكان منقطعًا للعبادة في صومعته، تحدث بنو إسرائيل عن عبادته، وكان هناك امرأةٌ يُتمثل بحسنها، وهي من البغايا، فقالت: والله لأفتننه، فأتت وتعرضت له، فلم يلتفت إليها، حتى أمكنت نفسها من الراعي، فحملت منه، فاتهموا جريجًا، وهدموا صومعته، ثم قام وقال: أين الغلام؟ فأتوا به، فتوضأ- وهذا موضع الشاهد- وصلى ركعتين، ثم طعن بإصبعه في بطن الغلام، قال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، فأنطقه الله تعالى في المهد، فجعلوا يقبلونه، ويتمسحون به، وقالوا: نبني صومعتك ذهبًا، قال: لا بل أعيدوها كما كانت [2].
والشاهد: أن جريجًا أيضًا قام وتوضأ وصلى ركعتين، يدل على أن الوضوء كان معروفًا عندهم، وصلى ركعتين، وهذا أيضًا يدل على أنه إذا حزب الإنسان شيء، يقوم ويتوضأ، عن جريج وسارة لما حصل لهما هذا الأمر كلٌ منهما فزع إلى الصلاة، ونجاهم الله تعالى، سارة زوجة إبراهيم، صلت ركعتين، جرير صلى ركعتين، إذا حزبك أي أمر، افزع إلى الصلاة.
إذًا الوضوء كان معروفًا لدى الأمم السابقة، كما أن الصلاة كانت معروفة لدى الأمم السابقة، فليس من خصائص هذه الأمة، وإنما الذي هو من خصائص هذه الأمة، الغرة والتحجيل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: إن أمتي يُدعون يوم القيامة غرًا محجلين، من آثار الوضوء [3] وفي لفظٍ عند مسلم: سيما ليست لأحدٍ من الأمم غيركم [4] والغرة معناها: البياض في الوجه، والتحجيل: البياض في اليدين والرجلين، وهذه تتميز بها هذه الأمة، مع أنها قليل في الأمم الأخرى، كما قال عليه الصلاة والسلام: ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة في جلد الثور [5] تصور نسبة شعرة في جلد ثور، ما نسبتها، كذلك هذه الأمة بالنسبة للأمم الأخرى.
وهذا يدل على كثرة البشر، وورد في حديث أبي ذر أن عدد الأنبياء والرسل: مائةٌ وأربعةٌ وعشرون ألفًا، وكل نبي يُبعث في أمة، فسبحان من أحصاهم وعدهم عدًّا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا.
إذًا الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، وإنما الغرة والتحجيل من خصائص هذه الأمة.
حكم التسمية عند الوضوء
قال المؤلف رحمه الله: “تجب فيه التسمية، وتسقط سهوًا”.
وهذا هو القول المشهور من مذهب الحنابلة أن التسمية واجبة مع الذكر؛ ولهذا عبارة صاحب الزاد: “تجب التسمية في الوضوء مع الذكر”.
وهنا صاحب الدليل عبّر تعبير آخر يؤدي نفس المعنى: “تجب فيه التسمية، وتسقط سهوًا”، والمعنى واحد أنه يجب التسمية مع الذكر، واستدلوا بحديث أبي هريرة ، أن النبي قال: لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله تعالى عليه [6] هذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داوود وابن ماجه، وله طُرق وشواهد، لكن جميع طُرقه ضعيفة، وبعض المحدثين المتأخرين، حسّنوا إسناده، بل بعضهم صححه بمجموع طرقه، ولكن هذا الحديث ضعيف؛ لأن الطرق إذا كانت ضعيفة، فإنها لا تنجبر؛ ولهذا الإمام أحمد ضعفه، كذلك ابن أبي حاتم ضعفه، قال الإمام أحمد: “لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسنادٌ جيد” فهذا الحديث إذًا حديثٌ ضعيف.
القول الثاني: أن التسمية عند الوضوء مستحبة، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو رواية عند الحنابلة، واستدلوا بآيةٍ الوضوء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] قالوا: ولم تُذكر فيها التسمية، أيضًا الواصفون لوضوء النبي ، لم يذكروا أنه سمّى، ولو سمّى لنقلوه، فإنهم قد نقلوا كل شيء، حتى نقلوا اضطراب لحيته في الصلاة، كونه لم يرد ذلك، لا في حديثٍ صحيح، ولا ضعيف، ولا في أي رواية من روايات صفة وضوء النبي عليه الصلاة والسلام أنه سمّى، فلو كان سمّى لرفع النبي صوته حتى يسمع الصحابة؛ لكي ينقلوا ذلك للأمة، ولنقله الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وبهذا يتبين أن القول الراجح أن التسمية مستحبة وليست واجبة؛ وذلك لأن الحديث الذي اعتمد عليه القائلون بالوجوب، حديثٌ ضعيف، ولو صحّ فيُحمل على أن المراد: لا وضوء كامل، وإنما قلنا بهذا التأويل، جمعًا بينه وبين أحاديث صفة وضوء النبي ، التي لم تُذكر فيها التسمية، ومما يُضعف هذا القول أنه لما قالوا: تجب التسمية، رجعوا وقالوا: تسقط سهوًا، يعني كأنهم رأوا أن القول بالوجوب، ليس بذاك القوة؛ ولذلك قالوا: تسقط سهوًا.
ومن أهل العلم من قال: إن التسمية عند الوضوء، غير مشروعة أصلًا، قالوا: لأنه لم يثبت في ذلك شيءٌ عن النبي ، وليست كل عبادة يُشرع في بدايتها التسمية، أرأيت الأذان، من أجل وأعظم العبادات، وأعظم شعائر الإسلام، هل يُشرع في أوله التسمية؟
ما يُشرع، ليس كل عبادة يُشرع في أولها التسمية، والحديث المروي في ذلك حديثٌ ضعيف.
ولكن الأقرب -والله أعلم- ما عليه الجمهور، وهو أن التسمية عند الوضوء أنها مستحبة، وليست واجبة.
قال: “وإن ذكرها في أثنائه ابتدأ”
يعني: ابتدأ الوضوء من أوله، باعتبار أن التسمية واجبة، وذكرنا أن القول الراجح: أنها مستحبة، فحتى لو لم يسمِ وضوؤه صحيح.
فروض الوضوء
ثم انتقل بعد ذلك المؤلف للكلام عن فروض الوضوء.
قال: “وفروضه ستة”.
تعريف الفرض
فروضه، الفروض: جمع فرضٍ، والفرض يُطلق على الحز والقطع.
وفي الشرع: هو ما يُثاب فاعله، ويُعاقب تاركه، وهل هناك فرق بين الفرض والواجب؟
الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، الفرض هو الواجب، الحنفية فرّقوا بين الفرض والواجب، فقالوا إن الفرض: ما ثبت بدليلٍ قطعي الثبوت والدلالة، والواجب: ما ثبت بدليلٍ ظني الثبوت والدلالة، ورتبوا على ذلك، قالوا: قراءة سورة الفاتحة عندهم ليست فرضًا، وإنما واجبة؛ لأنها إنما وجبت بأحاديث آحاد، ظنية الثبوت والدلالة، لكن قراءة ما تيسير من القرآن، عندهم أنها فرض؛ لأنها ثبتت بالقرآن فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20] قطعي الثبوت والدلالة، وهذا كله لا دليل عليه، يعني هذا التفصيل الذي ذكره الحنفية لا دليل عليه، ما الدليل على هذا الكلام؟ كله ليس عليه دليل، لكنه مذكورٌ في كتبهم، وفي كتب أصول الفقه، والأقرب -والله أعلم- هو قول الجمهور، وهو أنه لا فرق بين الفرض والواجب.
لكن هنا المؤلف قال: “فروض الوضوء” مراد المؤلف بالفروض: الأركان، انتبه، المراد الأركان، والفقهاء أحيانًا يُعبرون عن الأركان بالفروض، فيطلقون الفرض على الركن، والركن على الفرض، والأصل في أركان الوضوء: قول الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6].
الفرض الأول: غسل الوجه
الفرض الأول: غسل الوجه.
وذلك لقول الله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6].
معنى الغَسْل
ما معنى الغسل؟ الغسل معناه: أن يجري الماء على العضو، وبناءً على ذلك من بلل يده بالماء، ومسح بها وجهه، فلا يُعتبر غاسلًا، وإنما يُعتبر ماسحًا، وأقول هذا لأني رأيتُ بعض الإخوة يريد أن يتوضأ بماءٍ قليل، فيأتي بماء قليل جدًّا، في كوب صغير، وبعد ذلك يقوم يمسح أعضاءه، ثم يقول: إني توضأت وطبقت السنة، الحقيقة هذا ليس غسل، هذا مسح، يأخذ الماء ويقوم يمسح به على وجهه، الغسل لا بد أن يجري الماء على العضو، أما مجرد أنه يقوم بتمسيح أعضائه، هذا مسحٌ، وليس غسلًا، ولا يصح هذا الوضوء، حتى ذكر لي بعض الإخوة من بعض طلبة العلم، من توضأ بماء قليل جدًّا، يعني أقل من المد، فقلت: إذًا هو يفعل هذه الطريقة، هو يقوم بتمسيح أعضائه، وليس بغسلها، فانتبهوا، بعض الإخوة يكون عنده ردة فعل، عندما يسمع مثلًا عن الإسراف في الوضوء، فيُبالغ في المقابل في تقليل ماء الوضوء، فيؤدي ذلك إلى أن يمسح، بدل ما أن يغسل أعضاء الوضوء يمسحها.
ونظير ذلك من بعض الوجوه: أن بعض الناس أيضًا في خطبة الجمعة، عندما يستمع قول النبي : إنما قِصَر خِطَبة الرجل، وطول صلاته مئنةٌ من فقهه [7] يقصرون الخطبة تقصيرًا مخلًا، حتى قال لي بعضهم: إن الخطبة هنا في الرياض حدود أربع دقائق، طيب ماذا سيقول في أربع دقائق؟ هذا تقصير مخل، الناس أتوا مبكرين يريدون أن يستمعوا للخطبة، ويستفيدوا من هذا الدرس الأسبوعي، فلا بد أن نفهم النصوص الفهم الصحيح، وإلا لو أخذت بالحديث على ظاهره قِصَر خطبة الرجل وطول صلاته طيب النبي عليه الصلاة والسلام ماذا كان يقرأ في الجمعة؟ سبح والغاشية، أليس كذلك؟ غالبًا يقرأ سبح والغاشية، هل معنى ذلك أن الخطبة تكون أقصر من سبح والغاشية؟ لا، لم يقل بهذا أحد، إذًا لا بد أن نضبط، ما المقصود؟ المقصود بالطول والقِصَر هنا: الطول والقِصَر النسبي، فتكون خطبة الجمعة، بقدر خطبة النبي .
ماذا كان عليه الصلاة والسلام يخطب غالبًا، قدر قراءة سورة (ق)، كما قالت أم حارثة بنت هشام، كان يقرأها كل جمعة على المنبر [8].
يعني: كثيرًا ما يقرأ بها، قراءة سورة (ق) مرتلة، لا تقل عن عشر دقائق، يعني عشر دقائق إلى ربع ساعة، وأحيانًا الموضوع قد يستدعي أيضًا أن يُطيل أكثر من ذلك، مثلًا ثلث ساعة، فيكون الأمر بهذا، لا تكون تقصيرًا مبالغًا فيه، فلا بد من أن يُفهم هذه المسائل الفهم الصحيح.
فأقول: إذًا الغسل هنا، المقصود به أن يجري الماء على العضو.
والوجه: ما تحصل به المواجهة، وحده طولًا -وسيأتي أيضًا من كلام المؤلف- من منابت شعر الرأس المعتاد، إلى أسفل اللحية، وبعضهم يُعبر إلى الذقن طولًا، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، وسيأتي الكلام عنه أيضًا من كلام المؤلف.
قال: “ومنه”.
يعني: من الوجه.
المضمضة والاستنشاق.
حكم المضمضة والاستنشاق
وهذا يدل على أن المضمضة والاستنشاق واجبان، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات، وهذا المصطلح إذا قلنا: من المفردات، ماذا يُقصد به؟ انفرد به الحنابلة، معنى ذلك أن المذاهب الأخرى على خلافه، وهناك عندنا في قسم الفقه، في كلية الشريعة جامعة الإمام، رسائل علمية، رسائل دكتوراه، كلها في المفردات، المفردات عند الحنابلة جُمعت في رسائل علمية، وطبعتها الجمعية الفقهية.
طيب، إذًا القول الأول: أن المضمضة والاستنشاق واجبان، استدلوا بعدة أحاديث، منها حديث أبي هريرة: إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر [9] وهذا الحديث في الصحيحين.
قوله: ينتثر أمر، والأصل في الأمر الوجوب، أيضًا قصة عثمان لما وصف وضوء النبي ، وذكر أنه تمضمض واستنشق، واستنثر [10]؛ بل جميع الواصفين لوضوء النبي عليه الصلاة والسلام، ذكروا ذلك، كما قال ابن القيم، إن النبي لم يتوضأ قط، إلا تمضمض واستنشق، ولم يحفظ عنه أنه أخل بذلك مرةً واحدة.
أيضًا حديث لقيط بن صبرة: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا [11] وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجه، وأصحاب السنن، بسندٍ صحيح، عن لقيط بن صبرة أنه أتى النبي فوجده، ومعه أغنام، ومعه الراعي، فقال للراعي: اذبح لنا شاةً ثم قال للقيط: إنا لم نذبحها لأجلك، وإنما عندنا مائةٌ من الغنم، فإذا نتجت واحدة، ذبحنا أخرى مكانها، ثم قال له لقيط: يا رسول الله، إن لي امرأةً، وإن لسانها بذيء، قال: طلقها قال: إن لي منها ولدًا وصحبة، قال: عظها، فإن يكن فيها خيرًا، تفعل ثم سأله عن الوضوء، فقال: بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا [12] وهذا الحديث سنده صحيح، حديث لقيط بن صبرة ، وهو عند أصحاب السنن.
وجاء في رواية عند أبي داود: إذا توضأت فمضمض [13] هذه الأحاديث كلها تدل على وجوب المضمضة والاستنشاق.
أيضًا قالوا: إن المضمضة، يعني تبعًا لأدلة القول الأول، قالوا: إن المضمضة والاستنشاق في حكم الظاهر، فيكون حكمها الوجوب تبعًا لغسل الوجه، والعجيب أن الإمام أحمد روي عنه في المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل سبع روايات، لكن الصحيح عند الحنابلة هو أنهما واجبان في الوضوء.
القول الثاني هو قول الجمهور: الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عند الحنابلة، أن المضمضة والاستنشاق مستحبتان، وحملوا النصوص التي ذكرها أصحاب القول الأول على الاستحباب، وقالوا: إنهم أيضًا لم يُذكرا في آية الوضوء، ولا في حديث المسيء صلاته، فلو كان واجبين لذكرهما النبي ، والأقرب -والله أعلم-، هو القول الأول، وهو وجوب المضمضة والاستنشاق؛ لأن هذه الأحاديث جاء فيها الأمر، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب، وليس هناك صارف يصرف الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب.
كيفية المضمضة والاستنشاق
السنة عند المضمضة والاستنشاق أن يكون من غرفةٍ واحدة، ولا يفصل بينهما؛ لحديث عبدالله بن زيد، وفيه: «فمضمض واستنشق من كفٍ واحدة، فعل ذلك ثلاثًا» [14]؛ ولهذا قال ابن القيم: “لم يجئ الفصل والاستنشاق في حديث صحيحٍ ألبتة” بمعنى إذا أردت أن تتوضأ، تأخذ الغرفة من الماء، وتقسمها نصفين، نصفٌ للمضمضة، والنصف الثاني للاستنشاق، ثم تأخذ الغرفة الثانية وتقسمها نصفين، نصف للمضمضة، ونصف للاستنشاق، ثم تأخذ الغرفة الثالثة، وتقسمها نصفين، نصف للمضمضة، ونصف للاستنشاق، هذه هي السنة، ولو أنك فصلت بينهما، فلا بأس، لكن السنة والآكد والأفضل أن تفعل هذا، فمعنى ذلك: كم تكون من غرفة؟ ثلاث غرفات فقط، تقسم كل غرفة إلى قسمين، نصف للضمضمة، ونصفٌ للاستنشاق.
الفرض الثاني، غسل اليدين مع المرفقين
وغسل اليدين مع المرفقين.
اليدين تثنية يد، واليد في الأصل إذا أُطلقت، المراد بها الكف، كما قال الله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38] والمقصود: أكفهما، ولكن المؤلف لا يُريد ذلك؛ ولذلك قال: “مع المفرقين” فمعنى ذلك: أن هذا يشمل الكف والذراع والمرفق؛ لقول الله : فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] لكن إِلَى حرف انتهاء الغاية، طيب حرف انتهاء الغاية، هل ما بعده يدخل فيما قبله؟ لو قلت: قرأت من سورة البقرة إلى سورة المائدة، هل سورة المائدة تدخل؟ ما تدخل، الأصل أن (إلى) حرف غاية، وما بعده لا يدخل فيما قبله إلا بقرينة، وهنا وجدت القرينة التي تدل على دخول المرفقين في الغسل، والقرينة هي أحاديث وردت عن النبي في هذا، ومن ذلك حديث أبي هريرة لما توضأ فغسل وجهه، وأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى، حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، وقال: “هكذا رأيت النبي يفعل” [15] هذا دليل إذًا على أن المرفق يدخل في اليدين، فعلى ذلك يكون معنى الآية: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] يعني: مع المرافق.
هنا ذُكِر في صـفحة 183، تنبيهان:
التنبيه الأول: تساهل بعض الناس في غسل المرفق، وهذا التساهل قد يترتب عليه عدم صحة الوضوء؛ ولذلك النبي لما رأى رجلًا في قدمه قدر الظفر لم يصبه الماء، أمره أن يعيد الوضوء والصلاة [16]، فما الفرق بين هذا وبين من يبقى مرفقه لم يُصبه الماء؟
الأمر الثاني: أن بعض الناس في أول الوضوء يغسل كفيه، ثم بعدما يغسل وجهه، يكتفي بغسل الذراع والمرفق، ولا يغسل الكف، غسل الكف هنا من فروض الوضوء، بينما غسل الكف في أول الوضوء من سنن الوضوء، معنى ذلك إذا فعل هذا ترك قدرًا كبيرًا لم يغسله، وهو الكف، فلا يصح وضوؤه، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أمر رجلًا يُعيد الوضوء، لأجل قدر الظفر، ما بالك بالكف كلها، وما بالك بالكفين أيضًا، فهذا من الأخطاء الشائعة عند بعض الناس، انتبهوا لهذا، ينبغي التنبيه على هذه المسألة، فإذًا عند الوضوء بعدما تغسل وجهك، تغسل الكف والذراع والمرفق، تغسلها جميعًا، يعني من أطراف الأصابع إلى المرفق، مع دخول المرفق في الغسل.
الفرض الثالث: مسح الرأس
ومسح الرأس كله.
حكم مسح جميع الرأس
مسح الرأس، وقوله: “كله” إشارة إلى أن الواجب مسح جميع الرأس، وعلى ذلك لو اقتصر على مسح بعض رأسه لم يُجزئ، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو أيضًا مذهب المالكية، واستدلوا بأن الواصفين لوضوء النبي لم يذكر أحدٌ منهم أنه اقتصر على بعض رأسه.
والقول الثاني: أنه يجزئ مسح بعض الرأس، وهذا مذهب الحنفية والشافعية، واستدلوا بقول الله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ [المائدة:6] قالوا: إن الباء للتبعيض، ولكن هذا الاستدلال محل نظر، فإنه لم ترد الباء في اللغة العربية للتبعيض، وابن تيمية رحمه الله يقول: “من قال: إن الباء للتبعيض فقد أخطأ على الأئمة وعلى اللغة”.
معنى الباء في قوله: وَامْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ
إذًا ما الفائدة من الباء؟ الباء لا تدخل على فعلٍ يتعدى بنفسه إلا لفائدة، كما في قول الله تعالى: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ [الإنسان:6] لو قيل: يشرب منها لم تدل على الرِي، فضُمّن يشرب، معنى: يروى، فالمعنى: عينًا يشرب فيروى بها عباد الله، فهي إذًا مضمنةً فعل آخر محذوف، وهو يروى، أيضًا هنا الباء تُفيد الإلصاق، فضُمّن المسح معنى الإلصاق، أي: وامسحوا برؤوسكم مسحًا تُلصقون به رؤوسكم، أي: تلصقون برؤوسكم شيئًا بهذا المسح، ولو قال: امسحوا رؤوسكم؛ لصدق معنى المسح من غير إلصاق، فكأنه قيل: امسحوا رؤوسكم، لكن هذا المسح مسح بإلصاق، بأن تبل يديك بالماء، وتلصق يديك بالرأس، هذا المعنى الزائد، وهو معنى الإلصاق، لو لم تأتِ الباء، لم تدل عليه الآية، فإذًا الباء أفادت أن هذا المعنى، معنى الإلصاق، هذه الحكمة من مجيء الباء وَامْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ، والراجح هو القول الأول، وهو أنه يجب مسح جميع الرأس، اختاره ابن تيمية، وابن القيم وجمعٌ من المحققين من أهل العلم.
كيفية مسح المرأة رأسها
والمرأة كالرجل، فإن النساء شقائق الرجال، لكن يمكن للمرأة خاصةً إذا كانت شعرها طويلًا، أن تضع يديها على وسط رأسها، ثم تجرهما إلى مقدمه هكذا، ثم تضع يديها على وسط رأسها، ثم تجره إلى مؤخره هكذا، وقد ذكر هذا الإمام أحمد رحمه الله، وطبّق هذا لما سأله أبو داود، سأل أحمد بن حنبل: كيف تمسح المرأة على رأسها في الوضوء؟ قال: “هكذا” ووضع يده على وسط رأسه، ثم جرها إلى مقدمه، ثم رفعها فوضعها حيث بدأ، ثم جرها إلى مؤخره، فهذا هي صفةٌ جائزة، ولا بأس بها.
قال: ومنه.
يعني: من الرأس.
الأذنان.
حكم مسح الأذنين
وعلى هذا يكون مسح الأذنين واجبًا، وهذا عده المتأخرون من فقهاء الحنابلة هو المذهب، وقالوا: إنه من المفردات، وإن كان هناك من يجعل المذهب ليس هذا، وإنما المذهب هو أن مسح الأذنين سنة؛ ولهذا في المغني، قال: “هذا هو ظاهر المذهب” أن مسح الأذنين سنة، وهو ظاهر المذهب، وقال الخلال: “كلهم حكموا عن أبي عبدالله” يعني: عن أحمد بن حنبل “فيمن ترك مسح أذنيه عامدًا أو ساهيًا أنه يُجزئه”، وهناك خلاف هل المذهب أن مسح الأذنين واجب، أو أنه مستحب؟ لكن الذي عليه المتأخرون من فقهاء الحنابلة أنه واجب، وهذا هو الذي مشى عليه المؤلف؛ ولذلك قال: “ومنه الأذنان” واستدلوا لذلك بحديث أبي أمامة: الأذنان من الرأس [17] وهذا الحديث حديثٌ ضعيف، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، لكنه حديثٌ ضعيفٌ.
القول الثاني: أن مسح الأذنين مستحبٌ وليس واجبًا، وإليه ذهب الجمهور: الحنفية والمالكية والشافعية، وروايةٌ عن الحنابلة، عدها بعضهم أنها هي المذهب، كما ذكرنا، واختار هذا القول الموفق ابن قدامة، وقال: “لا يُفهم من إطلاق اسم الرأس دخولهما فيه، ولا يُشهبان أجزاء الرأس”.
والقول الراجح هو قول الجمهور، وهو أن مسح الأذنين مستحبٌ وليس واجبًا، إذ أن القول بالوجوب يحتاج إلى دليل، وحديث: الأذنان من الرأس كما قلنا: لا يثبت، فما عندنا دليل يدل على أن مسح الأذنين واجب.
وثمرة الخلاف تظهر فيمن مسح رأسه، ولم يمسح أذنيه.
على القول الأول أن وضوءه غير صحيح، وعلى القول الثاني أن وضوءه صحيح.
السائل:…؟
الشيخ: على القول الراجح لا حرج، أما كيفية المسح، فيمسح باطن أذنيه وظاهرهما، والأفضل أن يمسح باطنهما بالسبابتين، ويقال: السبّاحتين، وكلاهما قد ورد السبابتين والسباحتين، يدخل السبابتين في باطن أذنيه هكذا، وظاهر الأذنين بالإبهامين هكذا، فهذه هي صفة مسح الأذنين.
الفرع الرابع: غسل الرجلين مع الكعبين
قال: وغسل الرجلين مع الكعبين.
الرِّجل عند الإطلاق لا يدخل فيه العقب؛ ولهذا قُطّاع الطريق عندما تُقطع أرجلهم، تُقطع من المفصل الذي بين العقب، وظهر القدم، ولكن كما قلنا في غسل اليدين، دلت القرينة على دخول الكعبين مع الرجلين؛ لدلالة السنة على ذلك، والله تعالى قال: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] فالقدم إذًا كلها تُغسل، وتدخل فيها الرجل، ويدخل معها الكعبان، وهما العظمان الناتئان بأسفل الساق، وأيضًا الكعبان يُغسلان؛ لحديث أبي هريرة السابق، وفيه: “ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق” وقال: “هكذا رأيتُ رسول الله يتوضأ” معنى ذلك أنه تُغسل القدم، وكذلك الكعب، فيكون معنى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] يعني: مع الكعبين، كما قلنا في اليدين، وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] يعني: مع المرافق، وغسل الكعبين والعقب يحصل فيه التساهل، ولهذا لما رأى النبي بعض أصحابه، وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، نادى بأعلى صوته: ويلٌ للأعقاب من النار، ويلٌ للأعقاب من النار [18].
وهنا ننبه إلى أن على المسلم عندما يتوضأ أن يتأكد من وصول الماء إلى جميع أعضاء الوضوء، بعض الناس عندهم تساهل في هذا، عندما يتوضأ يتوضأ مستعجلًا، فتجد أن الماء ربما لا يُصيب المرفق، أو لا يُصيب الكعب، هذا يُعرّض وضوءه للبطلان، وفي المقابل هناك أناس عندهم وسوسة أيضًا في هذا، وهذا أيضًا مذموم، كلا الطرفين مذموم، الرافضة خالفوا أهل السنة في غسل الرجلين في ثلاثة أمور:
- الأول: أنهم لا يغسلون الرجل، بل يمسحونها.
- الثاني: أن الرجل عندهم إلى العظم الناتئ في ظهر القدم.
- الثالث: أنه لا يمسحون على الخفين، مع أن أحد رواة المسح على الخفين هو علي ، ومع ذلك لا يرون المسح على الخفين.
الفرض الخامس: الترتيب
الترتيب.
الترتيب بين أعضاء الوضوء، عند أكثر أهل العلم، والدليل لذلك آية الوضوء، ووجه الدلالة: أن الله أدخل ممسوحًا بين مغسولين، الممسوح: هو الرأس، والمغسولان: اليدان والرجلان، فقال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] أدخل الرأس بين اليدين والرجلين، والعرب لا تفعل ذلك في لغتها إلا لفائدة، والفائدة هنا وجوب الترتيب، ثم إن النبي لم يُنقل عنه أنه توضأ إلا مرتبًا للوضوء.
الفرض السادس: الموالاة
الموالاة.
معنى الموالاة
ألا يؤخر غسل عضوٍ حتى ينشف العضو الذي قبله في الزمن المعتدل، هذا هو ضابط الموالاة، فمثلًا إذا كنت تتوضأ، ثم أتاك اتصال على الجوال، ورددت على الجوال يعني عشر ثواني، ثم أغلقت المكالمة، فهل نقول: هل تُعيد الوضوء من جديد أو تُكمل؟ تكمل؛ لأن هنا لم ينشف العضو، لو كنت مثلًا غسلت وجهك ثم أتتك مكالمة، ثم رددت بعشر ثوان، وأغلقت المكالمة، لم ينشف الماء بعد غسل الوضوء، فهنا تُكمل، لكن لو أنك لما غسلت الوجه، أتتك مكالمة، بقيت ربع ساعة وأنت تكلم، هنا هل تُعيد الوضوء من جديد أو تُكمل؟ تُعيد الوضوء من جديد؛ لفوات فرض الموالاة.
حكم الموالاة في الوضوء
ما الدليل على هذا الفرض؟
الدليل حديث عمر ، أن رجلًا توضأ فترك موضع ظفرٍ على قدمه، فأبصره النبي ، فقال: ارجع فأحسن وضوءك [19] فرجع ثم صلى، فلولا أن الموالاة واجبة لما قال له النبي : ارجع فأحسن وضوءك أمره بإعادة الوضوء؛ ولقال فقط: اغسل هذا الموضع، خاصةً أنه موضع صغير قدر ظفر، فدل هذا على وجوب الموالاة، هذا هو القول الأول أن الموالاة واجبة، وهو المذهب عند الحنابلة.
القول الثاني: أنها مستحبة، وهو مذهب الحنفية والشافعية، وقالوا: إن المقصود هو تطهير الأعضاء؛ وذلك حاصلٌ بدون موالاة، والمنصوص عليه في القرآن هو غسل الأعضاء.
والقول الثالث: أن الموالاة واجبة، إلا إذا تركها لعذر، وهذا ذهب إليه المالكية، واختاره الإمام ابن تيمية رحمه الله، وقالوا: إن الموالاة قد دل على وجوبها حديث عمر السابق: ارجع فأحسن وضوءك ولكن أدلة الوجوب إنما تتناول المفرط، ولا تتناول العاجز، وأن هذا مطردٌ في أمور الشريعة، فمثلًا صيام الشهرين المتتابعين إذا قطعه لعذر، كيوم العيد أو المرأة الحائض أو النفساء، لا يؤثر ذلك في قطع التتابع، كذلك أيضًا لو كان يطوف، وقطع طوافه لأداء صلاة الفريضة لم يؤثر ذلك، كذلك أيضًا هنا الوضوء إذا قطع الوضوء لعذرٍ، فلا يلزمه أن يُعيد الوضوء من جديد، وإنما يكمل.
هذا هو القول الراجح في المسألة، فمثلًا لو كنت تتوضأ، ولما غسلت يدك اليسرى، انقطع الماء، فذهبت تصلح الدينمو الرافع للماء، واستغرق منك هذا وقتًا، ثم أصلحته، هنا لا بأس أن تُكمل وضوءك، ولا تُعيده من جديد، أو كنت في البرية مثلًا، وأخذت ماءً، ثم لم يكفك هذا الماء، بقي غسل الرجلين، واحتجت حتى تعود إلى المكان، وتغسل رجليك إلى وقتٍ طويل، هنا لا حرج أن تُكمل ولا تُعيد الوضوء من جديد؛ لأن انقطاعك عن الإكمال، إنما كان لعذرٍ، فالقول الراجح: هو القول الثالث، أن الموالاة واجبة، إلا إذا تركها لعذر.
شروط الوضوء
ثم قال المؤلف رحمه الله:
وشروطه ثمانية.
شروط الوضوء ثمانية، حصرها المؤلف في ثمانية شروط.
الأول: انقطاع ما يُوجبه
الأول: انقطاع ما يُوجبه.
يعني: ما يُوجب الوضوء من نواقضه، كالبول والغائط ونحوهما، على هذا لو كان الإنسان لا يزال يخرج منه قطرات من البول، وبدأ في الوضوء لم يصح وضوؤه.
الثاني: النية
الثاني: النية.
وهذه قد عَقَدَ المصنف لها فصلًا مستقلًا، وسأتكلم عنها إن شاء الله عنه بالتفصيل.
الثالث: الإسلام والعقل والتمييز
الثالث: الإسلام والعقل والتمييز.
وهذه الشروط الثلاثة شرطٌ لجميع العبادات إلا الحج، فلا يُشترط له التمييز، وأيضًا فالحج يصح من غير المميز، وأيضًا هناك عبادة أخرى لا يُشترط لها العقل ولا التمييز، لم تُذكر هنا في السلسبيل؟ ما هي؟
الزكاة، هذا لو أضيفت، نقول: وكذا الزكاة لا يُشترط لها العقل ولا التمييز، فإن الزكاة تجب في مال الصبي ولو لم يكن مميزًا، وتجب في مال المجنون، فالزكاة لا يُشترط لها العقل ولا التمييز.
الرابع: الماء الطهور المباح
قال: والماء الطهور المباح.
أي: يُشترط أن يكون الماء طهورًا، فلا يصح الوضوء بالماء النجس، وكذلك أيضًا لا بد أن يكون مُباحًا، فلا يصح الوضوء بالماء المغصوب، وهذه المسألة ترد في مسائل عديدة، الوضوء بالماء المغصوب، الصلاة في الدار المغصوبة، الصلاة في الثوب المغصوب، القول الراجح في هذه المسائل كلها: صحة الصلاة، مع الإثم في الغصب؛ لأن الجهة منفكة.
الخامس: إزالة ما يمنع وصوله
وإزالة ما يمنع وصوله.
يعني: ما يمنع وصول الماء إلى أعضاء الوضوء، فلو وُجد ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، فإن الوضوء لا يصح، ومن ذلك الطلاء الذي تضعه بعض النساء، ويُسمونه بالمناكير، فهذا لا بد أن تزيله المرأة عند الوضوء، هو لا بأس به، هو من الزنية المُباحة، لكن عند الوضوء يجب عليها أن تُزيله، فلو وضعته مثلًا بعد صلاة الفجر، وعند صلاة الظهر أزالته، لا بأس، أو وضعته عند الدورة الشهرية مثلًا باعتبار أنها لا تجب عليه الصلاة، لا بأس بذلك، ومن ذلك الدهان، أو ما يُسمى بالبويا، لا بد من إزالته، من ذلك المُبيض الذي يُزال به بعض الكتابات، إذا أصاب اليد، يُسمى الطامس، هنا لا بد من إزالته، وهكذا، كل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، لا بد من إزالته، لكن هل يُعفى الشيء اليسير؟ بعض الفقهاء، ومنهم الإمام ابن تيمية، قالوا: إن الشيء اليسير جدًّا عرفًا، هذا لا يؤثر على صحة الوضوء، يعني لو كان كرأس الذباب، أو كالدبوس، هذا لا يضر، لا يُشدد في هذه المسألة، وأما القليل، ليس اليسير، هذا لا بد من إزالته، فرقٌ بين اليسير جدًّا، وبين القليل، القليل لا بد من إزالته، وأما اليسير جدًّا، فهذا يُعفى عنه.
السادس: الاستنجاء والاستجمار
والاستنجاء والاستجمار.
تكلمنا عنهما بالتفصيل في درسٍ سابق، وهنا المؤلف يقول: بأنهما شرطٌ لصحة الوضوء، فلو أن الإنسان قضى حاجته من غير أن يستنجي أو يستجمر، ولا يزال أثر البول أو الغائط في المحل، لا يصح وضوؤه، وهنا جرى التنبيه في آخر هذا الفصل، إلى أن بعض العامة عندهم اعتقاد أنه كلما أراد أن يتوضأ استنجى، هذا الاعتقاد لا أصل له، فالاستنجاء والاستجمار يكون عند قضاء الحاجة، أما إذا أردت الوضوء، فلا يلزم أن تستنجي، يعني لو مثلًا قمت من النوم، لا يلزم أن تستنجي، مباشرة تغسل كفيك وتتمضمض وتستنشق وتُكمل وضوءك، وهكذا لو خرج ريح مثلًا.
السابع: النية
ثم عقد المصنف رحمه الله فصلًا للكلام عن النية، وهي أحد الشروط؛ لأهمية هذا الشرط، قال:
فصلٌ: فالنية هنا قصد رفع الحدث.
يعني: أن يقصد الإنسان رفع الحدث، والحدث سبق أن عرفناه في أول درس، من يُذكرنا به؟ تعريف الحدث.
تعريف الحدث
وصفٌ معنوي، احتياطًا من الحسي، “وصفٌ معنوي يقوم في البدن، يمنع من الصلاة ونحوها”، هذا أحسن تعريف له.
هو وصف ٌ معنوي، ليس حسيًّا، إنما معنوي يمنع من الصلاة ونحوها، يُقال: حدث ومُحدث، قصد رفع الحدث، يعني: أن يقصد الإنسان رفع الحدث، وينوي ذلك، والنية محلها القلب، فإذا قصد الإنسان إلى ماءٍ يتوضأ به، فقد نوى الوضوء، والنية محلها القلب؛ ولذلك ينبغي عدم التدقيق في تحقيقها؛ لأن هذا التدقيق يؤدي إلى الوسواس؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: لو كلفنا الله العمل بلا نية لكان هذا من التكليف بما لا يُطاق، أنت إذا ذهبت تتوضأ، فقد نويت، فالنية تتبع العلم.
قال: أو قصد ما تجب له الطهارة، كصلاةٍ وطوافٍ، ومس مصحف.
يعني: إذا قصد المكلف ما تجب له الطهارة، ارتفع الحدث، وإن لم ينوِ رفع الحدث، فلو أنه مثلًا توضأ لأجل مثلًا أن يصلي صلاة الضحى، ارتفع الحدث، لو توضأ لأجل أن يطوف، ما توضأ لأجل أن يصلي، توضأ لأجل أن يطوف، ارتفع الحدث، وجاز له أن يصلي بهذا الوضوء، لو توضأ لأجل مس مصحف، ارتفع الحدث، وهكذا.
لكن لو توضأ ناويًا التبرد؟ هل يصح وضوؤه؟ لا يصح، أو توضأ لأجل النظافة، لا يصح.
أو قصد ما تسن له.
ما يُسن له الوضوء
يعني: حتى لو قصد ما تُسن له الطهارة، ارتفع حدثه، ووضح المؤلف هذا الأمر بأمثلة، قال:
كقراءةٍ وذكرٍ وأذانٍ.
هذه تُسن لها الطهارة، فلو قصد بالوضوء هذه الأمور، ارتفع الحدث.
ونومٍ.
يعني: السنة إذا أراد أن ينام أن يتوضأ؛ لحديث البراء بن عازب ، وفيه أن النبي قال: فتوضأ وضوءك للصلاة [20] السنة للإنسان أن يتوضأ على وضوء، هذه هي السنة.
ورفع شكٍ.
يعني: إذا شك الإنسان في الطهارة يُستحب له الوضوء، ولكن هذا لا دليل عليه، يعني ما الدليل على أن الإنسان إذا شك يُستحب له الوضوء؟ لا دليل على ذلك، والصواب أن هذا غير مسنون.
وغضبٍ.
يُستحب الوضوء عند الغضب، وهذا قد وردت به السنة؛ لأن الغضب جمرةٌ يُلقيها الشيطان في قلب ابن آدم، والشيطان خُلِق من نار، والماء يُطفئه.
وكلامٍ محرم.
يعني: إذا تكلم بكلام محرم، يُستحب له أن يتوضأ، ولو أن المؤلف قال: ومعصية لكان أجود؛ لأنه يُستحب للإنسان كلما وقع في معصية أن يتوضأ ويُصلي ركعتين، ويستغفر الله؛ لقول النبي : ما من عبدٍ يُذنب ذنبًا فيُحسن الطهور، ثم يقوم فيتوضأ ويُصلي ركعتين، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له ثم قرأ الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:135] [21] وهذه يُسميها الفقهاء..، سمّاها الموفق ابن قدامة في المغني وغيره: “صلاة التوبة”، كلما وقعت في معصية، قم وتوضأ وصلِ ركعتين، واستغفر الله، اجعلها مبدأً لك في الحياة، كلما وقعت في أي معصية صغيرةً كانت أو كبيرة، قم توضأ وصلِ ركعتين، واستغفر الله، فهذه من السنن التي يغفل عنها بعض الناس، سواءً سميناها صلاة التوبة أم لم نسمها، المهم أنه قد ورد بها السنة، يعني لو نظرت نظرًا محرمًا، قم توضأ وصلِ ركعتين واستغفر الله، استمعت استماعًا محرمًا، قم توضأ وصلِ ركعتين، واستغفر الله، من فعل ذلك، فإن الله يغفر له هذا الذنب وهذه المعصية.
قال: وجلوسٍ بمسجد.
يعني: يُستحب ألا يجلس في المسجد إلا توضأ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: الملائكة تصلي على أحدكم، ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يُحدث [22] وهذا موضع الشاهد، فكونه يجلس على غير طهارة، يُحرم نفسه من دعاء الملائكة له.
وتدريسٍ علمٍ.
يُستحب ألا يجلس لتدريس العلوم الشرعية إلا على طهارة، كان الإمام مالك رحمه الله إذا جلس للدرس، توضأ وتطيب، ولبس أحسن ثيابه، وقال: “أوقر بذلك حديث رسول الله “.
وأكل.
لحديث سلمان: بركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده [23] لكن هذا الحديث حديثٌ ضعيف؛ ولهذا الصواب أنه لا يُستحب الوضوء للأكل، قال ابن تيمية رحمه الله: “لا نعلم أحدًا استحب الوضوء للأكل، إلا إذا كان جنبًا”.
فمتى نوى شيئًا من ذلك ارتفع حدثه.
يعني: إذا نوى واحدًا من هذه الأمور ارتفع حدثه، ولو لم ينوِ رفع الحدث، طيب لو توضأ لصلاة الظهر، يصح أن يصلي به صلاة العصر؟ من باب أولى؛ لأنه إذا كان لو توضأ لأجل القراءة في المصحف، أو مس المصحف، جاز له ذلك، فمن باب أولى أنه يتوضأ لصلاة الظهر، جاز له أن يصلي صلاة العصر، ولو لم ينوِ ذلك.
قال: ولا يضر سبق لسانه بغير ما نوى.
يعني: لو نوى شيئًا وسبق لسانه بغير ما نوى، فلا يضر؛ لأن العبرة بما في القلب، والأصل أن المعتبر النية، وإنما اللفظ معبرٌ عما في النية؛ ولذلك إذا اختلف المنطوق عما في النية، فالمعوّل عليه ما في النية، فلو أن رجلًا بدل أن يقول: طارق، قال: طالق، هل يقع الطلاق؟ لا يقع الطلاق؛ ولذلك في قصة الرجل الذي قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، لم يؤاخذ بهذا؛ لأنه ما قصد هذا، فالعبرة إذًا بالقصد والنية، وليس باللفظ.
ولا شكه في النية، أو في فرضٍ بعد فراغ كل عبادة.
حكم الشك في العبادة
وهذه قاعدة يُعبّر عنها الفقهاء بتعبيرٍ آخر، يقولون: الشك في العبادة بعد الفراغ منها لا يُلتفت إليه، هذه قاعدة مفيدة لطالب العلم، أي عبادة، إذا صليت صلاة الظهر أربعًا ولم يقع منك شك، ثم لما سلّمت شككت، هل هي ثلاث أو أربع؟ لا تلتفت لهذا الشك، لو أنك طفت سبعة أشواط، وبعدما ذهبت للمسعى شككت هل أنا طفت سبعة أو ستة؟ لا تلتفت للشك، فالشك الطارئ على العبادة بعد الفراغ منها، لا يُلتفت إليه، طيب الشك في أثناء العبادة؟ الشك أثناء العبادة معتبر إلا إذا كان الإنسان كثير الوسواس والشكوك؛ ولهذا قال المؤلف:
وإن شك فيها في الأثناء استأنف.
يعني: إذا شك في أثناء العبادة، أتى بالنية أو لا، ولم يكن كثير الشكوك، فإنه يستأنفها من جديد.
استصحاب حكم النية
هنا مسألة استصحاب حكم النية، واستصحاب ذكرها، الفقهاء يقولون: يجب استصحاب حكم النية، أي: أن لا ينوِ قطعها، ويُستحب استصحاب ذكرها، بمعنى: تذكر النية بقلبه في جميع الطهارة، فلا يذهل عنها، لكن غابة عن خاطره قليلًا، وذهل عنها، فلا يضر ما لم ينوِ قطعها.
صفة الوضوء
ثم ذكر المؤلف صفة الوضوء الكاملة، قال:
وهي أن ينوي.
فالنية شرطٌ لصحة جميع العبادات.
ثم يُسمي.
وسبق أن ذكرنا خلاف العلماء في التسمية، وأن القول الراجح أنها مستحبة.
ويغسل كفيه.
وغسل الكفين هنا مستحبٌ، وليس واجبًا.
ثم يتمضمض ويستنشق.
ورجحنا القول بوجوب المضمضة والاستنشاق، وضابط المضمضة أن يدخل الماء في فمه، ثم يمجه، والمبالغة في المضمضة تكون بإدارة الماء في الفم، يُدير الماء في فمه، والقدر المجزئ هو إدخال الماء إلى الفم، من غير إدارة، هذا هو القدر المجزئ.
السائل:…؟
الشيخ: لا، الإصبع ما يلزم، إنما يدير فقط بالنفس.
وأما الاستنشاق: فهو أن يجذب الماء بنفسٍ من أنفه، والاستنثار: يسحب النفس بأنفه، ثم يُخرجه مرةً أخرى، والسنة المبالغة فيهما إلا للصائم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا [24].
قال: ثم يغسل وجهه.
حدود الوجه
وقد تكلما عن غسل الوجه، وحدد المؤلف حدود الوجه، قال:
من منابت شعر الرأس المعتاد.
احترازًا من الأصلع، ومن الأقرع، ولم يذكر المؤلف الحد الذي يصل إليه، لكن قال الفقهاء: إلى الذقن طولًا، يعني من منابت شعر الرأس المعتاد هنا إلى الذقن طولًا، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، هذا هو الوجه، وسيأتي الكلام عما بين الأذن والخد، وما بين الأذن والشعر، سيأتي الكلام عنه.
قال: ولا يُجزئ غسل ظاهر شعر اللحية إلا أن لا يصف البشرة.
حكم غسل شعر اللحية
شعر اللحية إذا كان خفيفًا وجب غسله، وإذا كان كثيفًا لم يجب، طيب الضابط في الخفة: أن يُرى من وراء الشعر لون البشرة، فإذا كان خفيفًا وجب غسل اللحية، أما إذا كانت اللحية كثيفةً، بحيث لا يُرى من ورائها لون البشرة، فيجب غسل ظاهرها، ويُستحب تخليلها، وأما باطنها، فلا يجب غسله؛ لأن النبي كانت لحيته كثة، ولم يُنقل أنه كان يغسل باطن لحيته.
السائل:…؟
الشيخ: يعني: الواجب غسلة واحدة، والمستحب ثلاث، كالوجه، يكون حكمها حكم الوجه، لكن إذا كانت كثيفة يغسل ظاهرها، ولا يجب عليه أن يغسل باطنها، وإنما يُستحب أن يخلل باطنها، يعني يبلل أصابعه بالماء، ثم يُخلل لحيته، هكذا.
السائل: غسل ظاهرها وإلا مسح ظاهرها؟
الشيخ: لا، غسل ظاهرها، يعني عندما يمسح وجهه هكذا، لا بد أن الماء يصيب ظاهرها.
قال: ولا يُجزئ غسل ظاهر شعر اللحية إلا أن لا يصف البشرة، ثم يغسل يديه مع مرفقيه.
وهذه تكلمنا عنها، وقلنا: الواجب هو غسل الكفين والمرفقين والذراعين، وأن المرفقين داخلان في اليد، وذكرنا الحديث لذلك، حديث أبي هريرة : كان إذا توضأ غسل يديه حتى أشرع في العضد.
ولا يضر وسخٌ يسير تحت ظفره ونحوه.
حكم غسل الوسخ الذي تحت الأظافر
يعني: الوسخ اليسير الذي يدخل تحت الأظافر، هذا لا يضر، وألحق بعض العلماء، كأبي العباس ابن تيمية كل يسيرٍ جدًّا في أعضاء الوضوء، فيتسامح فيه، فلو أن الإنسان عند استخدامه الطامس، وقع على إصبعه قدر يسير، أو على يده قدر يسير، هذا لا يضر؛ لأن الشريعة تتسامح في الشيء اليسير، اليسير جدًّا، وليس القليل، اليسير جدًّا، تتسامح الشريعة فيه؛ ولذلك مثلًا في الاستجمار، يبقى أجزاء يسيرة، لو استعملت المناديل، ولم تستعمل الماء، تبقى أجزاء يسيرة، ومعفوٌ عنها، كذلك عند الصلاة بالنعال، والصلاة بالنعال سنة في غير المساجد المفروشة، الصلاة بالنعال سنة، والسنة دلكها قبل الصلاة فيها، مع أنه قد يكون في أجزاء يسيرة من النجاسة، فهذا يدل على أن الشريعة تتسامح في الشيء اليسير.
قال: ثم يمسح جميع ظاهر رأسه.
مسح الرأس من فروض الوضوء كما سبق، وسبق أن قلنا: إن الواجب مسح جميع الرأس، ثم بيّن المؤلف حد الرأس، قال:
من حد الوجه إلى ما يُسمى قفًا.
يعني: من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما يُسمى قفا، فيبدأ بمقدمة شعر رأسه، إلى مؤخرة رأسه؛ لحديث عبدالله بن زيد في هذا، وسبق أن أشرنا لهذه الطريقة، يعني يبدأ هكذا يبل يديه في الماء، ثم يبدأ هكذا من مقدمة شعر رأسه إلى مؤخرة شعر رأسه، ثم يردهما مرةً أخرى من مؤخرة رأسه إلى مقدمة رأسه.
والبياض فوق الأذنين منه.
حكم مسح البياض الذي بين الأذنين وشعر الرأس
البياض الذي يكون ما بين الأذنين وشعر الرأس، هذا البياض الذي بين الأذنين وشعر الرأس، يقول المؤلف: إنه منه، يعني: من الرأس، ويجب مسحه، وهذا هو القول الأول، وهو من المفردات عند الحنابلة.
القول الثاني: أن البياض الذي بين الأذن وشعر الرأس، أنه ليس من الرأس، وهذا قول الجمهور، وحُكي إجماعًا، وهو القول الراجح، أنه ليس من الرأس، ولا دليل يدل على أن هذا البياض من الرأس، وأنه يُمسح، لا دليل يدل على هذا، وما ذكره بعض الأصحاب، ليس عليه دليل، والأحاديث قد أطلقت المسح، ولم يُذكر فيها هذا البياض، على هذا فهذا البياض الذي بين الأذن وبين شعر الرأس، نقول: إن القول الراجح أنه ليس من الرأس.
كيفية مسح الأذنين
ويُدخل سبّابتيه.
هنا عبّر المؤلف بالسبّابة، وبعضهم بـ السبّاحة، وكلها وردت، السبّابة والسبّاحة.
ويُدخل سبّابتيه في صماخي أذنيه، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما.
أشرنا لهذه المسألة قبل قليل، وقبل هذا نشير لحكم مسح الأذنين، وقلنا: إن في هذه المسألة قولان، والقول الراجح: أنه يُستحب مسح الأذنين، ولا يجب، وهنا بيّن المؤلف كيفية مسح الأذنين، بأن يُدخل سبّابتيه في باطن أذنيه، ويمسح ظاهر أذنيه بالإبهامين، هذه هي الصفة.
ثم يغسل رجليه مع كعبيه، وهما العظمان الناتئان.
فغسل الرجلين من فروض الوضوء، ويدخل في ذلك الكعبان كما سبق، في حديث أبي هريرة ، قال: “فغسل رجليه حتى أشرع في الساق” ولا يمكن أن يشرع في الساق إلا إذا غسل كعبيه، على ذلك يكون معنى قول الله: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] يعني: مع الكعبين.
سنن الوضوء:
ثم ختم المؤلف هذا الباب -باب الوضوء- بسنن الوضوء، وجمعها في ثمانية عشرة سنة، وهذا من مزايا دليل الطالب، لا تجد مثل هذا الجمع في كتابٍ غيره، من مزايا دليل الطالب حسن الترتيب والتنظيم، خاصةً في أول الكتاب، فتجد أنه جمع الآن سنن الوضوء كلها في ثمانية عشرة سنة، طيب سنناقش المؤلف في السنن، سنوافقه في بعضها، ونخالفه في بعضها:
السنة الأولى: استقبال القبلة
السنة الأولى: استقبال القبلة.
يعني: يُستحب استقبال القبلة عند الوضوء، وهذا ليس عليه دليل ظاهر، ومعلومٌ أن الاستحباب حكمٌ شرعي يحتاج إلى دليل، والقول الراجح أن استقبال القبلة ليس من سنن الوضوء؛ لعدم الدليل.
الثاني: السواك
الثاني: السواك.
وهذا دل له حديث أبي هريرة : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء [25]، ولكن قال الفقهاء: إنما محل السواك عند الوضوء عند المضمضة، وهذا استحسانٌ من بعض الفقهاء، وليس عليه دليل ظاهر، والأمر في هذا واسع.
الثالث: غسل الكفين ثلاثًا
وغسل الكفين ثلاثًا.
هذا من سنن الوضوء، وهذا باتفاق أهل العلم.
الرابع: البُداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة والاستنشاق
والبُداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة والاستنشاق.
وهذا من سنن الوضوء أن يبدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، فإن عكس، وغسل وجهه ثم تمضمض واستنشق، لا بأس، لكن الأفضل أن يبدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه.
الخامس: المبالغة في المضمضة والاستنشاق
والمبالغة فيهما.
يعني: المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم؛ لحديث لقيط: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا [26].
السادس: المبالغة في سائر الأعضاء مطلقًا
والمبالغة في سائر الأعضاء مطلقًا.
لأن المبالغة هنا المراد بها إسباغ الوضوء، والإسباغ قد أمر به النبي ، قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع [27]، وقال: إسباغ الوضوء على المكاره [28] حديث أبي هريرة ، ويدخل في الإسباغ دلك الأعضاء عند غسلها، وبهذا يتبين بعض الناس لما يتوضأ يضع مثلًا يده تحت صنبور الماء، من غير دلك، هذا مجزئ، لكن حتى يتحقق الإسباغ، وحتى تصيب السنة، الأفضل أن تدلكها، تضع يدك تحت الصنبور، وتدلكها هكذا، الدلك مستحب ليس واجبًا، لكنه مستحب، ويدخل في إسباغ الوضوء، لو أنك وضعت يديك تحت الصنبور هكذا، لكن الأفضل أنك تدلكها هكذا، وهكذا أيضًا بالنسبة للوجه، وبالنسبة للرجلين.
حكم الزيادة على ثلاث غسلات
ولكن يُكره للإنسان أن يزيد على ثلاث؛ لحديث الأعرابي الذي أراه النبي الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: هذا الوضوء، فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم [29] أخرجه أصحاب السنن بسندٍ جيد، فيُكره الزيادة على ثلاث غسلات؛ ولهذا قال الإمام أحمد: “لا يزيد على الثلاث غسلات إلا مبتلى” يعني: مبتلى بالسواس.
السائل:…؟
الشيخ: لا أعلم أن أحدًا قال بالتحريم، القول بالتحريم متجه، لكن عامة أهل العلم على الكراهة.
السابع: الزيادة في ماء الوجه
والزيادة في ماء الوجه.
يعني: أن ماء الوجه ينبغي المبالغة فيه أكثر من بقية أعضاء الوضوء؛ لماذا؟ قالوا: لأن في الوجوه غضونًا، يعني: مثاني، وشعورًا، ودواخل وخوارج، فالغرض من الزيادة في ماء الوضوء في الوجه التحقق من وصول الماء إلى جميع بشرة الوجه، فالوجه فيه اللحية، وبعض الناس يكون كث اللحية، وفيه الشارب، وفيه شعر الحاجبين، وبعض الناس ينبت الشعر في خده، وأيضًا بعض الناس خاصةً مع تقدم السن يكون في بشرة الوجه تجاعيد، فحتى يتأكد من وصول الماء إلى جميع البشرة، يعني ينبغي أن يزيد في غسل ماء الوجه أكثر من بقية أعضاء الوضوء، هذا معنى كلام المؤلف.
الثامن: تخليل اللحية الكثيفة
وتخليل اللحية الكثيفة.
هذا تكلمنا عنه، وقلنا: إنه سنة، وأن الواجب غسل ظاهرها، ولا يجب غسل باطنها، لكن يُستحب تخليلها، وقد جاء في هذا عدة أحاديث، منها حديث عثمان أن النبي كان يخلل لحيته، لكن في سنده مقال، والأحاديث المروية في ذلك كلها في أسانيدها مقال، إلا أنها بمجموعها تدل على أن لها أصلًا، ومؤيدة بآثارٍ عن الصحابة والتابعين.
التاسع: تخليل الأصابع
وتخليل الأصابع.
يعني: أصابع اليدين والرجلين؛ لحديث لقيط السابق: وخلل بين الأصابع ويتأكد هذا في أصابع الرجلين أكثر من اليدين؛ لأن اليدين من السهل وصول الماء إلى ما بين الأصابع، لكن الرجلين المسافة التي بين الأصابع ضيقة، فالسنة عندما تغسل رجليك أن تخلل بين أصابعك، أن تدخل إصبعك بين الأصابع، وتبله بالماء، وتتأكد من وصول الماء إلى ما بين الأصابع.
العاشر: أخذ ماء جديدٍ للأذنين
وأخذ ماء جديدٍ للأذنين.
وهذا المسألة اختلف فيها الفقهاء، هل يُستحب أخذ ماءٍ جديدٍ للأذنين؟ أو يمسح الأذنين بالماء الذي مسح به الرأس؟ قولان لأهل العلم:
- القول الأول: أنه يُستحب أخذ ماءٍ جديد، وهذا هو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بحديث عبدالله بن زيد، قال وفيه: “فأخذ ماءً خلاف الماء الذي أخذ لرأسه” [30]، هذه الرواية ليست في الصحيحين، حديث عبدالله بن زيد في الصحيحين، لكن هذه الرواية وردت عند الحاكم والبيهقي.
- والقول الثاني: أنهما يُمسحان بماء الرأس، وهذا هو المذهب عند الحنفية، ورواية عند الحنابلة، واستدلوا بأن الواصفين لوضوء النبي لم يذكروا أنه مسح أذنيه بماءٍ جديد، وهذا هو القول الراجح أن الأذنين تُمسحان بالماء الذي يُمسح به الرأس؛ لأن هذا هو ظاهر السنة؛ ولهذا قال ابن القيم: “لم يثبت عنه ، أنه أخذ لهما ماءً جديدًا، وإنما صح ذلك عن ابن عمر” يعني اجتهادًا منه، وأما حديث عبدالله بن زيد فضعيف، وخذها قاعدة: الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم، ثم تأتي زيادة على رواية البخاري ومسلم، في غيرهما، الغالب أن هذه الزيادة ضعيفة؛ لماذا؟ لو كانت صحيحة ما تركها البخاري ومسلم، فهذا الآن مثال معنا، حديث عبدالله بن زيد ورد في الصحيحين، طيب هذه الرواية وردت عند الحاكم، لو كانت صحيحة ما أعرض عنها البخاري ومسلم، فبالاستقراء فالغالب أن الزيادات على البخاري ومسلم لا تثبت، في الغالب وليس دائمًا، لكن في الغالب، ومنها هذا الحديث.
فالقول الراجح إذًا: أن الأذنين تُمسحان بالماء الذي مُسح به الرأس.
الحادي عشر: تقديم اليمنى على اليسرى
وتقديم اليمنى على اليسرى.
يعني: تقديم اليد اليمنى على اليد اليسرى، والرجل اليمنى على الرجل اليسرى، هذا مستحب، وليس واجبًا، فلو أنه عكس، صح وضوؤه إجماعًا، وهذه المسألة أيضًا محل إجماع، ولكن ينبغي لطالب العلم حتى مع القول بأنها ليست واجبة، ينبغي للمسلم عمومًا أن يتحرى السنة، يعني حدثني أحد الإخوة يقول: إن في طالب علم قام وتوضأ، وبدأ باليد اليسرى على اليد اليمنى، والرجل اليسرى قبل الرجل اليمنى؛ لماذا؟ قال: أردت أن أُبين لكم أنها ليست واجبة، يمكن البيان بالكلام، لكن يفعل هذا، يعني هذا خلاف السنة؛ لماذا تتعمد الإتيان بالمفضول وتترك الفاضل؟ هذا خلاف السنة، أما بيان الحكم، فيمكن بالكلام، فينبغي أن يحرص طالب العلم على السنة، أن يطبق السنة في كل شيء، في وضوئه، في صلاته، في حجه، في عمرته، في جميع أموره.
الثاني عشر: مجاوزة محل الفرض
قال: ومجاوزة محل الفرض.
يعني: عند غسل اليدين والرجلين، بأن يغسل الكف والذراع والمرفق، فيجاوز محل الفرض، حتى يتحقق من أنه قد غسل المرفق، وهكذا بالنسبة للرجل، يغسل رجله مع الكعبين، يجاوز محل الفرض؛ ليتحقق من غسل الكعبين، يعني: المعنى أنه يتحقق من غسل مرفقيه وكعبية، هذا هو المعنى.
الثالث عشر: الغسلة الثانية والثالثة
والغسلة الثانية والثالثة.
الغسلة الثانية والثالثة مستحبتان وليستا بواجبتين، الواجب مرة واحدة، والنبي توضأ مرةً مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا.
الرابع عشر: استصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء
واستصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء.
استصحاب ذكرها، يعني: أن يستحضر النية، ولا يذهل عنها، هذا مستحب، وأما استصحاب حكمها، فهذا واجب، استصحاب حكمها، معناه: ألا يقطع النية.
والإتيان بها عند غسل الكفين.
يعني: يأتي بالنية في أول الوضوء، عند غسل الكفين.
الخامس عشر: النطق بالنية سرًّا
والنطق بها سرًّا.
يرى المؤلف أن النطق بالنية سرًّا مستحب، وهذا قال به بعض فقهاء الحنابلة، وهذا القول محل نظر، والصواب هو الذي عليه الأئمة الأربعة، وأكثر أهل العلم أن التلفظ بالنية بدعة، ولكن هذا قال به بعض الفقهاء، منهم فقهاء الحنابلة، وأيضًا منهم بعض فقهاء الحنابلة خاصة المتأخرين منهم، وأيضًا بعض فقهاء الشافعية، وأما الإمام الشافعي نفسه فلا تصح النسبة إليه بأنه قال: إن النطق بالنية سنة، لا تصح النسبة للإمام الشافعي، ولا إلى أحدٍ من الأئمة الأربعة، إنما قال بذلك بعض الفقهاء المتأخرين عند الشافعية والحنابلة.
والصحيح أن التلفظ بالنية بدعة، وأن النية محلها القلب، ولم يرد عن النبي ولا عن أحدٍ من الصحابة والتابعين، أنه قال بمشروعية التلفظ بالنية.
السادس عشر: قول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
وقوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
هذا الذكر الذي يُشرع أن يُقال بعد الفراغ من الوضوء؛ لحديث عمر ، قال: سمعتُ رسول الله يقول: ما منكم أحدٌ يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء [31] رواه مسلم.
وظاهر الحديث أنه لو توضأ ولم يأتِ بهذا الذكر لم تُفتح له أبواب الجنة، فعلى المسلم أن يحرص على هذا الذكر، جاء في روايةٍ عند الترمذي زيادة: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين [32] وهذه الزيادة ضعيفة لا تصح، وعلى ذلك فلا يُشرع الإتيان بها، وإنما يقتصر على قول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وأيضًا جاء عند النسائي: سبحانك اللهم وبحمد، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك وأنه من توضأ فقال ذلك، كُتب في رقٍّ، ثم طُبع بطابع، فلم يُكسر إلى يوم القيامة [33]، لكن هذا الحديث لا يثبت مرفوعًا.
وعلى ذلك لا يثبت من الأذكار التي تُقال بعد الوضوء إلا ذكرٌ واحدٌ فقط، الذكر الوراد في حديث عمر : أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله فقط، هذا هو التحقيق في هذه المسألة.
وينبغي لطلاب العلم أن يحرص على ما صحت به السنة، وأما الأحاديث الضعيفة فلا يُعمل بها في مثل هذا، وإنما خاصةً في الأشياء التي تتكرر، مثل الوضوء، فيحرص على المحافظة على ما ثبت، أما ما لم يثبت فلا يؤتى به، زيادة: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين هذه رواية ضعيفة، أيضًا: سبحانك الله وبحمدك… أيضًا الحديث ضعيف.
السابع عشر: رفع البصر عند قول الذكر الوارد
مع رفع بصره إلى السماء.
هذا أيضًا جاء في روايةٍ في حديث عمر نفسه عند أبي داود، ولكن هذه الزيادة ضعيفة، وكما قلنا قبل قليل: إذا روى البخاري ومسلم حديثًا ثم أتت زيادة، ففي الغالب أن هذه الزيادة ضعيفة، فهذه الزيادة: «ثم رفع نظره إلى السماء» ضعيفة، وعلى ذلك نقول: إن الصواب أنه لا يُشرع رفع البصر إلى السماء بعد الفراغ من الوضوء.
الثامن عشر: أن يتولى وضوءه بنفسه
وأن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاونة.
واعتبر المؤلف أن هذا من سنن الوضوء، ولكن هذا محل نظر، فالنبي كان الصحابة يُعاونونه، كما في حديث المغيرة، وحديث ابن مسعود، وغيرهم، وأما حديث: كان لا يكل طهوره إلى أحد [34] عند ابن ماجه، حديثٌ ضعيف، فعلى هذا يبقى الأمر على الإباحة، فسيد البشر إمام المتوكلين كان يقبل الإعانة في الوضوء، وفي غيره، إنما الذي ينبغي تركه أن تسأل الناس الإعانة، وفرقٌ بين أن تسأل الإعانة، وبين أن تُبذل لك الإعانة من غير طلب، إذا بُذلت لك الإعانة، إنسان أراد أن يساعدك فلا بأس، لكن تقول: يا فلان أعني، هذا هو الذي كرهه بعض أهل العلم، وقد بايع نفرٌ من أصحاب النبي ، بايعوه على ألا يسألوا الناس شيئًا حتى إن سوط أحدهم يسقط وهو على بعيره فلا يسأل أحدًا أن يُعطيه إياه، وإنما يُنيخ بعيره، حتى يأخذ السوط، ولا يسأل أحدًا، وهذا معنًى عظيم، يبني العزة لدى المسلم، احرص على أنك لا تسأل أحدًا شيئًا، عوّد نفسك على هذا، إن أحد ساعدك من نفسه، فلا بأس، لكن لا تطلب من أحد المساعدة، والمعاونة إلا عند الضرورة.
السائل:…؟
الشيخ: الخادم يختلف، هذه مسألة أخرى، الخادم يعمل بأجر.
حكم تنشيف الأعضاء عند الوضوء
بقي مسألة لم يذكرها المؤلف، وهنا أُلحقت بالسلسبيل، مسألة تنشيف الأعضاء عند الوضوء، كره بعض الفقهاء التنشيف، واستدلوا بحديث ميمونة، وفيه أنها لما أتت النبي بمنديل لم يمسه، وجعل ينفض الماء بيديه [35]، ولكن هذا الحديث وإن كان صحيحًا، هو في صحيح مسلم، لكن هو قضية عين، يُحتمل أنه ردّ المنديل لعدم نظافته، أو لأمر متعلق بالمنديل، أو أنه أُتي له بالمنديل بعدما نشفت أعضاؤه، بل يمكن أن يُستدل بهذا الحديث على استحباب التنشيف، وأن من عادته عليه الصلاة والسلام أنه كان يُنشف أعضاءه؛ ولهذا فهمت ميمونة هذا الفهم، وأتته بالمنديل، والذي يظهر أن هذا يبقى على الإباحة، لا يُقال باستحباب التنشيف، ولا بعدم استحبابه، استحباب التنشيف يحتاج إلى دليلٍ صحيحٍ صريح، وليس هناك دليل صحيحٍ صريح في المسألة، وعدم استحباب التنشيف أيضًا ليس عليه دليل واضح.
فالذي يظهر أن الأمر يبقى على الإباحة، وإذا أراد الإنسان أن ينشف أعضاء الوضوء بعد الوضوء فلا بأس، إن ترك التنشيف فلا بأس، يبقى من الأمور المُباحة، التي لا يُقال فيها بالاستحباب، ولا بعدمه.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة
السؤال: أحسن الله إليكم شيخنا، إذا أتى من الوضوء قبل أن تنشف الأعضاء، وجد أنه لم يغسل الماء يده، هل يُعيد من اليد، أو يُعيد الوضوء من جديد؟
الجواب: إذا كان قبل أن تنشف الأعضاء، يغسل العضو الذي لم يصبه الماء وما بعده، يعني لو كان مثلًا المرفق، يغسل المرفق، وما بعده؛ لأن الترتيب واجب.
السؤال: هل يجوز صلاة التوبة في أوقات النهي؟
الجواب: الأقرب -والله أعلم- أنه لا يأتي بصلاة التوبة في أوقات النهي، لا يأتي بها، وإنما يؤخرها، يكتفي بالتوبة والاستغفار من غير الصلاة، يؤخر الصلاة حتى يزول وقت النهي.
السؤال: الحناء، هل هي مثل المناكير؟
الجواب: نعم، هي مثلها، الحناء إذا كانت وضعت ولا زال الجرم باقيًا، فهي مثل الطلاء، ولا بد من إزالته، أما أثر الحناء، وهو التلوين، هذا لا يضر، هذا ليس له جرم، القاعدة: أن ما كان له جرم، يجب إزالته، ما لم يكن له جرم، لا يجب إزالته.
السائل:…؟
الشيخ: هل يكفي؟ يكفي للاستجمار، شملناه في الدرس السابق، يكفي بالإجماع، لو أراد أن يكتفي بالاستجمار بالمناديل مثلًا، ثم يتوضأ، فلا بأس بالإجماع.
السؤال: ما نصيحتكم لمن ابتلي بالوسواس بالوضوء؟
الجواب: من ابتُلي بالوسواس، فإن كان في أوله، فيمكن أن يُعالج ذلك بالتوجيه والإرشاد، وأخذ النصائح، وتقوية الإرادة، والإعراض عن الوسوسة، لكن إن تحول معه الوسواس، وتطور إلى الوسواس القهري، هنا لا تنفع معه النصائح ولا التوجيهات، حسب التجربة، وإنما لا بد أن يذهب إلى الطبيب المختص؛ لأنه مرض، تحول الآن إلى مرض، فالطبيب المختص، هو يُعالجه بعقاقير، ويعالجه أيضًا بتوجيهات، وبجلسات، والمبتلون بالوساوس يعانون معاناة كبيرة، يعانون معاناة عظيمة؛ ولذلك فإذا استفحل الوسواس، وتحول إلى قهري، هنا ننصحه أن يتصل بالطبيب النفسي، وهناك كثيرًا ممن حصل لهم هذا، وشفاهم الله بهذا السبب.
السؤال: ما حكم الصلاة على من مات وهو لا يصلي؟
الجواب: الجزم بأنه لا يصلي هذا أمر صعب، قد يكون يصلي في البيت، فهل أنت مراقبٌ له طيلة يومه وليلته، حتى تجزم بأنه لا يصلي، فما دام أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله مع المسلمين، وفي بلاد الإسلام، الأصل أنه يُصلى عليه، إلا إذا تيقنت بأنه لا يصلي ألبتة، لا يركع لله ركعةً، لا جمعةً ولا جماعةً، كأن يكون مثلًا حكى عن نفسه هذا، وشهد عليه شهود، فهنا هذا لا يُصلى عليه، لكن إذا كنت لا تدري، فالأصل هو قول النبي : من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، أو أكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا [36] على أن من ترك الصلاة بالكلية في المجتمعات الإسلامية هذا نادر، لكن يوجد من يتركها أحيانًا، هذا كثير، ومن يتركها أحيانًا لا يكفر، وإنما يبقى مسلمًا؛ لحديث عبادة عند أبي داود بسندٍ صحيح أن النبي قال: خمس صلواتٍ كتبهن الله تعالى على العباد، من حافظ عليهن، كن له نورًا ونجاةً وبرهانًا يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليهن، لم يكن له عند الله عهدٌ، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه [37].
فلو كان يكفر لم يكن له سبيلٌ إلى العفو، وفي لفظٍ: وإن شاء غفر له [38]، لو كان كافرًا لم يكن له سبيل إلى المغفرة أو إلى العفو؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام، قال: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة [39]، ولم يقل: ترك صلاة، فيكون من الساهين، الذين توعدهم الله تعالى بقوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5] قال ابن عباس: “يؤخرونها عن وقتها” وفي روايةٍ عنه أخرى: “يتركونها أحيانًا” فعلى هذا من ترك الصلاة بالكلية يكون كافرًا كفرًا أكبر، من تركها أحيانًا لا يكفر، وإنما يكون من الساهين، غالب المقصرين في الصلاة، لا يتركونها بالكلية، تجد أنه يصلي الجمعة، أو يصلي رمضان مثلًا، لا يتركها بالكلية، فلا يصل إلى درجة الكفر، لكن لو افترضنا أنه لا يصلي ألبتة، لا جمعةً ولا جماعة، فهذا لا يُصلى عليه.
السائل:…؟
الشيخ: نعم، شوف، الكفر، هذه القاعدة ذكرها ابن تيمية رحمه الله، الكفر إذا ورد معرفًا بأل، فالمراد به الكفر الأكبر، أما إذا كان نكرة، فالكفر الأصغر، مثلًا: اثنتان في الناس هما بهم كفر. الطعن في النسب، والنياحة على الميت [40].
المقصود بها بالكفر الأصغر أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر [41] الكفر الأصغر، لكن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة الكفر الأكبر.
السؤال: حديث بعد الانتهاء من الوضوء: اللهم اغفر لي ذنبي، وبارك لي في رزقي، ووسع لي في داري؟
الجواب: هذا الحديث لا يثبت، لا يثبت ذكرٌ بعد الفراغ من الوضوء إلا ما جاء في حديث عمر فقط أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ما عدا ذلك، لا يثبت في ذلك شيء؛ ولذلك لا تُنشر الأحاديث الضعيفة.
السؤال: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] هل هذه الآية تدل على أن الوضوء واجبٌ لكل صلاة؟ وما حكم الصلاة بوضوء مرةً واحدة؟
الجواب: النصوص يُجمع بعضها إلى بعض، يُفسّر بعضها بعضًا، لا يأتي إنسان إلى نص، ويفهم منه فهمًا، ويبني حكمًا على هذا الفهم، لا بد أن تُجمع النصوص كلها، ثم تُفهم، فنقول: إن من توضأ جاز له أن يصلي بهذا الوضوء ما شاء من فرائض ومن نوافل، حتى لو كان الوضوء لغير الصلاة، لو كان الوضوء لمس المصحف كما مر معنا، لو كان الوضوء للطواف، لو كان الوضوء لنافلة، صلاة الضحى مثلًا، لو كان حتى لتجديد الوضوء، المهم أنه نوى وضوءًا شرعيًّا، جاز له أن يصلي بهذا الوضوء، ما شاء من فرائض ومن نوافل، وهذا بالإجماع، من غير خلافٍ بين أهل العلم، وأخذنا هذا من مجموع النصوص.
السؤال: هل المضمضة والاستنشاق تجب في غسل الجنابة؟
الجواب: هذا محل خلاف، وسيأتي إن شاء الله الكلام عنه في باب الغسل، والقول الراجح عدم الوجوب؛ لعدم الدليل، كما سنبين إن شاء الله، ونفصل في هذه المسألة في حينه.
السؤال: رجحتم في الدرس الماضي إباحة الختان للنساء؛ لعدم ورود حديثٍ صحيح، فهل حديث الفطرة الذي في الصحيحين خاصٌ بالرجال؟
الجواب: هذا الذي يظهر، أنه خاصٌ بالرجال، وأن الختان للرجل للذكر، يختلف عن الأنثى، ختان الذكر إذا لم يختتن تبقى بقايا من النجاسة في القلفة، وأثّر هذا على اكتمال الطهارة، بخلاف المرأة، المرأة الغاية من الختان هو تعديل الشهوة فقط، فعندما ننظر النظرة المقاصدية للأمرين، مع عدم ثبوت شيء في هذه المسألة، فيبقى الأمر بالنسبة للمرأة أنه مُباح، يعني لا يصل إلى درجة الاستحباب، فضلًا عن الوجوب.
السؤال: هل من السنة الوضوء عند كل صلاة؟
الجواب: يمكن أن نعدل صيغة السؤال، نقول: هل يُستحب تجديد الوضوء دائمًا؟ نقول: إذا صلى بهذا الوضوء صلاةً استُحب له تجديد الوضوء، أما إذا لم يصلِ به صلاةً، فلا يُستحب؛ لأن هذا يُدخل الإنسان في الوسواس، مثلًا توضأت وصليت صلاة الضحى، ثم أذن الظهر وأنت على طهارة، يُستحب لك أن تتوضأ، لصلاة الظهر، لكن لو أنك توضأت، ثم أردت أن تتوضأ مرةً أخرى، وأنت لم تصلِ بهذا الوضوء، هنا لا يُستحب، القاعدة في هذا: هو أنك إذا صليت بهذا الوضوء صلاةً، استُحب لك تجديد الوضوء، أما إذا لم تصلِ به، لا يُستحب.
السؤال: هل يُشرع الصلاة على النبي عند قول المؤذن: أشهد أن محمدًا رسول الله، أم يُكتفى بالترديد؟
الجواب: يُكتفى بالترديد، الصلاة على النبي ، تكون بعد الفراغ من الأذان، تقول: اللهم صلى وسلم على رسولك محمد، اللهم رب هذه الدعوة التامة…، إلى آخره.
السؤال: هل يشرع رفع السبابة عند الإتيان بالذكر بعد الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله؟
الجواب: لا أعلم أنه ورد في هذا شيء، لكن من رفعها فلا بأس، النبي كان في خطبة الجمعة يرفع إصبعه، عند ذكر الله، وأيضًا حتى في التشهد أيضًا، يُشرع رفع السبابة عند ذكر الله، فلو رفعه، فالأمر واسع.
السؤال: إذا تمضمض واستنشق بغرفةٍ واحدة، هل يبدأ بالمضمضة أو بالاستنشاق؟
الجواب: يبدأ بالمضمضة، النصف الأول من الغرفة للمضمضة، والنصف الثاني للاستنشاق.
السؤال: بعض الناس لا يُحب أن يجلس على غير طهارة، كلما أحدث توضأ، هل هذا الوضوء تصح الصلاة به؟
الجواب: نعم، هذا العمل حسن، كون الإنسان يحرص على الطهارة دائمًا، هذا هو ظاهر هدي النبي عليه الصلاة والسلام، هذا الوضوء يُصلى به؛ لأنه وضوءٌ شرعي، قصد به تجديد الطهارة.
السؤال: في دورات المياه في المساجد، يكون هناك مكان يخص للوضوء، لكنه يُعتبر داخل دورات المياه، هل يجوز ذكر الله تعالى فيه، كالبسملة للوضوء؟
الجواب: ما دام داخل دورات المياه، فالأفضل ألا يرفع صوته بالبسملة، يسمي الله تعالى في قلبه، أو أنه يسمي قبل دخوله دورة المياه، ولكن إن سمّى لا يصل الأمر إلى التحريم، يعني الفقهاء يقولون: يُكره، من يذكر اسم الله في موضع الخلاء، ولا يصل إلى التحريم، لكن الأفضل إما أن يُسمي قبل أن يدخل دورة المياه، أو يسمي في قلبه.
السؤال:…؟
الجواب: لا، المقصود بالخلاء، الذي نسميه الحمام هذا، موضع قضاء الحاجة، أما بالنسبة للساحة المحيطة، هذه لا بأس بها أن تذكر الله فيها.
السؤال:…؟
الجواب: حديث أبي سعيد، أي نعم، ليس له حكم الرفع؛ لأنه لو كان محفوظًا، هذه المسألة مما تتوافر الدواعي لنقلها؛ لأنها أمر يتعلق بكل إنسان، لو كان محفوظًا لاشتهر، ولنقل نقلًا مشهورًا، أو متواترًا، مثلما نقول حديث عمر واشتهر بين الناس، فالذي يظهر أنه لا يأخذ حكم الرفع.
السؤال: بعض يتأخر مثلًا في الصلاة…؟
الجواب: تخطي الرقاب، هذا ورد النهي عنه، إذا كان سيؤذي أحدًا، فهذا لا يجوز، لا يجوز تخطي الرقاب، وأذية المسلمين، أنه يريد أن يأتي بفضيلة فيقع في محرم، أما لو كان ممكن أن يصل إلى الصف الأول من غير أن يتخطى الرقاب، ومن غير أن يؤذي أحدًا، فلا بأس، هذا من المسارعة إلى الخير، لكن إذا لم يمكنه الوصول للصف الأول إلا بتخطي الرقاب، وأذية المسلمين، هذا لا يجوز.
السؤال:…؟
الجواب: إذا نوى تعبدًا، فمعنى ذلك يرتفع حدثه، المهم ألا ينوي تبردًا أو نظافةً، لا ينوي أمرًا من أمور الدنيا، يعني تبردًا أو نظافةً، المهم أنه ينوي التعبد، إذا نوى التعبد، أو نوى أمرًا مسنونًا، فيرتفع الحدث في ذلك.
ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 1319. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 1206، ومسلم: 2550. |
^3 | رواه البخاري: 136، ومسلم: 246. |
^4 | رواه مسلم: 247. |
^5 | رواه البخاري: 6528، ومسلم: 221. |
^6 | رواه أبو داود: 102، والترمذي: 25، وابن ماجه: 397، وأحمد: 11370. |
^7 | رواه مسلم: 869. |
^8 | رواه مسلم: 873. |
^9 | رواه البخاري: 162، ومسلم: 237. |
^10 | رواه البخاري: 164، ومسلم: 226. |
^11 | رواه أبو داود: 142، والترمذي: 788، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنسائي: 87، وابن ماجه: 407. |
^12 | رواه بهذا السياق أبو داود: 142. |
^13 | رواه أبو داود: 144. |
^14 | رواه مسلم: 235. |
^15 | رواه مسلم: 246. |
^16 | رواه أبو داود: 175. |
^17 | رواه أبو داود: 134، والترمذي: 37، وابن ماجه: 444، وأحمد: 22282. |
^18 | رواه البخاري: 60، ومسلم: 241. |
^19 | رواه مسلم: 243. |
^20 | رواه البخاري: 247، ومسلم: 2710. |
^21 | رواه أبو داود: 1521. |
^22 | رواه البخاري: 445، ومسلم: 649. |
^23 | رواه أبو داود: 3761، والترمذي: 1846، وأحمد: 23732. |
^24, ^26 | سبق تخريجه. |
^25 | رواه النسائي في السنن الكبرى: 3021، وابن خزيمة: 140، ورواه البخاري تعليقًا. |
^27 | رواه أبو داود: 142، والترمذي: 788، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنسائي: 114، وابن ماجه: 448. |
^28 | رواه مسلم: 251. |
^29 | رواه أبو داود: 135، وابن ماجه: 422. |
^30 | رواه البيهقي في السنن الكبرى: 308، والحاكم في المستدرك: 538. |
^31 | رواه مسلم: 234. |
^32 | رواه الترمذي: 55. |
^33 | رواه النسائي في السنن الكبرى: 9829. |
^34 | رواه ابن ماجه: 362. |
^35 | رواه مسلم: 317. |
^36 | بنحوه رواه البخاري: 391. |
^37 | رواه أبو داود: 1420. |
^38 | رواه أحمد: 22693. |
^39 | رواه مسلم: 82. |
^40 | رواه مسلم: 67. |
^41 | رواه البخاري: 846، ومسلم: 71. |