logo
الرئيسية/دروس علمية/التعليق على كتاب السلسبيل في شرح الدليل/(3) آداب الخلاء- من قوله: “يُسن لداخل الخلاء تقديم اليُسرى..”

(3) آداب الخلاء- من قوله: “يُسن لداخل الخلاء تقديم اليُسرى..”

مشاهدة من الموقع

عناصر المادة

آداب الخلاء

ننتقل بعد ذلك إلى التعليق على السلسبيل شرح الدليل، والقدر المقرر -إن شاء الله- أننا ننتهي في هذا الدرس إلى نهاية خصال الفطرة، نحن كما ذكرت في الدرس السابق، وضعنا خطة، فإن شاء الله سنأخذ إلى صفحة مائة وتسعة وستين، إلى خصال الفطرة، وكنا قد وصلنا إلى قول المصنف رحمه الله:

  • تقديم اليسرى عند الدخول

فصلٌ: يُسن لداخل الخلاء تقديم اليُسرى.

يُسن لداخل الخلاء، سبق أن تكلمنا عن هذا المصطلح “الخلاء”، ومرادفاته في الدرس السابق، يُسن تقديم رجله اليُسرى، وهذا باتفاق أهل العلم، والقاعدة هي تقديم الرجل اليسرى في الأمور التي لا يُطلب فيها التكريم بخلاف اليُمنى فتكون في الأمور التي من شأنها التكريم، يعني عند دخول المسجد يُبدأ بالرجل اليمنى، وعندما يخرج يُقدّم اليُسرى، عند دخول الخلاء العكس يُقدم اليسرى، وعند الخروج يقدم اليمنى.

  • قول: بسم الله

وقول: بسم الله.

عند دخول الخلاء يقول: بسم الله، ويدل لذلك حديث علي: ستر ما بين أعين الجن، وعورات بني آدم، إذا دخل أحدهم الخلاء، أن يقول: بسم الله [1] أخرجه الترمذي وابن ماجه، وفي سنده مقال؛ لكنه بمجموع طرقه يكون حسنًا، ويؤيده الآثار المروية عن بعض الصحابة، في قول: “بسم الله” عند دخول الخلاء.

وإذا قال: بسم الله، فإن الجن والشياطين التي في الخلاء لا تراه، والله تعالى أخبرنا بأن الجن يرون الإنسان، وأن الإنسان لا يستطيع أن يراهم، كما قال سبحانه: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ يعين نظيره من الجن مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27] لكن الإنسان لا يستطيع أن يرى الجن، إلا إذا تشكل الجني، قد يتشكل بصورة إنسي، وقد يتشكل بصورة حيوان، وقد يتشكل بصورة غير ذلك، وإذا تشكل الجني، يقول بعض أهل العلم: أنه إذا تشكل فإنه تحكمه الصورة، بحيث لو ضُرِب تأثر بالضربة، وربما يموت، إذا كانت الضربة قوية؛ ولذلك تجد أنه لا يطيل الوقت في التشكل؛ لأنه يخاف، يخشى على نفسه، فلو تشكل وضُرِب ضربةً شديدة، ربما يموت، فهو حريص على أن لا يتشكل، وإذا تشكل يكون تشكله وقتًا يسيرًا، أحيانًا لحظات يسيرة، فهذه من حكمة الله ، فالإنسان إذا قال: بسم الله، لا تستطيع الجن أن تراه، ولا الشياطين أن يروه داخل دورة المياه، لكن إذا لم يقل: بسم الله، فإنهم يرونه، وتتكشف عورته؛ ولذلك فالمسلم يتحصن بهذا الذكر.

ويقول أيضًا مع قول: “بسم الله”: أعوذ بالله من الخبث والخبائث [2] كما جاء في الصحيحين من حديث أنس  كان النبي إذا دخل الخلاء، قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبُث والخبائث الخُبُث، بضم الباء، هذه الرواية المشهورة، وجاءت في رواية: الخُبْث وغلّط هذه الرواية الخطابي، ولكن أبو عبيد وجماعة، قالوا: إنها صحيحة، والأظهر أنهما روايتان: الخبُث، والخبْث، الخبُث والخبائث معناها: ذكران الشياطين وإناثهم، وأما الخبْث والخبائث، معناه: الشر وأهله، فكأنه استعاذ بالله من الشر وأهله، لكن المعنى المشهور والأظهر هو بضم الباء، الخُبُث والخبائث، يعني: ذكران الشياطين وإناثهم، هذا عندما يريد دخول الخلاء.

  • تقديم اليمنى عند الخروج

وإذا خرج قدّم اليمنى.

للمعنى الذي ذكرناه قبل قليل.

  • قول الذكر الوارد عند الخروج

وقال: غفرانك.

لحديث عائشة رضي الله عنها، [3]، ومعنى: غفرانك يعني: أسألك مغفرتك.

الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني [4] وهذه الزيادة قد جاءت عند النسائي، من حديث أبي ذر، وابن ماجه من حديث أنس، لكنها ضعيفةٌ لا تثبت، وضعّفها البخاري وأبو حاتم، وحُكي الاتفاق على ضعف هذه الرواية، وعلى ذلك ما دام أنها ضعيفة، فلا يُشرع أن تُقال، وإنما يكتفي المسلم بقول: غفرانك فقط، من غير زيادة: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني فهذا إذًا هو الذكر الذي يُقال عند الدخول وعند الخروج.

مناسبة قول: غفرانك عند الخروج

إذًا عند الخروج يكتفي بقول: غفرانك ما مناسبة قول: غفرانك عند الخروج؟

للعلماء في ذلك أقوال:

فقيل: إن الإنسان إذا دخل موقع الخلاء ثقيلًا وخرج خفيفًا، فينبغي له أن يتذكر بذلك ثِقَل الذنوب، ويسأل الله المغفرة، وهذا أشهر ما قيل.

وقيل: إن طلب المغفرة بسبب التقصير في شكر نعمة الله على إخراج هذا الخارج، بعدما أنعم الله تعالى به عليه، فأطعمه ثم هضمه، ثم سهّل عليه خروجه.

وقيل: إن النبي كان يذكر الله على كل أحيانه، ولا ينقطع إلا عندما يكون في الخلاء، فيستغفر الله عن هذا التقصير.

والذي يظهر أن الأقرب هو المعنى الأول والثاني، أما الثالث فمحل نظر؛ إذ أن الانحباس في الخلاء لأجل قضاء الحاجة لا يعتبر تقصيرًا يستحق أن يستغفر الإنسان منه؛ ولذلك الحائض لا تصلي ولا تصوم ولا يُشرع لها أن تستغفر الله تعالى؛ لأنها تركت الصوم والصلاة.

حكم النتر بعد التبول

عند بعض الحنابلة، وهذا نص عليه صاحب زاد المستقنع، ولم يذكره هنا صاحب الدليل، ذكروا أنه يُستحب بعد التبول النتر ثلاثًا، ومعنى النتر: أن يحرك الذكر من الداخل لا بيده، واستدلوا بحديث: إذا بال أحدكم فلينتر ثلاثًا [5] قالوا: ولأجل أن يُخرج بقية البول، إن كان فيه شيءٌ من البول، وهذا هو المنصوص عليه عند الحنابلة، وكما ذكرت نص عليه صاحب الزاد.

وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “إن النتر بدعة”؛ لاحظ يعني تقابل القولين، القول الأول: يُستحب، والقول الثاني: بدعة، لاحظ التقابل والفرق الكبير بين القولين، والصواب: أنه بدعة، كما قال ابن تيمية رحمه الله، وأما حديث: إذا بال أحدكم، فلينتر ثلاثًا هذا رواه أحمد، لكنه ضعيف ضعفًا شديدًا، وقيل: إنه موضوع؛ لأن هذا النتر قد يجلب أيضًا الوسواس، وقد يضر بالإنسان، فلا يُشرع النتر.

لكن مع قولنا: بأنه لا يُشرع النتر، ينبغي بعد التبول -وهذا للذَّكَر خاصة- أن يعصر ذكره بيساره برفقٍ، لأجل أن يخرج ما قد يكون فيه من قطرات البول؛ لأن الإنسان خاصةٌ مع تقدم العمر ترتخي عنده العضلات، فلو أنه تبول ثم مباشرةً استنجى ولم يعصر ذكره، ستبقى فيه قطرات من البول، وتخرج معه إذا مشى؛ ولذلك فالأحسن هنا، هذه فرق بينها وبين مسألة النتر، النتر قلنا: إنها غير مشروعة، النتر: أن يحرك البول من الداخل وليس بيده، لكن هذا بعد التبول يعصر الذكر برفق حتى يخرج ما فيه من بقايا البول، فهذا هو الأكمل والأفضل في الطهارة، يعني خاصة لمن تقدم به السن، يعني مع تقدم السن ترتخي العضلات، فبعد التبول تبقى قطرات يسيرة في مخرج الذكر، فإذا لم يعصرها ستخرج معه أثناء المشي، فتتلوث ملابسه بالنجاسة؛ ولذلك بعد التبول الأحسن أن يعصر ذكره برفقٍ، وربما أيضًا يحتاج بعض الناس إلى أن يقوم ويقعد، هذا أيضًا قد يحتاج له بعض الناس، لكن لا يُبالغ في هذا، حتى لا يؤدي إلى الوسواس، فيكون الإنسان معتدلًا، لا يتساهل بأمر النجاسة، ولا يُبالغ فيها مبالغةً كما ذكروا في النتر ونحو ذلك، النتر والمسح، ونحو ذلك، هذا لا أصل له، وأيضًا لا يُهمل أمر النجاسة، يعني إذا تبول يعصر الذكر برفق؛ لأنه خاصةً لمن تجاوز الأربعين، لا بد أن يبقى في الذكر بقايا وقطرات من البول، فهنا إذا لم يعصر ذكره برفق، فمعنى ذلك ستخرج، وهو يمشي، خاصة إذا تحرك ومشى، فالأحسن أنه أثناء التبول يعصر ذكره برفق، حتى تخرج هذه القطرات.

سائل: …؟

الشيخ: لا النتر الذي يقصدونه أنه بالنفس ومن الداخل، ليس بالعصر، بالضغط، هذا هو، وهذا بالعكس، هذا الذي يضر، حتى من الناحية الطبية، وأما ما ذكرت من عصر الذكر برفق، هذا حتى يوصي به الأطباء، حدثني بعض الإخوة كان مستفتيًا، كان عنده مشكلة في قطرات البول، يقول: إن الطبيب هو الذي أوصاه بهذه الوصية، قال: إنه لا بد أنك تعصر الذكر برفق، وقال: إن العضلات ترتخي مع تقدم السن.

  • عدم استقبال الشمس والقمر

قال المصنف رحمه الله:

ويُكره في حال التخلي استقبال الشمس والقمر.

وهو ما يُعبّر عنه بعضهم باستقبال النيرين، وعللوا ذلك، قالوا: لما فيهما من نور الله، المقصود به: نور الله المخلوق، وليس نور الله الذي هو صفته، كما هو ظاهر، وهذا القول قولٌ ضعيف؛ إذ أنه يلزم من هذا أن كل شيء فيه نور يُكره استقباله حتى الكواكب والنجوم ونحو ذلك، وهذا القول قولٌ ضعيف، ولولا أنه هو المشهور من المذهب لما ذكرناه؛ لأنه قولٌ ضعيف، ومصادمٌ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: لا تستقبلوا القبلة بغائطٍ ولا بولٍ، ولكن شرقوا وغرّبوا [6]، ومعلومٌ أن من شرّق وغرّب فإن الشمس إما أن تكون طالعة أو غاربة، فهو سيستقبل الشمس أو يستدبرها، فإذًا هذا القول قولٌ ضعيفٌ.

  • تجنب استقبال مهب الريح

ومهب الريح.

يعني: يُكره أن يستقبل مهب الريح؛ لئلا يرتد عليه البول أو رشاش البول، كما لو مثلًا تبول في البرية، يجتنب أن يستقبل مهب الريح، إذا كان فيه رياح وعواصف ونحو ذلك، والقول بالكراهة محل نظر؛ لأنه الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل، ولو أن المؤلف قال: الأولى ألا يستقبل مهب الريح لكان أحسن.

  • ترك الكلام

والكلام.

يعني: أن يُكره عند قضاء الحاجة؛ لما جاء من حديث ابن عمر أن رجلًا مر ورسول الله يبول، فسّلم عليه، فلم يرد عليه السلام [7] رواه مسلم، وإنما لم يرد عليه لأنه عليه الصلاة والسلام كره أن يذكر الله تعالى وهو يقضي حاجته؛ ولهذا بعدما قضى حاجته رد عليه السلام، وقال: كرهت أن أذكر الله تعالى على تلك الحال [8]؛ فإذا كان كره رد السلام، فغيره من الكلام من باب أولى.

  • اجتناب التبول في الإناء والشق والنار

والبول في إناءٍ.

يعني: يُكره البول في إناء؛ لأن هذا الإناء قد يُستخدم في الأكل والشرب، ونحو ذلك، ولكن إذا وُجدت حاجة لهذا الإناء فلا بأس، ومن ذلك ما يكون في بعض المستشفيات أنه يؤتى المريض بإناء لكي يتبول فيه، ويُجمع البول لكونه عاجزًا عن الذهاب لدورة المياه، فعند الحاجة لا بأس، تزول الكراهة.

وشقٍ.

يعني: يُكره البول في شق باتفاق العلماء، والشق: هو الفتحة من الأرض، والجحر للهوام والدواب؛ لقول النبي : لا يبولن أحدكم في الجحر قيل: إنها مساكن الجن [9] وأيضًا لأن هذا الجحر أو الشق قد يكون فيه هوام، قد يكون فيه حشرات، قد يكون فيه عقرب، قد يكون حتى فيه أيضًا جن؛ ولهذا سعد بن عبادة بال في جحرٍ في أرض الشام ثم مات، وسُمع من يُلقي هذين البيتين:

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده

هذا قصة مشهورة، الله أعلم بصحتها، لكنها مشهورة عند أهل العلم؛ ولذلك قالوا: إنه يُكره أن يبول الإنسان في الشق أو في الجحر.

ونارٍ ورمادٍ.

قالوا: لأن ذلك يورث السقم، ولكن هذا محل نظر، والأصل هو الإباحة، ولم يثبت طبيًّا أن البول في النار أو الرماد يورث السقم، وما العلاقة ما بين البول في النار والرماد والسقم؟ فيظهر -والله أعلم- أن هذا التعليل عليل، وأن الصواب أنه لا يُكره، لكن مع ذلك ينبغي أن يختار الإنسان الأماكن المخصصة لقضاء الحاجة.

حكم البول قائمًا

ولا يُكره البول قائمًا.

لحديث حذيفة أن النبي أتى سباطة قومٍ فبال قائمًا [10]، السباطة: هي الزبالة، أو الموضع الذي يُرمى فيه التراب والأوساخ، ونحو ذلك، وهذا الحديث نصٌ في المسألة، ولكن قيد الفقهاء ذلك بشرطين:

  • الشرط الأول: أن يأمن انكشاف عورته.
  • الشرط الثاني: أن يأمن تلويث النجاسة.

أن يأمن انكشاف عورته؛ لأن انكشاف العورة محرم أمام الناس، وأن يأمن تلويث النجاسة؛ لأن التلويث بالنجاسة أيضًا محرمٌ، ومن أسباب عذاب القبر، وهذا قد يحتاج إليه الإنسان، حتى لو فعله من غير حاجة، فإذا أتى دورة المياه مثلًا وتبول قائمًا لا بأس، لا حرج، ليس هناك أفضلية لأن يبول قاعدًا، يختار ما هو الأيسر له، من التبول قائمًا، أو التبول قاعدًا، لكن المهم أن يتحقق هذان الشرطان، إذا كان داخل دورة المياه، فقد تحقق الشرطان، الأمن من التلويث بالنجاسة، والأمن من انكشاف العورة، ربما يحتاج الإنسان لمثل هذه المسائل عندما يكون مثلًا في دورة مياه عامة، ويريد أن يتبول قائمًا؛ لأنه يخشى من قذارتها، ونحو ذلك، فنقول: لا بأس، ليس هناك أفضلية للبول قاعدًا، فيجوز البول قائمًا، والبول قاعدًا، لكن إذا بال قائمًا يُراعي تحقق هذين الشرطين.

  • عدم استقبال القبلة واستدبارها عند التخلي

ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء، بلا حائل.

هذه مسألة من أهم مسائل هذا الفصل، وهي محل خلافٍ بين الفقهاء، اختلفوا فيها على أربعة أقوال:

  • القول الأول: القول الذي حكاه المصنف، وهو التفريق بين الصحراء والبنيان، فيحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء دون البنيان، وأيضًا ذهب إليه المالكية والشافعية، وهو قول الجمهور، واستدلوا لذلك بحديث أبي أيوب ، أن النبي قال: إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرّقوا أو غرّبوا [11] وهذا قاله لأهل المدينة؛ لأن القبلة بالنسبة لأهل المدينة تقع في أي جهة؟ الجنوب، فإذا شرّقوا أو غرّبوا فإنه لا يكون قد استقبلوا القبلة، ولا استدبروها، لكن نحن هنا في الرياض، ماذا نقول؟ شمّلوا أو جنبوا؛ لأنه إذا لو شرّقنا وغرّبنا، استقبلنا القبلة.
    قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قِبَل القبلة، فننحرف عنها، ونستغفر الله، كأنهم رأوا أن هذا الانحراف أنه غير كافٍ، وقالوا: إنما يختص هذا بحال الفضاء دون البنيان؛ لحديث ابن عمر  قال: “ارتقيت يومًا على ظهر بيتٍ لنا، فرأيت النبي على لبنتين مستقبلًا بيت المقدس لحاجته، مستدبرًا الكعبة” [12] وهذا أيضًا في الصحيحين، فقالوا: يُحمل النهي الوارد في حديث أبي أيوب على الفضاء دون البنيان.
  • القول الثاني: أن ذلك مكروه، وهو مذهب الحنفية، وحملوا النهي في حديث أبي أيوب على الكراهة، وقالوا: الصارف له حديث ابن عمر.
  • القول الثالث: أن يجوز استدبار القبلة دون استقبالها في البنيان خاصة دون الفضاء، وإلى هذا ذهب القاضي أبو يوسف، من الحنفية، ورواية عند الحنابلة، وأيضًا اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمة الله تعالى على الجميع، وقالوا: إن الأصل في حديث أبي أيوب هو التحريم، ولكن يخص منه حديث ابن عمر، وحديث ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان مستدبرًا الكعبة، فيجوز الاستدبار دون الاستقبال، فأخذوا بظاهر الحديث.
  • القول الرابع: أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها مطلقًا لا في الفضاء ولا في البنيان، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد، اختاره ابن تيمية وابن القيم، وابن سعدي، والشوكاني، وجمعٌ من المحققين من أهل العلم، واستدلوا بحديث أبي أيوب السابق، وهو حديثٌ في الصحيحين، قال: هو صريح الدلالة في التحريم، وأيضًا في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: إذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها [13].

وأما حديث ابن عمر لما رقى بيت حفصة فوجد النبي مستدبرًا الكعبة، قالوا: هذه حكاية فعل، وواقعة عين، ترد عليها عدة احتمالات، فيحتمل أن هذا كان قبل النهي عن استقبال القبلة واستدبارها، ويحتمل أن المكان كان ضيقًا فكان النبي عليه الصلاة والسلام معذورًا بذلك، ويحتمل أن هذا خاصٌ بالنبي  لكونه عنده من التعظيم للقبلة ما ليس عند غيره، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، ثم على تقدير التعارض بينه وبين حديث أبي أيوب، فحديث أبي أيوب أقوى دلالةً؛ لأنه من قول النبي ، بينما حديث ابن عمر من فعله، وإذا تعارض القول والفعل فأيهما يقدم؟ القول؛ لأن القول أقوى وأصرح، كما هو مقرر عند الأصوليين؛ ولذلك حتى لو رأيت مثلًا عالمًا من العلماء يقرر رأيًا فقهيًّا، ثم رأيته يفعل خلافه، فماذا يُنسب إليه؟ يُنسب إليه القول، يعني مثلًا رأيته يقرر مثلًا أن تقديم الركبتين أفضل عند السجود، أن الأفضل تقديم الركبتين على اليدين، ثم لما رأيته يصلي رأيته يقدم يديه على ركبتيه، فالذي يُنسب له القول؛ لأنه يُحتمل أنه فعل ذلك لضعفه، أو فعل ذلك لمرضه، أو فعل ذلك نسيانًا، أو ذهولًا، أو لغير ذلك، لكن القول لا تتطرق إليه هذا الاحتمالات، فدلالة القول أقوى من دلالة الفعل.

والقول الراجح -والله أعلم- هو القول الأخير، وهو أنه يحرم استقبال القبلة واستدبارها مطلقًا في الفضاء وفي البنيان، ومما يؤيد من مؤيدات الترجيح أن القول: إنه يجوز في البنيان دون الفضاء، طيب ما ضابط البنيان؟ هل هو الجدار؟ إذا كان الجدار ففي الفضاء ما هو أعظم من الجدار، هناك جبال وأشجار، وأودية، وهضاب، أعظم من الجدار، فما هو الضابط إذًا؟

ثم هل النهي عن استقبال الكعبة أو عن استقبال القبلة؟ لو كان النهي عن استقبال الكعبة، فبيننا وبين الكعبة مسافة كبيرة، وبيننا وبينها حوائل، وهذا لا يختلف الفضاء والبنيان، كم بيننا الآن وبين مكة؟ ألف كيلو أو تزيد، فهذا فيه أبنية كثيرة، يعني لو قضى الإنسان حاجته في الصحراء، كم بينه وبين الكعبة من الأبنية؟

فإذًا هذا يدل على أن النهي عن الاستقبال إنما نهي عن استقبال جهة القبلة، وليس عن الكعبة، إذا كان النهي عن الجهة فهذا لا يختلف الفضاء والبنيان، انتبه لهذه اللطيفة، أنا وجدتها لابن القيم، ولم أرَها لغيره، وهي نفيسة، هذه الفائدة فائدة نفيسة، فهنا يعني نقول: النهي هل هو عن استقبال الكعبة أو عن القبلة؟ ليس عن استقبال الكعبة قطعًا؛ لأنه بيننا وبين الكعبة مسافة طويلة، وبيننا وبينها أبنية كثيرة، إذًا النهي عن استقبال القبلة.

النهي عن استقبال القبلة يعني عن جهة القبلة، هل يختلف الفضاء عن البنيان؟ أنت في الفضاء استقبلت القبلة، أنت في البنيان استقبلت القبلة، ما في فرق، لا فرق بين أن تقضي حاجتك في الفضاء أو في البنيان، يعني حتى من الناحية العقلية، تجد أنه يؤيد هذا القول؛ لأن المقصود من ذلك تعظيم جهة القبلة، وهذا يؤكد رجحان القول الرابع، وهو أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها مطلقًا، لا في الفضاء ولا في البنيان، كما هو اختيار ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله تعالى.

وعلى ذلك ينبغي أن تُبنى دورات المياه والمراحيض وأن توجه إلى غير القبلة، ينبغي لمن يبني له مسكنًا أن يُلاحظ، وأن يوجهها إلى غير القبلة، إذا ابتلي الإنسان ودخل دورة مياه موجهه إلى القبلة، فماذا يفعل؟ نقول: يفعل كما فعل الصحابة لما قدموا الشام، قالوا: ننحرف عنها، ونستغفر الله ​​​​​​​.

ويكفي إرخاء ذيله.

يعني: الذيل هو الثوب أو السترة، من كساءٍ أو رداءٍ يجعله بينه وبين القبلة، يعني يقولون: هذا يعتبر حائل، وهذا في الحقيقة مما يُبين ضعف القول، طيب إذا كنتم تعتبرون الثوب حائلًا، ففي الفضاء ما هو أعظم من الثوب، فيه جبال، ليس ثوب فيه جبال، وفيه هضاب، وفيه أودية، وفيه أشجار، فلماذا لا تعتبر هذه حوائل، فهذا مما يُبين ضعف هذا القول.

  • اجتناب الطريق والظل والمقبرة

وأن يبول أو يتغوط بطريقٍ مسلوكٍ.

لقول النبي : اتقوا اللعانين قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم [14] وهذا يدل على أن هذا العمل من كبائر الذنوب؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام: اللعانين يعني: اللذان يوجبان اللعن، وكل ما ورد فيه اللعن، فهو من الكبائر.

وطريق مسلوك: يُفهم منه أنه إذا كان الطريق مهجورًا فلا بأس بقضاء الحاجة فيه.

وظلٍ نافع.

للحديث السابق، وقوله: أو ظلهم ولأن ذلك فيه أذية للمسلمين، وقول المؤلف: “ظلٌ نافع” يُفهم منه أن الظل إذا لم يكن نافعًا فلا بأس بقضاء الحاجة فيه.

وتحت شجرةٍ عليها ثمرٌ يُقصد.

يعني: ثمرٌ محترم، كثمر النخل مثلًا، ويقصدها الناس؛ لأن في ذلك أذية للناس، وتلويث لهذا الثمر؛ ولهذا ورد في حديث معاذ: اتقوا الملاعين الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل [15] ويدخل فيه ظل المساجد من باب أولى.

وبين قبور المسلمين.

وهذا باتفاق أهل العلم، وقد ورد في ذلك حديث عقبة: ما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق [16] وهذا دليل على تحريم قضاء الحاجة في المقبرة وبين قبور المسلمين.

  • اللبث في الخلاء بقدر الحاجة

وأن يلبث فوق قدر حاجته.

(وأن) هذا العطف الآن يفيد التحريم أو الكراهة؟ التحريم؛ لأنه الآن المؤلف يذكر المحرمات، يعني معنى العبارة: ويحرم عليه: أن يلبث فوق قدر حاجته.

لأن في هذا كشفًا للعورة من غير حاجة، وقد يكون مضرًا به، قد قالوا: إنه يدمي الكبد، وسبب البواسير؛ ولأن الخلاء مأوى للشياطين.

وقال بعض أهل العلم: إن مكثه فوق حاجته لا يصل إلى درجة التحريم، وإنما هو مكروه، وهذا هو القول الراجح، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ ولأن التعليلات التي ذُكرت لا تقوى للقول والجزم بالتحريم، وكونه يكشف عورته هو في مكان بعيد ومستور عن الناس، والقول: بأنه مضر من الناحية الطبية لم يثبت هذا عند الأطباء أن من يجلس فوق حاجته تصيبه البواسير، وأنه يدمي الكبد، الأطباء ينفون صحة هذا، والقول بأنه مأوى للشياطين هذا يقتضي الكراهة.

فالأقرب -والله أعلم- أنه إذا لبث فوق حاجته غاية ما فيه أنه مكروه، ولا يصل إلى درجة التحريم.

أيضًا هناك آداب لم يذكرها صاحب الدليل، وإنما أُضيفت للسلسبيل:

عدم الاستنجاء باليد اليمنى ومس الذكر بها تكريمًا لها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ولا يستنجي بيمينه [17] لكن النهي للكراهة؛ لأنه ورد في أي شيء؟ ورد في الآداب.

وأيضًا أن يبتعد عن الناس، ويستتر عنهم؛ لأن هذا هو هدي النبي ، كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يقضي حاجته ابتعد عن الناس وتوارى عنهم.

وأيضًا لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، هذا إذا كان يقضي حاجته في الفضاء، لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لخشية انكشاف عورته، قد كان هذا هو هدي النبي ، وكره بعض أهل العلم أن يتعرى الإنسان دون حاجة، حتى وإن كان وحده؛ لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك قال: قلت: يا رسول الله، القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينَّها أحدٌ فلا يرينها قلت: فإذا كان أحدٌ خاليًا، قال: الله أحق أن يُستحيا منه من الناس [18]، وهذا ذكره البخاري في صحيحه معلقًا له بصيغة الجزم.

وأيضًا من الآداب ألا يدخل الخلاء وفيه شيءٌ من ذكر الله ، وهذا باتفاق أهل العلم، لكن تزول الكراهة بالحاجة، كما لو خشي عليه من السرقة.

باب السواك

ثم قال المصنف رحمه الله:

باب السواك.

تعريف السواك

السواك: يطلق على الآلة، ويُطلق على الفعل.

يُطلق على الآلة، وهو العود الذي يُستاك به، وما كان في معناه.

ويُطلق على الفعل الذي هو دلك الفم بالعود لتنظيفه.

وأشهر ما يُستاك به عود الأراك، عود الأراك هذا هو أشهر ما يُستاك به من قديم الزمان إلى وقتنا الحاضر، هذا هو عود الأراك، هو أشهر ما يُستاك به، أيضًا يُستاك بأمور أخرى، غير عود الأراك، مثل: البشام، هذا أكثر ما يوجد في الحجاز والمنطقة الجنوبية، البشام هذا أيضًا شبيه بعود الأراك، وأنا رأيتهم في الحج يستاكون به، وإن كان أقل من عود الأراك، لكنه يُستاك به أيضًا، وأيضًا يمكن بعض الأعواد كعود الزيتون مثلًا، فلا ينحصر ذلك في عود الأراك.

طيب، هذا يقودنا إلى فرشاة الأسنان، إن شاء سيأتي الكلام عنها، لكن نذكرها إجمالًا هنا، أنها تدخل في السواك؛ لأننا نحن قلنا: إن السواك اسمٌ لما يُستاك به، ولا ينحصر في عود الأراك، فمعنى ذلك أن فُرشاة الأسنان تدخل في مسمى السواك، وسيأتي الكلام عنها عند قول المصنف: “ولم يصِب السنة، من استاك بغير عود” وسمعت في أحد المقاطع مقارنة من أحد الفضلاء بين من يقول السواك والفرشاة، ويريد أن يثبت أن التسوك بالسواك أفضل من التسوك بالفرشاة، الحقيقة هذا يدل على عدم فهم هذه المسألة، أصلًا الفرشاة هي نوع من السواك؛ لأن السواك اسمٌ لما يُستاك به، فيشمل ذلك الآلة التي هي العود، ويشمل ذلك الفعل، فالآلة تشمل عود الأراك، تشمل البشام، تشمل عود الزيتون، تشمل فرشاة الأسنان، ففرشاة الأسنان هي في الحقيقة نوعٌ من السواك، فلا وجه أصلًا للمقارنة؛ لأنه يُقارن بين الشيء ونفسه، لا وجه لهذه المقارنة.

حكم السواك

يُسن.

هنا أفاد المؤلف بأن السواك سنة، وهو سنةٌ مؤكدة، قد قال عليه الصلاة والسلام: لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة [19].

وقال البخاري في صحيحه معلقًا في صيغة الجزم: قال أبو هريرة عن النبي : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء [20] وحديث عائشة: السواك مطهرةٌ للفهم، مرضاةٌ للرب [21].

وورد في فضل السواك أحاديث كثيرة حتى عدت أحاديثه من المتواتر، بل قد قال عليه الصلاة والسلام للصحابة: أكثرت عليكم في السواك [22] حتى إنه خشي أن يُفرض على أمته لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كان النبي عليه الصلاة والسلام يحرص عليه حرصًا شديدًا، كان إذا دخل المنزل تسوك، وإذا قام من الليل تسوك، حتى في مرض موته، قُبيل وفاته بدقائق، دخل عليه عبدالرحمن ومعه عود أراك، فأبده النبي عليه الصلاة والسلام ببصره، كأنه يريده، ففهمت عائشة ماذا يريد؟ فأخذت هذا العود من عبدالرحمن، وقضمته وطيبته، ثم أعطته النبي ، قالت: فاستاك به، فما رأيته استاك استياكًا أحسن منه [23] سبحان الله! ثم لما استاك بعد ذلك أتاه النزع، وقال: في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى ثم مات، فكان آخر ما عمل السواك، آخر ما عمل في حياته عليه الصلاة والسلام السواك، انظر إلى حرص النبي عليه الصلاة والسلام على السواك، يعني إلى هذه الدرجة، فكان عليه الصلاة والسلام حريصًا على السواك، فينبغي للمسلم أن يحرص على تطبيق هذه السنة المؤكدة.

بعود رطبٍ.

يخرج به العود غير الرطب، وهو العود القاسي؛ لأنه لا يحصل به التنظيف، وربما أضر.

لا يتفتت.

لا يتكسر ولا يتساقط؛ لأنه لا يحصل به المقصود، وعند بعض العلماء ذكره بعض فقهاء الحنابلة، يقولون: كل عودٍ له رائحةٌ طيبة، فلا يُستاك به؛ لأنه مضر، ربما عرفوا ذلك بالتجربة، وعللوا ذلك، قالوا: لأنه مضرٌ.

وهو مسنونٌ مطلقًا.

لما سبق من الأحاديث.

حكم السواك للصائم

إلا بعد الزول للصائم فيُكره.

وهذا هو المذهب عند الحنابلة والشافعية، واستدلوا بحديث علي وخباب: إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي [24] أخرجه الدارقطني، لكنه حديث ضعيف، استاكوا في الغداة يعني: أول النهار ولا تستاكوا بالعشي يعني: آخر النهار، يعني: بعد الزول، العشي: هو بعد الزوال، واستدلوا أيضًا بحديثٍ صحيح، لكنه ليس صريحًا، وهو حديث أبي هريرة أن النبي قال: والذي نفس محمدٍ بيده، لخلُوف فم الصائم، أطيب عند الله من ريح المسك [25]، قالوا: الخُلوف: هو الرائحة الكريهة التي تخرج من الفم، عند خلو المعدة، وهذا إنما يكون بعد الزوال، ويُكره إزالتها؛ لأنها عند الله من رائحة المسك.

والقول الثاني: أن السواك سنةٌ للصائم مطلقًا، قبل الزول وبعده، وهذا هو قول الحنفية والمالكية، ورواية عند الحنابلة، وهو القول الراجح، واختاره ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، واستدلوا بعموم الأدلة الدالة على سنية السواك، وأنها تشمل قبل الزوال وبعده، وأنه المروي عن الصحابة والتابعين، والمعروف عنهم، وأما حديث علي: استاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي هو حديثٌ ضعيف، متفقٌ على ضعفه، وحديث أبي هريرة لخلوف فم الصائم هذا حديثٌ صحيح في البخاري ومسلم، لكن ليس فيه دلالة على كراهة السواك بعد الزوال؛ لأن سبب رائحة الخلوف خلو المعدة من الطعام، والسواك ليس له أثر في إزالة هذه الرائحة؛ لأن هذه الرائحة تنبعث من ماذا؟ من المعدة، وليس من الفم، الخلوف ينبعث من المعدة، فمهما استاك لا يؤثر الاستياك في ذهاب هذه الرائحة، وقد جاء عن عامر بن ربيعة قال: “رأيت النبي ما لا أحصي يتسوك وهو صائم” [26] وهذا حديثٌ ضعيفٌ، لكن يكفينا عموم الأدلة، وعلى ذلك نقول: إن السواك سنةٌ للصائم قبل الزوال وبعده كغير الصائم، لا أحد، يعني مثل هذه المسائل عندما تحققها وتزنها، يتبين لك ضعف القول بكراهة السواك للصائم بعد الزوال؛ لأن كل ما بنوا عليه ضعيف، إما أنه صحيحٌ غير صريح مثل حديث الخلوف، أو صريح غير صحيح مثل حديث علي، وهذا يستدعي من طالب العلم الحرص على التحقيق، التحقيق في المسائل الخلافية، هذا يفيد طالب العلم، ولا يمكن أن يتفقه بالطريقة الصحيحة بدون التحقيق، لا بد أن يكون محققًا؛ ولهذا من يقتصر على مذهب واحد هذا يصلح للمبتدئين، لكنه ليس علمًا، قال ابن عبدالبر: “أجمع العلماء على أن المقلد ليس معدودًا من العلماء” العلم ما هو؟ العلم: معرفة الحق بدليله، فعندما تعرض مسألة خلافية لا بد أن تزن الأقوال والأدلة، بماذا استدل هؤلاء، وبماذا استدل هؤلاء؟ ثم ترجح وتجيب عن أدلة أصحاب القول المرجوح، هذه أفضل طريقة للتفقه.

إذًا القول الراجح كما قلنا هو سنية السواك مطلقًا للصائم ولغيره، قبل الزوال وبعده.

ويُسن له قبله بعودٍ يابسٍ، ويُباح برطب.

يعني: يُسن للصائم السواك قبل الزوال بعودٍ يابسٍ، لا بعودٍ رطبٍ، لكنه يُباح برطبٍ، وهذا التفصيل ليس عليه دليل، والصواب: أن السواك سنةٌ للصائم مطلقًا من غير تفصيل، سواءً أكان بعودٍ يابسٍ أو رطبٍ، إلا إذا كان هذا الرطب له طعمٌ، ويُخشى أن يذهب إلى الجوف، فهنا نقول بالكراهة لأجل ذلك، يوجد الآن في بعض الصيدليات أنواع من عود الأراك لكنها معطرة، فإذا أخذها الإنسان واستاك بها، فسيختلط هذا العطر بريقه وربما ابتلعه، وهذا قد يؤثر على صحة صومه، فهذا النوع من السواك، هذا يجتنبه الصائم، أو حتى ليست المعطرة، الرطب الذي يكون له طعم، يكون له حرارة، هذا أيضًا يجتنبه الصائم؛ لأنه قد يختلط بالريق ويبتلعه، أما السواك الذي ليس رطبًا، فالأصل أنه مسنون.

حكم الاستياك بغير عود

ولم يصِب السنة من استاك بغير عودٍ.

المذهب عند الحنابلة أن السواك لا بد أن يكون بعود، وقال بعض الفقهاء: إنه يُصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء؛ لأن المقصود هو تنظيف الفم، وهذا هو القول الراجح، وقد اختاره الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى.

وذكر أنه يُجزئ الاستياك بالخرقة، وبالأصبع، وأنه يُصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء، يعني مثلًا: أحيانًا قد ينسى الإنسان مثلًا عود الأراك، أو يضيع منه ويكون بالصلاة يريد أن يصلي، فهنا الأفضل أن يُستاك إما بإصبعه، لأجل تحقيق السنة، أو يأخذ منديلًا ويستاك به، لأجل تحقيق السنة، ويُصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء.

الاستياك بفرشاة الأسنان ذكرنا أن الفرشاة تدخل في مسمى السواك، وأن التنظيف بها، خاصةً إذا اقترن بالمعجون، أنه قد يكون أبلغ من التنظيف بعود الأراك، أنا أسألكم الآن: هذا رجل ينظف فمه الآن بعود الأراك، مدة خمس دقائق، بجواره رجل ينظف فمه بالفرشاة والمعجون خمس دقائق، أيهما أكثر تنظيفًا لفمه؟ الذي بالفرشاة والمعجون، هذا ظاهر، بل إن الفرشاة إذا كان معها معجون تعقم الفم، عدة ساعات من البكتيريا، ومن التسوس، فهذا يدخل إذًا في مسمى السواك؛ ولذلك ينبغي إذا أردت أن تنظف أسنانك بالفرشاة والمعجون، أن تنوي بذلك إصابة السنة، حتى تؤجر على ذلك، وهذه مسألة يغفل عنها كثير من الناس، تجد أنه يأخذ فرشاته ومعجونه ويذهل عن النية، فينبغي عندما تنظف فمك بالفرشاة، وتنظف أسنانك بالفرشاة والمعجون، أن تنوي بذلك إصابة السنة، وهذا يدل على عظمة الإسلام، وحرصه على النظافة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان من أحرص الناس على النظافة، كان لا يُشم منه رائحة كريهة قط، لم تُشم منه رائحة كريهة قط، عليه الصلاة والسلام.

المواضع التي يتأكد فيها السواك:

ثم انتقل المؤلف إلى المواضع التي يتأكد فيها السواك.

  • الموضع الأول: عند الوضوء

عند الوضوء.

لحديث: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء هذا ما ذكرنا قبل قليل [27] أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا له بصيغة الجزم.

  • الموضع الثاني: عند الصلاة

عند الصلاة.

 لحديث أبي هريرة : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة [28] وهذا أصح من الحديث السابق؛ لأنه مرفوع، والأول معلّق.

  • الموضوع الثالث: عند قراءة القرآن

عند قراءة القرآن.

لحديث علي : أن العبد إذا تسوك، ثم قام يصلي، قام الملك خلفه، فتسمع لقراءته، فيدنو حتى يضع فاه على فيه، فما يخرج من فيه شيءٌ من القرآن إلا صار في جوف الملك، فطهروا أفواهكم للقرآن [29] أخرجه البزار، ورجاله ثقات، وسنده لا بأس به، والملائكة تستمع للقرآن أيضًا، تستمع للقرآن، وتدنو من قارئ القرآن؛ ولذلك ينبغي أن يستاك وينظف فمه لأجل هذه المعاني.

  • الموضوع الرابع: عند الانتباه من النوم

وانتباهٍ من نوم.

لحديث حذيفة أن النبي كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك [30]؛ فإذا قمت من النوم، تريد مثلًا تصلي صلاة الليل، السنة أن تستاك، وهذا فيه معنًى آخر، وهو تنشيط الإنسان، الإنسان إذا قام من النوم واستاك يتنشط، ويذهب عنه النوم.

  • الموضع الخامس: عند تغير رائحة الفم

وتغير رائحة الفم.

لقول النبي : السواك مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرب [31] مقتضى هذا أنه متى احتاج الفم إلى تطهير تأكد تطهيره بالسواك.

  • الموضع السادس: عند دخول المسجد أو المنزل

عند دخول المسجد أو المنزل.

عند المنزل؛ لقول عائشة: “كان النبي إذا دخل بيته، بدأ بالسواك” [32]، بعض الفقهاء قال: إن المقصود أنه يُقبّل بعض أزواجه، وأن عائشة كنّت بهذا بالسواك عن القبلة، وهذا بعيد، الذي يظهر أن المقصود على ظاهره، أنه يبدأ بالسواك فعلًا.

وعند دخول المسجد كان عليه الصلاة والسلام أيضًا يستاك عند دخول المسجد، والمالكية كرهوا الاستياك داخل المسجد، وقالوا: إنه من باب إزالة الأذى، وهذا لا يكون في المسجد، لكن هذا قولٌ ضعيف، الصواب ما عليه أكثر أهل العلم، من مشروعية الاستياك في المسجد، وإزالة الأذى المقصودة، هي منحصرة، يعني منحصرة داخل فم الإنسان، ولم تذهب للمسجد، ولم تلوث المسجد، حتى يُقال فيه: بأن فيه إزالة للأذى، فالصواب أن الاستياك داخل المسجد سنة.

  • الموضع السابع: عند إطالة السكوت

إطالة سكوتٍ.

لكونه مظنة لتغير الفم.

  • الموضع الثامن: عند صفرة الأسنان

صفرة أسنانٍ.

لأن وجود الصفرة في الأسنان مظنةٌ لتغيره، فهي مؤشرٌ على وجود الروائح الكريهة، ويغني في وقتنا الحاضر عن ذلك الفرشاة والمعجون.

هنا في تنبيه، صـ144، لمسألة مهمة: أن من يستاك بعود الأراك، ينبغي أن يتعاهده، وأن يقص أعلاه من حينٍ لآخر، يعني يأتي لأعلاه، لهذا القدر، ويقصه، كلما أخذ مثلًا يومين كذا، يقص أعلاه؛ لأنه لو لم يفعل ذلك مع مرور الوقت، سيصبح عود الأراك هذا وكرًا للأذى والقذر، تجتمع فيه الأذى الذي يكون في فمه، يجتمع في هذا العود، ثم يبدأ ينشر هذا الأذى والقذر في فمه، فيأتي الاستياك بنتيجة عكسية، بدل ما ينظف فمه، ينشر القذر في فمه، فلذلك نقول: إنه ينبغي أن يقص رأس عود السواك، تجد بعض الناس معه عود السواك يبقى معه يمكن عشرة أيام، وهو يستاك به، هذا قد يأتي بنتيجة عكسية؛ لأنه يجمع الآن من الأذى والقذر، يجمع في فمه بهذه الطريقة؛ ولذلك ينبغي أن يتعاهده من حينٍ لآخر، والنبي عليه الصلاة والسلام كما ذكرنا في القصة في مرض موته؛ لما أخذت عائشة السواك من عبدالرحمن، قضمته وطيبته، هذا يدل على أن هذا الأمر كان معروفًا عندهم، ثم أعطته النبي ، فاستن به.

ولا بأس بأن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعدًا.

لحديث عائشة السابق، لكن بشرط قضم رأسه في الحال؛ لأن الاستياك بعدم قضم رأسه، هذا قد يكون سببًا للعدوى، وانتقال الأمراض، لكن مع قضم الرأس فلا بأس.

أيهما أفضل الاستياك باليمين أم باليسار؟

هنا مسألة لم يذكرها صاحب الدليل، أيهما أفضل الاستياك باليمين أم باليسار؟

فيها ثلاثة أقوال:

قولٌ بأن الأفضل الاستياك باليد اليمنى.

وقولٌ بأن الأفضل الاستياك باليد اليسرى.

من قال بأن الأفضل الاستياك باليد اليمنى استدل بحديث عائشة: “كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وشأنه كله” [33].

من قال: بأن الأفضل الاستياك باليد اليسرى علل بأن هذا من باب إزالة الأذى، وما كان كذلك فهو باليد اليسرى.

هناك قولٌ ثالثٌ بالتفصيل، وهو إنه إن قصد بالسواك التنظيف فيكون باليد اليسرى، وأما إذا قصد بذلك مجرد التعبد وإصابة السنة، فيكون باليد اليمنى، يعني مثلًا عند إقامة الصلاة، الغالب على الناس أنهم يقصدون التعبد، وإصابة السنة، فيكون باليد اليمنى، لكن لو كان مثلًا بعد الأكل، بعدما تغدى، وبعدما تعشى، يريد أن ينظف فمه، هنا يكون باليد اليسرى، هذا القول الراجح في المسألة، وهو القول بالتفصيل.

خصال الفطرة

ثم قال المصنف رحمه الله:

فصلٌ: يُسن حلق العانة، ونتف الإبط الخ…

  • حلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظفار

انتقل المؤلف للكلام عن خصال الفطرة، وأوّلها: حلق العانة، وهو الشعر النابت حول الفرج، ويُسمى الاستحداد، وهو مستحبٌ باتفاق العلماء، للرجل وللمرأة، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، هذه كلها قد وردت في حديث أبي هريرة عن النبي قال: الفطرة خمسٌ وذكر منها: نتف الإبط، والاستحداد، وتقليم الأظفار [34] هذه من سنن الفطرة، ومن السنن المؤكدة، لكن هنا الإبط جاء التعبير بالنتف، وليس بالحلق، لكن النتف للإبط مؤلم، أليس كذلك؟ نعم؛ ولهذا الإمام الشافعي رحمه الله له مقولة شهيرة نقلتها هنا في السلسبيل، قال: “قد علمت أن السنة النتف، لكن لا أقوى على الوجع” هذا وهو الإمام الشافعي “قد علمت أن السنة النتف، لكن لا أقوى على الوجع” لأنه مؤلم، لكن يحقق هذا في الوقت الحاضر تقنية طبية حديثة: الليزر، يحقق هذا بوضوح، وأيضًا ما ذكر الأخ الكريم استخدام بعض الحلاوة مثلًا أو بعض الأشياء، ممكن تحقق هذا المعنى، إذًا الأشياء التي تستأصل الشعر، هي في معنى النتف، ويبقى أيضًا أن من لم يتيسر له النتف، يحلق شعر الإبط، ويتعاهده بالحلق.

وأما الأظفار، فالسنة تقليم الأظفار، ووقّت النبي ألا تُترك أكثر من أربعين يومًا: قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة [35]، وتركها أكثر من أربعين يومًا مكروه.

  • النظر في المرآة

والنظر في المرآة.

يعني: أنه يُستحب، وأنه سنة؛ لحديث عائشة أن النبي كان إذا نظر في المرآة قال: الحمد لله، اللهم كما حسّنت خَلقي، فحسّن خُلقي [36] هذا الحديث أخرجه البيهقي، ولكن لا يثبت بهذا اللفظ، وإنما ثبت من غير تقييد ذلك بالمرآة، يعني ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو ويقول: اللهم كما حسّنت خَلقي، فحسّن خُلقي [37] لكن زيادة: أنه إذا نظر في المرآة قال ذلك، هذه الزيادة لم تثبت، وعلى ذلك فلا يُستحب هذا، لا يقال: باستحباب النظر في المرآة، وإنما النظر في المرآة مُباح، لا يُقال: بأنه سنة، ولا يُقال: بأنه مستحب؛ لأن القول بالاستحباب يحتاج إلى دليل، والحديث المروي في ذلك حديث ضعيف، فيبقى النظر في المرآة مُباحًا، ولا يُقال: إنه مستحبٌ.

  • التطيب بالطيب

والتطيب بالطيب.

يعني: أنه مستحب، كان النبي يُحب الطيب، كما ذكرنا، كان عليه الصلاة والسلام يحرص جدًّا على النظافة، ولم تُشم منه رائحة كريهةٌ قط، طيلة عمره، وكان يُحب الطيب كثيرًا، عليه الصلاة والسلام، كان يقول: حبب إليَّ من الدينا، النساء والطيب، وجُعِلت قرة عيني في الصلاة [38] ولكن القول: إنه يُسن التطيب مطلقًا يحتاج إلى دليل، وإنما الأقرب أن يُقال: إنه يُستحب التطيب في المواضع التي جاءت الأدلة باستحباب التطيب فيها، ومن ذلك عند الذهاب لصلاة الجمعة، فإنه يُستحب التطيب، وقد يتأكد ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وسواكٌ، ويمس من الطيب ما قدر عليه [39] هذا متفق عليه، وجاء في إحدى روايات مسلم: ولو من طيب المرأة [40] يعني: إذا لم يجد الطيب الخاص به، يأخذ من طيب زوجته، وهذا يدل على تأكد الطيب عند الذهاب للجمعة، ويدل أيضًا على أنه لا بأس أن يتطيب الرجل بطيب النساء، وأن المرأة تتطيب بطيب الرجال، ولا يُعد هذا من التشبه، الآن في الأسواق في أطياب نسائية، وأطياب رجالية، طيب، لو تطيب الرجل بطيبٍ نسائي، لا بأس، أو تطيبت المرأة بطيب رجالي لا بأس.

أيضًا يتأكد الطيب في المجامع، كالأعياد؛ لأنه إذا استحب في الجمعة، ففي العيد من باب أولى، ولكونه يدخل في الزينة، والله تعالى يقول: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] ما المقصود بالطيب؟

كل ما عده الناس في العُرف طيبًا، فيدخل في ذلك العطور في وقتنا الحاضر، يدخل في ذلك دهن العود، يدخل في ذلك أيضًا البخور، كل ما عده الناس طيبًا من الأشياء ذوات الروائح الطيبة، يعتبر طيبًا.

  • الاكتحال

والاكتحال كل ليلةٍ في كل عينٍ ثلاثًا.

يعني: يُسن الاكتحال في كل ليلة، في كل عينٍ ثلاثًا؛ لحديث ابن عباس أن النبي كان يكتحل بالإثمد كل ليلةٍ قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عينٍ ثلاثة أميال [41] لكن هذا الحديث أخرجه أحمد، وسنده ضعيف، وصاحب الزاد قال: “يكتحل وترًا” يعني هنا قولان في المذهب، هل يكتحل كل ليلة أو يكتحل وترًا؟ والأقرب أن يُقال: إن الكحل على قسمين:

  • القسم الأول، أن يُقصد به تقوية البصر وجلاءه من الغشاوة، وتنظيف العين، ولا يُقصد به التجمل، هذا لا بأس به، بل ربما يُقال: باستحبابه؛ لأنه ظاهر هدي النبي عليه الصلاة والسلام، أنه كان يكتحل.
  • القسم الثاني: أن يُقصد به الجمال والزينة، فهذا لا بأس به في حق النساء، أما بالنسبة للرجال، فإذا كان الذي يريد أن يكتحل شابًا، ويُخشى عليه من الفتنة، إذا أخذ كحل النساء، ووضعه في عينه، يريد أن يكتحل بذلك، فهذا يُخشى عليه من الفتنة، فيُمنع في حقه، أما لو كان كبيرًا لا يُخشى عليه الفتنة، فلا بأس بهذا، وهذا التفصيل هو الأقرب والله أعلم.

أما أن نقول للشباب: اكتحلوا كما تكتحل النساء، يعني هذا بعيد، هذا قد يكون فيه فتنة، لكن بالنسبة مثلًا لكبير السن ونحوه، نقول: لا بأس أن يكتحل طلبًا للتجمل.

نحن ذكرنا أنه يكتحل وترًا، وأن هذا نص عليه صاحب الزاد، لكن كيف يكتحل وترًا؟ هنا المؤلف، لاحظ عبارة المؤلف يقول: “في كل عين ثلاثًا” طيب إذا اكتحل هنا ثلاثًا، وهنا ثلاثًا، كم أصبح المجموع؟ ست مرات، طيب ست مرات هل هي وتر؟ لا، فهل الوتر بالنسبة للعين الواحدة أو لمجموع العينين؟ هذا أيضًا فيه خلاف، والمذهب عند الحنابلة أنه لمجموع العينين، وعلى ذلك إذا كان لمجموع العينين يكتحل في العين اليمنى ثلاث مرات، وفي اليسرى كم مرة مرتين، حتى يكون المجموع خمسًا، وهذا هو الذي مال إليه الإمام أحمد، وعمل به، فإذا قلنا: وترًا، المقصود مجموع العينين، إذا كان مجموع العينين، ما نقول: ثلاث وثلاث، كما قال المؤلف، ما يكون وتر، يكون ست، نقول: ثلاث وثنتين.

  • حف الشارب

وحف الشارب.

يعني: يُسن حف الشارب، وهو الاستقصاء في قَصّه، لكن ليس حلقه، وإنما الاستقصاء في قَصّه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: الفطرة خمس وذكر منها: قص الشارب [42] وفي لفظ: واحفوا الشوارب [43].

وأما حلق الشارب، فبعض أهل العلم قال: إنه لا فرق بين حلق الشارب، وحف الشارب، وذهب آخرون إلى أن السنة حف الشارب من غير حلق، وهذا هو القول الراجح؛ لأن جميع الروايات لم يرد فيها حلق الشارب، جميع الروايات، إما حف أو قص، بل إن الإمام مالك رحمه الله شدد في هذه المسألة، فقال: “ليس إحفاء الشارب حلقه، وأرى أن يؤدب من حلق شاربه”.

الأقرب إذًا للسنة هو حف الشارب، وليس حلق الشارب، طيب تجد بعض الناس، حتى من بعض طلبة العلم، يحلق شاربه، هل يُنكر عليه؟ يعني هذا لا يستدعي الإنكار، لكن يُرشد إلى أن الأفضل هو الحف وليس الحلق، إما بقصه أو بحفه، لكن لا يستأصله، لا يستأصل الشعر كله؛ لأنه لم يرد ولا في رواية واحدة حلق الشارب، كلها بالحف والقص.

طيب ذكر بعض الفقهاء السبال، السبال: هو الشعر الذي ما بين الشارب واللحية، وهذا يُلحق بالشارب، فما قلنا في الشارب يُقال في هذا السبال، والأفضل الفصل ما بين اللحية والشارب، وعدم الوصل بينهم، وأن يُحف هذا السبال، وهنا في حديث ابن عمر ذكر رسول الله ، وقال: إنهم يوفرون سبالهم، ويحلقون لحاهم، فخالفوهم [44].

  • إعفاء اللحية

وإعفاء اللحية، وحَرُمَ حلقها.

إعفاء اللحية، هنا ذكره المؤلف في السنن، لكن لما قد يتوهم أن المقصود بذلك الاستحباب عطف عليه قوله: “وحَرُم حلقها” ليُبين المؤلف بأنه يريد بذلك السنة الواجبة، وحلق اللحية محرم، وقد حُكي الإجماع عليه؛ لقول النبي : أعفوا اللحى [45]، وأوفوا اللحى [46]، أرخوا اللحى، خالفوا المجوس [47]، وفروا اللحى، خالفوا المشركين [48] وقد ذكر الفقهاء أن من اعتُدي عليه فأُتلفت لحيته، فلم تعد تنبت، أن ديته دية نفس كاملة، يعني مائة من الإبل، فالعجب ممن يذهب للحلاق ويعطيه أجرة على إتلاف لحيته، كان العرب في الجاهلية يستعيبون أصلًا أن الإنسان يحلق لحيته، يرون أن هذا منافٍ للرجولة، ما كان حلق اللحية معروفًا وقت الجاهلية، كان الجميع يُعفي لحيته؛ ولهذا ذكر النبي  هذا من خصال المجوس والمشركين.

حكم الأخذ من اللحية ما زاد على القبضة

ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها.

يعني: يجوز أن يأخذ، يعني يقص الإنسان ما زاد على القبضة، المراد بالقبضة، يعني قبضة اليد، يد الإنسان المتوسط الخِلقة، أو المعتدل الخِلقة، يعني هكذا يضع قبضته على اللحية هكذا، ما زاد على القبضة لا بأس بقصه، هذا هو المذهب عند الحنابلة، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، على أقوال:

  • القول الأول: أنه يُكره أخذ ما زاد على القبضة، قال به كثير من الشافعية والمالكية، ووجه عند الحنابلة.
  • القول الثاني: يُستحب أخذ ما زاد على القبضة، وهو مذهب الحنفية، ومن أبرز من قال به من المعاصرين الشيخ الألباني؛ بل الألباني يرى أنه يجب، ويرى أن ترك اللحية إلى أن تطول على ما زاد على القبضة، يُسميه بدعة إضافية، أنه يجب أخذ ما زاد على القبضة، وهذا قولٌ غريب.
  • القول الثالث: تحريم أخذ ما زاد على القبضة، لاحظ هذا القول يُقابل القول بالوجوب.
  • القول الرابع: أنه يجوز أخذ ما زاد على القبضة، هذا هو القول الذي قرره المؤلف، وهو قول الجمهور.

والآثار عن السلف ورد فيها الترخيص بأخذ ما زاد على القبضة، روي ذلك عن ابن عمر، كما في صحيح البخاري أن ابن عمر كان إذا حج أو اعتمر، قبض على لحيته، فما فضل أخذه [49] قال بعض العلماء: إن هذا خاصٌ بالحج، لكن الحافظ بن حجر قال: “الذي يظهر أن هذا ليس خاصٌ بالحج، وأن ابن عمر كان يأخذ ما زاد على القبضة” ومعلومٌ عن ابن عمر حرصه على السنة، وشدة تحريه لها، وكذلك أيضًا صح عن أبي هريرة، وصح عن صحابيين، وأيضًا عن بعض التابعين، بل لا يُقال: إن هذا من الأمور التي قد يكون الصحابي قد اجتهد فيها، والعبرة بما روى لا بما رأى؛ لأن هذه من الأمور الظاهرة، فلو كان أخْذ ما زاد على القبضة حرامًا لأنكره الصحابة على ابن عمر، وعلى أبي هريرة، ومن فعل هذا من الصحابة.

ولذلك فالأقرب -والله أعلم- هو القول الذي قرره المؤلف، وهو أنه يجوز أخذ ما زاد على القبضة، والإمام أحمد رحمه الله لما سُئل، قال: “يأخذ من اللحية ما فضُلَ عن القبضة” معلومٌ أن الإمام أحمد صاحب سنة وأثر.

فالذي يظهر -والله أعلم- أنه ما زاد على القبضة أنه يجوز، يُلاحظ هنا أن المذاهب الأربعة، كل أقوالها دائرة بين الكراهة والإباحة والاستحباب، لم نجد قولًا عند المتقدمين، بتحريم أخذ ما زاد على القبضة، وإنما وُجد عند المتأخرين، لكن القول أيضًا، المبالغة في ذلك، والقول بأنه يجب، وأنه بدعة إضافية، هذا بعيد، والنبي ، كانت تُعرف قراءته باضطراب لحيته في الصلاة، هذا يدل على أن لحيته طويلة، فالقول بالوجوب قول بعيد.

فالذي يظهر -والله أعلم- هو قول الجمهور، وهو أنه ما زاد على القبضة أنه يجوز، يجوز أخذ ما زاد على القبضة، لو أراد الإنسان أن يُطلق لحيته خروجًا من الخلاف لا بأس، ولا يُقال: إن هذه بدعة إضافية، وأنه يجب عليه، فبعض الناس يُطلق لحيته خروجًا من الخلاف، ويقول: إن هذا هو ظاهر هدي النبي ، كما كانت تُعرف قراءته باضطراب لحيته في الصلاة.

  • الختان

والختان واجبٌ على الذكر والأنثى عند البلوغ.

حكم الختان

الختان بالنسبة للذكر هو قطع الجلدة التي فوق الحشفة التي يُقال لها: القلفة، وبالنسبة للأنثى: قطع لحمةٍ زائدةٍ، تُشبه عُرف الديك.

والغرض منه بالنسبة للرجل، كمال الطهارة، وبالنسبة للأنثى، تعديل شهوتها؛ قالوا: لأن المرأة إذا بقيت بدون ختان، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة شهوتها، فتقع في السفاح، وقد اختلف الفقهاء في حكم الختان على أقوال:

  • القول الأول: أنه واجبٌ على الجميع، على الذكر والأنثى، عند البلوغ، وهذا هو الذي قرره المؤلف، وهو المشهور في مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا بعموم الآية: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النحل:123] وقد اختتن إبراهيم بالقدوم، وقالوا أيضًا: بقاء القلفة بالنسبة للرجل، يحبس النجاسة، ويمنع من صحة الصلاة.
  • القول الثاني: أنه سنةٌ في حق الذكر والأنثى جميعًا، وهو مذهب الحنفية والمالكية أنه سنة وليس واجبًا.
  • الثالث: أنه واجبٌ في حق الذكر، مستحبٌ في حق الأنثى، رواية عن الإمام أحمد.
  • الرابع: أنه واجبٌ في حق الذكر عند البلوغ، مباحٌ في حق الأنثى، وهذا هو القول الراجح، وإنما قلنا: إنه واجبٌ في حق الذكر عند البلوغ؛ لأنه لا تتم طهارته إلا بذلك فلو لم يختتن، فستبقى قطرات من البول في هذه القلفة، ومتى تجب الصلاة على الإنسان؟ عند البلوغ، معنى ذلك قبل البلوغ الصلاة غير واجبة، فلا يجب الختان، لكن عند البلوغ تجب عليه الصلاة، وتجب عليه الطهارة، الطهارة لا تتم إلا بالختان، فيجب الختان على الذكر.
    أما الأنثى فإن هذا المعنى غير وارد في حقها؛ لأن الغرض منه طلب كمال وليس إزالة أذى، وإنما هو طلب كمال، وجميع الأحاديث المروية في ختان الأنثى ضعيفة، لا يثبت منها شيء، وما دام أنه لا يثبت منها شيء، فيبقى الأمر على الإباحة، فالذي يظهر أن ختان الأنثى مُباح، لا نقول: إنه مستحب، ولا نقول: إنه مكروه ولا محرم، وإنما يبقى على الإباحة؛ لأن جميع الأحاديث الواردة فيه ضعيفة، أما الذكر، لولا المعنى الذي ذكرت، وهو بقاء النجاسة أيضًا لقلنا: بعدم الوجوب، لكن القول بعدم الوجوب يشكل عليه، أن بقايا النجاسة والبول ستبقى في القلفة، ولا تكمل الطهارة بالنسبة له، والطهارة شرط لصحة الصلاة، وعلى هذا فالقول الراجح أن الختان واجب في حق الذكر عند البلوغ، مُباحٌ في حق الأنثى.

وقبله أفضل.

لأن الصبي مأمورٌ بالصلاة بسبع، فحتى تصح صلاته ويُثاب عليها، فينبغي أن يختن مبكرًا.

حكم القزع

بقي مسألة معنا، نختم بها هذا الدرس، وهي مسألة القزع، القزع هذه لم يذكرها المؤلف، ذكر هذه المسألة صاحب الزاد، وكما ذكرنا في أول درس، قلنا: من مزاياه كثرة المسائل، ومن مزايا الدليل حسن الترتيب، والتبويب، فمن الناحية التعليمية، الدليل أفضل، لكن من ناحية كثرة المسائل الزاد أكثر، لاحظوا أننا دائمًا عندما نأتي بمسائل زائدة، نجدها في الزاد ولا نجدها في الدليل، هذه المسألة ذكرها صاحب الزاد.

القزع: هو حلق بعض الرأس وترك بعضه، وهو مكروهٌ لما جاء في الصحيحين عن ابن عمر أن النبي نهى عن القزع، قلت لنافع: وما القزع؟ قال: “يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه” وقال: احلقوه كله، أو اتركوه كله [50] القزع مكروه، طيب؛ لماذا لم نقل بالتحريم؟ …

لأنه في الآداب، وأيضًا لم نجد أحدًا من المتقدمين قال بتحريم القزع، إذا وجد أحدٌ منكم أحدًا من المتقدمين قال بتحريم القزع يأتي به، لم نجد، ذكرت هذا في عدة دروس من قديم، وهذا الدرس الآن في عامه التاسع والعشرين، ذكرت هذا من أكثر من تسعة وعشرين عامًا، قلت: هل في أحد وقف على قول لأحد المتقدمين يقول بتحريم القزع؟ ما نجد، ما وجدنا هذا القول، عامة أهل العلم على أن القزع مكروه، ولا يصل إلى درجة التحريم، لكن لو ارتبط به تشبهٌ بالكفار فيكون محرمًا، لا لكونه قزعًا وإنما لأجل التشبه، لكن التشبه لا بد أن يكون من خصائص الكفار، أما أمر يشترك فيه المسلمون والكفار، هذا لا يعتبر تشبهًا.

حكم حلق الرأس بغير الحج والعمرة

حلق الرأس بغير الحج والعمرة، هذه يذكرها بعض الفقهاء، في العمرة والحج الحلق أفضل؛ لأن النبي دعا للمحلقين ثلاثًا، والمقصرين مرةً واحدة.

الحلق معناه: استئصال الشعر بالموس، أما بالمكينة فيعتبر تقصيرًا، طيب حتى لو كان على رقم صفر؟ حتى لو كان على رقم صفر؛ لأن على رقم صفر تبقى أجزاء من الشعر، ليس كالموس، لكن ذكر لي بعض الإخوة، يقول: إن هناك الآن مكينات حديثة تستأصل جميع الشعر كالموس، فهذه يمكن أن يُقال: بأنها تعتبر حلقًا.

الحلق في الحج والعمرة أفضل من التقصير إلا في حالة واحدة يكون التقصير فيها أفضل من الحلق، من يذكرها لنا؟

المتمتع إذا قَدِمَ قريبًا من الحج، أما إذا قدِمَ في وقت مبكر الحلق أفضل له، لكن إذا قدِمَ قريبًا، كأن يقدم في أول ذي الحجة، فهنا التقصير بالنسبة له أفضل؛ لكي يترك الحلق للحج؛ لأن الحج أفضل من العمرة؛ ولذلك ينبغي لطالب العلم أن يحرص على الحلق، أتعجب من بعض طلبة العلم، يأتي يعتمر أو يحج ولا يحلق رأسه، طيب السنة هي الحلق؛ لماذا تترك السنة؟ لماذا لا تعمل بعلمك؟ هذا هنا هي ثمرة العمل بالعلم، أنت تعلم بأن الحلق أفضل وأعظم أجرًا وثوابًا، فلماذا لا تحلق شعر رأسك؟

فينبغي لطالب العلم أن يكون قدوة، قدوة للآخرين في هذا، فأتعجب من بعض طلبة العلم، يحج أو يعتمر ولا يحلق رأسه، وإنما يقصّر، يكتفي بالتقصير، هذا خلاف السنة، السنة الحلق وإن كان التقصير جائزًا.

طيب حلق الرأس في غير الحج والعمرة، بعض أهل العلم كرهه، وقالوا: إن فيه تشبهًا بالخوارج، الذين قال النبي عنهم: سيماهم التحليق [51] فحتى لا يتشبه بأهل البدع، ينبغي ألا يحلق شعر رأسه بالموس، وإنما يُقصر ولا يحلق.

القول الثاني: أن الحلق مُباح، وليس مكروهًا، واستدلوا بأن النبي في الحديث السابق لما رأى صبيًا قد حُلِق بعض شعره وتُرِك بعضه، قال: احلقوه كله، أو اتركوه كله قال: احلقوه كله فهذا دليل على إباحة الحلق، ولقصة أيضًا لما قُتِل جعفر بن أبي طالب، دعا النبي بالحلاق، فحلق رؤوس بنيه، فهذا دليل على جواز الحلق من غير كراهة، وهذا هو القول الراجح أنه لا بأس بالحلق، وأنه يبقى على الإباحة في غير الحج والعمرة، ونكتفي بهذا القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة:

السائل: …؟

الشيخ: نعم، ما دام أن والدهم حلق لحيته، لا يُحاسبون عنه؛ لأن هذا يُعينه على المنكر، حتى لا يعينه على المنكر، لا يُحاسب عنه، وهذا نوع من الإنكار، كونه لا يُحاسب عنه في حلق اللحية، يعتبر نوعًا من الإنكار.

السائل: قال: إذا استاك الصائم، فإنه يجتمع في فمه ماءٌ مع طعم السواك، فما حكم بلعه؟

الشيخ: إذا كان السواك ليس رطبًا فلا بأس، حتى لو اجتمع هذا الماء، حتى لو بلعه، لا يضر، الإشكال في السواك الرطب الحار، هذا الذي يُخشى أنه يُفسد الصوم.

السائل: الولد إذا وُلِد مختونًا.

الشيخ: هذه مسألة افتراضية، هل في أحد يولد مختونًا؟ حتى النبي القول بأنه وُلِد مختونًا هذا غير صحيح، بل ابن القيم وجماعة ناقشوا هذه المسألة، قالوا: الذي يولد مختونًا هذه نقيصةٌ وعيب، وليست كمالًا، النبي عليه الصلاة والسلام ختنه جده عبد المطلب، ما في أحد أصلًا يولد مختونًا، هذه مسألة مفترضة، لكن لو افترضنا افتراضًا أنه حصل، يعني الأخ الكريم الآن أنه ولد لك ابن مختون؟

الأخ: نعم.

الشيخ: إذًا هذا يؤكد على أنها ليست مسألة افتراضية، أنها مسألة واقعة، الأخ الكريم يقول: ولِد لي ابنٌ مختون، فإذا ولِدَ ولدٌ مختون، فالحمد لله، لا يحتاج إلى ختن.

السائل: في الحديث ما معناه: أن من ترك سنن الفطرة، لا تصح صلاته؟

الشيخ: هذا غير صحيح، هي سننٌ مستحبات، وليس لها علاقة بصحة الصلاة.

السائل: هل يؤخذ قبضة من جانب اللحية؟

الشيخ: لا، هو من اللحية عمومًا، المقصود طبعًا أن طرف اللحية الذي يلي الذقن هو الأطول، أما الجوانب، لكن لو أن الجوانب زادت على القبضة لا بأس، لكن نحن نفترض هذا افتراضًا، لكن قد تكون واقعًا، نحن قبل قليل افترضنا تبين أنها واقع، لو افترضنا أنه من الجوانب أيضًا زادت على القبضة، فكل ما زاد على القبضة يجوز أخذه.

السائل: هل دورات المياه داخل البيوت تكون مأوى للشياطين، أم أنها خاصة بالخلاء؟

الشيخ: الذي يظهر أنه حتى دورات المياه داخل البيوت؛ لأن الشياطين تحب أماكن الخلاء، وقضاء الحاجة؛ ولذلك يُشرع للمسلم أن يأتي بالذكر الوارد، إذا أتى بالذكر، فبإذن الله تعالى يكون حصنًا له من هذه الشياطين.

السائل: إذا ذكر الإنسان اسم الله عند دخول البيت، هل تبتعد الشياطين عن دورات المياه؟

الشيخ: الله أعلم، هذا مُحتمل، محتمل أنها تبتعد عن البيت، ومحتمل أنها تبقى في دورات المياه.

السائل: بعضهم يقلد الفسّاق في حلقة القزع، هل هذا حرام؟

الشيخ: لا يصل إلى التحريم، ما لم يتشبه بالكفار.

السائل: دعاء دخول الخلاء هل هو قبل الدخول أو بعده، كي لا يذكر الله في الخلاء؟

الشيخ: قبل أن يدخل الخلاء، قبل أن يدخل دورة المياه، يقول: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث [52].

السائل: ما حكم المداومة على ترك سورة الأعلى والكافرون والإخلاص، في الشفع والوتر؟

الشيخ: خلاف السنة، هذا يعتبر تقصير في السنة، ينبغي للمسلم وبخاصةٍ طالب العلم أن يحرص على اتباع السنة، الإمام أحمد كان حريصًا على اتباع السنة، يقول: حتى بلغني أن النبي احتجم وأعطى الحجّام دينارًا، فاحتجمت وأعطيت الحجّام دينارًا، فاحرص دائمًا على تطبيق السنة، يعني مثل قراءة سبّح والكافرون والإخلاص في آخر صلاة الوتر، مثل مثلًا قراءة سورة أيضًا الكافرون والإخلاص في سنة الفجر، وفي ركعتي الطواف، يعني هذه السنن ينبغي أن يحرص عليها، كلما علم الإنسان بأنه سنة ينبغي أن يحرص على تطبيقها، فهذه هي ثمرة العلم.

السائل: من ذهب للعمرة وأراد أن يعتمر عمرتين لكونه أتى من بعيد، فهل الأفضل له أن يُقصر في العمرة الأولى، ويحلق في الثانية؟

الشيخ: نعم هذا هو الأفضل، أن يُقصّر في الأولى، ويحلق في الثانية، يعني حتى يُبقي شعرًا للعمرة الثانية.

السائل: هل العنفقة من اللحية أو الشارب؟

الشيخ: الذي يظهر أن العنفقة من اللحية، أما السبال فمن الشارب.

السائل: يُلاحظ الكتابة على الجدران الداخلية لبيت الخلاء والمرحاض، ما النصيحة لهؤلاء؟

الشيخ: هذا لا شك أنه خطأ، ويدل على قلة التربية، وإلا فإن الإنسان المهذب المتربي لا يفعل ذلك، لكن الإنسان غير المؤدب تجد أنه يفرغ ما لديه في دورة المياه، مثل هذه الكتابات، وأحيانًا تكون كتابات سيئة، وغير لائقة.

السائل: ما الفرق بين القول الراجح، والقول المتفق عليه؟

الشيخ: الراجح تكون المسألة خلافية، ثم يُرجَح واحدٌ من الأقوال، وأما المتفق عليه لا تكون المسألة خلافية، تكون المسألة اتفاقية.

السائل: الشعر الذي ما بين اللحية والأذن، ما حكم حلقه؟

الشيخ: اللحية هي ما نبت على الذقن والعارضين، وتبدأ من أسفل الأذن، فهذه المنطقة التي ما بين الأذن وأعلى اللحية، هذه لا تعتبر من اللحية، هذه تنبت عند بعض الناس، لكنها لا تعتبر من اللحية.

السائل: …؟

الشيخ: لا، هو يقول: كل ليلة، الإشكال أتى بكل، وكل من صيغ العموم، كل ليلة، هو أحد الوجهين في المذهب، بينما صاحب الزاد قال: “يكتحل وترًا”.

السائل: …؟

الشيخ: بعض الفقهاء يقول: طولًا، والبعض يقول: عرضًا، والذي يظهر أنه لم يرد في هذا شيء، فالإنسان يختار الطريقة التي يرى أنها الأنسب، والأفضل، والأكثر تنظيفًا، والأرفق به، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يكتحل.

السائل: …؟

الشيخ: صح ما في دليل واضح، يدل على السنية، إلا فقط فعل النبي عليه الصلاة والسلام، ويحتمل أيضًا أن فعله عليه الصلاة والسلام لأجل التداوي؛ لأنهم كانوا يكتحلون بالإثمد.

السائل: بالنسبة للقزع كذلك في التقصير أم بس في الحلق؟

الشيخ: الذي يظهر أنه يشمل الجميع، التقصير والحلق، أنه مكروه، احلقوه كله، أو اتركوه كله كذا قصّروه كله أو اتركوه كله.

السائل: روي عن النبي أنه اعتمر وقصر…؟

الشيخ: ضعيف لا يُثبت.

السائل: …؟

الشيخ: إذا كانت يسيرة، فاليسير يُعفى عنه.

السائل: …؟

الشيخ: نعم، هذا لا بأس به، بل حتى اليسير من الذهب أيضًا يُعفى عنه، وقد جاء في حديث مخرمة بن نوفل، لما وزع النبي أقبيةً، وهذا في صحيح البخاري، وكانت مزررةً من ذهب، فخبّأ لمخرمة قباءً، وزع على الناس وخبأ له قباءً، فأتى، قال: أين محمد؟ يعني هو من الجفاة الأغلاظ، كان في خُلقه شدة، فخرج عليه النبي عليه الصلاة والسلام، قال: خبأت لك هذا، خبأت لك هذا [53] يسترضيه ويتلطف معه، فالشاهد: أنها أقبية مزررة من ذهب، فإذا جاز هذا في الذهب جاز في الفضة من باب أولى، الشيء اليسير لا بأس به.

نكتفي بهذا القدر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه الترمذي: 606، وابن ماجه: 297.
^2 رواه البخاري: 142، ومسلم: 375.
^3 رواه أبو داود: 30، والترمذي: 7، وقال: حسنٌ، وابن ماجه: 300.
^4 رواه النسائي: 9825، وابن ماجه: 301.
^5 رواه ابن ماجه: 326، وأحمد: 19053.
^6 رواه البخاري: 394، ومسلم: 264.
^7 رواه مسلم: 370.
^8 بنحوه رواه أبو داود: 17.
^9 رواه أبو داود: 29، والنسائي: 30، وأحمد: 20775.
^10 رواه البخاري: 224، ومسلم: 273.
^11, ^31 سبق تخريجه.
^12 رواه البخاري: 145، ومسلم: 266.
^13 رواه مسلم: 265.
^14 رواه مسلم: 269.
^15 رواه أبو داود: 26، وابن ماجه: 328.
^16 رواه ابن ماجه: 1567.
^17 رواه البخاري: 154.
^18 رواه أبو داود: 4017، والترمذي: 2769، والنسائي: 8923، وابن ماجه: 1920، وأحمد: 20034، وذكره البخاري تعليقًا: 1/ 64.
^19, ^28 رواه البخاري: 887، ومسلم: 252.
^20 رواه البخاري معلقًا: 3/ 31، والنسائي: 3025، وأحمد: 7412.
^21 رواه النسائي: 5، وأحمد: 24203.
^22 رواه البخاري: 888.
^23 رواه البخاري: 4438، 4450.
^24 رواه الطبراني في المعجم الكبير: 3696، والبيهقي في السنن الكبرى: 8336، والدارقطني: 2372.
^25 رواه البخاري: 1894، ومسلم: 1151.
^26 رواه الترمذي: 725، ورواه البخاري تعليقًا: 3/ 31.
^27 صحيح البخاري: 3/ 31.
^29 رواه البزار: 603.
^30 رواه البخاري: 245، ومسلم: 255.
^32 رواه مسلم: 253.
^33 رواه البخاري: 168، ومسلم: 268.
^34, ^42 رواه البخاري: 5889، ومسلم: 257.
^35 رواه مسلم: 258.
^36 رواه البيهقي في الدعوات الكبير: 489.
^37 رواه أحمد: 3823، وابن حبان: 959.
^38 رواه النسائي: 3939، وأحمد: 12293.
^39 رواه البخاري: 880، ومسلم: 846، واللفظ له.
^40 رواه مسلم: 846.
^41 رواه ابن ماجه: 3499، وأحمد: 3320.
^43, ^48 رواه البخاري: 5892، ومسلم: 259.
^44 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 696، والطبراني في المعجم الأوسط: 1051، وابن حبان: 5476.
^45 رواه النسائي: 5046.
^46 رواه مسلم: 259.
^47 رواه مسلم: 260.
^49 رواه البخاري: 5892.
^50 رواه أبو داود: 4195، والنسائي: 5048، وابن حبان: 5508.
^51 رواه البخاري: 7562.
^52 رواه البخاري: 142، ومسلم: 375، وأما التسمية فرواها الترمذي: 606.
^53 رواه البخاري: 3127.
zh