logo
الرئيسية/دروس علمية/دروس من الحرم- عمدة الفقه/(19) كتاب الزكاة- من قوله: “باب من يجوز دفع الزكاة إليهم..”

(19) كتاب الزكاة- من قوله: “باب من يجوز دفع الزكاة إليهم..”

مشاهدة من الموقع

دروس من الحرم

وأما المصلحة، لو كان له مسكينٌ قريبٌ، له مثلًا عَمٌّ فقيرٌ، أو عمٌّ مسكينٌ، وفي البلد الذي يقيم فيه فقراء، لكن يريد أن يعطي الزكاة لعمه؛ حتى يجمع الزكاة وصلة الرحم، فنقول: لا بأس بهذا أيضًا. 

إذنْ: يجوز نقل الزكاة، وهذا القول الثاني هو القول الراجح، أنه يجوز نقل الزكاة لحاجةٍ أو لمصلحةٍ، ويدل لذلك: عموم الأدلة؛ ومنها: قول الله : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة: 60]. إلى آخر الآية، وهذا إنما أَعطَى هذه الزكاة المستحقين لها.

وأما حديث معاذٍ  فليس بصريح: أَعْلِمْهم أن الله قد افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم [1].

قيل: إن المعنى: تؤخذ من أغنياء المسلمين، وتُرَدُّ إلى فقراء المسلمين، وقيل غير ذلك، فليست صريحةً في أنه لا يجوز نقل الزكاة من بلدٍ إلى آخر، وحتى لو قلنا: إن المقصود فقراء البلد، فنقول: إن هذا الحديث يدل على أن فقراء البلد أولى بالزكاة من الأباعد، لكن مع ذلك يجوز نقل الزكاة لحاجةٍ أو لمصلحةٍ.

ومثل ذلك أيضًا زكاة الفطر، وهذه مسألةٌ يكثر السؤال عنها، يأتي بعض الناس في رمضان هنا بمكة، وتغرب عليهم الشمس ليلة العيد في مكة، ويسألون هل يخرجون زكاة الفطر في مكة، أو يُوَكلون من يخرجها عنهم في بلدانهم؟ نقول: إذا كان هناك حاجةٌ أو مصلحةٌ فلا بأس بأن تُوَكِّل من يُخِرج الزكاة عنك في بلدك، ولا يلزم أن تخرجها في مكة، فإذنْ ما قلنا في زكاة المال ينطبق أيضًا على زكاة الفطر.

باب من يجوز دفع الزكاة إليهم

ننتقل بعد ذلك إلى بابٍ مهمٍّ، ومن أهم أبواب الزكاة، وهو: أهل الزكاة، أو من يجوز دفع الزكاة إليهم، نستمع أولًا لعبارة المصنف رحمه الله:

القارئ:

باب من يجوز دفع الزكاة إليهم

وهم ثمانيةٌ:

الأول: الفقراء: وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعًا من كفايةٍ بكسبٍ ولا غيره.

الثاني: المساكين: وهم الذين يجدون ذلك، ولا يجدون تمام الكفاية.

الثالث: العاملون عليها: وهم السُّعَاة عليها، ومن يحتاج إليه فيها.

الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم السادة المطاعون في عشائرهم الذين يُرجَى بعطيتهم دفع شرهم، أو قوة إيمانهم، أو دفعهم عن المسلمين، أو إعانتهم على أخذ الزكاة ممن يمتنع من دفعها.

الخامس: الرِّقَاب: وهم المكاتبون، وإعتاق الرقيق.

السادس: الغارمون: وهم المدينون لإصلاح نفوسهم في مباحٍ، أو لإصلاحٍ بين طائفتين من المسلمين.

السابع: في سبيل الله: وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم.

الثامن: ابن السبيل: وهو المسافر المنقطَع به، وإن كان ذا يسارٍ في بلده، فهؤلاء هم أهل الزكاة، لا يجوز دفعها إلى غيرهم.

الشرح:

نعم، أهل الزكاة ذكرهم الله ​​​​​​​ في آية التوبة، وقسَّم الله الزكاة بين هؤلاء الأصناف الثمانية، ولم يُوكِل ذلك لنبيٍّ مرسَلٍ، ولا لمَلَكٍ مقرَّبٍ، وإنما قسَّمها الله بنفسه، وذلك؛ للاهتمام والعناية بهذه المسألة، وقد بدأ الله الآية بقوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].

و(إنما) في اللغة العربية من أدوات ماذا؟ من أدوات الحَصْر، أحسنت، يعني: أهل الزكاة محصورون في هؤلاء الثمانية، ثم ختم الآية بقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. هذا الشيء الواجب لا يجوز دفعه لغير هؤلاء الثمانية، وأيضًا قال: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أي: أن هذه القسمة صادرةٌ عن علمٍ وعن حكمةٍ من الرب ، والمقصود بالصدقات في الآية الزكوات، فالزكاة يطلق عليها: الصدقة.

الصنف الأول والثاني: الفقراء والمساكين:

طيب، نأخذ هؤلاء الثمانية واحدًا واحدًا، ونتكلم عن كل واحدٍ من هؤلاء الأصناف.

قال: “الأول: الفقراء، والثاني: المساكين”.

الفقراء والمساكين بينهما عمومٌ وخصوصٌ، إذا أُطلِق الفقير شَمِل المسكين، وإذا أطلق المسكين شمل الفقير، لكن إذا اجتمعا في سياقٍ واحدٍ، فللفقير معنًى، وللمسكين معنًى، فإذا قيل: فقيرٌ يشمل الفقير والمسكين، وإذا قيل: مسكينٌ، يشمل الفقير والمسكين، لكن إذا اجتمعا في سياقٍ واحدٍ كما في الآية، فالفقير له معنًى، والمسكين له معنًى، فهذه من المصطلحات التي كما قال عنها أهل العلم: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، إذا اجتمعا افترقا يعني: إذا اجتمعت في سياقٍ واحدٍ افترقا في المعنى، فالفقير له معنًى، والمسكين له معنًى، وإذا افترقا اجتمعا يعني: إذا ذُكر الفقير شمل المسكين، وإذا ذكر المسكين شمل الفقير.

طيب، هنا السؤال عليه جائزة، من يذكر لنا مصطلحًا آخر، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، يا إخوان، الذي سبق أن أخذ جائزة في أي درسٍ لا يرفع يده.

نعم أنت، أحسنت، بارك الله فيك، الإسلام والإيمان، الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، بارك الله فيك بالتوفيق.

الإسلام والإيمان، فإذا أطلق الإسلام شَمِل الإيمان، وإذا أطلق الإيمان شمل الإسلام، لكن إذا اجتمع في سياقٍ واحدٍ، فالإسلام الشعائر الظاهرة، والإيمان الشعائر الباطنة، الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، والإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، الإسلام على الشعائر الظاهرة، والإيمان على الباطنة، فهذه من المصطلحات التي يقول عنها العلماء: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا قيل: مسكينٌ. شمِل الفقير، وإذا قيل: فقيرٌ. شمل المسكين، لكن إذا ذُكرا في سياقٍ واحدٍ، فالفقير له معنًى، والمسكين له معنًى.

هنا في الآية ذكر الله الفقير والمسكين، قال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة: 60].

هل هنا اجتمعا أم افترقا؟ اجتمعا، فمعنى ذلك: أن لكل منهما معنًى يختلف عن الآخر، فما هو الفرق بين الفقير والمسكين؟

الفرق بين الفقير والمسكين

قال: “الفقراء: وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعًا من كفايتهم بكسب ولا غيره، وأما المساكين: فهم الذين يجدون ذلك، ولا يجدون تمام الكفاية”.

أولًا: الفقير أشد حاجة من المسكين؛ لأن الله بدأ به.

الفقير هو من لا يجد شيئًا، يعني: مُعْدِمٌ ما عنده شيءٌ، ما في جيبه ولا ريالٌ، أو يجد دون نصف الكفاية، أو يجد شيئًا قليلًا، لكن دون نصف الكفاية، وأما المسكين فهو من يجد نصف الكفاية أو أكثرها، دون تمام الكفاية.

إذنْ نعيد مرة أخرى:

الفقير: من لا يجد شيئًا، أو يجد دون نصف الكفاية.

وأما المسكين: فهو من يجد نصف الكفاية، أو أكثرها دون تمام الكفاية، فالذي ما عنده شيءٌ مُعدِمٌ هذا فقيرٌ أو مسكينٌ؟ هذا فقيرٌ. 

طيب، الذي عنده دخلٌ شهريٌّ، لكن ينفد هذا الدخل في خمسة من الشهر، فقيرٌ، يجد دون نصف الكفاية، طيب، ينفذ دخله في عشرة من الشهر، فقيرٌ أيضًا، يكفيه دخله لكن إلى نصف الشهر، مسكينٌ، هنا إلى نصف الشهر يجد نصف الكفاية، طيب يكفيه دخله إلى عشرين من الشهر مسكينٌ أيضًا، طيب، يكفيه دخله إلى آخر الشهر؟ لا، هذا ليس فقيرًا ولا مسكينًا، هذا مكفيٌّ، هذا لا يجب له أن يأخذ من الزكاة، وإذا كان يوفر ويدَّخِر هذا غنيٌّ، وغِنَى كل شيءٍ بحسَبه.

فإذنْ: الفقير والمسكين الذي لا يكفيه دخله، لكن إذا كان ما عنده شيءٌ أو عنده دون النصف هذا فقيرٌ، أما إذا كان عنده النصف أو أكثر من الكفاية، لكن لا يكفيه إلى آخر الشهر، لا يجد تمام الكفاية، فهذا مسكينٌ وكلاهما مستحِقَّان للزكاة، لكن أيهما أحسن حالًا؛ الفقير، أم المسكين؟ المسكين، ولهذا؛ قال الله : أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف: 79]. فأثبت الله أن لهم سفينةً، إذنْ عندما يكون سفينة ويعملون عليها أيضًا عندهم مالٌ، لكنه لا يكفيهم.

فخذ هذه الفائدة، هذه تفيدك كثيرًا؛ لأن بعض الناس يُشكِل عليه إذا أراد دفع الزكاة، يقول: لا أدري هل فلانٌ مستحِقٌّ أم لا؟ نقول: انظر هل دخله يكفيه إلى آخر الشهر، وإلا ما يكفيه؟ إن كان ما يكفيه، فهو مستحِقٌّ للزكاة، فهو إما فقيرٌ أو مسكينٌ، وهو على كلا التقديرين مستحقٌّ للزكاة.

حكم إعطاء الزكاة لمن سألها

طيب، من ظهر عليه الفقر أو المسكنة، أو سأل الزكاة ولم يظهر عليه غنًى، فهل يجوز إعطاؤه من الزكاة؟ أو يقال: لا بد أن تأتي بالبينة التي تثبت أنك مستحِقٌّ للزكاة؟ نعم، يجوز من غير طلب بينة؛ لأننا لو تشددنا في هذه المسألة وقلنا: لا نعطي أي إنسانٍ إلا ببينةٍ؛ بشهود أو بورقةٍ موَثَّقةٍ على أنه فقيرٌ أو مسكينٌ لحرمْنا كثيرًا من الفقراء والمساكين، كثير من الفقراء والمساكين، هو فقير ومسكين، لكن ما يستطيع أن يأتي ببينةٍ، ما يستطيع أن يأتي بشهودٍ، ولا يستطيع أن يأتي بوثائق تثبت فقره.

فلذلك يقول أهل العلم: إن من ظهر عليه الفقر أو المسكنة فيجوز أن يُعطَى من الزكاة، أو سأل الزكاة فيجوز أن يعطَى، بشرط ألا يظهر عليه أثر غنًى، فإن قال قائل: إنه يترتب على هذا مفسدةٌ، وهي أن بعض الناس قد يكذب، يقول: أنا مستحِقٌّ للزكاة، وهو غير مستحقٍّ، أو يتظاهر بالفقر، نقول: صحيحٌ هذه مفسدةٌ، لكنها أيضًا لو تشددنا في هذه المسألة وقلنا: لا يُعطَى أحدٌ إلا ببينةٍ وبشهودٍ وبوثائق لترتب على ذلك أيضًا مفسدةٌ أخرى، وهي حرمان كثيرٍ من الفقراء والمساكين من الزكاة، وأي المفسدتين أشد؟ مفسدة حرمان الفقراء والمساكين من الزكاة، أو مفسدة إعطاء الزكاة من لا يستحقها؟ لا شك أن حرمان كثيرٍ من الفقراء والمساكين أشد مفسدةً، وأعظم مفسدةً، ولهذا؛ فيجوز أن تعطِيَ الزكاة لمن غلب على ظنك أنه مستحقٌّ له، ولو لم يأتِ ببينةٍ تدل على ذلك، وأنت ذمتك تبرأ عند الله ، وهو إن كان كاذبًا فهو حرامٌ عليه، ويبوء بإثمه، يعني: خذ هذه الفائدة النفسية والتي تريحك؛ لأن بعض الناس يقلق عندما يريد أن يوزِّع الزكاة، يقول: لا أدري هل هذا فقيرٌ أم لا؟ أخشى أنه كذابٌ، أخشى أنه متلاعبٌ، أخشى أنه يتظاهر بالفقر، فنقول: إذا غلب على ظنك أنه فقيرٌ أو مسكينٌ، أو أنه ادعى الفقر والمسكنة، أو ادعى أنه مستحِقٌّ للزكاة، ولم يظهر عليه غنًى، فيجوز أن تعطيه من الزكاة، وتبرأ ذمتك بذلك، وإن كذب فهو الذي يبوء بالإثم.

هذا من حيث الحكم الشرعي، لكن الأفضل أن الإنسان يبحث عن المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافًا؛ كما قال الله : لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة: 273]. فذكر الله أوصافهم، فهؤلاء هم المتعففون، وهو أنهم لا يَظهَر عليهم الفقر؛ إذا رأيته من لباسه يلبس ملابس نظيفةً، الجاهل الغير الفطن يظنه غنيًّا يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ

الفطن يعرف أن هذا فقيرٌ، بِسِيمَاهُمْ بالعلامة، أنك مثلًا تنظر إلى دخله، ما عنده دخلٌ، ما عنده إيجارٌ، وعنده عائلةٌ كبيرةٌ، فتستطيع من خلال هذه العلامات أن تعرف أن هذا فقيرٌ متعففٌ، لا يسألون الناس إلحافًا، تجد أنه ما يسأل أحدًا، فهؤلاء ينبغي أن نبحث عنهم، وأن نعطيهم الزكاة، إعطاؤهم الزكاة أعظم أجرًا وثوابًا من هؤلاء الذين يسألون؛ لأن هذا الذي يسأل إن لم تعطه أنت سيسأل غيرك، ويعطيه غيرك، لكن الشأن في هذا الفقير المتعفف الذي لا يسأل الناس، هذا فيه إشارةٌ إلى أنه ينبغي أن يكون للمسلم فطنةٌ؛ لأن الله  وصف الذي لا يعرف هؤلاء بالجهل يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة: 273]، فينبغي أن يكون عند الإنسان فِراسةٌ وفطنةٌ، ويبحث عن هؤلاء الفقراء المتعففين ويعطيهم زكاة ماله.

وكلٌّ منا سيجد ربما مر عليه في حياته أمثال هؤلاء، تجد إنسانًا حييًّا متعففًا لا يسأل الناس شيئًا، دخله ضعيفٌ، ونفقاته كثيرةٌ، لا يسأل الناس شيئًا، هذا هو الذي ينبغي أن يبحث عنه، وأن يعطَى من الزكاة، وهذا إعطاؤه من الزكاة أعظم أجرًا وثوابًا، ومع ذلك، لو أعطيت السائل لا بأس، تبرأ ذمتك بهذا، إذا لم يظهر عليه غنًى، لكن إذا أردت الأجر العظيم، والثواب الجزيل، فابحث عن هؤلاء المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافًا.

إذن هذان القسمان: الأول والثاني: الفقراء والمساكين.

هل الفقر والغنى مرتبط بالصلاح والاستقامة؟

طيب، هل الفقر والغنى مرتبط بالصلاح والاستقامة ومحبة الله  للإنسان؟

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ [الفجر: 15]، يعني: أعطاه من الدنيا ونعَّمه، فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۝وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ يعني: ضيق عليه رزقه، وأصبح فقيرًا، فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر: 15، 16] يعني: ذكر الله  مفهومين:

المفهوم الأول: الإنسان أعطاه الله أموالًا عظيمةً، فهو يقول: ربي أكرمن.

والثاني: ضيَّق الله عليه رزقه فيقول: ربي أهانني، هذان المفهومان قال الله عنهما: كَلَّا. غير صحيحين، كلا، فالدنيا يعطيها الله من يحب ومن لا يحب، فالفقر لا يدل على أن الله لا يحب هذا الإنسان، والغنى لا يدل على أن الله يحب هذا الإنسان، أبدًا، لا علاقة للفقر والغنى بمحبة الله ، أو عدم محبته، ولهذا؛ أبطل الله هذا الفهم، قال: كَلَا يعني: هذا غير صحيحٍ.

طيب إذنْ بسْطُ الرزق وضِيقُه يرجع إلى ماذا؟ يرجع لحكمة الله، إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الإسراء: 30]، وهو يرجع لحكمة الله ، الله قد يضيق على المؤمن الصالح، وقد يبسط الدنيا للكافر، أو للمنافق ابتلاًء وامتحانًا، وقد يعطي الله الدنيا للمؤمن أيضًا، وسليمان -عليه الصلاة والسلام- مثال الغَنيِّ الشاكر، وأيوب -عليه الصلاة والسلام- مثال للفقير الصابر، فإذنْ هذه لا تدل على أن الله يحب فلانًا، أو لا يحب، إنما المحبة على التقوى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].

الصنف الثالث: العاملون عليها

قال: “والثالث” يعني: من أصناف الزكاة: “العاملون عليها”. من هم العاملون عليها؟ بيَّنهم المصنف، فقال: “وهم السُّعَاة عليها، ومن يُحتاج إليه فيها”.

ولي الأمر يجب عليه أن يبعث سُعَاةً لقبض الزكوات من أرباب الأموال، يذهبون لأصحاب المواشي يقبضون الزكوات منهم، ويذهبون لأصحاب الزروع والثمار ويأخذون الزكوات منهم، هذه من واجبات ولي الأمر، وهذا معمول به عندنا في المملكة العربية السعودية، كلَّ سنةٍ تبعث الدولة جباةً يقبضون الزكوات من أرباب الأموال في الزروع والثمار، وفي المواشي، وبالنسبة للشركات أيضًا، الشركات المساهمة، كلها مجبرةٌ على دفع الزكاة إلى مصلحة الزكاة، فهذا معمولٌ به الآن.

طيب الذي يهمنا في هذه المسألة: أن هؤلاء العاملين عليها يجوز لهم الأخذ من الزكاة بإذن ولي الأمر، إذا قال ولي الأمر: أنا أبعثكم للزكاة، وخذوا منها، فيجوز لهم أن يأخذوا منها بإذنه، وبالترتيب الذي يضعه، لكن إذا لم يأذن لهم ولي الأمر، وقال: لا، لا تأخذوا من الزكاة، أنا أعطيكم مرتبات، فليس لهم الأخذ من الزكاة، لكن أحيانًا قد تكون مثلًا خزينة الدولة لا تكفي لإعطاء هؤلاء مرتباتٍ غير الزكاة، فنقول: لا بأس أن يُعطَى هؤلاء العاملون عليها من هذه الزكاة، فهذا حقٌّ فرضه الله لهم، لكن هذا لا بد أن يكون بإذن ولي الأمر؛ لأنه إذا أعطاهم مرتباتٍ وقال لهم: لا نسمح لكم أن تأخذوا من الزكاة فليس لهم الأخذ من الزكاة، فهذه إذنْ متعلقةٌ بترتيب ولي الأمر وإذنه.

الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم

قال: “والرابع: المؤلفة قلوبهم”.

من هم المؤلفة قلوبهم؟ عرَّفهم المؤلف، فقال: “وهم السادة المطاعون في عشائرهم”.

طيب، باقٍ جوائز، نتوقف قليلًا، ونضع سؤالًا على ما سبق، ونريد من الإخوة التركيز والمتابعة.

طيب، من يذكر لنا الفرق بين الفقير والمسكين؟

الفقير الذي لا يجد شيئًا أو …

لحظة دعنا نسمع الإجابة، الفقير إذنْ لا يجد شيئًا أو … نريد الإجابة كاملة. 

بارك الله فيك، موفَّقٌ.

إذنْ: الفقير: هو الذي لا يجد شيئًا، أو يجد دون نصف الكفاية، والمسكين: هو الذي يجد نصف الكفاية أو أكثرها، دون تمام الكفاية.

تعريف المؤلفة قلوبهم

طيب، هنا المؤلفة قلوبهم عرَّفهم المؤلف، فقال: “هم السادة المطاعون في عشائرهم، الذين يرجى بعطيتهم دفع شرهم، أو قوة إيمانهم، أو دفعهم عن المسلمين، أو إعانتهم على أخذ الزكاة ممن يمتنع من دفعها”.

فالمال له أثرٌ على النفوس في الحب والكره، وحتى في شراء الذمم، أليس كذلك؟ وكما يقال في المثل: “الفلوس تُغَيِّر النفوس”.

والشريعة الإسلامية راعت هذه المعاني الدقيقة، فجلعت لهؤلاء المؤلفة قلوبهم نصيبًا في الزكاة؛ لأن المال له أثرٌ عظيمٌ في تأليف القلوب، فإذا كان شخصٌ يريد تأليفه على الإسلام، إما أنه غير مسلمٍ، لكن ظهرت أماراتٌ تدل على أنه يحب الإسلام، ويحب أن يتعرف على الإسلام، ولو أعطيناه من الزكاة لتألفناه، ولَقَوِيَ رجاؤنا في أن يُسلم، فهذا يعطَى من الزكاة، أو أنه مسلمٌ حديثًا، وإذا أعطيناه من الزكاة تقوَّى الإسلام لديه، فهذا يعطَى من الزكاة.

شرط من يُعطى من الزكاة من المؤلفة قلوبهم

لكنَّ المؤلف اشترط شرطًا، وهو أن يكونوا سادةً مطاعين في عشائرهم، يعني: يكون رئيس قبيلةٍ، أو رئيس عشيرةٍ، وهذا قولٌ لبعض الفقهاء، وهو المذهب عند الحنابلة، ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يشترط هذا الشرط فيمن يرجى إسلامه، وذلك؛ لأن حفظ الدين وإحياء القلب أولى من حفظ الصحة وإحياء البدن، فإذا كنا نعطي الفقير والمسكين لإحياء البدن، وحفظ الصحة فلَأَنْ نعطِي هذا الذي نتألف قلبه على الإسلام لحفظ دينه وإحياء قلبه من باب أولى، وهذا هو القول الراجح، أنه لا يشترط فيمن يُرجَى إسلامه أن يكون سيدًا مطاعًا في قومه، حتى لو كان فردًا من الناس، يعني: حتى لو كان عاملًا مثلًا، وإذا أعطيته الزكاة رجوت أن يُسلِم، أو أنه أسلم حديثًا، وإذا أعطيته الزكاة تقوَّى إسلامه وتألَّف قلبه، فهذا يُعطَى من الزكاة.

وأما من يراد كف شره عن المسلمين فهذا لا بد أن يكون سيدًا مطاعًا في قومه له أتباعٌ؛ لأن الفرد الواحد لا يضر، يستطيع أن يتغلب عليه، لكن إذا كان إنسان أمير قبيلةٍ مثلًا، أو عشيرةٍ عنده أتباعٌ بالمئات أو بالألوف، ونخشى من الضرر منه على المسلمين، فلا بأس أن نعطيه من الزكاة؛ تأليفًا لقلبه، وكفًّا لشره عن الإسلام والمسلمين.

فلاحِظْ هنا: أننا فرقنا بين المؤلفة قلوبهم والذين يرجى إسلامهم، والذين يرجى كفُّ شرهم، فالذي يرجى إسلامه لا يشترط أن يكون سيدًا مطاعًا في قومه على القول الراجح، والذي يرجى كف شره لا بد أن يكون كبيرًا سيدًا مطاعًا في قومه؛ لأن هذا هو الذي يرجى كف ضرره وشره عن المسلمين.

حكم إعطاء بعض الدول أو الأحزاب من الزكاة لكف شرهم

طيب، لو كانت دولةٌ أو حزبٌ أو نحو ذلك، وإذا أعطيناهم من الأموال كففنا شرهم، وإذا لم نعطهم يمكن أن يتعدَّوا علينا، فهل يجوز أن نعطيهم من الزكاة؟ 

نعم نعطيهم من الزكاة؛ لأن المال له تأثير في التأليف، فإذنْ نعطيهم من الزكاة حتى نكُفَّ شرهم على المسلمين، فهذه المعاني راعتها الشريعة الإسلامية، وهي تأليف القلوب بالمال؛ إما لرجاء الإسلام، أو لكَفِّ الشر عن المسلمين، ولهذا؛ قال المؤلف: “وهم السادة المطاعون في عشائرهم الذين يرجى بعطيتهم دفع شرهم”. وهذا لا بد أن يكونوا سادة، ولهم أتباع أو قوة إيمانٍ، والقول الراجح: أنه لا يشترط أن يكون لهم أتباعٌ، أو دفاعهم عن المسلمين، يعني: نعطيهم ونقول: بشرط أن تدافعوا عنا، فهذا لا بأس.

أو إعانتهم على أخذ الزكاة ممن يَمتنع من دفعها، يعني: عندما تضعف الدولة، ولا تستطيع أن تأخذ الزكاة بالقوة، وهؤلاء يقولون: نستطيع أن نأخذ الزكاة من هؤلاء بالقوة، لكن أعطونا، فلا بأس أن يُعطَوا من الزكاة لأجل ذلك، فهذه المعاني راعتها الشريعة الإسلامية، إذن هذا القسم الرابع: المؤلفة قلوبهم.

الصنف الخامس: الرِّقَاب

القسم الخامس: الرِّقَاب.

قال: “المكاتبون”. الأرِقَّاء الذين اشتَرَوا أنفسهم من مالكيهم بالتقسيط “وإعتاق الرقيق”. فالمكاتب اشترى نفسه من سيده، والرِّقُّ: هو عجزٌ حُكميٌّ يقوم بالإنسان بسبب كفره بالله ، هذا الرقيق لو قال: أنا أريد أن أشتري نفسي من سيدي، قال سيده: ما أكاتبك إلا بعشرة آلاف، فقام هذا الرقيق يجمع هذا المبلغ، لا بأس أن نعطيه من الزكاة، فهذا يدخل في الرقاب.

وكذلك في إعتاق الرقيق، لو أردنا أن نُعتِق رقيقًا من الزكاة، لا بأس بذلك، وقاس بعض العلماء على هذا: عندما يأسر الكفار أسرى مسلمين، ويطلبون فديةً، يقولون: ما نُطلِق الأسير إلا بفديةٍ، إلا أن تعطونا مثلًا خمسين ألفًا، لا بأس أن تكون هذه الفدية من الزكاة، وتدخل في قوله: وَفِي الرِّقَابِ [التوبة: 60].

طيب، نضع السؤال الأخير قبل الأذان، السؤال الأخير.

طيب، الجائزة الأخيرة، المؤلفة قلوبهم، هل يشترط أن يكونوا سادةً أو لا يشترط أن يكونوا سادةً؟ أريد إجابةً مفصلةً.


الصنف السادس: الغارمون

طيب، الصنف السادس: الغارمون، وهم المدينون في إصلاح نفوسهم في مباحٍ، أو لإصلاحٍ بين طائفتين من المسلمين.

فالغارمون يعني: المدينون الذين عليهم ديونٌ، وينقسمون إلى قسمين:

  • غارِمٌ لنفسه.
  • وغارمٌ لغيره.

الغارم لنفسه الذي لحِقَته ديونٌ، دخل في تجارة ولم يوفق، ولحقته ديونٌ، أو أنه اقترض قروضًا، المهم أنه لحقته ديونٌ، ديونٌ حالةٌ، عاجزٌ عن سدادها، فيجوز أن يعطَى من الزكاة ما يسدد به الدين، وأما الغارم لغيره أي: لإصلاح طائفتين من المسلمين؛ لأن الغالب أن المشاحنات بين المسلمين على دنيا، الغالب أنها على دنيا، فإذا حصل مشاحنة بين طائفتين أو قبيلتين أو جماعتين، فأتى شخصٌ، وقال: أنا أتحمل، كانت المخاصمة على ماذا؟ المال، فقال: كم المال؟ قالوا: المال مئة ألفٍ، قال: أنا أتحملها، فيجوز أن يعطَى من الزكاة لسداد هذا المبلغ، فهذا هو الغارم لإصلاح ذات البين.

فإذنْ: الغارم ينقسم إلى قسمين:

  • غارم لنفسه.
  • وغارم لغيره، فالغارم لنفسه الذي ترتبت في ذمته ديونٌ عاجزٌ عن سدادها، فهذا يعطَى من الزكاة، والغارم لغيره هذا لإصلاحٍ بين المسلمين، يعطَى ولو كان غنيًّا.

طيب، الذي عليه ديونٌ مقسطةٌ أو مؤجلةٌ، هل يجوز له أن يأخذ من الزكاة؟ لا، ليس له الأخذ من الزكاة، إذا كانت مقسطةً ومؤجلةً، الغارم الذي يجوز له الأخذ من الزكاة أن يَحِلَّ عليه الدين، يكون الدين حالًّا، وأن يكون عاجزًا عن سداد الدين، وإلا فكثير من الناس عليهم ديونٌ، بل الآن كثيرٌ من الأغنياء عليهم ديونٌ، ليس إذنْ كل مَدِينٍ يكون مستحقًّا للزكاة، وإنما المدين الذي عليه دينٌ حالٌّ، ولو رفع الدائنُ فيه شكايةً لربما حبس بسبب هذا الدين.

والأمر الثاني: أن يكون الدين حالًّا، ويكون عاجزًا عن سداده، فهذا يجوز أن يعطَى من الزكاة ما يسدد به الدين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1395، ومسلم: 19.
zh