عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، نسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
نستكمل -أيها الإخوة- شرح كتاب الزكاة من العمدة في الفقه، وكنا قد وصلنا إلى باب حكم الدَّين.
وقبل أن نبدأ، أنبه إلى أن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، خصَّصت ثلاثة جوائز لهذا الدرس، ولهذا؛ ستُطرح أسئلةٌ أثناء الدرس، ومن أجاب ينال هذه الجائزة، فنرجو التركيز والمتابعة، وستكون في أثناء الدرس إن شاء الله.
باب حكم الدَّين
قال المصنف رحمه الله:
باب حكم الدَّين
الدين هو كل ما ثبت في الذمة من حقوق الله، أو حقوق الآدميين، كل ما ثبت في الذمة من حقوق الله؛ مثل الزكاة، ومثل الكفارات، ومثل أيضًا الحج، ونحو ذلك، أو حقوق الآدميين، كأن يثبت في ذمة هذا الإنسان دَينٌ لشخصٍ بسبب بيعٍ بالأجل، أو بسبب قرضٍ، أو بغير ذلك من الأسباب، والدين المتعلق بحقوق الآدميين مبناه على المشاحة، بينما الدَّين المتعلق بحق الله مبناه على المسامحة، الله قد يغفر للعبد ما كان متعلقًا بحقه، وأما حقوق الآدميين، فإنها تبقى لأصحابها يوم القيامة، ولهذا فإن الشهيد الذي باع نفسه لله ، تغفر له ذنوبه إلا الدَّين، قد كان النبي إذا أُتِيَ بجنازة سأل: هل على صاحبها من دينٍ، فإن قالوا: نعم. لم يُصَلِّ عليها، وقال: صلوا على صاحبكم [1].
ثم لما كثرت موارد بيت المال أصبح -عليه الصلاة والسلام- يقضي عمن مات وعليه دينٌ، وكان النبي يستعيذ بالله من غلبة الدين، فقد جاء في “صحيح البخاري” عن أنسٍ : أن النبي كان يكثر من أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجُبْن والبُخْل، ومن غَلَبَة الدَّين، وقَهْر الرجال [2].
فغلبة الدين من الأمور التي يستعاذ بالله منها؛ لأن الديون إذا تراكمت على الإنسان أحدثت همًّا وغمًّا وقلقًا، ولأن الديون أيضًا إذا تراكمت على الإنسان -وإن كان صالحًا- قد يضطر معها إلى الكذب، وإلى الخُلْف في الوعد، ولهذا؛ كان النبي يستعيذ بالله في صلاته في التشهد الأخير من المأثَم والمَغْرَم، والمأثم من الإثم، يعني: المعاصي، والمغرم يعني: الدَّين، فقال له رجلٌ: يا رسول الله، ما أكثر ما تستعيذ بالله من المغرم! قال: إن الرجل إذا غَرِم حَدَّث فكذب، ووعد فأخلف [3].
وقد يكون إنسانًا صالحًا، لكن بسبب تراكم الديون عليه يكذب، وبسبب تراكم الديون عليه يخلف الموعد، فكان -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ بالله من المأثم والمغرم، لكن ما الفرق بين الدين والقرض؟
الفرق بين الدين والقرض
القرض يسمى: السلف، والقرض: هو دفع مالٍ لمن ينتفع به ويرد بَدَلَه، هذا تعريفه: دفع مالٍ لمن ينتفع به ويرد بدله، ويسميه الناس (السلف)، وورد تسميته بالسلف في بعض الأحاديث، مثال ذلك: تقول لشخص: سلفني، أو أقرضني خمسة آلافٍ، وأردها لك بعد ستة أشهرٍ مثلًا، هذا قرضٌ.
وأما الدَّين فعرَّفناه بأنه: كل ما ثبت في الذمة من حقوق الله وحقوق الآدميين، فإذنْ ما الفرق بين القرض والدين؟ بينهما عمومٌ وخصوصٌ، فكل قرضٍ دينٌ، وليس كل دينٍ قرضًا، كل قرضٍ يعتبر دينًا، لكن ليس كل دينٍ قرضًا، قد يكون الدين بسبب ثَمَنِ مبيعٍ، وليس بسبب قرضٍ، فإذنْ بينهما عمومٌ وخصوصٌ.
وبعض الناس يقول: أخذت من البنك قرضًا، ولا يقصد القرض بمعناه الفقهي، وإنما يقصد تمويلًا بطريق المرابحة، أو الـتَّوَرُّق، لهذا؛ ينبغي أن يعبِّر بالتعبير الشرعي الفقهي، فلا يقول: أخذت قرضًا، وإنما يقول: أخذت تمويلًا بطريق المرابحة، أو التوَرُّق، وأيضًا المفتي ينتبه لاصطلاحات الناس؛ لأن بعض العامة يقول: أخذت قرضًا، وهو لا يقصد القرض بمعناه الاصطلاحي.
أثر الدَّين على الزكاة
إذن نعود لعبارة المؤلف، المؤلف يريد أن يتكلم عن زكاة الدين، إذا كان لك دينٌ على إنسانٍ، وإذا كان عليك دينٌ، فما أثر هذه الديون على الزكاة؟
أولًا: إذا كان لك على إنسانٍ ديونٌ يعني تطلب من غيرك ديونًا، أقرضت صاحبًا لك مبلغًا من المال، أو بعته سلعةً بأجَلٍ، فأنت الآن دائنٌ، هل يجب عليك أن تزكي هذا الدين الذي لك في ذمم الآخرين؟
حكم الزكاة إذا كان الدين على مليء
ننظر الإجابة من كلام المؤلف، قال المؤلف رحمه الله: “من كان له دينٌ على مَلِيءٍ فعليه زكاته”.
إذنْ إذا كان الدَّين على مليءٍ، فيجب عليك أن تزكيه، ما معنى المليء؟ المَلِيء: القادر على الوفاء، غير المماطل، فإن كان معسرًا لم يكن مدينًا، إن كان غير قادرٍ على الوفاء، لم يكن مدينًا، وإن كان قادرًا على الوفاء، لكنه مماطل لم يكن مليئًا، فالمليء هو الذي متى ما قلت له: يا فلان حَلَّ موعد الدين، سدَّدَ لك مباشرةً، أي: أنك ضامنٌ لوصول حقك، ومطمئنٌ على ذلك، وإذا كنت مطمئنًّا على وصول الدَّين، فلا فرق بين أن يكون الدين عندك، أو أن يكون عند هذا المليء، فيجب عليك أن تزكيه؛ سواءٌ أكان قرضًا، أم كان دَينًا بسبب ثمنِ مبيعٍ، أو غير ذلك، ما دام أن المدين مليءٌ باذلٌ، يعني غير مماطلٍ، فهذا الدين يجب عليك أن تزكيه عن كل عامٍ.
وأَلحَقَ المصنف به أمورًا، قال: “أو مالٌ يمكن خلاصه، كالمجحود الذي له بينة”.
تطالب شخصًا بمالٍ، تطالبه بعشرة آلاف، طلبته منه جَحَد، قال: ما لك عندي شيءٌ، اذهب للمحكمة واشتكِ، وعندك شاهدان أو أكثر، فيقولون: هذا المال حكمه حكم الدَّين على مليءٍ؛ لأن عندك شهودًا، والقاضي سيحكم لك، لكن كلام المصنف لما كانت إجراءات التقاضي قديمًا سهلة وميسورة، ويحكم القاضي من أول الجلسة الواحدة، وأما في وقتنا الحاضر مع طول إجراءات التقاضي أحيانًا عندما تُرفع القضية تأخذ سنين، فإذا كان لن يتوجه القاضي للحكم لك، فليس عليك زكاة هذا الدين، مع طول إجراءات التقاضي، وأما إذا كان القاضي يحكم بسرعةٍ في القضية، فهذا الدين حكمه حكم الدين الذي في يدك، يجب عليك أن تزكيه.
ومثله المغصوب الذي يتمكن من أخذه، هو مغصوبٌ، لكن تستطيع أن تخَلِّصه من غاصبه بكل سهولةٍ، بأن يكون لك نفوذٌ، وهذا الغاصب ليس له نفوذٌ، وتعرف بأنك متى استخدمت نفوذك، سدَّد، فهذا حكمه حكم الدين على مليءٍ، فيجب عليك أن تزكيه.
قال: “إذا قبَضَه لِمَا مضَى”.
وقول المصنف: “إذا قبضه”. يدل على أنه قبل قبضه لا يجب عليه أن يزكيه؛ لأنه حتى وإن كان على مليءٍ، فإنه غير مضمون السداد، قد يتخلف هذا المليء، وقد يطرأ عليه ما يطرأ على البشر، وقد يفتقر هذا المليء، وقد يماطل، ولذلك؛ قال الفقهاء: إنه لا تجب الزكاة في هذا الدين حتى يقبضه، لكن ليس معنى ذلك أن الزكاة لا تجوز ولا تصح، لو أراد أن يزكيه قبل قبضه فلا بأس، لكن إذا قال: أريد الحكم، نقول: لا يجب عليك أن تزكيه حتى تقبضه، فإذا قبضته يجب عليك أن تزكيه عن جميع السنوات الماضية، ولهذا؛ قال المؤلف: “إذا قبضه لما مضى” والأحسن أن تزكِّيَ كل سنةٍ بسنتها، لكنه لا يجب عليك ذلك، يجوز لك أن تؤخر سداد الدين الذي على المليء حتى تقبضه، فإذا قبضته تزكيه عن جميع السنوات الماضية.
حكم الزكاة على الدين المقسط والمؤجل
ومن ذلك: الدين المقَسَّط والمؤجَّل، والآن حال كثيرٍ من الناس عليه ديونٌ، إما دائنٌ أو مدينٌ، من يتعامل بالبيع بالتقسيط، تجارته مثلًا في البيع بالتقسيط يبيع سيارات بالتقسيط، يبيع سلعًا بالتقسيط، فهل يجب عليه أن يزكي الديون التي له في ذمم الآخرين؟
ظاهر كلام المؤلف: أن المدين إذا كان مليئًا فيجب، ولكن يَرِد على هذا إشكالٌ كبيرٌ، وهو أن الديون في وقتنا الحاضر أصبحت تمتد سنواتٍ طويلةً، أحيانًا بعض الديون خاصةً التي للبنوك والشركات تصل إلى عشرين عامًا، بل بعضها يصل إلى ثلاثين عامًا، الآن في بعض العقارات عندما يبيع البنك عقارًا قد تكون الأقساط تصل من 20-30 عامًا، وقد تكون أقل، لكنها قد تصل إلى هذا القدر إلى عشرين عامًا، أو إلى خمسةٍ وعشرين عامًا، أو إلى ثلاثين عامًا، فإذا قلنا: إنه يزكي هذا الدَّين المقسَّط، فهل يزكي أرباح السنوات القادمة كلها، أرباح 30 عامًا؟ لو قلنا بهذا لخسرت شركات التقسيط، سيجحف هذا بأموالهم، إذنْ ماذا نفعل؟ هل نسقط عنهم الزكاة؟ أيضًا لو أسقطنا عنهم الزكاة هذا فيه إشكالٌ؛ لأن هذه تجارةٌ رائجةٌ، وفيها شركاتٌ ومؤسساتٌ، وهذه المسألة قد دُرست في المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالمي الإسلامي هنا في مكة المكرمة، وأصدر فيها قرارًا بأن الزكاة تجب في رأس المال، مع أرباح السنة الحالية فقط، دون بقية السنوات، رأس المال مع أرباح السنة الحالية الحالية فقط، دون بقية السنوات، وأيضًا هذا القول هو الذي اعتمدته هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، وهو أعدل الأقوال.
مثال ذلك: بعت سيارةً لشخصٍ بالتقسيط، نفترض سنتين، يعني: نأخذها بصورةٍ مبسَّطةٍ، رأس مال السيارة خمسون ألفًا، وأرباحها كل سنةٍ خمسة آلافٍ، معنى ذلك: إذا كانت في سنتين كم يكون ثمن السيارة بأرباحها؟ سبعين ألفًا، خمسة وخمسة وخمسة وخمسة، سبعون ألفًا، فإذا أردت أن تزكيها، نعم، لو جعلناها أربع سنوات، كل سنةٍ خمسة آلافٍ، اجعلها أربع سنوات؛ حتى تنضبط المسألة، كل سنة خمسة آلافٍ، خمسةً وخمسةً وخمسةً وخمسةً، فتكون سبعين ألفًا، هذا الذي قصدته، فإذا أردت أن تزكيها عن السنة الأولى، فتزكي رأس المال، ورأس المال كم؟ خمسون ألفًا، ربح السنة الحالية كم؟ خمسة آلافٍ، معنى ذلك: أنك تزكي خمسةً وخمسين ألف ريالٍ، في السنة الثانية ربح الثانية كم؟ دعك من رأس المال، الربح خمسة آلافٍ فقط، المتبقي من رأس المال ليس خمسين ألفًا، أقصد أن المال نقَص، أصبح كم؟ خمسةً وأربعين، رأس المال نقص، فرأس المال يتآكل مع مرور الوقت، فالسنة الأولى تزكيها رأس المال كاملًا مع ربح السنة الحاليَّة، في السنة الثانية تزكي ما تبقَّى من رأس المال، مع ربح تلك السنة، في السنة الثالثة تزكِّي ما تبقَّى من رأس المال، مع ربح تلك السنة، وهكذا، هذا هو الأظهر في هذه المسألة.
ننتبه لهذه الفائدة، وهذه المسألة -يا إخوان- من المسائل المشكلة، ومن النوازل، لكن يعني العلماء المعاصرون بحثوها، وفيها أقوالٌ كثيرةٌ، لكن أرجحها وأعدلها هذا القول، وهو الذي اعتمده المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.
طيب، هذا إذا كان المدين مليئًا باذلًا، فماذا إذا كان المدين مفلسًا أو مماطلًا؟
نعود لعبارة المصنف قال: “وإن كان متعذرًا؛ كالدَّينِ على مفلسٍ أو على جاحدٍ، ولا بينة به، والمغصوبِ والضالِّ الذي لا يرجى وجوده، فلا زكاة فيه”.
إن كان متعذرًا؛ كالدين على مفلسٍ، أو الدين على معسرٍ، هذا لا زكاة فيه، أقرضت رجلًا عشرة آلافٍ، وقلت: سَدِّد. فقال: أنا ما عندي شيءٌ، هنا لا زكاة في هذه العشرة الآلاف، أو أنك بعته سلعةً بثمنٍ مؤجلٍ ثم أفلَس، فلا زكاة في هذا الدين.
قال: “أو على جاحدٍ ولا بينة به”.
إنسانٌ أقرضته، أو أنك بِعته بثمنٍ مؤجلٍ، طلبت منه سداد الدين، قال: ما عندي لك شيءٌ، وليس عندك بينةٌ، هنا لا زكاة أيضًا في هذا الدين، والمغصوب أيضًا، الذي لا يستطيع الإنسان تخليصه من غاصبه لا زكاة فيه، والضائع يعني: الضائع الذي لا يُرجى وجوده لا زكاة فيه، ومثل ذلك أيضًا: المساهمات المتعثرة التي لا يرجو صاحبها أن ترجع إليه، ساهم مع إنسانٍ، ثم تعثر في هذه المساهمة، وهي قد ترجع، لكن أصبح الغالب عنده أنها لن ترجع، يَئس، فهذه لا زكاة فيها.
فإذنْ: المال الذي لا يرجو الإنسان وجوده، إما بسبب الإفلاس، أو الإعسار، أو المماطلة، أو جحودٍ، أو تعثرٍ، أو غير ذلك، هذا لا زكاة فيه؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا كيف يزكي مالًا لا يرجو أن يصل إليه؟!
حكم زكاة الصَّدَاق المؤخر
قال: “وحكم الصَّدَاق حكم الدَّين”.
يعني: إذا كان الصداق مؤخرًا، الصداق قد يكون معجلًا، وقد يكون مؤخرًا، والأحسن تعجيله، لكن يجوز تأجيله، فإذا كان الصداق مؤخرًا، فهو دينٌ للزوجة على زوجها، فيكون حكمه حكم الديون التي ذكرنا، ولهذا؛ قال: “وحكم الصداق حكم الدين”. يعني: إذا كان زوجها مليئًا باذلًا متى ما طلبت منه المؤخر سلمها إياه، المؤخر مثلًا: ثلاثون ألفًا، متى ما طلبت منه الثلاثين ألفًا، قال: خذي هذه الثلاثين ألفًا، إذنْ لا فرق بين هذا المال وبين المال الذي بيدها، فيجب عليها أن تزكيه.
أما إذا كان الزوج معسرًا أو مفلسًا، ولا ترجو سداد الصداق لو طلبته فهذا لا زكاة فيه، أو أن الزوج مليءٍ، لكنه مماطلٌ، كلما طلبت منه الصداق يقول: فيما بعد، فيما بعد. فأصبحت لا تثق في أنه سيعطيها الصداق، فهذا لا زكاة فيه.
إذنْ: لا زكاة في الصداق إلا إذا كان زوجها مليئًا باذلاً، متى ما طلبت منه الصداق سلمها إياه.
أثر الدين الذي على الإنسان على الزكاة
طيب، هذا إذا كان الدين للإنسان، ماذا عن الدين الذي على الإنسان، هل أثَّر على الزكاة أم لا؟
أجاب عن هذا السؤال المصنف رحمه الله قال: “ومن كان عليه دينٌ يستغرق النصاب الذي معه، أو يُنقِصه، فلا زكاة فيه”.
عليه دينٌ -يعني مدينٌ- يستغرق النصاب الذي معه، يعني: عنده مثلًا مئة ألفٍ، وعليه دينٌ، مئة ألفٍ، استغرق جميع النصاب، يقول هنا: لا زكاة فيه، أو أنه يُنقصه عليه، عنده مائة ألفٍ، لكن عليه دينٌ، تسعةٌ وتسعون ألفًا، فيقول: لا زكاة فيه؛ لقول عثمان : هذا شهر زكاتكم -يعني رمضان- فمن كان عليه دينٌ فليقضه، وزَكُّوا بقية أموالكم.
ولأن الدين الذي على الإنسان إذا كان له مال، فالمال مستحَقٌّ للدائن، وهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، فمن أهل العلم من قال: إن المال الذي بيد الإنسان يجب عليه أن يزكيه، بغض النظر عن الديون التي في ذمته، قالوا: لأن النبي كان يبعث السُّعَاة لجِبَاية الزكاة لقبضها من أربابها، ولم يأمرهم أن يسألوهم: هل عليهم ديون أم لا؟ ولأن الزكاة تتعلق بعين المال بغض النظر عن الذمة، لهذا؛ قال : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103]. ولم يقل: خذ منهم.
ومن أهل العلم من قال: إن الدين يؤثِّر في زكاة الأموال الباطنة، ولا يؤثر في الأموال الظاهرة، والأموال الباطنة؛ كالذهب والفضة والأوراق النقدية، دون الظاهرة؛ كالزروع والثمار مثلًا.
هذه أبرز الأحكام المتعلقة بزكاة الدَّين، ونضع الآن سؤالًا على ما سبق:
الفرق بين القرض والدين
السؤال هو: ما الفرق بين القرض والدين؟ لكن لا نسمح لأحدٍ أخذ جائزةً بالأمس، الذي أخذ جائزةً في أي درسٍ يتيح المجال لبقية الإخوة، حتى تصل الجوائز لأكبر عددٍ.
ما الفرق بين القرض والدين؟
طيب، مِثل طريقتنا بالأمس، نأخذ من الجهة اليمنى، ثم من الوسط، والجهة اليسرى، نبدأ بالجهة اليمنى:
القرض ما هو؟ دفع مالٍ لمن ينتفع به ثم يرده. والدَّين؟ طيب تفضل، من الجهة اليمنى، الجواب:
…
القرض: دفع مالٍ لمن ينتفع به ويرُد بَدَله، ويسمَّى ماذا؟ له اسمٌ آخر، ويسمَّى السَّلَف.
طيب، والدَّين ما هو؟ الدين كل ما ثبت في الذمة من حقوق الله وحقوق الآدميين.
طيب، ما العلاقة بين الدَّين والقرض؟ طيب، هل كل قرضٍ دينٌ أو كل دينٍ قرضٌ؟ كل قرض دين، وليس كل دينٍ قرضًا، أحسنت، تفضل خذ الجائزة، بارك الله فيك، الاسم؟ بارك الله فيك.
نعم، ننتقل بعد ذلك إلى:
زكاة العُروض
المقصود بالعُروض يعني: عروض التجارة، وهي: كل ما يُعدُّ للبيع؛ لأجل الربح، من أي نوعٍ من الأموال كان؛ سواءٌ أكان من العقار، أم كان من المزارع، أم من الحيوانات، أم من السلع، أم غيرها، كل ما أُعد للبيع من أجل الربح، فهذا هو عروض التجارة، وهذه تجب فيها الزكاة، وقد حُكي إجماع العلماء على ذلك.
ومن أدلة وجوب زكاة عروض التجارة: قول الله : وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج: 24، 25]. عموم هذا الدليل، وأيضًا: قول النبي لمعاذٍ : أَعْلِمهم أن الله قد افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم [4]. وجاء في حديث سَمُرة أنه قال: أمر النبي أن نخرج الزكاة لِمَا نُعِدُّه للبيع [5]. أخرجه أبو داود، لكن في سنده مقالٌ، لكن أجمع العلماء على وجوب زكاة عروض التجارة، وعلى ذلك: كل ما أراد به الإنسان التجارة والتكسب والربح، تجب فيه الزكاة.
فإذنْ: المحلات التي تبيع، نراها تبيع الآن السلع، هذه كلها عروض تجارة، ومحلات الأقمشة، ومحلات الجوالات، وكل المحلات التي تبيع سلعًا للناس هذه عروض تجارة.
وأيضًا لو كان عند إنسانٍ تجارة مَوَاشٍ يبيع ويشتري فيها، هذه عروض تجارةٍ، ومن كان عنده سيارات يبيع ويشتري فيها، هذه عروض تجارةٍ، لو كان عنده عقارات يبيع ويشتري فيها، ومساهمات عقارية بيعًا وشراءً، هذه عروض تجارةٍ.
فلاحِظْ هنا: أن عروض التجارة تشمل معظم أموال الزكاة، معظم أموال الزكاة عروض تجارةٍ، خاصةً في وقتنا الحاضر، قارِنْ بين نسبة زكاة الزروع والثمار والسائمة من بهيمة الأنعام، وبين عروض التجارة، تجدْ أن الفرق كبيرٌ؛ ولذلك هذا الباب من الأبواب المهمة.