logo
الرئيسية/دروس علمية/دروس من الحرم- عمدة الفقه/(16) كتاب الزكاة- من قوله: “وإذا بدا الصلاح في الثمار..”

(16) كتاب الزكاة- من قوله: “وإذا بدا الصلاح في الثمار..”

مشاهدة من الموقع

دروسٌ من الحرم

تتمة باب زكاة الخارج من الأرض

قال: “وإذا بدا الصلاح في الثمار، واشتد الحَب وجبت الزكاة”.

وقت وجوب الزكاة في الثمار والحبوب

بيَّن المؤلف وقت وجوب الزكاة، وهو بُدوُّ الصلاح في الثمار، وبدو الصلاح أيضًا في الحبوب، ويعبرون عنه بـ(اشتداد الحَب)، أي: كونه صلبًا، هذا وقت الوجوب، لكن لا يستقر الوجوب إلا بجعل الحبوب والثمار في موضع التجفيف، وموضع التجفيف يُسمَّى (البَيْدَر)، هذا الاسم معروفٌ عند الناس في بلاد الشام، وأما في العراق فيسمونه (الجَرِين)، وهنا في المملكة يسمونه (المِرْبَد) أو (الفِدَا)، وربما هناك تسمياتٌ أخرى، فهو الموضع الذي تُجفَّف فيه الحبوب والثمار، فلا يستقر وجوب الزكاة إلا بوضعها في هذا المكان.

وفائدة هذه المسألة تظهر في حال تلف الحبوب والثمار، فإذا تلِفَت قبل وضعها في موضع التجفيف، فحينئذٍ عليه أن يعوِّضها، وأما إذا تلفت بعد وضعها في موضع التجفيف، من غير تعدٍّ منه ولا تفريطٍ، فلا شيء عليه.

قال: “ولا يُخرَج الحب إلا مصفًّى، ولا الثمر إلا يابسًا”.

يعني: صلبًا، فالحب لا بد من تصفيته ليخرج بوضعه النهائي، وهكذا أيضًا في الثمار؛ من التمر ونحوه، لا يُخرَج إلا يابسًا، لا يخرج رُطَبًا أو بُسْرًا، وإنما يخرج يابسًا.

قال: “ولا زكاة فيما يكتسبه من مباح الحب والثمر”.

ما يكتسبه باللُّقَطة مثلًا، أو بالتقاط ما يتساقط من الحب والثمر، فهذا لا زكاة فيه؛ لأنه من أراضٍ غير مملوكةٍ، ولا زكاة فيما يأخذه أجرة لحصاده، يعني: الحَصَّاد الذي يحصد الحب أو الثمر، ويعطيه مالك الحب والثمر أجرةً، فهذه الأجرة من هذا الحب أو الثمر لا زكاة فيها، حتى لو بلغ نصابًا؛ لأنه وقت الوجوب غير مالك لهذا الحب والثمر، وإنما وقت الوجوب المالك له هو الذي أعطاه إياه.

قال: “ولا يضم صنف منه -من الحب والثمر- إلى غيره في تكميل النصاب”.

ذكرنا أن النصاب: (5 أَوسُقٍ)، أو (300 صاعٍ)، أو (612 كيلو جرامًا)، فإذا كان من صنفٍ واحدٍ فهذا ظاهرٌ، لكن إذا كان من أكثر من صنفٍ، يعني عنده مثلًا (300 كيلو جرامًا) من التمر، و(350) من البُرِّ، فهل يضم البر للتمر في تكميل النصاب؟

نقول: لا، لا يضم، حتى ولو كانا متقاربين كالبر والشعير، لا يضم أحدهما إلى الآخر لتكميل النصاب.

قال: “إلا أن يكون صنفًا واحدًا مختلفًا أنواعه؛ كالتمور، ففيه الزكاة”.

إذا كان صنفًا واحدًا فلا يضر اختلاف النوع، فلو كان عنده (300 كيلو جرامًا) من التمر السُّكَّري، و(350 كيلو جرامًا) من التمر البِرْحِيِّ، فيضم أحدهما إلى الآخر، وتجب فيه الزكاة؛ لأنهما صنفٌ واحدٌ، وجنسٌ واحدٌ.

طيب كيف يخرج الزكاة؟

قال: “ويُخرَج من كل نوعٍ زكاته”.

فالسُّكَّري يخرج زكاته من السكري، ويخرج زكاة البَرْحِي من البرحي، ويخرج زكاة الصُّفْرِي من الصفري، وهكذا.

يُخرَج إذنْ من كل نوعٍ زكاته.

“وإن أخرج جيدًا عن الرديء جاز، وله أجره”

إن أخرج عن الرديء تمرًا جيدًا فلا بأس، لكن الواجب عليه -كما سبق- هو المتوسط، لكنه إذا أراد أن يخرج الجيد فلا بأس بهذا، وله أجره، يُؤجر ويُثاب عند الله ​​​​​​​ على ذلك، وإذا تحرَّى المسلم إخراج الطيب من ماله، فلا شك أن هذا أكمل وأفضل وأعظم أجرًا وثوابًا.

وسبق أن ذكرنا في الدرس السابق: أن المال ينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ:

  • رديءٍ.
  • وجيدٍ.
  • ومتوسطٍ.

فالرديء، هل يجوز إخراجه في الزكاة؟ لا يجوز.

الجيد، الذي هو أحسن المال وأنفسه، هل يجب إخراجه؟ يستحب ولا يجب.

والوسط، هو الواجب إخراجه في الزكاة.

النوع الثانية من الخارج من الأرض: المعدن

ننتقل للنوع الثاني من الخارج من الأرض:

نستمع لعبارة المصنف رحمه الله:

القارئ:

النوع الثاني: المعدن، فمن استخرج من معدنٍ نصابًا من الذهب أو الفضة، أو ما قيمته نصابٌ من الجواهر، أو الكُحل والصُّفْر [1] والحديد، أو غيره، فعليه الزكاة، ولا يخرج إلا بعد السبك والتصفية، ولا شيء في اللؤلؤ والمرجان، والعنبر والمسك، ولا شيء في صيد البر والبحر.

وفي الرِّكَاز الخُمُسُ، أيِّ نوعٍ كان من المال، قل أو كثر، ومصرِفه مصرِف الفَيْء، وباقِيه لواجده.

الشرح:

النوع الثاني مما يخرج من الأرض: المعدِن؛ لقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [البقرة: 267]. والمعادن مما يخرج من الأرض.

أمثلة للمعادن التي تجب فيها الزكاة

قال: “فمن استخرج من معدِنٍ نصابًا من الذهب أو الفضة”.

الذهب والفضة معادن، وهي أنفس المعادن وأثمنها، ففيها الزكاة.

“أو ما قيمته ذلك”، يعني: ما قيمته نصاب الذهب أو الفضة من المعادن الأخرى.

قال: “من الجواهر أو الكحل أو الصُّفْر أو الحديد أو غيره، فعليه الزكاة”. يجب عليه إخراج زكاته، يخرج ربع العشر، ولا يخرج إلا بعد السبك والتصفية قياسًا على ما ذكرنا من الحبوب؛ كالتمر والزبيب، ونحوهما.

حكم الزكاة فيما يُستخرج من البحر

قال: “ولا شيء في اللؤلؤ والمرجان والعنبر والمسك”.

هذه كلها مما يستخرج من البحر، فهذه لا زكاة فيها، وقد رُوي في ذلك آثار عن بعض الصحابة ، رُوي عن ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: ليس في العنبر زكاةٌ.
ومثل ذلك أيضًا ما يستخرج من البحر عمومًا، كاللؤلؤ والمرجان ونحو ذلك، فهذه لا زكاة فيها، ولا شيء في صيد البر والبحر، صيد البر والبحر لا زكاة فيه، وهذا بإجماع أهل العلم.

زكاة الركاز

قال: “وفي الركاز الخُمُس”. أيِّ نوعٍ كان من المال، ما هو الركاز؟

الرِّكَاز: ما وجد من دفن الكفار في الجاهلية، وهذا قد انقرض الآن، لا يكاد يُوجد، ووجوده أندر من النادر، هل أحدٌ منكم رأى شيئًا من دفن الجاهلية؟ رأى شيئًا مدفونًا، أو وجد عليه علامات الجاهلية قبل الإسلام، الآن ما في عندنا ولا واحدٌ، مع أن الإخوة من بلدانٍ شتَّى، فهو الآن قد انقرض، الركاز انقرض، لا بد أن يكون عليه علامة تدل على أنه موجودٌ في عصر الجاهلية، يعني: على أنه من عصر الجاهلية.

مصارف زكاة الركاز

لكن إذا وجد مدفونًا، فهذا هو الركاز، ما حكمه؟ فيه الخمس، خمسه يصرف مصرف الفيء، وليس مصرف الزكاة.

ومعنى الفَيء: هو ما أخذه المسلمون من الكفار من غير قتالٍ، وهو المذكور في قول الله : مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر: 7]. فهذا الخمس يقسَّم خمسة أقسامٍ: خُمُس الخُمُس يصرف في مصرِف الفيء، يعني: في مصالح المسلمين العامة، فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ يعني: في مصالح المسلمين، ولقرابة النبي ، واليتامى والمساكين وابن السبيل، فإذنْ مصرفه مصرف الفيء.

وباقِيه لواجده إذا أخذنا الخمس كم يبقى؟ أربعة أخماسٍ، وأربعة أخماسٍ لِوَاجِده، فيؤخذ من هذا الركاز الخمس، ويصرف مصرِف الفيء، وأربعة أخماسٍ تكون لواجده.

حكم ما وجد وعليه علامة العصور الإسلامية

طيب، إذا وجد شيئًا عليه علامة العصور الإسلامية، فماذا نسميه؟

نعم، لُقَطةً، أحسنت، طيب، إذا لم يجد عليه أي علامة؟ فهو أيضًا لقطةٌ.

الضابط في اللقطة التي تُعَرَّف

واللقطة إذا كانت قيمتها تَلتفِت لها همة أوساط الناس، يجب تعريفها سنةً كاملةً، يعني: وجد مثلًا (500 ريالٍ)، تلتفت لها همة أوساط الناس أم لا؟ نعم، إذنْ يعرفها سنةً كاملةً، طيب، وجد ريالًا واحدًا، هذه ما تلتفت لها همة أوساط الناس، يأخذه بدون تعريف، حلالٌ له، لكن إذا كان مما تلتفت له همة أوساط الناس؛ لأن الغني قد يعتبر الشيء الكثير قليلًا، والفقير يعتبر الشيء القليل كثيرًا؛ فالعبرة إذنْ بأوساط الناس، مالًا وخُلقًا، احترازًا؛ لأن بعض الأغنياء شحيحٌ، بعض الأغنياء عنده حتى الشيء القليل كثيرٌ، عنده شحٌّ، وبعض الفقراء أيضًا عنده تبذيرٌ، فعنده الشيء الكثير قليلٌ، إذنْ: العبرة بأوساط الناس مالًا وخُلقًا.

فإذا كان الشيء لا تلتفت له همة أوساط الناس، فيؤخذ بدون تعريفٍ، إذا كانت تلتفت له همة أوساط الناس يجب تعريفه سنةً كاملةً، وقد أصبح التعريف في وقتنا الحاضر ميسورًا، مع وسائل الاتصالات الحديثة، مثال ذلك: وجدت مثلًا عند مدخل الفندق (500 ريالٍ) أخذتها، تكتب لافتةً عند المكان الذي وجدتها فيه: عُثر في هذا المكان على مبلغٍ نقديٍّ. ولا تقول كم المبلغ النقدي، من كان له فليتصل على هذا الرقم، وتضع رقم جوالك، إذا بقيت سنةً كاملةً ما اتصل عليك أحدٌ وقال: إنه صاحب هذا المبلغ، فهي لك، أما إذا اتصل عليك أحدٌ فلا بد أن تسأله أسئلةً دقيقةً، حتى تعرف هل هي له أو لا؟ وليست أسئلةً تعجيزيةً؛ وإنما أسئلةً دقيقةً، كم المبلغ مثلًا؟ حتى يغلب على ظنك أنه هو صاحب المبلغ.

ويخطئ بعض الناس فيلتقط اللقطة، ويتصدق بها مباشرةً، وهذا غير صحيحٍ، اللقطة تُعَرَّف سنةً كاملةً، فإذا كنت تخشى من عدم القيام بواجب التعريف، فما الحل؟ اتركْها، يأتي صاحبها، أو يأخذها غيرك ويُعرِّفها، فلا يأخذها إلا إنسانٌ قد وَثِق من نفسه القدرة على التعريف، إلا أن الحرم لقطته تعرَّف أبد الدهر، فلا تُملك بعد سنةٍ؛ لقول النبي : لا تحل ساقطتها إلا لمُنشِدٍ [2].

إذا وجدت لقطة في الحرم اتركها؛ لأن هذا المكان بلدٌ آمنٌ، يأمن فيه كل شيءٍ، يأمن فيه الإنسان، ويأمن فيه الحيوان، ويأمن فيه النبات، كل شيءٍ يأمن في هذا المكان الطاهر، فإذا وجدت لقطةً في الحرم، فاتركها، وإن خشيت عليها من السرقة والضياع خذها، ووصِّلها لمكتب الأمانات، لكن لا يحل لك أن تأخذها مطلقًا، ولو عرفتها سنةً كاملةً، فانتبهوا أيها الإخوة، من أراد أن يأخذ مالًا لقطةً، فليراعِ هذه الأحكام، ما كان في الحرم لا يحل إلا أن يكون يعرفها أبد الدهر، فإن كان في غير الحرم؛ إن كان مما تلتفِت له همة أوساط الناس، يعرِّفها سنةً كاملةً، وإذا كانت يسيرةً لا تلتفت لها همة أوساط الناس، فيأخذها من غير تعريفٍ.

طيب، الأسئلة -إن شاء الله- بعد الأذان بإذن الله.

باب زكاة الأثمان

ننتقل بعد ذلك إلى باب زكاة الأثمان.

القارئ:

باب زكاة الأثمان

وهي نوعان: ذهبٌ وفضةٌ، ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهمٍ، فيجب فيها خمسة دراهم، ولا في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالًا، فيجب فيها نصف مثقالٍ، فإن كان فيهما غشٌّ، فلا زكاة فيهما، حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابًا، فإن شك في ذلك خُيِّر بين الإخراج وبين سبكهما؛ ليعلم قدر ذلك.

ولا زكاة في الحُلِي المباح المعَدِّ للاستعمال والعارِيَّة، ويباح للنساء كل ما جرت العادة بلبسه من الذهب والفضة، ويباح للرجال من الفضة الخاتَم، وحِلْية السيف والمِنطَقَة ونحوها.

فأما المعَدُّ للكراء أو الادخار، والمحَرَّمةُ ففيه الزكاة.

الشرح:

زكاة الأثمان

الأثمان: أي الأشياء التي يُتعامل بها، أثمانٌ أي: نقودٌ يباع بها ويشترى، كالذهب والفضة، قديمًا كان الناس يتبايعون بالذهب والفضة، وكان يسك من الذهب الدنانير، ومن الفضة الدراهم، فكان الناس يتعاملون إذنْ بالدنانير والدراهم.

وأما في الوقت الحاضر فقد أصبح الناس يتعاملون بالأوراق النقدية، على اختلاف أنواعها وأجناسها؛ سواء أكانت ريالاتٍ، أم دولاراتٍ، أم جنيهاتٍ، أم لِيراتٍ، أم غير ذلك، وهذه أوراقٌ نقديةٌ تَقوم مَقام الدنانير والدراهم؛ لأنها أصبحت أثمانًا، وقد استقر على هذا رأي علماء العالم الإسلامي، استقروا على أن الأوراق النقدية تَقوم مقام الدنانير والدراهم، وتأخذ أحكامها في جريان الربا، وفي الزكاة أيضًا، وإن كانت هذه الأوراق النقدية لا يلزم أن تكون مُغَطَّاةً، ليس بالضرورة أن تكون مغطاة بالذهب والفضة، وإنما ترجع لأمور اقتصادية؛ كوضع البلد الائتماني ونحو ذلك.

قال: “وهي نوعان: ذهبٌ وفضةٌ”.

حكم الزكاة في الأوراق النقدية

وقلنا: مثلها الأوراق النقدية، هذه تجب فيها الزكاة بإجماع أهل العلم، لكن لا تجب فيها الزكاة حتى تبلغ نصابًا فما نصابها؟

نصاب الذهب والفضة

أما الفضة: فقال المصنف: “ولا شيء في الفضة حتى تبلغ مائتي درهمٍ”. وهذا بالإجماع؛ لقول النبي : وفي الرِّقَة ربع العشر [3].

والرِّقَة: هي الفضة، وفي حديث أنس في الزكاة: وفي الرِّقَة -إذا بلغت مائتي درهمٍ- ربع العشر. وهذا في “صحيح البخاري”.

فإذنْ: نصاب الفضة مائتا درهم، ومقدار المائتي درهمٍ بالمقاييس المعاصرة الآن، الناس كيف يتعاملون في الفضة؟ بالجرامات أو الأونصة [4]، لكن الجرامات أشهر، فتعادل مائتي درهمٍ، بالجرامات (595 جرامًا)، احفظ هذا الرقم.

إذنْ: نصاب الفضة: (595 جرامًا).

قال: “فيجب فيها” يعني: في مائتي درهمٍ “خمسة دراهم” يعني: ربع العشر.

وأما الذهب: فقال: “ولا شيء في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالًا”. وهذا أيضًا بالإجماع. 

وقد جاء عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم: أن النبي كان يأخذ من كل عشرين دينارًا فصاعدًا نصف دينارٍ [5].

وكما ذكرنا أنه محل إجماعٍ، وعشرون مثقالًا تعادل -بالتقديرات المعاصرة- (85 جرامًا).

إذنْ: نصاب الذهب (85 جرامًا)، احفظ هذا الرقم، فيجب فيه أي: في الذهب نصف مثقالٍ، يعني: يجب في عشرين مثقالًا ربع العشر، وهو نصف مثقالٍ.

نصاب الأوراق النقدية

طيب نحن قلنا: إن الأوراق النقدية تَقوم مقام الذهب والفضة، لكن هل تقدر الأوراق النقدية بالذهب أم بالفضة؟ هذا محل خلاف بين العلماء المعاصرين، وأرجح الأقوال، والذي عليه المجامع الفقهية: أن نصاب الأوراق النقدية: هو أدنى النصابين من الذهب أو الفضة، وأيهما أرخص في وقتنا الحاضر الذهب أم الفضة؟ الفضة، معنى: ذلك: أن الأوراق النقدية نصابها نصاب الفضة، ونحن قلنا: إن نصاب الفضة كم؟ (595)، إذنْ ننظر كم سعر الجرام من الفضة؟ ونضربه في (595)، يخرج لنا مقدار نصاب الأوراق النقدية.

مثال ذلك: سعر الجرام من الفضة هذا اليوم: الأحد 4 جمادى الآخرة، من عام (1437 هـ)، كم يوافقه بالميلادي؟ 13 مارس، (2016 م)، سعر الجرام من الفضة ريالٌ وسبعةٌ وثمانون هللةً، بالريال السعودي، طيب كيف نعرف النصاب؟ نضرب (1.87×595)= (1112 ريالًا).

إذنْ: النصاب اليوم = (1112 ريالًا سعوديًّا)، أو ما يعادلها من العملات الأخرى، إذا أردت أن تعرف النصاب مثلًا من الجنيه المصري حوِّل (1112 ريالًا سعوديًّا) إلى جنيهات مصرية، أو إلى ليراتٍ، أو دولارٍ، أو يورو، أو أي عملةٍ تريد، فهذه طريقة معرفة نصاب الأوراق النقدية.

ولاحِظْ: أن هذا الرقم غير ثابتٍ؛ يرتفع وينخفض تبعًا لتذبذب أسعار الفضة، لكنه هذا اليوم هو هذا الرقم، فنصاب الأوراق النقدية في هذا اليوم هو (1112 ريالًا سعوديًّا)، أو ما يعادلها من العملات الأخرى، معنى ذلك: لو كان عندك ألف ريالٍ، وحال عليه الحول، هل فيها زكاة؟ ليس فيها زكاةٌ، لو كان عندك ألفٌ ومائةٌ وخمسون، ففيها زكاة، لو كان عندك أكثر من ألفٍ ومائةٍ وخمسين، يعني عندك مثلًا ألفٌ ومائتان ففيها زكاة، من باب أولى، عندك ألفٌ ومائةٌ ما فيها زكاة.

إذنْ نستفيد من هذا: أن المال إذا كان أقل من النصاب لا زكاة فيه، وإذا بلغ النصاب فأكثر ففيه الزكاة.

طيب، إذا أردت مستقبلًا أن تعرف نصاب الأوراق النقدية، فيوجد على الإنترنت مواقع تتابع أسعار الذهب والفضة على مدار الساعة، فاكتب مثلًا سعر الجرام من الفضة بالريال أو بالدولار، أو بأي عملة تريد، وتجد هذه المواقع تتابع لك أسعار الذهب والفضة على مدار الساعة، تُحدِّث المعلومات كل ساعةٍ، وتأخذ هذا الرقم وتضربه في (595)، والمقصود بالفضة: الفضة الخالصة؛ لأنه يعطيك أنواعًا من الفضة، هل تقصد الفضة الخالصة، أو التي أقل منها، والتي أقل منها، والمقصود: الفضة الخالصة، فتأخذ هذا الرقم (سعر الجرام من الفضة بالعملة التي تريد) وتضربها في (595)، يخرج لك نصاب الأوراق النقدية، فخذ هذه الفائدة معك، تستفيد منها طيلة حياتك، إذا أردت معرفة نصاب الأوراق النقدية، فانظر إلى سعر الجرام من الفضة، وهذه المعلومة تجدها على الإنترنت الآن متيسرةً، واضرب سعر الجرام من الفضة في (595)، يخرج لك نصاب الورق النقدي.

حكم الزكاة إذا كان في الذهب أو الفضة غش

قال: “وإن كان فيهما غشٌّ فلا زكاة فيهما حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابًا”.

يعني: أحيانًا الذهب والفضة لا يكون خالصًا، يكون مغشوشًا، فالزكاة لا تجب إلا فيما كان خالصًا، وقد لا يكون فيه غشٌّ، لكن يكون مخلوطًا، فالذهب الخالص مثلًا يقولون: الذهب الخالص عيار كم؟ 24، هذا هو الذي نعتمده هنا في الزكاة، لكن عيار 21 ليس خالصًا، عيار 18 ليس خالصًا، فهذا هو مقصود المصنف.

إذنْ: المعتبر في النصاب: الذهب الخالص، والفضة الخالصة، فإن شك في ذلك خُيِّر بين الإخراج، وبين سَبْكهما؛ ليعلم ذلك، يعني: ليعلم مقدار النصاب؛ العيار 21 فيه الزكاة، لكن نصابه تعدَّى النصاب، تزيد وتعوض عن هذا القدر المشترك المضاف له، ويَعرف هذا أهل الخبرة، كم المقدار المضاف للجرام من الذهب مثلًا؟ كم مقدار المضاف له من غير الذهب الخالص؟ يعطونك معادلة لهذا.

حكم الزكاة في الحلي المُعد للاستعمال

“ولا زكاة في الحلي المباح المُعَدِّ للاستعمال والعاريَّة”.

الحلي المعد للاستعمال محل خلاف بين العلماء؛ هل تجب فيه الزكاة أم لا؟ كالحلي الذي تستعمله النساء للزينة، اختلف الفقهاء فيه على قولين:

  • القول الأول: أنه لا زكاة فيه، وهذا قول أكثر الفقهاء، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو القول الذي قرَّره المصنف رحمه الله.
  • والقول الثاني: أنه تجب فيه الزكاة، وهذا مذهب الحنفية، ومن أوجب فيه الزكاة استدل بأحاديث؛ إما أنها صحيحةٌ غير صريحةٍ، أو أنها صريحةٌ غير صحيحةٍ، كحديث الفَتَخَات من الوَرِق التي في يد عائشة رضي الله عنها، فقال لها النبي : أتؤدين زكاة هذه؟. قالت: لا. قال: هو حسْبُك من النار [6]. هذا ضعيفٌ، لا يصح، كحديث المرأة التي أتت وفي يد ابنتها سواران من ذهبٍ، قال: أيِسُرُّك أن يُسَوِّرك الله بهما سوارين من نارٍ؟. قالت: لا. فألقتهما، وقالت: هما لله ورسوله [7]. كل هذه الأحاديث ضعيفةٌ؛ ولهذا قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيءٌ.

وأما الجمهور القائل بأنه لا تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال، فقالوا: إن قاعدة الشريعة أن ما كان معدًّا للاستعمال لا زكاة فيه، كما قال النبي : ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقةٌ [8]. متفق عليه.

والقول الراجح هو قول الجمهور، وهو أنه لا تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال.

حكم الزكاة في الحلي المُعد للتجارة

أما إذا كان معدًّا للتجارة، فهذا هو الذي تجب فيه الزكاة، لكن المرأة عندها حليٌّ معدٌّ للاستعمال وللزينة هذا لا زكاة فيه، وهكذا أيضًا مما كان معدًّا للعارية أيضًا لا زكاة فيه، ولهذا؛ قال الإمام أحمد: خمسةٌ من أصحاب النبي يرون أن زكاة الحلي عاريته.

يعني: لا يوجبون فيه الزكاة، وهؤلاء الخمسة هم عائشة وجابرٌ وأسماء بنت أبي بكرٍ وعبدالله بن عمر وأنس بن مالكٍ رضي الله تعالى عنهم، ولم يثبت عن غيرهم من الصحابة أنهم أوجبوا الزكاة في الحلي المعد للاستعمال، وإن كان قد رُوي عن غيرهم كابن مسعودٍ لكنه لا يثبت من جهة الإسناد، فإذن القول الراجح: أنه لا تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال، وهكذا أيضًا ما كان معدًّا للعارية.

ما يُباح لِبسه من الفضة للرجال؟

قال: “ويباح للنساء كل ما جرت العادة بلبسه من الذهب والفضة”. وهذا بالإجماع؛ لقول الله : أَوَ مَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف: 18]. فالمرأة من شأنها التزيُّن، فيباح لها الذهب والفضة، وأما الرجال فيباح لهم من الفضة، قال: “ويباح للرجال من الفضة الخاتَم وحِلية السيف والمِنطَقة”.

والمِنطَقة: هي التي يُشَد بها على الوسط، فهذه تباح للرجال، بشرط أن تكون من الفضة.

حكم الزكاة في الحلي المعد للكراء أو الادخار

وأما المعد للكراء أو الادخار يعني: المعد للإيجار أو الادخار، فهذا تجب فيه الزكاة، ولكن هذا محل نظرٍ إذا كان معدًّا للكِرَاء، فالراجح: أنه لا تجب فيه الزكاة.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 الصُّفْر: ضرب من النحاس. “المطلع على ألفاظ المقنع” للبعلي: 169.
^2 رواه البخاري: 2434، ومسلم: 1355، والمنشد: هو المُعرِّف، وأما طالبها فيُقال له: ناشد. شرح النووي على مسلم: 9/ 126.
^3 رواه البخاري: 1454.
^4 الأونصة: هي إحدى وحدات قياس الكتلة.
^5 رواه ابن ماجه: 1791.
^6 رواه أبو داود: 1565.
^7 رواه أبو داود: 1563.
^8 رواه البخاري: 1463، ومسلم: 982.
zh