عناصر المادة
- تتمة باب زكاة السائمة
- باب زكاة الخارج من الأرض
دروسٌ من الحرم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، نسألك اللهم علمًا نافعًا ينفعنا.
تتمة باب زكاة السائمة
كنا قد بدأنا بالأمس بشرح كتاب الزكاة من كتاب العمدة في الفقه للموفق ابن قدامة رحمه الله، وكنا قد وصلنا إلى الحالات التي يجوز فيها إخراج الذَّكَر من بهيمة الأنعام في الزكاة، وذكرنا: أن الأنثى هي المفضلة؛ وذلك لأنها أنفع من الذكر، لكن هناك حالاتٌ يجوز فيها إخراج الذكر من بهيمة الأنعام.
نستمع أولًا لعبارة المؤلف رحمه الله .
القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، وللحاضرين وجميع المسلمين.
قال المصنف رحمه الله : ولا يُخرَج إلا أنثى صحيحةٌ، إلا في الثلاثين من البقر، وابنُ لَبُونٍ مكانَ بنت مخاضٍ إذا علمها، إلا أن تكون ماشيةٌ كلُّها ذكورٌ أو مِرَاضٌ، فيجزئ واحدٌ منها، ولا يُخرَج إلا جذعةٌ من الضأن، أو ثَنِيَّةٌ من الماعز، والسن المنصوص عليها إلا أن يختار رب المال إخراج سنٍّ أعلى من الواجب، أو تكون كلها صغارًا، فيخرج صغيرةً، وإن كان فيها صِحَاحٌ أو مِراضٌ وذكورٌ وإناثٌ وصغارٌ وكبارٌ، أخرَج صحيحةً كبيرةً، قيمتها على قيمة المالَين، فإذا كان فيها بِخَاتٌ وعِرَابٌ وبقرٌ وجواميسُ وماعزٌ وضأنٌ وكِرَامٌ ولِئَامٌ، وسِمَانٌ ومَهَازيلُ، أخذ من أحدهما بقدر قيمة المالَين.
وإن اختلط جماعةٌ بنصابٍ من السائمة حولًا كاملًا، وكان مَرْعاها وفَحْلُها ومَبِيتها ومَحْلبها ومَشْربها واحدًا، فحكم زكاتهم حكم زكاة الواحد، وإذا أخرج الفرض من مال أحدهم، رجع على خلطائه بحصصهم منه، ولا تؤثر الخلطة إلا في السائمة.
الحالات التي يجوز فيها إخراج الذَّكر في الزكاة:
نعود لعبارة المؤلف رحمه الله، قال: “ولا يُخرَج إلا أنثى صحيحةً”.
وذلك؛ لأن الأنثى في بهيمة الأنعام أنفع من الذكر، فالأنثى تحمل وتلد، ولها حليبٌ يستفاد منه، وتنتج بخلاف الذكر، فهي المفضلة عند أرباب المواشي أكثر من الذكر، ولذلك؛ فهي الأصل في إخراجها في زكاة بهيمة الأنعام، لكن يُستثنى من هذا ثلاث مسائل أجاز فيها الفقهاء إخراج الذكر في الزكاة:
- المسألة الأولى: قال: “إلا في الثلاثين من البقر”؛ لأنه قد جاء في حديث معاذٍ ذِكْر التَّبِيع والتبيعة [1].
وقد سبق معنا بالأمس معنى: التَّبِيع والتبيعة، فمن يُبيِّن لنا المعنى؟
نعم، التبيع أو التبيعة هو الذي يتبع أمه في المَرْعى وفي المَسْرَح وفي المُرَاح ونحو ذلك، وهو ما له سنةٌ، في الثلاثين من البقر يجوز أن يُخرِج أنثى تبيعةً، أو ذكرًا تبيعًا، هذه هي الحالة الأولى. - والحال الثانية: ابن لَبُونٍ مكانَ بنت مَخَاضٍ إذا علمه، وأيهما أعلى سنًّا؟ ابن اللَّبُون أو بنت المخاض؟ ابن اللبون، كم له من سنة؟ سنتان، بينما بنت المخاض سنة واحدة، لكن فارق السَّنَة يُعوَّض، فإن بنت اللبون أفضل من ابن اللبون، لكن هناك نرفع السن، فنقول: إذا أردت أن تخرج ابن لبون مكان بنت مخاض جاز ذلك، فهذه الحال الثانية التي يجوز فيها إخراج الذكر مكان الأنثى.
- الحال الثالثة: قال المؤلف: إلا أن تكون ماشيته كلها ذكورًا، فإذا كانت ماشيته كلها ذكورًا جاز إخراج الذكر، كأن يكون ما عنده مثلًا إلا تُيُوسٌ، ما عنده غيرها، فيجوز أن يخرج الزكاة ذكورًا، وذلك؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة، ولا يلزم الإنسان، إذا لم يكن عنده أنثى، أن يذهب ويشتري أنثى، حتى يخرجها في الزكاة، فالزكاة مبناها على المواساة، فإذا لم يكن عنده أنثى، جاز أن يخرجها من الذكور.
فإذنْ: هذه هي الحالات الثلاث التي يجوز فيها إخراج الذكر من بهيمة الأنعام، وإلا فالأصل هو إخراج الأنثى.
حكم الزكاة إذا كانت الماشية كلها مِرَاض
قال: “أو مِرَاضٌ”، فتجزئ واحدة منها كذلك أيضًا، لو افترضنا: أن جميع الأغنام التي عنده مراض، فهل يجب عليه أن يشتري شاةً سليمةً؟ لا يجب؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة، وفي إلزامه بشراء أغنام ليخرجها من الزكاة من غير ماله، فيه حرجٌ عليه وضررٌ، والشريعة مبناها على المواساة، ولهذا؛ أجاز الفقهاء، في مثل هذه الصورة، أن يخرج مريضة من جنس هذه الأغنام المراض.
السن المجزئة في الضأن والمَعز
قال: “ولا يُخرَج إلا جَذَعَةٌ من الضأن، أو ثَنِيَّةٌ من المَعْز”.
لاحظوا أننا في الإبل حدَّدنا السن المجزئة في الإخراج، وقلنا: أقل ما يجزئ إخراجه في زكاة الإبل ما هو؟ من حيث الـسن.
لا، غير الأغنام، في الإبل نفسها بنت مخاض، وهي ما لها سَنَةٌ، وفي البقر أقل سِنٍّ تبيعٌ أو تبيعةٌ، وهو ما له سنةٌ أيضًا، أما الغنم فلم يَرِد في هذا شيءٌ، إلا ما أشار إليه المصنف، من أن أقل ما يُخرَج في الضأن جذعةٌ، وفي المعز ثنيةٌ، والجذعة: هي ما لها سِتَّة أشهرٍ، والثَّنِيَّة: ما لها سنةٌ، وقد جاء هذا في حديثٍ: أن النبي لمَّا أرسل على الصدقة من يَجبيها، وسئل ماذا يؤخذ فيها؟ قال: عَنَاقًا جَذَعَةً أو ثَنِيَّةً [2]. كما في مسند الإمام أحمد وغيره بسندٍ جيدٍ.
قال: “والسن المنصوص عليها”. يعني: لا يُخرج إلا السن المنصوص عليها في الإبل والبقر، وهكذا أيضًا في الغنم، في الإبل عرفنا السن المنصوص عليها، وهي بنت مخاضٍ فما كان أعلى، وفي البقر تَبِيعٌ أو تبيعةٌ وما كان أعلى، وفي الغنم جذعةٌ من الضأن، وثنيةٌ من المعز.
“إلا أن يختار رب المال سنًّا أعلى من الواجب”. يعني: لو أن رب المال اختار ما هو أفضل فلا بأس، وهو مأجورٌ على ذلك -إن شاء الله- “أو تكون كلها صغارًا، فيؤخذ من صغيره”.
حكم الأغنام إذا كانت جميعها أقل من جذعة
نحن قلنا: إن في الأغنام أقل ما يجزئ جذعةٌ، لكن لو كانت جميع الأغنام التي عنده أقل من جذعةٍ، فلا بأس أن يخرجها؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة، ولا يكلَّف الإنسان ويُلزَم بأن يشتري أغنامًا يخرجها في الزكاة.
حكم الزكاة إذا كان في الأنعام صِحاح ومِرَاض وصغار وكبار
“وإن كان فيها صِحاحٌ ومِرَاضٌ، وذكورٌ وإناثٌ، وصغارٌ وكبارٌ، أخرج صحيحةً كبيرةً، قيمته على قدر المال”.
يعني: ماله ينقسم قسمين: صحاحٍ ومراضٍ، وهنا ينظر كم عدد الصحاح، وكم عدد المراض، وكم قيمة المريضة، وكم قيمة السليمة، ثم يخرج قيمة كل منهما بقدر نسبته في الماشية، وهكذا لو كان فيها إناثٌ وذكورٌ، أو كان فيها صغارٌ وكبارٌ، فإنه يخرج واحدةً بقدر المالَيْن بعد تقديرها، يعني: ينظر كم قيمة الصغيرة، وكم قيمة الكبيرة، ثم يخرج قيمة كل منهما بقدر نسبتها في الماشية.
كيفية الزكاة إذا كان في الإبل بِخَات وفي البقر جواميس
“فإن كان فيها بِخَاتًا”. وهي: الإبل غير العربية التي لها سَنَامان، يقال لها: بِخَاتٌ، وعِرَابٌ وهي: الإبل العربية، يعني: عنده إبلٌ غير عربيةٍ، وإبلٌ عربيةٌ، فإنه يسير على نفس القاعدة: يأخذ من أحدهما بقدر المالين، أو كان عنده بقرٌ وجواميس، أو معزٌ وضأنٌ، أو كرامٌ ولئامٌ، اللئام يقابل الكرام، وكرام يعني: نَفِيس المواشي، ولئام يعني: رديء المواشي، أو سمانٌ ومهازيل، فإنه يخرجها من أحدهما بقدر المالين على ما بيَّنَّا.
أحكام الخلطة في بهيمة الأنعام
قال: “وإن اختلط جماعة في نصاب من السائمة حولًا كاملًا”. انتقل المؤلف رحمه الله للكلام عن الخلطة وعن أحكامها، والخلطة تُصيِّر المالَيْن مالًا واحدًا، وهي خاصةٌ بالسائمة من بهيمة الأنعام، وأما غير السائمة من بهيمة الأنعام، فلا تُؤثر فيها الخلطة، فلو كان عندك مئة ألفٍ وخَلَطته بمال أخيك، أو بمال زوجتك مثلًا، منك مئة ألفٍ، ومنه أو منها خمسون ألفًا، فإنها تزكَّى زكاةً على قدر المال، ولا تؤثر الخلطة فيها زيادةً أو نقصًا.
شروط الخُلْطة المؤثرة في زكاة السائمة
وأما السائمة من بهيمة الأنعام فإن الخُلْطة تؤثر فيها، ولهذا؛ قال المصنف: “وإن اختَلَط جماعةٌ في نصابٍ من السائمة حولًا كاملًا”. إذنْ الخُلْطة تؤثر بشروط:
- الشرط الأول: أن تبلغ السائمة من بهيمة الأنعام نصابًا.
- والشرط الثاني: أن تستمر الخلطة حولًا كاملًا.
- والشرط الثالث: قال: “وكان مَرْعاه -وفي بعض النسخ: مرعاها- مرعاه ومَحَلُّه ومَبِيته ومَحْلَبه ومَشْرَبه وفَحْله واحدًا”.
هذه الأمور التي ذكرها المؤلف: مرعاهم ومحلبهم ومبيتهم ومحلهم ومشربهم وفحلهم، ستة أمور، إذا كانت هذه الأمور الستة متوفرةً، فإن الخُلْطة تكون مؤثرةً.
والقول الثاني في المسألة: أن المرجع في الخلطة إلى العرف، فإذا قال الناس: إن ماشية هذين الرجلين مختلطة، فإن الخلطة تؤثر فيها، وإذا قالوا: إنها غير مختلطة، فلا تؤثر، وهذا هو القول الراجح؛ إذ أن تحديد هذه الأمور الستة ليس عليه دليل ظاهر، وما روي في ذلك ضعيف، فإذًا المرجع في تحديد الخلطة إلى العرف من غير تقيد بهذه الأمور الستة التي ذكرها المصنف، إذًا يشترط بتأثير الخلطة في السائمة من بهيمة الأنعام ثلاثة شروط:
- الشرط الأول: أن تبلغ نصابًا.
- الشرط الثاني: أن تستمر الخلطة حولًا كاملًا.
- الشرط الثالث: أن يعتبرها العرف خلطة مؤثرة، فتصير الخلطة المالين مالًا واحدًا “وإذا أخرج الفرض من مال أحدهم رجع إلى خُلَطائه بحِصَصهم”.
مثال ذلك: هذان رجلان لكل منهما عشرون من الغنم، فخَلَطَاه، فأصبح المُرَاح والحَوْش والمرعى والمَحلَب واحدًا، هل فيها زكاةٌ وهي عشرون وعشرون (أربعون)؟ إذنْ فيها زكاةٌ، طيب الساعي عندما يأخذ من الزكاة، هل يأخذ من الأول أو من الثاني؟ نقول: خذ من أحدهما، لكن الذي أَخذتَ منه الشاة يرجع على صاحبه، فينظر كم قيمة الشاة، فإذا قيل: إن قيمة الشاة ألف ريالٍ، فمعنى ذلك: أن الذي أُخِذَت الشاة من نصيبه يرجع على صاحبه بكم؟ بخمسمئة ريالٍ، يقول: أعطني خمسمئة ريالٍ، هذا معنى كلام المؤلف: “رجع على خُلَطَائه بحِصَصهم”.
هل الخلطة تؤثر في غير السائمة؟
فإذنْ: الخلطة تُصَيِّر المالَيْن مالًا واحدًا، ولا تؤثر الخلطة إلا في السائمة، كما بينا، لا تؤثر في عروض التجارة، ولا تؤثر في النقدين، ولا تؤثر في الخارج من الأرض، ولا في غير ذلك، وإنما تؤثر فقط في السائمة من بهيمة الأنعام، وهنا يذكر الفقهاء مسألةً قد ورد النص عليها في كتاب أبي بكر الذي كتبه النبي لأنس ، وهو أنه لا يجوز التفريق بين مجتمع، أو الجمع بين متفرق خشية الزكاة [3]؛ فإن هذا من الحِيَل المحرمة.
مثال التفريق بين مجتمع: هؤلاء ثلاثة رجالٍ، لكلٍّ منهم عشرون من الغنم جمعوها في حوشٍ واحدٍ، ومرعاها واحدٌ، ومحلبها واحدٌ، فستون من الغنم فيها كم؟ فيها شاةٌ واحدةٌ، لو أنهم قبل أن يَقدَم الساعي الذي يأخذ الزكاة قالوا: نُفَرِّقها بيننا، هي الآن مجتمعةٌ في حوشٍ واحدٍ، قالوا: نفرقها فكل واحدٍ يأخذ منها عشرين، حتى إذا أتى الساعي وجدها أقل من النصاب، فلا يأخذ شيئًا. ففرقوها؛ أخذ هذا عشرين، وهذا عشرين، وهذا عشرين، فهذه حيلةٌ لإسقاط الزكاة، وهذا مثالٌ للتفريق بين مجتمعٍ، وهذا محرمٌ، ولا يجوز؛ لأن الحيلة التي يراد منها إسقاط الشيء الواجب محرمةٌ، فهي من الحيل المحرمة.
ومثال الجمع بين متفرقٍ: هؤلاء ثلاثة رجالٍ لكل منهم حوشٌ، وعنده أربعون من الغنم، قالوا: إذا أتى الساعي للزكاة أخذ من كل واحدٍ منا كم؟ شاةً واحدةً، يعني سيأخذ من الثلاثة كم شاةٍ؟ ثلاث شياهٍ؛ لأن هذا عنده أربعون يأخذ شاةً، والثاني أربعون يأخذ شاةً، والثالث أربعون يأخذ شاةً، فقالوا: قبل أن يأتي الساعي نجمعها كلها في حوشٍ واحدٍ؛ ليكون مجموعها كم؟ مئةً وعشرين، والمئة والعشرون مَرَّ معنا في درس الأمس؟ كم فيها؟ شاةٌ واحدةٌ، فقالوا: بدل ما يؤخذ منَّا ثلاث شياهٍ، نجمعها في حوشٍ واحدٍ، حتى يؤخذ منا شاةٌ واحدةٌ فنوفر كم؟ نوفر شاتين، هذا لا يجوز، هذه حيلةٌ محرمةٌ، فهذا مثال للجمع بين متفرقٍ، إذنْ لا يجوز الاحتيال؛ لأجل إسقاط الزكاة، لا يجوز التفريق بين مجتمعٍ، أو الجمع بين متفرقٍ لأجل إسقاط الزكاة، أو فرارًا من الزكاة، هذه أبرز المسائل والأحكام المتعلقة بزكاة بهيمة الأنعام.
باب زكاة الخارج من الأرض
وننتقل بعد ذلك لزكاة الخارج من الأرض، ونبدأ أولًا بالاستماع لعبارة المصنف رحمه الله:
القارئ:
باب زكاة الخارج من الأرض
وهو نوعان:
أحدهما: النبات، فتجب الزكاة منه في كل حَبٍّ وثمرٍ يُكَال ويُدَّخر، إذا خرج من أرضه، وبلغ خمسة أوسقٍ؛ لقول رسول الله : ليس في حَبٍّ ولا ثَمَرٍ صدقةٌ حتى يبلغ خمسة أوسقٍ [4].
والوَسْق: ستون صاعًا، والصاع: رِطْلٌ بالدمشقي، وأوقيةٌ وخَمْس أسباع الأوقية، فجميع النصاب ما قام بثلاثمئةٍ واثنين وأربعين رِطْلًا وستةِ أسباعِ رطلٍ.
ويجب العُشر فيما سُقي من السماء والسُّيُوح، ونصف العشر فيما سقي بكُلْفةٍ؛ كالدَّوَالي والنَّوَاضح، وإذا بدا الصلاح في الثمار، واشتد الحب، وجبت الزكاة، ولا يُخرَج الحَبُّ إلا مُصَفًّى، ولا الثمر إلا يابسًا، ولا زكاة فيما يكتسبه من مباح الحب والثمر، ولا في اللَّقَاط [5]، ولا فيما يأخذه أجرةً لحصاده.
ولا يُضَم صنف من الحب والثمر إلى غيره في تكميل النصاب، فإن كان صنفًا واحدًا مختلف الأنواع كالتمور، ففيها الزكاة، ويُخرَج من كل نوعٍ زكاته، وإذا أَخرَج جيدًا عن الرديء جاز، وله أجره.
الشرح:
زكاة الحبوب والثمار، أو زكاة الخارج من الأرض.
أنواع زكاة الخارج من الأرض
زكاة الخارج من الأرض، هنا المصنف عَمَّمها؛ ليشمل الحبوب والثمار، ويشمل كذلك المعادن، ولهذا؛ جعلها نوعين:
- النوع الأول: النبات.
- والثاني: المعادن.
قال: “وهو نوعان: أحدهما: النَّبَات”؛ لقول الله : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام: 141].
ضابط ما تجب فيه الزكاة من النبات
طيب، ما هو ضابط ما تجب فيه الزكاة في النبات؟ الضابط أشار إليه المصنف فقال: “فتجب الزكاة منه في كل حبٍّ وثمرٍ يكال ويدخر”. إذنْ تجب الزكاة في الحبوب كلها، وفيما يكال ويدخر من الثمار، هذا هو الضابط فيما تجب فيه الزكاة من النبات، إذنْ مرةً أخرى، الضابط فيما تجب فيه الزكاة من النبات: هو أن الزكاة تجب في جميع الحبوب، وفيما يكال ويدخر من الثمار، هذا هو الضابط إجمالًا، وسوف نوضحه:
أما بالنسبة للحبوب: فالأصل في الحبوب كلها أنها مكيلة، فتجب فيها الزكاة، وكذلك أيضًا، ما يكال ويدخر من الثمار، يكال أي يكون مما يكال، لا مما يوزن، أو يعد أو يُذرع.
ويُدَّخَر، أي: يبقى مدة طويلة فلا يَفسُد، ويمكن أن يَيْبَس ويُستفادَ منه، مثل: البُرِّ والشعير والذرة والأُرْز والتمر والزبيب ونحو ذلك، هذه تجب فيها الزكاة.
ويدل لهذا الاشتراط وهو الكيل، قول النبي : ليس فيما دون خمسة أَوسُقٍ صدقةٌ [6]. متفق عليه.
قوله: خمسة أوسقٍ جمع وَسْقٍ، والوَسْق: ستون صاعًا، وهذا يدل على اعتبار التوسيق، واعتبار الكيل، فإنه ما ذكر الوسق هنا إلا لمعنًى، والمعنى: هو الإشارة إلى أن الزكاة لا تجب إلا فيما يكون فيه التوسيق، وهو الكيل.
قال: “إذا خرج من أرضه”. يعني: لا بد أن تَخرج هذه الحبوب، أو ما يكال ويدخر من الثمار من أرضه التي يملكها أو المستأجر لها، وأما إذا مثلًا وهب له الثمر بعد بُدُوِّ صلاحه، أو اشتراه بعد بدو صلاحه، فالزكاة تجب على الواهب، أو على البائع؛ لأن الزكاة تجب على المالك لهذه الحبوب أو الثمار وقت وجوب الزكاة.
النصاب في الحبوب والثمار
قال: “وبلغ خمسة أوسق”. أي: بلغ نصابًا، والنصاب في الحبوب والثمار: هو خمسة أوسقٍ؛ للحديث السابق الذي ذكرناه: ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقةٌ يعني: زكاةٌ، وذكره المصنف، ولقول رسول الله : ليس في حَبٍّ ولا تمرٍ صدقةٌ حتى يبلغ خمسة أوسقٍ [7]. رواه مسلم، وأصله في “الصحيحين”.
ما معنى: خمسة أوسق؟ خمسة أوسق جمع وَسْقٍ، ما هو الوسق؟
قال المصنف: “والوَسْق ستون صاعًا”. يعني: بصاع النبي .
طيب، ما هو الصاع؟
قال: “والصاع: رِطْلٌ بالدِّمَشْقِيِّ وأوقية وخمسة أسباع أوقية، فجميع النصاب: ما قارَب ثلاثمئةٍ واثنين وأربعين رطلًا وستة أسباع الرِّطْل”.
مقدار نصاب الحبوب والثمار بالكيلو جرام
والمصنف يتكلم عن الحسابات الموجودة في زمنه، ومؤلف “العمدة في الفقه” من هو؟ ابن قدامة، توفي سنة (620 هـ)، هو يتكلم عن أقيسةٍ ومقاييس موجودةٍ في زمنه، ونحتاج نحن الآن أن نذكر المقاييس في عصرنا الحاضر، والناس الآن يستخدمون في قياس الحبوب والثمار ماذا؟ (الكيلو جرام)، فنحتاج إذنْ إلى أن نعرف مقدار نصاب الحبوب بالكيلو جرامات، وهذه المقادير التي ذكرها المصنف تعادل من (الكيلو جرامات) الحديثة: (612 كيلو جرامًا)، النصاب الذي هو خمسة أوسقٍ، والوسق ستون صاعًا فتكون الآصاع كم؟ إذا كانت خمسةً، والوسق ستون صاعًا، خمسةٌ في ستين كم؟ ثلاثمئة صاعٍ، تعادل تقريبًا (612 كيلو جرامًا)، فمن كان عنده مثلًا (612 كيلو جرامًا) من التمر، فأكثر تجب عليه الزكاة، من كان عنده (612 كيلو جرامًا) من البُرِّ مثلًا، أو من الأُرْز أو الزبيب، ونحو ذلك، فتجب فيه الزكاة.
قال: ويجب العُشر فيما سُقيَ من السماء والسُّيُوح.
مقدار الزكاة فيما سقي من السماء والأنهار ونحوها
بيَّن المؤلف بعد ذلك مقدار الزكاة في الحبوب والثمار، ومقدار الزكاة يختلف بحسَب طريقة سَقْي الحبوب والثمار؛ فإن كان سقيها بلا تعب ولا كُلْفةٍ ففيها العُشر، يعني (10%)، وإن كان سقيها فيه تعب وكلفة ففيها نصف العشر، أي (5%).
ولهذا؛ قال المصنف رحمه الله: “ويجب العشر فيما سُقي من السماء”. يعني بمياه الأمطار والسيوح ونحوها.
والسُّيُوح: هو الماء الجاري الذي يسيح على الأرض، ومثل ذلك أيضًا: الأشجار التي تَشرب من الماء بعروقها، فهذه ليس فيها كلفة في سقيها، فيجب فيها العُشر كاملًا، يعني (10%)؛ لقول النبي : فيما سَقَتِ السماء أو كان عَثَريًّا العُشر [8].
والعَثَرِيُّ: هو الذي يَشرب بعروقه، العشر، وفيما سقي بالنَّضْح نصف العشر.
مقدار الزكاة فيما سقي بكلفة
قال: “ونصف العشر فيما سُقيَ بكلفة، كالدَّوَالي”.
ما سقي بكلفة ومؤونة، وذكر المصنف أمثلةً لِمَا هو موجودٌ في زمنه، وسنذكر أمثلةً معاصرةً، فالأمثلة التي ذكرها المصنف لما هو موجود في زمنه.
قال: “كالدوالي”. وهي الدُّولاب التي تديرها البقر أو الإبل، فهذه كانوا قديمًا يستخدمونها في رفع الماء من الآبار.
“والنواضح”: وهي الحيوانات التي يُستقَى بها الماء على الآبار أو الأنهار، فهذه أمثلة للكلفة الموجودة في سُقْيَا الحبوب والثمار في زمن المصنف.
وفي وقتنا الحاضر لو أردنا أن نأخذ أمثلة لطريق السُّقيا التي فيها كلفة في وقتنا الحاضر، مثل ماذا؟ مثل الماكينة، على اختلاف أنواع المكائن الرافعة للماء، والأَرْتُوَاز، وهو من الماكينة، وبعضها قد تكون بالكهرباء، وبعضها قد تكون بالدِّيزِل، وبعضها ربما تكون بأنواع من النِّفْط، فهذه فيها كلفة، وليس المقصود بالكلفة التعب البدني الذي يجده الإنسان، بل يشمل التعب البدني، ويشمل كذلك الكلفة المالية، فإن الكلفة المالية تعتبر كلفةً معتبرةً شرعًا، ولذلك؛ ما كان في سقيه كلفةٌ بدنيةٌ أو ماليةٌ، فيخفف على مالك الحب والثمر في إخراج الزكاة، فيجب عليه نصف العشر بدلًا من العشر، نصف العشر، يعني (5%) وأكثر الحبوب والثمار الآن تسقى بكلفة، يعني أكثر الحبوب والثمار الآن في بلدان العالم الإسلامي تسقى بكلفة، فهذه فيها نصف العشر، يعني (5%)، لكن لو قُدِّر أن أحدًا مزرعته قريبةٌ مثلًا من نهرٍ، أو أنها تَشرب من مياه الأمطار والسيول، وليس هناك كلفةٌ في سقيها ففيها العشر.
إذنْ: زكاة الحبوب والثمار إما أن تكون العشر فيما سُقي بغير كلفةٍ ولا مؤونةٍ، أو تكون نصف العشر يعني (5%)، فيما سُقي بكلفةٍ ومؤونةٍ.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 1576، والترمذي: 623، وقال: حسنٌ، وابن ماجه: 1803. |
---|---|
^2 | رواه أبو داود: 1581، وأحمد: 15426. |
^3 | رواه البخاري: 1450. |
^4 | رواه أحمد: 11697. |
^5 | اللَّقَاط: السنبل الذي تُخطئه المناجل يلتقطه الناس. تاج العروس: 10/ 400 (لقط). |
^6 | رواه البخاري: 1447، ومسلم: 979. |
^7 | رواه مسلم: 979. |
^8 | رواه البخاري: 1483. |