عناصر المادة
دروس من الحرم.
الأموال التي تجب فيها الزكاة
قال: “ولا تجب الزكاة إلا في أربعة أنواع”.
انتقل المؤلف للكلام عن الأموال التي تجب فيها الزكاة.
الأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة أصناف، أو أربعة أنواع، ذكرها المؤلف إجمالًا، ثم تكلم عنها تفصيلًا:
- السائمة من بهيمة الأنعام.
- والخارج من الأرض.
- والأثمان.
- وعروض التجارة.
هذه هي الأموال التي تجب فيها الزكاة، وما عداها لا تجب فيها الزكاة.
السائمة من بهيمة الأنعام، يعني: التي ترعى العشب أكثر السنة.
والخارج من الأرض من الحبوب والثمار والأثمان.
والذهب والفضة، وما كان في معناه؛ مثل: الأوراق النقدية.
وعروض التجارة.
وما عداها لا زكاة فيها.
فلا زكاة فيما يستعمله الإنسان؛ من سيارةٍ، ومن أثاثٍ، ومن أوانٍ، هذه لا زكاة فيها، لا زكاة كذلك في البيت الذي يسكن فيه الإنسان، ولهذا؛ قال النبي : ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقةٌ [1]. متفق عليه.
ولا زكاة كذلك في أصول العقارات المؤجَّرة، إذا كان عندك عِمارة تؤجرها، لا زكاة في أصلها؛ وإنما الزكاة في رِيعها، إذا حال عليها الحول، وهكذا لو كان عندك مصنع، لا زكاة في آلات المصنع؛ وإنما الزكاة في ريعه، إذا حال عليه الحول،.. وهكذا، وسيأتي مزيد إيضاح وبيان.
شرط النِّصاب للزكاة
قال: “ولا زكاة في شيءٍ من ذلك” –يعني: الأنواع الأربعة السابقة- “حتى يبلغ نصابًا”.
وهذا -كما أشرنا إليه- بالإجماع.
“ويجب فيما زاد عن النصاب بحسابه، إلا السائمة من بهيمة الأنعام فلا شيء في أوقاصها”.
أولًا: ما معنى أوقاصها؟ نريد أن نفهم العبارات التي تحتاج إلى توضيح.
معنى الأوقاص
“فلا شيء في أوقاصها” الوَقَصُ: هو ما بين النِّصابين، فمثلًا: في خمس وعشرين من الإبل: بنت مَخَاضٍ، وفي ست وثلاثين: بنت لَبُونٍ، وما بينهما: لا زكاة فيه، وهذا هو الوَقَص، في خمس وعشرين: بنت مخاض، ست وعشرين بنت مخاض، سبع وعشرين بنت مخاض، ثمانية وعشرين بنت مخاض، تسعة وعشرين بنت مخاض، ثلاثين بنت مخاض، واحد وثلاثين بنت مخاض، اثنين وثلاثين بنت مخاض، ثلاثة وثلاثين بنت مخاض، أربعة وثلاثين بنت مخاض، خمسة وثلاثين بنت مخاض، ست وثلاثين بنت لبون.
لاحظ هذه التي ما بين خمس وعشرين إلى ست وثلاثين، ما فيها زكاة، مع أن فيها زيادة، لكن لا زكاة فيها، هذا يسميه الفقهاء: الوَقَص، وهذا معنى قوله: “إلا السائمة من بهيمة الأنعام، فلا شيء في أوقاصها”. بينما بقية الأموال تزيد الزكاة بزيادة مقدارها، ولهذا؛ قال المصنف: “ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه”.
فالحبوب والثمار مثلًا: إذا زادت على النصاب تجب فيها الزكاة، كلما زادت كانت الزكاة أكثر، وهكذا الذهب والفضة والأوراق النقدية، كلما زاد عدد النصاب كلما كان مقدار الزكاة أكثر، أي: أنه -باختصار- الوقص خاص ببهيمة الأنعام، وليس في غيرها من الأموال الوقص، الذي هو الزيادة بين الرقمين التي لا زكاة فيها، فهذا خاص ببهيمة الأنعام، ولا يوجد في غير بهيمة الأنعام من الأموال.
بعد ذلك ابتدأ المؤلف الكلام عن هذه الأموال الأربعة، وعن أحكامها بالتفصيل، ولعلنا نأخذ ما تيسر من أحكام زكاة السائمة، وبين الأذان والإقامة نجيب عما تيسر من الأسئلة.
باب زكاة السائمة
قال: “باب زكاة السائمة وهي الراعية”.
تعريف السائمة
فعرف المصنف رحمه الله السائمة بالراعية، لكن الراعية ماذا؟ الراعية من العشب والكلأ الذي لم يزرعه الإنسان، أكثر الحول، أكثر السنة، فهذه هي التي تجب فيها الزكاة، مثال ذلك: رجل له أغنام أو إبل، تركها ترعى في البَرِّ من العشب والكلأ، ولم يعلفها من نفسه، وإنما تعلف مما أنبته الله من العشب والكلأ، فهذه هي التي تجب فيها الزكاة، وأما المعلوفة التي يَشتري لها العلف أو يعلفها من مزرعته، فهذه لا زكاة فيها، وهذا ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ من المالكية والشافعية والحنابلة؛ لقول النبي في كتاب أبي بكر الذي كتبه لأنس في الصدقات، قال: هذه هي فريضة رسول الله ، قال: وفي صدقة الغنم في سائمتها [2]. وهذا في “صحيح البخاري”.
وفي حديث بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده: أن النبي قال: في كلِّ سائمةِ إبلٍ.. [3]. وذكر بعد ذلك مقاديرها، فالزكاة إذنْ لا تجب إلا في السائمة، وأما المعلوفة فلا زكاة فيها، خلافًا للحنفية الذين أوجبوا فيها الزكاة، لكن قولهم مرجوح؛ لأن النص ظاهر وصريح؛ لأن الزكاة إنما تجب في السائمة من بهيمة الأنعام دون غيرها، إلا في حالة واحدة تجب فيها الزكاة في بهيمة الأنعام المعلوفة، ما هي هذه الحالة؟
أحسنت، إذا أعدها للتجارة، إذا أعد بهيمة الأنعام للتجارة فتجب فيها الزكاة؛ لأنها تصبح حينئذٍ عُرُوضَ تجارة، وتجب فيها زكاة عروض التجارة، التي هي ربع العشر، وأما إذا لم يُعِدَّها للتجارة؛ وإنما أعدَّها للدَّرِّ والنَّسْل والتسمين، فلا تجب الزكاة فيها إلا إذا كانت سائمة.
أنواع السائمة التي تجب فيها الزكاة
-
النوع الأول: الإبل
قال: “وهي ثلاثة أنواع: أحدها: الإبل”.
الإبل من أنفَس الأموال عند العرب، كانوا يتفاخرون بها، ويعتنون بها عنايةً كبيرةً، لهذا؛ قال الله : أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17]، يعني: هذه التي تهتمون بها، وتركبونها، وتشربون من ألبانها، وتأكلون لحومها، كيف لا تتفكرون في عظيم خلقها؟ ومع ضخامة خلقها وعظمته إلا أن الله ذَلَّلها لبني آدم، ذللها وبقية بهيمة الأنعام، فأصبح الطفل الصغير يجر الجمل الكبير، سبحان الله! طفل صغير عمره سبع سنوات يجر هذا الجمل الضخم الكبير، ولولا أن الله ذَلَّلَه لَمَا استطاع أقوى الرجال السيطرة عليه، أرأيت العقرب، هل يستطيع الناس التحكم فيها؟ والثعبان هل يستطيعون التحكم فيه؟ بل حتى البَعُوض؛ لماذا؟ لأنها لم تذلل لبني آدم، حتى الحيوانات والسباع الضارية؛ الأسد والنمر والضباع، هذه تجد أن الإنسان لا يتحكم فيها، بينما الجمل والإبل والبقر والغنم مذللة لبني آدم، يتحكم الطفل الصغير في هذا الجمل الكبير، أو في هذا الخروف الضخم، أو في هذه البقرة الكبيرة، لماذا؟ لأن الله ذللها لهم، وهذا من رحمته سبحانه بعباده؛ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ [يس:72]، فهذا التذليل من رحمة الله ببني آدم، وإلا لو أنها لم تذلل لما استطاعوا قربها، فضلًا عن الركوب عليها، وعن الانتفاع بألبانها وأكل لحمها، لكن هذا من رحمة الله بعباده؛ أن ذَلَّل لبني آدم عمومًا هذه الحيوانات الكبيرة الضخمة.
نصاب زكاة الإبل
قال: “الإبل، ولا شيء فيها حتى تبلغ خمسًا”.
فأفادنا المصنف بأن نصاب زكاة الإبل كم؟ خمس، فعلى هذا: لا زكاة في الواحدة من الإبل، ولا في الثنتين من الإبل، ولا في الثلاث من الإبل، ولا في الأربع من الإبل، فإذا بلغت خمسًا، قال: فيجب فيها شاة.
وهناك حالة واحدة قد تجب فيها الزكاة في الواحدة من الإبل، أو في الاثنتين، أو الثلاث، أو في الأربع، ما هي؟
نعم، أحسنت، إذا كانت عُروض تجارة، قد تجب في الجَمَل الواحد إذا عاملناه كعروض تجارة، يبيع ويشتري فيها، تجب الزكاة فيها، حتى لو كانت أقل من خمس.
قال: “وفي عشر شاتان”.
ومقادير الزكاة -أيها الإخوة- قد وردت منصوصًا عليها، فلا مجال فيها للاجتهاد، ولذلك؛ الخلاف فيها قليل، وردت في كتاب أبي بكر الذي كتبه لأنس وهو في “صحيح البخاري”، وقال: هذه فريضة رسول الله [4]. وأصح ما ورد فيها، ووردت أيضًا في أحاديث أخرى، فهي منصوص عليها، ولذلك؛ الخلاف فيها قليل.
إذنْ: في عشرة من الإبل: شاتان، وفي خمسة عشرة، قال: ثلاث شِيَاهٍ. وفي عشرين أربع شياه.
إذنْ: في خمس: شاه، في عشر: شاتان، في خمس عشرة: ثلاث شياه، في عشرين: أربع شياه، إلى خمس وعشرين ففيها: بنت مَخَاضٍ، إذا بلغت الإبل خمسًا وعشرين ففيها: بنت مخاض، ما معنى بنت مخاض؟
معنى بنت مخاض
قال: “وهي بنت سَنَةٍ”. مَخَاض: من الماخِض والمَخَض، والماخِض: الحامل، فبنت مخاض يعني: بنت الناقة التي قد حملت، يعني: وضعت هذه البنت، ثم حملت، وهي ما تم لها سنة، ما لها سنة، طبعًا حملت في الغالب، وإلا فقد لا تحمل.
إذنْ: في خمس وعشرين من الإبل: بنت مخاض: وهي ما لها سنة.
“فإن لم تكن عندهم”.
معنى ابن لبون
يعني: إن لم يوجد عند صاحب الإبل بنت مخاضٍ فابن لَبُونٍ، أن يخرجوا بدلًا عن بنت مخاضٍ ابن لبونٍ، وهو ابن سنتين.
طيب، في بهيمة الأنعام أيهما أفضل؛ الذكر أم الأنثى؟ الأنثى أفضل من الذكر، الناس بطبيعتهم في بهيمة الأنعام يفضلون الأنثى على الذكر؛ لأنها أكثر نفعًا، وأكثر نتاجًا، وفي بني آدم: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران:36]، الآن أيهما المفضل وأيهما المفضل عليه؟ ما قال: وليست الأنثى كالذكر، قال: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران:36]، لكن لو كان المقصود تفضيل الذكر على الأنثى لقالوا: وليست الأنثى كالذكر، لكن الآية: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى، فقيل: المقصود أنها أنثى عظيمة، هذه أنثى ليست كسائر الإناث، التي هي مريم عليها السلام، الناس يعني بطبيعتهم يفضلون الذكر على الأنثى، لكن قد تكون الأنثى أكثر صلاحًا وبرًّا وصلةً، ولا يدري الإنسان أين يكون الخير؟ فالتضايق من الأنثى من أخلاق الجاهلية التي أبطلها الإسلام؛ فكم مِن أنثى أفضل من العديد من الرجال، أين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وخديجة أمهات المؤمنين، وامرأة فرعون، ومريم عليها السلام، ثم أفضل من العديد والعديد من الرجال، لكن في بهيمة الأنعام الأنثى أفضل من الذكر.
إذنْ نقول: الواجب في خمس وعشرين بنت مَخَاضٍ، فإن لم تكن عنده، فابن لَبُونٍ، إلى ست وثلاثين، فيجب فيها بنت لبون، وبنت لبونٍ ما لها سنتان، وسميت بنت لبونٍ؛ لأن أمها ذات لَبَنٍ في الغالب.
ما بين خمس وعشرين إلى ست وثلاثين، ماذا نسميه؟
الوَقَص، أحسنت، هذا لا زكاة فيه، في خمس وعشرين بنت مخاض، ست وعشرين بنت مخاض، في سبع وعشرين بنت مخاض، إلى خمس وثلاثين بنت مخاض، حتى تصل إلى ست وثلاثين، ففيها بنت لبون، إلى ست وأربعين، يعني ما بين ست وثلاثين أيضًا إلى خمس وأربعين، ما فيها شيء، وهذا هو الوَقَص، فإذا بلغ ستًّا وأربعين فيجب فيها حِقَّةٌ، لها ثلاث سنين.
معنى الحِقَّة
أفادنا المؤلف بأن الحِقَّة: هي ما تم لها ثلاث سنين، وسميت حِقَّةً؛ لأنها استحقَّتِ الركوب عليها، وأن يَطرُقها الفَحْل.
معنى الجَذَعَة
إلى إحدى وستين، فيجب فيها جَذَعَةٌ، لها أربع سنين، فالجَذَعَة: ما تم لها أربع سنين، وسميت جذعة؛ لأنها تَجْذَع، إذا سقط سنها، إلى ست وسبعين، ففيها بنتا لبون، يعني: بنتين، بنتا لبون.
طيب، سبعون من الإبل كم فيها؟ ستة وسبعون: بنتا لبون، لكن سبعون؟ كونوا معنا يا إخوان، إحدى وستين كم فيها؟ إحدى وستين: جذعة، طيب ست وسبعون: بنتا لبون، طيب سبعون: جذعة؛ لأن إحدى وستين، واثنتين وستين: ثلاثة، وستين إلى خمسة وسبعين: جذعة، حتى تصل إلى ست وسبعين، ففيها: بنتا لبون، إلى إحدى وتسعين، ففيها: حقتان، إلى عشرين ومئة، وهذه الأرقام تحفظ؛ لأنها ليست مبنية على أمر عقلي، حتى تضع له قاعدة، وإنما ورد بها النص هكذا، فنعيد هذه الأرقام مرة أخرى:
خمس من الإبل فيها؟ شاة، عشر: شاتان، خمس عشرة: ثلاث شياه، عشرون: أربع شياه، خمس وعشرون: بنت مخاض، ست وثلاثون: بنت لبون، ست وأربعون: حقة، إحدى وستون: جذعة، ست وسبعون: بنتا لبون، إحدى وتسعون: حقتان، ومن لم يحفظها يضعها في جدول، ويكررها حتى يحفظها.
قال: “فإذا زادت واحدة فبلغت مئة وإحدى وعشرين، ففيها: ثلاث بنات لبون”. ثم بعد ذلك تستقر الفريضة.
قال: ثم في كل خمسين: حِقَّةٌ، وفي كل أربعين: بنت لبونٍ”.
طيب، نحن وصلنا إلى مئة وثلاثين، مئة وثلاثين فيها كم؟ ثلاث بنات لبون، أحسنت، طيب، إذا وصلت إلى مئة وإحدى وعشرين، قلنا: فيها ثلاث بنات لبون، ثم بعد مئة وإحدى وعشرين تستقر الفريضة: في كل خمسين: حِقَّةٌ، وفي كل أربعين: بنت لبون، فعلى ذلك: في مئة وثلاثين: حقة وبنتا لبون؛ حقة عن خمسين، وبنتا لبون عن أربعين.
وأربعون كم؟ نعم، قلنا: في كل خمسين: حقةٌ، وفي كل أربعين: بنت لبونٍ، أربعون وأربعون كم؟ ثمانون، زائد خمسين، مئة وثلاثين، إذنْ: في مئة وثلاثين: حقةٌ، وبنتا لبونٍ، طيب مئة وأربعين؟
أحسنت، حقتان وبنت لبون؛ حقتان خمسين وخمسين، وبنت لبون أربعين.
طيب مئة وخمسين؟ ثلاث حِقَاقٍ؛ خمسين وخمسين وخمسين، طيب مئة وستين؟
أربع بنات لبون.
أحسنت أربع بنات لبون، أربعين وأربعين وأربعين وأربعين، طيب مئة وسبعين؟
حقة وثلاث بنات لبون.
أحسنت، مئة وثمانين: حقتان وبنتا لبونٍ؛ حقتان خمسين وخمسين، وبنتا لبونٍ أربعين وأربعين، طيب مئة وتسعين؟
ثلاث حقاق وبنت لبون، طيب مئتين؟ واحد يُجيب.
نعم، أربع حقاق؛ خمسين وخمسين وخمسين وخمسين، أو خمس بنات لبون، وهكذا، هذه هي القاعدة، ولهذا؛ قال المصنف: إلى مئتين، فيجتمع الفرضان؛ إن شاء أخرج أربع حقاق، وإن شاء خمس بنات لبون.
حكم من وجبت عليه سِنٌّ فلم يجدها
ثم ذكر المصف تفريعات على هذه الأعداد، قال: “ومن وجَبَت عليه سِنٌّ فلم يَجِدها أخرج أدنى منها، ومعها شاتان، أو عشرون درهمًا”.
يعني: هذا رجل وجب عليه بنت لبون، ولم يجد، قال: أنا ما عندي بنت لبونٍ، عندي بنت مخاضٍ، نقول: أخرجها، وادفع معها شاتين أو عشرين درهمًا، وهذا قد ورد منصوصًا عليه بكتاب أبي بكر، لكن العشرين درهمًا هذه كانت هي قيمة الشاتين في عهد النبي ، أما في وقتنا الحاضر هل نقول: عشرين درهمًا؟ لا، نقول: يدفع شاتين، أو ما يعادل قيمة الشاتين. يعني: قيمة الشاتين عندنا كم الآن؟ كم بالريال؟ الشاتين كم الثنتين؟ ألفان تقريبًا، قد تزيد وقد تنقص، لكن نأخذ المتوسط، يرجع في هذا لأهل الخبرة.
قال: “وإن شاء”. يعني: إن لم يجد السن أخرج أعلى منها، وأخذ شاتين وعشرين درهمًا، يعني: مثلًا في مثالنا السابق، وجب عليه بنت لبون، فقال: ما عندنا بنت لبون، عندي حقة، نقول: أعطنا حقة، ونعطيك شاتين، أو ما يعادل قيمة الشاتين، وهذا هو الجُبْرَان في زكاة الإبل، وهذا الجبران إنما يكون في زكاة الإبل خاصة، دون البقر والغنم.
هذه هي إذنْ خلاصة الكلام عن زكاة الإبل، هذا إذا كانت الإبل معَدَّة للدَّرِّ والنَّسْل والتسمين، وأما إذا كانت معدة للتجارة، فتزكَّى زكاة عُروض التجارة.
إذن نخلُص من هذا إلى أن الإبل تكون على ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: أن تكون معَدَّةً للتجارة، فهذه تزكى زكاة عُروض التجارة.
- القسم الثاني: أن تكون معدة للدَّرِّ والنَّسْل والتسمين، لكنها معلوفة، يَشترِي صاحبها لها العلف مثلًا، فهذه لا زكاة فيها.
- القسم الثالث: أن تكون معدة للدَّرِّ والنَّسْل والتسمين، وسائمةٌ ترعى العشب والكلأ أكثر السنة، فهذه تجب فيها الزكاة على المقادير التي بيَّنَّا.
-
النوع الثاني: البقر
النوع الثاني: قال: “البقر، فلا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين”.
نصاب زكاة البقر
فأفادنا المصنف: أن نصاب الزكاة في البقر كم؟ ثلاثون، طيب، أقل من الثلاثين من البقر هل فيها زكاة؟ ليس فيها زكاة، إلا ماذا؟ أن ينوي بها عُروض التجارة، فتزكَّى زكاة عروض التجارة، فيجب فيها تَبِيعٌ أو تبيعةٌ لها سَنَةٌ.
معنى التَّبِيع
والتَّبِيع: هو ما له سَنَةٌ من البقر، وسمي تبيعًا؛ لأنه يتْبَع أمَّه في المُرَاح [5]، وفي المَسْرَح [6] في الغالب، وهنا يستوي الذكر والأنثى؛ لأنه هكذا ورد بها النص.
معنى المُسِنَّة
إلى أربعين ففيها: مُسِنَّةٌ، والمسنة: ما لها سَنَتَان، هي التي لها سنتان، إلى ستين ففيها: تَبِيعَان، أو تبيعتان، إلى سبعين: ففيها تبيع ومسنة، ثم بعد ذلك تستقر الفريضة في كل ثلاثين: تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين: مسنة، فمثلًا تسعين من البقر كم فيها؟ ثلاثة أتْبِعَة، في ثمانين: مسنتان، في مئة من البقر: تبيعان ومسنة؛ تبيعان ثلاثين ثلاثين، ومسنة أربعين، وهكذا لتكون على هذه القاعدة، وكما ذكرنا هذه الأرقام تحفظ لا مجال للاجتهاد فيها.
-
النوع الثالث: الغنم
النوع الثالث: قال: “الغنم، فلا شيء فيها حتى تبلغ أربعين”.
نصاب زكاة الغنم
فأربعون هو نصاب الغنم، فإذا كانت الغنم أقل من أربعين فلا زكاة فيها، إلا في حالة واحدة، وهي إذا نوى بها التجارة، فتزكَّى زكاة عُروض التجارة.
طيب، نصاب الغنم: أربعون، فيها: شاة واحدة، قال: “ففيها شاة، إلى عشرين ومئة، فإذا زادت” يعني: بلغت مئة وإحدى وعشرين “ففيها: شاتان، إلى مئتين، فإذا زادت واحدةً ففيها: ثلاث شياهٍ”.
طيب مئتان من الغنم كم فيها؟ مئتان: شاتان أو ثلاث شياهٍ؟ المتابع معنا يجيب، شاتان؟ ما تكون ثلاث شياهٍ، إلا إذا زادت واحدة، فأصبحت مئتين وواحدة، مئة من الغنم كم فيها؟ شاةٌ واحدةٌ.
طيب، ثم تستقر الفريضة في كل مئةٍ: شاةٌ، ففي ثلاثمئة من الغنم كم؟ ثلاث شِيَاهٍ، أربعمئة: أربع شياه، سَبعمئة: سبع شياهٍ، ألفٌ: عَشْر شياهٍ، وهكذا، طيب إذن هذه هي زكاة الأبل والبقر والغنم.
صفات ما يُخرج للزكاة
قال: “ولا يؤخذ في الصدقة تَيْسٌ”.
يعني: ذكر؛ لأن الأنثى أفضل من الذكر في بهيمة الأنعام، فلا يؤخذ إذنْ تيسٌ، ولا ذات عَوَرٍ؛ لأن العور في بهيمة الأنعام عيب، ولهذا؛ لا تجزئ في الأضحية، ولا في الهَدْي، ولا حتى في العقيقة؛ العوراء البين عَوَرها.
فالعمياء هل تجزئ في الأضحية؟ من باب أولى أنها لا تجزئ، ولا هَرِمَةٌ: وهي الكبيرة التي سقطت أسنانها؛ لأنها مَعِيبةٌ؛ لأن الهَرَم فيها يعتبر عيبًا.
وهذه الثلاثة التي ذكرها المؤلف، هي من أمثلة للرديء من المال، والله يقول: وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [البقرة:267]، وَلَا تَيَمَّمُوا يعني: لا تقصدوا الخبيث، يعني: الرَّدِيء من المال.
وعلى هذا فلا يجوز أن يدفع في الزكاة الرديء من المال، وإنما الواجب الوسط، وأما خيار المال فمستحب.
فعندنا المال ينقسم لثلاثة أقسام:
- خيار المال، وهو نَفِيسُه.
- ورديء المال.
- ووسَطه.
فخيار المال لا يجب؛ وإنما يستحب، ورديء المال لا يجوز، والوسَط هو الواجب.
قال: “ولا الرُّبَى”. لمَّا بين المؤلف أنه لا يجوز أخذ الرديء من المال، انتقل لبيان أنه لا يجب أخذ النَّفِيس من المال، إلا بإذن المالك، فالرُّبَى: هي البهيمة التي فيها لبن، لا تؤخذ أيضًا، إلا أن يأذن مالكها، ولا الماخِض، يعني: التي قربت ولادتها، أي تكون ثمينة ونفيسة، ولا الأكولة، الأكولة: السمينة، فالسِّمَن في بهيمة الأنعام يعتبرونه مطلبًا، ترتفع قيمة البهائم السِّمَان، والأكولة يعني: كثرة الأكل سبب للسِّمَن لبهيمة الأنعام، والدليل على ذلك أي أنه لا يجب دفع النفيس من المال، ولا يجوز أخذ إلا بإذن من مالكه: قول النبي لمعاذ حين بعثه لليمن: وإياك وكرائمَ أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حِجَابٌ [7].
ما مناسبة ذكر دعوة المظلوم في جباية الزكاة؟ النبي بيَّن لمعاذ أن يأخذ الزكاة، وأن يتَّقِيَ كرائم الأموال، يعني: نفائسها، ثم ذكر دعوة المظلوم، فما المناسبة؟ نعم؛ لأن الذي يَجبِي الزكاة قد يأخذ نفيس المال بغير إذن ربه، وهذا ظلم له، فربما دعا عليك بسبب هذا الظلم، ولهذا؛ قال: واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ.
طيب، دعوة المظلوم مستجابة، هل يشترط الإسلام؟ يعني: لو كان المظلوم كافرًا هل تستجاب دعوته؟ نعم تستجاب، والمُضْطَرُّ والمظلوم تستجاب دعوتهما، حتى وإن لم يكونا مسلمين، ولذلك؛ إبليس أكفر الكافرين دعا الله : قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ [الأعراف:14-15]، استجاب الله دعاءه أم لا؟ استجاب الله دعاءه، الله قد يستجيب دعاء الكافر.
قال: “ولا يؤخذ شِرَارُ المال، ولا كَرَائمُه”.
هذا من باب التوضيح بعد ما ذكر المصنف أمثلة، أكد هذا المعنى، فبيَّن أنه لا يجوز أخذ شرار المال، يعني رديء المال، ولا كرائمه، وذكرنا أن المال ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
كرائم المال، هذه لا يجب إخراجها، إلا إذا رضي مالكها بذلك.
ووسَط المال، وهو الواجب إخراجه.
ورديء المال: لا يجوز إخراجه، إلا أن يتبرع به أرباب المال.
ولا يُخرِج إلا أنثى صحيحةً، يعني: الأصل -كما ذكرنا- في بهيمة الأنعام: إخراج الإناث، هذا الأصل؛ لأن الإناث في بهيمة الأنعام أفضل من الذكور، إلا في ثلاث مسائل يجوز فيها إخراج الذكر في بهيمة الأنعام.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 1463، ومسلم: 982. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 1454. |
^3 | رواه أبو داود: 1575. |
^4 | سبق تخريجه. |
^5 | المُرَاح: المكان الذي تأوي إليه الإبل والغنم بالليل. “المطلع على ألفاظ المقنع” للبعلي: 161. |
^6 | المَسْرَح: المكان الذي ترعى فيه الماشية. “المطلع على ألفاظ المقنع” للبعلي: 161. |
^7 | رواه البخاري: 1496، ومسلم: 19. |