عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
تحدثنا في حلقات سابقة عن أهل الزكاة ومن يجوز دفع الزكاة إليهم، وأتحدث معكم في هذه الحلقة عمن لا يجوز دفع الزكاة إليهم، أيْ قام بهم مانع من موانع استحقاق الزكاة.
من لا تدفع إليهم الزكاة
الأول: الغني أو القوي المكتسب
لا تحل له الزكاة، ولا يجزئ دفع الزكاة إليه؛ لقول النبي : لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب [1].
والضابط في الغنى: الكفاية على الدوام، إما بصناعة أو بكسب أو وظيفة أو أجرة، ونحو ذلك؛ لقول النبي في حديث قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه: إن المسألة لا تحل لأحدٍ إلا لثلاثة، وذكر منهم: رجلًا أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش [2]، فأباح له النبي المسألة حتى تحصل له الكفاية، وعلى هذا فمن كان دخله الشهري يكفيه إلى آخر الشهر أو أنه يدّخر منه شيئًا فلا تحل له الزكاة.
الثاني: الكافر
وممن لا تحل له الزكاة: الكافر إلا أن يكون من المؤلفة قلوبهم، قال ابن المنذر رحمه الله: “أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الذميّ لا يُعطى من زكاة الأموال شيئًا”.
وقال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أن زكاة المال لا تُعطى لكافر ولا لمملوك”.
ويدل لذلك قول النبي لمعاذ رضي الله عنه: أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة؛ تؤخذ من أغنيائهم، فتُردُّ في فقرائهم [3]، فخصَّ فقراء المسلمين بصرف الزكاة إليهم كما خصّ وجوبها بأغنيائهم.
ويُستثنى من ذلك أن يكون الكافر من المؤلفة قلوبهم فيجوز دفع الزكاة إليه، بأن يُرجى إسلامه فيُعطى من الزكاة حتى وإن لم يكن سيدًا مطاعًا في قومه؛ لأن حفظ الدين وإحياء القلب أولى من حفظ الصحة وإحياء البدن، وأما إذا كان يُرجى بإعطائه الزكاة كفُّ شرِّه عن المسلمين فلا بد أن يكون سيدًا مطاعًا في عشيرته وقومه، وإلا لم يجز.
وقد سبق الكلام عن هذه المسألة بالتفصيل في حلقة سابقة عند الحديث عن صنف المؤلفة قلوبهم.
ولكن هل يجوز أن يُعطى الكافر من صدقة التطوع، ومن ذلك ما لو أصابت بعض بلاد الكفار جوائح من زلازل أو فيضانات أو غيرها، فهل يجوز للمسلمين تقديم مساعداتٍ وتبرعات لهم؟
الجواب: نعم، يجوز ذلك، وقد نص الفقهاء على هذا.
قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “يجوز دفع صدقة التطوع إلى الكافر؛ لقول الله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8]، ولم يكن الأسير يومئذٍ إلا كافرًا، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: “قَدِمَتْ عليَّ أُمي وهي مشركة، فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبةٌ أفأصلها؟ قال: نعم صلي أُمّكِ” [4]، متفقٌ عليه، وكسى عمر أخًا له مشركًا حُلّة كان النبي أعطاه إياها. متفقٌ عليه.
الثالث: الوالدان والأولاد
وممن لا يجوز دفع الزكاة إليهم: الوالدان وإن علوا، والولد وإن سَفَل، في حال وجوب نفقتهم عليه بإجماع العلماء.
قال ابن المنذر رحمه الله: “أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يُجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم، ولأن دفع زكاته إليهم يغنيهم عن نفقته ويُسقطها عنه فيعود نفعها إليه فكأنه دفعها عن نفسه فلم يجز، وأما في الحال التي لا تجب نفقتهم عليه كولد البنت مثلًا، فهل يجوز دفع الزكاة إليه؟
هذا محل خلاف بين العلماء، والأقرب والله تعالى أعلم: أنه يجوز دفع الزكاة إليه في هذه الحال، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ وذلك لأن المعنى الذي لأجله مُنِع من دفع الزكاة إلى الولد، والوالدين منتفٍ في هذه الحال.
وهكذا لو كان مال الإنسان لا يتّسع للنفقة على والديه وعلى دفع الزكاة، فيجوز دفع الزكاة إليهم في هذه الحال، وهكذا لو كان على والديه دينٌ قد عجز عن سداده أو كان على ولده دينٌ قد عجز عن سداده فيجوز للولد سداد دين أبيه أو أمه من الزكاة، ويجوز للأب والأم سداد دين ولديهما من الزكاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “دفع الزكاة إلى الوالدين إذا كانوا غارمين أو مكاتبين فيه وجهان، والأظهر جواز ذلك، وأما إذا كانوا فقراء وهو عاجزٌ عن نفقتهم فالأقوى جواز دفعها إليهم في هذه الحال؛ لأن المقتضي موجودٌ، والمانع مفقود، فوجب العمل بالمقتضي السالم من المعارِض..
قال رحمه الله: وإذا كان على الولد دينٌ ولا وفاء له جاز له أن يأخذ من زكاة أبيه في أظهر قولي العلماء في مذهب أحمد وغيره”.
حكم دفع الزكاة للأقارب
وأما الأقارب من غير عمودي النسب، أيْ من غير الوالدين والولدين، فهل يجوز دفع الزكاة إليهم إذا كانوا فقراء كأن يكون أخًا أو أختًا ونحو ذلك؟
اختلف العلماء في هذه المسألة، والأقرب والله تعالى أعلم: أنه إذا لم يكن بين القريبين توارثٌ فيجوز دفع الزكاة إلى هذا القريب إذا كان من أهل الزكاة؛ كأن يكون للأخ أو الأخت أبناءٌ ذكور، أو يكون الأب موجودًا فإنه لا توارث بينهما في هذه الحال، فيجوز دفع الزكاة إلى أخيه أو أخته، أما إذا كان بينهما توارث بحيث إن من يريد دفع الزكاة يرث من يُرَاد إعطاؤه الزكاة لو مات فلا يجوز دفع الزكاة إليه.
وهذا هو الصحيح من مذهب الحنابلة جزم به الخرقي، وهو من المفردات؛ وذلك لأن على الوارث نفقة الموروث؛ لقول الله : وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]، فإذا دفع إليه الزكاة أغناه عن نفقته فيعود نفع الزكاة إليه فلم يجز، كدفعها إلى الوالدين أو الولدين.
وعلى هذا، فيقال هنا ما قلناه عند الحديث عن دفع الزكاة للوالدين أو الولدين، فيجوز دفع الزكاة لسداد دين قريبه العاجز عن سداده ولو كان وارثًا له، وهكذا لو لم يتّسع ماله للنفقة عليه وعلى دفع الزكاة فله أن يعطيه من الزكاة ولو كان وارثًا له، والله تعالى أعلم.
ولكن ماذا لو كان أحدهما يرث الآخر ولا يرثه الآخر؛ كالعمّة مع ابن أخيها؟
الجواب: أن الوارث منهما تلزمه نفقة موروثه وليس له دفع الزكاة إليه، وأما الموروث منهما فلا تلزمه نفقة وارثه، فيجوز له دفع الزكاة في هذه الحال.
ففي المثال السابق يجب على ابن الأخ أن ينفق على عمته إذا كانت فقيرة ما دام أنه يرثها لو ماتت، وليس له دفع الزكاة إليها في هذه الحال، وأما العمّة فلا تلزمها نفقة ابن أخيها ويجوز لها دفع الزكاة إليه إذا كان من أهل الزكاة.
الرابع: المرأة الفقيرة إذا كان لها زوجٌ غنيٌ ينفق عليها
وممن لا يجوز دفع الزكاة إليه: المرأة الفقيرة إذا كان لها زوجٌ غنيٌ ينفق عليها؛ لأن الكفاية حاصلةٌ لها بما يصلها من النفقة الواجبة فأشبهت من له عقارٌ يستغني بأجرته، أما إذا كان زوجها فقيرًا؛ فتحلُّ الزكاة لها ولزوجها، وهكذا لو كانت فقيرة وزوجها غنيٌ، لكنه لا ينفق عليها إما لكونه بخيلًا أو لغير ذلك من الأسباب فيجوز دفع الزكاة إليها في هذه الحال.
هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية مسائل هذا الباب في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.