عناصر المادة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
من لا يجوز دفع الزكاة إليهم
لا يزال الحديث موصولاً عمّن لا يجوز دفع الزكاة إليهم، وقد ذكرنا منهم في الحلقة السابقة: الغني، والقوي المكتسب، والوالدين، والولدين، والأقارب في حق من يرثهم، وكذا المرأة الفقيرة تحت زوج غنيٍ منفق، والكافر إلا أن يكون من المؤلفة قلوبهم.
ونستكمل في هذه الحلقة الحديث عن هذا الموضوع، فأقول وبالله التوفيق:
بنو هاشم
ممن لا يجوز دفع الزكاة إليهم: بنو هاشم، أيْ ذريّة هاشم بن عبد مناف؛ لأنهم من آل محمد ، وآل محمد أشرف الناس نسبًا، ولشرفهم لا يُعطون من الزكاة، لا احتقارًا لهم بل إكرامًا لهم؛ لقول النبي : إنها لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس [1]، فبيّن النبي الحكم والْعِلَّة، فالحكم أنها لا تحل لآل محمد، والعلة أنها أوساخ الناس، وهم أكمل وأشرف من أن يتلقوا أوساخ الناس.
وهاشم منزلته بالنسبة للنبي هو الجد الثاني والأب الثالث.
وأجاز بعض العلماء أن يعطى الهاشمي من الزكاة إذا كان مجاهدًا أو غارمًا لإصلاح ذات البين أو مؤلّفًا قلبه، ولكن ظاهر النصوص المنع لعموم الأدلة.
وقال بعض أهل العلم: إنه يصح أن تُدفع زكاة الهاشمي لهاشمي مثله؛ لأنهما في الشرف سواء، فإذا كانا سواء فإنه لا يُعدُّ مثلبة إذا أعطى زكاته نظيره، ولكن إذا نظرنا إلى عموم الأحاديث نجد أنها لم تفرِّق بين أن تكون زكاة هاشمي أو غيره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: أوساخ الناس، والهاشميون من الناس فلا تحل لهم.
متى يُعطى بنو هاشم من الزكاة؟
وقال بعض العلماء: يجوز أن يُعطوا من الزكاة إذا لم يكن خمس كما هو الشأن في وقتنا الحاضر، فإنهم يُعطون من الزكاة دفعًا لضرورتهم إذا كانوا فقراء، وهذا هو القول الأظهر في هذه المسألة والله أعلم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
حكم أعطاء صدقة التطوع لبني هاشم
وهل يجوز أن يُعطوا من صدقة التطوّع؟
اختلف العلماء في هذه المسألة:
- فقال بعضهم: إنهم يُعطون من صدقة التطوع، قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية ابن القاسم: إنما لا يُعطون من الصدقة المفروضة أما التطوّع فلا بأس.
- وقال بعض العلماء: إنهم يمنعون من صدقة التطوع أيضًا؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: إنا لا تحل لنا الصدقة [2]، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “والأول -يعني القول بجواز إعطائهم من صدقة التطوع- أظهر؛ فإن النبي قال: المعروف كله صدقة متفقٌ عليه، وقال الله تعالى: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45]، وقال: فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:280]، ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي والعفو عنه وإنظاره، وقال إخوة يوسف: وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا [يوسف:88]، والخبر يعني قوله عليه الصلاة والسلام: لا تحل لنا الصدقة [3]، أريد به صدقة الفرض؛ لأن الطلب كان لها والألف واللام تعود إلى المعهود.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، فقلت له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حُرِّمت علينا الصدقة المفروضة، قال: ويجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء ومن النذور لأنهما تطوّع فأشبه ما لو وصلهم.
فأما النبي الظاهر أن الصدقة جميعها كانت محرمة عليه فرضها ونفلها؛ لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته فلم يكن ليخلّ بذلك، بدليل أن في حديث سلمان الفارسي أن الذي أخبره عن النبي ووصفه له قال: «إنه يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة»، وقال أبو هريرة : “كان النبي إذا أُتي بطعام سأل عنه، فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، وإن قيل: هدية، ضرب بيديه وأكل معهم” [4]، أخرجه البخاري، وقال في لحمٍ تُصدِّق به على بريرة رضي الله عنها: هو عليها صدقة، وهو لنا هدية [5].
هل تحل الزكاة لبني المطلب؟
- وأما بنو المطلب فقال بعض أهل العلم: إنهم كبني هاشم فلا تحل لهم الزكاة، وبنو المطلب نسبة إلى المطلب أخو هاشم، وأبوهما عبد مناف، وله أربعة أولاد وهم: هاشم والمطلب ونوفل وعبدشمس؛ قال بعض أهل العلم: إن بني المطلب كبني هاشم لا تحل لهم الزكاة؛ لقول النبي : إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيءٌ واحد [6].
- والقول الصحيح في هذه المسألة وهو الذي عليه كثيرٌ من المحققين من أهل العلم: أن الزكاة تحل لبني المطلب؛ لأنهم ليسوا من آل محمد ولعموم الأدلة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.. [التوبة:60] إلى آخر الآية، فيدخل فيهم بنو المطلب.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحد وتشريكهم في الخمس، فإن هذا مبنيٌ على المناصرة والمؤازرة بخلاف الزكاة، فإنهم لما آزروا بني هاشم وناصروهم أُعطوا جزاءً لفضلهم من الخمس، وأما الزكاة فهي شيءٌ آخر فهم ليسوا من آل النبي فيجوز دفع الزكاة إليهم حينئذ كبني نوفل وكبني عبد شمس.
الزوجة
وممن لا يجوز دفع الزكاة إليه: الزوجة، قال ابن المنذر رحمه الله: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يُعطي زوجته من الزكاة؛ وذلك لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن أخذ الزكاة فلم يجز دفعها إليها، كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها.
حكم دفع الزوجة الزكاة لزوجها
وأما دفع الزوجة الزكاة لزوجها إذا كان من أهل الزكاة، فقد اختلف العلماء في حكمه، والأقرب والله تعالى أعلم هو جواز ذلك، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، ورواية عند المالكية.
ويدل لهذا ما جاء في صحيح البخاري عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قالت: كنت في المسجد فرأيت النبي يقول: تصدّقن ولو من حليكن [7]، وكانت زينب تُنفق على عبدالله وأيتامٍ في حجرها، قالت: فقلت لعبدالله: سل رسول الله أيجزئ عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصدقة؟ فقال: بل سلي أنتِ رسول الله ، قالت: فانطلقت إلى النبي فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي، فمرّ علينا بلالٌ فقلنا: سل النبي أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتامٍ لي في حجري؟ ولا تُخبر بنا، فدخل فسأله فقال عليه الصلاة والسلام: من هما؟ قال: زينب، قال: أيُّ الزيانب؟ قال: امرأة عبدالله، فقال : نعم، ولها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة [8].
ووجه الدلالة من هذه القصة: أن ترك الاستفصال ينزَّل منزلة العموم، فلما ذكرت الصدقة ولم يستفصلها عن تطوعٍ ولا واجبٍ فكأنه قال: تجزئ عنكِ فرضًا كان أو تطوعًا، ولأنه لا تجب نفقة الزوج فلم يُمنع من دفع الزكاة إليه كالأجنبي، وبهذا فارق الزوجة فإن نفقة الزوجة واجبةٌ على زوجها، وأما الزوج فلا يجب على الزوجة أن تنفق عليه فبينهما فرقٌ كبير.
ولأن الأصل جواز الدفع إلى الزوج لدخوله في عموم الأصناف المسمّينَ في الزكاة، وليس في المنع نصٌ ولا إجماع، وقياسه على من يثبت المنع في حقه لا يصح؛ لوضوح الفرق بينهما، فيبقى جواز الدفع ثابتًا. كذا قال الموفق ابن قدامة رحمه الله.
وبهذا يتبين أيها الإخوة المستمعون أنه لا يجوز أن يدفع الزوج زكاته إلى زوجته، وأما العكس فيجوز.. يجوز للزوجة أن تدفع الزكاة إلى زوجها إذا كان من أهل الزكاة.
أيها الإخوة المستمعون: هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.