logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(192) أحكام الزكاة- زكاة عروض التجارة

(192) أحكام الزكاة- زكاة عروض التجارة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

حياكم الله تعالى في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج، والتي أتحدث فيها معكم عن أحكام زكاة عروض التجارة؛ وأبتدئ الحديث عن تعريفها:

أحكام زكاة عروض التجارة

العروض جمع عرض، وهو المال المعدّ للتجارة.

وعرّفه الموفق ابن قدامة رحمه الله بأنه غير الأثمان، أيْ النقود من المال، على اختلاف أنواعه، من الحيوان والعقار والثياب وسائر المال، سُمّي بذلك؛ لأنه لا يستقر وإنما يعرض ثم يزول؛ فإن المتّجر لا يريد السلعة بعينها وإنما يريد ربحها.

فالعروض إذن هي كل ما أُعدَّ للتجارة من أيِّ نوعٍ كان، ومن أيِّ صنفٍ كان، وهي بهذا أعمُّ أموال الزكاة وأشملها.

حكم زكاة عروض التجارة

تجب الزكاة في عروض التجارة في قول أكثر أهل العلم، بل حُكي إجماعًا.

قال ابن المنذر رحمه الله: “أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول”.

ويدل لوجوب الزكاة في عروض التجارة ما يأتي:

  • أولًا: دخولها في عموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في المال، ومنها قول الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]، وقول النبي لمعاذ بن جبل  حين بعثه لليمن: أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وتُردُّ في فقرائهم [1]، متفقٌ عليه، ولا شك أن عروض التجارة مال.
  • ثانيًا: حديث سمرة بن جندب قال: “كان رسول الله يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نُعدُّه للبيع” [2]، أخرجه أبو داود في سننه، وهذا الحديث وإن كان صريحًا في وجوب الزكاة في عروض التجارة إلا أن في سنده مقالًا، قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: “إسناده ليّن، ولكن أكثر العلماء عملوا بمعناه”.
  • ثالثًا: حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله قال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى [3]، متفقٌ عليه.
    ومن يتعامل بعروض التجارة إنما يقصد قيمتها من الذهب أو الفضة، وفي وقتنا الحاضر يقصد قيمتها من الورق النقدي ولا يقصد أعيان تلك العروض، ومن المجمع عليه عند العلماء أن الزكاة تجب في الذهب وفي الفضة وفي الأوراق النقدية فكذا في عروض التجارة.
  • رابعًا: ولأن العروض مالٌ تامٌّ، فوجبت فيه الزكاة كالسائمة.

وعلى هذا فيجب على أصحاب المحلات التجارية من الأواني والملابس والفرُشِ، والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، وأصحاب البقالات وكل ما يُعدُّ للتجارة يجب عليهم أن يقيّموا كل ما يُعدُّ للبيع عند تمام الحول ويخرج زكاتها.

ومثل ذلك أيضًا: الأرض التي قصد صاحبها بها التجارة فتجب زكاتها كل سنة، أما الأرض التي لم يرد صاحبها بها التجارة وإنما أراد بناء مسكنٍ عليها مثلًا، فليس فيها زكاة.

وأما الأرض التي لا يريد صاحبها بيعها في الحال، وإنما يتربَّص بها غلاء الأسعار في المستقبل، فهل تجب زكاتها؟

هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم، والأقرب والله أعلم هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من وجوب الزكاة فيها كل سنة؛ وذلك لأنها تُمثِّل في الحقيقة نقدًا، لكنه على صورة أرض، أرأيت لو أن رجلًا لديه رصيدٌ قد بلغ نصابًا في مصرفٍ من المصارف، أليس تجب عليه الزكاة؟ فكذا هذه الأرض التي يتربّصُ صاحبها بها غلاء الأسعار تجب فيها الزكاة في كل سنة، والله تعالى أعلم.

حكم زكاة الأسهم

ومثل ذلك أيضًا الأسهم التي يتاجر أصحابها بها، فتأخذ حكم عروض التجارة فتجب فيها الزكاة كل سنة.

وعلى هذا يقال في زكاة الأسهم: إن الأسهم تنقسم إلى قسمين:

  • القسم الأول: أسهمٌ لا يقصد صاحبها بها المتاجرة، وإنما يريد الاستفادة من ريعها ومن أرباحها كل سنة، فهذه تجب الزكاة في الوعاء الزكوي للشركة التي تدير هذه الأسهم، وإذا أخرجت الشركة الزكاة فلا يجب على مالك السهم أن يزكّيها مرة أخرى، فمثلًا عندنا في المملكة العربية السعودية جميع الشركات المساهمة ملزمة من الدولة أيّدها الله بدفع زكواتها إلى مصلحة الزكاة والدخل؛ وعلى هذا فالمساهم ليس عليه زكاةٌ في هذه الحال.
  • القسم الثاني: أسهمٌ يقصد صاحبها بها المتاجرة، أيْ أنه يضارب فيها فيبيع فيها ويشتري فهذه عروض التجارة، وعلى المساهم أن يقيّم هذه الأسهم عند تمام الحول ويزكّيها بغض النظر عن إخراج الشركة للزكاة.

شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة

ويُشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة ثلاثة شروط:

  • الشرط الأول: أن يملكها بفعله، أيْ باختياره، كالشراء والهبة ونحو ذلك.
    وبناءً على هذا لو ملك العروض بإرثٍ لم تجب فيها الزكاة، ولو كان رجلٌ يملك عروضًا للتجارة ومن عادته أن يزكّيها كل عامٍ في شهر رمضان، ثم إنه توفي في شهر شعبان فلا يجب على ورثته أن يخرجوا زكاة هذه العروض في شهر رمضان؛ لأنهم قد ملكوها بالإرث.
  • الشرط الثاني: أن ينوي بها التجارة، فلو لم ينو بها التجارة فليس فيها زكاة، كأن يشتري رجلٌ سيارة ليستعملها فقط فليس فيها زكاة، وكذا لو اشترى أرضًا لبناءِ مسكنٍ عليها فليس فيها زكاة.

ومن ذلك أيضًا: ما إذا كان عند الإنسان عقارات لا يريد بها التجارة، لكن لو أُعطي ثمنًا كثيرًا باعها فإنها لا تجب فيها الزكاة؛ لأنه لم ينوها للتجارة، وكل إنسان عاقلٍ إذا أتاه ثمنٌ كثيرٌ فيما بيده فإنه في الغالب سيبيعه، حتى بيته أو سيارته لو أُعطي فيها ثمنًا كثيرًا، فالغالب أنه سيبيعه، فهذا لا يجعله للتجارة، ولا تجب فيه الزكاة.

واختلف العلماء فيما إذا ملكها بغير فعله ثم نوى بها التجارة:

كأن يكون ورِث من أبيه عقارات ثم نوى بها التجارة بعد ذلك، أو أنه ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نوى بها التجارة، كأن يشتري أرضًا لبناءِ مسكنٍ عليها ثم يغيِّر نيته بعد ذلك فينوي بها التجارة فهل تكون للتجارة، وهل تجب فيها الزكاة؟

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها لا تصير للتجارة ولا تجب فيها الزكاة في هذه الحال، قالوا: لأن كل ما لا يثبت له الحكم بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية.

وذهب بعض العلماء إلى أنها تصير للتجارة بمجرد النية، وتجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول بهذه النية، وهذا القول رواية عن أحمد اختارها ابن عقيل من الحنابلة.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “وذهب أبو بكر وابن عقيل إلى أنها تصير للتجارة بمجرد النية، وحكوه رواية عن أحمد، قال بعض أصحابنا: هذا على أصح الروايتين؛ لقول سمرة رضي الله عنه: “أمرنا رسول الله أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع” [4]، وهذا داخلٌ في عمومه، ولأنه نية القنية كافية بمجردها، فكذلك نية التجارة بل هذا أوْلى؛ لأن الإيجاب يغلَّب على الإسقاط احتياطًا، ولأنه نوى به التجارة أشبه ما لو نوى حال الشراء.

وهذا القول الأخير لعله هو الأقرب في هذه المسألة والله تعالى أعلم، فمن نوى بأي عرض من العروض التجارة ومضى على ذلك سنة كاملة فتجب فيه الزكاة بغض النظر عن نيته السابقة؛ هذا هو الأظهر والأقرب للأصول والقواعد الشرعية، والله تعالى أعلم.

  • الشرط الثالث: أن تبلغ قيمتها نصابًا.

وسوف أتحدث معكم عن المسائل المتعلقة بهذا الشرط في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 1395، ومسلم: 19.
^2, ^4 رواه أبو داود: 1562.
^3 رواه البخاري: 1، ومسلم: 1907.
مواد ذات صلة
zh