عناصر المادة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام زكاة عروض التجارة، وكانت آخر مسألة تكلمنا عنها في الحلقة السابقة هي شروط وجوب زكاة عروض التجارة.
زكاة عروض التجارة
وذكرنا أنها ثلاثة شروط:
- الأول: أن يملكها بفعله، فإن ملكها بإرث لم تجب فيها الزكاة.
- الثاني: أن ينوي بها التجارة، فإذا لم ينو بها التجارة لم تجب فيها الزكاة.
- الثالث: أن تبلغ قيمتها نصابًا.
ووعدنا بالكلام عن هذا الشرط في هذه الحلقة.
نصاب عروض التجارة
ونصاب عروض التجارة هي نصاب قيمتها، وهي تقوّم في السابق بالذهب والفضة، وتقوّم في وقتنا الحاضر بالأوراق النقدية، وبناءً على هذا يكون نصابها في وقتنا الحاضر هو نصاب الأوراق النقدية.
وقد سبق أن تكلمنا بالتفصيل عن نصاب الأوراق النقدية في حلقة سابقة، وذكرنا أن نصاب الأوراق النقدية في وقتنا الحاضر هو نصاب الفضة؛ لأنها أرخص بكثير من الذهب، وبناءً على هذا يكون نصاب زكاة عروض التجارة هو أن تكون قيمة العروض قيمة نصاب الفضة وهو خمسمائة وخمسة وتسعون جرامًا، أيْ في حدود خمسمائة ريال تقريبًا في الوقت الحاضر.
هل ينقطع الحول إذا اشترى عرضًا بعرض آخر أو باعه؟
ولا ينقطع الحول فيما إذا اشترى عرضًا بعرضٍ آخر، أو باعه وبقيت قيمته عنده.
مثال ذلك: رجلٌ عنده محل أواني يتاجر فيها فإذا باع آنية من هذه الأواني واشترى بقيمتها أواني أخرى فإن الحول لا ينقطع، وهكذا لو باع هذه الآنية وبقيت قيمتها عنده فإن الحول لا ينقطع؛ وذلك لأن وضع التجارة مبنيٌ على التقليب والاستبدال بالعروض والأثمان، ولو قيل بانقطاع الحول في هذه الحال لبطلت زكاة عروض التجارة؛ لأن المتاجرة في العروض لا يبقى العرض عنده سنة كاملة لم يبعه في الغالب، بل إنه يبيعه ويشتري بقيمته عرضًا آخر، وهكذا..
وإنما ينظر هذا الذي عنده عروض تجارة إلى ما في محله من عروض معدّة للبيع، وكذا ما عنده من نقدٍ هو قيمة لعروضٍ قد باعها، فيزكيها جميعها عند تمام الحول.
مثالٌ آخر: رجلٌ عنده قطعة أرض قد نوى بها التجارة، ومضى على ذلك عشرة أشهر ثم باعها بمائة ألف ريال مثلًا؛ فإنه يجب عليه أن يزكي المائة ألف ريال بعد شهرين فقط إذا بقيت عنده، ولا يستأنف بالمائة ألف ريال في هذا المثال حولًا جديدًا، لكن لو اشترى بها سيارة ليستعملها لم يبنِ على الحول ولم تجب فيها الزكاة، وهكذا لو اشترى بها سائمة من بهيمة الأنعام لم يبنِ على حوله، وإنما يستأنف حولًا جديدًا لهذه السائمة إذا بلغت نصابًا؛ وذلك لاختلافهما في المقاصد وفي النصاب وفي المقدار الواجب.
وبناءً على هذا لو كان عنده عروضٌ ملكها في شهر رمضان مثلًا، ثم اشترى بها سائمة في شهر صفر، فإنه لا يبنِ على حول العروض وإنما يستأنف بها حولًا جديدًا، أيْ أن الحول عنده يبتدئ في هذا المثال من شهر صفر.
وهكذا لو كان الأمر بالعكس، فلو كان عنده أربعون من الغنم ملكها في شهر رمضان ثم باعها في شهر محرّم واشترى بها عروضًا كسيارة أرادها للتجارة، فلا يبنِ على حول السائمة وإنما يستأنف حولًا جديدًا، أيْ أن الحول عنده في هذا المثال يبتدئ من شهر محرّم.
كيف يزكي من ملك نصابًا من بهيمة الأنعام ونوى بها التجارة؟
ومن ملك نصابًا من سائمة بهيمة الأنعام ونوى بها التجارة، فهل يزكيها زكاة عروض التجارة أو يزكيها زكاة السائمة؟
مثال ذلك: رجلٌ يملك مائة رأس من الغنم وقد نوى بها التجارة وحال عليها الحول، فإذا قلنا يزكيها زكاة السائمة، فالواجب عليه شاة واحدة فقط، وإذا قلنا يزكيها زكاة عروض التجارة فإنه يقيّم هذه الأغنام عند تمام الحول، فإذا افترضنا أن قيمة الواحدة منها ألف ريال فتكون الزكاة الواجبة عليه رُبع العشر، وهي في هذا المثال؛ ألفان وخمسمائة ريال.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين مشهورين:
- الأول: أنه يزكيها زكاة السائمة، وبهذا قال مالك والشافعي في الجديد، وهو قولٌ عند الحنابلة، قالوا: لأن زكاة السوم أقوى من زكاة التجارة؛ لأن زكاة السوم مجمعٌ عليها بخلاف زكاة التجارة فمختلفٌ فيها.
- والقول الثاني في المسألة: أنه يزكيها زكاة عروض التجارة، وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد في الرواية المشهورة؛ وذلك لأن زكاة التجارة أحظُّ للفقراء والمساكين، ففي مثالنا السابق إذا زكّى مائة رأسٍ من الغنم أخرج شاة واحدة فقط إذا زكاها زكاة السوم أخرج شاة واحدة فقط، أما إذا زكاها زكاة عروض التجارة أخرج ألفين وخمسمائة ريال على افتراض أن قيمة الرأس ألف ريال.
فزكاة التجارة في هذا المثال قد بلغت الضعف وزيادة بالنسبة لزكاة السائمة.
وهذا القول الأخير هو الأقرب في هذه المسألة والله تعالى أعلم، وبناءً على هذا نقول: من ملك نصاباً من سائمة بهيمة الأنعام من الإبل أو البقر أو الغنم ونوى بها التجارة فإنه يزكيها زكاة عروض التجارة في أظهر قولي العلماء، والله أعلم.
العبرة بقيمة العرض عند تمام الحول
والعبرة بقيمة العروض عند تمام الحول، ولا يُعتبر ما اشتُريت به، وبناءً على هذا لو اشترى أرضًا بنية التجارة بمائة ألف ريال وعند تمام الحول أصبحت قيمتها مائة وخمسين ألفًا، فإنه يزكّي مائة وخمسين ألفًا، ولو نزلت قيمتها عند تمام الحول فأصبحت ثمانين ألفًا فإنه يزكي ثمانين ألفًا؛ فالعبرة إذًا بقيمتها عند تمام الحول وليس بما اشتُريت به، ولا بد في التقويم عند تمام الحول أن يكون من ذي خبرة، فإن كان صاحبها ذا خبرة بالتقويم قوّمها وإلا استعان بأهل الخبرة في هذا.
ثم التقويم هل يكون باعتبار الجملة أو يكون باعتبار التفريق؛ لأن الثمن يختلف باعتبار الجملة عن التفريق؟
الجواب: إن كان ممن يبيع بالجملة فباعتبار الجملة، وإن كان ممن يبيع بالتفريق فباعتبار التفريق، وإن كان يبيع بهما معًا فيُعتبر الأكثر بيعًا.
هل يشترط لزكاة عروض التجارة الجزم بالنية للتجارة؟
والنية لها شأنٌ في باب زكاة عروض التجارة، فلا بد أن ينوي الإنسان نية جازمة بالتجارة، فإذا تردد في نيته فلا تجب عليه الزكاة؛ لأن الأصل براءة ذمته ولم يعزم عزمًا جازمًا على التجارة، وبناءً على هذا لو كان عند الإنسان أرضٌ وهو مترددٌ في نيته: هل يبنيها مسكنًا له أو عقارًا يؤجِّره أو يبيعها، فلا تجب فيه الزكاة لكونه لم يجزم بنية التجارة.
وبناءً على هذا من ملك أرضًا فلا يخلو حاله من ثلاث:
- الأولى: أن ينوي بها التجارة نية جازمة، فهذه يزكيها كل سنة؛ لأنها من عروض التجارة.
- الثانية: ألا ينوي بها التجارة وإنما ينوي أن يبني عليها مسكنًا له مثلًا، أو ينوي أن يبني عليها عقارًا يؤجره، فهذه لا تجب فيها الزكاة.
- الثالثة: أن يكون مترددًا في نيته، فلم يتضح له بعد هل يبني عليها مسكنًا أو أنه يبيعها، فلا تجب فيها الزكاة مع هذا التردد؛ لأنهم اشترطوا لوجوب الزكاة في عروض التجارة أن ينوي، وأن يعزم عزماً جازمًا على التجارة.
هذا ما تيسر عرضه في هذه الحلقة؛ ونلتقي بكم على خير في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.