logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(161) أحكام الجنائز- قراءة سورة يس على المحتضر والدعاء له

(161) أحكام الجنائز- قراءة سورة يس على المحتضر والدعاء له

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

لا يزال الحديث موصولًا عن أحكام الجنائز، وأتحدث معكم في هذه الحلقة عمّا يُسنُّ فعله عند المحتضر؛ فأقول وبالله التوفيق:

ما يسن فعله عند المحتضر

يُسنُّ أن يُلقَّن المحتضر قول: لا إله إلا الله، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري  أن رسول الله قال: لقنّوا موتاكم لا إله إلا الله [1]، رواه مسلم.

والمراد بقوله: موتاكم في هذا الحديث أيْ من حضره الموت.

والأمر بتلقين المحتضر لتذكيره بها، وفي التعبير بالتلقين أيْ أن هذا المحتضر كأنه يُعلَّم ويلقَّن قول “لا إله إلا الله” كما يلقَّن التلميذ؛ وذلك لأن حاله حال شدة وكربة ومعالجة لخروج الروح فاحتاج الأمر إلى تلقينه.

الحكمة من تلقين المحتضر

والحكمة من ذلك: أن تكون كلمة التوحيد هي آخر كلامه في الدنيا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة [2].

قال النووي رحمه الله: “والأمر بهذا التلقين أمر ندب، وقد أجمع العلماء على هذا التلقين، وكرهوا الإكثار عليه والموالاة؛ لئلا يضجر بضيق حاله وشدة كربه، فيكره ذلك بقلبه ويتكلم بما لا يليق، قالوا: وإذا قاله مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بعده بكلام آخر فيُعَادُ التعريض به ليكون آخر كلامه”.

والتلقين كما يكون للمسلم فإنه يكون للكافر كذلك، وذلك بأن يُعرَض عليه الإسلام ويلقَّن قول “لا إله إلا الله”، ولما حضرت أبا طالب الوفاة أتاه النبي فقال: يا عم! كلمة أحاجُّ لك بها عند الله؟ يا عم! قل: لا إله إلا الله [3].

وفي صحيح البخاري عن أنس قال: “كان غلامٌ يهودي يخدم النبي فمرض فأتاه النبي يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم؛ فخرج النبي  من عنده وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار [4]، وجاء في رواية عند أحمد: “فلما مات قال: صلّوا على صاحبكم“.

حكم قراءة سورة “يس” على المحتضر

واستحب بعض الفقهاء قراءة سورة يس على المحتضر، واستدلوا بحديث معقل بن يسار  أن رسول الله قال: اقرؤوا يس على موتاكم [5]، أيْ على المحتضر، وليس المراد على الميّت، فهي كقوله عليه الصلاة والسلام: لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله أيْ المحتضر منهم.

وهذا الحديث اقرؤوا يس على موتاكم أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، والحاكم، ولكنه حديثٌ ضعيفٌ لا يصح عن النبي ، ولهذا قال الدارقطني رحمه الله: “هذا حديثٌ ضعيف الإسناد، ولا يصح في الباب حديث”.

وبناءً على هذا فلا تُشرع قراءة سورة يس على المحتضر؛ لأن الحديث المروي في ذلك لا يثبت، والأحكام الشرعية لا تُبنى على الأحاديث الضعيفة، ومن باب أولى أنه لا تُشرع قراءة سورة يس على الميت بعد موته، بل إن ذلك معدودٌ عند كثيرٍ من أهل العلم من البدع، وإنما الذي وقع فيه الخلاف قراءة سورة يس على المحتضر لا على الميِّت.

والقول الصحيح: أن ذلك غير مشروع؛ لأن الحديث المروي في ذلك ضعيف.

حكم توجيه المحتضر إلى القبلة

واستحب بعض الفقهاء كذلك أن يوجَّه المحتضر إلى القبلة؛ لحديث البراء بن معرور أَنَّ النَّبِيَّ لما قدم المدينة سأل عنه فقالوا: “توفي وأوصى بثلثه لك يا رسول الله، وأوصى أن يوجَّه إلى القبلة لما احتُضِر، فقال رسول الله : أصاب الفطرة[6]، وهذا الحديث أخرجه الحاكم، وإسناده ضعيفٌ كذلك. قال الحاكم: “ولا أعلم في توجيه المحتضر إلى القبلة غير هذا الحديث”.

وحيث إن هذا الحديث ضعيف فلا يثبت به هذا الحكم، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن يكون المحتضر مستلقٍ على قفاه، وهذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد، قال المرداوي في الإنصاف: “وعليها أكثر الأصحاب، وهذا هو المعمول به؛ لأنه ربما شق جعله على جنبه الأيمن”.

وهذا القول أيها الإخوة هو الأقرب في هذه المسألة، والله أعلم، أن يُجعل المحتضر مستلقٍ على قفاه ووجهه إلى السماء؛ لأنه الأيسر ولأنه لم يثبت في توجيهه إلى القبلة حديث، والله تعالى أعلم.

الدعاء للمحتضر

والسنة لمن حضر محتضرًا أن يدعو له بخير، وكذا بعد موته مباشرة؛ لأن الملائكة تؤمن على ما يقال حينئذ، ودعاءٌ تؤمِّن عليه الملائكة حريٌ بالإجابة، ويدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “قال رسول الله : إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرًا؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي فقلت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، قال: قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبى حسنة، قالت: فقلت فأعقبني الله من هو خيرٌ لي منه محمدًا [7].

قال النووي رحمه الله: “وفي هذا الحديث الندب إلى قول الخير حينئذٍ من الدعاء والاستغفار له، وطلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه، قال: وفيه حضور الملائكة حينئذ وتأمينهم”.

حكم تغميض عيني الميت

ويُسنُّ كذلك إغماض عيني الميت بعد موته مباشرة، ويدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “دخل رسول الله على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قُبض تبعه البصر، فضجّ ناسٌ من أهله فقال: لا تدعو على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونوِّر له فيه [8].

قال النووي رحمه الله: “وفي هذا الحديث دليلٌ على استحباب إغماض عيني الميت، وأجمع المسلمون على ذلك قالوا: والحكمة فيه ألا يقبُح منظره لو تُرِك إغماضه..

قال: ومعنى قوله : إن الروح إذا قُبض تبعه البصر أيْ أنه إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر ناظرًا أين يذهب.

وفي الروح لغتان التذكير والتأنيث، وقد ورد في هذا الحديث بالتذكير.

قال: وقد دلّ هذا الحديث أيضًا على استحباب الدعاء للميت عند موته ولأهله وذريّته بأمور الآخرة والدنيا”.

حكم تغطية الميت والإسراع في تجهيزه

ويُسنُّ تغطية الميت بعد موته بثوبٍ يستر جميع بدنه، ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله حين توفي سُجّي ببردٍ حِبرة. وهو ثوبٌ يماني من قطن أو كتّان.

واستحب الفقهاء شدّ لحييه بخيطٍ أو لفافة ونحوها لئلا يقبح منظره، واستحب بعضهم أن يوضع على بطنه شيءٌ ثقيل من الحديد ونحوه لئلا ينتفخ بطنه، ولكن الصحيح أن ذلك لا يُستحب لأن البطن إذا انتفخ لم يمنعه ما وضع عليه، وإنما ينبغي الإسراع بتجهيز الميّت قبل أن ينتفخ بطنه، وهذا هو السنة، ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة  أن رسول الله قال: أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخيرٌ تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشرٌ تضعونه عن رقابكم [9].

وننبِّه هنا إلى خطأ بعض الناس عندما يؤخرون دفن الميت من غير حاجة، فإن هذا مخالفٌ للسنة، ثم هو جناية على الميت؛ فالميت إذا كان من أهل الخير؛ فإنه يودُّ أن يُدفن سريعًا؛ لأنه يبشَّر بالجنة عند موته، وهو من حين أن يُخرج به من بيته تقول نفسه: قدموني.. قدموني.

ويدل لذلك ما جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري  أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها! أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيءٍ إلا الإنسان، ولو سمعها لصعِق [10].

أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يبشَّر برحمة الله وجنته ورضوانه، وأن يوفقنا لاتباع هدي نبيه .

وإلى الملتقى في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 916.
^2 رواه ابو داود: 3116.
^3 رواه البخاري: 6681.
^4 رواه البخاري: 1356.
^5 رواه أبو داود: 3121، وأحمد: 20301.
^6 رواه الحاكم: 1305.
^7 رواه مسلم: 919.
^8 رواه مسلم: 920.
^9 رواه البخاري: 1315، ومسلم: 944.
^10 رواه البخاري: 1314.
مواد ذات صلة
zh