عناصر المادة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
السنن غير الرواتب
السنن غير الرواتب: وهي التي لا يُداوَم ويُحافظ عليها، كالمـحافظة على الرواتب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “كل ما ليس من السنن الرواتب لا يُداوم عليه؛ لئلا يُلحَق بالرواتب”.
ومن هذه السنن:
- أن يصلي أربعًا قبل الظهر، وأربعًا بعدها.
لحديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعتُ النبي يقول: من حافظ على أربع ركعاتٍ قبل الظهر، وأربعٍ بعدها؛ حرَّمه الله على النار [1]، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد؛ بسندٍ صحيح.
- ومنها: أربع ركعاتٍ قبل العصر.
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي قال: رحم الله امرئً صلى قبل العصر أربعًا [2]، أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد، وابن خزيـمة، وابن حبان؛ بسندٍ حسن.
- ومنها: ركعتان قبل المغرب.
ففي الصحيحين عن عبدالله المزني : أن النبي قال: صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب قال في الثالثة: لمن شاء كراهة أن يتخذها الناس سنة [3].
وفي صحيح مسلمٍ عن أنسٍ قال: “كنا نصلي على عهد النبي ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقيل له: أكان رسول الله صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما، فلم يأمرنا، ولـم ينهنا” [4].
وفي صحيح مسلمٍ أيضًا عن أنسٍ قال: “كنا بالمدينة، فإذا أذَّن المؤذِّن لصلاة المغرب، ابتدروا السواري، فيركعون ركعتين ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد، فيحسب أن الصلاة قد صُلِّيَت من كثرة من يصليهما” [5]، قال ابن القيم رحمه الله: “هاتان الركعتان مستحبَّتان مندوبٌ إليهما، وليستا بسنةٍ راتبةٍ كسائر السنن الرواتب”.
- ومـما وردت به السنة: أن يُصلَّى صلاةً بين الأذان والإقامة مثنى مثنى، إما ركعتين أو أربعًا أو أكثر من ذلك.
ويدل لذلك: ما جاء في الصحيحين عن عبدالله بن مغفَّل المزني : أن رسول الله قال: بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة قال في الثالثة: لمن شاء [6].
والمراد بالأذانين في هذا الحديث: الأذان والإقامة، وتسميتهما بالأذانين من باب التغليب، كقولهم: القمرين؛ للشمس والقمر.
قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “قوله في هذا الحديث: صلاة، أي: وقت صلاةٍ، أو أن المراد صلاة نافلة، ونُكِّرت لكونـها تتناول كل عددٍ نواه المصلي من النافلة، كركعتين، أو أربعٍ، أو أكثر”.
ومن هنا: لو أن رجلًا كان جالسًا في المسجد، وأذن المؤذن لصلاة العشاء مثلًا، فيُشرع له بعد الأذان أن يأتي بصلاةٍ، إما ركعتين أو أكثر مثنى مثنى.
- ومـما وردت السنة بـمشروعيته من صلاة التطوُّع: ركعتا الوضوء، فيسنُّ لمن توضأ وضوءً أن يصلي بعده ركعتين، أو ما شاء مثنى مثنى.
ويدل لذلك: ما جاء في الصحيحين عن حُـمران مولى عثمان بن عفان : “أنه رأى عثمان بن عفانٍ دعا بوضوءٍ، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مراتٍ، ثم أدخل يـمينه في الوضوء، ثم تـمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاثًا، ثم قال: رأيت رسول الله ، يتوضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه” [7].
وهذا الحديث يدل على سعة فضل الله ، وأن من توضأ، ثم صلى ركعتين، غُفِر له ما تقدم من ذنبه، بشرط أن يخشع فيهما، ولا يُحدِّث فيهما نفسه.
قال النووي رحمه الله: “وقوله في هذا الحديث: لا يحدث فيهما نفسه المراد: لا يُحدِّث بشيءٍ من أمور الدنيا، وما لا يتعلق بالصلاة، ولو عَرَض له حديثٌ، فأعرض عنه بـمجرَّد عروضه، عُفِي عن ذلك، وحصلت له هذه الفضيلة إن شاء الله”.
وفي صحيح مسلمٍ أيضًا عن عقبة بن عامرٍ قال: قال رسول الله : ما من مسلمٍ يتوضأ، فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة [8].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة : “أن النبي قال لبلالٍ عند صلاة الفجر: يا بلال، حدثي بأرجى عملٍ عملته في الإسلام، فإني سمعت دفَّ نعليك بين يدي في الجنة قال بلال: ما عملت عملًا أرجى عندي: أني لَـم أتطهَّر طهورًا في ساعةٍ ليلٍ أو نـهار، إلا صلت بذلك الطهور ما كُتب لي أن أصلي” [9].
قال ابن التِّيْـن: “إنـما اعتقد بلالٌ ذلك؛ لأنه علم من النبي أن الصلاة أفضل الأعمال، وأن عمل السرِّ أفضل من عمل الجهر”.
وقال ابن الجوزي: “فيه الحث على الصلاة عقب الوضوء؛ لئلا يبقى الوضوء خاليًا من مقصوده”.
ونقل الحافظ ابن حجرٍ عن المهلَّب أنه قال: “فيه أن الله يعظم الـمُجازاة على ما يَسرُّه العبد من عمله”.
- ومـما وردت السنة بـمشروعيته من صلاة التطوُّع: صلاة التوبة.
هكذا سماها الموفق ابن قدامة رحمه الله في المغني، وجمعٌ من أهل العلم.
والأصل فيها حديث عليٍّ قال: “حدثني أبو بكرٍ، وصدق أبو بكرٍ ، قال: سمعت رسول الله يقول: ما من عبدٍ يُذنِب ذنبًا، فيُحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله، إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] [10]، أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن حبان، وأحمد؛ بسندٍ صحيح.
حكم صلاة الحاجة
ونُنبِّه هنا إلى ما يسمى: بصلاة الحاجة؛ فإنـها لَـم يصح فيها شيءٌ عن رسول الله ، وإن كان قد روي في ذلك أحاديث ضعيفة.
ومنها حديث عبدالله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله : من كانت له إلى الله حاجة، أو إلى أحدٍ من بني آدم، فليتوضأ وليحسن الوضوء، ثم ليصلِّي ركعتين، ثم ليثني على الله، وليصلي على النبي ، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل برٍّ، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا هـمًّا إلا فرَّجتَه، ولا حاجة هي لك رضىً إلا قضيتها يا أرحم الراحمين [11]، أخرجه الترمذي بـهذا اللفظ، وأخرجه ابن ماجه وزاد: ثم يسأل من أمر الدنيا والآخرة ما شاء، فإنه يُقدَّر.
وهذا الحديث حديثٌ ضعيفٌ، لا يصح عن النبي ؛ ولهذا لـمَّا أخرجه الترمذي قال: “هذا حديثٌ غريب، في إسناده مقال، فائد بن عبدالرحمن يُضعَّف في الحديث”.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التقريب: “فائد بن عبدالرحمن متروكٌ..، اتـهموه”.
وبـهذا يتبيَّـن أنه لَـم يصح في صلاة الحاجة شيءٌ عن النبي ، فأردنا التنبيه إلى هذا.
لكن من المعلوم من هديه عليه الصلاة والسلام: “أنه كان إذا حَزَبَه أمرٌ؛ فزع إلى الصلاة”.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا لِمَا يحب ويرضى من القول والعمل، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها.
وإلى الملتقى في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 1269، والترمذي: 428، والنسائي: 1816، وابن ماجه: 1160، وأحمد: 26772، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. |
---|---|
^2 | رواه أبو داود: 1271، والترمذي: 430، وأحمد: 5980، وابن حبان: 2453، وابن خزيمة: 1193، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. |
^3 | رواه أبو داود: 1281، وأحمد: 20552، وابن حبان: 1588، وابن خزيمة: 1289. |
^4 | رواه مسلم: 836. |
^5 | رواه مسلم: 837. |
^6 | رواه البخاري: 624، ومسلم: 838. |
^7 | رواه البخاري: 159، ومسلم: 226. |
^8 | رواه مسلم: 234. |
^9 | رواه البخاري: 1149، ومسلم: 2458. |
^10 | رواه أبو داود: 1521، والترمذي: 406، وابن حبان: 623، وقال الترمذي: حديث حسن. |
^11 | رواه الترمذي: 479، وابن ماجه: 1384. |