عناصر المادة
- حالات صلاة الوتر
- النوع الأول: أن يصلي مثنى مثنى ثم يوتر بواحدة
- الثاني: أن يوتر بثلاث ركعاتٍ بتشهُّدٍ واحدٍ
- الثالث: الوتر بخمس ركعاتٍ بتشهُّدٍ واحدٍ
- الرابع: أن يوتر بسبع ركعاتٍ بتشهُّدٍ واحدٍ
- الخامس: أن يوتر بسبعٍ، لكن يتشهَّد بعد السادسة
- السادس: أن يوتر بتسع ركعاتٍ، لكن يتشهَّد بعد الثامنة
- السابع: أن يصلي ثـمانٍ يُسلِّم من كل ركعتين، ثم يسرد خمسًا
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
حالات صلاة الوتر
فإن صلاة الوتر قد وردت في السنة على أنواع، ونشير إلى أبرزها:
النوع الأول: أن يصلي مثنى مثنى ثم يوتر بواحدة
وهو أشهرها وأفضلها: أن يصلي مثنى مثنى، أي: ركعتين ركعتين، ثم يوتر بواحدة، وهذا هو الغالب على هدي النبي في صلاة الوتر.
ففي (صحيح البخاري) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “كان النبي يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة”. [1].
وفي الصحيحين أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أن رجلًا سأل النبي عن صلاة الليل، فقال عليه الصلاة والسلام: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعةً واحدة، توتر له ما قد صلى [2].
وفي روايةٍ لمسلم: “أن رجلًا سأل النبي -قال ابن عمر: وأنا بينه وبين السائل- فقال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فصلِّ ركعة، واجعل آخر صلاتك وترًا، قال ابن عمر: ثم سأله رجلٌ على رأس الحول وأنا بذلك المكان من رسول الله ، فلا أدري هو ذلك الرجل أو رجلٌ آخر، فقال له مثل ذلك” [3].
الثاني: أن يوتر بثلاث ركعاتٍ بتشهُّدٍ واحدٍ
ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهنَّ” [4]، أخرجه النسائي، والبيهقي، والحاكم وصححه.
وننبِّه هنا إلى أن هذا النوع يسرد فيه ثلاث ركعاتٍ بتشهُّد واحدٍ وسلامٍ واحد، أما بتشهدين وسلامٍ واحدٍ كصلاة المغرب؛ فهذا قد ورد النهي عنه، كما جاء في حديث أبي هريرة : “أن النبي نـهى عن التشبُّه بصلاة المغرب” [5]، أخرجه ابن حبان، والدارقطني، والحاكم، وقال الحافظ ابن حجر: “إسناده على شرط الشيخين”.
الثالث: الوتر بخمس ركعاتٍ بتشهُّدٍ واحدٍ
الوتر بخمس ركعاتٍ بتشهُّدٍ واحدٍ وسلامٍ واحد، فيسرد خمس ركعات، ولا يجلس ولا يسلِّم إلا في آخرهنَّ.
ويدل لذلك: قول النبي : من أحبَّ أن يوتر بخمسٍ فليفعل [6] أخرجه أبو داود، والنسائي.
ويدل لذلك أيضًا: ما جاء في (صحيح مسلمٍ) عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمسٍ لا يجلس إلا في آخرها” [7].
الرابع: أن يوتر بسبع ركعاتٍ بتشهُّدٍ واحدٍ
أن يوتر بسبع ركعاتٍ يسردها، ولا يجلس إلا في آخرها، أي: أنَّـها تكون بتشهُّدٍ واحدٍ وسلامٍ واحدٍ.
ويدل لذلك: حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله يوتر بسبعٍ وبخمسٍ لا يفصل بينهنَّ بسلامٍ ولا كلام” [8]، أخرجه أحمد، والنسائي، وابن ماجه.
الخامس: أن يوتر بسبعٍ، لكن يتشهَّد بعد السادسة
أن يوتر بسبعٍ، لكن يتشهَّد بعد الركعة السادسة بدون سلام، ثم يقوم ويأتي بالسابعة ويتشهَّد ويسلِّم.
ويدل لذلك: ما جاء في (مسند الإمام أحمد) عن عائشة رضي الله عنها قالت: “ثم يصلي سبع ركعاتٍ، ولا يجلس فيهنَّ إلا عند السادسة فيجلس” [9].
السادس: أن يوتر بتسع ركعاتٍ، لكن يتشهَّد بعد الثامنة
أن يوتر بتسع ركعاتٍ، يسرد ثـمانيًا، ثم يجلس بعد الركعة الثامنة ويأتي بالتشهُّد ولا يُسلِّم، ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويتشهَّد ويسلِّم.
ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي يصلي تسع ركعاتٍ، لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يُسلِّم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يُسلِّم تسليمًا يُسمِعنا” [10].
السابع: أن يصلي ثـمانٍ يُسلِّم من كل ركعتين، ثم يسرد خمسًا
أن يصلي ثـماني ركعاتٍ يُسلِّم من كل ركعتين، ثم يسرد خمس ركعاتٍ بتشهُّد وسلامٍ واحدٍ.
ويدل لذلك: ما جاء في (صحيح مسلمٍ) عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، ويوتر من ذلك بخمسٍ لا يجلس في شيءٍ إلا في آخرها”.
هذه هي أبرز أنواع صلاة الوتر التي وردت بـها السنة، وأعيدها باختصار:
- أشهرها وأفضلها: أن يصلي ركعتين ركعتين، ثم يوتر بواحدة.
- وله أن يوتر بثلاثٍ بتشهُّدٍ وسلامٍ واحد.
- وله أن يوتر بخمس بتشهُّدٍ وسلامٍ واحد.
- وله أن يوتر بسبع ركعاتٍ بتشهُّدٍ وسلامٍ واحد.
- وله أن يوتر بسبعٍ بتشهدين وسلامٍ واحدٍ، وذلك بأن يجلس بعد الركعة السادسة ويأتي بالتشهُّد ولا يسلم، ثم يأتي بالسابعة ويتشهَّد ويسلِّم.
- وله أن يأتي بتسع ركعاتٍ بتشهدين وسلامٍ واحدٍ، وذلك بأن يسرد ثـماني ركعاتٍ، ثم يجلس للتشهد ولا يسلم، ثم يأتي بالتاسعة ويتشهَّد ويسلم.
- وله أن يصلي ثـماني ركعاتٍ، يسلم من كل ركعتين، ثم يسرد خمسًا بتشهُّدٍ وسلامٍ واحد.
وكل هذه الأنواع قد روي عن النبي أنه أتى بـها، ولكن الغالب من هديه عليه الصلاة والسلام -كما سبق- هو أنه كان يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر بواحدة، وهذا هو الذي أرشد إليه عليه الصلاة والسلام لـمَّا سُئِل عن صلاة الليل، فقال: صلاة الليل مثنى مثنى، ثم توتر بواحدة [11]؛ فهذه الصفة قد وردت من قوله ومن فعله عليه الصلاة والسلام، ولكن بقية الأنواع التي ذكرنا، كلها مأثورةٌ عنه عليه الصلاة والسلام.
وكان عليه الصلاة والسلام في غالب أحواله يصلي الوتر قائمًا، لكن روي عنه أنه كان يصلي أحيانًا قاعدًا، وأحيانًا يقرأ قاعدًا، ثم إذا بقي يسيرٌ قام فقرأ ثم ركع.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “كانت صلاته بالليل ثلاثة أنواع:
- أحدها: وهو أكثرها؛ صلاته قائمًا.
- الثاني: أنه كان يصلي قاعدًا، ويركع قاعدًا.
- الثالث: أنه كان يقرأ قاعدًا، فإذا بقي يسيرٌ من قراءته، قام فركع قائمًا”؛ والأنواع الثلاثة صحت عنه.
وفي (صحيح مسلمٍ) عن عائشة رضي الله عنها قالت: “لـمَّا بدَّن رسول الله وثَقُل؛ كان أكثر صلاته جالسًا” [12].
وفي (صحيح مسلمٍ) أيضًا، عن عبدالله ين شقيقٍ قال: “قلت لعائشة: هل كان النبي يصلي وهو قاعد؟ قال: نعم، بعدما حَطَمَه الناس” [13]
وعنها رضي الله عنها قالت: “ما رأيت رسول الله يقرأ في شيءٍ من صلاة الليل جالسًا، حتى إذا كبر قرأ جالسًا، حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية، قام فقرأهنَّ ثم ركع” [14].
القيام مع القدرة ركنٌ من أركان الصلاة في الفريضة خاصة، وأما في صلاة النافلة، فللإنسان أن يصلي قاعدًا مع قدرته على القيام، ولكن يكون أجره نصف أجر القائم.
ويدل لذلك: ما جاء في (صحيح مسلمٍ) وغيره، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله قال: صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة [15].
قال النووي رحمه الله: “ومعناه: أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم، فيتضمَّن صحَّتها ونقصان أجرها”.
قال: “وهذا الحديث محمولٌ على صلاة النفل قاعدًا، مع القدرة على القيام، فهذا له نصف ثواب القائم، وأما إذا صلى النفل قاعدًا لعجزه عن القيام؛ فلا ينقص ثوابه، بل يكون كثوابه قائمًا”.
قال: “وأما الفرض فإن الصلاة قاعدًا مع قدرته على القيام لا تصح، فلا يكون فيها ثوابٌ، بل يأثم بـها”.
أيها الإخوة، نكتفي بـهذا القدر في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية المسائل المتعلقة بصلاة الوتر في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 995. |
---|---|
^2, ^11 | رواه البخاري: 990، ومسلم: 749. |
^3 | رواه مسلم: 749. |
^4 | رواه الحاكم: 1140، والبيهقي في السنن الكبرى: 4803. |
^5 | رواه ابن حبان: 2429، والحاكم: 1088، والدارقطني: 1650. |
^6 | رواه أبو داود: 1422، والنسائي: 1712، وابن حبان: 2407. |
^7 | رواه مسلم: 737. |
^8 | رواه أحمد: 26486، والنسائي: 1714، وابن ماجه: 1192. |
^9 | رواه أحمد: 24269، وابن حبان: 2441، واللفظ له. |
^10 | رواه مسلم: 746. |
^12, ^13 | رواه مسلم: 732. |
^14 | رواه البخاري: 1148، ومسلم: 731. |
^15 | رواه مسلم: 735. |