عناصر المادة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
حكم متابعة الإمام في سجود السهو
والأصل أن الإمام إذا سها وجب على المأموم متابعته في سجود السهو؛ لقول النبي : إنـما جُعِل الإمام ليؤتـمَّ به، فلا تختلفوا عليه إلى أن قال: وإذا سجد فاسجدوا [1]، متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة .
وسواءٌ سجد الإمام للسهو قبل السلام أو بعده، فيجب على المأموم متابعته، إلا أن يكون مسبوقًا، أي: قد فاته بعض الصلاة، فإنه لا يتابعه في السجود إذا كان بعد السلام؛ لتعذُّر ذلك؛ إذ المسبوق لا يـمكنه أن يسلم مع إمامه، فيقضي ما فاته حينئذٍ، ثم يسجد للسهو ويسلِّم.
مثال ذلك: رجلٌ دخل مع الإمام في الركعة الأخيرة، وكان على الإمام سجود سهوٍ بعد السلام، فإذا سلم الإمام، فإن المسبوق لا يسلم معه، وإنـما يقوم لقضاء ما فاته، فإذا أتمَّ ما فاته، سجد للسهو.
حكم المأموم إذا سها
وإذا سها المأموم دون الإمام، ولـم يفته شيءٌ من الصلاة، فلا سجود عليه؛ لأن سجود المأموم في هذه الحال يؤدي إلى الاختلاف على الإمام، وإلى اختلال متابعته؛ ولأن الصحابة تركوا التشهد الأول حين نسيه النبي ، فقاموا معه ولـم يجلسوا للتشهد، مراعاةً للمتابعة، وعدم الاختلاف عليه، اللهم إلا أن يكون السهو في ترك ركنٍ من أركان الصلاة، فتبطل الركعة التي ترك فيها الركن، ويقضي بعد سلام الإمام ركعةً بدلًا منها، ويسجد للسهو.
أما إن فات المأموم شيءٌ من الصلاة فسها مع إمامه، أو فيما قضاه بعده، لَـم يسقط عنه السجود، فيسجد للسهو إذا قضى ما فاته.
مثال ذلك: مأمومٌ نسي أن يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، ولـم يفته شيءٌ من الصلاة، فلا سجود عليه، أما إن فاتته ركعةٌ فأكثر قضاها ثم سجد للسهو في آخر صلاته.
مثالٌ آخر: مأمومٌ يصلي الظهر مع إمامه، فلـمَّا قام الإمام إلى الركعة الرابعة، جلس المأموم ظنًّا منه أن هذه الركعة الأخيرة، فلـمَّا علم أن الإمام قائم قام، فإن كان لَـم يفته شيءٌ من الصلاة، فلا سجود عليه، أما إن كان قد فاتته ركعةٌ فأكثر، فإنه يقضيها ثم يسجد للسهو، وهذا السجود من أجل الجلوس الذي زاده أثناء قيام الإمام إلى الركعة الرابعة.
ولكن: ما الحكم إذا سلَّم الإمام عن نقصٍ من صلاته ساهيًا، كأن يسلِّم من صلاة العصر من ثلاث ركعاتٍ مثلًا، فقام المسبوق ليقضي ما فاته، ثم إن الإمام نُبِّه، فقام ليقضي تلك الركعة، فماذا يفعل هذا المسبوق؟
الجواب: يرجع المسبوق ويصلي مع الإمام، ولو كان قد استتمَّ قائمًا، ثم بعد سلام الإمام يقضي ما فاته؛ وذلك لأنه قد تبيَّن أن الإمام لَـم يفرغ من صلاته بعد، فلزمه الرجوع لمتابعته.
حكم من لزمه سجود السهو ثم نسي أن يسجد
ومن مسائل سجود السهو: أنه إذا لزم المصلي سجود السهو، ثم نسي أن يسجد للسهو، فإنه يقضيه ويسجد للسهو ما لَـم يطل الفصل، حتى وإن تكلم بعد الصلاة.
لأن النبي في قصة ذي اليدين سجد للسهو بعد أن صلى ركعتين من صلاة الظهر أو العصر، ثم قام إلى خشبةٍ في المسجد فاتكأ عليها، فقال له ذو اليدين: يا رسول الله، أنسيت أم قصُرَت الصلاة؟ فقال: لَـم أنس ولـم تُقصَر قال: بلى نسيت، فسأل النبي الصحابة الموجودين في المسجد، فصدَّقوا ذا اليدين، فعاد النبي إلى مكانه، فصلى الركعتين، ثم سجد بعد السلام سجدتي السهو [2].
ففي هذه القصة لَـم يستأنف النبي الصلاة من جديد، وإنـما بنى على ما مضى منها ثم سجد للسهو، مع أنه قد تـخلَّلها أفعالٌ وأقوالٌ من غير جنسها، فقد قام عليه الصلاة والسلام من مكانه، واتكأ على الخشبة، وتكلم مع ذي اليدين، وتكلم مع الصحابة فصدَّقوا ذا اليدين، فدل ذلك على أن سجود السهو يُقضى ما لَـم يطل الفصل.
وقد جاء في قصة ذي اليدين أن السَّرَعَان من الناس خرجوا من المسجد قبل تنبيه ذي اليدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ولا ريب أن النبي أمر هؤلاء السَّرَعان بـما يعملون، فإما أن يكونوا عادوا أو بعضهم إلى المسجد، فأتـموا معه الصلاة بعد خروجهم من المسجد، وقولهم: قُصِرت الصلاة، وإما أن يكونوا اتـمُّوا لأنفسهم لـمَّا علموا السنة.
قال: وأما أن يقال: إنـهم أمروا باستئناف الصلاة، فهذا لَـم ينقله أحدٌ، ولو أمر النبي به لنُقِل”.
ولكن: إذا نسي المصلي سجود السهو وطال الفصل، كأن لا يتذكَّر بأنه قد نسي سجود السهو إلا بعد ساعات، فمن أهل العلم من قال: إنه يقضي سجود السهو ولو طال الفصل، وجمهور أهل العلم على أنه يسقط عنه سجود السهو في هذه الحال، وصلاته صحيحة، وهذا هو الأقرب، والله تعالى أعلم.
حكم من شك في عدد الركعات
ومن مسائل سجود السهو: أن من شكَّ في عدد الركعات فشكَّ في صلاة الظهر مثلًا: هل صلى ثلاثًا أم أربعًا، فإن الشاكَّ له حالات:
- الأولى: حالٌ يُـمكنه فيها التحرِّي، فيغلب على ظنِّه أحد الأمرين، فإنه يعمل بـما غلب على ظنِّه، ويسجد للسهو بعد السلام؛ لحديث ابن مسعودٍ : أن النبي قال فيمن يشك فيتردد: هل صلى ثلاثًا أو أربعًا، قال: فليتحرَّ الصواب فليتم عليه أي: يبني على التحرِّي ثـمَّ ليسلِّم ثـمَّ يسجد سجدتين [3].
- الحال الثانية: حالٌ لا يـمكن فيها التحرِّي، وهي التي يكون الشكُّ فيها بدون ترجيح، فيأخذ في هذه الحال باليقين: وهو الأقل، ويسجد للسهو قبل السلام؛ فإذا صلى الظهر مثلًا، وشكَّ: هل صلى ثلاثًا أم أربعًا، ولـم يترجَّح عنده شيء، فإنه يأخذ بالأقل ويجعلها ثلاثًا، ويأتي بركعة ويسجد للسهو قبل السلام.
ويدل لذلك ما جاء في (صحيح مسلم) عن أبي سعيدٍ الخدري : أن رسول الله قال: إذا شكَّ أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى: أثلاثًا أم أربعًا؟ فليطَّرِح الشك، وليبنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين [4].
وأختم البحث في هذه المسألة بنقل فتوى لسماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله، حيث سئل عمّا يفعل المصلي إذا شكَّ: هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟
فقال: “الواجب عليه مع الشكِّ أن يبني على اليقين وهو الأقل؛ وذلك بأن يجعلها ثلاثًا في الصورة المذكورة ويأتي بالرابعة، ثم يسجد للسهو ويسلم؛ لقول النبي : إذا شكَّ أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى: أثلاثًا أم أربعًا؟ فليطَّرِح الشك، ولْيَبْنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا؛ شفعنَ له صلاته، وإن كان صلى تـمامًا كانتا ترغيمًا للشيطان [5]، خرَّجه الإمام مسلمٍ في صحيحه، من حديث أبي سعيدٍ الخدري .
أما إن غلب على ظنِّه أحد الأمرين من النقص أو التمام؛ فإنه يبني على غلبة ظنِّه ثم يسلِّم، ثم يسجد سجدتين للسهو بعد السلام؛ لقول النبي : إذا شكَّ أحدكم في صلاته فليتحرَّ الصواب فليتمَّ ما عليه، ثـمَّ ليسلِّم، ثـمَّ يسجد سجدتين بعد السلام [6]، رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن مسعودٍ .
أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع، والفقه في الدين، وإلى الملتقى في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.