logo

(10) فتاوى الحج 1439هـ

مشاهدة من الموقع

بسم اللّـه الرحمن الرحيم

الحمد للّـه رب العالمين، وصلى اللّـه وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين، ومن سار على نـهجهم إلى يوم الدين.

مستمعينا الكرام، السلام عليكم ورحمة اللّـه وبركاته، وأسعد اللّـه مساءكم وكل أوقاتكم بكل خيرٍ.

أهلًا ومرحبًا بكم -أيها الإخوة الكرام- في هذه الحلقة الجديدة من البرنامج اليومي الإفتائي: (فتاوى الحج).

أنقل لكم في بداية هذه الحلقة -أيها الكرام- تحايا الزملاء فريق العمل، حياكم اللّـه أيها الإخوة المستمعون الكرام.

كما نرحب أيضًا بضيفنا الكريم في هذه الحلقة، فضيلة الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.

دكتور سعد، السلام عليكم ورحمة اللّـه.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة اللّـه وبركاته، وحياكم اللّـه، وحيا اللّـه الإخوة المستمعين.

المقدم: أيضًا نرحب بكم مستمعينا الكرام، وأهلًا ومرحبًا بكم لمن أراد الاتصال وسؤال فضيلة الشيخ لأي أمرٍ، خاصةً ما يهم أحكام الحج والعمرة، أو مثلًا أحكام العشر، أو نحو ذلك.

شيخ سعد، قبل أن نأخذ اتصالاتٍ، لا يخفى على شريف علمكم شيخ -اللّـه يحفظك- أنه بـمغيب شـمس هذا اليوم ربـما تكون هذه الليلة هي أولى ليالي العشر، لو أردنا في بداية هذه الحلقة الحديث عما يهم هذه العشر من أحكامٍ، سواءٌ فيما يتعلق بـمن أراد أن يضحي، أو الأحكام العامة في دخول عشر ذي الحجة.

الشيخ: الحمد للّـه رب العالمين، وصلى اللّـه وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا اليوم هو يوم السبت، التاسع والعشرون من شهر ذي القعدة من عام (1439هـ)، وبغروب شـمس هذا اليوم يكون التحري لهلال شهر ذي الحجة، فإذا رُئي الهلال؛ فإنـها تدخل العشر؛ ولذلك أنصح من أراد أن يأخذ من شعره أو أظفاره، من كان يحتاج للأخذ من شعره أو من أظفاره، أن يبادر بذلك قبل مغيب الشمس؛ لأنه على تقدير رؤية الهلال تدخل عشر ذي الحجة بغروب شـمس هذا اليوم إذا رئي هلال شهر ذي الحجة.

فالأحوط أن يبادر الإنسان بالأخذ مـما يحتاج إليه من الشعر والأظافر قبل غروب الشمس؛ وذلك لقول النبي : إذا دخلت هذه العشر وأراد أحدكم أن يضحي؛ فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا [1]، وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلمٌ في “صحيحه” من حديث أم سلمة رضي اللّـه عنها، وهو حديثٌ صحيحٌ، يكفي أن الإمام مسلمًا خرَّجه في “صحيحه”، وصححه الترمذي والبيهقي وجمعٌ من المـحدثين من أهل العلم، ومن قال مِن العلماء بوقفه، كالدارقطني، فعلى تقدير وقفه له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي.

ولهذا فمن أراد أن يضحي: لا يجوز له أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا، وظاهر النهي أنه يقتضي التحريم، هذا هو القول الراجح الذي يُفتِي به كبار علماء المملكة، ويفتي به مشايخنا؛ مثل: سـماحة شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ، والشيخ محمد بن عثيمين، رحمهما اللّـه تعالى، هذا هو القول المستقر: أنه من أراد أن يضحي؛ فلا يجوز له أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا، وإنـما قلت ذلك؛ لأنه تُثار عَبْر وسائل التواصل الاجتماعي أقوالٌ أخرى، إما ضعيفةٌ وإما مرجوحةٌ، وهذه الأقوال تثير الشك والريبة في نفوس العامة، فينبغي عدم إثارتـها؛ لأن هذا هو الرأي المستقر لدى الناس في هذه البلاد، ولأن علماء هذه البلاد يفتون بذلك، وهم يعتمدون على حديثٍ صحيحٍ صريحٍ، أما كونه صحيحًا؛ فهو في “صحيح مسلمٍ”، وأما كونه صريحًا؛ فعبارته ظاهرةٌ بأن من أراد أن يضحي؛ فليس له أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا.

ولكن من لـم تكن نيته جازمةً بالأضحية: فالأصل أنه يجوز أن يأخذ من شعره ومن أظفاره حتى يجزم بنية الأضحية، وأيضًا هذا الحكم خاصٌّ بـمن أراد أن يضحي، ولا يشمل من يضحَّى عنه على القول الراجح؛ لأن النبي قال: إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي..، ولـم يقل: أو يضحَّى عنه.

وعلى ذلك: فإذا كان رب الأسرة هو الذي يضحي، وبقية أفراد الأسرة لا يضحون، فالحكم خاصٌّ برب الأسرة، هو الذي لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره، ولا يشمل ذلك بقية أفراد أسرته، ثم إن المراد بالمضحي: هو من يدفع ثـمن الأضحية، وليس الذي يباشر الذبح، فلو أن شخصًا أعطى آخر، قال: خذ، هذه ألف ريالٍ، اشتـرِ لي بـها أضحيةً، فالذي دفع الثمن هو الذي يمسك عن الأخذ من الشعر ومن الأظفار، أما الوكيل الذي يباشر الذبح فلا يتعلق به هذا الحكم؛ لأنه مـجرد وكيلٍ ومنفِّذٍ لـما طلبه منه الموكِّل.

ومن أحكام هذه العشر: أنه بدخولها يبدأ وقت التكبير المطلق، ومعنى كونه مطلقًا: أي لا يتقيد بأدبار الصلوات الخمس، وإنـما يكون في أي وقتٍ، ويستمر وقت التكبير المطلق إلى غروب شـمس آخر أيام التشريق.

وأما التكبير المقيَّد: فيبدأ -لغير الحاج- من بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق.

وأما بالنسبة للحاج: فيبدأ من ظهر يوم النحر -إن كان قد رمى جمرة العقبة- إلى عصر آخر أيام التشريق.

وهو سُنةٌ مؤكدةٌ، فينبغي أن يحرص المسلم على هذه السنة، خاصةً مع ملاحظة أن بعضًا أو كثيرًا من الناس لا يحرصون عليها، فرحم اللّـه من أحيا هذه السنة بقوله وفعله!

ومن مواضع تأكُّد الإتيان بـهذه السُّنة، أعني سُنة التكبير: بين الأذان والإقامة، عندما يأتي الإنسان للمسجد، ويأتي بتحية المسجد أو بالسنة الراتبة، فهنا السنة أن يُكبِّـر وأن يرفع صوته، وأن يُحيي هذه السُّنة.

وقد كان الناس في هذه البلاد إلى وقتٍ ليس بالبعيد؛ كانوا إذا دخلت العشر الأوائل تضجُّ المساجد بالتكبير، ليس المساجد فحسب، بل الأسواق والطرقات، ويُعرف دخول العشر من كثرة التكبير، أما الآن فربـما يدخل الإنسان المسجد ولا يسمع مُكبِّـرًا، فرحم اللّـه من أحيا هذه السنة بقوله وفعله!

وهذه الأيام العشر هي أفضل أيام السَّنَة على الإطلاق، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول اللّـه، ولا الجهاد في سبيل اللّـه؟ قال: ولا الجهاد في سبيل اللّـه، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، فلـم يرجع من ذلك بشيءٍ [2].

هذا الحديث حديثٌ عظيمٌ أخرجه البخاري في “صحيحه”، بيَّـن فيه النبي أن العمل الصالح في هذه العشر المباركة أحبُّ العمل إلى اللّـه، وأنه لا يعدله شيءٌ حتى الجهاد في سبيل اللّـه، مع كونه ذروة سنام الإسلام، ومع ذلك العملُ الصالحُ في هذه الأيام لا يوجد أفضل منه إلا في حالةٍ واحدةٍ: حالة رجلٍ قُتل في سبيل اللّـه، وأنفق جميع أمواله في سبيل اللّـه؛ وهذا يدل على فضل العمل الصالح في هذه العشر المباركة، فينبغي للمسلم أن يحرص على اغتنام هذه العشر، وأن يحسن إدارة وقته فيها.

المقدم: جزاكم اللّـه خيرًا -شيخ سعد- على هذا البيان والتفصيل، أسأل اللّـه أن ينفع بكم.

نأخذ أول اتصالٍ معنا من أخينا أبي عبدالملك من تبوك.

المتصل: السلام عليكم ورحمة اللّـه وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله.

المتصل: عندي ثلاثة أسئلةٍ:

سؤالي الأول: شيخنا رجلٌ نوى الحج متمتِّعًا، وأخذ العمرة وأحلَّ مِن إحرامه قبل يومٍ تقريبًا، والآن بدا له أن يحج عن قريبه المتوفَّـى، الآن هل له أن ينوي عن قريبه المتوفَّـى؟

السؤال الثاني: شيخنا حفظكم اللّـه، الآن بعض العوام يذهب للمكتب ويحجز في إحدى الحملات، لكنه لا ينوي نُسُكًا معيَّـنًا، ويذهب مع الحملة ويحج مُفرِدًا مع الناس، وهو لا يعلم الأنساك، ولا يعرف أي نسكٍ، هل يُشترط نيةُ معرفةِ النسك في هذه الأمور؟

الشيخ: كيف يُشترَط؟

المتصل: يعني: هل يُشترط أن ينوي نسكًا معينًا حتى يحج به؟

الشيخ: هو عند الإهلال بالنُّسك ماذا قال؟

المتصل: نوى الحج، يعني: لبَّـى بالحج: لبَّيك اللهم حجًّا، لكنه ليس في نيَّته أي نُسُكٍ من الأنساك الثلاثة، وذهب مع الحملة وحج مع الناس مُفرِدًا.

السؤال الثالث شيخنا: الآن كثيرٌ من الناس الذين نشاهدهم يُـمسك عن حلق اللحية في هذه العشر، ثم يحلق، الآن هل يؤجر على إمساكه في مثل هذه الحال، هو يُـمسك فقط في العشر، وهو ناوٍ أن يحلق بعد العشر، بعد أن يُضحِّي.

المقدم: تسمع الجواب عبر الإذاعة يا أبا عبدالملك إن شاء اللّـه.

معنا كذلك من القصيم أم وضَّاحٍ.

المتصلة: السلام عليكم ورحمة اللّـه، لو سـمحت عندي ثلاثة أسئلةٍ:

السؤال الأول: صليت صلاة الفجر، وبعدما انتهيت من الصلاة -سبحان اللّـه!- غفلت كذا وسهوت، ما انتبهت إلا وأنا أسبِّح بعد الصلاة، ما أدري سلَّمت أو ما سلَّمت.

المقدم: يعني: في التشهد رقدتِ.

المتصلة: أجل، فعلت هذا كله، لكن في التسليم شككت، فسجدت سجدتين وسلمت وأكملت التسبيح، هل هذا صحيحٌ، أو عليَّ أن أعيد الصلاة؟

الشيخ: يعني: شككتِ فقط في التسليم؟

المتصلة: أجل، أجل في التسليم.

الشيخ: ثم أتيتِ بسجود السهو وسلمت.

المتصلة: أجل، وأكملت التسبيح، ما أعدت من الأول، هذا السؤال الأول.

السؤال الثاني: الذكر من أذكار الصباح والمساء: يا حيُّ يا قيُّوم برحمتك أستغيث..، طبعًا أنا مرةً في الإذاعة سـمعت: يا حي يا قيوم بك أستغيث، فهل: برحمتك أستغيث، هذه ليست ثابتةً؟ أو أنـهما روايتان عن النبي ، أو إذا جئت أحيانًا لأدعو أقول: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أو: أسألك يا ربِّ برحمتك التي وسعت كل شيءٍ أن ترحمني، هل هذا جائزٌ -يا شيخ- أو لا يجوز؟

السؤال الثالث والأخير معذرةً: أختي تُدَرِّس قرآنًا للأطفال، ذَكَرَت لهم حديث النبي ، معناه: الذي يَحفظ القرآن يُلبَس والداه تاجَ الوقار، فسألتها طفلةٌ سؤالًا، صراحةً هي خافت أن تُـجيبها بغير علمٍ، ربما يكون خطأً، الطفلة سألتها قالت: يا أستاذة، كيف يعني تاج الوقار؟ يعني: هل هذا التاج على أمي كل يومٍ؟ أم أن له أوقاتًا يذهب فيها؟

الفقرة الثانية من السؤال، هي طفلةٌ صغيرةٌ في  الثاني الابتدائي، قالت: نحن ثلاث بناتٍ نَحفظ القرآن، لو حفظنا كلنا الثلاثة -ما شاء اللّـه- هل يكون التاج واحدًا؟ أم يكون لكل واحدةٍ تاجٌ على رأس أمي؟ فتسألني أنا كَأُمٍّ لا أعرف صراحةً أن أُجيب، ما أدري هل هذا التاج حسِّيٌّ، أو أنه شيءٌ معنويٌّ، يا شيخ نريد أن توضح لنا؟

المقدم: تسمعين الجواب -إن شاء اللّـه- يا أم وضاحٍ، شكرًا لكِ.

شيخنا، أبو عبدالملك يسأل يقول: رجلٌ نوى الحج متمتعًا، الآن اعتمر وانتهى من عمرته، ثم بدا له أن يكون حجه عن رجلٍ آخر متوفًّى، هل له ذلك يا شيخ؟

الشيخ: نعم، له ذلك، لا بأس بـهذا، وبـذلك يكون متمتعًا، ولكن ننصح بأن يجعل الإنسان العمل الصالح لنفسه، وألا يبالغ في إهداء ثواب القُرَب للغير؛ لأن بعض الناس عنده هذا النَفَس، عنده نَفَس إهداء ثواب أعماله للآخرين من الأحياء والأموات، وكأنه سيُعمَّر، وكأنه سيعيش عمرًا طويلًا، وكأنه ليس بحاجةٍ لعملٍ صالحٍ، فأقول: يا أخي الكريم، كما أن قريبك المتوفَّـى هذا بحاجةٍ لعملٍ صالحٍ؛ فأنت أيضًا بحاجةٍ لعملٍ صالحٍ؛ ولهذا النبي قال: إذا مات الإنسان؛ انقطع عمله إلا من ثلاثٍ..، وذكر منها: أو ولدٍ صالحٍ يدعو له [3]، فلـم يذكر النبي سوى الدعاء، اللهم إلا أن يكون هذا القريب له حقٌّ متأكِّدٌ على الإنسان؛ كوالديه مثلًا، فهنا كونه يحج عنه أو يعتمر عنه، يدخل أيضًا في باب البـر به، أما أن الإنسان كلما حج أو اعتمر؛ يُهدي الثواب لغيره، هذا وإن كان جائزًا لكن الأولى أن يجعل الحج لنفسه، وأن يدعو لقريبه المتوفَّـى ويتصدق عنه.

المقدم: أحسن اللّـه إليكم يا شيخ، أيضًا يسأل يقول: من حجَّ.. بعض العوام ربـما يركب مع الناس في الحافلة في الحملة ولا ينوي نُسُكًا معيَّنًا، وإنـما ينوي الحج فقط، فيمشي مع الناس ويحج، يعني: ماذا يكون نُسُكه؟ هل يشترط في الحج أن ينوي نُسُكًا من أحد الأنساك الثلاثة؟

الشيخ: إذا نوى الحجَّ فقط فهو في الحقيقة مُفرِدٌ، إذا ركب مع الناس وقال: لا أريد إلا الحج، ولبَّـى وأهلَّ بالحج، فهو -في حقيقة الأمر- يعتبر مُفرِدًا، وله أن يقلِب ذلك إلى تـمتعٍ، لو أنه لـمَّا أحرم بالإفراد نُصِح وقيل له: إن الأفضل هو التمتُّع، فالأفضل أن يقلب الإفراد إلى تـمتعٍ، ويأتي بعمرةٍ ويتحلَّل منها، ثم يُـحرم بالحج، هذا هو الأفضل والأكمل.

وينبغي لمن أراد أن يحج أن يحرص على أن يتبصر وأن يتفقه في مسائل أحكام الحج، وأن يقرأ بعض الكتيبات النافعة، وأن يستمع لكلام أهل العلم عن مسائل وأحكام الحج، وأن يكون لديه الحرص على التفقه والتبصر في مسائل وأحكام الحج؛ حتى يأتي بـهذه العبادة كما أمر اللّـه، وكما يحب اللّـه تعالى ويرضى.

المقدم: أحسن اللّـه إليكم، لكن لو قال مثلًا: سأحج مع هذه الحملة الذين يحجون، أي نُسُكٍ أنا معهم…

الشيخ: لا بأس بـهذا، وهذا قد فعله عليٌّ ، قال: أهللت بـما أهلَّ به رسول اللّـه ، قال هذا وهو عند الميقات، ثم لـمَّا قدم للنبي ، قال: بـم أهللت؟، قال: قلت: أهللت بـما أهلَّ به رسول اللّـه ، وأقرَّه النبي على ذلك [4]، وأخبره عليه الصلاة والسلام بأنه كان قارنًا، فكان عليٌّ  قارنًا، وقد ساق الهدي كما فعل النبي .

وعلى ذلك: فمن أهل بالنُّسُك الذي سيُهِلُّ به أهل الحملة، أو أنه يثق في عالِـمٍ من العلماء، وقال: أهللت بـما أهل به العالـم الفلاني، ونحو ذلك؛ فهذا سائغٌ ولا بأس به.

المقدم: أحسن اللّـه إليكم يا شيخ، معنا الأخ سلطان من تبوك، تفضل سلطان.

المتصل: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: أنا عندي سؤالٌ فقط: والدي يريد الحج هذا العام وهو قارِنٌ، يكون عليه هديٌ، يريد أن يُضحِّي، هل يـمسك عن قص الشعر؟ نوى شهر ذي الحجة من أجل الأضحية، هل يحق له القص والحلق قبل الإحرام أم لا؟

الشيخ: يعني: يريد أن يضحي بغير الهدي الذي سيذبحه في الهدي؟

المتصل: إي نعم.

المقدم: تسمع الجواب سلطان إن شاء اللّـه، معنا أيضًا من مكة الأخ أبو محمدٍ.

المتصل: السلام عليكم ورحمة اللّـه.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: عندي سؤالٌ: أنا من مكة، بخصوص طواف الوداع، هل علينا طواف وداعٍ؟

المقدم: أنت من سكان مكة؟

المتصل: إي نعم، الأمر الثاني: الإحرام، هل وقت الإحرام لا بد أن أخرج خارج حدود الحرم؟

الشيخ: في الحج وليس في العمرة؟

المتصل: لا، لا، الحج، إي نعم، أتكلم عن الحج.

المقدم: تسمع الجواب إن شاء اللّـه.

نعود لسؤال أخينا أبي عبدالملك -شيخ سعد اللّـه يحفظك- يقول: إن بعض الناس يـمسك عن حلق لحيته أثناء العشر، ثم ينوي بعد ذلك أنه سوف يحلقها بعد أن يذبح أضحيته، هل يؤجر على إمساكه هذا؟

الشيخ: حلق اللحية محرمٌ، وقد حُكي إجماع العلماء عليه، والنبي   أَمَر بإعفاء اللحى، وقال: خالفوا المـجوس [5]، خالفوا المشركين [6]، أعفوا اللِّحى، أوفروا اللحى؛ هذا أمرٌ وهو يقتضي الوجوب، فيحرم حلق اللحية.

ومعصية حلق اللحية تتكرَّر كل أسبوعٍ من الإنسان في الغالب، ومعنى ذلك: أنه إذا كان مُصِّرًّا على حلق لحيته، فإنه سيعصي اللّـه تعالى أكثر من خمسين مرةً في العام، بارتكاب هذه المعصية، وليُقدِّر الذي يحلق لحيته أنه مات فجأةً ولقي ربَّه سبحانه وهو متلبِّسٌ بـهذه المعصية، فكيف سيلقى ربَّه وهو متلبِّسٌ بـها؟!

ولذلك أنصح من كان على هذه المعصية بأن يتوب إلى اللّـه ، وأمامه هذا الموسم، موسم عشر ذي الحجة، فرصةٌ لأن يبدأ في التوبة إلى اللّـه من هذه المعصية، والتي كانت العرب تستعيبها في جاهليتهم، وكانوا يرون أن من كمال الرجولة أن الرجل يُعفِي لحيته، وأما ما يفعله بعض الناس من إعفاء لحاهم في عشر ذي الحجة، فهذا أمرٌ طيِّبٌ، ويُشكرون عليه، ويُرجَى أن يثابوا ويؤجروا عليه، وأما كونـهم يعودون لحلق اللحية بعد أن يضحوا؛ فهذا عملٌ منكرٌ، ولذلك نحن نشجعهم وننصحهم بأن يستمروا على ما يفعلونه في عشر ذي الحجة من إعفاء لحاهم، ونقول لهم: عليكم أن تتركوها، وألا تحلقوها بعد ذبح الأضحية، ما دام أن اللّـه منَّ عليكم وتركتم وأعفيتم لحاكم في عشر ذي الحجة، فاستمروا على هذا الخير، ولا ترتكبوا معصيةً بحلق لحاكم بعد ذبح الأضحية.

المقدم: أحسن اللّـه إليكم يا شيخ، أم وضَّاحٍ تقول: إنـها صلَّت الفجر، وفي أثناء التشهُّد، تقول: بعدما انتهيت من التشهُّد أنا شككت هل سلَّمت أو ما سلمت، ثم بعد ذلك سجدتُ سجدتين ثم سلمت، هل فعلها صحيحٌ؟

الشيخ: الفقهاء يقولون: من شكَّ في ترك ركنٍ فهو كتركه، هذا إذا لـم يكن كثير الشكوك والوساوس، كان الواجب عليها أنـها ما دامت شكَّت في السلام أن تُسلِّم، ثم تسجد للسهو بعد ذلك، ولكنها لـم تفعل هذا، إنـما اكتفت بسجود السهو، حيث إن سجود السهو يعقبه تسليمتان، وهذا أمرٌ قد مضى وانتهى، فأرجو أن تكون صلاتـها صحيحةً ولا شيء عليها إن شاء اللّـه.

المقدم: تقول: إنـها تعرف من أذكار الصباح والمساء: يا حيُّ يا قيُّوم برحمتك أستغيث ، تقول: سمعت أحدهم يومًا يقول: يا حيُّ يا قيُّوم بك أستغيث، أيهما أصح يا شيخ؟

الشيخ: كلتا الصيغتين صحيحتان، ويا حيُّ يا قيُّوم برحمتك أستغيث.. [7]، وردت في بعض الأحاديث، ورحمة اللّـه هي صفةٌ من صفات اللّـه ، فيسأل اللّـه تعالى بـها كما يسأل بسائر صفاته جل وعلا، كما يسأل اللّـه تعالى بعزَّته وبرحمته وبقدرته، وبسائر صفاته جل وعلا، ولذلك ذكر اللّـه تعالى عن إبليس أنه قال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82]، وأجاب اللّـه دعوته، قال: إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:83]، قال: هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ [الحجر:41]، فسؤال اللّـه بصفاته لا بأس به، ويكون هذا من التوسُّل إلى اللّـه تعالى بأسـمائه وصفاته.

المقدم: بارك اللّـه فيكم، تقول: إن أختها تُدرِّس القرآن، سألتها إحدى الطالبات أنـها تريد أن تُلبِس والدتـها تاج الوقار، هل هذا التاج يبقى عليها دائمًا، ثم إنـها أيضًا تقول: نحن ثلاثةٌ، أيُّنا ستُلبسها التاج إذا حفظنا القرآن؟

الشيخ: أولًا الحديث المروي في ذلك في سنده فيه مقالٌ، وبعض أهل العلم ذكر له طرقًا وشواهد ربـما يرتقي بـمجموعها إلى درجة الحَسَن، وعلى تقدير ثبوته فهو من أمور الآخرة التي نؤمن بـها كما وردت ولا نعلم كيفيتها، فنقول: إن هذا الحافظ لكتاب اللّـه يُلبَس والداه تاج الوقار، وأما كيفيته وكيف يكون، وإذا كان له أكثر من ولدٍ من ابنٍ أو بنتٍ؛ كيف يكون؟ اللّـه تعالى أعلم، نؤمن بذلك كما ورد، ونعتقد أن ما قاله اللّـه ​​​​​​​ وقاله رسوله  حقٌّ، ولكن كيفية هذا لا ندري؛ لأننا إنـما نعلم ذلك عن طريق الوحي، ولـم يرد شيءٌ يبيِّـن كيفية ذلك، ولذلك فهذه المسائل وأمثالها ينبغي أن يُؤمَن بـها كما وردت، وألا يُدخَل في تفاصيلها؛ لأن العقل البشري لا يـمكن أن يدرك تفاصيلها؛ لأنـها أمورٌ غيبيةٌ متعلقةٌ بعالـم الآخرة، ولا تُدرَك إلا بالوحي، لا تُدرك إلا عن طريق الوحي، والوحي إنـما ورد بذكرها مجملةً.

المقدم: نستأذنك، آخذ اتصالًا من أم عبدالعزيز من جدة.

المتصلة: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

يا شيخ سؤالي هو عن الضمان، أنا كفيفةٌ وأعيش مع أمي، والوالد متوفًّى، وترك لنا عمارةً، كل واحدٍ من إخوتي له شقةٌ، وشقةٌ أنا وأمي نسكن فيها، وشقةٌ نؤجرها، الإيجار طبعًا بيني وبين أمي، فنأخذ مبلغًا من الضمان والتأهيل، الأولاد ميسورون، يعني: وضعهم طيب، المشكلة هنا: الوالدة شاكَّةٌ هل هي تأخذ من الضمان لأن أولادها ميسورةٌ حالهم، وأنا ما هو وضعي: يجوز لي أن آخذ من الضمان؟

طبعًا عندنا مبلغٌ بسيطٌ من الوالد في البنك، يعني: مبلغٌ بسيطٌ، يعني: نحن يجوز لنا أن نأخذ من الضمان؟ هنا السؤال.

الشيخ: إيجار الشقة يكفيكم إلى آخر الشهر؟

المتصل: لا، هو لشهرٍ ثلاثين، ينقسم بيني وبين الوالدة، طبعًا ما يكفي مصاريفنا والشغَّالة.

المقدم: هذا خلال السنة، ثلاثون إيجار الشقة؟

المتصل: أجل، إيجار سنةٍ ثلاثون.

المقدم: تسمعين الجواب -إن شاء اللّـه- أم عبدالعزيز.

معنا أيضًا من جدة كذلك أم محمدٍ، تفضلي.

المتصل: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 يا شيخ، إذا أتيت بعمرةٍ في آخر شهر ذي القعدة، أو في بداية عشر ذي الحجة، وقعدت في مكة إلى الحج، هل حجي تـمتُّعٌ، وما هي الأيام التي نصومها؟ ما أدري، يقولون: أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ، إذا لـم يستطع الهدي.

الشيخ: وأنتم من سكان جدة؟

المتصل: نعم، وعمتي من الدمَّام، لكن تقعد في الحرم.

الشيخ: لكن أنتم إقامتكم في جدة؟

المتصل: في جدة، إي، ونحن في جدة إقامتنا.

المقدم: تعتمرين وترجعين إلى جدة أم تبقين في مكة؟

المتصل: لا، في مكة، نحن من جدة، وإذا قعدت في مكة…

المقدم: وأنتِ ما تستطيعين الهدي، يعني: إذا كان تَـمتعًا؟

المتصل: لا، ما نستطيع الهدي.

المقدم: تسألين عن الصيام يعني؟

المتصل: إي، نسأل متى صيام الثلاثة أيام في الحج، ومتى السبعة؟

المقدم: تسمعين الجواب -إن شاء اللّـه- يا أم محمد.

شيخ، اللّـه يحفظك، نعود لسؤال أخينا سلطان، يقول: إن والده يحج؛ وسيحج قارنًا، ويسأل بالنسبة للحلق قبل الإحرام، يعني: يريد أن يحلق مثلًا شاربه، أو نحو ذلك، هل يجوز له ذلك؛ لأنه سيُضحِّي؟

الشيخ: ما دام يريد أن يضحي؛ فليس له أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى تُذبح أضحيته ولو كان حاجًّا، إلا ما كان متعلقًا بالنسك، فإذا أتى بعمرةٍ، مثلًا كان متمتعًا وأتى بعمرةٍ؛ فلا بأس أن يُقصِّر من شعر رأسه لأجل العمرة ولو كان يريد أن يُضحِّي؛ لأن هذا نُسُكٌ، لأن التقصير يعتبر نُسُكًا، وما دام أنه سيكون قارنًا فهو لن يتحلَّل، سيُحرم بالحج والعمرة، ثم يأتي بطواف القدوم، وإن شاء قدَّم سَعْيَ الحج ثم يستمر على إحرامه إلى حين رمي جمرة العقبة، بعد رمي جمرة العقبة يحلق أو يقصِّر، والحلق أفضل، وهنا يجوز له أن يحلق رأسه قبل أن تُذبح أضحيته؛ وذلك لأن الحلق نُسُكٌ.

وأما الأخذ من بقية الشعور؛ كأن يأخذ من شاربه مثلًا، أو يقص أظافره، ونحو ذلك، فهذا إنـما يكون بعد ذبح أضحيته، فلا يفعل ذلك حتى يتصل بوكيله الذي وكَّله عن ذبح الأضحية، فإذا قال له الوكيل: إنه قد ذُبحت أضحيتك؛ جاز له أن يأخذ من شعره وأظفاره.

المقدم: أحسن اللّـه إليكم، معنا اتصالٌ أظن من أم نائف.

المتصل: السلام عليكم.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

عندي ثلاثة أسئلةٍ:

الأول: الحاج يُكبِّـر في الأيام هذه العشر؟

المقدم: تقصدين الحاج هنا، أو في مكة، أو أين؟

المتصل: لا، الحاج هنا.

المقدم: الذي يحج يعني؟

المتصل: أجل.

السؤال الثاني: المرأة تسعى سعي الحج؟

السؤال الثالث: أنا تأتيني ألوانٌ قبل الدورة بثلاثة أيامٍ، أصلي أم لا؟

الشيخ: كيف ألوان؟ يعني: لون الدم أو غيره؟

المتصل: ألوان كُدْرة، كذا.. بُنِّيَّةٌ.

الشيخ: وتستمر حتى يأتي الحيض؟

المتصل: أجل، تستمر حتى يأتي الحيض.

الشيخ: وكم مدة الحيض؟

المتصل: مدة الحيض ستة أيامٍ.

الشيخ: ثم بعده يحصل الطهر، أو أيضًا كدرةٌ؟

المتصل: لا، هي قبلها، تجيء قبلها.

الشيخ: قبلها، وبعدها ما تأتي؟

المتصل: لا، قبلها، ما تأتي.

الشيخ: تسمعين الجواب يا أم نايف إن شاء اللّـه.

المقدم: شكرًا لك يا أم نايف.

نعود يا شيخ -اللّـه يحفظك- لأسئلة أبي محمدٍ من مكة، يقول: نحن أهل مكة هل علينا طواف وداعٍ؟

الشيخ: أهل مكة ليس عليهم طواف وداعٍ، إنـما طواف الوداع على غير أهل مكة.

المقدم: يسأل كذلك: من أين يُـحرِم وهو من أهل مكة إلى الحج؟

الشيخ: أهل مكة يحرمون من بيوتـهم؛ لقول النبي لـمَّا حدَّد المواقيت، قال: هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن مـمن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة [8]، فأهل مكة بالنسبة للحج يُحرِمون من بيوتـهم، وأما بالنسبة للعمرة فيخرجون خارج حدود الحرم، ويحرمون من الحِل، وأدنى الحِل: التنعيم.

والحكمة في ذلك -واللّـه أعلم- أنه في الحج سيَجمعون بين الحِل والحرم، فإن عرفة من الحِل، ومِنًـى ومزدلفة من الحرم، فهم سيَجمعون بين الحل والحرم، ولذلك يُحرمون من بيوتـهم، وأما في العمرة فلن يحصل الجمع بين الحِل والحرم إلا إذا أحرموا من الحِل، ولذلك يُفرَّق بين عمرة المكي وبين حجِّه، فالمكي إذا أراد أن يعتمر؛ فإنه يحرم من الحِل، وإذا أراد أن يحج يحج من بيته.

المقدم: أحسن اللّـه إليكم، أم عبد العزيز من جدة تقول: إنـها امرأة كفيفةٌ وتسكن هي ووالدتـها في عمارةٍ، وفيها أيضًا إيجار شقةٍ، يأخذون هذا الإيجار تقريبًا ثلاثين ألفًا سنويًّا، وتسأل: هل تأخذ من الضمان، تقول: عندنا مبلغٌ بسيطٌ في البنك، لكن ندَّخره لوقت الحاجة؟

الشيخ: ما دام أن حالها وحال والدتـها كما ذكرت؛ فلا بأس أن يأخذوا من الضمان، والضمان الاجتماعي عندنا في المملكة العربية السعودية المصدر الرئيسي له هو: زكوات الشركات، كما صرَّح بذلك المسؤولون في الشؤون الاجتماعية، ولذلك لا يأخذ من الضمان إلا من كان مستحقًّا للزكاة، وإن كان الضمان يُدعَم من الدولة أيضًا، لكن المورد الرئيس هو زكوات الشركات، فلا يأخذ منه إلا من كان مستحقًّا للزكاة.

وعلى ذلك: الأخت الكريـمة ما دام أن حالها ما ذَكَرَت، وأن إيجار الشقة التي أشارت إليها لا يكفيهم؛ فلا بأس أن يأخذوا من الضمان.

المقدم: جزاك اللّـه خيرًا شيخ سعد، أم محمدٍ تقول: أنا من جدة وسأذهب إلى مكة، وسأعتمر الأيام هذه، بداية العشر، وإذا جاء الحج؛ سأحج إن شاء اللّـه، هل أُعتبر متمتعةً؟ عليَّ هديٌ؟

الشيخ: نعم، تُعتبرين متمتعةً أنت ومن معك؛ لأنكم ستأتون بعمرةٍ في أشهر الحج، ولـم ترجعوا إلى بلد الإقامة؛ وهو جدة بالنسبة لكم، ومن كانت هذه حاله؛ فهو متمتعٌ، فتُعتبرون متمتعين، ويكون عليكم هديٌ، والهدي إذا كنتم لا تستطيعونه؛ فاللّـه يقول: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196]، فتصومون عشرة أيامٍ، ثلاثة أيامٍ في الحج، وهذه الثلاثة الأيام تكون بعد العمرة، وإن تيسر أن تكون مثلًا يوم السادس والسابع والثامن؛ فحسن، أو أنـها تكون في أيام التشريق: اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، لا بأس بذلك؛ لحديث عائشة وابن عمر ، قالوا: “لـم يُرخَّص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لـم يجد الهدي” [9]، وسبعة أيامٍ إذا رجعتم إلى بلد الإقامة تصومونـها.

المقدم: جزاكم اللّـه خيرًا، شيخ أم نايفٍ تقول: هل يُكبِّـر الحاج؟

الشيخ: نعم، الحاج كغيره يُشرع له التكبير، والتكبير المطلق يبدأ بدخول عشر ذي الحجة، ويُشرع للجميع -للحاج ولغير الحاج- أن يبدءوا في التكبير من دخول عشر ذي الحجة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، لكن التكبير المقيَّد الذي يكون بعد أدبار الصلوات، هذا يكون بالنسبة لغير الحاج من فجر يوم عرفة، وبالنسبة للحاج من ظهر يوم النحر.

المقدم: تسأل في سؤالها الثاني -أم نايف- تقول: هل على المرأة سعيٌ في الحج؟

الشيخ: المرأة كالرجل في جميع أفعال الحج، فالنساء شقائق الرجال، فما يُطلب من الرجل هو مطلوبٌ من المرأة، يجب على المرأة أن تطوف وأن تسعى، وأن تأتي بجميع أعمال الحج، وبجميع ما يفعله الرجل في الحج، ليس هناك فرقٌ بين الرجل والمرأة في أعمال النُّسُك.

المقدم: في سؤالها الثالث تقول: إنـها تأتيها كُدْرةٌ قبل أيام دورتـها، هل تُعَدُّ هذه الكُدْرة..، هي ثلاثة أيامٍ من ضمن الدورة؟

الشيخ: ما دام أن هذه الكدرة وهذه الإفرازات متصلةٌ بالحيض؛ فالفقهاء يقولون: إن الكُدْرة والصُّفرة التي تسبق الحيض متصلةً به، أو تكون بعده متصلةً به، فإنـها تأخذ حكم الحيض؛ لأنـها كالمقدمة للحيض، وعلى ذلك فهي تأخذ حكم الحيض.

المقدم: جزاكم اللّـه خيرًا، أيضًا نختم بأسئلة إحدى الأخوات التي بعثتها، تسأل عن: تـمشيط الشعر أثناء العشر لمن أراد أن يضحي؟

الشيخ: لا بأس بتمشيط الشعر لمن أراد أن يضحي، وهكذا أيضًا تـمشيط الشعر للمُحرِم، ولكن يكون ذلك برفقٍ، حيث لا يتعمد تقطيع شيءٍ من الشعر، وما يسقط من الشعر أثناء التمشيط أو بعد التمشيط، فهو شعرٌ ميِّتٌ، ولا حرج على الإنسان فيه، ومـما يدل لجواز ذلك: ما جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي اللّـه عنها لـمَّا أتاها الحيض، وأتى يوم عرفة ولـم تطهر، فأمرها النبي بأن تكون قارنةً، وقال لها: انقُضي رأسكِ وامتشطي [10]، والشاهد قوله: وامتشطي، أمرها بالامتشاط، وهذا لفظه في “الصحيحين”، مع أنـها كانت مُحرِمةً، فإنـها أدخلت الحج على العمرة، ومع ذلك أمرها النبي بالامتشاط، فدلَّ هذا على أن المـحرم يجوز له أن يـمتشط، كذلك أيضًا من باب أولى: من يُـمسك عن الشعر والأظافر لأجل أنه سيضحي، يجوز له الامتشاط، لكن يكون ذلك برفقٍ، وما قد يتساقط من الشعر بعد ذلك فهو شعرٌ ميِّتٌ.

المقدم: أحسن اللّـه إليكم، تقول: إن ابنها توفي وهو لـم يبلغ الحلم، هل عليه حسابٌ؟

الشيخ: أولاد المسلمين، من بنين وبناتٍ، الذين ماتوا قبل البلوغ هؤلاء كلهم في الجنة بإجماع العلماء، وإنـما الخلاف في أولاد غير المسلمين، أما أولاد المسلمين فقد أجمع العلماء على أنـهم يكونون في الجنة، ويكونون شفعاء لوالديهم، وهذه بشرى نسوقها لكل من مات له ابنٌ أو بنتٌ قبل البلوغ، فنقول: إن هؤلاء مصيرهم إلى الجنة برحمة أرحم الراحمين؛ كما أخبر بذلك النبي [11]، وأن هؤلاء سيكونون شفعاء لكم يوم القيامة، وهذه سلوى لكل من فقد ابنًا أو بنتًا له قبل البلوغ.

المقدم: إذنْ تقول: إنـها تحزن على ابنها هذا الذي فقدته، هل عليها في حزنـها شيءٌ؟

الشيخ: ينبغي ألا تحزن؛ لأنه -كما ذكرنا- مصيره للجنة، فكيف تحزن عليه وهذا هو مصيره؟! وعليها أن ترضى بقضاء اللّـه وقدره، وأن تستحضر أن اللّـه تعالى الذي أعطاها هذا الابن هو الذي أخذه منها، وأن عمره هو هذا العمر الذي قُدِّر له، فلا يـمكن أن يعيش دقيقةً واحدةً بعد العمر الذي كتبه اللّـه تعالى له في هذه الدنيا، فعليها أن ترضى بقضاء اللّـه تعالى وقدره، وأن تستحضر أن الموت هو مصيرنا جميعًا، ولكن منَّا المتقدم ومنَّا المتأخر، وهذا الحزن لا ينفعها، بل يضرها ويصيبها بالإحباط، وربـما يُذهب عنها الخشوع في العبادة ونحو ذلك، ينبغي أن تصبر وأن تحرص على أن ترضى ما أمكن، وأن تسأل اللّـه تعالى أن يجعل هذا الابن شفيعًا لها يوم القيامة.

المقدم: المشكلة -شيخ سعد- أن بعض من فقد مثلًا ميتًا أو ابنًا يحتفظ أحيانًا بـمقتنياته التي تذكره بابنه هذا دائمًا.

الشيخ: وهذا أمرٌ لا ينبغي، هذا ينافي الصبر المطلوب، ولذلك ينبغي أن يُتخلص من صور الأموات، وألا يُحتفظ بـها؛ لأنـها تجدِّد الحزن، والنبي يقول: إن الميت ليُعذَّب ببكاء أهله عليه [12]، فإذا كان أهل الميت يبكون عليه ويتألمون عليه، ويحزنون عليه، هذا يؤذي الميت.

المقدم: كيف يؤذيه؟

الشيخ: اللّـه تعالى أعلم، لكن النبي أخبرنا بذلك، وبيَّـن لنا أن الميت يتأذَّى بـهذا ويتعذَّب، فإذا أردت أن تُحسن إلى قريبك المتوفَّـى؛ فينبغي ألا يبكي الإنسان عليه بكاءً بصوتٍ مرتفعٍ، وأيضًا ألا يؤذيه بالاحتفاظ بصوره التي تجدِّد الحزن، ونحو ذلك، وإنـما إذا أراد الإنسان الإحسان إلى قريبه المتوفَّـى؛ فعليه أن يدعو له؛ فإن الدعاء هو أفضل ما يفعله الحي للميت، وكذلك أيضًا إن أراد أن يتصدق عنه؛ فثواب الصدقة يصل إلى الميت، إذا أراد أن يعتمر عنه أو أن يحج عنه؛ فثواب ذلك يصل للميت، هذا هو الذي ينفع الميت، وهذا هو الذي يُحسِن به الإنسان إلى قريبه المتوفَّـى، أما البكاء والحزن والاحتفاظ بالصور، هذا لا ينفع الميت، بل ربـما أن الميت يعذَّب ويتألـم بسبب ذلك؛ كما أخبر النبي بأن الميت يعذَّب ببكاء أهله عليه [13].

المقدم: أحسن اللّـه إليكم -شيخ سعد- وبارك اللّـه فيكم ونفع اللّـه بكم.

بـهذه الإجابة نصل إلى ختام هذه الحلقة التي قد تفضَّل فيها بالإجابة عن أسئلتكم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.

شكرًا لكم شيخ سعد، ونفع اللّـه بكم.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.

المقدم: شكرًا لكم أيضًا -مستمعينا الكرام- على حسن متابعتكم لنا في هذه الحلقة.

نسأل أن يُفقِّهنا وإياكم في دينه، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

شكرًا لكم مستمعينا الكرام، وهذه أرق التحيات وأصدق الدعوات من فريق العمل.

نلتقيكم غدًا إن شاء اللّـه تعالى، نستودعكم اللّـه.

والسلام عليكم ورحمة اللّـه وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1977، بنحوه.
^2 أخرجه البخاري: 969
^3 رواه مسلم:1631.
^4 رواه البخاري: 1651، ومسلم: 1216.
^5 رواه مسلم: 260.
^6 رواه البخاري: 5892، ومسلم: 259.
^7 رواه الترمذي: 3524.
^8 رواه البخاري: 1524، ومسلم: 1181.
^9 رواه البخاري: 1997.
^10 رواه البخاري: 317، ومسلم: 1211.
^11 رواه أحمد: 8324، وابن حبان: 7446، والحاكم: 1432.
^12 أخرجه البخاري: 1286، ومسلم: 928.
^13 سبق تخريجه.
zh