عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.
تكلمنا في الحلقة السابقة والتي قبلها عن أهمية الصلاة ومنزلتها في دين الإسلام، والحكمة من مشروعيتها.
وننتقل للحديث عن بعض أحكام الصلاة:
شروط وجوب الصلاة
فيُشترط لوجوب الصلاة على الإنسان: الإسلام، والعقل، والبلوغ.
أولًا: الإسلام
فلا تجب الصلاة على غير المسلم، ولا تصح منه لو صلى حال كفره؛ لأن الصلاة عبادةٌ تحتاج إلى نية، والنية لا تصح من الكافر، بل لا بد لصحة النية من الكافر أن يصحح الأصل، ويعتنق الإسلام.
ولكن الكافر محاسبٌ على تركها؛ لقول الله تعالى عن المـجرمين: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:42-47].
وهذه الآيات صريحة الدلالة في أن الكفار محاسبون على ترك الصلاة، فإنـهم قالوا: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، ثم قالوا بعد ذلك: وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، وهذا يدل على أنَّـهم كفار؛ لأن التكذيب بيوم الدين كفرٌ.
ثانيًا: العقل
ولا تجب الصلاة على المـجنون بإجماع المسلمين، إلا إن أفاق في وقت الصلاة.
ثالثًا: البلوغ
ولا تجب لغير البالغ؛ لأنه مرفوعٌ عنه القلم؛ لقول النبي : رُفِع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم الصبي حتى يبلغ [1]، ولكن يُؤمر بـها إذا بلغ سبع سنين، أي: إذا أتـمَّ سبع سنين، ودخل في الثامنة، وليس المقصود إذا أتـمَّ ست سنين، ودخل في السابعة؛ ولهذا يُعبِّـر بعض الفقهاء بقولهم: يؤمر الصبي بالصلاة لتمام سبع سنين.
والدليل لذلك: قول النبي : مروا أبناءكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع [2]، أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد، بسندٍ صحيحٍ.
الحكمة من أمر الصبي بالصلاة
وأمر الصبي بالصلاة لسبعٍ؛ حتى يألف الصلاة ويعتادها، والصبي في هذه السن قابلٌ للتعليم والتربية والتطويع؛ ولهذا نجد أن الصبي الذي كان يُؤمر في هذه السنة بالصلاة يكون لهذا الأمر والتعويد أثرٌ كبيرٌ على مـحافظته على الصلاة طيلة عمره في الغالب، وإذا بلغ الصبي عشر سنين، والمعنى كما سبق: إذا أتـمَّ عشرًا، ودخل الحادية عشر، ولـم يُجْد معه، أمره بالصلاة طيلة ثلاث سنوات، فإن وليه مأمورٌ بأن يُغيِّر معه أسلوب التربية؛ وذلك بأن يسلك معه مسلك الخشونة، بأن يضربه على ترك الصلاة ضربًا غير مُبـرِّح؛ لأن هناك من البشر من لا ينفع معهم إلا هذا الأسلوب على أن الغالب أن الولي لا يحتاج للضرب، إذا تعاهد هذا الصبي بأمره بالصلاة من حين بلوغه تـمام سبع سنين.
ولكن لـمَّا كانت طبائع البشر تتفاوت، وأنه قد يُوجد من الصبيان من لا يستقيم إلا إذا سلك معه وليه شيئًا من الخشونة، أُمِر الولي في هذه الحال بضربه ضربًا يوصل رسالةً لذا الصبي بخطئه وتقصيره، وليس المقصود بالضرب الإيلام، ولكن المقصود به، إيصال تلك الرسالة.
والضرب غير المبـرِّح قد يكون أسلوبًا تربويًا ناجعًا ومفيدًا لبعض الفئات من البشر، بل إن تلك الفئات لا يـمكن أن تستقيم إلا بـهذا الأسلوب؛ ولهذا أرشد إليه ربنا تبارك وتعالى في علاج النشوز من المرأة، فقال سبحانه: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34].
وبـهذا نعلم خطأ أولئك الذين يُـجرِّمون الضرب بإطلاق، ويعتبرونه خطأ في التربية بإطلاق، فنقول: لو كان هذا الأسلوب خطأ، أو غير تربوي؛ لَمَا أمر الله تبارك وتعالى به في نشوز النساء؛ ولَمَا أمر به رسوله في تأديب الصبيان على ترك الصلاة، والله هو خالق البشر، وهو أعلم بـما تصلح به نفوسهم.
ولكننا نؤكد على أن الضرب في حال استخدامه لا بد أن يكون غير مبـرِّح؛ لأنه ليس المقصود منه الإيلام، ولكن المقصود منه إيصال رسالةٍ إلى المضروب بخطئه أو تقصيره.
هل يثاب الصبي على الصلاة؟
والصبي إذا صلى يُثاب على تلك الصلاة مع كونه قد رُفِع عنه القلم، وهذا من فضل الله تعالى وكرمه وإحسانه.
ويدل لذلك: ما جاء في “صحيح مسلم” عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: “أن امرأةً رفعت صبيًا إلى النبي فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر” [3]؛ فدل ذلك على أن الصبي يُثاب على الطاعات.
ولكن إذا كان الصبي غير مـميِّز، فإن الصلاة لا تصح منه؛ لأنه يُشترط لصحة الصلاة النية، والصبي غير المميِّز لا يعقل النيَّة، وبناءً على ذلك: فإن وجود الطفل الصغير غير المميِّز في الصفِّ يعد فرجةً في الصف؛ لأن صلاته لا تصح، وحينئذٍ وجوده كعدمه، وعلى وليِّه ألا يُقِيمه في الصف، وإنـما يجعله في مكانٍ خارج الصف.
حكم إحضار الأطفال للمسجد
ولا بأس بإحضار الأطفال غير المميزين للمسجد بشرط: أن يؤمن عدم إزعاجهم للمصلين.
ويدل لذلك: ما جاء في “صحيح البخاري” عن أبي قتادة : أن النبي قال: إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوَّز في صلاتي؛ كراهية أن أشقَّ على أمه [4].
وهذا يدل على أن من الصحابة في عهد النبي من كان يحضر صِبيانه للمسجد، وقد أقرَّهم النبي على ذلك، بل كان عليه الصلاة والسلام يخفف من الصلاة لأجل بكاء الصبي، كراهية المشقَّة على أمه.
ولكن هذا كما سبق: مشروطٌ بألا يزعج ذلك الصبي المصلين، فإن كان هذا الصبي غير المميز مزعجًا، ولـم يـمكن وليه السيطرة عليه في المسجد، فينبغي له ألا يحضره للمسجد في هذه الحال.
حكم وجوب الصلاة على النائم
وتجب الصلاة على النائم بإجماع العلماء.
والنائم وإن كان مرفوعًا عنه القلم حال نومه، إلا أنه يجب عليه المبادرة للصلاة حال استيقاظه في أي وقت، ولو كان وقت نـهي؛ لقول النبي : إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها [5].
ولا يجوز تعمُّد النوم عن الصلاة حتى يخرج وقتها، أو حتى تفوته الجماعة، إن كان ممن تلزمه الجماعة، وعلى من أراد أن ينام، أن يتخذ من الوسائل ما يعينه على الاستيقاظ لأداء الصلاة في وقتها، ولكن إن غلبه النوم بعد اتخاذ الوسائل المعينة فلا حرج عليه، ويكون وقت الصلاة في حقه هو وقت استيقاظه.
وقد جاء في (صحيح مسلم) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في قصة رجوع النبي من خيبر: أنّ النبي سار ليله حتى إذا أدركه الكرى -أي: النوم- نزل مع أصحابه للنوم، وقال: احفظوا علينا صلاتنا [6]، وقال لبلال: أكلأ لنا الليل [7]؛ والمراد: أنه أمر بلالًا لمراقبة الليل، حتى يحين وقت الفجر، فيوقظ رسول الله وأصحابه.
فلـمَّا تقارب الفجر استند بلالٌ إلى راحلته مواجهًا الفجر، فغلبت بلال عيناه وهو مستندٌ إلى راحلته، فلَـم يستيقظ رسول الله ، ولا بلال، ولا أحدٌ من أصحابه، حتى ضربتهم الشمس، فلَـم يوقظهم إلا حَرُّ الشمس، فكان رسول الله أولهم استيقاظًا، ففزع عليه الصلاة والسلام فقال: أي بلال فقال بلال: “أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله” فقال النبي : ليأخذ كل رجلٍ برأس راحلته، فإن هذا منزلٌ حضرنا فيه الشيطان قال: ففعلنا.
ثم دعا بالماء فتوضأ وتوضأنا، ثم أمر بلالًا فأذَّن، فصلى رسول الله ركعتين -أي: سنة الفجر- ثم صلى صلاة الغداة، فصنع كما كان يصنع كل يومٍ، قال: وركب رسول الله ، وركبنا معه، قال: فجعل يهمس بعضنا إلى بعضٍ: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ فقال النبي : أما لكم فيَّ أسوة؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام: إما إنه ليس في النوم تفريط، وإنـما التفريط على من لَـم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى” [8]
أيها الإخوة: هذا النوم الذي حصل في هذه القصة كان بغير تفريط، فإن النبي أمر بلالًا بألا ينام حتى يوقظهم للصلاة، ولكن بلالًا غلبه النوم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ليس في النوم تفريط أي: كهذا النوم الذي حصل من النبي وأصحابه، فإنـهم غير مؤاخذين بتأخير الصلاة بسبب هذا النوم، في هذه الحال، فالنوم الذي يغلب الإنسان بعد اتخاذ الوسائل المعينة على الاستيقاظ، لا حرج على صاحبه، وليس فيه تفريطٌ، ويكون وقت الصلاة في حقه هو وقت استيقاظه.
أما من تعمَّد أن ينام ولـم يتخذ من الوسائل ما يعينه على الاستيقاظ، فإن هذا يكون مفرِّطًا، وحينئذٍ يلحقه الإثم والحرج بتأخير الصلاة عن وقتها؛ لأنه لَـم يتخذ من الوسائل ما يعينه على الاستيقاظ من النوم، وأداء الصلاة في وقتها.
أيها الإخوة، نكتفي بـهذا القدر في هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍ في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.