عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.
سنتكلم إن شاء الله عن أحكام لبس الخف فوق الخف، وعن حكم لبس العمائم، والخُمُر للنساء:
إذا لبس خفًّا فوق خف، أو جوربًا فوق جورب
ونبدأ بالمسألة الأولى ما إذا لبس خفًّا فوق خف، أو جوربًا فوق جورب فنقول: إن كان لبسُه للفوقاني قبل الحدث؛ فالحكم للفوقاني، مثال ذلك: لبس رجلٌ جوربًا فوق جورب في الوقت نفسه، فالحكم للجورب الفوقاني.
وهكذا لو أنه لبس جوربًا بعدما توضأ ثم صلى، وأحس بعد ذلك ببرودة الجو، فلبس جوربًا فوقه، وهو لَـم يزل على طهارته ولـم يُحدث، فالحكم للفوقاني.
قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “إذا ثبت هذا، فمتى نزع الفوقاني قبل مسحه لَـم يؤثر فيه، وإن نزعه بعد مسحه بطلت الطهارة، ووجب نزع الخفين، وغسل الرجلين؛ لزوال محل المسح”.
أما إذا لبس خفًّا فوق خفٍّ، أو جوربًا فوق جوربٍ، وكان لبسُه للأعلى بعد أن أحدث، ومسح الأسفل، فالحكم حينئذٍ للخف والجورب التحتاني، وحينئذٍ عليه أن يخلع الخف والجورب الفوقاني، ويـمسح التحتاني؛ لأن لبسه للخف والجورب الفوقاني في هذه الحال كان على غير طهارة.
ولكن إذا لبس خفَّا أو جوربًا ثم أحدث، ثم مسح عليه، ثم لبس خفًّا آخر أو جوربًا آخر، فوق الخف أو الجورب الأول، وهو على طهارةٍ عند لبسه للثاني، فهل يكون الحكم للفوقاني أو للتحتاني؟
هذا محل خلافٍ بين الفقهاء، والمشهور من مذهب الحنابلة أن الحكم يكون للتحتاني؛ لأنه لبس الثاني بعد الحدث، ولا يكون الحكم للفوقاني إلا إذا لبسه قبل الحدث، قالوا: فيكون المسح على التحتاني؛ لأنه الأصل.
وقال بعض الفقهاء: إذا لبس الثاني على طهارةٍ جاز له أن يـمسح عليه؛ لأنه يصدق عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين، فيشمله قول النبي : دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين [1]، ولكن تحسب المدة من المسح على الأول، لا من المسح على الثاني.
وهذا القول الأخير هو الأقرب في هذه المسألة -والله تعالى أعلم-، وهو الذي يرجحه كثيرٌ من المـحققين من أهل العلم.
والحاصل مـمَّا سبق: أنه إن لبس خفًّا فوق خفٍّ قبل الحدث، فالحكم للفوقاني، وإن كان بعد الحدث، وكان لبسه للفوقاني وهو على غير طهارة، فالحكم للتحتاني، وإن كان لبسُه للفوقاني على طهارةٍ، فمحل خلافٍ بين العلماء، والأقرب: أن الحكم للفوقاني، إلا أن المدة تحسب من المسح على التحتاني، لا من المسح على الفوقاني، والله تعالى أعلم.
حكم المسح على العمامة
فنقول: قد دلت السنة الصحيحة على جواز المسح على العمامة، ففي “صحيح البخاري” عن عمرو بن أمية : “أن النبي مسح على عمامته وخفَّيْه” [2]، وفي “صحيح مسلم” عن المغيرة بن شعبة : “أن النبي توضأ فمسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى الخفين” [3].
يشترط لجواز المسح على العمامة شرطان:
- الشرط الأول: أن تكون ساترةً لِمَا لَـم تجرِ العادة بكشفه من الرأس، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “من شروط جواز المسح على العمامة: أن تكون ساترةً لجميع الرأس، إلا ما جرت العادة بكشفه، كمقدم الرأس والأذنين، وجوانب الرأس، فإنه يعفى عنه”.
- الشرط الثاني: أن تكون العمامة مُـحنَّكةً، أو ذات ذؤابة، والمـحنَّكَة: هي التي يُدَار منها تحت الحنَك دورٌ، فأكثر، وذات الذؤابة: هي التي يُرخى طرفها من الخلف.
أما إذا لَـم تكن مُـحنَّكةً، ولا ذات ذؤابة، فلا يـمسح عليها؛ لأنـها لا يشق نزعها؛ ولأن غير ذات المـحنَّكَة، وذات الذؤابة ليست من عمائم العرب، ولـم تكن عِمَّة المسلمين فيما مضى.
وذهب بعض أهل العلم إلى عدم اشتراط هذا الشرط، وأنه يجوز المسح على العمامة، وإن لَـم تكن مُحنَّكَةً أو ذات ذؤابة، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ وذلك لعدم ورود الدليل الدال على اشتراط هذا الشرط.
وهذا قولٌ قوي، ولكن إذا قلنا بجواز المسح على العمامة، وإن لَـم تكن محنَّكّةً، أو ذات ذؤابة، لا بد أن تكون مـمَّا يشق نزعها، فإن كانت مـمَّا لا يشق نزعه، فالأظهر -والله أعلم- أنه لا يُـمسح عليها، نقول هذا: لأنه وُجد في الوقت الحاضر عمائم لبعض الناس لا يشق نزعها مطلقًا، ومثل هذه العمائم التي لا يشق نزعها لا يُـمسح عليها، وإلا لو قلنا بالمسح عليها؛ للزم من ذلك القول بالمسح على الطاقِيَّة، والشِّمَاغ، والغُتْرة، ونحو ذلك، وهذا لَـم يقل به أحدٌ من أهل العلم.
والحاصل: أن العمامة التي يجوز المسح عليها، هي التي يشق نزعها، سواءٌ كانت مُحنَّكةً، أو ذات ذؤابة، أو لَـم تكن كذلك، على القول الراجح.
وأما إذا كانت العمامة لا يشق نزعها، فإنه لا يُـمسح عليها، والله تعالى أعلم.
هل يُشترط لصحة المسح على العمامة: أن يلبسها على طهارة؟
اختلف الفقهاء في ذلك:
فمنهم من اشترط هذا الشرط قياسًا على الخفين، فكما أن الخفين يشترط للمسح عليهما أن يلبسهما على طهارة، فكذلك العمامة، بجامع أن كلًا منهما ممسوحٌ على عضوٍ من أعضاء الوضوء.
وذهب بعض العلماء: إلى أنه لا يشترط هذا الشرط، بل يجوز المسح على العمامة وإن لبسها على غير طهارة، وهذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد؛ وذلك لعدم ورود الدليل الدال على اشتراط هذا الشرط، وهذا القول الأخير هو الراجح في هذه المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وأما قياس القائلين باشتراط هذا الشرط العمامة على الخف، فقياسٌ مع الفارق، فإن طهارة القدم هي الغسل، وطهارة الرأس هي المسح، فافترقا، ومع وجود الفارق لا يصح القياس.
ويجزئ مسح أكثر العمامة؛ لأنـها أحد الممسوحين على وجه البدل، فأجزأ مسح بعضه كالخف، قال ابن القيم رحمه الله: “كان يـمسح على رأسه تارةً، وعلى العمامة تارةً، وعلى الناصية والعمامة تارة، وأما اقتصاره على الناصية مُـجرَّدًة فلم يحفظ عنه”.
حكم المسح على خُـمُر النساء
يجوز للمرأة أن تـمسح على الخمار الذي تغطي به رأسها، إذا كان مُدَارًا تحت الحلق، ويشق نزعه، إما لصعوبة النزع، أو لشدة البرد، أو لغير ذلك، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.
ويدل لذلك: ما أخرجه ابن أبي شيبة بسندٍ حسن عن أم سلمة رضي الله عنها: “أنها كانت تـمسح على الخمار”. [4].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “قد كانت أم سلمة زوج النبي تـمسح على خمارها، فهل تفعل هذا بغير إذنه؟!” وقال في موضعٍ آخر: “إن خافت المرأة من البرد ونحوه، مسحت على خمارها، فإن أم سلمة كانت تـمسح على خمارها، وينبغي أن تـمسح مع هذا بعض شعرها، وأما إذا لَـم يكن بـها حاجةٌ إلى ذلك، ففيه نزاعٌ بين العلماء” أ.هـ كلامه رحمه الله.
والحاصل: أن المرأة يجوز لها المسح على خمارها إذا كان يلحقها بنزعه مشقة، أما إذا كانت لا يلحقها بنزعه مشقة، فليس لها المسح عليه، والله تعالى أعلم.
حكم المسح على الرأس إذا كان عليه حناء ونحوه
وإذا كان على الرأس حِنَّاءٌ ونحوه، فيجوز المسح عليه، ولا يلزم إزالة ذلك الحنَّاء للمسح على الشعر.
ويدل لذلك: ما جاء في الصحيحين: أن النبي كان في إحرامه في حجة الوداع ملبِّدًا رأسه [5]، والتلبيد شيءٌ شبيهٌ بالصمغ أو العسل، وضعه النبي على شعر رأسه لوقايته من الغبار ونحوه، فكان طيلة إحرامه يـمسح على هذا التلبيد، فعلم من ذلك أن من وضع على رأسه حِنَّاء ونحوه، جاز له المسح عليه.
أيها الإخوة، هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍ في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.