logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(34) المسح على الخفين- صفته ومسائل متنوعة

(34) المسح على الخفين- صفته ومسائل متنوعة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.

تحدثنا في الحلقات السابقة عن جملةٍ من أحكام المسح على الخفين، ولا يزال حديثنا موصولًا عن بقية أحكام المسح على الخفين، فنقول:

ما الذي يمسح من الخف أو الجورب؟

إن الذي يُـمسح من الخفِّ أو الجورب إنـما هو ظاهر الخف أو الجورب، دون أسفله وعقبه، ويدل لذلك قول علي : “لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيتُ رسول الله يـمسح على ظاهر خُفَّيْه” أخرجه أبو داود بإسنادٍ حسن [1].

فالسنة: أن يـمسح ظاهر الخف أو الجورب دون أسفله، فإن مسح أسفله أو عقبه دون أعلاه لَـم يجزئه في قول أكثر العلماء، وإن مسح أسفله وظاهره -أي: مسح جميع الخف أو الجورب- فإن ذلك يجزئ، ولكن هذا خلاف السنة، فالسنة أن يقتصر في المسح على ظاهر الخف أو الجورب.

والقدر المـجزئ في المسح: هو أن يـمسح أكثر ظاهر الخف، ولا يلزم استيعابه.

صفة المسح على الخفين والجوربين

وصفة المسح على الخفين والجوربين ونحوهما:

هي أن يضع أصابع يديه مبلولتين على أصابع رجليه، ثم يُـمرُّهما إلى ساقه، أي أنه يبتدئ من أطراف أصابع الرجل إلى الساق، يـمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، والرجل اليسرى باليد اليسرى، ويُفرِّج أصابعه إذا مسح، ولا يكرر المسح، بل يكفي مسحةٌ واحدة.

ولكن عند المسح على الخفين أو الجوربين: هل يـمسح الخفين معًا كالأذنين؟ أي: يـمسح باليدين جميعًا على الرجلين جميعًا في نفس اللحظة، أو أنه يقدم مسح اليد اليمنى على الرجل اليمنى، ثم مسح اليد اليسرى على الرجل اليسرى؟

اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

والراجح من القولين -والله تعالى أعلم- أنه يقدم مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، ثم الرجل اليسرى باليد اليسرى؛ وذلك لأن المسح بدلٌ من الغسل، والبدل له حكم المبدل، فكما أنه يشرع تقديم غسل اليمنى في اليدين والرجلين، فكذلك يشرع تقديم مسح اليمنى على اليسرى في المسح، ولـم يأت نصٌ صريحٌ في مسح الرجلين معًا، فيبقى الحكم في المسح لا يختلف عن الغسل، من جهة تقديم اليمنى على اليسرى.

وبقي هنا أن نشير إلى أن بعض الناس يـمسح بيديه اليمنى واليسرى على رجله اليمنى، ثم يـمسح بيده اليمنى واليسرى على رجله اليسرى، أي: أنه يـمسح باليدين جميعًا، وهذا لا أصل له، بل الرجل اليمنى تُسمح باليد اليمنى فقط، والرجل اليسرى تُـمسح باليد اليسرى فقط، والله تعالى أعلم.

مدة المسح على الخفين

ومن مسائل المسح على الخفين: أن مدة المسح للمقيم يومٌ وليلة، وللمسافر ثلاثة أيامٍ بلياليهنَّ، ولكن إذا مسح مسح مسافر ثم أقام، فإنه يتم مسح مقيم.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “من مسح مسافرًا ثم أقام أتم مسح مقيم، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافًا؛ لأنه صار مقيمًا، فلم يجز له أن يـمسح مسح مسافر؛ ولأنـها عبادةٌ تختلف بالحضر والسفر، فإذا ابتدأها في السفر ثم حضر في أثنائها، غُلِّب حكم الحضر كالصلاة، فإن كان قد مسح يومًا وليلة ثم أقام أو قدم؛ خلع الخفين، وإن كان مسح أقل من يومٍ وليلة ثم أقام أو قدم؛ أتـم يومًا وليلة”.

أما إذا مسح مقيمًا ثم سافر، فهل يتم مسح مقيم، أو يتم مسح مسافر؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين، والمشهور من مذهب الحنابلة أنه يتم مسح مقيم، وهو قول الثوري والشافعي وإسحاق؛ لأنـها عبادةٌ تختلف بالحضر والسفر، فإذا وجد أحد أطرافها في الحضر؛ غُلِّب حكمه، كالصلاة.

وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يتم مسح مسافرٍ في هذه الحال، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لعموم قول النبي : المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة [2]، وهذا مسافر؛ ولأنه قد سافر قبل انقضاء مدة المسح، فهو أشبه ما لو سافر بعد لبس الخف على طهارةٍ، وقبل المسح.

وهذا القول الأخير: وهو أنه إذا مسح مقيمًا ثم سافر، أنه يتم مسح مسافر، هو القول الراجح في هذه المسألة، وهو الذي عليه أكثر المـحققين من أهل العلم؛ وذلك لأن هذا الذي قد بقي في مدة مسحه شيءٌ قبل أن يسافر ثم سافر، يصدق عليه أنه من المسافرين، والمسافر يـمسح ثلاثة أيامٍ بلياليهن.

وقد روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه رجع إلى هذا القول، بعدما كان يقول بالقول الأول، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في “المغني”: “قال الخلَّال: رجع أحمد عن قوله الأول إلى هذا”.

والحاصل في هذه المسألة: أن من ابتدأ مدة المسح وهو مسافرٌ، ثم أقام، فإنه يتم مسح مقيم قولًا واحدًا، وأما إذا ابتدأ مدة المسح وهو مقيمٌ ثم سافر، فقد اختلف العلماء: هل يتم مسح مقيمٍ أو مسح مسافر، والقول الراجح الذي عليه أكثر المـحققين من أهل العلم، أنه يتم مسح مسافر.

صلاة من مسح على خفه بعد انتهاء المدة

ومن أحكام المسح على الخفين: أنه إذا مسح بعد انتهاء مدة المسح، سواءٌ كان مقيمًا أو مسافرًا، فإن ما صلاه بـهذه الطهارة يكون باطلًا؛ لأن وضوءه باطل، حيث إن مدة المسح قد انتهت، فيجب عليه أن يتوضأ من جديد وضوءً كاملًا بغسل رجليه، وعليه أن يعيد الصلاة التي صلاها بـهذا الوضوء الذي مسح به بعد انتهاء المدة.

ونقول: ينبغي لمن أراد أن يـمسح على الخفين أو الجوربين ونحوهما، أن يضبط ابتداءً مدة المسح، حتى لا يوقع نفسه في مثل هذه الإشكالات، فإن المسح على الخفين أو الجوربين له مدةٌ محددةٌ إذا انتهت، فإنه ليس له أن يـمسح عليهما بعد ذلك، فإذا فعل ومسح عليهما بعد انتهاء المدة، فإن طهارته تكون غير صحيحة، وتكون صلاته كذلك غير صحيحة، ولكن إذا شكَّ في ابتداء مدة المسح ووقته، ففي هذه الحال يبني على اليقين.

فإذا شكَّ هل مسح لصلاة الظهر أو لصلاة العصر؟ فإنه يجعل ابتداء المدة من صلاة العصر؛ وذلك لأن الأصل عدم المسح.

ولأن النبي شُكي إليه الرجل يُخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا [3].

فالأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل العدم؛ ولهذا: فإنه إذا شك هل مسح لصلاة الظهر أو العصر؟ فيجعل ابتداء المدة من العصر، وإذا شكَّ في ابتداء المدة: هل كانت من المغرب أو العشاء؟ فإنه يجعل ابتداء المدة من صلاة العشاء، وهكذا، أي: أنه في هذه الأحوال يبني على اليقين.

أيها الإخوة المستمعون، ونستكمل الحديث عن بقية مسائل المسح على الخفين في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 162.
^2 رواه أبو داود: 157، وابن ماجه: 554.
^3 رواه البخاري: 137، ومسلم: 361.
مواد ذات صلة
zh