logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(24) التيمم- تعريفه وأدلته وأحواله

(24) التيمم- تعريفه وأدلته وأحواله

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه إلى يوم الدين.

أيها الأخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حياكم الله في هذه الحلقة الجديدة من هذا البرنامج، والذي نتناول فيها موضوعًا جديدًا، ونبدأ بذكر بعض أحكام هذا الموضوع، ونستكمل الحديث عن بقية أحكامه في الحلقات القادمة إن شاء الله.

نتحدث معكم أيها الأخوة عن التيمم.

ونتكلم في هذه الحلقة عن حقيقة التيمم ومشروعيته، والأحوال التي ينوب فيها التيمم عن الماء، فنقول:

تعريف التيمم

التيمم في لغة العرب: القصد، ومنه قول الله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267]، أي: لا تقصدوا بنفقاتكم الرديء من المال.

ثم نُقِل في عرف الفقهاء إلى التعبُّد لله تعالى بقصد الصعيد لمسح الوجه واليدين.

أدلة التيمم

والأصل فيه: الكتاب والسنة والإجماع.

  • أما الكتاب: فقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6].
  • وأما السنة: فأحاديث كثيرة دلَّت على مشروعيته، وسيأتي ذكر بعضها إن شاء الله تعالى.
  • وقد أجمعت الأمة على مشروعية التيمم عند تحقق شروطه.

وقد نزلت آية التيمم لـمَّا كان النبي  في بعض أسفاره في إحدى الغزوات، ونفد الماء الذي بأيدي الناس، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: “خرجنا مع رسول الله في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، انقطع عِقْدٌ لي، فأقام رسول الله على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماءٍ، فأتى الناس إلى أبي بكرٍ الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟! أقامت برسول الله ، والناس ليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءٌ، فجاء أبو بكرٍ ورسول واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال لعائشة: حبستِ رسول الله ، والناس ليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكرٍ؛ وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يـمنعني من التحرُّك إلا مكان رسول الله على فخذي، فقام رسول الله  حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله تعالى آية التيمم، فتيمموا.

فقال أُسَيد بن الحضير : ما هي بأول بركاتكم يا آل أبي بكر!

قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه، فأصبنا العقد تحته” [1]

ولا بأس أن أستطرد هنا فأقول: انظروا إلى عظيم احترام الإسلام لحقوق المرأة، وكيف أن النبي أقام بجيشٍ كامل من أجل البحث عن عقد امرأة؟ فأين الذين يتهمون الإسلام زورًا وبـهتانًا بـهضم حقوق المرأة؟ أين هم من هذه الأحاديث؟!

أيها الإخوة المستمعون: التيمم من خصائص هذه الأمة، اختصها الله تعالى به، وقد كان الناس في الأمم السابقة إذا لـم يجدوا ماءً؛ بقوا ولـم يصلوا حتى يجدوا الماء، ففي الصحيحين عن جابرٍ : أن النبي  قال: أُعطِيت خمسًا لـم يُعطهنَّ أحدٌ قبلي: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيـما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأُحلَّت لي الغنائم، ولـم تـحل لأحدٍ قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة [2].

والتيمم بدل طهارة الماء عند العجز عنه شرعًا، يُفعل بالتطهُّر به كل ما يُفعل بالتطهُّر بالماء، من الصلاة والطواف وتلاوة القرآن، ونحو ذلك، فإن التيمم مطهِّرٌ، كما أن الماء مطهِّر، قال عليه الصلاة والسلام: وجعلت تربتها -يعني: الأرض- لنا طهورًا [3].

الأحوال التي ينوب التيمم فيها عن الماء

وينوب التيمم عن الماء في أحوال:

أولًا: إذا عدم الماء

لقول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا، سواء عدمه في السفر أو في الحضر، ولا بد من السعي في طلب الماء، فإذا طلبه فلم يجده؛ جاز له التيمم.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا: “استنبط كثيرٌ من الفقهاء من هذه الآية أنه لا يجوز التيمم لعادم الماء إلا بعد طلبه، فمتى طلبه فلم يجده؛ جاز له التيمم” [تفسير ابن كثير: 2/ 279].

فلا بد إذًا من طلب الماء؛ لأنه لا يقال للإنسان: إنه لـم يجد الشيء إلا بعد أن يطلبه فلم يجده.

وبـهذا يعلم خطأ بعض الناس الذين يبادرون للتيمم، مع أن بإمكانـهم الحصول على الماء بأدنى طلب، فتجد أنَّـهم يتيممون أثناء سيرهم على الطرقات العامة في الوقت الحاضر، مع تواجد الماء في محطات الوقود المنتشرة على امتداد تلك الطرقات.

قال الفقهاء: إذا وجد الإنسان ماءً يُباع بثمن مثله، لزمه شراؤه إذا قدر على ذلك، وهكذا لو وجد الماء يُباع بزيادةٍ يسيرة لا تجحف بـماله، أي فيلزمه الشراء، وأما إذا كانت الزيادة كثيرة تجحف بـماله، لـم يلزمه شراؤه، وجاز له العدول للتيمم؛ لأنه يلحقه الضرر بذلك.

ثانيًا: إذا كان معه ماءٌ يحتاجه لشربٍ وطبخٍ ونحوهما

إذا كان معه ماءٌ يحتاجه لشربٍ وطبخٍ ونحوهما بحيث لو تطهر به؛ لخشي العطش على نفسه، أو على غيره من آدميٍ أو بـهيمةٍ محترمين.

ثالثًا: إذا خاف باستعمال الماء الضررَ في بدنه

إذا خاف باستعمال الماء الضرر في بدنه إما بزيادة المرض، أو بتأخر برئه، فيجوز له العدول للتيمم؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [المائدة:6].

رابعًا: إذا عجز عن استعمال الماء

إذا عجز عن استعمال الماء لمرض لا يستطيع معه الحركة، وليس عنده من يوضِّئه، وخشي خروج الوقت، جاز له العدول إلى التيمم.

خامسًا: إذا خاف بردًا باستعمال الماء

إذا خاف بردًا باستعمال الماء ولـم يجد ما يسخِّن به الماء، جاز له العدول للتيمم، ويدل لذلك: ما أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما، عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: “احتلمت في ليلةٍ باردةٍ في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت أن أغتسل فأهلك؛ فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي ، فقال: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جُنُب؟!، فقلت: يا رسول الله، ذكرت قول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله ، ولـم يقل شيئًا” قال الحافظ ابن حجر: “إسناده قوي” [4]

ولكن هذا الحكم مقيَّدٌ بـما لـم يجد ما يسخن به الماء، أما إذا وجد ما يسخن به الماء، فليس له العدول إلى التيمم.

حكم من عدم الماء والتراب

ومن عَدِم الماء والتراب، أو وصل إلى حالٍ لا يستطيع معه الوضوء ولا التيمم، فإنه يصلي على حسب حاله، بلا وضوءٍ ولا تيمم؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقوله ​​​​​​​: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقول النبي : إذا أمرتكم بأمرٍ، فأتوا منه ما استطعتم [5].

أما إذا وجد ماءً يكفي بعض طهره، كأن يجد ماءً لا يكفي إلا لغسل الوجه واليدين فقط، فإنه يستعمل هذا الماء فيما يـمكنه من أعضائه ويتيمم عن الباقي الذي قصر عنه الماء؛ لقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وبـهذا يجمع بين الطهارة بالماء والتيمم، وفي هذه الحال لا بد من تقديم استعمال الماء على التيمم؛ ليصدق عليه عند التيمم أنه عادمٌ للماء.

حكم من به جرح يتضرر بالغسل أو المسح

وإذا كان به جرحٌ يتضرَّر بغسله أو بـمسحه بالماء، فإنه يتيمم له، ويغسل الباقي، أما إذا كان جرحه لا يتضرَّر بالمسح، فإنه يـمسحه، أو إذا كان عليه ضمادٌ من لصقةٍ ونحوها، فإنه يـمسح هذا الضماد الذي فوقه يمسحه بالماء، ويكفيه هذا المسح عن التيمم.

وحينئذٍ نقول: من كان به جرحٌ، وعلى هذا الجرح ضمادٌ ونحوه، فإنه يـمسح هذا الضماد، ويغنيه ذلك عن التيمم، لا حاجة له أن يتيمم بعد ذلك ما دام أنه قد مسحه، أما إذا عجز عن المسح، فإنه يتيمم في هذه الحال.

أيها الإخوة، نكتفي بـهذا القدر في هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍ في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 334 ومسلم 367.
^2 رواه البخاري: 335، ومسلم 521.
^3 رواه مسلم: 522.
^4 رواه أبو داود:334، وأحمد: 17812.
^5 رواه البخاري: 7288، ومسلم 1337.
مواد ذات صلة
zh