الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(47) أحكام الأذان والإقامة- تعريف الأذان وفضله وحكمه
|categories

(47) أحكام الأذان والإقامة- تعريف الأذان وفضله وحكمه

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بـهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين:

لـمَّا كانت الصلوات الخمس مؤقَّتةً بأوقاتٍ معيَّنة، لا يجوز فعلها قبل دخول تلك الأوقات، وكان كثيرٌ من الناس لا يعرف دخول الوقت، أو قد يكون مشغولًا لا ينتبه لدخوله، شرع الله تعالى الأذان للصلاة؛ إعلامًا بدخول وقتها.

تعريف الأذان

والأذان معناه في اللغة: الإعلام، قال الله تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:3]، أي: إعلام.

وعُرِّف في الشرع: بأنه إعلامٌ بدخول وقت الصلاة، أو قربه لفجرٍ، بذكرٍ مخصوص.

واعترض على هذا التعريف بأنه غير جامع، فلا يشمل الصلاة الفائتة؛ ولهذا: فإن أقرب ما قيل في تعريفه: أنه إعلامٌ مخصوص، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الأذان: إعلامٌ بدخول وقت الصلاة؛ ولهذا قلنا: يؤذَّن للفائتة كما أذن بلالٌ لأنه وقتها، والأذان للوقت الذي يُفعل فيه، لا الوقت الذي وجب فيه”.

سبب مشروعية الأذان

وقد شُرِع الأذان في السنة الأولى للهجرة النبوية، وسبب مشروعيته: أنه لـمَّا عسُر معرفة الأوقات عليهم، تشاوروا في نصب علامةٍ لها، فأري عبدالله بن زيد هذا الأذان في المنام، وأقرَّه الوحي، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، وقال سبحانه: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:58].

وجاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: “كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيَتحيَّنون الصلوات، وليس ينادي بـها أحد، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرنًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله : يا بلال، قم فناد بالصلاة [1].

مؤذنو النبي

وقد أذَّن للنبي عددٌ من الصحابة: من أشهرهم بلال بن رباح، وعبدالله بن أم مكتوم، وسعد القَرَظ، وأخوه صدى، وأبو جُحَيفة؛ وهو وهب بن عبدالله السُّوائي، ويقال له: وهب الخير، وأبو محذورة.

وجاء في قصة أبي محذورة كما في (سنن النسائي) بسندٍ صحيح، قال: “لـمَّا خرج رسول الله من حنين، خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم، فسمعناهم يؤذنون بالصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ بـهم، فقال رسول الله : قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسانٍ حسن الصوت فأرسل إلينا، فأذَنَّا رجلًا رجلًا، وكنت آخرهم، فقال حين أذَّنْت: تعال فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي، وبرَّك عليَّ ثلاث مراتٍ، ثم قال: اذهب فأذن عند البيت الحرام [2]؛ فأصبح أبو محذورة منذ ذلك الحين مؤذِّن رسول الله  في مكة.

ولنا وقفةٌ قصيرةٌ مع هذه القصة:

أقول أيها الإخوة: انظروا إلى حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، وإلى حسن تعامله؟! وكيف أنه استثمر هذا الموقف الذي حصل من هذا الرجل استثمارًا إيجابيًّا؟ سمع مجموعة يؤذنون، يستهزئون بالأذان، فناداهم وقال: إني سمعت فيكم رجلًا حسن الصوت، وأمر كل واحدٍ منهم أن يؤذن، حتى اختار منهم أبا محذورة، ثم إنه مسح على ناصيته، وبَرَّك عليه ثلاث مرات.

وقد أثَّر هذا الموقف العظيم في نفس أبي محذورة، حتى إنه جاء في بعض الروايات، أنه قال: لا أقص ناصيتي هذه التي مسح عليها رسول الله ، وأنه أبقاها طيلة حياته.

وكل من الأذان والإقامة لهما ألفاظ مخصوصةٌ من الذكر؛ وهو كلامٌ جامعٌ لعقيدة الإيـمان:

فأولها التكبير: وهو إجلال الله ، ثم إثبات الوحدانية لله ​​​​​​​، وإثبات الرسالة لنبينا محمدٍ بالشهادتين، ثم الدعاء إلى الصلاة التي هي عمود الإسلام، والنداء إلى الفلاح: وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم، ثم يختمه بتكبير الله وإجلاله، وكلمة الإخلاص، التي هي من أفضل الذكر وأجله، والتي لو وُزِنَت بالسماوات وعامِرهنَّ -غير الله – والأرضيين السبع وعامِرهنَّ لرجحت بـهنَّ؛ لفضلها وعظمتها.

فضل الأذان

وقد جاءت أحاديث في فضل الأذان، وأن المؤذنين هم أطول الناس أعناقًا يوم القيامة.

واختلف العلماء، أيهما أفضل: الأذان أو الإمامة، على قولين مشهورين:

  • فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأذان أفضل من الإمامة، واستدلوا على ذلك بـما ورد في فضل الأذان من النصوص، ومنها: قول النبي في حديث أبي هريرة، المتفق على صحته: لو يعلم الناس ما في النداء -أي: الأذان- والصف الأول، ثم لَـم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا [3]، أي: لو يعلمون ما في الأذان من الفضل والأجر والثواب لتنافسوا على ذلك حتى إنـهم من شدة تنافسهم أقرعوا فيما بينهم أيهم يؤذِّن.
    ويدل لذلك أيضًا من حديث معاوية : أن النبي قال: المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة [4]، وحديث أبي سعيد الخدري : أن النبي قال: لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة [5]، أخرجه البخاري في صحيحه.
  • وذهب الحنفية والمالكية إلى أن الإمامة أفضل من الأذان، واستدلوا بأن النبي وخلفائه الراشدين إنـما تولَّوا الإمامة ولـم يتولَّوا الأذان، ولو كان الأذان أفضل لتولَّاه النبي  وخلفاؤه الراشدون.

والأقرب في هذه المسألة -والله تعالى أعلم- هو القول الأول: وهو أن الأذان أفضل من الإمامة؛ لأنه قد ورد في فضله من النصوص ما لَـم يرد في الإمامة؛ ولأن الأذان أشق من الإمامة، فكان أفضل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأما إمامته وإمامة الخلفاء الراشدين، فكانت متعيِّنةً عليهم، فإنـها وظيفة الإمام الأعظم، ولـم يكن يـمكن الجمع بينها وبين الأذان، فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان؛ لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل”.

حكم الأذان والإقامة

والأذان والإقامة فرض كفاية، وفرض الكفاية يلزم جميع المسلمين إقامته، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وهما من شعائر الإسلام الظاهرة.

ولذلك قال أهل العلم: إنه لو ترك الأذان والإقامة أهل بلدٍ فإنـهم يُقاتَلون، وقتالهم هذا من باب التعزير لإقامة هذه الشعيرة، وليس من باب استباحة دمائهم؛ لأنـهم مسلمون، وإنـما قُوتِلوا تعزيرًا لأن الأذان علامة بلاد الإسلام، ومن شعائر الإسلام الظاهرة؛ ولهذا كان النبي إذا غزا قومًا، أمسك حتى يأتي الوقت، فإن سمع أذانًا كفَّ، وإلا قاتلهم.

والأذان مشروعٌ في حق الرجال دون النساء، فالنساء ليس عليهنَّ أذانٌ ولا إقامة؛ لقول أسماء رضي الله تعالى عنها: “ليس على النساء أذانٌ ولا إقامة”.

ويُشْرَع في حق الرجال حضرًا وسفرًا، فإن المسافر يُشرَع في حقه الأذان، ويدل لذلك: هدي النبي ، وهدي أصحابه وخلفائه الراشدين من بعده، فإنـهم لَـم يتركوا الأذان لا سفرًا ولا حضرًا، وقد جاء في قصة نومه عليه الصلاة والسلام في بعض أسفاره، وأنه لـمَّا استيقظ من حَرِّ الشمس أمر بلالًا فأذَّن، ثم أقام، ثم صلى صلاة الفجر، وكان ذلك بعدما طلعت الشمس، وكان ذلك في سفرٍ [6]؛ فدل ذلك على أن الأذان كما يُشرَع في حال الحضر، فإنه يشرع في حال السفر أيضًا.

أيها الإخوة، هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية أحكام الأذان والإقامة في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 604، ومسلم: 377.
^2 رواه النسائي: 633، وابن خزيمة: 385.
^3 رواه البخاري: 615، ومسلم: 437.
^4 رواه مسلم: 387.
^5 رواه البخاري: 609.
^6 رواه البخاري: 344، ومسلم: 682.
مواد ذات صلة