الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(68) شروط صحة الصلاة- طرق تحديد اتجاه القبلة
|categories

(68) شروط صحة الصلاة- طرق تحديد اتجاه القبلة

مشاهدة من الموقع

WARNING: unbalanced footnote start tag short code found.

If this warning is irrelevant, please disable the syntax validation feature in the dashboard under General settings > Footnote start and end short codes > Check for balanced shortcodes.

Unbalanced start tag short code found before:

“رواه الحاكم: 743، والدارقطني: 1064.) أخرجه الدارقطني، والحاكم، والحديث حسنٌ بـمجموع طرقه وشواهده. ولأن استقبال القبلة شرطٌ قد عجز عنه بعد بذل الجهد في تحصيله، فتصح صلات?…”

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

لا يزال الحديث موصولًا عن شرط استقبال القبلة، ونتحدث معكم هنا:

  • عمَّا يُستدل به على القبلة.
  • وعن الأحكام والمسائل المتعلقة باشتباه القبلة.

ما يستدل به على القبلة

يُستدَّل على القبلة بعدة أشياء، منها:

  • الأول: خبر الثقة، وقيَد ذلك بعض الفقهاء بأن يكون هذا الخبر عن يقين، والأقرب أنه لا يتقيد بذلك، بل إذا أخبره ثقةٌ بالقبلة عن يقين، أو عن اجتهاد، فإنه يعمل بقوله، كما أنه يُعمل بقول الثقة في مسائل الحلال والحرام، والواجب وغير الواجب، ومسائل الدين عامَّة، فالعمل بخبر الثقة في تحديد القبلة من باب أولى.
  • الثاني: المـحاريب الإسلامية، فإذا وجد محاريب إسلامية، فإنه يُستدَل بـها على تحديد جهة القبلة؛ لأن دوام التوجُّه إليها مع تكرار الأعصار، هو كالإجماع عليها؛ ولأنـها لا تُنصَب في الغالب إلا بحضرة جماعةٍ من أهل المعرفة بالأدلة.
  • الثالث: الشمس والقمر، فالشمس والقمر يشرقان من جهة المشرق، ويغربان من جهة المغرب، فإذا كان الإنسان عن الكعبة غربًا، فالقبلة شرقًا، وإذا كان عن الكعبة شرقًا، فالقبلة غربًا، وإذا كان عن الكعبة شمالًا، فالقبلة جنوبًا، وإذا كان عن الكعبة جنوبًا، فالقبلة شمالًا.
    قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “الشمس تختلف مطالعها ومغاربـها، على حسب اختلاف منازلها، تطلع من المشرق، وتغرب من المغرب، والقمر يبدأ أول ليلةٍ في المغرب، ثم يتأخر كل ليلةٍ منزلة، حتى يكون في السابع من الشهر وقت المغرب في قبلة المصلي، ويكون مائلًا عنها قليلًا إلى الغرب، ثم يطلع ليلة الرابع عشر من المشرق، أي: قريبًا من وقت غروب الشمس، ويكون ليلة إحدى وعشرين في قبلة المصلي أو قريبًا منها وقت الفجر، قال: وتختلف مطالعه باختلاف منازله”.
  • الرابع: النجوم، قال الله تعالى: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل:16]، وقال: لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:97]، وآكدها نجم القطب الشمالي، الذي لا يتغيَّر من مكانه طيلة ليالي السنة، وبـمعرفته تُعرَف جهة الشمال، ويُستدَل بـها على تحديد جهة القبلة.
  • وفي الوقت الحاضر توجد آلاتٌ وأجهزةٌ دقيقة، يـمكن أن يُستدَل بـها على جهة القبلة؛ ومن ذلك: أجهزة تحديد إحداثيات المواقع المرتبطة بالأقمار الصناعية، وتُحدِّد هذه الأجهزة الإحداثيات والجهات بدقةٍ متناهية، ومن ذلك: البوصلة، وبعض أنواع الساعات، والهواتف المنقولة، ونحو ذلك.

مسائل متعلقة باشتباه القبلة

ومتى اشتبهت القبلة على الإنسان، فلا يخل أن يكون ذلك في حال السفر، أو في حال الحضر:

أولًا: في السفر

أما إذا اشتبهت عليه في السفر، وكان مجتهدًا، وجب عليه الاجتهاد في طلبها بالأدلة والعلامات التي أشرنا إليها قبل قليل؛ لأن ما وجب عليه اتباعه عند وجوده، وجب الاستدلال عليه عند خفائه، والمقصود بالمـجتهد هنا: العالِـم بأدلة القبلة، وإن جهل أحكام الشرع؛ لأن كل من علِم أدلة شيءٍ كان مجتهدًا فيه، والجاهل في القبلة: هو الذي لا يعرف أدلة القبلة، وإن كان فقيهًا، وكذلك الأعمى، فهذا الجاهل وكذا الأعمى فرضهما التقليد.

ومن اشتبهت عليه القبلة فصلى بغير اجتهادٍ، إن كان مـمن يُحسن الاجتهاد، ومن غير تقليدٍ، إن كان مـمن لا يحسن الاجتهاد، فإن صلاته لا تصح؛ لأنه لـم يأت بـما يجب عليه، فكان بذلك مفرِّطًا، فيلزمه القضاء.

قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله: “أجمعوا على أن من صلى إلى غير القبلة من غير اجتهادٍ حمله على ذلك، أن صلاته غير مجزئة عنه، وعليه إعادتـها إلى القبلة، كما لو صلى بغير طهارة”.

ولكن إذا اشتبهت عليه القبلة، فصلى بغير اجتهادٍ إذا كان يحسنه، أو تقليدٍ إذا كان لا يحسن الاجتهاد، فأصاب القبلة، فهل تصح صلاته؟

هذا محل خلافٍ بين الفقهاء:

  • فالمشهور من مذهب الحنابلة أن صلاته لا تصح في هذه الحال، ويلزمه قضاء تلك الصلاة ولو أصاب القبلة؛ لأنه صلى من غير اجتهادٍ إذا كان مجتهدًا، ومن غير تقليدٍ إذا كان غير مجتهدٍ، ولـم يقم بالواجب الذي عليه من الاجتهاد أو التقليد، وإصابته هنا إنـما وقعت اتفاقًا.
  • وقال بعض الفقهاء: إنه إذا أصاب القبلة في هذه الحال، صحَّت صلاته؛ لأنه لن يصلي إلا إلى جهةٍ تـميل إليها النفس، وهذا الميل يُوجِب غلبةَ الظن، وغلبة الظن يُكتفى بـها في العبادات؛ لقول النبي : فليتحرَّ الصواب، فليتم عليه ((رواه البخاري: 401، ومسلم: 572.))؛ وهذا القول هو الأقرب في هذه المسألة، والله أعلم.

والحاصل في هذه المسألة:

أن من اشتبهت عليه القبلة في السفر، وجب عليه أن يجتهد في طلبها بالعلامات والأدلة، إن كان يحسن ذلك، أو يُقلِّد إن كان لا يحسن الاجتهاد، فإن لـم يفعل وصلى من غير اجتهادٍ ولا تقليد، فإن تبيَّـن أنه أخطأ في تحديد القبلة فصلاته غير صحيحة، ويلزمه إعادتـها، وإن أصاب في تحديد جهة القبلة، فصحة صلاته محل خلافٍ بين أهل العلم، والأقرب أنـها تصح، والله تعالى أعلم.

ومن اشتبهت عليه القبلة في السفر، فاجتهد في طلبها وصلى، ثم تبيَّـن له بعد ذلك أنه أخطأ، فإن صلاته صحيحة، ولا يلزمه إعادتـها؛ لأنه أتى بـما أُمِر به؛ فخرج عن العهدة كالمصيب.

وقد جاء في حديث عامر بن ربيعة قال: “كنا مع النبي في سفرٍ في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة؟ فصلى كل رجلٍ حياله، فلـمَّا أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله ، فنزل قول الله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]” ((رواه الترمذي: 345، والدارقطني: 1065، والبيهقي في معرفة السنن والآثار: 2883، وقال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك.)) أخرجه الترمذي، والبيهقي، والدارقطني، وله شاهدٌ من حديث جابر ، وفيه: “فلـمَّا أصبحنا إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة، فذكرنا ذلك للنبي ، فقال: قد أجزأت صلاتكم” ((رواه الحاكم: 743، والدارقطني: 1064.) أخرجه الدارقطني، والحاكم، والحديث حسنٌ بـمجموع طرقه وشواهده.

ولأن استقبال القبلة شرطٌ قد عجز عنه بعد بذل الجهد في تحصيله، فتصح صلاته في هذه الحال، ولا يؤمر بإعادتـها، أشبه ما لو عجز عن شرط الطهارة لمرضٍ، فصلى على غير طهارة، ثم شفي بعد ذلك، فإنه لا يؤمر بإعادة صلاته.

وما قلناه في المـجتهد الذي اجتهد في تحديد القبلة وأخطأ، ينطبق كذلك على المقلِّد، الذي لا يحسن الاجتهاد في أدلة القبلة، فإذا قلَّد من هو أهلٌ للاجتهاد فيها، وتبيَّـن له بعد ذلك أنه أخطأ في القبلة، فصلاته صحيحةٌ، ولا يُؤمر بإعادتـها.

ثانيًا: في الحضر

وأما إذا اشتبهت القبلة على الإنسان في حال الحضر:

  • فقال بعض الفقهاء: إن الحضر ليس بـمحلٍ للاجتهاد؛ ولهذا فإنه إذا أخطأ في القبلة؛ أعاد الصلاة، فإن من كان في الحضر يستطيع أن يستدل على القبلة بسهولة؛ وذلك بالنظر إلى محاريب المساجد، وفي الغالب أنه يجد من يـخبره عن جهة القبلة بيقين.
  • وقال بعض الفقهاء: إذا اشتبهت عليه القبلة في حال الحضر، فاجتهد في طلبها وأخطأ، فإن صلاته صحيحة، ولا يؤمر بإعادتـها كحال السفر؛ لأنه اتقى الله ما استطاع، واجتهد في تحصيل هذا الشرط، ومن اتقى الله ما استطاع في صلاته، لـم يلزمه إعادتـها.

ولعل هذا القول الأخير هو الأقرب في هذه المسألة، وإن كان محل الاجتهاد في حال الحضر، أضيق منه في حال السفر، والله أعلم.

والحاصل في هذه المسائل:

أن من اشتبهت عليه القبلة، فإنه يجتهد في طلبها، وتكون صلاته صحيحة، سواءٌ أخطأ أم أصاب إذا كان قد اجتهد في طلبها، وسواءٌ كان ذلك في السفر أم في الحضر، على القول الراجح.

أما إذا صلى بغير اجتهادٍ ولا تقليد، فإن أخطأ أعاد صلاته، وإن أصاب لـم يعد على القول الراجح.

أيها الإخوة، نكتفي بـهذا القدر في هذه الحلقة، ونستكمل الحديث عن بقية المسائل المتعلقة بحال الاشتباه في القبلة، في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مواد ذات صلة