الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(93) مكروهات الصلاة- جملة من المكروهات
|categories

(93) مكروهات الصلاة- جملة من المكروهات

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

2- رفع البصر إلى السماء

من مكروهات الصلاة: رفع البصر إلى السماء، وقد نـهى عنه النبي فقال: ما بال أقوامٍ يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتـهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهينَّ أو لتخطفنَّ أبصارهم [1]، أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس.

وأخرج مسلمٌ نحوه من حديث أبي هريرة وجابر، وفيه: أو لا ترجع إليهم [2]؛ أي: إما أن ينتهوا، وإما أن يعاقبوا بـهذه العقوبة، وهي أن تخطف أبصارهم فلا ترجع إليهم.

قال ابن بطَّال رحمه الله: “أجمعوا على كراهية رفع البصر في الصلاة”.

والجمهور على أنه مكروه.

وقال بعض العلماء: إنه محرم؛ لأن النبي حذَّر منه، واشتد قوله فيه، ثم ذكر عقوبةً محتملة، وهي أن تخطب أبصارهم، ولا ترجع إليهم، ومن المعلوم أن التحذير من الشيء بذكر عقوبة يدل على أنه حرام.

ثم إن رفع البصر إلى السماء أثناء الصلاة، فيه سوء أدبٍ مع الله تعالى، فإن المصلي أثناء صلاته في مقام مناجاةٍ للرَّب ، فينبغي أن يتأدَّب معه، وألا يرفع رأسه.

قال القاضي عياض رحمه الله: “رفع البصر إلى السماء في الصلاة فيه نوع إعراضٍ عن القبلة، وخروجٍ عن هيئة الصلاة”.

ولعل هذا القول الأخير وهو: أن رفع البصر إلى السماء أثناء الصلاة محرمٌ، هو الأقرب في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

3- تغميض العينين

ومن مكروهات الصلاة: تغميض المصلي عينيه؛ لأنه فعل اليهود في صلاتـهم.

قال ابن القيم رحمه الله: “ولـم يكن من هديه تغميض عينيه في الصلاة، وقد اختلف الفقهاء في كراهته، فكرهه الإمام أحمد وغيره، وقالوا: هو فعل اليهود، وأباحه جماعةٌ ولـم يكرهوه، وقالوا: قد يكون أقرب إلى تحصيل الخشوع، الذي هو روح الصلاة وسرها ومقصودها..

قال ابن القيم: والصواب أن يقال: إن كان تفتيح العين لا يُخل بالخشوع فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لِمَا في قبلته من الزخرفة والتزويق، أو غيره مـمَّا يُشوِّش عليه قلبه، فهنالك لا يكره التغميض قطعًا، والقول باستحبابه في هذه الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة، والله أعلم”.

4- الإقعاء في الجلوس

ومن مكروهات الصلاة: الإقعاء في الجلوس، وهو: أن يفرش قدَمَيْه، ويجلس على عقِبَيه، هكذا فسَّره الإمام أحمد.

قال أبو عبيد: “وهذا هو قول أهل الحديث”.

وللإقعاء صفةٌ أخرى: وهي الجلوس على أليَتَيْه ناصبًا فخذيه وساقيه مثل إقعاء الكلب.

5- افتراش الذراعين في السجود

ومن مكروهات الصلاة كذلك: افتراش الذراعين في السجود؛ وذلك بأن يـمدَّهُما على الأرض ملصقًا لهما بـها.

وقد جاء في الصحيحين عن أنس : أن النبي قال: اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب [3].

6- العبث في الصلاة

ويكره عبث المصلي في الصلاة، وهو: تشاغله بـما لا تدعو الحاجة إليه، سواءٌ كان العبث بيده، أو بثوبه أو بلحيته، أو بغير ذلك، فإن ذلك العبث يُورث انشغال القلب، فإن البدن إذا تحرَّك لزم من ذلك انشغال القلب، وفي هذا انشغالٌ عن الصلاة.

ومـما يحسن التنبيه عليه هنا: هو أن ما يستدل به بعضهم في هذا الموضع مـمَّا يروى عن أبي هريرة : أن النبي رأى رجلًا يعبث في صلاته، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه [4]، أن هذا الحديث حديثٌ ضعيف، لا يصح عن النبي ، وقد رواه الحكيم الترمذي في النوادر، وفي سنده سليمان بن عمرو، وقد نقل الزيلعي عن ابن عدي أنه قال: “أجمعوا على أنه يضع الحديث”.

وقد رواه ابن المبارك موقوفًا على سعيد بن المسيب في (الزهد)؛ وفي سنده أيضًا راوٍ مجهول.

فهذا الحديث لا يصح مرفوعًا إلى النبي ، ولا يصح كذلك موقوفًا على سعيد بن المسيب.

إن الإنسان ليعجب حينما يرى بعض المصلين وهم يعبثون في صلاتـهم، فترى بعضهم تارةً يصلح شِـمَاغه، أو غُترتَه، وتارةً ينظر في ساعته، وتارةً يحرك يديه، والشيطان يدفعه إلى ذلك العبث، كي ينقص أجر صلاته.

ولو أن هذا المصلي استحضر عظمة من هو واقفٌ بين يديه؛ لَمَا حصل منه ذلك العبث، أتُرَاه لو وقف بين يدي سلطانٍ من البشر يعبث وهو واقفٌ بين يديه؟ فكيف بالوقوف بين يدي ربِّ العالمين، وجبار السماوات والأرض؟!

7- التخصر

ومن مكروهات الصلاة: التخَصُّر، أي: وضع يده على خاصرته، والخاصرة: هي وسط الإنسان، وهي المستَدِقُّ من البطن فوق الوَرِكَين، فيكره أن يضع المصلي يديه على هذا الموضع.

كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة : “أن النبي نـهى أن يصلي الرجل مختصرًا” [5].

وأما الحكمة من النهي عنه: فقد جاء في (صحيح البخاري) عن عائشة رضي الله عنها: “أنَّـها كانت تكره أن يجعل المصلي يده في خاصرته، وتقول: “إن اليهود تفعله” [6]، فالحكمة -والله أعلم- هو أن في ذلك تشبُّهًا باليهود، فإنـهم كانوا يفعلون هذا في صلاتـهم.

8- فرقعة الأصابع وتشبيكها أثناء الصلاة

ومن مكروهات الصلاة أيضًا: فرقعة الأصابع، أي: غمزها حتى يسمع لمفاصلها صوت؛ لأن ذلك من العبث.

ويكره تشبيك الأصابع في أثناء الصلاة وقبلها.

لحديث أبي هريرة : أن النبي قال: إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد، كان في صلاةٍ حتى يرجع، فلا يفعل هكذا، وشبَّك بين أصابعه [7]، أخرجه الدارمي، والحاكم، بسندٍ صحيح.

وإذا كان من خرج للمسجد منهيًا عن تشبيك أصابعه، فمن كان داخل الصلاة أولى بالنهي عن تشبيك الأصابع؛ ولهذا فهو معدودٌ عند جماهير الفقهاء من مكروهات الصلاة.

الحكمة من النهي عن تشبيك الأصابع

والحكمة من النهي عن تشبيك الأصابع في هذه الحال:

  • قيل: لكونه من الشيطان؛ ويدل لذلك: ما رواه ابن أبي شيبة عن كعب بن عجرة : أن النبي قال: إذا صلى أحدكم فلا يُشبكنَّ بين أصابعه، فإن التشبيك من الشيطان [8]، ولكن هذا الحديث ضعيفٌ من جهة الإسناد، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “في إسناده ضعيفٌ ومجهول”.
  • وقيل: لأن التشبيك نوعٌ من العبث، فلا يليق بالمصلي، سواءٌ كان داخل الصلاة، أو كان في طريقه إليها، فإنه إذا خرج من بيته إلى المسجد فهو في صلاة.

ولعل هذا القول الأخير هو الأقرب، والله أعلم.

تشبيك الأصابع بعد الفراغ من الصلاة

وأما تشبيك الأصابع بعد الفراغ من الصلاة فلا بأس به، ولو كان داخل المسجد.

قال البخاري في صحيحه: “بابٌ: تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، ثم ساق بأسانيده عدة أحاديث عن النبي ، وفيها: أنه شبَّك بين أصابعه، ومنها: حديث ذي اليدين في قصة سهوه عليه الصلاة والسلام، حين صلى بالناس صلاة الظهر أو العصر ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبةٍ معروضةٍ في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبَّك بين أصابعه، فنبَّهه ذو اليدين على السهو، فقام فصلى ركعتين، ثم سجد سجدتي السهو”.

في هذه القصة شبك النبي  بين أصابعه لـمَّا ظنَّ أنه فرغ من الصلاة، فدل ذلك على جواز التشبيك بين الأصابع، وعدم كراهته بعد الفراغ من الصلاة.

والحاصل: أن التشبيك بين الأصابع له ثلاث حالات:

  • الأولى: حال خروجه إلى الصلاة، وهذا قد ورد النهي عنه كما سبق.
  • الثانية: حال الصلاة، وهذه الحال أشد نـهيًا من الحال الأولى.
  • الثالثة: بعد الفراغ من الصلاة، فلا بأس بتشبيك الأصابع، ولا كراهة فيه.

9- النظر إلى ما يشغل المصلي أو يلهيه

ومـما يُكره للمصلي: أن ينظر إلى ما يشغلُه أو يلهيه، ومن ذلك: أن يصلي والتلفاز مفتوحٌ أمامه مثلًا.

كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى في خميصة لها أعلام، فقال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي [9]؛ والأنبجانيَّة: هي كساءٌ غليظٌ لا أعلام له.

وفي (صحيح البخاري): أن النبي قال لعائشة: أميطي عنا قِرَامَك [10]، والقرام: سترٌ رقيقٌ فيه رقم ونقوش، قال: فإنه لا تزال تصاويره تَعرِض لي في صلاتي.

وبالجملة: ينبغي للمصلي أن يبعد عنه كل ما يـمكن أن يشغله، أو يلهيه في صلاته.

أيها الإخوة، هذا هو ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍ في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 750.
^2 رواه مسلم: 428.
^3 رواه البخاري: 822، ومسلم: 493.
^4 نوادر الأصول للحكيم: 317.
^5 رواه البخاري: 1220، ومسلم: 545.
^6 رواه البخاري: 3458.
^7 رواه الحاكم في المستدرك: 744، وابن خزيمة: 439.
^8 رواه ابن أبي شيبة: 4824.
^9 رواه البخاري: 373، ومسلم: 556.
^10 رواه البخاري: 374.
مواد ذات صلة