logo
الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(95) مكروهات الصلاة- القراءة في الصلاة وما يتعلق بها

(95) مكروهات الصلاة- القراءة في الصلاة وما يتعلق بها

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

كنا قد تحدثنا في حلقات سابقة عن جملة من مكروهات الصلاة، ونتحدث معكم في هذه الحلقة عن بعض ما نصَّ عنه بعض أهل العلم على كراهته فيما يتعلق بالقراءة في الصلاة:

ما يكره فيما يتعلق بالقراءة في الصلاة

حكم الجمع بين أكثر من سورة في الركعة

نبتدئ الحديث عن مسألة الجمع بين سورٍ في الفرض:

فقد كره بعض العلماء الجمع بين أكثر من سورةٍ في الركعة الواحدة، كأن يقرأ بعد الفاتحة بسورة الإخلاص والمسد مثلًا.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “أما الجمع بين السور في النفل فلا يكره روايةً واحدة، ولا نعلم فيه خلافًا، فإن النبي قرأ في ركعةٍ سورة البقرة وآل عمران والنساء، وقال ابن مسعودٍ : “لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله يقرِن بينَهنَّ، فذكر عشرين سورةً من المفصَّل، سورتين في كل ركعة” [1]، متفقٌ عليه.

قال: وأما الفريضة فيستحب أن يقتصر فيها على سورةٍ بعد الفاتحة؛ لأن النبي  هكذا كان يصلي أكثر صلاته، وهل يكره الجمع بين السورتين فيها؟ على روايتين:..”.

ثم ساق رحمه الله الخلاف فيها، وذكر قولًا بالكراهة، وقولًا آخر بعدم الكراهة.

والأقرب في هذه المسألة -والله تعالى أعلم-: هو القول بأنه لا يكره الجمع بين السور في الفرض.

قال البخاري في صحيحه: “بابٌ: الجمع بين السورتين في الركعة” ثم ساق بسنده عن أنسٍ ، قال: “كان رجلٌ من الأنصار يؤمُّهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورةً يقرأ بـها لهم في الصلاة مـمَّا يقرأ به، افتتح بـ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ثم يقرأ سورةً أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعةٍ، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بـهذه السورة، ثم لا ترى أنـها تجزؤك حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بـها، وإما أن تدعها، وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمُّكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمُّهم غيره، فلـمَّا أتاهم النبي  أخبروه الخبر، فقال: يا فلان، ما يـمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: يا رسول الله، إني أحبها، فقال رسول الله : حبك إياها أدخلك الجنة [2].

فهذا الصحابي الذي كان يؤم قومه، كان يقرأ في كل ركعةٍ من صلاته سورتين: سورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وسورةً بعدها، وكان ذلك في صلاة الفريضة، ومع ذلك أقرَّه النبي ، فدل ذلك على أنه لا يكره الجمع بين السور في صلاة الفرض.

ولكن الأَولى أن يكون الغالب من حال المصلي عدم الجمع بين أكثر من سورة، في الركعة الواحدة في صلاة الفرض؛ لأن هذا هو هدي النبي ، فإنه عليه الصلاة والسلام لـم يكن يجمع بين أكثر من سورةٍ في الركعة الواحدة في صلاة الفريضة في جميع أو في أكثر صلاته عليه الصلاة والسلام.

والحاصل في هذه المسألة: أنه لا يكره الجمع بين السور في صلاة النافلة مطلقًا، ولا يكره كذلك في صلاة الفريضة على الصحيح من قولي العلماء، لكن الأَوْلى في الفرض خاصة أن يكون الغالب ترك الجمع بين أكثر من سورةٍ في الركعة الواحدة، والله تعالى أعلم.

هدي النبي في قراءته في الصلاة

وكان من هديه عليه الصلاة والسلام: أنه كان يقرأ غالبًا من المفصَّل الذي يبتدئ من سورة (ق) إلى سورة الناس، وكان يقرأ في صلاة الفجر من طِوَالِه: من سورة (ق) إلى سورة المرسلات، وفي الظهر والعصر والعشاء من وسط المفصَّل: من سورة عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النبأ:1] إلى سورة الليل، وفي المغرب يقرأ من قصار المفصَّل: من سورة الضحى إلى سورة الناس.

لكن لـم يكن يلتزم في المغرب بالقراءة دائمًا من قِصار المفصَّل؛ ولهذا أنكر زيد بن ثابت على مروان بن الحكم اقتصاره في المغرب على قصار المفصَّل، وقال: “ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصَّل، وقد رأيت النبي  يقرأ في المغرب بالأعراف”.

هذا هو هدي النبي في قراءته في الصلاة، وربَّـما قرأ من غير المفصل، كما ثبت أنه قرأ بالصافات، والمؤمنون، والأعراف، لكن الغالب من قراءته هو الاقتصار على المفصَّل.

ومن هنا: فينبغي للأئمة أن يقتدوا بالنبي  في هذا.

ويلاحظ أن بعض الأئمة -وفقهم الله- غالب قراءتـهم من غير المفصَّل، وهذا خلاف هديه عليه الصلاة والسلام، والمطلوب من المسلم أن يتحرَّى هدي النبي في قراءته، وفي صلاته كلها.

ثم إن من هدي النبي قراءة السورة كاملةً في الصلاة، ولـم يُحفظ عنه أنه كان يختار آياتٍ من أواخر السور، أو من أوساطها؛ ليقرأ بـها.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “كان من هديه قراءة السورة كاملةً، وربَّـما قرأها في الركعتين، وربَّـما قرأ أول السورة، وأما قراءة أواخر السور وأوساطها فلم يحفظ عنه”.

ومن هنا: فينبغي لإمام المسجد أن يحرص على أن تكون قراءته في الصلاة سورةً كاملة، والملاحظ على بعض الأئمة -هداهم الله- أن غالب قراءتـهم من أواخر السور، أو من أوساطها، بل تجد بعض الأئمة يقرأ آياتٍ من سورةٍ معيَّنة، وربَّـما لا يبقى على إتـمامه السورة سوى آياتٍ معدودة، ومع ذلك ينتقل في الركعة الثانية إلى قراءة آياتٍ أخرى من وسط، أو آخر سورةٍ أخرى، وهذا وإن كان جائزًا لدخوله في عموم قول الله ​​​​​​​: فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20] إلا أنه ينبغي للإمام أن يحرص على الاقتداء بالنبي  في قراءته، وفي صلاته، وفي أموره كلها.

حكم تكرار قراءة الفاتحة

ومـمَّا نصَّ بعض العلماء على كراهته فيما يتعلق بالقراءة في الصلاة: تكرار قراءة الفاتحة؛ لأن ذلك لـم ينقل عن النبي ، ولا عن أحدٍ من أصحابه.

ولأن في إبطال الصلاة بتكرارها خلافًا بين العلماء، ولكن إن كرَّر الفاتحة لا على سبيل التعبُّد، بل لفوات وصفٍ مستحب، فالظاهر -والله أعلم- هو جواز ذلك من غير كراهة، مثل أن يُكرِّرها لكونه قد نسي، فقرأها سرًّا في حالٍ يُشرَع فيها الجهر، كما يحصل لبعض الأئمة، ينسى فيقرأ الفاتحة سرًّا، ثم يَذكُر أو يُذكَّر بـها، فلا بأس أن يعيدها حينئذٍ استدراكًا لِمَا فات من مشروعية الجهر.

حكم تنكيس السور

ومـمَّا نصَّ بعض العلماء على كراهته: تنكيس السوَر.

كأن يقرأ في الركعة الأولى بسورة: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، وفي الركعة الثانية بسورة: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1].

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “والمستحب أن يقرأ في الثانية سورةً بعد السورة التي قرأها في الركعة الأولى في النظم”.

قال أحمد في رواية مُهنَّا: “أعجبُ إليَّ أن يقرأ من البقرة إلى أسفل؛ لأن ذلك هو المنقول عن رسول الله “.

وروي عن ابن مسعودٍ : “أنه سُئِل عمَّن يقرأ القرآن منكوسًا، فقال: ذلك منكوس القلب” وفسَّره أبو عُبيد بذلك.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “فإن قرأ كذلك فلا بأس به، وقد سُئل أحمد عن ذلك، فقال: لا بأس به، أليس يُعلَّم الصبي على هذا؟!”.

ويدل لذلك أيضًا: ما جاء في (صحيح مسلم) عن حذيفة قال: “صليتُ مع النبي ذات ليلة، فافتتح البقرة، إلى قوله: ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها” [3] فهنا قدّم النبي  قراءة سورة النساء على قراءة سورة آل عمران، مع أن القراءة في ركعةٍ واحدة.

قال البخاري في صحيحه: “وقرأ الأحنف بالكهف في الأولى، وفي الثانية بيوسف، أو يونس، وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بـهما” [4].

وهذا هو الأقرب: أنه لا يكره عدم الالتزام بترتيب السور في المصحف؛ لِمَا ذُكِر من الأدلة.

ولأن ترتيب السور في المصحف إنـما كان باجتهاد الصحابة ، وليس بتوقيفٍ من النبي ، في أظهر قولي العلماء، ولكن الأولى الالتزام بترتيب السور في المصحف.

حكم تنكيس الآيات

وأما تنكيس الآيات: فإن كان ذلك في ركعةٍ واحدة، فإن ذلك يحرم؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي.

قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “ترتيب الآيات توقيفي بلا خلاف”.

وأما إن كان ذلك في ركعتين فأكثر، كأن يقرأ في الركعة الأولى من آخر سورة البقرة، وفي الركعة الثانية من أولها، فإن ذلك مكروهٌ في قول كثيرٍ من أهل العلم.

أسأل الله ​​​​​​​ أن يوفقنا للاهتداء بـهدي النبي ، واتباع سنته.

وإلى الملتقى في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 775، ومسلم: 822.
^2 رواه البخاري تعليقًا: 1/ 155.
^3 رواه مسلم: 772.
^4 رواه البخاري تعليقًا: 1/ 154.
مواد ذات صلة
zh