الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(96) مكروهات الصلاة- حكم الجماعة لمن أكل البصل أو الثوم
|categories

(96) مكروهات الصلاة- حكم الجماعة لمن أكل البصل أو الثوم

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

تحدثنا في الحلقات السابقة عن جملة من مكروهات الصلاة، ونستكمل الحديث في هذه الحلقة بذكر بعض الأمور المكروهة المتعلقة بالصلاة.

من مكروهات الصلاة

حضور الجماعة لمن أكل البصل أو الثوم

مـمَّا يكره لمن تلزمه الجماعة: أكل البصل والثوم ونحوهما مـمَّا له رائحة كريهة، وحضور الجماعة، مع وجود تلك الروائح الكريهة.

ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي قال في غزوة خيبر: من أكل من هذه الشجرة -يعني: الثوم- فلا يقربنَّ مسجدنا [1].

وفي الصحيحين أيضًا عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن النبي قال: من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا، أو قال: فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته [2]، وفي روايةٍ لمسلم: فإن الملائكة تتأذَّى مـمَّا يتأذَّى منه الناس [3]، وفي روايةٍ أخرى لمسلم: فإن الملائكة تتأذَّى مـمَّا يتأذَّى منه بنو آدم [4].

وفي (صحيح مسلمٍ): أن عمر بن الخطاب  خطب الناس يوم الجمعة، وكان مـمَّا قال في خطبته: “ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم، ولقد رأيت رسول الله إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد، أمر به فأُخرج إلى البقيع” [5].

وهذه الأحاديث لا تدل على تحريم أكل البصل والثوم، وإنـما النهي فيها عن حضور الجماعة، لمن أكل البصل أو الثوم.

قال النووي رحمه الله: “هذا النهي إنـما هو عن حضور المسجد، لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما، فهذه البقول حلالٌ بإجماع من يُعتد به”.

ويدل لذلك: ما جاء في (صحيح مسلمٍ) عن أبي سعيد  قال: “لَـم تَعْدُ أن فتحت خيبر، فوقعنا أصحاب رسول الله في تلك البَقْلَة الثوم، والناس جياعٌ، فأكلنا منها أكلًا شديدًا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول الله الريح، فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا، فلا يَقربَنَّا في المسجد فقال الناس: حُرِّمت، حُرِّمت، فبلغ ذلك النبي ، فقال: أيها الناس، إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرةٌ أكره ريحها [6].

صلاة الجماعة واجبةٌ في حق الرجال، وأكل البصل والثوم ونحوهما عُذرٌ في ترك الجماعة لمن لَـم يتخذ ذلك حيلةً لتركها.

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: “إباحة أكل هذه الخضروات ذوات الرائحة الكريهة لا ينافي كون الجماعة فرض عين، وإنـما هو عذرٌ في ترك الجماعة، كما أن حضور الطعام يُسوِّغ ترك الجماعة لمن قُدِّم بين يديه، مع كون ذلك مباحًا، لكن إذا أراد أحدٌ أن يتخذها حيلةً لترك الجماعة؛ حرم عليه ذلك.

قال رحمه الله: ويُكره للمسلم حضور الجماعة ما دامت الرائحة تُوجد منه ظاهرة تؤذي من حوله، سواء كان ذلك من أكل الثوم أو البصل أو الكُرَّاث، أو غيرها من الأشياء المكروهة الرائحة، حتى تذهب الرائحة.

قال: وأما التحديد بثلاثة أيامٍ، فلا أعلم له أصلًا في شيءٍ من الأحاديث الصحيحة، وإنـما الحكم متعلقٌ بوجود الرائحة، فمتى زالت زالت كراهة الحضور في المساجد؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا”.

كراهة حضور المسجد لمن أكل البصل أو الثوم ونحوهما يدل على أن الإسلام يُراعي شعور الآخرين، وأنه ليس لأحدٍ أن يأتي للمسجد بروائح كريهة، فيؤذي بـها المصلين حوله، وربَّـما تسبَّب في تفويت الخشوع في الصلاة عليهم.

حكم أخذ الزنية عند الصلاة

وإن من الناس من لا يبالي بـهذه المعاني، فتجده يأتي للمسجد بـملابس رثَّة، أو بـملابس النوم، وربَّـما يصحبها روائح كريهة، على أنه ينبغي للمصلي أن يحرص على أخذ زينته في الصلاة، حتى لو كان يصلي في بيته وحده، فإن أخذ زينته في الصلاة إنـما هو لحق الله .

يقول الله سبحانه: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] أي: عند كل موضع سجود، والمراد: عند كل صلاة، فدلت هذه الآية على أن المسلم يشرع له أن يأخذ زينته في صلاته على أحسن حالٍ يقدر عليها، من المبالغة في ستر ما جرت العادة بستره، ولبس أحسن الثياب على أجمل هيئةٍ وأحسن حال؛ لأنه عندما يقوم في صلاته، يقوم في مقامٍ عظيم، يقوم في أشرف مقامٍ وأجله وأعظمه؛ إذ أنه في مقام مناجاة رب العالمين.

ولذلك: فإنه يُشرَع له أخذ الزينة في الصلاة، ولو كان لا يراه أحدٌ من الناس، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي قال: فإن الله أحق من تُزُيِّن له [7]، أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار)، والبيهقي في (السنن الكبرى)، وقال الهيثمي: “إسناده حسن”.

وفي حديث بَـهْز بن حكيمٍ عن أبيه عن جده، قال: “قلتُ: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليًا؟ فقال رسول الله : الله أحق أن يستحيا منه [8].

فالله أحق أن يستحيا منه من الناس، فإذا كان هذا خارج الصلاة، فهو في الصلاة أحق أن يُستحيا منه، فتؤخذ الزينة لمناجاته ، ولهذا: لـمَّا رأى ابن عمر رضي الله عنهما غلامه نافعًا يصلي وهو حاسر الرأس، قال له: “أرأيت لو خرجت إلى الناس: أكنت تخرج هكذا؟ قال: لا، قال: فالله أحق أن يُتجمَّل له”.

وفي (صحيح مسلمٍ) عن عبدالله بن مسعودٍ  قال: أن النبي قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كِبْـر فقال رجلٌ: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنًا، فقال رسول الله : إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس [9]؛ ففي هذا الحديث بيَّن النبي  أن لبس الثوب الحسن، والنعل الحسن ليس من الكبر، بل هو من التجمل الذي يُـحبُّه الله .

وإذا كان الله ​​​​​​​ يُـحبُّه، فهو من الأمور المـحمودة، والمندوب إليها، وإذا كان الأمر كذلك، فإن التجمل في اللباس يتأكد في الصلاة؛ إذ أن المصلي في صلاته في مقام مناجاة رب العالمين، فينبغي له حين مناجاته، أن يكون على أحسن هيئةٍ، وأجمل حال، وقد كان كثيرٌ من السلف يتخيَّرون أحسن الثياب التي يقدرون عليها؛ ليصلوا فيها.

والمرأة في هذا كالرجل يستحب لها أن تأخذ زينتها في الصلاة، زيادةً على ما يجب عليها ستره في الصلاة؛ لأنـها داخلةٌ في عموم قول الله : يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، أي: عند كل سجودٍ، والمراد: عند كل صلاة، حتى لو صلت المرأة وحدها، يستحب لها أخذ الزينة في الصلاة؛ لأن أخذ الزينة إنـما هو لحق الله .

ونختم بالتنبيه على أن بعض الناس إذا كان يصلي في بيته وحده، كأن يصلي السنة الراتبة، أو صلاة الضحى، أو صلاة الليل، تجده يصلي بـملابس النوم ونحوها حاسر الرأس، والمشروع أن يأخذ زينته في الصلاة، فإذا قام من النوم مثلًا، وأراد أن يصلي صلاة الليل، فيلبس أحسن ثيابه؛ لأن أخذ الزينة في الصلاة ليس لأجل نظر الناس إليه، وإنـما هو لحق الله .

أيها الإخوة، هذا هو ما اتسع له وقت في هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍ في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 853، ومسلم: 561.
^2 رواه البخاري: 855، ومسلم: 564.
^3 رواه مسلم: 563.
^4 رواه مسلم: 564.
^5 رواه مسلم: 567.
^6 رواه  مسلم: 565.
^7 رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 2218، والبيهقي في الكبرى: 3089، والبزار: 5903، والطبراني في المعجم الأوسط: 9368.
^8 رواه أبو داود: 4017، والترمذي: 2769، وابن ماجه: 1920، وأحمد: 20034، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
^9 رواه مسلم: 91.
مواد ذات صلة