الرئيسية/برامج إذاعية/فقه العبادات/(121) أحكام سجود التلاوة- دعاء سجود التلاوة وهل يُشرع للسامع؟
|categories

(121) أحكام سجود التلاوة- دعاء سجود التلاوة وهل يُشرع للسامع؟

مشاهدة من الموقع

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

هل يُشرع التكبير لسجود التلاوة؟

سجود التلاوة ليس بصلاةٍ على القول الراجح، وقد سبق بيان ذلك في الحلقة السابقة، ولكن: هل يشرع له التكبير؟

قال بعض أهل العلم: إنه يشرع أن يُكبِّـر إذا أراد أن يسجد.

والأقرب -والله تعالى أعلم- في هذه المسألة أن سجود التلاوة لا يخلو من حالين:

  • الحال الأولى: أن يكون داخل الصلاة، فيشرع التكبير عند الخفض والرفع، فإذا أراد أن يسجد كبَّـر، وإذا فرغ من السجود ورفع كبَّـر؛ ويدل لذلك ما جاء في (صحيح البخاري) عن أبي هريرة : “أنه كان يصلي بـهم، فيكبِّـر كلما خفض ورفع، ويقول: إني لأشبههم صلاةً برسول الله [1].
  • الحال الثانية: أن يكون خارج الصلاة؛ فقد روي في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “كان النبي يقرأ علينا القرآن، فإذا مرَّ بالسجدة كبَّـر وسجد، فسجدنا معه”، ولكن هذا الحديث ضعيفٌ من جهة الإسناد؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (بلوغ المرام): “رواه أبو داود بسندٍ فيه لين؛ وذلك أنه قد روي من طريق عبدالله بن عمر العمري وهو ضعيف، وكان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه”.

وبناءً على ذلك يكون التكبير لسجود التلاوة خارج الصلاة غير ثابتٍ.

وأما التكبير بعد الرفع منه، فلم يرد في ذلك شيء، وهكذا السلام منه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “سجود القرآن لا يُشرَع فيه تحريمٌ ولا تحليل، هذه هي السنة المعروفة عن النبي ، وعليها عامة السلف، وهذا هو المنصوص عن الأئمة المشهورين، قال: ولـم يسن النبي  في سجود التلاوة سلامًا، ولَـم يرو عنه ذلك، لا بإسنادٍ صحيحٍ ولا ضعيف”.

دعاء سجود التلاوة

ويشرع أن يقول في سجود التلاوة ما يقول في سجود صلب الصلاة، وقد نصَّ على ذلك الإمام أحمد رحمه الله، وحينئذٍ يشرع أن يقول: سبحان ربي الأعلى ويكررها.

ويدل لذلك: أنه لـمَّا نزل قول الله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال النبي : اجعلوها في سجودكم [2]، وهذا يشمل السجود في الصلاة، وسجود التلاوة.

ويقول كذلك: “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي”.

لِمَا جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي [3].

وأخرج أبو داود في سننه بسندٍ صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خَلقَه، وشقَّ سمعه وبصره، بحوله وقوته ورواه الترمذي، وزاد: فتبارك الله أحسن الخالقين [4].

وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: “جاء رجلٌ إلى النبي فقال: يا رسول الله، إني رأيت الليلة فيما يرى النائم، أني أصلي خلف شجرة، فقرأت السجدة” وفي روايةٍ: “قرأت بسورة (ص) فلـمَّا بلغت إلى سجدتـها سجدتُ؛ فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بـها عندك أجرًا، وضع عنِّـي بـها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها منِّـي كما تقبلتها من عبدك داود، قال ابن عباس: فرأيت النبي قرأ السجدة، فسمعته وهو ساجدٌ يقول مثلما قال الرجل عن كلام الشجرة” [5]، وهذا الحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد، قال النووي: “إسناده حسن”.

والحاصل: أن المشروع في سجود التلاوة أن يقال: “سبحان ربي الأعلى” ويكررها، ثم يقول: “سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سجد وجهي للذي خلقه، وشقَّ سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم اكتب لي بـها عندك أجرًا، وضع عنِّـي بـها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبَّلها منِّـي كما تقبَّلتها من عبدك داود “.

وإن زاد دعاءً فلا بأس؛ لأن المقام مقام دعاء؛ ولعموم قول النبي : وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء [6].

ولو اقتصر على قول: “سبحان ربي الأعلى” أجزأ ذلك.

هل يُشرع سجود التلاوة للسامع؟

ومن المسائل المتعلقة بسجود التلاوة: أن سجود التلاوة كما يُشرع للقارئ، فيُشرع كذلك للمستمع دون السامع، والفرق بينهما: أن المستمع هو الذي يقصد الاستماع، فينصت للقارئ ويتابعه، وأما السامع فهو الذي يسمع القراءة دون أن ينصت لها، فسجود التلاوة مشروعٌ في حق المستمع للتلاوة دون السامع.

قال الموفق ابن قدامة رحمه الله: “يسنُّ سجود التلاوة للتالي والمستمع، وهو الذي يقصد الاستماع، بغير خلافٍ علمناه”.

ومـمَّا استدل به بعض العلماء: على أن للمستمع حكم القارئ، قول الله ​​​​​​​ عن موسى عليه الصلاة والسلام: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ ۝ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:88-89]؛ فالداعي كان موسى وحده، ومع ذلك قال الله: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا؛ لأن هارون كان يستمع ويؤمِّن، فجعل الله تعالى للمستمع حكم المتكلِّم الداعي.

واشترط بعض الفقهاء: أن يكون القارئ يصلح لأن يكون إمامًا للمستمع، فإن كان لا يصلح، كأن يكون القارئ امرأة والمستمع رجلًا، أو أن المستمع عن يسار القارئ، لـم يشرع السجود في هذه الحال.

وهذا القول بناءً على أن سجود التلاوة صلاة، ويشترط له ما يشترط للصلاة، وقد سبق ذكر الخلاف في هذه المسألة سابقًا، وذكرنا أن القول الراجح فيها: أن سجود التلاوة ليس بصلاة، وبناءً على هذا القول، لا يشترط أن يكون القارئ يصلح لأن يكون إمامًا للمستمع.

ومـمَّا يؤيد ذلك: أن سبب سجود المستمع هو استماعه لآية السجدة، وهذا حاصلٌ بتلاوة من لا يصلح للإمامة، أما إذا لـم يسجد القارئ، لـم يُشرع السجود للمستمع في هذه الحال؛ لأن سجود المستمع تبعٌ لسجود القارئ، فالقارئ أصلٌ، والمستمع فرعٌ.

ويدل لذلك: ما جاء في الصحيحين عن زيد بن ثابتٍ : “أنه قرأ على النبي سورة النجم، فلم يسجد فيها” [7]، وهذا يدل على أن زيد بن ثابت لـم يسجد؛ لأنه لو سجد لسجد النبي ، كما كان الصحابة يسجدون مع النبي .

حكم سجود التلاوة للمستمع لجهاز التسجيل

وبناءً على ذلك: لا يُشرَع لمن استمع إلى تلاوة القرآن الكريم عن طريق جهاز التسجيل أن يسجد إذا مرَّ القارئ بآية سجدة؛ لأن القارئ لـم يسجد في هذه الحال؛ لكون الصوت الصادر عن جهاز التسجيل هو عبارة عن حكايةٍ للصوت.

حكم قراءة آية سجدة في صلاة سرية

ومن المسائل المتعلقة بسجود التلاوة: ما ذكره بعض الفقهاء: من أنه يكره للإمام قراءة آية سجدةٍ في صلاةٍ سرِّية، أي: في صلاة الظهر أو العصر؛ لأنه إن قرأها إما أن يسجد لها أو لا، فإن لـم يسجد كان تاركًا للسنة، وإن سجد لها أوجب الإيهام والتشويش على المأموم.

ولكن هذا محل نظر؛ لأن الكراهة حكمٌ شرعي يفتقر إلى الدليل، وترك المسنون لا يستلزم أن يكون مكروهًا.

وأما قولهم: إن السجود قد يُؤدي للتشويش على المأمومين، فنقول: إن كان يُؤدي للتشويش على المأمومين أو بعضهم؛ فالأولى ترك السجود في هذه الحال، وسبق القول بأن سجود التلاوة مستحبٌ وليس بواجب، وحينئذٍ لا يأتي الإمام بأمرٍ مستحب، قد يترتَّب عليه إخلال بعض المأمومين بأركانٍ أو واجباتٍ في الصلاة، أما لو قُدِّر أنه لا يحصل التشويش على المأمومين، بأن كانوا محصورين يعرفون ذلك من إمامهم، أو أن الإمام يرفع صوته قليلًا بآية السجدة؛ فإنه يسجد الإمام، ويسجد من خلفه من المأمومين.

أيها الإخوة، هذا ما اتسع له وقت هذه الحلقة، ونلتقي بكم على خيرٍ في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 785.
^2 رواه أبو داود: 869، وابن ماجه: 887، وأحمد: 17414.
^3 رواه البخاري: 794، ومسلم: 484.
^4 رواه أبو داود: 1414، والترمذي: 580، وأحمد: 24022، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
^5 رواه الترمذي: 579، وابن ماجه: 1053.
^6 بنحوه في مسلم: 479.
^7 رواه البخاري: 1072، ومسلم: 577.
مواد ذات صلة