logo

(6) فتاوى الحج 1437هـ

مشاهدة من الموقع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

حياكم الله أيها الإخوة المستمعون الكرام، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

حياكم الله في هذه الحلقة الجديدة من البرنامج اليومي (فتاوى الحج).

أهلًا ومرحبًا بكم أيها الإخوة الكرام.

كما أيضًا يسرُّني أن أرحب -في بداية هذه الحلقة- بمعالي الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.

شيخ سعد، السلام عليكم ورحمة الله.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

المذيع: أهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ دكتور سعد.

ونرحب بكم مستمعينا الكرام، لمن أراد الاتصال وطرح سؤاله على فضيلة الشيخ الدكتور سعد.

نأخذ أول اتصالٍ في هذه الحلقة من الأخ أبي عليٍّ.

المتصل: السلام عليكم.

المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: مساك الله بالخير، الله يرضى عنك.

المذيع: مساء النور والعافية، حياك الله.

المتصل: الله يجزيك خيرًا.

المذيع: آمين، وإياك.

المتصل: عندي… أريد أن أفهمها منك يا شيخ، الله يجزيك خيرًا.

الشيخ: نعم.

المتصل: عندي -يا شيخ الله يرضى عنك- امرأةٌ ما لها أحدٌ، ولا ولدٌ ولا تَلَدٌ ولا شيءٌ، توفيت، وأنوي -إن شاء الله- أن أضحي عنها، العشر الأيام هذه -الله يجزيك خيرًا- لا أقص شعرًا، ولا أقص ظفرًا، أو يجوز؟

الشيخ: طيب، ستضحي أنت عن نفسك؟

المتصل: أنا سأضحي عنها، فقط تخبرني، الله يجزيك خيرًا.

الشيخ: لا، أضحيتك عنها معلومةٌ، لكن أنت ستضحي عن نفسك؟

المتصل: لا، أنا قصدي أنها لها هي.

الشيخ: طيب، وأنت؟

المتصل: لا بد أشرك نفسي، الله يجزيك خيرًا؟

الشيخ: الآن أنت ستضحي لها، ولن تضحي عن نفسك، كذا؟

المتصل: لا، لها، الله يجزيك خيرًا.

الشيخ: نعم، طيب.

المذيع: عندك سؤالٌ ثانٍ..؟

المتصل: لا، الله يجزيك خيرًا، هذه فقط كلها مشكلة.. أريد أفهم العشر هذه ماذا أفعل؟

المذيع: حسنًا، إن شاء الله تسمع الجواب عن طريق الإذاعة.

المتصل: طيب، الله يجزيك خيرًا، ويرحم والدينا ووالديك.

المذيع: تفضل يا شيخ.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن مما تختص به عشر ذي الحجة: أنها إذا دخلت فإنه لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا؛ وذلك لحديث أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي قال: إذا دخلت هذه العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا [1]، وفي لفظٍ عند مسلمٍ: من كان له ذِبحٌ يذبحه، فإذا أُهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي، وهذا الحكم خاصٌّ بمن أراد أن يضحي.

والمراد بالمضحِّي: هو من يدفع ثمن الأضحية، ولو لم يباشر الذبح، وليس المراد بالمضحي من يباشر الذبح إذا لم يدفع ثمن الأضحية، فإذنْ المراد بالمضحي والضابط فيه: هو من يدفع ثمن الأضحية، وهذا الحكم خاصٌّ بمن أراد أن يضحي، ولا يشمل المضحَّى عنه -في أرجح قولي العلماء- لأن النبي قال في هذا الحديث: إذا دخلت هذه العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذن شعرًا ولا يُقَلِّمَن ظفرًا [2]، فقوله: أراد أحدكم أن يضحي، ولم يقل: أو يُضحَّى عنه، فإذنْ: هذا الحكم يختص بالمضحِّي فقط، دون من يضحَّى عنه.

وعلى هذا نقول للأخ السائل الكريم: إذا كنت ستضحي عن هذه المرأة، ولن تضحي عن نفسك، فإنه لا يشملك هذا النهي الوارد في هذا الحديث؛ لأنك لم تضحِّ عن نفسك، وإنما هي أضحيةٌ عن غيرك.

لكن الذي أنصح الأخ الكريم به: هو ألا ينسى نفسه، والأكمل والأحسن: أن يضحي عن نفسه ويشرك معه هذه المرأة، التي وصفها بأنها منقطعةٌ، هذا أكمل وأفضل، وفضل الله واسعٌ، وثواب الاشتراك لا حد له، يعني الاشتراك في الثواب لا حد له؛ لأن الاشتراك في الأضحية على قسمين:

  • اشتراك في المِلك، وهذا إنما يكون في الغنم عن شخصٍ واحدٍ، ولا يصح الاشتراك في الغنم، وفي الإبل والبقر إلى سبعة أشخاصٍ.
  • والقسم الثاني: الاشتراك في الثواب، وهذا لا حد له، للإنسان أن يشرك معه في أضحيته من شاء من الأحياء والأموات.

فأنصح الأخ الكريم بأن يجعل الأضحية عن نفسه، وأن يشرك معه في أضحيته هذه المرأة المنقطعة، بل وأن يشرك معه في أضحيته والديه وزوجته وأولاده، ومن شاء من أحبابه من الأحياء والأموات، وفضل الله تعالى واسعٌ.

ومن العجب أن بعض الناس يحرص على أن يضحي عن الأموات وينسى نفسه! والأضحية في الأصل إنما هي عن الأحياء وليست عن الأموات، ثم كيف يَهَبُ الإنسان الثواب لهذا الميت وينسى نفسه؟! هل يضمن أنه سيعيش عمرًا طويلًا يعمل فيه صالحًا، كما أن هذا الميت بحاجةٍ للعمل الصالح، فأنت -يا أخي الكريم- أيضًا بحاجة للعمل الصالح، نلحظ هذا من بعض المسلمين، نلحظ منهم أنهم يحرصون على إهداء ثواب القُرَب، فنجدهم في مكة يحرصون على إهداء ثواب العمرة، وربما بعضهم يقرأ القرآن ويحرص على إهداء ثواب التلاوة للأموات، وينسون أنفسهم.

فينبغي أن يبدأ الإنسان بنفسه، وهو بحاجة للعمل الصالح، ولا يدري ربما يكون الأجل قريبًا، وهو لا يشعر.

الحاصل: أننا ننصح الأخ الكريم بأن يجعل الأضحية عن نفسه، وأن يشرك معه هذه المرأة التي سأل عنها، ويشرك معه من شاء من الأحياء والأموات.

المذيع: نعم، أحسن الله إليكم شيخ سعد، بالنسبة لمن كان مشتركًا شركة مِلكٍ في أضحيةٍ، في سُبُعٍ يعني، أو كذا في أضحية إبلٍ أو بقرٍ، الجميع يمسك عن القص والــ..؟

الشيخ: نعم، لا فرق بين أن يضحي الإنسان بواحدةٍ من الغنم، أو أن يكون له سُبُع بقرةٍ، أو سبع بَدَنةٍ، فسبع البقرة وسبع البدنة يعادل واحدةً من الغنم، وهي في الأحكام سواءٌ، لا تختلف.

المذيع: أحسن الله إليكم.

هذا أيضًا اتصال من أخينا أبي راشدٍ، أبا راشدٍ.

المتصل: السلام عليكم.

المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: عندي ثلاثة أسئلةٍ.

المذيع: تفضل، الأول.

المتصل: الأول: من عاد إلى غير بلده، هل ينقطع تمتعه؟

المذيع: طيب، السؤال الثاني.

المتصل: السؤال الثاني: جاء في الحديث عند الإمام مسلمٍ من حديث أبي الطفيل  قال: “رأيت رسول الله يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمِحْجَنٍ معه ويقبل المحجن” [3]، هل الآن تقبيل ما يُستلم به الحجر من السُّنة؛ بناءً على هذا الحديث؟

المذيع: جميلٌ، السؤال الثالث.

المتصل: السؤال الثالث: ما هو ضابط حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، هل يدخل فيه المقيمون في مكة أم لا، وجزاكم الله خيرًا؟

المذيع: شكرًا، تسمع إن شاء الله الإجابة.

أحسن الله إليكم شيخ سعد، سؤاله الأول: من عاد إلى غير بلده وقد اعتمر عمرة تمتعٍ، هل ينقطع تمتعه؟

الشيخ: لا ينقطع تمتعه بذهابه إلى غير بلده في أرجح أقوال الفقهاء، وإنما ينقطع التمتع إذا رجع إلى بلده، بما رُوي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما في هذا.

أما إذا بقي في مكة، أو ذهب إلى غير بلده، فإنه باقٍ على تمتعه لا ينقطع.

المذيع: نعم، أحسن الله إليكم، من استلم الركن أو الحجر الأسود بعصًا أو بمِحْجَنٍ، هل يسن له تقبيله كما جاء في الحديث؟

الشيخ: نعم، يسن له تقبيله؛ للحديث الذي أشار إليه الأخ الكريم، وهو حديث أبي الطفيل ، قال: “رأيت رسول الله يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجنٍ ويقبل المحجن”، وهذا أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”، وهو صريح الدلالة في مشروعية تقبيل ما يستلم به الحجر الأسود، وعلى هذا فيكون عند الحجر الأسود ثلاث سُننٍ:

  • السُّنة الأولى: تقبيل الحجر الأسود إن تيسر للطائف -لمن يطوف- أن يقبل الحجر الأسود، فهذا هو الأكمل والأفضل.
  • والسُّنة الثانية: إن لم يتيسر له هذا، وكان هناك شيءٌ يستطيع أن يستلم الركن به، فإنه يستلمه به، ويقبله به.
  • والسُّنة الثالثة: إن لم يستطع هذا ولا ذاك، فإنه يشير بيده إلى الحجر الأسود ويكبر، يقول: الله أكبر.

وأكثر الحجاج الآن لا يتمكنون من تقبيل الحجر الأسود، من استلامه ومن تقبيله، وأيضًا استلامه بعصًا ونحوها، هذا في وقتنا الحاضر أصبح غير ممكنٍ، مع كثرة الناس، وكثرة الحجيج، وربما يكون أيضًا فيه حرجٌ كبيرٌ؛ فيكتفي من يطوف بالإشارة بيده عند التكبير، ربما في غير المواسم يستطيع الإنسان أن يستلم الحجر الأسود ويقبله، لكن في موسم الحج، وفي المواسم التي يشتد فيها الزحام، يصعب هذا على كثيرٍ من الناس.

وهنا أوجه نصيحةً للإخوة الحجاج بأن عليهم أن يتقوا الله ، وألا يؤذوا غيرهم؛ لأن بعض الناس يريد أن يأتي بسُنةٍ فيقع في مُحرَّمٍ، فأذية المسلمين محرمةٌ، والله تعالى يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58]، واستلام الحجر الأسود وتقبيله سنةٌ، ليس واجبًا، فكيف يحرص الإنسان على الأمر المستحب، ويقع معه في الأمر المحذور، ليس هذا من الفقه، فإذا وجد الإنسان زحامًا فإنه لا يزاحم، وإنما يكتفي بالإشارة للحجر الأسود.

هذه الثلاث السنن إنما هي في الحجر الأسود فقط.

وأما الركن اليماني: فإن استطاع أن يستمله استلمه فقط من غير تقبيلٍ، وإن لم يستطع أن يستلمه فإنه لا يقبله ولا يشير إليه، فالركن اليماني لا يُقبَّل، ولا يُشار إليه، وإنما فقط إن تمكن أن يستلمه استلمه، وإن لم يتمكن مشى من غير إشارةٍ ولا تكبيرٍ.

المذيع: نعم، أحسن الله إليكم، عفوًا يا شيخ سعد الله يحفظك، بالنسبة للاستلام بالعصا، بمحجنٍ يعني، هل يُسن للإنسان إذا كان يعرف أن هناك متسعًا في غير المواسم أن يتعمد، ويأخذ معه عصًا، أم أن العصا جاءت مع النبي يعني: عَرَضًا؟

الشيخ: هذا محتمِلٌ، محتملٌ هذا وهذا، يعني ليس هناك ما يرجح هذين الاحتمالين، والأمر في هذا واسعٌ.

لكن لا شك أن الأكمل والأفضل: هو أن يستلمه وأن يقبله، لكن هذا الذي ورد في قصة أبي الطفيل ، الأقرب أن النبي إنما فعله لمَّا طاف على بعيره، فإنه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع حج معه قرابة مئة ألفٍ، وكان الناس كلهم في ذلك الوقت يحرص على أن يكون قريبًا من النبي ، وأن يشاهده ويراه، فالتف حوله الناس، فلما طاف بعض الأشواط ما استطاع أن يكمل، فأمر بأن يؤتى ببعيره، فطاف عليه الصلاة والسلام على بعيره، طاف على بعيره، وكما يقول الصحابي: “إن الناس قد غَشُوه” [4]، لم يستطع أن يكمل؛ بسبب التفاف الناس حوله، فلما طاف على البعير جعل يستلم الحجر بهذا المحجن ويقبل المحجن.

المذيع: أحسن الله إليكم، السؤال الثالث: يسأل عن ضابط حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، بالنسبة لمن كان مقيمًا في مكة إقامةً مؤقتةً، سنةً، سنتين، هل يعتبرون من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟

الشيخ: ضابط حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: هم أهل مكة ومن كان في حكمهم، يعني: أهل الحرم، ومن كان مقيمًا في مكة عمومًا، فأهل مكة، سواءٌ أكانوا المقيمين في الحرم، أو حتى خارج حدود الحرم لكنهم من أهل مكة؛ كمن أقاموا في التنعيم مثلًا، أو في الشرائع خارج حدود الحرم، كلهم يكونون من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ في أرجح أقوال الفقهاء، ولكن لا بد لمن يكون من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: أن يكون مقيمًا إقامةً دائمةً ومستوطنًا.

وأما من كان مقيمًا إقامةً عارضةً؛ كالعمال الذين يأتون للعمل في مكة، ولو سنواتٍ، سنتين أو خمسًا، أو أكثر أو أقل، فإن هؤلاء ليسوا من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فلا يصدق على الإنسان أنه من حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلا إذا كان من أهل مكة المقيمين فيها إقامةً دائمةً، أي أنهم مستوطنون فيها.

المذيع: نعم، أحسن الله إليكم دكتور سعد.

أيضًا معنا متصلٌ، الأخ عليٌّ من الطائف.

المتصل: السلام عليكم.

المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: ممكن أن أكلم الشيخ رحم الله والديك؟

المذيع: ووالديك، تفضل، الشيخ يسمعك.

المتصل: السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: يا شيخ سعد الله يرفع قدرك، الله يرحم والديك، أريد أن أسالك: حكم شراء سيارةٍ عن طريق “بنك الراجحي”، أختارها من “شركة تويوتا”، ويشتريها لي الراجحي، الإيجار المنتهي بالتمليك، مع أن موظف البنك يقول: عقدان في عقدٍ، وأيضًا يقول: البنك تَمَلَّك السيارة، سألته: هل أنت تملكت السيارة الآن من أجل أن أشتري؟ قالوا: تملكناها، إضافةً لمدير الفرع، يقول…، سألت: عقدان في عقدٍ، أو عقدٌ، قال: لا، عقدان في عقدٍ، والله أعلم، لا أدري، يجوز يا شيخ أو لا؟

المذيع: طيب، عندك سؤالٌ ثانٍ؟

المتصل: الله يرحم والديك.

المذيع: ووالديك، تستمع -إن شاء الله- الجواب، تفضل يا شيخ سعد.

المتصل: لا بأس بهذا العقد، التأجير المنتهي بالتمليك من “مصرف الراجحي” الذي أشار إليه، أو الذي سأل عنه الأخ الكريم، لا بأس به، وقد اطلعت عليه، وهو عقد تأجيرٍ حقيقيٍّ، تترتب عليه جميع آثار عقد الإجارة، وليس فيه محظورٌ شرعيٌّ، مع وعدٍ بالتمليك، إن انتظم هذا المستأجر في سداد جميع الأقساط، فيَعِدُونه بالتمليك؛ إما بطريق الهبة، أو بمبلغٍ يُتفَق عليه، يسمى (الدفعة الأخيرة)، فهذا لا بأس به، وهو مستوفٍ للضوابط الشرعية.

وأما ما تساءل عنه من أن فيه عقدين في عقدٍ، فإن المراد بالعقدين في عقدٍ، الذي ورد النهي عنه: هو بيع العِينة، كما حقق ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله، فبيعتان في بيعةٍ، وعقدان في عقدٍ، وصفقتان في صفقةٍ، المراد بها: بيع العِينة، وبيع العينة هنا غير واردٍ؛ لأن هذا مجرد تأجيرٍ حقيقيٍّ تترتب عليه آثار عقد الإجارة مع وعدٍ بالتمليك، والأصل في المعاملات: الحِل والإباحة، والله تعالى يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، والإجارة بيع منافع، الأصل فيها الحِل، فهو عقد تأجيرٍ مع وعدٍ بالتمليك كما ذكرت؛ إما بالبيع بما يسمى بـ(الدفعة الأخيرة)، وبعضهم يجعله بطريق الهبة، فهو وعدٌ بالتمليك، فهذا العقد مستوفٍ للضوابط الشرعية، ولا ينطبق عليه قرار هيئة كبار العلماء في منع التأجير المنتهي بالتمليك؛ لأن قرار هيئة كبار العلماء في منع التأجير المنتهي بالتمليك، إنما ينطبق عليه ما اجتمع فيه البيع والتأجير في وقتٍ واحدٍ، في زمنٍ واحدٍ، وهذه الصورة الآن تكاد تكون غير موجودةٍ في السوق.

وأما إذا كان التأجير هو الذي وَقَع عليه العقد مع وعدٍ بالتمليك، هذا لا ينطبق عليه قرار هيئة كبار العلماء في منع التأجير المنتهي بالتمليك، فالتأجير المنتهي بالتمليك له عدة صورٍ؛ منها صورٌ جائزةٌ، ومنها صورٌ ممنوعةٌ، والعقد الذي سأل عنه الأخ الكريم هو من الصور الجائزة.

المذيع: جزاكم الله خيرًا، دكتور سعد، أيضًا معنا اتصالٌ من أم عبدالعزيز.

المتصل: السلام عليكم.

المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: مساء الخير عليكم وعلى السادة المشاهدين، عندي ثلاثة أسئلةٍ سريعًا جدًّا.

المذيع: السؤال الأول.

المتصل: السؤال الأول: يصح أن نصوم..، وهذه السَّنَة -بحسب تقويم أم القرى- تبدأ يوم الجمعة، ويقولون: يوم الجمعة لا أحد يبدأ به، يجوز إذا صمنا يوم الجمعة؟

المذيع: طيب، السؤال الثاني.

المتصل: السؤال الثاني: أنا -يا شيخ- في رمضان أريد أن أصلي في المسجد، وأمي رفضت، وأنا غضبت وحلفت، وقلت: والله ما أصلي حتى بالبيت، ولكن بعد ذلك صليت، ماذا عليَّ؟

السؤال الأخير يا شيخ: أمي وهي صائمةٌ تطوعًا أكلت وهو أذَّن وهي تأكل؟

المذيع: ماذا أكلت؟

المتصل: أكلت وهي تصوم تطوعًا، وأكلت وهو أذن وهي تأكل.

يا شيخ، آخر شيءٍ: حديثٌ أريد أن أسأل عنه.

المذيع: نعم، تفضلي.

المتصل: يا شيخ، ما صحة الحديث الذي يقولون: خذوا لبنها وسمنها؛ فإنه دواءٌ، ودعوا لحومها؛ فإنه داءٌ [5]، ما المقصود بها؟

شكرًا أنا فقط..

المذيع: لحظة، السؤال الثالث واضحٌ يا شيخ سعد، الي أكلت وهي صائمةٌ صوم تطوعٍ؟

الشيخ: لا، غير واضحٍ، لم يتضح.

المذيع: أعيدي السؤال الثالث، ماذا قلت؟ أمي أكلت..

المتصل: أمي أكلت… يؤذن الفجر.

المذيع: وهو يؤذن الفجر؟

المتصل: نعم، وهي تريد أن تصوم تطوعًا، وأكلت…

الشيخ: يعني أكلت وقت الأذان؟

المذيع: نعم.

المذيع: طيب، تمام، شكرًا.

المتصل: شكرًا، يعطيك العافية.

المذيع: الله يعافيك.

السؤال الأول دكتور سعد: تقول: إننا نصوم العشر الأوائل من ذي الحجة، ومن المحتمل أن تبدأ هذه السنة بيوم الجمعة، وكأنها سمعت أنه لا يجوز البدء بيوم الجمعة؟

الشيخ: الذي ورد النهي عنه إفراد يوم الجمعة بالصيام [6]، وأما صوم يوم الجمعة مع يومٍ قبلها أو يومٍ بعدها فلا حرج، لا حرج في أن تصوم يوم الجمعة، لكن مع يومٍ قبلها أو يومٍ بعدها.

وعلى هذا: فإذا صامت الجمعة والسبت فلا حرج عليها، وعشر ذي الحجة يحتمل أن تبدأ الجمعة، ويحتمل أن تبدأ السبت، فعلى تقدير أنها لم تبدأ إلا السبت فتصوم الجمعة والسبت، تكون بهذا قد صامت الجمعة والسبت وزال الإشكال؛ لأن النهي إنما هو عن إفراد يوم الجمعة، وليس عن مجرد صيام يوم الجمعة، وإنما عن تخصيص يوم الجمعة وإفرادها بالصيام، فإذا صامت الجمعة والسبت فلا إشكال في هذا.

المذيع: نعم، جزاكم الله خيرًا.

سؤالها الثاني: تقول: إنها منعتها أمها في رمضان أن تصلي في المسجد، فحلفت: لا تصلي لا في المسجد ولا في غيره، ماذا عليها؟

الشيخ: عليها أن تكفر كفارة يمينٍ؛ لأنها قد حلفت على معصيةٍ، كونها تحلف على ألا تصلي، هذا حلفٌ على معصيةٍ، فعليها أن تكفر كفارة يمينٍ، ويجب عليها أن تصلي.

المذيع: السؤال الثالث: تقول: إن أمها أكلت وهو يؤذَّن لصلاة الفجر، وهي تريد صيام تطوعٍ؟

الشيخ: صيامها صحيحٌ؛ لقول النبي : إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه [7]، أخرجه أبو داود وغيره، وهو حديثٌ ثابتٌ، وهو يدل على أن من أكل أو شرب وقت أذان الفجر، فلا حرج عليه، ولا يُشدَّد في هذه المسألة، والأصل بقاء الليل؛ ولهذا قال الفقهاء: إن من أكل أو شرب شاكًّا في طلوع الفجر، فإن صيامه صحيحٌ.

المذيع: أحسن الله إليكم.

أيضًا تسأل عن حديث: خذوا لبنها وسمنها، ودعوا لحمها؟

الشيخ: نعم، لا أعرف هذا الحديث بهذا اللفظ الذي ذكرته الأخت الكريمة، ولعله يُراجع -إن شاء الله- وآتي بالجواب في حلقةٍ قادمةٍ بإذن الله.

المذيع: بمشيئة الله، جزاكم الله خيرًا يا شيخ سعد.

نأخذ أيضًا اتصالًا من أبي محمدٍ من الرياض.

المتصل: السلام عليكم.

المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المتصل: عندي سؤالان يا شيخ.

المذيع: تفضل، الأول.

المتصل: السؤال الأول: والدي حج السنة الماضية، وجاوز الميقات وما أحرم، وإلى الآن ما عمل الهدي، هل تأخير الهدي يجوز، أو عليه إثمٌ، أو كيف؟

الشيخ: لماذا لم يحرم من الميقات؟

المتصل: ما أحرم من الميقات.

الشيخ: ما السبب؟

المتصل: والله هو جاوز الميقات وما أحرم، هو يقول: تجاوز الميقات بدون ما يشعر.

المذيع: سؤالك الثاني.

المتصل: السؤال الثاني: لي قرضٌ من “بنك الراجحي”…، هل يجوز؟ هو تَورُّقٌ، فيه شيءٌ، أو لا..؟

الشيخ: تورق في أي شيءٍ؟ في الأسهم؟

المتصل: والله أنا أريد أن آخذ أموالًا، وهم سيأخذون لا أدري ماذا، أو ماذا سيأخذون، ويبيعونه، وبعد ذلك أنا سآخذ أموالًا.

المذيع: طيب شكرًا، تسمع الجواب إن شاء الله.

يسأل عن أن والده -يا شيخ سعد- حج العام الماضي، وجاوز الميقات بغير إحرامٍ، وإلى الآن لم يُفْدِ؟

الشيخ: من تجاوز الميقات بدون إحرامٍ فإنه يجب عليه -عند جمهور الفقهاء- دمٌ، يَذبح دمًا في الحرم، ويوَّزع على فقراء الحرم؛ لأنه ترك واجبًا من واجبات الحج، وهذا الدم باقٍ في ذمته، عليه أن يبادر لذبح هذا الدم، أو توكيل من يذبحه عنه.

المذيع: وأيضًا يقول في سؤاله الثاني: إنه أخذ تمويلًا من “بنك الراجحي”، وسؤاله يقول: هل يجوز هذا التمويل؛ لأني لا أدري، هو يقول: نزل لي في حسابي أموالٌ؟

الشيخ: وهذا البنك، الأصل أنه من البنوك الإسلامية المنضبطة بالضوابط الشرعية، ولديه هيئةٌ شرعيةٌ، فالأصل في تعاملاته أنها منضبطةٌ بالضوابط الشرعية، لكن أنصح الأخ الكريم إذا أراد أن يأخذ تمويلًا أن يستفسر عن البضاعة التي ستباع له، ثم يأخذ بها تمويلًا، فكيف يأخذ الإنسان تمويلًا ولا يدري في ماذا يكون التمويل؟! هل هو في أسهمٍ؟ هل هو في معادن؟ هل هو في سلعٍ أخرى؟ لا بد أن الإنسان يعرف ما الذي يُوقِّع عليه، فبعض الإخوة يأتي ويوقع على شراء سلعةٍ من السلع ولا يدري، مثلما حصل للأخ الكريم، فلا بد أن الإنسان يتعرف على العقد، ويعرف ما هي السلع التي سوف تُباع له.

المذيع: نعم، أحسن الله إليكم دكتور سعد.

اتصالٌ أخيرٌ من أخينا أبي محمدٍ من حائل.

المتصل: السلام عليكم.

المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضل.

المتصل: حياكم الله، وبارك الله فيكم.

المذيع: وفيك، تفضل.

المتصل: لو سمحت، سؤالي للشيخ سعد جزاه الله خيرًا: أنا قد حججت وأسقطت فرضي، ولكنني الآن مسنٌّ بالسبعين، وأيضًا كفيفٌ، هل يجوز أن أحجج عني حجةً ثانيةً، وأنا قادرٌ صحيًّا، فقط أنا كفيفٌ، وكبيرٌ بالسن، تعرفون زحمة الحج و..؟

الشيخ: لكن تستطيع أن تحج مع حملةٍ مثلًا، ويكون معك مرافقٌ؟

المتصل: والله أستطيع، فقط أنني كفيفٌ، وتعرف زحمة الحج، لا بد من مشاكل، ولا بد من..

الشيخ: نعم.

المذيع: عندك سؤالٌ ثانٍ؟

المتصل: لا، أبدًا، شكرًا لك.

المذيع: تفضل يا شيخ سعد.

الشيخ: الحج عن الغير إنما يكون عن الميت، وعن المعضوب، والمراد بالمعضوب: أي العاجز الذي لا يستطيع أن يحج بنفسه.

وأما القادر على الحج فإنه لا يُحَجُّ عنه، والأخ الكريم هو قادرٌ، لكن عليه مشقةٌ بسبب أنه كفيفٌ وغير مبصرٍ.

فنقول للأخ الكريم: إن تيسر أن تحج، ويكون معك مرافقٌ، والآن الحج تيسر -ولله الحمد- أكثر من أي وقتٍ مضى، المهم بالنسبة لك أن يكون معك مرافقٌ، وتكون مع إحدى الحملات، هذا ممكنٌ، فأنت بهذا غير عاجزٍ، أنت قادرٌ على الحج، لكن عليك مشقةٌ، وكونك قادرًا على الحج، هذا يجعلنا نقول: إنه ليس لك أن تحجج عنك، ليس لك أن تنيب من يحج عنك، وقد أديت حج الفريضة، لكنك تريد حج نافلةٍ، فإن تيسر أن تحج حج نافلةٍ، ويكون معك مرافقٌ، فهذا هو الأكمل والأحسن، وإن لم يتيسر فالحمد لله أنت قد حججت حج الفريضة، لكن ليس لك أن تنيب من يحج عنك وأنت قادرٌ على الحج بنفسك.

المذيع: لكن له أن يوصي -يا شيخ سعد- مثلًا أن يُحَج عنه بعد وفاته؟

الشيخ: نعم، له أن يوصي، له أن يكتب في وصيتهٍ بأن يُحَج عنه بعد وفاته.

المذيع: يعني: أقصد حتى وإن حج حجة الإسلام، الفرض؟

الشيخ: إي نعم، حتى وإن حج حجة الفريضة.

المذيع: نعم، أحسن الله إليكم.

شكرًا لكم فضلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء، أن كنتم معنا خلال هذه الحلقة مجيبًا عن أسئلة الإخوة المستمعين الكرام، جزاكم الله خيرًا يا شيخ سعد.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.

المذيع: أيضًا نشكركم -مستمعينا الكرام- على حسن متابعتكم وإصغائكم لنا في هذه الحلقة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح القول والعمل، وأن يعلمنا وإياكم ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، ويزيدنا وإياكم علمًا وهدى وتوفيقًا وسدادًا، إنه سميعٌ مجيب الدعاء.

حتى نلتقي بكم في حلقةٍ قادمةٍ نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1, ^2 رواه مسلم: 1977.
^3 رواه مسلم: 1275.
^4 رواه مسلم: 1273.
^5 رواه البيهقي في السنن الكبرى: 19572، وشعب الإيمان: 5555، بنحوه.
^6 رواه مسلم: 1144.
^7 رواه أبو داود: 2350، وأحمد: 10629.
zh