بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان حُجَّاج بيت الله الحرام، نسأل الله أن يجعل هذا الحج حجًّا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وأن يُسَلِّم الحجاج والمعتمرين والمسافرين في برهم وبحرهم وجوهم.
أيها الإخوة الكرام، في مستهل هذا اللقاء يسرنا أن نرحب بضيفنا الكريم، فضيلة الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.
السلام عليكم يا شيخ.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المذيع: بارك الله فيكم وفيما تقدمون، نسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
بدايةً بارك الله فيكم وأثابكم الله، ونحن في مستهل هذا اللقاء، وريثما نستقبل هذه الاتصالات، لعلكم تتحدثون عن حج الصبي، تفضل.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الحج على الصبي لا يجب؛ لأن من شروط وجوب الحج: البلوغ، والصبي لم يبلغ، سواءٌ أكان صبيًّا مميِّزًا، أو صبيًّا غير مميزٍ، لكن من جهة الصحة يصح الحج، يصح حج الصبي، سواءٌ أكان صبيًّا مميزًا أم غير مميزٍ، ويدل لذلك حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن امرأةً رفعت للنبي صبيًّا فقالت: يا رسول الله، ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولك أجرٌ [1]، أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”، ولم يفرق النبي بين كونه مميزًا أو غير مميزٍ.
ولهذا فإن الحج من العبادات التي تصح من الصبي غير المميز، بينما العبادات الأخرى يُشترط فيها التمييز، فالصلاة لا تصح من الصبي غير المميز، وكذلك الصيام لا يصح من الصبي غير المميز، أما الحج فإنه يصح من الصبي مميزًا كان أو غير مميزٍ، وإذا كان مميزًا فإنه ينوي الإحرام بنفسه، ويرشده وليه لذلك، أما إذا كان غير مميزٍ فإن وليه ينوي عنه.
والذي أنصح به حتى مع القول بصحة حج الصبي، الذي أنصح به في هذا الزمن الذي نعيش فيه: ألا يُحَجَّج الصبيان؛ وذلك لأن تحجيجهم يُلحِق الحرج بهم وبغيرهم؛ ولأن المشاعر قد ضاقت كثيرًا، وأعداد المسلمين كبيرةٌ، والمسلمون المكلفون البالغون كثيرٌ منهم لم يستطع الوصول للمشاعر، فكيف يؤتى بهذا الصبي ليحج والحج غير واجبٍ عليه ليزاحم الحجاج المكلفين، وأعداد المسلمين تربو على مليارٍ ونصفٍ، ومن يحج منهم قليلٌ جدًّا، من يحج منهم أقل من (1%)، بل أقل من نصف (1%)؟!
ولهذا فالذي أنصح به: ألا يكلف الإنسان على هذا الصبي، وإن كان الحج يصح منه، لكن الذي أنصح به ألا يكلف وليه عليه؛ لأنه يلحق الحرج به، ويلحق الحرج بالناس، والناس الآن في الحج اختلفت أحوالهم عن الناس فيما مضى، فيما مضى كانت الأمور سهلةً، ولم يكن هذا الزحام الشديد الذي نراه الآن، والذي ضاقت بسببه مِنًى، وضاقت المشاعر بكثرة الحجيج، وبكثرة الناس وبكثرة البشر؛ فإن أعداد البشر في الوقت الحاضر قد تضاعفت، كان عدد البشر قبل نحو مئةٍ وخمسين عامًا يقارب المليار، وأصبح الآن عددهم يزيد على سبعة ملياراتٍ، وتضاعفت معهم أعداد المسلمين، أصبح عددهم يزيد على مليارٍ ونصفٍ.
ومن هنا ينبغي أن يراعي المسلم هذه الأحوال، وأن يراعي تغير الأمور، وإن كان الفقهاء يقولون: بصحة حج الصبي، إلا أن الذي أنصح به ألا يفعل وليه ذلك، وألا يحجج الصبي للحرج الكبير الذي يَلحق به ويُلحقه بغيره، ويسبب الضيق والزحام على الحجيج.
المذيع: بارك الله فيكم وأثابكم الله.
نذكر الإخوة مرةً أخرى أنهم على الهواء مباشرةً في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية في برنامج (فتاوى الحج)، مع ضيفنا الكريم، فضيلة الدكتور: سعد بن تركي الخثلان.
معنا اتصالٌ، محمدٌ من الخَرج، حياك الله.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: سؤالٌ للشيخ.
المذيع: يسمعك فضيلة الدكتور، تفضل.
المتصل: السلام عليكم يا شيخ.
الشيخ: حياك الله، تفضل الله يبارك فيك.
المتصل:…
الشيخ: نعم؟
المذيع: صوتك غير واضحٍ، صوتك يتقطع.
المتصل: أقول: بالنسبة للقرض من “بنك الراجحي”.
الشيخ: القرض في ماذا؟ في أسهم؟ في ماذا؟
المتصل: والله يقول: في أسهمٍ.
والسؤال الثاني: ما حكم المسح على الرأس إذا كان الإنسان يضع صَبْخةً [2]، أو شيئًا، إذا أخذت جزءًا من..
الشيخ: إذا كان يضع ماذا؟
المذيع: صَبْخةً على الرأس.
الشيخ: إي نعم.
المذيع: شكرًا يا محمد، تفضل يا شيخ.
الشيخ: أما بالنسبة للسؤال الأول فالقرض من “مصرف الراجحي”، وسماه قرضًا، والحقيقة أنه ليس بقرضٍ؛ هو تمويلٌ.
المذيع: أو تورقٌ؟
الشيخ: نعم، هو تمويلٌ بطريق المرابحة أو التورق؛ ولذلك فالتسمية الدقيقة: “التمويل”.
وأنصح الإخوة المستمعين عندما يَسألون ويستفتون أن يقول: أخذت تمويلًا من البنك، ولا يقول: أخذت قرضًا؛ لأن هناك فرقًا بين القرض وبين التمويل في الخصائص وفي الأحكام.
فهو يقصد أنه أخذ تمويلًا من “مصرف الراجحي” بطريق التورق في الأسهم، هذا لا بأس به بشرط الاقتصار على أسهم الشركات النَّقِيَّة، أسهم الشركات التي خَلَت قوائمها المالية من التعاملات المحرمة، وهي شركاتٌ الآن تقارب المئة شركةٍ، ويَقتصر عليها، فإذا اقتصر عليها في التورق، وأخذ تمويلًا من البنك في هذه الأسهم؛ فلا بأس بهذا إن شاء الله.
المذيع: والصَّبْخة؟
الشيخ: وأما بالنسبة لوضع الصَّبْخة ونحوها على الشعر: فإن هذا لا يَمنع من المسح فوقها، والنبي في حجة الوداع كان قد لَبَّد شعر رأسه [3]، وضع عليه مادةً مثل العسل أو الصمغ، وضعها على شعر رأسه؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان شعره طويلًا ومدة إحرامه طويلةً، فإنه أحرم في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، وبقي على إحرامه خمسة عشر يومًا تقريبًا، لم يتحلل إلا في اليوم العاشر، وهذه المدة الطويلة أراد النبي أن يضع على شعره معها هذا التلبيد من باب النظافة وإزالة الغبار والوسخ ونحوه، وكان عليه الصلاة والسلام يمسح فوق هذا التلبيد، فدل هذا على أن من وضع على شعر رأسه شيئًا مثل ما ذكره الأخ السائل من الصبخة أو مثل الحناء ونحوها؛ فإنه يمسح فوقه، عندما يتوضأ يمسح فوقه ووضوؤه صحيحٌ والحمد لله.
المذيع: أثابكم الله فضيلة الدكتور.
معنا اتصالٌ، أبو عبدالملك من تبوك، حياك الله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع: السؤال الأول أحسن الله إليكم شيخنا: ما هو ضابط المبيت بمزدلفة لمن أراد أن يذهب لسكنه في منًى، أو من أراد أن يركب القطار من عرفة لمنًى، هل يكفي المرور؟ البعض يأتي من عرفة متأخرًا -شيخنا- ويريد أن يمر لسكنه في مِنًى؟
المذيع: طيب، سؤالٌ آخر؟
المتصل: السؤال الثاني شيخنا: من كان عنده ألمٌ في ركبته، وهذا الألم لا …، ولكن يذهب معه الخشوع، خاصةً في السجود، حتى إنه لا يفكر إلا متى يرفع الإمام من السجود، يعني ألم في ركبته وهو لا …، هل يكتفي بالإيماء؟
المذيع: شكرًا يا أبا عبدالملك، تفضل يا شيخ.
الشيخ: نعم، أما بالنسبة لما سأل عنه من المبيت بمزدلفة: فالمبيت بمزدلفة واجبٌ من واجبات الحج، فلا بد من أن يبيت بمزدلفة، والقدر الواجب هو أن يبقى بمزدلفة إلى منتصف الليل، والسُّنة أن يبقى إلى طلوع الفجر، هذا هو السنة، حتى يُسفِر جدًّا، ثم يدفع من مزدلفة إلى مِنًى بعد الإسفار وقبل طلوع الشمس.
وأما الضَّعَفَة ومرافقوهم: فلا بأس أن يدفعوا بعد منتصف الليل، وإن أخروه إلى ما بعد مغيب القمر، بذهاب ثلثي الليل، كان هذا أكمل وأفضل.
لكن مع ذلك لو أنه دفع بعد منتصف الليل ولم يكن من الضعفة، فعند جمهور الفقهاء أنه لا شيء عليه، لكن الأفضل أن يبقى إلى طلوع الفجر.
المذيع: يقول: تؤلمه ركبته، وهذا مما يُذهب الخشوع، هل له أن يجلس ويكفيه الإيماء؟
الشيخ: المرجع في هذا إلى رأي الطبيب المختص، فيسأل الطبيب المختص: هل لو سجد يتأثر بهذا السجود، يتضرر به؟ فإن كان يتضرر به، فله أن يومئ بالسجود.
وكذلك أيضًا لو كان يجد مشقةً كبيرةً، يَفوت بسببها الخشوع في الصلاة، وهذا هو الضابط في المشقة، أن يفوت بسببه الخشوع في الصلاة.
أما المشقة المحتملة التي لا يفوت بسببها الخشوع في الصلاة فإنها لا تمنع من السجود، خاصةً في الفريضة، فإن الفريضة ينبغي أن يحرص عليها المسلم، على تحقيق أركانها وشروطها وواجباتها أكثر من النافلة، النافلة بابها واسعٌ، النافلة لا يجب فيها القيام، هو مستحبٌّ، لو صلى قاعدًا كانت صلاته صحيحةً، فالأمر فيها أوسع من الفريضة، فإن كان بإمكانه أن يسجد -ولو أن يأتي بالقدر الواجب، يعني لا يطيل السجود- كان هذا هو الأكمل، أما إذا كان يضره السجود أو يؤلمه ألمًا يفوت بسببه الخشوع جاز له الإيماء.
وبهذه المناسبة أنبه إلى أن ركن السجود هو آكد أركان الصلاة، بل إن بعض أهل العلم يقول: إن ما قبل السجود من القيام ومن الرفع ومن الركوع إنها كالمقدمة للسجود، فالسجود هو آكد أركان الصلاة؛ ولهذا ليحرص المصلي على تحقيق هذا الركن، ولو قُدَّر أنه تعارض السجود مع القيام، يعني: إذا قام لم يستطع أن يسجد، وإذا سجد لم يستطع أن يقوم، فإنه يقدم السجود على القيام؛ لأن السجود آكد من القيام.
المذيع: نعم بارك الله فيكم وأثابكم الله.
معنا سامية من جازان، تفضلي بالسؤال يا أختي.
المتصلة: السلام عليكم.
المذيع: ارفعي الصوت، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، السؤال.
المتصلة: السؤال يا شيخ: هل هناك حرجٌ على من يترك الصيام يوم عرفة، يعني بدون عذرٍ..؟
الشيخ: من يترك صيام عرفة بدون ماذا؟
المذيع: بدون عذرٍ يعني.
المتصلة: يعني بدون عذرٍ.
الشيخ: وهو من غير الحاج؟
المتصل: نعم ليس حاجًّا.
الشيخ: إي نعم.
المذيع: شكرًا لكِ، تفضل يا شيخ.
الشيخ: صيام عرفة مستحبٌّ استحبابًا مؤكدًا وليس واجبًا، قد قال النبي : صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده [4]، فهو مستحبٌّ استحبابًا مؤكدًا، لكن صيامه ليس بواجبٍ؛ ولهذا فمن ترك صيام عرفة فلا حرج عليه؛ لأنه ترك أمرًا مسنونًا، وليس أمرًا واجبًا.
المذيع: أحسن الله إليكم، هذا الأخ خالد من الرياض، يسأل عن صبغ الشعر للمرأة أو الرجل لمن يريد أن يضحي، هل يدخل في عدم قص الشعر؟
الشيخ: صبغ الشعر ليس له علاقةٌ بالأضحية، إنما الذي له علاقةٌ هو قص الشعر، وليس صبغ الشعر، هو القص؛ لقول النبي : إذا دخلت هذه العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا [5] أخرجه مسلمٌ في “صحيحه”.
فالممنوع هو أن يأخذ من شعره أو من أظفاره، أن يقص من شعره أو من أظفاره شيئًا، أما بالنسبة للصبغ: فالصبغ ليس له علاقةٌ بالأضحية.
المذيع: نعم، بارك الله فيكم.
أحمد من الرياض، حياك الله.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياك الله يا شيخ.
المذيع: حياك الله، تفضل.
المتصل: يا شيخ، عندي سؤال: والدي توفِّي من ثلاثة أشهرٍ، وأوصانا أن … البيت، ويستخرج أضحية، لكن الآن البيت عليه نزاعٌ من ناحية الورثة، هل أنا يمكن أن أذبح الأضحية عنه، أو عندما ينتهي النزاع ونرى ماذا يصير للمنزل؟
الشيخ: نعم، لا بأس أن تضحي عن والدك، هذا من البر به، من البر به أن تضحي عنه، إلى أن تُنهى الإشكالية أو النزاع الموجود في البيت، فأنت بهذا محسنٌ، وهذا أيضًا من البر بالوالد، ومأجورٌ على هذا إن شاء الله.
المتصل: طيب، وهل أمسك عن الحلاقة وقص الأظافر؟
الشيخ: هل ستضحي عن نفسك؟
المتصل: لا، عنه هو.
الشيخ: نعم، ما يلزمك أن تمسك، لكن الذي أنصحك به -يا أخي الكريم- أن تجعل أضحيةً عن نفسك وتُشرك معك والدك، وفضل الله واسعٌ، ضحِّ عن نفسك، وأشرك معك والديك وأولادك وزوجتك وأهل بيتك، فضل الله واسعٌ، لا تُحَجِّر واسعًا، هذا الذي أنصح به، ما دمت الآن تريد أن تضحي بأضحيةٍ، فاجعلها عن نفسك وعن والديك وأولادك وزوجتك ومن تحب.
المتصل: طيب، لأنه قال: أريد لي أضحيةً، ما ينفع أخصصها له هو أو..؟
الشيخ: لو خصصتها له فلا بأس، لكن الذي أنصح به أن تجعل عن نفسك وعنه وعن والدتك أيضًا وأهلك.
المتصل: جزاك الله خيرًا يا شيخ.
الشيخ: بارك الله فيك.
المذيع: حياك الله بارك الله فيك يا أخ أحمد.
متواصلون معكم مستمعينا الكرام، معنا الأخ خالد من الرياض، حياك الله.
المتصل: أخانا خالد الرميحي، السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام أخانا خالد.
المتصل: شيخنا سعد الخثلان، حفظه الله ، ومتع الله بعلمه الإسلام والمسلمين.
الشيخ: اللهم آمين.
المتصل: عندي ثلاثة أسئلةٍ إن شاء الله.
المذيع: سريعًا، تفضل.
المتصل: يا شيخ سعد، هناك بعض الناس يتوضأ، ويتنشَّف بالمناديل مباشرةً.
الشيخ: كيف، يتوضأ وماذا؟
المذيع: يقول يا شيخ: إنه أول ما يتوضأ مباشرةً يتمسَّح.
الشيخ: إي نعم.
المذيع: طيب، تفضل معالي الشيخ.
الشيخ: نعم، لا حرج عليه إذا أخذ المنديل وتمسَّح به بعد الوضوء، لا حرج عليه في هذا، وأما ما ورد من أن النبي أتته إحدى أزواجه بالمنديل فرده وجعل ينفض الماء بيده [6]، هذا جاء في حديث ميمونة رضي الله عنها في “الصحيح”، فللعلماء كلامٌ في فهم هذا الحديث؛ قالوا: إن هذه واقعة عينٍ، يحتمل أن المنديل لم يكن نظيفًا، ويحتمل أن النبي رأى أنه لا حاجة لاستعمال المنديل، بل إن بعض أهل العلم قال: كون أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها تأتي بالمنديل إليه ، هذا يدل على أن مِن عادته أن يتنشَّف بعد اغتساله.
ولهذا فالذي يظهر والله أعلم: أن استعمال المنشفة أو المنديل، أو نحوهما، بعد الوضوء والغسل، أنه من الأمور المباحة، لا يقال فيه باستحبابٍ ولا بكراهةٍ؛ لأنه لم يرد فيه شيءٌ صحيحٌ صريحٌ، وإنما ورد فيه حديث ميمونة رضي الله عنها الذي أشرت إليه، وهو ليس بصريحٍ الدلالة في أفضلية أخذ المنديل أو تركه.
المتصل: السؤال الثاني يا شيخ: هنا الناس مثلًا في أمور الدنيا؛ كأن يُسلم الناس للمهندس المعماري مجال العمارة، لكن في الدين الكل كأنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بماذا تعزو ذلك يا شيخ سعد؟
الشيخ: نعم، هذا الذي ذكرته صحيحٌ، نجد أن هناك من يتجرأ على أمور الدين، ويتكلم فيها بغير علمٍ، وربما أفتى وقال على الله بغير علمٍ، وهذا لا يجوز؛ فإن القول على الله بغير علمٍ من كبائر الذنوب، والله تعالى ذكر أن هذا من وحي الشيطان: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169].
فينبغي للإنسان ألا يقول على الله تعالى بغير علمٍ، بل يجب عليه ألا يقول على الله بغير علمٍ، وأن يَحذر ذلك غاية الحذر، وإذا تكلم فيتكلم بعلمٍ، أو ينقل عن أهل العلم.
أما أن الإنسان غير المتخصص يفتي ويتكلم في دين الله بغير علمٍ فإن هذا لا يجوز، وربما يقع في القول على الله بغير علمٍ، والذي هو من كبائر الذنوب.
المتصل: هذا السؤال الأخير إن شاء الله: وأنت تصعد الدور الثاني لكي ترمي الجمار على اليسار، قالوا: هذا مسجدٌ كانت فيه بيعة العقبة الثانية.
الشيخ: نعم.
المتصل:… شيخنا؛ لأن حب الأنصار من الدين، حدِّثنا عن هذه البنود لو أمكن، البنود التي كانت تترتب على هذه الاتفاقية، وجزاكم الله خيرًا.
الشيخ: أنت تسأل عن مسجد البيعة، أو تسأل عن ماذا؟
المتصل: الشروط الخاصة بالبيعة التي كانت بين الأنصار، يقولون: سبعون نفرًا..
الشيخ: نعم.
المتصل: حدثنا عنها، وجزاك الله خيرًا شيخ سعد.
المذيع: قد تطول.
الشيخ: نعم، مسجد البيعة لا زال موجودًا إلى الآن، لكن ليس في الذهاب إليه أي فضلٍ، هو كغيره، بناه أحد الخلفاء، وبقي موجودًا حتى الآن، وهو موجوٌد في مِنًى.
وأما الكلام عن البيعة فقد حصلت بيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، كان النبي يحرص على اغتنام موسم الحج في الدعوة إلى الله ، وأن يعرض نفسه على القبائل لنصرته، إلى أن قيَّض الله تعالى له الأنصار، وكان الأنصار كانوا يسكنون في المدينة، كان اسمها “يثرب” قبل ذلك، وكان معهم اليهود، وكان اليهود يُحَدِّثونهم بأن هذا الزمن الذي هم فيه زمنٌ يخرج فيه نبيٌّ، وكان اليهود يهددون الأوس والخزرج، يقولون: لئن خرج هذا النبي لنتبعنَّه ونخرجكم من يثرب، فكان عندهم علمٌ بخروج هذا النبي، فلما عرض النبي نفسه على الأوس والخزرج كان عندهم هذا العلم المسبق، فقالوا: إن هذا هو النبي الذي تخبركم عنه اليهود، فلا يسبقوكم إليه، فكانت نفوسهم متهيئةً، فقبلوا الإسلام، واعتنقوا دين الإسلام، وحصلت بيعة العقبة الأولى، ثم بيعة العقبة الثانية، ثم هاجر إليهم النبي ، وبعد ذلك تكونت الدولة الإسلامية في المدينة، وانطلق منها نور الإسلام، وتفاصيل هذا مذكورةٌ في كتب السِّيَر.
المذيع: نعم، بارك الله فيكم فضيلة الدكتور.
ونتواصل معكم -مستمعينا الكرام- على الهواء مباشرةً، ومعنا اتصالٌ، هبة من الرياض، نعم.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: لو سمحت، كنت أريد أن أسأل الشيخ عن النذر: أنا كنت وأنا صغيرةٌ كنت كثيرًا أنذر، وما كنت أعرف الحديث عن الرسول أنه فيما معناه أن النذر هذا للبخيل، فكنت كلما أقع في مشكلةٍ أو حاجةٍ أنذر، فمن أحد النذور التي نذرتها: أن أصلي قيام الليل أربع ركعاتٍ يوميًّا مدى حياتي، ولي خمس عشر سنةً أو أكثر، الحمد لله من وقت ما نذرت وأنا حاليًّا -مع ظروف الحياة والزواج وكذا- الموضوع صار فيه شِبه مشقةٍ عليَّ، فهل يمكن أن أخرج كفارة يمينٍ عنه، أو هذا لا يجوز؟
وعندي سؤالٌ ثانٍ.
الشيخ: نجيب عن سؤالك الأول.
المذيع: لحظةً، السؤال الأول، الجواب، تفضل يا شيخ.
الشيخ: نعم، هذا النذر الذي نذرتِه هو نذر طاعةٍ، ونذر الطاعة يجب الوفاء به؛ لقول النبي : من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه [7]، متفقٌ عليه.
وابتداء عقد النذر مكروهٌ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخيرٍ، وإنما يُستخرج به من البخيل [8]، أخرجه البخاري ومسلمٌ.
وأنتِ الآن قد أوقعت نفسك في الحرج، كان ينبغي ألا تَنذري، وأن تسألي قبل هذا.
المتصل: كان -يا شيخ- جهلًا مني.
الشيخ: لكن ما دام أن هذا قد حصل الحمد لله، يعني صلاة أربع ركعاتٍ لا تكلفيك كثيرًا، تصلي ركعتين ثم ركعتين، تصلينها مثلًا في الضحى، تصلينها في الليل، ولو أن تقتصري على قصار السور، فهي لا تُكلف كثيرًا، يعني ليست من الأمور الشاقة، فلا بد من أن تلتزمي بهذه الصلاة التي نذرتها، وليس لكِ أن تتخلصي من هذا النذر بكفارة اليمين؛ لأن هذا نذرٌ مقدورٌ عليه، وهو نذر طاعةٍ.
المذيع: السؤال الثاني.
المتصل: نذرت بصلاة شكرٍ مدى الحياة، لكن علمت بعد ذلك أنه هناك شيء اسمه “صلاة شكرٍ”، فالنذر هذا كذا خطأٌ، أو ماذا؟
الشيخ: نعم، هذا تكفرين عنه كفارة يمينٍ؛ لأنه ليس هناك صلاة شكرٍ، وإنما هناك سجود الشكر، وهو أيضًا إنما يُشرع عند تجدد النعمة أو اندفاع النقمة.
فبالنسبة لنذرك الثاني: تخرجين عنه كفارة يمينٍ، كفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبةٍ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيامٍ، تطعمين عشرة مساكين، ونذرك الثاني يكفي فيه الكفارة، أما نذرك الأول فلا بد من الالتزام به.
المتصل: جزاك الله خيرًا.
المذيع: حياكم الله، شكرًا لاتصالكم.
ومعنا الاتصال الأخير الأخ أحمد من تبوك، حياك الله.
المتصل: السلام عليكم.
المذيع: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: السؤال الأول بالله يا شيخنا الكريم.
المذيع: تفضل، الشيخ يسمعك.
المتصل: السؤال الأول هو حول بطاقةٍ تسمى “بطاقة التسوق” من البنك، هذه صفتها هي… تضع فيها مبلغًا لا ينقص ولا يزيد طبعًا، وتدفع عليها مئة ريالٍ رسومًا في السنة، فإذا سَحبت من نفس البطاقة المبلغ يخصم عليك من المبلغ هذا، هل هذا جائزٌ أم غير جائزٍ؟
الشيخ: من أي بنك؟
المتصل: من.. يعني أسمي البنك، ليس هناك مشكلةٌ؟
الشيخ: نعم.
المتصل: “بنك الراجحي”.
الشيخ: نعم، طيب، إذا ذكرت البنك عرفت، يعني تصورنا واقع البطاقة، نعم هذه البطاقة لا بأس بها، وليس فيها أي محظورٍ شرعيٍّ، ومنضبطةٌ بالضوابط الشرعية.
المتصل: جزاك الله خيرًا.
السؤال الثاني: تذهب لإحدى الشركات لشراء سيارةٍ بالأقساط، يقول لك: السيارة موجودةٌ، وتتفق معهم على مبلغٍ، بعد ذلك يرسلونك لأحد المعارض لتتسلم السيارة، فهل هذا فيه شيءٌ؟
الشيخ: نعم، هذا لا بأس به، بشرط ألا يبيعوا لك السيارة إلا بعدما يتملكونها، لا بد أن يملكوا السيارة -وذلك بأن تصبح من ضمانهم، ويحوزوا بطاقةً جمركيةً- ثم يبيعوها لك بأجلٍ، بالتقسيط، هذا يسميه بعض المعاصرين بـ”بيع المرابحة للآمر بالشراء”، فهو يجوز بهذا الشرط، بشرط ألا يبيعوا لك هذه السيارة إلا بعد أن يتملكوها، وليس بمجرد تفاهمٍ مع معرض السيارات؛ لأن بعض البنوك تتفاهم فقط، مجرد تفاهمٍ مع المعرض، هذا لا يكفي، لا بد من الشراء ومن التملك، بحيث إن هذه السيارة بعدما تملَّكها البنك لو تلفت فمن ضمانه.
وأيضًا لا بد من القبض، والقبض في السيارات يكفي فيه حيازة البطاقة الجمركية الأصلية، فإذا حاز البنك البطاقة الجمركية الأصلية فقد قبضها، ثم يبيعها البنك لك بأقساطٍ، فإذا تحققت هذه الضوابط فلا بأس.
المتصل: شيخنا، جزاك الله خيرًا.
المذيع: طيب، حياك الله، بارك الله فيكم.
شكرًا لكم فضيلة الدكتور سعد.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المذيع: بارك الله فيكم وأثابكم الله.
أيها الإخوة والأخوات، إلى هنا نأتي إلى ختام حلقة هذا اليوم من برنامج (فتاوى الحج).
وقد أجاب عن أسئلتكم فضيلة الشيخ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة كبار العلماء.
نسأل الله أن ينفعنا جميعًا بما سمعنا، وأن يوفقنا لكل خيرٍ، وأن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا من كل شرٍّ، وأن يعينهم، ويسدد أيضًا جنودنا البواسل في الثغور وفي الحد الجنوبي، وأن ينصرهم، وأن يحفظ بلادنا، إنه على كل شيءٍ قديرٌ.
نلقاكم على خيرٍ -بإذن الله تعالى- في حلقة الغد، إن كان في العمر بقية بإذن الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.