|categories

(5) فتاوى رمضان 1439هـ

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للخلق أجمعين، نبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

أيها الإخوة والأخوات، مستمعي ومستمعات أثير إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية أينما كنتم: أهلا ومرحبًا بكم، وحياكم الله في خامس أيام شهر رمضان المبارك من العام الهجري 1439، وحلقة جديدة من برنامجكم (فتاوى رمضان).

حيث نستقبل أسئلتكم واستفساراتكم ليجيب عليها -بمشيئة الله تعالى- فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام، ورئيس الجمعية الفقهية السعودية.

باسمكم جميعًا نرحب بفضيلة الشيخ: حياكم الله يا شيخ سعد.

الشيخ: أهلًا، حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.

المقدم: حياكم الله يا شيخ سعد.

البارحةَ كان معنا أحد المتصلين، سأل عن نصاب الأوراق النقدية، نستأذنكم أن نبدأ بهذا السؤال.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالأوراق النقدية، القول الذي استقر عليه رأي كثير من العلماء المعاصرين، وهو الذي استقر عليه رأي المجامع الفقهية والهيئات العلمية: أن الأوراق النقدية نقدٌ قائمٌ بذاته، كقيام النقدية في الذهب والفضة، وتجري فيها الزكاة كما تجري الزكاة في الذهب والفضة.

وأما نصابها، فالقول الأرجح، وهو الذي استقر عليه رأي كثير من العلماء: أنه أدنى النصابين من الذهب أو الفضة، ومن المعلوم أن نصاب الفضة في الوقت الحاضر أقل بكثير من الذهب، وعلى ذلك فيكون نصاب الأوراق النقدية هو نصاب الفضة فيحسب سعر الجرام من الفضة، ويضرب في نصاب الفضة وهو: 595، فإذا أردنا أن نحسبها لهذا اليوم الاثنين، الخامس من شهر رمضان من عام 1439 للهجرة، نجد أن نصاب الأوراق النقدية يعادل 1178 ريالًا، وهذا الرقم ليس ثابتًا، قد يتغير تبعًا لتغير أسعار الفضة، ومن أراد الدقة في هذا ومعرفة نصاب الأوراق النقدية، فبإمكانه أن يدخل على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وينظر كم سعر الجرام من الفضة، وأعني بالفضة: الفضة الخالصة النقية، ويضرب سعر الجرام من الفضة في 595، يخرج له نصاب الأوراق النقدية، فهو في هذا القدر: 1178، وربما يتذبذب قليلًا يزيد هذا الرقم وينقص، لكنه في حدود هذه الأرقام، يعني ما بين: 1100 – 1200.

المقدم: نعم، أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.

هناك سؤال في شعيرة الصيام: الغبار الذي أحيانًا يعتري الأجواء، البعض أحيانًا يستخدم الأكسجين وبخاخ الربو، ونحو ذلك من الأشياء المتعلقة بالجهاز التنفسي، أيضًا هناك أجهزة لترطيب وتلطيف الجو تكون مثل الفواحة يخرج منها مثل البخار، هل تفطر وحكمها؟

الشيخ: هذه كلها لا تفطر الصيام، أما بالنسبة لبخاخ الربو، فإنه يذهب إلى مجاري النفس، وإلى القصبة الهوائية، وقد ينفذ منه جزء يسير جدا إلى المعدة، ولكن هذا الجزء اليسير معفو عنه؛ لأنه أقل من ملوحة الماء التي تختلط بالريق عندما يتمضمض الصائم، وهي معفو عنها بالإجماع؛ فإن الصائم عندما يتوضأ لصلاة الظهر أو لصلاة العصر فإنه يتمضمض، وإذا تمضمض اختلط بريقه أثر ملوحة الماء، ثم يبتلع الريق، وابتلاع الريق معفو عنه بإجماع، فإذا كانت ملوحة الماء هذه معفو عنها بالإجماع؛ لكونها يسيرة؛ فإن ما قد ينفذ من بخاخ الربو إلى المعدة هو أقل من ملوحة الماء المعفو عنها بالإجماع، وعلى هذا؛فبخاخ الربو بالنسبة للصائم لا بأس به ولا يفطر.

وهكذا أيضًا، بالنسبة للأكسجين، يقال له ما قيل في بخاخ الربو، وهكذا أيضًا المرطب للأجواء، هذا أيضًا لا يفطر، والأصل هو صحة الصيام، هذا هو الأصل، فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بشيء واضح، لا نحكم بفساد الصوم إلا بأمر واضح، بأن يكون من المفطرات المنصوص عليها أو في معناها.

المقدم: نعم، جزاكم الله خيرًا.

نبدأ بأول المتصلين: أم ندى من (جدة).

السائلة: أسأل الشيخ سمعت قبل أكثر من يوم إحدى الأخوات تسأل عن مانع الدورة لصيام رمضان، فالشيخ قال: أخشى من التّنَطُّع. فأختي كانت ناوية أن تأخذها، وبعد سماع الفتوى تراجعت، ولكن تقول: تود أن تستخدمها لتصلي وتستغل الأيام هذه؛ لأن دورتها تأتيها نهاية كل شهر على بداية الشهر الذي بعده، فهي الآن عندها الدورة، وأيضا تأتيها في نهاية الشهر، فيمكن حتى العشر الكاملة نهاية العشر، فهي تسأل: إيش الحكم، مع أنها سألت الدكتورة قالت لها: ما فيها ضرر، وأيام دورتها غالبًا من 13 وأحيانا تزيد إلى 14 يوم، فهي تسأل هل تستخدمها أو لا؟

الشيخ: نعم، لا بأس باستخدامها، ما دام أن الطبيب المختص قرر أنه لا ضرر فيها، لا حرج في استخدامها، والأطباء يقولون: إن استخدامها القليل لا يضر، وإنما إذا كثر فإنه يضر، لكن مع ذلك قد تكون بعض النساء ربما -حتى لو استخدمتها مرة واحدة- أضرت بصحتها؛ لأن الأجسام تختلف، لكن ما دامت الطبيبة المختصة ذكرت أن استخدامها لا يضر، فلا بأس باستخدامها حينئذ، والأمر في هذا واسع.

وأما ما أشارت إليه من التَّنَطُّع، هذا كان في سؤال لأخت تسأل كسؤال افتراضي، تقول: هل الأفضل نقول للنساء: استخدمن هذه العقاقير حتى تصمن جميع الشهر، وحتى تقمن جميع الليالي؟

فأقول: لا يحث النساء على ذلك، وحث النساء على ذلك هو الذي قد يدخل في التنطع، لكن امرأة تسأل لنفسها خاصة، وتقول: أنا أرغب أن آخذ هذه العقاقير لأجل أن أصوم كاملًا، نقول: لا بأس بهذا. لكن لا تحث النساء على ذلك، ولا يعتبر هذا من فضائل الأعمال التي تحث النساء عليه؛ لأن هذا أمر قد قدَّره الله تعالى على بنات آدم، أن المرأة يأتيها هذا الحيض، وفي الغالب أنه يكون ستة أو سبعة أيام، والمرأة معذورة في ترك الصلاة والصيام، ويجب عليها قضاء الصيام دون الصلاة، هذا أمر معروف من قديم الزمان، وكان نساء الصحابة وأزواج النبي كن إذا أتاهن الحيض لم يصمن ولم يصلين، فلا يحث النساء على استخدام هذه العقاقير، هذا هو الذي قصدته بقولي: إني أخشى أن يكون هذا من التنطع. أعني: حث النساء على استخدام هذه العقاقير، لكن امرأة تسأل عن الحكم هل يجوز أو لا يجوز؟ إذا لم يكن عليها ضرر في استخدامها فإنه يجوز.

المقدم: نعم، عبدالله التميمي.

السائل: يا شيخ، الله يجزيك خيرًا، أنا عندي ولدي أجرى عملية قص للمعدة، ولا يقدر أن يصوم، يتعب إذا صام، فقال له الدكتور: لا تصم، أريد فتواك جزاك الله خيرًا؟

الشيخ: نعم، لا يصوم، ما دام الطبيب نصحه بعدم الصيام، لا يصوم، يفطر ويقضي إن شاء الله تعالى، إذا تعافى فيما بعد يقضي.

السائل: وإذا ما قدر يقضي يا شيخ؟

الشيخ: لا، لا، إن شاء الله يقدر؛ لأن قص المعدة الآثار المصاحبة مدة يسيرة، شهر شهرين بالكثير، ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك يصبح كغيره، فيصبح قادرًا على الصيام فيما بعد إن شاء الله، والله تعالى يقول: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة: 184]. وهذا حكمه حكم المريض، وما دام أن الطبيب نصحه بالفطر؛ لأن جسمه الآن يحتاج إلى سوائل، وربما يحتاج إلى عقاقير، فيفطر وهو معذور بهذا، ويقضي فيما بعد -إن شاء الله- عندما يكون قادرًا على الصيام.

المقدم: جزاك الله خيرًا يا شيخ، هنا سؤال عن الرعاف، هل يفطر؟

الشيخ: الرعاف لا يفطر الصائم؛ لأنه يخرج بغير اختياره، والدم الذي يخرج بغير اختيار الإنسان، فالأصل أنه لا يفطر، ما عدا دم الحيض والنفاس، فهذا الرعاف حتى لو كثر لا يفطر الصائم.

المقدم: معنا عبدالله العتيبي.

السائل: سؤال فيما يتعلق بما إذا وافق العيد يوم الجمعة، وجاء إنسان لصلاة العيد بعد الركوع الثاني، هل تلزمه صلاة الجمعة أم يكتفي بالعيد؟

الشيخ: إذا وافق العيد الجمعة، فمن صلى صلاة العيد لم تجب عليه الجمعة، لكن يلزمه أن يصليها ظهرًا، وأما إذا لم يصل صلاة العيد، ولم يدرك الركوع من الركعة الثانية من صلاة العيد فتلزمه الجمعة.

وبناء على ذلك: ففي سؤالك المفترض في رجل أتى وقد رفع الإمام من الركوع من الركعة الثانية من صلاة العيد، نقول: هذا يلزمه أن يصلي الجمعة، إنما الذي لا يلزمه أن يصلي الجمعة من صلى صلاة العيد أو أدرك صلاة العيد، حتى لو أدرك الركوع من الركعة الثانية هذا يكفي ويجزئه، وفي عهد النبي اجتمع العيد والجمعة فقال عليه الصلاة والسلام: إنه اجتمع في يومكم هذا عيدانِ، فمن شاء أجزأه عن الجمعة، وإنا مجَمِّعون [1]، لكن أجمع العلماء على أن من صلى العيد يلزمه أن يصليها ظهرًا في بيته، وهذا العام من المتوقع أن يجتمع العيد والجمعة، إن شاء الله، في الغالب وعلى الأرجح، أنه سيجتمع العيد والجمعة فمن صلى العيد كفاه ذلك عن الجمعة، ومن لم يصل العيد يلزمه الجمعة، إلا الإمام والخطيب هذا يلزمه أن يصلي العيد ويلزمه أن يقيم الجمعة.

المقدم: طيب، فارس.

السائل: عندي سؤالان:

السؤال الأول: كنا نصلي التراويح مع الإمام، وفي التسليمة الأولى صلينا ركعتين، وفي التسليمة الثانية صلينا ثلاث ركعات، والثالثة والرابعة ركعتين ركعتين، ففي الشفع قام أحد المصلين فقال للإمام: لا تصلِّ لقد أوترنا؛ استنادًا لحديث النبي : لا وتران في ليلة [2]، طيب، ما توجيهكم؟

الشيخ: ماذا فعلتم طيب؟ اكتفيتم بهذا؟

السائل: نعم، اكتفينا بهذا.

الشيخ: كلام الأخ هذا غير صحيح، وفي غير محله، وعلى الإنسان أن لا يتكلم بغير علم، هذه الركعة الثالثة هي ركعة زائدة وملغاة، وكان المفترض أن الإمام يسجد للسهو، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: من قام إلى ثالثة في التراويح فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر، أرأيت لو قمت إلى الركعة الثالثة في صلاة الفجر، ماذا تفعل؟ ترجع وتسجد للسهو، هكذا أيضًا بالنسبة لصلاة التراويح، وكان ينبغي أن توتروا؛ لأن الركعة الثالثة السابقة هذه ملغاة، زائدة ولا اعتبار بها، ويفترض أنكم سجدتم للسهو، لكن هذا لا يكفي عن صلاة الوتر، لكن حيث إن هذا قد مضى، والصلاة صلاة نافلة، فالأمر في هذا واسع، والحمد لله لا يلحقكم شيء، لكن تنتبهون مستقبلا لهذه المسألة، إذا قام الإمام للثالثة أو زاد ثالثة فيسجد للسهو، وهذه الركعة الثالثة لا تعد شيئًا، أي أنكم توترون كما توترون كل ليلة.

السائل: السؤال الثاني: أنا خلف الإمام، وأنا الذي أرده إذا أخطأ، فمثلًا قال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ[المائدة: 38]. فقال: ﴿والسارقة والسارق﴾. فهل أرده؟

الشيخ: نعم، تفتح عليه حتى ينطق الآيات النطق الصحيح.

السائل: وفي الحركات حتى؟

الشيخ: إي نعم، الحركات إذا كانت تغير المعنى ترد عليه، وتنبهه بعد الصلاة على أنه أخطأ؛ حتى يستفيد، وأما إذا بدَّل كلمةً بدَلَ كلمةٍ، وقدَّم أو أخَّر، فإنك تفتح عليه، خاصة أنه قد ائتمنك، وائتمنك جماعة المسجد، ووضعوك لتفتح على الإمام، فينبغي أن تكون أمينًا، وأن تكون دقيقًا في هذا، وإذا أخطأ الإمام تفتح عليه وترد عليه؛ لأنه قد أُوكِلَت إليك هذه المهمة.

المقدم: نعم، شكرًا لفارس.

معنا: كَرَّار من مكة، تفضل يا كرار.

السائل: بالنسبة لخروج المذي في نهار رمضان لمداعبة الزوجة؟

الشيخ: نعم، خروج المذي في نهار رمضان، اختلف العلماء في حكمه وفي أثره، والقول الراجح: أنه لا يفسد الصيام، وذلك؛ لأنه ليس هناك دليل ظاهر يدل على أنه يفسد الصيام، واختار هذا القول أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وجمع من المحققين من أهل العلم، ومفسدات الصيام قد وردت النصوص ببيانها وإيضاحها، وليس منها المذي.

وأما قول النبي : يدع شهوته وطعامه من أجلي [3]، فهذا إنما هو في الشهوة التي تترك، وهو خروج المني وما يرتبط به من الجماع وغيره.

وأما خروج المذي فليس شهوة تترك، وإنما هو يخرج بغير اختيار الإنسان، والأصل صحة الصيام، ولهذا؛ في القول المرجح عند كثير من المحققين من أهل العلم: أن خروج المذي لا يفسد الصيام، ومما يدل لذلك أيضًا: ما جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي كان يُقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم [4]، وقد يصحب ذلك خروج المذي؛ فدل هذا على أنه لا يفسد الصيام.

المقدم: من أسئلة المستمعين يا شيخ سعد: هذا سؤال عن القرآن، نزل مفرقًا على النبي في مراحل متفرقة من حياته، وأيضًا: ما هو تفسير قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:281]، كيف نجمع بين الآية وبين نزول القرآن منجمًا؟

الشيخ: نعم القرآن نزل منجمًا في ثلاث وعشرين سنة، وكانت أول آية: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، وآخر آية: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [البقرة:281]، والمراد بنزول القرآن المذكور في قول الله ​​​​​​​: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، وفي قوله: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، وفي قوله: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:3]، المراد بذلك: ابتداء نزوله على القول الأرجح.

وقال بعض أهل العلم: إنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل مفرَّقًا، ولكن هذا يَرِد عليه عدة إشكالات:

  • أولًا: لم يثبت في هذا حديث مرفوع إلى النبي ؛ وإنما رُوي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
  • ثانيًا: يرد عليه إشكالات أن بعض الآيات تتنزل على الوقائع؛ فكيف تكلم الله بهذا؟! يعني: أكثر من مرة يعني: يرد على هذا عدة إشكالات؛ مثل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1]، وغير ذلك من الآيات التي تتنزل على حسب الوقائع.

وعلى هذا؛ فالأظهر، وهو المرجح عند كثير من المحققين من أهل العلم: أن المقصود بنزول القرآن: ابتداء نزوله، وأن ابتداء نزول القرآن كان في ليلة القدر في شهر رمضان، هذا هو القول الراجح في معنى الآية.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

معنا: مصطفى.

السائل: بالنسبة للسحور، لا بد من استحضار النية في كل يوم، أو نية واحدة تكفي؟

الشيخ: نية واحدة تكفي، إذا كنت تصوم شهر رمضان كل عام، ودخل شهر رمضان، وعلمت أن غدًا رمضان، فأنت قد نويت؛ فالنية تتبع العلم، من علم أن غدًا رمضان فقد نوى، ومن تسحَّر فقد نوى، ولذلك؛ لا يُشَدِّد الإنسان في موضوع تبييت النية؛ لأن هذا التشديد قد يؤدي إلى الوسواس، ولذلك؛ أقول: نية واحدة تكفي، إذا أتى شهر رمضان نويت أن تصوم جميع أيام الشهر، هذه النية تكفي، إلا في حق من أفطر لعذر، كامرأة مثلًا، أفطرت لأجل الدورة الشهرية ثم طهرت، هنا تحتاج إلى أن تُبيِّت النية مرة أخرى لبقية أيام الشهر، أما شخص يريد أن يصوم شهر رمضان كاملًا، تكفيه نية واحدة من أول الشهر.

المقدم: شكرًا يا مصطفى.

الشيخ سعد، من أسئلة المستمعين: سؤال حول توجيهٍ للأئمة، البعض يطيل جدًّا، والبعض يقصر جدًّا، وأيضًا، البعض يؤذن ويقيم في فترة وجيزة، فهل من توجيه حول هذا الموضوع؟

الشيخ: نعم، الإمام مؤتمَنٌ، وعليه أن يحرص على الطمأنينة في الصلاة؛ لأن بعض الأئمة -خاصة في صلاة التراويح- يسرعون في الصلاة، وينقرونها نقرًا لا يتحقق معه ركن الطمأنينة، ومن صلى صلاة لم يطمئن فيها فليس له من صلاته إلا التعب، لا تصح صلاته ولا صلاة من خلفه؛ فقد جاء رجل ورسول الله في المسجد فصلى، ثم أتى وسلَّم عليه فرد عليه السلام، وقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تُصَلِّ. ثم صلى، وسلم عليه فرد عليه السلام وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل. فصلى، ثم أتى وسلم، فرد عليه السلام وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل. قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا، فعلمني. فعلَّمه النبي الطمأنينة في الصلاة، وقال: إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة وكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا.. إلخ الحديث [5]

وقوله: فصل فإنك لم تصل هذا نفي، والأصل في النفي أنه ينصرف إلى نفي الوجود، فإن لم يمكن فإلى نفي الصحة، فإن لم يمكن فإلى نفي الكمال.

ونفي الوجود هنا متعذر، فالصلاة موجودة وقائمة؛ فينصرف إذَنْ إلى نفي الصحة، وعلى ذلك؛ فالذي يصلي صلاة لم يطمئن فيها لا تصح صلاته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ. أي أن صلاتك غير صحيحة.

وكذلك: على الإمام أن يمكن المأمومين من الإتيان بالسنن، فضلًا عن الواجبات والأركان، وأيضًا في المقابل: لا يطيل إطالة منفرة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام لما أطال معاذ : أيها الناس، إنَّ منكم منَفِّرين؛ أيكم أمَّ الناس فليخفف [6]، فلا يطيل إطالة منفرة، ويراعي أيضًا أحوال الناس في هذا الزمان؛ فأحوال الناس في هذا الزمان ليست كأحوال الناس زمن الصحابة أو زمن التابعين، فلا بد أيضًا من مراعاة هذه الأحوال، ويحرص الإمام على الاعتدال بأن يصلي صلاة مطمئنًّا فيها، من غير أن يحصل فيها إطالة أو إشقاق أو إثقال على المصلين، وأيضًا يطمئن فيها الاطمئنان المطلوب.

المقدم: شكر الله لكم، هذا محمد الحربي.

السائل: يا شيخ، أنا عندي والدي قبل ست سنوات حصل له ظرف صحي، وهو قبل رمضان تقريبًا بخمسة أشهر أصيب بحادث ودخل في غيبوبة، ولكن في تلك السنة أفطر عشرين يوما تقريبًا من رمضان، وإلى الآن الوالد حصلت له أشغال، وإن شاء الله، نقول: ما هو تفريط، ولا صام ولا قضى ذلك إلى هذا الوقت، إلى يومه هذا، فإذا أراد أن يقضي بعد رمضان، فهل يجب مع القضاء كفارة؟

الشيخ: لكن لما أفطر كان سبب الفطر ماذا؟

السائل: أدوية كان يأخذها في نهار رمضان.

الشيخ: يعني السبب كان المرض؟

السائل: نعم المرض، أصيب بحادث ودخل في غيبوبة، وبعد ذلك صحا قبل شهر رمضان، وفي وقت رمضان ذاك العام كان يأخذ بعض الأدوية في نهار مضان.

الشيخ: والآن صحته طيبة؟

السائل: إي الآن الحمد لله، من بعد رمضان ذاك اليوم صام إلى هذا اليوم.

الشيخ: لكنه لم يقض.

السائل: إي لم يقض إلى الآن، هل تجب الكفارة مع القضاء؟

الشيخ: نعم، نقول: أولًا: عليه أن يبادر بالقضاء بعد رمضان، ويستحب له أن يطعم عن كل يومٍ مسكينًا، ولا يجب على القول الراجح؛ لأنه ليس هناك دليل ظاهر يدل على الوجوب؛ والله تعالى يقول: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة: 184]. فذكر الله تعالى القضاء فقط، وما روي من آثار عن بعض الصحابة فهي اجتهاد منهم، أو أنها تُحمَل على الاستحباب، فيستحب له أن يطعم عن كل يوم مسكينًا ولا يجب، لكن الواجب عليه القضاء، فعليه أن يبادر بالقضاء بعد رمضان.

السائل: إي، لكن يا شيخ -الله يجزيك خيرًا- هو تقريبا ما صام إلى الآن، وله خمس سنوات، يعني خمس سنوات مر عليه رمضان ولا قضى، فهل يلزمه في كل سنة أن يقضي على كل سنة إفطار صائم؟

الشيخ: أولًا يقضي، أهم شيء القضاء، ويستحب ولا يجب، إن تيسر أن يطعم عن كل يوم مسكينًا فهذا طيب، وإن لم يتيسر فيكفي القضاء.

المقدم: شكرًا لمحمدٍ.

وبسؤال محمدٍ نختم هذه الحلقة، شكرًا لكم شيخ سعد.

الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 1073.
^2 رواه أبو داود: 1439، والترمذي: 470، والنسائي: 1678.
^3 رواه مسلم: 1151.
^4 البخاري: 1929، ومسلم: 1106/ 65.
^5 رواه البخاري: 757، ومسلم: 397.
^6 رواه البخاري: 7159، ومسلم: 466.