بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان، إخوة الإسلام، إخوة القرآن، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نرحب بكم في مستهل حلقة هذا اليوم، في هذا اليوم الفضيل المبارك، الثاني من شهر رمضان المبارك، الجمعة من عام 1439 من الهجرة النبوية الشريفة، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
نحييكم -أيها الإخوة الكرام- ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، وأن يجعلنا دائمًا وأبدًا من المقبولين.
أيها الإخوة الكرام، يسرنا أن نرحب بضيفنا الكريم، فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.
ونحن معكم -أيها الأحبة- نتواصل ونستقبل أيضًا أسئلتكم واتصالاتكم على هاتف البرنامج.
أهلًا بالجميع، وأسأل الله في هذا اليوم الفضيل المبارك، ونحن في هذه الساعة المباركة، أن يغفر لنا، وأن يغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا، إنه على كل شيءٍ قديرٌ.
أيها الأحبة، هذه لحظاتٌ إيمانيةٌ رائعةٌ في هذا المكان الطاهر المبارك، وفي هذا اليوم الفضيل المبارك.
ونرحب بضيفنا الكريم:…
أهلًا بكم مجددًا وبضيفنا الكريم فضيلة الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.
السلام عليكم، فضيلة الدكتور.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: بارك الله فيكم وأثابكم الله، وأسأل الله أن ينفع بهذا اللقاء.
بادئ ذي بَدءٍ لعلكم تتحدثون عن هذا الشهر الفضيل المبارك، وعن هذه الأيام الفضيلة المباركة، ولو اختصرتم لنا كلمةً عن القرآن الكريم.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن هذا الشهر المبارك من مواسم التجارة مع الله بالأعمال الصالحة، فينبغي للمسلم أن يغتنم هذا الموسم فيما ينفعه، وفيما يقربه إلى الله تعالى زلفى؛ فإن عمر الإنسان في هذه الدنيا قصيرٌ، وسيلقى ربه حتمًا يومًا من الأيام، يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق:6].
ومجالات الخير كثيرةٌ ومتنوعةٌ، وما أشرتم إليه من تلاوة القرآن، لا شك أنه من أعظم الأعمال الصالحة، وأن تلاوة القرآن تتأكد في هذا الشهر المبارك، شهر القرآن؛ كما قال : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].
فينبغي للمسلم أن يكثر من تلاوة القرآن العظيم في هذا الشهر المبارك، ينبغي لك -أخي المسلم، ويا أختي المسلمة- أن تختم القرآن على الأقل مرةً واحدةً في هذا الشهر.
وقد كان السلف الصالح لهم عنايةٌ عظيمةٌ بتلاوة القرآن في شهر رمضان؛ كان الإمام مالكٌ إذا دخل شهر رمضان أوقف دروس العلم، وأقبل على تلاوة القرآن وقال: إنما هو شهر القرآن، وكان للإمام الشافعي رحمه الله ستون ختمةً في رمضان، أي أنه يختم في اليوم مرتين، والآثار عن السلف في هذا كثيرةٌ.
ونجد في الوقت الحاضر أناسًا منَّ الله عليهم؛ض فهناك أناسٌ أحياء يرزقون يختمون القرآن كل يومٍ في رمضان، وهذا من فضل الله، وفضل الله يؤتيه من يشاء؛ كما قال النبي : لا حسد -أي: لا غبطة- إلا في اثنتين..، وذكر منهما: رجلٌ آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار [1]، أي: أعطاه الله القرآن، ووفقه لتلاوة القرآن، وهو يقوم بهذه التلاوة ساعات الليل وساعات النهار.
وأفضل ما تكون التلاوة بالنسبة للرجال: أن تكون في المسجد؛ لأنه إذا حصل ذلك فإنه يَصدُق عليهم قول النبي : ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده [2]، رواه مسلمٌ.
فإذا جلست -يا أخي- في المسجد مع الناس تتلو كتاب الله ، فإنه يُرجى أن يشملك هذا الفضل العظيم المذكور في هذا الحديث، فكونك تقرأ في المسجد خيرٌ من أن تقرأ في البيت؛ لأنك إذا قرأت في المسجد، فإنك تتعرض لنفحات الله ؛ تغشاك الرحمة، تحفك الملائكة، يذكرك الله فيمن عنده، فليجعل المسلم هذا الحديث العظيم نُصْبَ عينيه: ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله -يعني المسجد- يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.
وهكذا أيضًا الأخت المسلمة، ينبغي أن يكون لهنا عنايةٌ كبيرةٌ بالقرآن العظيم، والمرأة حتى وإن كانت حائضًا يجوز لها -على القول الراجح- أن تقرأ القرآن، لكن من غير أن تمس المصحف، فينبغي لكِ -أختي المسلمة- أن تجعلي لكِ نصيبًا من الوقت في تلاوة كتاب الله والارتباط به.
المقدم: اللهم آمين، نسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا.
الشيخ: اللهم آمين.
نستقبل أول اتصالٍ في هذه الحلقة، عبدالعزيز من الرياض، حياك الله.
السائل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل: كل عامٍ وأنتم بخيرٍ.
المقدم: وأنت كذلك.
السائل: ممكن أن أسأل الشيخ ثلاثة أسئلةٍ؟
المقدم: تفضل، معك الشيخ.
السائل: السلام عليكم يا شيخ، كيف حالك؟
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله، نحمد الله ونشكره، الله يبارك فيك.
السائل: يا شيخ السؤال الأول: أمي مريضةٌ، والطبيب منعها من الصيام، فهل أصوم عنها، أو أدفع كفارةً عنها، أو ماذا أفعل؟
المقدم: طيب، تفضل اسمع الجواب أولًا بأولٍ.
الشيخ: مرضها لا يرجى بُرؤه؟
السائل: والله يا شيخ، مرضها -اللهم عافنا وعاف المسلمين جميعًا- السرطان يا شيخ.
المقدم: ما جواب السؤال الأول يا شيخ؟
الشيخ: نعم، نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيها.
إذنْ يكون على والدتك إطعامٌ، يُطعَم عنها عن كل يومٍ مسكينٌ، لكن تؤجلون هذا إلى آخر رمضان، أو بعد رمضان، أو تطعمون عن كل يومٍ بيومه.
السائل: يا شيخ، والدتي في سوريا، وأنا أعمل هنا في الرياض، فهل أطعم عنها هنا في السعودية أو في سوريا؟
الشيخ: الأمر واسعٌ، سواءٌ كان الإطعام هنا أو هناك، لكن المهم أن تَستأذِن منها، لا بد أن تعطيك الإذن بأن تطعم عنها، لكن تؤجل هذا إلى آخر رمضان، أو بعد رمضان، أو تطعم عن كل يومٍ بيومه، لا يصح أن تطعم عن جميع رمضان مقدمًا الآن، هذا لا يصح، على القول الراجح لا يصح، آخر رمضان تدفع عن الأيام الماضية كلها، في ثلاثين رمضان مثلًا، أو بعد رمضان.
السائل: طيب يا شيخ، جزاك الله خيرًا.
السؤال الثاني يا شيخ: أنا أعمل في مطعمٍ وعمل المطعم من العصر إلى المغرب، ومن بعد التراويح إلى الفجر، فهل إذا كنت أريد أن أذهب إلى البيت وأستحم، وأنام إلى الساعة السادسة صباحًا، وأستيقظ العصر، هل يا ترى صيامي صحيحٌ من العصر إلى المغرب، هذا صيامنا بالنسبة إلى المطاعم؛ لأننا إلى السحور نعمل؟
الشيخ: نعم، صيامك صحيحٌ، الصيام هو الإمساك بنيةٍ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، حتى وإن كنت نائمًا، لكن المهم أن تصلي الصلاة في وقتها، لا تؤخر الصلاة عن وقتها.
السائل: لا، بلا شكٍّ أستيقظ لأصلي الظهر، وأرجع لأنام إلى العصر، وأذهب إلى عملي؟
الشيخ: نعم، صيامك صحيحٌ، ويمكن وأنت تعمل في المطعم أن تستغل وقتك؛ تذكر الله ، يعني: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هذه يمكن أن تأتي بها وأنت تعمل في المطعم، فالمهم أن يكون لديك هذا النَّفَس، أن تحرص على اغتنام الوقت في الأعمال الصالحة، وأما بالنسبة للصيام فهو صحيحٌ والحمد لله.
السائل: جزاك الله خيرًا يا شيخ.
السؤال الثالث بعد إذنك: قراءة القرآن من الجوال هل تصح؟ لأن أكثر عملي في المطعم، لأنه يصير لي وقتٌ أفتح الجوال على القرآن وأقرأ؟
الشيخ: نعم، لا بأس به، لا فرق بين قراءة القرآن في الجوال، أو قراءة القرآن في المصحف الورقي، هذا قرآنٌ وهذا قرآنٌ، لكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان المصحف مكتوبًا على الألواح، وعلى الرقاع، وعلى كَرَب النخل [3]، ثم تطورت الصنعة فأصبح مكتوبًا على الأوراق، ثم في وقتنا الحاضر أصبح على الجوال، المهم هو القراءة بغض النظر عن كونك تقرأ عن ظهر قلبٍ، أو تقرأ من المصحف الورقي، أو تقرأ من المصحف الجوال، الأجر واحدٌ، الأجر لا يختلف، أما اعتقاد بعض الناس أنك إذا قرأت من المصحف الورقي أنه أعظم أجرًا فهذا غير صحيحٍ، المهم هو أن تقرأ القرآن.
السائل: جزاك الله خيرًا يا شيخ، والله يطول في عمرك، وكثَّر الله خيرك.
المقدم: جزاك الله خيرًا يا عبدالعزيز، بارك الله فيكم، ولا زلنا معكم -أيها الأحبة- ونستقبل اتصالاتكم.
معنا اتصالٌ، نورة من الرياض.
السائلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام.
السائلة: لو سمحت أنا عندي سؤالان أريد أن أسأل الشيخ.
الشيخ: نعم.
سؤالي الأول: أنا لي وِردٌ من القرآن يوميًّا، لكن في بعض المرات يأتيني العذر، فهل أكمل وردي، أو أتوقف على قول من يقول: إنه أثناء العذر لا تقرأ المرأة القرآن؟ وهل يجوز أن أقرأ من كتاب تفسيرٍ وأنا حائضٌ، أقرأ القرآن من التفسير، أو أنه ما ينبغي لنا..؟
المقدم: طيب، سؤالكِ الثاني.
السائلة: السؤال الثاني: أنا أصلي التراويح في المسجد، فيوتر الإمام، وبعض المرات يَطُول الليل عليَّ، فأريد أن أصلي مرةً أخرى، هل في ذلك شيءٌ، أو ما أصلي الوتر مع الإمام حتى أكمل قيام الليل، أقصد الوتر؟
المقدم: طيب، شكرًا، تفضل يا شيخ.
الشيخ: نعم، أما بالنسبة لسؤالها الأول عن قراءة الحائض للقرآن: فلا بأس بها، ونقول للأخت الكريمة: أكملي وردك واقرأي القرآن، لكن من غير أن تمسي المصحف مباشرةً، يمكن أن تجعلي في يديك قفازين، وتمسكي المصحف من خلف القفازين، أو من وراء حائلٍ عمومًا، لكن المرأة الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن على القول الراجح؛ لأنه ليس هناك دليلٌ يمنع الحائض من قراءة القرآن، والحديث المروي في منع الحائض من قراءة القرآن حديثٌ ضعيفٌ لا يصح عن النبي .
وهذه المسألة -أعني مسألة قراءة الحائض للقرآن- من المسائل العظيمة التي تحتاج لها الأُمَّة، يحتاج لها نصف الأمة، فيحتاج لها جميع النساء، ولو كانت الحائض ممنوعةً من قراءة القرآن لبين ذلك النبي بيانًا واضحًا، ولاشتهر ذلك كما اشتهر منع الحائض من الصلاة، ومنع الحائض من الصيام، ومنع الحائض من الطواف، هذه اشتهرت؛ لأنها ثابتةٌ ومحفوظةٌ عن النبي ، أما منع الحائض من قراءة القرآن فلم يشتهر ذلك، ولم يثبت عن النبي بسندٍ صحيحٍ، بل إنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت في حجة الوداع: افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت ولا تصلي [4]، هذه رواية أحمد، وفي رواية البخاري في حديث جابرٍ : “فأمرها أن تصنع ما يصنع الحاج، غير ألا تطوف بالبيت ولا تصلي”، فنهاها فقط عن أمرين: عن الطواف بالبيت، وعن الصلاة، ولا ريب أن قراءة القرآن من أفضل أعمال الحاج، ولو كانت ممنوعةً منه لذكر ذلك النبي .
وعلى هذا: فيجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن، والحمد لله.
المقدم: السؤال الثاني: قالت: من صلت التراويح وأوترت مع الإمام، وأرادت أن تصلي بقية الليل، ماذا يترتب عليها؟
الجواب: نعم، لا بأس أن تصلي من آخر الليل ولو كانت قد أوترت، فيجوز للإنسان أن يصلي بعد الوتر، ومما يدل لذلك: ما جاء في “صحيح مسلمٍ” أن النبي كان يصلي بعد صلاة الوتر ركعتين وهو جالسٌ [5]، قال أهل العلم: وإنما فعل ذلك ليبين الجواز، ولكنه ينبغي أن يكون الغالب من حال المسلم أن يجعل آخر صلاته بالليل وترًا.
فنقول للأخت الكريمة: إن كنت في بعض الأحيان تريدين أن تصلي من آخر الليل فلا بأس، ولو كنت قد أوترت.
أما إذا كان الغالب أنك تصلين من آخر الليل، فإذا سلم الإمام من الركعة الأخيرة من صلاة الوتر فقومي واشفعي هذه الصلاة بركعةٍ، ثم بعد ذلك صلي من الليل ما تيسر، مثنى مثنى، ركعتين ركعتين، ثم اختمي صلاتك بالوتر؛ لقول النبي : صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدةٍ [6].
وعلى ذلك: فأنتِ بين هاتين الطريقتين: إما أن توتري مع الإمام، ثم بعد ذلك تصلين مثنى مثنى، أو أنك إذا سلم الإمام من الوتر تشفعين هذه الصلاة بركعةٍ، ثم تصلين في البيت مثنى مثنى، ثم تختمين صلاتك بالوتر.
وأقول: إذا كان ذلك يحصل أحيانًا على غير الغالب، فلا حاجة إلى أن تشفعي صلاتك بالوتر، صلي متى ما تيسر في البيت مثنى مثنى، ولا يضر.
أما إذا كان من عادتكِ أنك إذا رجعت للبيت تصلين، أو تصلين في آخر الليل، فإذا سلم الإمام من الركعة الأخيرة فتشفعين بركعةٍ، ثم تصلين في البيت.
وأقول: إن هناك بعض الناس -قبل أن يصلي الإمام الركعة الأخيرة من الوتر- ينصرف؛ بحجة أنه يريد أن يصلي في بيته، أقول: الأفضل أن تصلي مع الإمام، وأن توتر مع الإمام؛ حتى يدركك الفضل المذكور في قول النبي : من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلةٍ [7]، وإذا انصرفت قبل انصراف الإمام فإنه لا يكتب لك قيام ليلةٍ، فإذنْ أكمل الصلاة مع الإمام، وإذا أردت أن توتر في البيت، فاشفع بركعةٍ، ثم صل في البيت ما شاء الله، ثم بعد ذلك اجعل آخر صلاتك بالليل وترًا.
المقدم: جزاك الله خيرًا يا شيخ سعد.
معنا اتصالٌ، محمد من الرياض، حياك الله.
السائل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل: جزاكم الله خيرًا شيوخنا، كيف حالكم؟
المقدم: حياكم الله، هَلَا والله.
السائل: الله يتقبل منكم الطاعات، ومنا ومنكم يا رب.
المقدم: اللهم آمين، تفضل بالسؤال.
السائل: يا أخي، عندي ثلاثة أسئلةٍ.
المقدم: أعطني إياها.
السائل: يا شيخ، أنا عندي وقت فراغٍ في العمل، أوقات في العمل ننهي عملنا ونجلس، فهذا الوقت أنا سأقرأ فيه القرآن، وأفتح صوت قارئٍ من القراء وأتابع معه، هذا أول سؤالٍ، سؤالي عن الموضوع هذا، هل هناك مشكلةٌ أنني وقت العمل أقرأ القرآن، أو لا بد بعد العمل أقرأ القرآن؟
المقدم: طيب، السؤال الثاني.
السائل: السؤال الثاني: لي ناسٌ أعرفهم في البلاد الغربية أوروبا، مقيمون في السويد، يقولون: إنهم يصومون وقتًا طويلًا، إحدى وعشرين ساعةً، وسمعوا بعض الفتاوى -لا أعرف من أين جاءتهم- قالوا: يمكن أن يفطروا قبل الوقت، قلت: أنا لست متأكدًا، سأسأل لكم؟
المقدم: طيب، السؤال الثالث.
السائل: السؤال الثالث: أنا موظفٌ في شركة مطاعم، فعندهم بقايا خبزٍ، ما يقارب خمسين ربطة خبزٍ، وهم يلقونها، فقلت لهم: أعطوني إياها، وأنا سأعطيها لرعاة الغنم، وأعطيتها لرعاة الغنم مرةً أو مرتين، فاتضح لي مؤخرًا أنه يمكنني بيعها، فصرت أبيعها، أنا آخذها من المطاعم وأبيعها، هذا يجوز أو لا يجوز، وجزاكم الله خيرًا؟
المقدم: حياكم الله يا محمد، شكرًا لك، وبارك الله فيكم.
تفضل يا شيخ، يقول: إن له ناسًا يعرفهم في اسكتلندا، في أوروبا بشكلٍ عامٍّ، يصومون نحو عشرين ساعةً، أو إحدى وعشرين ساعةً، ويقول: هل يمكن أن يفطروا قبل ذلك؟
الشيخ: ليس لهم أن يفطروا قبل ذلك، إلا أن يكونوا من أهل الأعذار؛ كالمرضى وكبار السن ونحو ذلك، ما دام أن الليل يتمايز عن النهار، وتغرب الشمس، ويطلع الفجر، فيجب عليهم أن يصوموا النهار؛ لقول الله : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].
وهذه المسألة قد بُحثت كثيرًا في المجامع الفقهية والهيئات العلمية، واستقرت عليها الفتوى، وفيها قرارٌ من “المجمع الفقهي” بأنه لا يجوز لهم أن يفطروا، إلا من كان معذورًا؛ كالمريض وكبير السن ونحو ذلك، أما من يكون صحيحًا معافًى، فلا يجوز له الفطر، وهذا هو الذي تدل له الأدلة.
ثم لو أخذنا المسألة بالمقارنة، الوقت عندنا الآن في المملكة العربية السعودية النهار من خمس عشرة ساعةً إلى ست عشرة ساعةً، والوقت في تلك الدول ثماني عشرة ساعةً، أو تسع عشرة ساعةً تقريبًا، وقد يصل إلى عشرين، الفارق بينا وبينهم ليس كبيرًا، بل إن الجو عندهم ربما يكون أفضل من الجو عندنا وأكثر برودةً ولطافةً؛ فالمسألة متقاربةٌ، وإذا اتجهنا إلى الشمال؛ مثلًا إلى بلاد الشام وإلى تركيا، النهار أيضًا أطول، ربما يصل إلى سبع عشرة ساعةً.
فإذنْ: لا يسوغ لهم الإفطار، إلا من كان من ذوي الأعذار، وهم قد استقرت الفتيا عندهم في هذا من زمنٍ طويلٍ؛ لذلك ينبغي أن يستمروا على ما هو مستقرٌّ عندهم في الفتيا، وما استقرت عليه آراء المجامع الفقهية والهيئات العلمية.
وما يُسمع من فتاوى تجيز لهم الفطر والشمس موجودةٌ: هذه فتاوى غير صحيحةٍ، كيف يفطرون والشمس موجودةٌ؟! هذا لا يجوز، ما دام أن النهار يتمايز من الليل.
فإذنْ أقول: هؤلاء عليهم أن يصوموا، والإنسان ما دام صحيحًا معافًى فلا يضره الصيام، حتى لساعاتٍ طويلةٍ لا يضره، بل ربما يكون ذلك أصح لبدنه.
فإذنْ ما دام الليل يتمايز من النهار، ولم يكن الإنسان من ذوي الأعذار، فالأصل أنه يجب عليه أن يتم الصيام إلى الليل.
المقدم: نعم سؤاله الأول: سأل أنه يكون عنده فراغٌ في العمل، ويقرأ القرآن الكريم، ما حكم ذلك؟
الشيخ: إذا كانت قراءته للقرآن لا تؤثر على عمله فلا بأس، فإذا كان مثلًا عنده وقت فراغٍ، وليس مطلوبًا منه العمل، ولا تؤثر قراءة القرآن على عمله فلا بأس بهذا، بل إن هذا من حسن استغلال الوقت، أن يستغل وقته بدل أن يكون فارغًا، يستغل وقته في قراءة القرآن، فهذا أمرٌ طيبٌ.
المقدم: كان يعمل -أو لا يزال يعمل- في أحد المطاعم، ويبقى بعض الخبز والأكل، ثم كان له في البداية أن يلقيه عند الرعاة، لكنه مؤخرًا قرر أن يبيعه، ما حكم بيعه لهذه البقايا؟
الشيخ: لا بأس ببيعها؛ لأن هذه البقايا المطاعم مستغنيةٌ عنها، وهي تلقيها في القمامة، فهو يريد أن يستغلها، وأن يتكسب منها، فهذا لا بأس به، وهو بذلك مستفيدٌ، وأيضًا في هذا التصرف حفظٌ للنعمة وعدم امتهانٍ لها، فهذه الفكرة لا بأس بها، إذا قرر أن يبيع هذه البقايا للرُّعاة ومن يستفيد منها، فلا بأس بذلك.
المقدم: نعم، بارك الله فيكم، نعود إلى الاتصالات، معنا هناء من الرياض.
السائلة: أنا اغتسلت من الدورة مع الفجر، وبعد صلاة العصر وجدت مثل الصُّفْرة والأوساخ عليَّ، صيامي صحيحٌ أو لا؟
المقدم: طيب، شكرًا لك، تفضل يا شيخ.
الشيخ: نعم، المرأة إذا رأت الطهر فإن الإفرازات من الصفرة والكُدْرة وغيرها بعد الطهر لا تعد شيئًا؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: “كنا لا نَعد الصفرة ولا الكدرة بعد الطهر شيئًا” [8]، لكن المهم أن ترى الطهر على الوجه الشرعي؛ إما أن ترى القَصة البيضاء، وهي سائلٌ أبيض، يخرج من بعض النساء عند انتهاء الحيض، ويكون علامةً على الطهر، وإما أن يحصل عندها الجفاف وانقطاع الدم يومًا وليلةً فأكثر، فإذا حصل الطهر على الوجه الشرعي، ثم حصل بعد ذلك إفرازاتٌ من صفرةٍ أو كدرةٍ أو غيرها، فإن هذه الإفرازات لا تعد شيئًا، أي أن المرأة تصلي معها وتصوم.
المقدم: نعم، بارك الله فيكم، نعود الآن إلى الأسئلة التي وردت إلى البرنامج عبر جوال البرنامج:
أم عمر من الدمام تقول: نحن في عصر رمضان المبارك -نحن النساء- نقوم بطبخ الطعام وتهيئته، هل لنا أجر تفطير صائمٍ؟
الشيخ: يرجى ذلك، وفضل الله تعالى واسعٌ، إذا نوت المرأة بهذه الخدمة وإصلاح الطعام للصائمين، نوت بذلك الأجر من الله ، فهي مأجورةٌ على هذا العمل، وعلى تهيئة الطبخ، ولكن المقصود بحديث: من فطَّر صائمًا فله مثل أجره [9]، من يأتي له بطعام الإفطار، لكن المرأة في بيت زوجها الطعام من مال الزوج، وهي فقط إنما تصلحه، فهي لا يصدق عليها الوصف المذكور في الحديث: من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، وإنما هي تؤجر على قيامها بهذه الأعمال بخدمة زوجها وأهل بيتها وأسرتها، هي مأجورةٌ على ذلك إن شاء الله.
وبهذه المناسبة: أنصح الأخوات اللاتي يعملن في المطبخ وقت الصيام بأن يغتنمن الوقت، المرأة وهي تعمل أثناء الطبخ ينبغي أن تذكر الله وهي تعمل، تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتكرر ذلك، فهي بهذا تكسب أجورًا عظيمةً، وحسناتٍ كبيرةً، جاء في “صحيح مسلمٍ” أن النبي قال يومًا للصحابة: أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنةٍ؟ قالوا: يا رسول الله، كيف يكسب ألف حسنةٍ؟ قال: يسبح مئة تسبيحةٍ، فيكتب له بها ألف حسنةٍ، أو يُحط عنه بها ألف سيئةٍ [10]، مجرد مئة تسبيحةٍ يكسب الإنسان ألف حسنةٍ، هذا خيرٌ عظيمٌ، فبإمكان الأخت المسلمة وهي تُصلح الطعام أن تغتنم الوقت في التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، وفي الذكر عمومًا.
المقدم: نعم، أحمد الزين أيضًا من السودان، يسأل يقول: ما حكم التهنئة بقول الإنسان: “رمضان كريم”؟
الشيخ: لا بأس بذلك، التهنئة بدخول شهر رمضان هي من باب العادات، والأصل في العادات الحل والإباحة، والإنسان يُهنَّأ بما يسُرُّه، ولا شك أن المسلم يسره أن الله تعالى قد أنعم الله عليه بنعمة بلوغه هذا الشهر المبارك، فالتهنئة برمضان بأية صيغةٍ لا بأس بها، إما: “رمضان كريم”، أو “رمضان مبارك”، أو “الشهر عليكم مبارك”، أو نحو ذلك من العبارات، كل ذلك لا بأس به.
المقدم: نعم، نختم هذه الحلقة بهذا السؤال: هل يجوز لي العمرة وأنا عليَّ دَينٌ متفرقٌ؟
الشيخ: إذا كان هذا الدَّين مؤجلًا فلا بأس، أما إذا كان الدين حالًّا فيجب عليك أن تسدد الدين أولًا ثم تعتمر، أو تستأذن من الدائن؛ وذلك لأنك لو اعتمرت وعليك دينٌ حالٌّ فكأنك اعتمرت بمال الدائن، والدائن عندما يراك تذهب للعمرة وأنت لم تسدد له دَينه يجد في نفسه، ولذلك عليك أن تبدأ أولًا بسداد الدَّين الواجب، ثم تأتي بعد ذلك بالعمرة النافلة، إلا إذا استأذنت من الدائن، أو غلب على ظنك أن الدائن لا يمانع من هذا فلا بأس به، ومثل ذلك أيضًا الحج، فليس للإنسان أن يحج وأن يعتمر وعليه ديونٌ حالةٌ حتى يسدد هذه الديون.
وينبغي أن يكون عند الإنسان فقهٌ في هذه المسائل؛ يبدأ بالأمور الواجبة، العمرة ليست واجبةً عليك، إذا كنت قد اعتمرت من قبل فالعمرة مستحبةٌ، وسداد الدين واجبٌ، فعليك أن تبدأ أولًا بسداد الدين ثم تعتمر، لكن مع ذلك لو اعتمرت وعليك دينٌ حالٌّ ولم تستأذن، فالعمرة صحيحةٌ؛ لأنها مكتملة الأركان والشروط والواجبات، لكنك تأثم بمماطلة الدائن في سداده حقه.
المقدم: جزاك الله خيرًا يا شيخ سعد، وبارك الله.
الشيخ: وبارك الله فيكم، وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
المقدم: أيها الإخوة والأخوات، إلى هنا نأتي إلى ختام حلقة هذا اليوم من برنامج (فتاوى رمضان).
وقد أجاب عن أسئلتكم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعودٍ الإسلامية.
نلقاكم في لقاءٍ مقبلٍ بإذن الله تعالى، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 7529، ومسلم: 815. |
---|---|
^2 | رواه مسلم: 2699. |
^3 | كَرَب النخل: أصول السعف، أمثال الكتف. الصحاح للجوهري: 1/ 212. |
^4 | رواه البخاري: 7230، ومسلم: 1211، وأحمد: 26344. |
^5 | رواه مسلم: 738. |
^6 | رواه البخاري: 472، ومسلم: 749. |
^7 | رواه أبو داود: 1375، والترمذي: 806، وابن ماجه: 1327، والنسائي: 1364، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. |
^8 | رواه أبو داود: 307. |
^9 | رواه الترمذي: 807، وابن ماجه: 1746. |
^10 | رواه مسلم: 2698. |