بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للخلق أجمعين، نبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أيها الإخوة والأخوات، مستمعي إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية أينما كنتم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلًا ومرحبًا بكم، وحياكم الله في ثالث أيام هذا الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك، لعام 1439 لهجرة المصطفى ، نسأل الله تعالى أن يعيننا على صيامه وقيامه، وأن يتقبل منا، وأن يعتق رقابنا، ويغفر ذنوبنا، نحن ووالدينا ووالديهم ومن نحب أجمعين.
حياكم الله في حلقةٍ جديدةٍ من هذا البرنامج المبارك (فتاوى رمضان).
ليجيب عليها -بمشيئة الله تعالى- فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ورئيس مجلس إدارة الجمعية الفقهية السعودية.
حياكم الله يا شيخ سعد.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم، وحيَّا الله الإخوة المستمعين.
المقدم: حياكم الله يا شيخ سعد، وباسمكم جميعًا، باسم المستمعين الكرام: نرحب بكم في هذه الحلقة.
لو نبدأ الحديث شيخ سعد، بحديثٍ قصيرٍ عن حال النبي مع الصدقة في رمضان المبارك.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد كان النبي أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله -حين يلقاه جبريل- أجود بالخير من الريح المرسلة، كان عليه الصلاة والسلام كريمًا جَوَادًا، لكن كان يتضاعف جوده في هذا الشهر المبارك، فينبغي لنا أن نقتدي بالنبي ، وأن يظهر الجود والكرم على الإنسان في هذا الشهر، شهر الجود والخير والإحسان.
يتفقد أولًا: الأموال التي عنده، فيخرج الزكاة فيما وجب فيه الزكاة، طيبة بها نفسه، ثم بعد ذلك يكثر من البذل والإنفاق والصدقات في سبل الخير.
ومن ذلك: تفطير الصائمين، ومن فطَّر صائمًا كان له مثل أجره [1]، ويدخل في إطعام الطعام.
ومن ذلك: مساعدة الفقراء والمساكين.
ومن ذلك: تسديد الديون عن الغارمين؛ فإن في هذا أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا، كم من إنسان مدين تراكمت عليه الديون، وربما حبس بسبب ذلك الدَّين، وربما يكون مِن خلفِه أسرة وأطفال قد حرم من الاجتماع بهم بسبب هذه الديون، فما أعظم أجرَ من ساعد هؤلاء المدينين، وسدد عنهم الديون التي عليهم لكي يجتمعوا بأسرهم، ويسعدوا بالخروج من السجن! هذا أجره عظيمٌ عند الله .
وهكذا أيضًا: مساعدة الأرامل والأيتام، و: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله [2]، و:أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا [3]، وهكذا نجد أن سبل الخير كثيرة ومتعددة، فينبغي للإنسان أن يحرص بعد إخراج الزكاة أن يكون له بذل وإنفاق في سبل الخير.
المقدم: نعم، نسأل الله أن يوفقنا جميعًا للطاعات، وأن يتقبل منا في هذا الشهر الفضيل.
نبدأ بأول المتصلين معنا: أنوار، السلام عليكم.
السائلة: عندي سؤال: أمي تعتمر عن أمها الميتة هل يجوز؟
المقدم: تفضل يا شيخ سعد.
الشيخ: لا بأس بهذا، إذا كانت قد اعتمرت عن نفسها، فلا بأس أن تعتمر عن والدتها المتوفاة، ويكون هذا من باب إهداء ثواب القُرَب، فهي تريد أن تعتمر وأن تهدي ثواب العمرة لوالدتها الميتة، وهذا لا بأس به، بل ربما يدخل هذا في البِرِّ بها؛ لأن هذا من أعظم ما يكون من الإحسان لها.
المقدم: يا شيخ سعد، العبادات التي يمكن إهداء ثوابها للميت لو توضحونها؟
الشيخ: نعم، هذه محل خلافٍ كثيرٍ بين أهل العلم، والذي يظهر، كما قال الحنابلة وغيرهم: أنَّ جميع العبادات يصح إهداء ثوابها للقُرَب، خاصة ما وردت فيه أحاديث، أو ما وردت فيه آثار عن السلف الصالح، فيصح إهداء ثوابها للأموات، لكن ينبغي أن لا يكثر الإنسان من ذلك؛ فهذا يعتبر -عند كثير من المحققين من أهل العلم- من قبيل الجائز غير المشروع، وأعني بقولي: الجائز، أي أنه يجوز ذلك، لكن هو ليس من الأمور المشروعة التي يُحَثُّ الناس على فعلها.
فبعض الناس تجد أن كثيرًا من الأعمال الصالحة التي يقوم بها من العمرة أو تلاوة القرآن وغير ذلك، يهدي ثوابها للأموات، ويحرم نفسه من أن يكون ثوابها له، فأقول: كما أن هذا الميت بحاجة للعمل الصالح؛ فأنت أيضًا بحاجة للعمل الصالح، فاجعل هذا العمل الصالح لك، واحرص على الدعاء للميت، فأفضل ما يفعله الحي للميت هو الدعاء، ولهذا؛ قال عليه الصلاة والسلام: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له [4]، فالدعاء هو أحسن ما يفعله الحي للميت.
وأيضًا الصدقة الجارية كذلك، لو عمل له صدقة جارية، يعني وقفًا، فهذا مما يصل ثوابه للميت، لكن ينبغي عدم التوسع في هذا، وأن يجعل الإنسان الأعمال الصالحة لنفسه، لا بأس بأن يهدي أحيانًا بعض أعمال القرب، خاصة ما ورد فيه النص مثل: الصدقة، والعمرة، فلا بأس بإهداء ذلك، لكن من غير توسع.
المقدم: نعم، أحسن الله إليكم.
أبو خالد.
السائل: نلاحظ في بعض الناس -هدانا الله وإياهم- قبل ساعة الإفطار ربما يتزاحمون عند محلات الأدوات الغذائية، وتجد منهم من يصيح ويشتم بسبب تَمِيزٍ أو فُولٍ، ويتسابون ويتشاتمون، ويضيعون صيامهم، كلمة توجيهية من فضيلتكم -حفظكم الله- حول هذا الموضوع بألا يضيع الإنسان صيام يومه في عرض من الدنيا حفظكم الله؟ هذا سؤالي؟
الشيخ: نعم، أقول: الصائم ينبغي أن يحترم هذه الشعيرة، شعيرة الصيام، وأية معصية تقع من الصائم فإنها تخدش هذا الصيام، وتنقص من أجر الصيام، وربما إذا كثرت المعاصي من الصائم، قد يصل للمرحلة التي ذكرها النبي في قوله: من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه [5]، أخرجه البخاري في “صحيحه”.
ومعنى هذا الحديث: أن من لم يدع المعاصي القولية والفعلية، وعبَّر عن المعاصي القولية بقوله: قول الزور. وعبَّر عن المعاصي الفعلية بقوله: والعمل به. فمن لم يدع المعاصي، وكثرت منه المعاصي في نهاره ولم يتأدب بآداب الصوم، فقد يصل لهذه المرحلة، أن الله ليس بحاجة أن يدع طعامه وشرابه، لا حاجة لهذا الصيام الذي لم يتأدب فيه الصائم بآداب الصوم.
نجد -كما ذكر الأخ الكريم- أن بعض الناس، وبخاصة في آخر النهار، يكون عندهم شيء من العصيبة والنرفزة وسرعة الغضب، فيغضبون لأتفه سبب، وربما تصدر منهم أقوال وأفعال غير لائقة، وهذا لا شك أنه يؤثر على أجورهم، يؤثر على صيامهم.
فعلى المسلم إذَنْ أن يتأدب بآداب الصوم، حتى لو أخطأ أحد معه، ينبغي ألا يرد عليه بالمثل؛ كما قال النبي : وإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم [6]، مع أن مقابلة السباب بمثله جائز؛ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]، وإن كان العفو أفضل، لكن مقابلة السباب بمثله، الأصل فيه أنه جائز، لكن إذا كان الإنسان صائمًا فينبغي له ألا يقابل السباب بمثله؛ وإنما يقول: إني امرؤ صائم، ويقول: إني امرؤ صائم لينبه الذي قد سابَّه أو اعتدى عليه بأنه لم يترك الرد عليه عن ضعف، وإنما ترك الرد عليه احترامًا لشعيرة الصوم.
المقدم: معنا: نوف.
السائلة: عندي أخي وعمره 12، أفطر في رمضان؟
المقدم: تسأل يا شيخ: أخوها عمره 12، أفطر في شهر رمضان؟
الشيخ: إذا كان هذا غير بالغٍ فليس عليه شيءٌ؛ لأن غير البالغ مرفوع عنه القلم؛ لقول النبي : رفع القلم عن ثلاثة…، وذكر منهم: عن الصبي حتى يبلغ [7]، ولكن ينبغي تعويد الصبيان على الصيام، قد كان السلف الصالح كانوا يعودون صبيانهم على الصيام.
ينبغي أن يعود الصبيان والأطفال المميِّزون على الصيام، وأن يشجعوا على ذلك، وهذا؛ حتى يتمرنوا عليه ويألفوه.
وكذلك أيضًا، ينبغي أمرهم بالصلاة؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر [8]، وهذا كله من باب التربية والتعويد، ولكن من جهة الحكم الشرعي، فإن هؤلاء الصبيان مرفوع عنهم القلم، أي قلم التكليف، حتى يبلغوا، قبل البلوغ لا يؤاخذون بترك أي أمر من الأمور الشرعية، لكن مع ذلك، وليُّ هذا الصبي ينبغي أن يُمَرِّنه وأن يعوِّده على فعل الطاعات، وأن يسعى لإصلاحه وحسن تربيته.
المقدم: نعم، نفع الله بعلمكم يا شيخ سعد، أحيانًا البعض -من أجل تعويد الأبناء على الصلاة وعلى الصيام، أحيانًا يجبرهم على ذلك، وأحيانًا ربما البعض يحضر أبناءه إلى المسجد؛ فيكون شيءٌ من الإزعاج للمصلين، لو من توجيه في هذا الموضوع؟
الشيخ: أما بالنسبة لإجبارهم على ذلك، فما دام أنهم غير بالغين، ينبغي عدم الإجبار؛ لأنهم غير مكلفين، ومرفوع عنهم قلم التكليف، وهذا يعني لو تركوا هذه العبادة لما أثموا، لو تركوا الصوم ليس عليهم إثم، لكن يشجعون، ويوضع لهم حوافز ونحو ذلك.
وأما بالنسبة لإحضار الصبيان للمساجد؛ إذا كان الصبي مميزًا قد بلغ سبع سنوات فأكثر، فهذا ينبغي أن يحضر للمسجد لكي يصلي مع الناس؛ لأنه مأمور بالصلاة، فينبغي أن تكون هذه الصلاة في المسجد، وبخاصة صلاة التراويح حتى يألف هذا المظهر، ويتمرن عليه ويعتاده، ويكون لذلك أثر في حياته وفي سلوكه في المستقبل.
أما الأطفال الذين هم دون سن التمييز، دون سبع سنوات، فهؤلاء ينبغي عدم إحضارهم للمساجد؛ لأنهم في الغالب يحصل منهم إزعاج، وتشويش على المصلين، والمصلون أتوا للمسجد يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا، يريدون الأجر والثواب من الله ، ويريدون أن يخشعوا في صلاتهم، فإذا شَوَّش عليهم هؤلاء الأطفال، فإن هذا يحول بينهم وبين الخشوع، والمسجد هو بيت من بيوت الله ، ودار للعبادة، وليس بروضة أطفال، أو بمحل للحضانة حتى يأتي الأب بطفله غير المميِّز للمسجد، الطفل غير المميز إنما يكون في البيت، يكون عند أمه، يكون عند من يرعاه، إلا عند الضرورة، وعند الحاجة الملحة، هنا لا بأس، وقد كان النبي كان يسمع صوت بكاء الصبي فيخفف الصلاة؛ مخافة أن تفتن أمه، وهذا يدل على أنه كان من نساء الصحابة من يحضرن أطفالهن، لكن هذا ينبغي أن يكون عند الحاجة الملحة، وأيضًا، من يأتي بهذا الطفل عند الحاجة، أو عند عدم وجود أحد يقوم برعايته، ينبغي أن يجعله في طرف الصف حتى لا يزعج المصلين، وأن يكون قريبًا منه، وأيضًا يشترط ألا يكون هذا الطفل مؤذيًا بطبعه ومزعجًا، فعند الحاجة الملحة لا بأس بهذه الضوابط.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.
معنا: أبو أحمد.
السائل: عندي سؤال في الزكاة: أنا أقرضت أحد الإخوان مبلغًا من المال، وهو طبعًا مقتدر ولكن لا يستطيع السداد الآن، فبالنسبة لدفع الزكاة لمبلغ الدين الذي عنده هل أقوم به الآن، أم عندما أستلم المبلغ؟
الشيخ: لكن أنت ضامن أن يرد لك هذا المبلغ؟
السائل: إي نعم.
الشيخ: هذا فيه الزكاة، وأنت بالخيار؛ إن شئت أخرجت الزكاة الآن، وإن شئت أخرت الزكاة حتى تستلم هذا المبلغ، لكن تُزَكِّيه عن جميع السنوات الماضية.
المقدم: يعني حتى لو طالت المدة، تكون الزكاة عن كل سنة؟
الشيخ: نعم، حتى لو طالت المدة؛ لأن هذا المال هو في حكم المال الموجود عندك، كأنه عندك أنت رصيد في البنك.
المقدم: شيخ سعد، هناك في موضوع النية، كما يقال: النية هي عبادة العلماء. أو مقولة قريبة من هذا، هل يمكن للإنسان أن يعمل عملًا واحدًا بأكثر من نية، خاصةً ونحن في شهر رمضان الذي على الإنسان أن يجتهد في العبادة؟
الشيخ: نعم، ينبغي أن يحرص المسلم على إخلاص النية لله ، وعلى تحقيق النية، لذلك؛ لما ذكر النبي الصيام صيام رمضان قال: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه [9]، ولما ذكر القيام، قال: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه [10]، ولما ذكر ليلة القدر قال: من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه [11]، فانظر كيف أن النبي قيد مغفرة الذنوب في هذه الأحاديث، إذا وقع ذلك العمل عن إيمان واحتساب، وهذا يدل على أهمية العناية بشأن النية.
ومعنى الإيمان: الإيمان بالله، وبما أعد من الثواب للصائمين والقائمين، ومعنى الاحتساب: أن يخلص النية لله ، فلا يأتي بهذا الصيام أو بهذا القيام رياء أو سمعة أو موافقة للمجتمع، وإنما يبتغي الأجر والثواب من الله ، ويستحضر ذلك عندما يصوم، يستحضر أنه إنما صام لله ، عندما يقوم ويصلي التراويح يستحضر أنه إنما فعل ذلك لله ، وهو بذلك يحصل على الأجر العظيم والثواب الجزيل.
والنية وأعمال القلوب لها أثر كبير في قبول العمل، وتتفاوت بسببها الأجور؛ هذا سعد بن معاذ ، أسلم وعمره واحد وثلاثون، ومات وعمره سبعة أو ثمانية وثلاثون، يعني بقي في الإسلام ستًّا أو سبع سنوات فقط، ومع ذلك؛ أخبر النبي بأنه لما مات اهتز لموته عرش الرحمن [12]، كما جاء في “الصحيحين”.
وذلك الذي يظهر -والله أعلم- أنه كان له عناية كبيرة بأعمال القلوب، فهذه الأعمال التي عملها في هذه السنوات القليلة كان أجرها عظيمًا، وثوابها كبيرًا، ولذلك؛ لما مات اهتز لموته عرش الرحمن.
المقدم: أحسن الله إليكم وجزاكم الله خيرًا.
نعود إلى اتصالات المستمعين، معنا: باخت.
السائل: قصة الرجل الذي جامع في نهار رمضان، الأعرابي، والنبي عليه الصلاة والسلام ذكر له الكفارات وفي الأخير: قال: إطعام ستين مسكينًا. وفي آخر الحديث أنه جاء بعذق تمر، فقال له: أطعم المساكين. فقال: ليس هناك أفقر من أهل بيتي. أو: ما بين لابَتَيْها أفقر من أهل بيتي. قال: خذه فأطعمه أهلك.
سؤالي يا معالي الشيخ: لَمْ يستفسر الرسول عليه الصلاة والسلام هل أهله يصلون لهذا العدد، ستين أو أنه يكفي لأهله فقط؟ يعني هل يكفي هذا أنه يطعم أهله دون أن يسأل عن العدد؟
الشيخ: أولًا: هذه القصة هي في “الصحيحين”، قصة الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان، وأتى النبي وقال: يا رسول الله، هلكتُ؟ قال: ما أهلكك؟. قال: وقعت على أهلي في رمضان. فقال له النبي : هل تعتق رقبة؟. قال: لا. قال: هل تصوم شهرين متتابعين؟. قال: وهل أوقعني إلا الصيام! قال: أطعم ستين مسكينًا. قال: والله يا رسول الله، ما بين لابَتَيْها أهل بيتٍ أفقر منا، فضحك النبي ، وقال: خذ هذا فأطعمه أهلك [13].
وقوله: خذ هذا فأطعمه أهلك. ليس على سبيل الكفارة؛ وإنما من باب المساعدة، ومن باب إعانته لكونه فقيرًا، وذلك؛ لأنه لا يمكن أن يكون الرجل مَصرِفًا لكفارته، كما لا يكون مَصرِفًا لزكاته، أرأيت لو أن إنسانًا عنده دراهم، وتجب فيها الزكاة، وهو مدين، هل يمكن أن يصرف الزكاة لنفسه في سداد دينه؟
السائل: لا، طبعًا.
الشيخ: نعم، كذلك أيضًا، لا يمكن أن يصرف كفارته لنفسه، فهذا الرجل أعطاه النبي هذا من باب المساعدة، ولذلك؛ كثير من أهل العلم قالوا: إنَّ هذه الكفارة قد سقطت عنه بالعجز، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، قالوا: إن هذه الكفارة قد سقطت عنه لكونه عاجزًا، لكن هذا الذي أعطاه ليس على سبيل الكفارة؛ لأن عدد أهل البيت لا يصلون إلى ستين، ولأن الإنسان لا يكون مَصرِفًا لكفارته كما لا يكون مصرفًا لزكاته.
السائل: آخر سؤال يا شيخ لو تكرمت: في حديث النبي عليه الصلاة والسلام لما صلى بهم الفجر، وقال: من أصبح منكم صائمًا؟، من أطعم مسكينًا؟، من تبع جنازة؟، من عاد مريضًا؟، فكان أبو بكر يقول: أنا. فقال الرسول يقول: ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة، فالظاهر أن أبا بكر فعلها دون علم النبي عليه الصلاة والسلام بهذا، فلو أن إنسانًا تعمد الآن؛ أصبح صائمًا مثلا، يوم الخميس أو الاثنين، ودخل المسجد الحرام، وزار مريضًا في مستشفى، وأطعم مسكينًا، وصلى وتبع جنازة، فهل يدخل في ذلك، أم أنه يشترط أن يكون صدفة؟
الشيخ: نعم، أولًا: هذا الحديث حديث صحيح، أخرجه مسلم في “صحيحه”، قال فيه النبي يومًا للصحابة: من أصبح منكم اليوم صائمًا؟، يعني صيام تطوع، قال أبو بكر : أنا يا رسول الله. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟. قال أبو بكر : أنا يا رسول الله. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟. قال أبو بكر : أنا يا رسول الله. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟. قال أبو بكر : أنا يا رسول الله. فقال النبي : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة [14]، رواه مسلم.
وهذا يدل على أن هذه الأعمال الصالحة الأربعة، إذا اجتمعن في إنسان، كان هذا من أسباب دخول الجنة، سواء أكان ذلك عن قصد أو عن غير قصد، حتى لو تقصَّد هذا وحَرَص على أن يفعل هذه الأمور الأربعة، بأن أصبح يومًا صائمًا صيام تطوع، وعاد مريضًا، وتبع جنازة، وأطعم مسكينًا، فإنه يرجى له هذا الفضل، وانظر إلى طرح النبي هذه الأسئلة على الصحابة رضي الله عنهم؛ حتى يشجعهم على هذه الأعمال الصالحة، ثم انظر إلى عظيم مبادرة أبي بكر الصديق للأعمال الصالحة، ففي يوم واحد أصبح صائمًا، وتبع جنازة، وعاد مريضًا، وأطعم مسكينًا، وربما له أعمال صالحة أخرى أيضًا، لم تذكر في هذا الحديث، فانظر إلى مسارعة الصديق لعمل الخير، ولهذا؛ كان أفضل هذه الأمة بعد نبيها .
المقدم: شكرًا لك يا باخت، وشكرًا لكم شيخ سعد، وبسؤال باخت نختم هذه الحلقة.
الشيخ: وشكرًا لكم وللإخوة المستمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه الترمذي: 807، وابن ماجه: 1746، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. |
---|---|
^2 | رواه البخاري: 5353، ومسلم: 2982. |
^3 | رواه البخاري: 6005. |
^4 | رواه مسلم: 2682. |
^5 | البخاري: 1903. |
^6 | رواه البخاري: 1904، ومسلم: 1151/ 163. |
^7 | رواه أبو داود: 4398، وابن ماجه: 2041، والنسائي: 3432. |
^8 | رواه أحمد: 6756، وأبو داود: 495. |
^9 | رواه البخاري: 38، ومسلم: 760/ 175. |
^10 | رواه البخاري: 37، ومسلم: 759/ 173. |
^11 | رواه البخاري: 35، ومسلم: 760/ 175. |
^12 | البخاري: 3803، ومسلم: 2466/ 123. |
^13 | البخاري: 1937، ومسلم: 1111/ 81. |
^14 | مسلم: 1028. |